الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ0%

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ مؤلف:
تصنيف: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
الصفحات: 318

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

مؤلف: علي موسى الكعبي
تصنيف:

الصفحات: 318
المشاهدات: 174261
تحميل: 6599

توضيحات:

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 318 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174261 / تحميل: 6599
الحجم الحجم الحجم
الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

مؤلف:
العربية

وعدّا الذين ذكرناهم من أولاد الإمام الباقرعليه‌السلام ، هناك بعض المصادر تكاد تنفرد بذكر أسماء أو مزارات ومشاهد ادُّعي أنّها منسوبة إلى أولاد صلبيين للإمام الباقرعليه‌السلام ، ولم تذكرهم المصادر المشهورة ، ومنهم زيد بن الإمام محمد الباقرعليه‌السلام ، عدّه العمري من أولاد الثقفية ، وذكر أنّه درج مع أشقائه عبيد اللّه وإبراهيم(١) . ومنهم آمنة بنت الإمام الباقرعليه‌السلام ، قال ياقوت : بين مصر والقاهرة مشهد يقال : إنّ فيه قبر آمنة بنت محمد الباقر(٢) . وخديجة بنت الإمام الباقرعليه‌السلام ، فقد عدّها الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الباقرعليه‌السلام (٣) ، وذكر العمري أنّها أُم يحيى بن الحسين ذي الدمعة بن زيد الشهيد(٤) . وفيما يلي نذكر بعض أخبار أولاد الإمام الباقرعليه‌السلام .

١ ـ أبو عبد اللّه جعفر الصادقعليه‌السلام :

وكان من بين اخوته سيد ولد أبيه ، وخليفته ووصيه ، والإمام القائم بالإمامة من بعده ، ولدعليه‌السلام في السابع عشر من شهر ربيع الأوّل سنة ٨٣ هـ ، وهو اليوم الذي وُلد فيه جدّه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان ذلك إيذاناً بإحياء السنّة ونشر

__________________

(١) المجدي : ٩٤.

(٢) معجم البلدان ٥ : ١٤٢.

(٣) رجال الشيخ : ١٠٢.

(٤) المجدي : ١٦٦.

٨١

الحديث على يديه ، فأقام الإسلام على أُصوله الأولى وأُسسه الثابتة التي أوشكت على الانهيار في ظلّ البلاطين الأُموي والعباسي ، قيل فيه : ذو علم غزير في الدين ، وأدب كامل في الحكمة ، وزهد بالغ في الدنيا ، وورع تام عن الشهوات(١) . والحديث عن علمه وزهده وتقواه ومنزلته لا يحيط به محيط ، ولا يقف على متناه إلاّ اللّه.

٢ ـ عبد اللّه بن محمد الباقرعليه‌السلام :

وهو شقيق الإمام الصادقعليه‌السلام ، أُمّهما أُم فروة ، وهو أكبر اخوته بعد الصادقعليه‌السلام ، وقد توفّي شهيداً ، سقاه السمّ أحد رجال بني أُمّية.

روى أبو الفرج الأصفهاني وغيره بالإسناد عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، قال : دخل عبد اللّه بن محمد بن علي بن الحسين: على رجل من بني أُمّية ، فأراد قتله ، فقال له عبد اللّه : لا تقتلني أكن للّه عليك عيناً ، ولك على اللّه عوناً(٢) . فقال : لست هناك(٣) . وتركه ساعة ، ثم سقاه سُمّاً في شراب سقاه إيّاه فقتله(٤) .

قال الشيخ المفيد : وكان عبد اللّهعليهما‌السلام يشار إليه بالفضل والصلاح(٥) . وتدلّ أخبار سيرته على موالاته لأخيه الصادقعليه‌السلام ، لكن ذكر في بعض المصادر أنّه ادّعى الإمامة لنفسه ، وكان على خلاف مع أخيه الإمام الصادقعليه‌السلام ، وما لبث

__________________

(١) الملل والنحل / الشهرستاني ١ : ١٤٧.

(٢) يريد بذلك أنه ممن يشفع إلى اللّه فيشفعه.

(٣) أي لست أهلاً للشفاعة.

(٤) مقاتل الطالبيين : ١٠٩ ، شرح شافية أبي فراس / ابن أمير الحاج : ١٥٥ ، الإرشاد ٢ : ١٧٦.

(٥) الإرشاد ٢ : ١٧٦.

٨٢

عبد اللّه إلاّ يسيراً حتّى مات(١) ، من هنا سمّاه بعضهم الأفطح ، وعدّه من أولاد الباقرعليه‌السلام (٢) ، مع أنّه لم يدّعِ أحد من أولاد الباقرعليه‌السلام الإمامة ، ولا ادّعاها أحد لهم ، قال الشيخ المفيد : ولم يعتقد في أحد من ولد أبي جعفرعليه‌السلام الإمامة إلاّ في أبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام خاصّة(٣) .

ويبدو أنّ منشأ هذا الوهم هو الخلط بين عبد اللّه الأفطح ابن الإمام الصادقعليه‌السلام ، وعبد اللّه بن الإمام الباقرعليه‌السلام ، وعبد اللّه الأفطح هو الذي ادّعى الإمامة بعد أبيه الإمام الصادقعليه‌السلام ، وكان متّهماً بالخلاف على أبيه في الاعتقاد ، وكان يخالط الحشوية ، ويميل إلى مذاهب المرجئة ، وادّعى بعد أبيه الإمامة ، فاتبعه على قوله جماعة من أصحاب أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، ثم رجعوا بعد ذلك إلى القول بإمامة أخيه موسىعليه‌السلام لمّا تبيّنوا ضعف دعواه ، وقوّة أمر أبي الحسنعليه‌السلام ، ودلالة حقّه وبراهين إمامته(٤) .

٣ ـ أُم سلمة بنت محمد الباقرعليه‌السلام :

أُمّها أُم ولد ، وذكر بعضهم أنّها البنت الوحيدة للإمام الباقرعليه‌السلام ، وأنّ اسمها زينب ، وكنيتها أم سلمة(٥) . رُوي أنّها كانت عند ابن عمّها محمد بن عبد اللّه بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، الذي يقال له الأرقط ، فولدت له إسماعيل(٦) .

__________________

(١) كشف الغمّة ٢ : ٣٤٩ ، عن كتاب الدلائل للحميري.

(٢) راجع : مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٩.

(٣) الإرشاد ٢ : ١٧٦.

(٤) الإرشاد ٢ : ٢١١ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٢٩٩.

(٥) تاج المواليد : ١١٨.

(٦) نسب قريش / الزبيري : ٦٣ ، المجدي : ٩٤.

٨٣

٤ ـ زينب بنت محمد الباقرعليه‌السلام :

أُمّها وأُم شقيقها علي أُم ولد ، وقيل : إنّ أُم زينب أُم ولد أُخرى غيرها ، قيل : إنّها كانت عند عبيد اللّه بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ثم خلف عليها عبيد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن محمد بن عمر بن علي أبي طالب ، فولدت له محمداً والعباس ومحمداً الأصغر وخديجة وفاطمة وأُم حسن(١) .

اُخوته :

المشهور أنّ له من الأخوة عشرة وهم : الحسن ، والحسين الأصغر ، والحسين الأكبر ، وزيد الشهيد ، وسليمان ، وعبد الرحمن ، وعبد اللّه ، وعلي وكان أصغر أخوته ، وعمر ، ومحمد الأصغر ، وأربع أخوات ، وهن : أُم كلثوم ، وخديجة ، وعلية وكنيتها أُم علي ، وفاطمة.

وهناك تفاوت في عدد الأخوة والأخوات ، فقيل : كان له أربعة أخوة ، وقيل : سبعة ، وقيل : ثمانية ، ولم يكن له أخت ، وقيل : كان له تسعة أخوة وأربع أخوات ، وقيل : له عشرة أخوة ، وسبع أخوات ، وقيل : له عشرة أخوة ، وتسع أخوات ، وهن : أُم الحسن ، وأُم موسى ، وكلثوم ، وعبدة ، ومليكة ، وعلية ، وفاطمة ، وسكينة ، وخديجة ، وهناك تفاوت في الأسماء فعدّوا : القاسم ، وعبيد اللّه ، وأُم البنين ، من أخوته(٢) .

أما من حيث فضلهم ومنزلتهم ، فقد ذكر الشيخ المفيد أنه كان لكل واحد

__________________

(١) نسب قريش / الزبيري : ٦٣.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٠٤ ، الإرشاد ٢ : ١٥٥ ، تاج المواليد : ٣٨ ، العدد القوية / رضي الدين الحلي : ٣١٦ ، تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٧١ ، النجوم الزاهرة / ابن تغرى ١ : ٢٧٣ ، المجدي : ٩٣ ، عمدة الطالب : ١٩٤.

٨٤

من أخوة الباقرعليه‌السلام فضل ، وإن لم يبلغوا فضله ، لمكانه من الإمامة ، ورتبته عند اللّه في الولاية ، ومحلّه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخلافة(١) .

ويعزّز ذلك ما رواه السيد المرتضى عن أبي الجارود زياد بن المنذر ، أنّه سأل الإمام الباقرعليه‌السلام : أيُّ أخوتك أحبّ إليك؟ فقال :أما عبد اللّه فيدي التي أبطش بها ، وأما عمر فبصري الذي أبصر به ، وأما زيد فلساني الذي أنطق به ، وأما الحسين فحليم يمشي على الأرض هوناً ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً (٢) . وفيما يلي نذكر بعض أخبار أخوة الإمام الباقرعليه‌السلام .

١ ـ زيد الشهيدعليه‌السلام :

أبو الحسين العلوي ، ولد سنة ٧٨ هـ ، وأُمّه أُم ولد اسمها حورية ، أو حوراء ، اشتراها المختار الثقفي ، وأهداها إلى الإمام علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فولدت له زيداً وعمر وعلياً وخديجة ، وقد اشتهر زيدعليهما‌السلام بالعلم والشجاعة والنسك وغير ذلك من الفضائل.

يقول عاصم بن عبيد العمري : رأيته وهو شاب بالمدينة يذكر اللّه فيغشى عليه ، حتّى يقول القائل : ما يرجع إلى الدنيا. وكان يعرف عند أهل المدينة بحليف القرآن ، وكان زيد من علماء عصره البارزين في الحديث والفقه والتفسير واللغة والأدب وعلم الكلام ، وله آثار شاخصة إلى اليوم في حقول علمية مختلفة.

كانت إقامته بالكوفة والمدينة ، وأمر هشام بن عبد الملك لعنة اللّه عليه بإشخاصه إلى الشام ، فحجبه عنه وضيّق عليه مبالغة في إذلاله ، وحبسه خمسة

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ١٦٨.

(٢) الناصريات : ٦٤.

٨٥

أشهر ، ثم أطلقه بعد جدال بينهما ، فعاد إلى الكوفة وكلّه عزم على الثورة والمناهضة للجور والباطل والاستبداد في أُمور المسلمين ، فاجتمع إليه غالب أهلها ، وبايعوه على قتال الأُمويين ، والدعوة إلى كتاب اللّه ، وسنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجهاد الظالمين ، والدفع عن المستضعفين ، وإعطاء المحرومين ، والعدل في قسمة الفيء ، وردّ المظالم ، ونصرة أهل الحقّ. وكان في المبايعين الفقهاء والقضاة وأعلام الفكر والأدب ، فظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويطالب بثارات الحسينعليه‌السلام ، ويدعو إلى الرضا من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم أنّهم نقضوا بيعته وأسلموه ، فقُتلعليه‌السلام وصلب منكوساً في سوق الكناسة أربع سنين ، ونصب رأسه الشريف على باب دمشق ، ثم في المدينة ومصر ، ولمّا قُتل حزن له الإمام أبو عبد اللّه الصادقعليه‌السلام حزناً عظيماً حتّى بان عليه ، وفرّق من ماله على عيال من أُصيب معه من أصحابه ألف دينار ، وكان مقتله يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة١٢٠ هـ وكانت سنّه يومئذ اثنتين وأربعين سنة ، وقيل : كان ذلك في المحرم سنة١٢٢ هـ ، فسلام عليه يوم وُلد ويوم جاهد ويوم استُشهد ويوم يُبعث حيّاً(١) .

٢ ـ الحسين بن عليعليه‌السلام :

وكان الحسين بن علي بن الحسينعليهما‌السلام فاضلاً ورعاً ، روى حديثاً كثيراً عن أبيه علي بن الحسين ، وعمّته فاطمة بنت الحسين ، وأخيه أبي جعفرعليه‌السلام .

روى أحمد بن عيسى عن أبيه ، قال : كنت أرى الحسين بن علي بن الحسين يدعو ، فكنت أقول : لا يضع يده حتّى يُستجاب له في الخلق جميعاً.

وعن سعيد صاحب الحسن بن صالح ، قال : لم أرَ أحداً أخوف من الحسن ابن صالح ، حتى قدمت المدينة ، فرأيت الحسين بن علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فلم أرَ

__________________

(١) ذكرنا مصادر ترجمته في الفصل الأول.

٨٦

أشدّ خوفاً منه ، كأنّما أدخل النار ثمّ أُخرج منها لشدّة خوفه(١) .

٣ ـ عبد اللّه بن عليعليه‌السلام :

وهو شقيق الإمام الباقرعليه‌السلام لأُمّه وأبيه ، لُقِّب بالباهر لجماله وحسنه ، وكان يلي صدقات رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصدقات أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهو من مفاخر أبناء الأئمّة الطاهرين في العلم والورع والتقوى والفضل ، وكان من فقهاء أهل البيت: ، روى عن آبائه عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخباراً كثيرة ، وحدّث الناس عنه وحملوا عنه الآثار ، كما روى مرسلاً عن جدّه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وعن جدّه لأُمِّه الإمام الحسنعليه‌السلام ، وروى عنه عمارة بن غزية ، وموسى بن عقبة ، وعيسى بن دينار ، ويزيد بن أبي زياد ، وهو ثقة مشهور عند العامة أخرج له الترمذي والحاكم(٢) .

٤ ـ عمر بن عليعليه‌السلام :

وأُمّه أُم ولد ، وكان فاضلاً جليلاً ورعاً سخياً ، لُقِّب بالأشرف ، لما له من شرف وفضيلة في الحسب ومحاسن الأخلاق ، وكان من العلماء الأفاضل ، عدّه الشيخ من أصحاب أخيه الإمام الباقرعليه‌السلام ، وقد روى عن أبيه ، وروى عنه فطر ابن خليفة ، وتولّى صدقات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدقات أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ومن أخبار جوده وسخائه ما رواه الحسين بن زيد ، قال : رأيت عمّي عمر ابن علي بن الحسين يشرط على من ابتاع صدقات عليعليه‌السلام أن يثلم في الحائط كذا وكذا ثلمة ، ولا يمنع من دخله أن يأكل منه.

* * *

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ١٧٤ ، عمدة الطالب ٢ : ٢٩.

(٢) الإرشاد ٢ : ١٦٩ ، عمدة الطالب ٢ : ١٢٧ ، تهذيب التهذيب ٥ : ٣٢٤.

٨٧

الفصل الثالث

إمامته عليه السلام

الإمامة رئاسة عامّة في أُمور الدين والدنيا ، ولا تُنال إلاّ بتعيين من السماء ينصّ عليه النبي المرسل ، وذلك من تمام الدين وكمال النعمة ، ومن صلب واجب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي بعث رحمة للأنام ، ولجمع كلمتهم ، ونظم أمرهم ، ورفع أسباب الخلاف من بينهم ، فلا يصحّ أن يترك أمرهم بعده هملاً ، بل لا بدّ أن يبيّن لأُمّته من يأتمنه على دين اللّه تعالى ورسالاته ، ليقوم بأمرهم من بعده.

وقد أدّى المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمانة ربّه حقّ الأداء ، وبلّغ رسالة ربّه تمام البلاغ ، فلم يفارق أُمّته حتّى أرشدهم إلى وليّ الأمر من بعده ، ونصّ على أخيه ووصيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام في مناسبات عدّة ومواضع شتّى ، وقد تواترت النصوص بهذا عند المسلمين قاطبة. كما نصّ على أحد عشر إماما يكونون بعد علي: بأسمائهم وأوصافهم ، كما نصّ كلّ إمام على الإمام اللاّحق له ، وقد صحّت بذلك الأحاديث من طرق شتّى ، وتناقلتها نفائس كتب الحديث والمناقب والتاريخ وغيرها(١) .

__________________

(١) من أهم المصادر التي أفردها العلماء لجمع تلك النصوص : إثبات النصّ على

٨٨

ومن الأُمور التي يجب توفّرها في الإمام بعد ثبوت النصّ : العصمة والدلالة وسلامة النسب والنشأة والسبق في العلم والحكمة وسائر الفضائل ، ليكون أهلاً لهذه المنزلة ، وقطباً تلتف حوله الناس.

والإمام الباقركآبائه الأطهار: توفّرت فيه جميع الشروط المطلوبة في الإمام.

قال الشيخ المفيد : كان الباقر أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين: من بين اُخوته خليفة أبيه علي بن الحسين ووصيّه والقائم بالإمامة من بعده ، وبرز على جماعتهم بالفضل في العلم والزهد والسؤدد ، وكان أنبههم ذكرا ، وأجلّهم في العامّة والخاصّة وأعظمهم قدرا. ولم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسينعليهما‌السلام

__________________

الأئمّة: للشيخ الصدوق ، (ت / ٣٨١ هـ ) ، كِفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر: ، للخزّاز ، مقتضب الأثر في النص على الأئمّة الاثني عشر: ، لابن عيَّاش الجوهري ، (ت / ٤٠١ هـ ) ، الاستنصار في النصّ على الأئمّة الأطهار: ، لأبي الفتح الكراجكي (ت / ٤٤٩ هـ ) ، اتفاق صحاح الأثر في إمامة الأئمّة الاثني عشر: ، لابن البطريق ، (ت / ٦٠٠ هـ ) ، استقصاء النظر في إمامة الأئمّة الاثني عشر: ، لابن ميثم البحراني ، (ت / ٦٧٩ هـ ) ، الإنصاف في النص على الأئمّة الاثني عشر من آل محمد الأشراف: ، للسيد هاشم البحراني ، (ت / ١١٠٧ هـ ) وغيرها.

ومن المصادر التي أفردت باباً لتلك النصوص : الكافي لثقة الإسلام الكليني (ت / ٣٢٩ هـ ) ، والإمامة والتبصرة من الحيرة ، لابن بابويه القمي (ت / ٣٢٩ هـ ) ، إثبات الوصيّة ، للمسعودي (ت / ٣٤٦ هـ ) ، إكمال الدين ، للشيخ الصدوق (ت / ٣٨١ هـ ) ، الإرشاد ، للشيخ المفيد (ت / ٤١٣ هـ ) ، روضة الواعظين ، لابن الفتال النيسابوري ، الشهيد (سنة / ٥٠٨ هـ ). إعلام الورى بأعلام الهدى ، للطبرسي ، (ت / ٥٤٨ هـ ) ، كشف الغمّة في معرفة الأئمّة: ، للإربلي ، (ت / ٦٨٧ هـ ). بحار الأنوار ، للعلاّمة المجلسي (ت / ١١١١ هـ ).

٨٩

من علم الدين والآثار والسنّة وعلم القرآن والسيرة وفنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفرعليه‌السلام ، وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين ، وصار بالفضل به علماً لأهله تضرب به الأمثال ، وتسير بوصفه الآثار والأشعار.

وفيه يقول القرظي :

يا باقر العلم لأهل التّقى

وخير من لبّى على الأجبل(١)

وقال مالك بن أعين الجهني فيهعليه‌السلام :

إذا طلب الناس علم القرا

ن كانت قريش عليه عيالا

وإن قيل أين ابن بنت النبي

نلت بذاك فروعاً طوالا

نجوم تهلّل للمدلجين

جبال تورث علماً جبالا(٢)

وإلى جانب تواتر النص عليه من أبيه ، ذكر بعض العلماء الدليل العقلي على إمامته المتعلّق بوجوب الإمامة عقلاً في كلّ زمان ، وعدم ادّعاء الإمامة في أيام أبي جعفر الباقرعليه‌السلام سواه ، فثبتت فيه ، لاستحالة خلوّ الزمان من إمام معصوم.

قال ابن شهر آشوب : الذي يدلّ على إمامته ما ثبت من وجوب الإمامة ، وكون الإمام معصوماً ومنصوصاً عليه ، وإن الحقّ لا يخرج من بين الاُمّة(٣) .

وقال الطبرسي : الدليل على إمامته ما قدّمناه بعينه في إمامة أبيه من اعتبار وجوب العصمة ، وبطلان قول كلّ من ادّعى حياة الأموات ، ودلائل العقول

__________________

(١) البيت في تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٧١ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٢٩ ، شرح الأخبار ٣ : ٢٨١ ، روضة الواعظين : ٢٠٧ ، وفيات الأعيان ٤ : ١٧٤.

(٢) الإرشاد / الشيخ المفيد ٢ : ١٥٧ ، والأبيات تقدّم تخريجها.

(٣) مناقب آل أبي طالب / ابن شهر آشوب ٣ : ٣٤١.

٩٠

أوكد من دلائل الأخبار لبعدها عن التأويل والاحتمال(١) .

وفيما يلي نذكر أهم النصوص الدالّة على إمامتهعليه‌السلام سواء التي وردت عن آبائه المعصومين: أو عن أبيهعليه‌السلام خاصة.

أولاً : نصّ آبائه عليه: :

تواترت النصوص على الإمام الباقرعليه‌السلام عن جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآبائه المعصومين: ، قال ابن شهرآشوب : ومما يدلّ على إمامته تواتر الإمامية بالنصوص عليه من أبيه وجدّهعليهما‌السلام ، وكذلك الأخبار الواردة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الأئمّة الاثني عشر إماماً إماماً ، ومن قال بذلك قطع على إمامته.

ومنها اعتبار طريق العصمة ، وغير ذلك(٢) .

وقال الشيخ الطبرسي : وأما طريقة التواتر ، فمثل ما ذكرناه فيما تقدّم ، فإن الشيعة قد تواترت خلفاً عن سلف إلى أن اتّصل نقلهم بالباقرعليه‌السلام أنّه نصّ على الصادقعليه‌السلام ، كما تواترت على أنّ أمير المؤمنين نصّ على الحسن ، ونصّ الحسن على الحسين: ، وكذلك كلّ إمام على الإمام الذي يليه ، ثم هكذا إلى أن ينتهي إلى صاحب الزمانعليه‌السلام (٣) .

وأمّا النصوص على إمامة الباقرعليه‌السلام المروية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآبائه المعصومين في جملة الاثني عشر: فكثيرة ، منها :

١ ـ خبر اللوح الذي هبط به جبرئيل على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الجنّة ، فأعطاه فاطمة3 ، وفيه أسماء الأئمّة من بعده ، وكان فيه : محمد بن علي الإمام

__________________

(١) إعلام الورى بأعلام الهدى ١ : ٥٠٠.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣١٥.

(٣) إعلام الورى بأعلام الهدى ١ : ٥١٢.

٩١

بعد أبيه(١) .

وهو في أعلى درجات الصحّة ورُوي من عدّة طرق معتبرة.

٢ ـ وفيحديث عن أميرالمؤمنين عليعليه‌السلام عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وقدأخبرنياللّه عزّوجلّ أنّه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك.

قلت : يا رسول اللّه ، ومن شركائي؟ فقال : الذين قرنهم اللّه بنفسه وبي ، فقال : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ »(٢) .

قلت : يا رسول اللّه ، سمِّهم لي. فقال : ابني هذا ، ووضع يده على رأس الحسن ، ثمّ ابني هذا ، ووضع يده على رأس الحسين ، ثمّ ابن له على اسمك يا عليّ ، ثمّ ابن له اسمه محمد بن عليّ. ثمّ أقبل على الحسين ، فقال : سيولد محمد بن علي في حياتك فأقرئه منّي السلام ، ثمّ تكملة اثني عشر إماماً.

قلت : يا نبيّ اللّه ، سمِّهم لي ، فسمّاهم رجلاً رجلاً ، منهم واللّه مهديّ هذه الأُمّة ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً»(٣) .

٣ ـ وعن جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، قال : قال لي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا جابر ، إنّ أوصيائي وأئمّة المسلمين من بعدي أولهم علي ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ، ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن

__________________

(١) إكمال الدين : ٣١١ / ٢ و ٣ ، الإرشاد ٢ : ١٥٩ ، إعلام الورى ١ : ٥٠١.

(٢) سورة النساء : ٤ / ٥٩.

(٣) الغيبة / النعماني : ٨٠ / ١٠.

٩٢

محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم القائم ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي »(١) .

وهذا من الأخبار المشهورة عن جابر.

٤ ـ وعنه قال : لما أنزل اللّه عزّوجلّ على نبيّه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ »(٢) قلت : يا رسول اللّه ، عرفنا اللّه ورسوله ، فمن أولو الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك؟ فقال : «هم خلفائي يا جابر ، وأئمّة المسلمين من بعدي ، أولهم علي بن أبي طالب ، ثم الحسن ، والحسين ، ثم على بن الحسين ، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ، ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فاقرأة مني السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ علي بن موسى ، ثمّ محمد بن علي ، ثمّ علي بن محمد ، ثمّ الحسن بن علي ، ثمّ سميّي وكنيّي حُجّة اللّه في أرضه ، وبقيّته في عباده »(٣) .

٥ ـ وعن أبي سلمى راعي إبل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذكر حديث الإسراء وما جاء فيه من النصّ على الأئمّة الاثني عشر ، وفيه : «يا محمد ، أتحبّ أن تراهم؟ قلت : نعم يا رب. فقال لي : التفِتْ عن يمين العرش ، فالتفتُّ فإذا أنا بعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، والمهدي ، في ضحضاح من نور قياما يصلّون ، وهو في وسطهم ـ يعني المهدي ـ كأنّه كوكب درّي. قال : يا محمد ، هؤلاء الحجج ، وهو الثائر من عترتك ، وعزّتي وجلالي انّه الحجّة

__________________

(١) ينابيع المودّة ٣ : ٣٩٨ ، كشف الغمّة ٣ : ٣١٤.

(٢) سورة النساء : ٤ / ٥٩.

(٣) إكمال الدين : ٢٥٣ / ٣.

٩٣

الواجبة لأوليائي ، والمنتقم من أعدائي »(١) .

٦ ـ ومثل ذلك ما روي : أنّ اللّه تعالى أنزل إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتاباً مختوماً باثني عشر خاتماً ، وأمره أن يدفعه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ويأمره أن يفضّ أول خاتم فيه ويعمل بما تحته ، ثم يدفعه عند وفاته إلى ابنه الحسنعليه‌السلام ، ويأمره أن يفضّ الخاتم الثاني ويعمل بما تحته ، ثم يدفعه عند حضور وفاته إلى أخيه الحسينعليه‌السلام ، ويأمره أن يفضّ الخاتم الثالث ويعمل بما تحته ، ثم يدفعه الحسين عند وفاته إلى ابنه علي بن الحسين ، ويأمره بمثل ذلك ، ويدفعه علي بن الحسينعليهما‌السلام عند وفاته إلى ابنه محمد بن عليعليه‌السلام حتّى ينتهى إلى آخر الأئمّة: أجمعين(٢) .

٧ ـ وجاء في وصية أمير المؤمنين علي إلى ولده الحسنعليهما‌السلام : «يا بني ، انّه أمرني رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أوصي إليك ، وأدفع إليك كتبي وسلاحي ، كما أوصى إليّ ودفع إليّ كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين ، ثم أقبل على ابنه الحسين ، فقال : وأمرك رسول اللّه أن تدفعها إلى ابنك هذا ، ثم أخذ بيد علي بن الحسين ، وقال : وأمرك رسول اللّه أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي ، فأقرئه من رسول اللّه ومنّي السلام »(٣) .

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الأخرى التي لا مجال للاستطراد معها.

__________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٩٥ ، فرائد السمطين / الجويني ٢ : ٣١٩ / ٥٧١.

(٢) الإرشاد ٢ : ١٥٩ ، إعلام الورى بأعلام الهدى ١ : ٥٠١.

(٣) كتاب سليم : ٤٤٤ ، الكافي ١ : ٢٩٧ ، الفقيه / الصدوق ٤ : ١٨٩ / ٥٤٣٣ ، التهذيب / الطوسي ٩ : ١٧٦ / ٧١٤.

٩٤

ثانياً : نصّ أبيه عليهعليهما‌السلام :

في وقت عصيب تعرّض فيه التشيّع لأشرس الحملات التي استهدفت وحدته وكيانه وعقيدته ، اضطلع الإمام علي بن الحسينعليهما‌السلام بالوصية لولده محمد الباقرعليه‌السلام بالإمامة في ملأ من أولاده وخواصّ شيعته ، وسلّم إليه بعد ذلك الاسم الأعظم ومواريث الأنبياء ، فيكون بذلك قد هيّأ أحد الأدوات المهمّة لتثبيت الإمامة وضمان استمرارها ، واستطاع توحيد الصفوف واستعادة القوى لتهيئة الأرضية المناسبة لنشوء مدرسة أهل البيت على يد الصادقين من ولـده: .

وقد روى النص عنهعليه‌السلام : جابر بن عبد اللّه الأنصاريعليهما‌السلام ، وولداه الحسين وعمر ، وأبو خالد الكابلي ، وأبو حمزة الثمالي ، ومالك بن أعين الجهني ، وعثمان بن خالد عن أبيه ، وفيما يلي نعرض أهم النصوص الواردة عن أبيهعليه‌السلام في النص عليه والإشارة إليه بالإمامة من بعده.

١ ـ عن أبي خالد الكابلي قال : «دخلت على سيدي علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام فقلت له : يا سيدي ، روي لنا عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أن الأرض لا تخلو من حجّة للّه عزّوجلّ على عباده ، فمن الحجّة والإمام بعدك؟ قال : ابني محمد ، واسمه في التوراة باقر ، يبقر العلم بقراً ، هو الحجّة والإمام بعدي ، ومن بعد محمد ابنه جعفر ، واسمه عند أهل السماء الصادق »(١) .

٢ ـ وعن جابر بن عبد اللّه الأنصاري أنّه دخل على زين العابدينعليه‌السلام فرأى عنده غلاماً فقال له : «أقبل فأقبل ، فقال له : أدبر فأدبر ، فقال جابر : شمائل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ قال لزين العابدينعليه‌السلام : من هذا؟ قال :ابني ووصيي

__________________

(١) إكمال الدين : ٣١٩ / ٢ ، علل الشرائع / الصدوق ١ : ٢٣٤.

٩٥

وخليفتي من بعدي ، اسمه محمد الباقر. فقام جابر وقبّل رأسه ورجليه ، وأبلغه سلام جدّه وأبيه عليه‌السلام »(١) .

٤ ـ وعن مالك بن أعين الجهني ، قال : «أوصى علي بن الحسينعليهما‌السلام ابنه محمد ابن عليعليهما‌السلام فقال :بني ، إنّي جعلتك خليفتي من بعدي ، لا يدّعي فيما بيني وبينك أحد إلاّ قلّده اللّه يوم القيامة طوقاً من النار ، فاحمد اللّه على ذلك واشكره »(٢) .

٥ ـ وعن عثمان بن خالد ، عن أبيه ، قال : «مرض علي بن الحسينعليهما‌السلام مرضه الذي توفّي فيه ، فجمع أولاده محمد والحسن وعبد اللّه وعمر وزيد والحسين ، وأوصى إلى ابنه محمد ، وكنّاه بالباقر ، وجعل أمرهم إليه»(٣) .

٦ ـ وعن عمر بن علي ، عن أبيه علي بن الحسينعليه‌السلام ، قال : «كان يقول : ادعوا لي ابني الباقر ، فقلت له : يا أبه ، ولِمَ سمّيته الباقر؟ قال : فتبسّم ، وما رأيته تبسّم قبل ذلك ، ثم سجد للّه تعالى طويلاً ، فسمعته يقول في سجوده :اللّهمّ لك الحمد سيدي على ما أنعمت به علينا أهل البيت ، يعيد ذلك مراراً ، ثم قال :يا بني ، إنّ الإمامة في ولده إلى أن يقوم قائمنا ، فيملأها قسطاً وعدلاً ، وأنّه الإمام أبو الأئمّة ، معدن الحلم وموضع العلم يبقره بقراً ، واللّه لهو أشبه الناس برسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٤) .

٧ ـ وعن الحسين بن عليعليه‌السلام ، قال : «سأل رجل أبيعليه‌السلام عن الأئمّة ، فقال :

__________________

(١) الصراط المستقيم / البياضي ٢ : ١٦١.

(٢) كفاية الأثر : ٢٤٠.

(٣) كفاية الأثر : ٢٣٩.

(٤) كفاية الأثر : ٢٣٧.

٩٦

اثنا عشر ، سبعة من صلب هذا ، ووضع يده على كتفأخي محمد »(١) .

٨ ـ وروى أبو حمزة الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «لما حضرت علي ابن الحسين عليهما‌السلام الوفاةَ ضمّني إلى صدره وقال : أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة ، وبما ذكر أن أباه أوصاه به »(٢) .

٩ ـ وعن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفرعليه‌السلام : «كان فيما أوصى أبي عليه‌السلام إليّ أن قال : يا بني ، إذا أنا متّ فلا يلي غسلي أحد غيرك ، فإنّ الإمام لا يغسله إلاّ إمام »(٣) . إلى غير ذلك من الآثار الواردة في هذا الباب.

ثالثا : من أقوال العامّة حول الإمام الباقرعليه‌السلام :

هناك أقوال كثيرة لدى العامة في إمامنا الباقر وكلّها تشير إلى عظمتهعليه‌السلام ، لا بأس بالإشارة السريعة إلى بعضها كالآتي :

١ ـ ذكر كل من ابن خلكان المتوفّى ٦٨١ هـ ، واليافعي المتوفّى ٧٦٨ هـ ، وابن العماد المتوفّى ١٠٨٩ هـ ، أنّ محمد بن علي الباقرعليه‌السلام أحد الأئمّة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية(٤) .

٢ ـ وذكر تغرى بردى المتوفّى ٨٧٤ هـ أنّ محمد بن علي الباقرعليه‌السلام أحد الأئمّة الاثني عشر الذين تعتقد الشيعة عصمتهم(٥) .

٣ ـ وذكر ابن الصبّاغ المالكي المتوفّى سنة ٨٥٥ هـ ، وابن طولون المتوفّى سنة ٩٥٣ هـ ، والشيخ عبد اللّه بن محمد الشبراوي المتوفّى ١١٧١ هـ في ترجمة الإمام

__________________

(١) كفاية الأثر : ٢٣٨.

(٢) الصراط المستقيم ٢ : ١٦٢.

(٣) كشف الغمّة ٢ : ٣٤٩ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٦٤.

(٤) وفيات الأعيان ٤ : ١٧٤ ، مرآة الجنان ١ : ٢٤٧ ، شذرات الذهب ٢ : ٧٢.

(٥) النجوم الزاهرة ١ : ٢٧٣.

٩٧

أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنّه خامس أئمّة أهل البيت الطاهر(١) .

٤ ـ وقال الذهبي ، المتوفّى سنة ٧٤٨ هـ : أبو جعفر الباقر ، هو السيد الإمام ، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي ، العلوي الفاطمي ، المدني ، وكان أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤدد ، والشرف ، والثقة ، والرزانة ، وكان أهلاً للخلافة.

وهو أحد الأئمّة الاثني عشر الذين تبجّلهم الشيعة الإمامية ، وتقول بعصمتهم ، وبمعرفتهم بجميع الدين(٢) .

٥ ـ وقال ابن خلدون ، المتوفّى سنة ٨٠٨ هـ : وأما الإمامية ، فساقوا الإمامة من علي الرضي إلى ابنه الحسن بالوصية ، ثم إلى أخيه الحسين ، ثم إلى ابنه علي زين العابدين ، ثم إلى ابنه محمد الباقر ، ثم إلى ابنه جعفر الصادق(٣) .

٦ ـ وقال أحمد بن يوسف القرماني ، المتوفّى ١٠١٩ هـ : في ذكر أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين الباقرعليهما‌السلام : وإنّما سُمّي بالباقر ، لأنّه بقر العلم ، وكان خليفة أبيه من بين اُخوته ووصيّه والقائم بالإمامة من بعده(٤) .

٧ ـ وروى العامّة أنّ جابر بن يزيد الجعفي إذا حدّث عن الإمام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام يقول : حدّثني وصي الأوصياء. وصارت هذه اللفظة ، إضافة إلى قوله : إنّ العلم النبوي انتقل إلى أهل البيت: ، سببا لإعراضهم عن حديث جابر الجعفي.

__________________

(١) الفصول المهمّة : ١٩٢ ، الأئمّة الاثنا عشر : ٧٩ ، الإتحاف بحبّ الاشراف : ١٤٣.

(٢) سير أعلام النبلاء ٤ : ٤٠١ ، تاريخ الإسلام ٧ : ٤٦٢.

(٣) تاريخ ابن خلدون ١ : ٢٠١.

(٤) أخبار الدول وآثار الأول ١ : ٣٣١ ، الفصل الرابع ـ باب في ذكر الحسن والحسين وأولادهما.

٩٨

قال ابن عيينة : سمعت من جابر ستّين حديثاً ، ما أستحلّ أن أروي عنه شيئاً ، يقول حدّثني وصي الأوصياء(١) .

وذكر شهاب أنّه سمع ابن عيينة يقول : تركت جابرا الجعفي وما سمعتُ منه قال : دعا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا فعلّمه مما تعلم ، ثم دعا علي الحسن فعلّمه مما تعلم ، ثم دعا الحسن الحسين فعلّمه مما تعلّم ، ثم دعا ولده حتى بلغ جعفر بن محمد. قال سفيان : فتركته لذلك ، وسمعه يقول أيضا : انتقل العلم الذي كان في النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى علي ، ثم انتقل من علي إلى الحسن ، ثم لم يزل حتى بلغ جعفرا(٢) .

ولا يعنينا موقف ابن عيينة شيئاً ولا كرامة به ، بل يعنينا من كلامه ، شهادته بأنّه سمع جابر الجعفي يقول ذلك ، وجابر ثقة عند الفريقين.

ولا ريب أن ذكر لفظ الوصي وانتقال العلم النبوي إلى المعصومين: ، هو نصّ في الإمامة ، ودليل واضح عليها ، سيما وأنّها شهادة صادرة من جابر بن يزيد الجعفي الذي ثبت عند أغلب أهل الجرح والتعديل أنّه كان ثقة صدوقا ورعا في الحديث(٣) .

* * *

__________________

(١) راجع : صحيح مسلم ١ : ٢٥ من المقدّمة ، ميزان الاعتدال / الذهبي ١ : ٣٨٣ ، تهذيب التهذيب / ابن حجر ٢ : ٤٣.

(٢) ميزان الاعتدال ١ : ٣٨١.

(٣) راجع : تهذيب الكمال ٤ : ٤٦٧ ، تاريخ الإسلام / الذهبي ـ وفيات سنة ١٢١ هـ : ٥٩ ، ميزان الاعتدال ١ : ٣٧٩ ، تهذيب التهذيب ٢ : ٤٧ ، الجرح والتعديل / ابن أبي حاتم ١ : ١٣٦.

٩٩

الفصل الرابع

مكارم أخلاقه عليه السلام

حاز الإمام الباقرعليه‌السلام قصب السبق على كل من عاصره في العبادة والعلم والحلم والزهد والكرم والشجاعة وغيرها من مظاهر العظمة ، وشهد له فطاحل العلماء في عصره ومن جاء بعدهم بالفضل والعلم والتقى وسموّ المكانة والهيبة في المجتمع آنذاك ، ذلك لأنّ تلك السمات كانت سجية وملكة في نفسه المقدّسة ، فكان يعمل على ترسيخها باقتران القول بالفعل ، والشعار بالسلوك.

ولعلّ أوثق شهادة في هذا المضمار ، هي ما جاء على لسان أقرب الناس إليه ولده الإمام الصادقعليه‌السلام حيث قال : «حدّثني أبي ، وكان خير محمدي يومئذٍ على وجه الأرض »(١) . وفي لفظ آخر : كان خير محمدي رأيته بعيني(٢) .

ولا يخفي الشاعر الحجازي سديف المكي(٣) إعجابه بشخصية الإمامعليه‌السلام ، ومعالي أخلاقه حيث عبّر عن شخصية الإمام بقوله : «حدّثني محمد بن علي

__________________

(١) البداية والنهاية ٩ : ٣٣٨ ، تهذيب الكمال ٢٦ : ١٣٩.

(٢) قرب الإسناد : ٧٢ ، التهذيب ١ : ٣١ / ٢٢ ، الاستبصار ١ : ٤٨ / ٢.

(٣) سديف بن مهران بن ميمون المكي ، الشهيد (سنة / ١٤٧ هـ ) ، قتله عبد الصمد بن علي العباسي بأمر المنصور.

١٠٠