بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 668

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 668
المشاهدات: 63260
تحميل: 3564


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 668 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 63260 / تحميل: 3564
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 8

مؤلف:
العربية

كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

المجلد الثامن

الشيخ محمد تقي الشيخ التّستري (الشوشتري)

١

الفصل الثالث و العشرون في عتاباتهعليه‌السلام لعمّاله و غيرهم و فيه حالات الاشعث و زياد و ابي موسى و أحوال ابن عباس و المنذر

٢

١ - الكتاب (٥) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى؟ أشعث بن قيس؟ عامل؟ أذربيجان؟:

وَ إِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ وَ لَكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ وَ أَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَكَ لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْتَاتَ فِي رَعِيَّةٍ وَ لاَ تُخَاطِرَ إِلاَّ بِوَثِيقَةٍ وَ فِي يَدَيْكَ مَالٌ مِنْ مَالِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَنْتَ مِنْ خُزَّانِهِ حَتَّى تُسَلِّمَهُ إِلَيَّ وَ لَعَلِّي أَلاَّ أَكُونَ شَرَّ وُلاَتِكَ لَكَ وَ اَلسَّلاَمُ أقول: رواه نصر بن مزاحم في (صفينه) و ابن قتيبة في (خلفائه) و ابن عبد ربه في (عقده) مع زيادة قبله، ففي الأوّل محمّد بن عبيد اللّه عن الجرجاني قال لما بويع عليّ عليه السلام و كتب إلى العمال كتب إلى الأشعث مع زياد بن مرحب الهمداني و الأشعث على آذربيجان عامل لعثمان و كان عمرو بن عثمان تزوج ابنة الأشعث قبل ذلك «أما بعد لولا هنات فيك كنت المقدم في هذا الأمر قبل الناس، و لعل أمرك يحمل بعضه بعضا ان اتقيت اللّه، ثم انه كان من بيعة

٣

الناس اياي ما قد بلغك، و كان طلحة و الزبير ممن بايعاني، ثم نقضا بيعتي على غير حدث، و سارا إلى البصرة، فسرت إليهما، فالتقينا، فدعوتهم إلى أن يرجعوا فيما خرجوا منه، فأبوا، فأبلغت في الدعاء و أحسنت في البقية، و ان عملك ليس لك بطعمة الخ( ١) .

و مثله الثاني و الثالث مع اختلاف يسير، و زاد الاخير بعد «و أحسنت في البقيا»: «و أمرت أن لا يذفف على جريح، و لا يتبع منهزم، و لا يسلب قتيل، و من ألقى سلاحه و اغلق بابه فهو آمن( ٢) .

قول المصنف: (و من كتاب لهعليه‌السلام إلى الأشعث بن قيس) في (الاستيعاب): الأشعث بن قيس بن معديكرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الأصغر بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن ثور بن غفير بن عدي بن مرة بن ادد بن زيد الكندي و كندة ولد ثور بن عفير( ٣) .

و مثله في (ذيل الطبري)، لكن زاد بين الحارثين معاوية، كما أنه استقطا مرتعا قبل ثور، و قال (ثور بن مرتع بن كندة و اسمه ثور)( ٤ ) و مثل الذيل هشام الكلبي على نقل الاسد لكن قال: «ثور بن مرتع و اسمه عمرو بن معاوية بن ثور و هو كندة بن عفير»، و نسب إلى الاستيعاب مثله لكن الّذي وجدت ما عرفت( ٥) .

و كيف كان ففي (الأغاني): تنازع عمرو بن معديكرب و الأشعث بن

____________________

(١) وقعة صفين: ٢٠.

(٢) الامامة و السياسة ١: ٩١.

(٣) الاستيعاب ١: ١٠٩.

(٤) منتخب ذيل المذيل: ٤٤.

(٥) اسد الغابة ١: ٩٧ و ٩٨.

٤

قيس في شي‏ء، فقال عمرو للأشعث: نحن قتلنا أباك و نكنا امك.

(و هو عامل آذربيجان) هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد)، و لكن في (ابن ميثم): «و هو عامله على آذربيجان»( ١) .

و كيف كان ففي (فتوح البلاذري): قال ابن الكلبي: ولّى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام آذربيجان سعيد بن سارية الخزاعي، ثم الأشعث بن قيس الكندي و فيه عن مشايخ من أهل آذربيجان قالوا: قدم الوليد بن عقبة أي في زمن عثمان آذربيجان و معه الأشعث بن قيس، فلما انصرف الوليد ولاه آذربيجان، فانتقضت فكتب إليه يستمده، فأمده بجيش عظيم من أهل الكوفة، فتتبع الأشعث حانا حانا، ففتحها على مثل صلح حذيفة و عتبة بن فرقد الخ( ٢) .

ثم ان (بلدان الحموي): نقل عن ابن المقفع في معنى «أذربيجان» أقوالا إلى أن قال و قال «آذر» اسم النار بالبهلوية و «بايكان» معناه الحافظ و الخازن، فكأن معنى «آذربيجان» بيت النار أو خازن النار، و هذا أشبه بالحق، لان بيوت النار في هذه الناحية كانت كثيرة( ٣) .

قلت: و يؤيده ما رواه البلاذري: ان المغيرة لما قدم الكوفة من قبل عمر كان معه كتابا من عمر إلى حذيفة و كان بنهاوند بولاية آذربيجان، فأنفذ الكتاب إليه، فسار حذيفة حتى أتى أردبيل و هي مدينة آذربيجان و بها مرزبانها و إليه جباية خراجها فصالحه المرزبان عن جميع أهل آذربيجان على ثمانمائة ألف درهم وزن ثمانية على

____________________

(١) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٣٣، و شرح ابن ميثم ٤: ٣٥٠، مثل المصرية.

(٢) فتوح البلدان: ٣٢٣ و ٣٢٤.

(٣) معجم البلدان ١: ١٢٨.

٥

أن لا يقتلوا و لا يهدم بيت نار الخ( ١) .

قولهعليه‌السلام «و ان عملك ليس لك بطعمة» كان عثمان عود الأشعث كون عمله طعمة له.

ففي (تاريخ الطبري) بعد ذكر شراء مصقلة سبي بني ناجية من عاملهعليه‌السلام ، و عتقه لهم بدون أخذ شي‏ء منهم، و عجزه عن أداء ثمنهم فقال مصقلة لذهل بن الحارث: و اللّه ان أمير المؤمنين يسألني هذا المال و الا أقدر عليه، أما و اللّه لو أن ابن هند هو طالبني بها أو ابن عفان لتركها لي. ألم تر إلى ابن عفان حيث أطعم الأشعث من خراج آذربيجان مائة ألف في كل سنة الخ( ٢) .

كما أنه جعل أكثر البلاد طعمة لأقاربه، فقال سعيد بن العاص لما كان واليا على الكوفة من قبل عثمان في بعض الايام و كتب به إلى عثمان انما هذا السواد فطير لقريش. فقال له الأشتر: أ تجعل ما أفاء اللّه علينا بظلال سيوفنا و مراكز رماحنا بستانا لك و لقومك.

«و لكنه في عنقك أمانة» يجب عليك ردها إلى أهلها «و أنت مسترعي لمن فوقك» الّذي ولاك و جعلك راعيا في بلد «ليس» هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد)، و لكن في (ابن ميثم) (و ليس)( ٣ ) «لك أن تفتات» افتعال من الفوت، أي:

تسبق إلى شي‏ء بدون مراجعة من فوقك «في رعية و لا تخاطر» أي: تقدم على عمل عظيم له خطر و قيمة «الا بوثيقة» و اطمينان بالنجاح.

«و في يديك مال من مال اللّه عزّ و جلّ» ممّا جباه من الخراج «و أنت من خزّانه»

____________________

(١) فتوح البلدان: ٣٢١.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ١٠٠، سنة ٣٨.

(٣) لم توجد الواو في شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٣٣، و شرح ابن ميثم ٤: ٣٥٠.

٦

هكذا في (المصرية)، و لكن في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ١ ) (من خزاني).

«حتى تسلمه إلي» فأضعه موضعه «و لعليّ لا أكون شر ولاتك» ولاّه عمر و عثمان قبل «لك» و زاد في رواية نصر «ان استقمت»( ٢) .

في (صفين نصر): لما كتبعليه‌السلام إلى الأشعث قال لاصحابه: ان كتابه قد أوحشني و هو آخذني بمال آذربيجان، و أنا لاحق بمعاوية، فقالوا له: الموت خير لك من ذلك، أ تدع مصرك و جماعة قومك و تكون ذنبا لأهل الشام، فسار حتى قدم عليه عليه السلام إلى أن قال و مما قيل على لسانه:

أنا الرسول رسول الوصي

عليّ المهذب من هاشم

رسول الوصيّ وصي النبيّ

و خير البرية من قائم

وزير النبي و ذو صهره

و خير البرية في العالم

له الفضل و السبق بالصالحات

لهدي النبيّ به ياتم

أجبنا عليّا بفضل له

و طاعة نصح له دائم

فقيه حليم له صولة

كليث عرين بها سائم( ٣)

٢ - الخطبة (١٩) و من كلام لهعليه‌السلام قاله للأشعث بن قيس و هو على منبر الكوفة يخطب، فمضى في بعض كلامه شي‏ء اعترضه الأشعث فيه فقال: يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك. فخفضعليه‌السلام إليه بصره ثم قال:

وَ مَا يُدْرِيكَ مَا عَلَيَّ مِمَّا لِي عَلَيْكَ لَعْنَةُ اَللَّهِ وَ لَعْنَةُ اَللاَّعِنِينَ حَائِكٌ اِبْنُ

____________________

(١) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٣٣، و شرح ابن ميثم ٤: ٣٥٠، مثل المصرية.

(٢) وقعة صفين: ٢١.

(٣) وقعة صفين: ٢٤.

٧

حَائِكٍ مُنَافِقٌ اِبْنُ كَافِرٍ وَ اَللَّهِ لَقَدْ أَسَرَكَ اَلْكُفْرُ مَرَّةً وَ اَلْإِسْلاَمُ أُخْرَى فَمَا فَدَاكَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَالُكَ وَ لاَ حَسَبُكَ وَ إِنَّ اِمْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ اَلسَّيْفَ وَ سَاقَ إِلَيْهِمُ اَلْحَتْفَ لَحَرِيٌّ أَنْ يَمْقُتَهُ اَلْأَقْرَبُ وَ لاَ يَأْمَنَهُ اَلْأَبْعَدُ قول المصنّف: (و من كلام لهعليه‌السلام قاله) هكذا في (المصرية) و كذا (ابن أبي الحديد) و لكن في نسخة ابن ميثم (خاطب به)( ١) .

(للأشعث) و في (ابن ميثم) (الأشعث)( ٢ ) . قال ابن أبي الحديد: اسمه كان معديكرب و كان أبدا أشعث الرأس، فغلب عليه الأشعث حتى نسي اسمه( ٣) .

(ابن قيس) قال ابن أبي الحديد: و يقال له الاشج لانه شجّ في بعض حروبهم( ٤ ) (و هو على منبر الكوفة يخطب) الناس (فمضى في بعض كلامه شي‏ء) هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد)، و لكن في (ابن ميثم) (فمضى في كلامه شي‏ء)( ٥) .

(اعترضه الأشعث و قال: يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك فخفضعليه‌السلام إليه بصره ثم قال ما يدريك) و في ابن أبي الحديد و ابن ميثم( ٦ ) (و ما يدريك).

«ما عليّ مما لي» قال ابن أبي الحديد: كان اعتراض الأشعث أنهعليه‌السلام لما خطب بعد انقضاء أمر الخوارج و ذكر امر الحكمين قام رجل و قال: نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها، فما ندري أي الأمرين أرشد. فصفقعليه‌السلام بإحدى يديه على الاخرى و قال: هذا جزاء من ترك العقدة، و كان مرادهعليه‌السلام هذا جزاؤكم إذ

____________________

(١) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩١ و شرح ابن ميثم ١: ٣٢٢، مثل المصرية.

(٢) ان كان الفعل «خاطب به» يجب ان يكون المفعول بلا حرف جر و لكن الفعل في نسختنا «قاله» كما في المصرية و المفعول «للاشعث» راجع شرح ابن ميثم ١: ٣٢٢.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩٢.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩٢.

(٥) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩١ و شرح ابن ميثم ١: ٣٢٢، مثل المصرية.

(٦) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩١ و شرح ابن ميثم ١: ٣٢٢، مثل المصرية.

٨

تركتم الرأي و الحزم، و أصررتم على اجابة القوم إلى التحكيم، فظن الأشعث أنه أراد هذا جزاي حيث تركت الرأي و الحزم و حكمت، فقال لهعليه‌السلام هذه عليك لا لك. و تبعه ابن ميثم و الخوئي( ١) .

قلت: لو كان راجع مستند العنوان لما قال ما قال، ففي (الأغاني) في امية ابن الاسكر عن ابن عمار و الجوهري عن ابن شبة عن محمّد بن أبي رجاء عن إبراهيم بن سعد، قال عبد اللّه بن عدي بن الخيار: شهدت الحكمين ثم أتيت الكوفة و كانت لي إلى عليّعليه‌السلام حاجة، فدخلت عليه، فلما رآني قال: مرحبا بك يا ابن ام قتال أ زائرا جئتنا ام لحاجة، فقلت: كلاهما جئت لحاجة، و أحببت أن أجدد بك عهدا، و سألته عن حديث فحدثني على ألا أحدث به، فبينا أنا يوما بالمسجد في الكوفة إذا هوعليه‌السلام متنكب قرنا له، فجعل يقول الصلاة جامعة و جلس على المنبر، فاجتمع الناس و جاء الأشعث فجلس، فقامعليه‌السلام و قال بعد الثناء: انكم تزعمون أن عندي من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ما ليس عند الناس، ألا و انه ليس عندي الا ما في قرني هذا، ثم نكب كنانته، فأخرج منها صحيفة فيها «المسلمون تتكافأ دماؤهم، و هم يد على من سواهم، من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس اجمعين».

فقال له الأشعث: هذه و اللّه عليك لا لك دعها تترحل، فخفضعليه‌السلام إليه بصره و قال: ما يدريك ما عليّ مما لي، عليك لعنة اللّه و لعنة اللاعنين، حائك ابن حائك، منافق ابن منافق كافر ابن كافر، و اللّه لقد أسرك الاسلام مرة و الكفر مرة، فلا فداك من واحد منهما حسبك و لا مالك. ثم رفع إلى بصره فقال: يا عبد اللّه:

أصبحت قنا لراعي الضان يلعب بي

ما ذا يريبك منّي راعي الضان

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩٦، و شرح الخوئي ١: ٣٧٢.

٩

فقلت: بأبي أنت و أمي قد كنت و اللّه أحب أن اسمع هذا منك. قال: هو و اللّه ذلك. قال:

فما قيل لي بعدها من مقالة

و لا علقت مني جديد و لا درسا

و قال ابن أبي الحديد نفسه في شرح قولهعليه‌السلام «أما انه سيظهر عليكم رجل رحب البلعوم» روى أبو بكر الهذلي عن الزهري عن عبيد اللّه بن عدي بن الخيار بن نوفل بن عبد مناف قال: قام الأشعث إلى عليّ فقال: ان الناس يزعمون ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عهد إليك عهدا لم يعهده إلى غيرك. فقال: انه عهد إليّ ما في قرابة سيفي لم يعهد إليّ غير ذلك. فقال الأشعث: هذه ان قلتها فهي عليك لا لك، دعها ترحل عنك. فقالعليه‌السلام له: و ما علمك بما عليّ مما لي، منافق ابن كافر حائك ابن حائك، اني لاجد منك بنة الغزل». ثم التفت إلى عبيد اللّه بن عدي فقال: انك لتسمع خلافا و ترى عجبا، ثم انشد:

أصبحت هزأ لراعي الضأن اتبعه

ما ذا يريبك منّي راعي الضان( ١)

ثم ان الخبر مجمل، لكن الظاهر ان مراد الأشعث بقوله «هذه عليك لا لك» انهعليه‌السلام لما قال عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله «من آوى محدثا» كان ممن آوى محدثا و هو قتلة عثمان، فغضب عليه السلام بأنهم لم يكونوا محدثين، كيف و أحدهم عمار الميزان بين الحق و الباطل و قال: قتلناه لانه أراد أن يغير ديننا( ٢ ) ، فولى مثل الوليد صلى سكران بالناس الصبح أربعا و نزل القرآن بفسقه( ٣ ) ، و ولي ابن عامر الّذي اباح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله دمه، و منهم عمرو بن الحمق العابد الزاهد، و منهم محمّد ابن أبي بكر العارف المجتهد، و انما عثمان أحدث أحداثا استحق بها

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٤: ٧٥.

(٢) وقعة صفين: ٣٣٩.

(٣) النظر إلى الآيتين الحجرات: ٦ و السجدة: ١٨.

١٠

القتل، و هذا من أوضح الواضحات عند جمهور المسلمين في زمان الصحابة و التابعين.

هذا، و اعتراضات الأشعث عليهعليه‌السلام كانت كثيرة و لم تنحصر بما في الخبر، و منها ما رواه ابن بابويه: انه جاء رجل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فأقر بالسرقة، فقال له: ا تقرأ شيئا من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة. قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة. فقال الأشعث له: أ تعطل حدا من حدود اللّه؟ فقال له: و ما يدريك ما هذا إذا قامت البينة فليس للامام أن يعفو و إذا أقر الرجل على نفسه فذاك إلى الامام ان شاء عفا و ان شاء قطع( ١) .

و منها ما رواه أبو الفرج في (مقاتله) عن موسى بن أبي النعمان أن الأشعث جاء إلى عليّعليه‌السلام يستأذن عليه، فرده قنبر فأدمى أنفه، فخرجعليه‌السلام و هو يقول: ما لي و لك يا أشعث، أما و اللّه لو بعبد ثقيف تمرست لاقشعرت شعيراتك قيل: يا أمير المؤمنين و من عبد ثقيف؟ قال: غلام يليهم لا يبقى أهل بيت من العرب الا أدخلهم ذلا. قيل: كم يلي و كم يمكث؟ قال: عشرين ان بلغها( ٢) .

و انما قالعليه‌السلام له «لو بعبد ثقيف تمرست» لأن الأشعث لم يدرك الحجاج، فقالوا مات بعدهعليه‌السلام بأربعين يوما، و انما تمرس ابن ابنه محمّد ابن عبد الرحمن بالحجاج، فاقشعرت شعيراته و فوقه، و قصته في خروجه معروفة.

و منها ما رواه أبو الفرج في (مقاتله) أيضا ان الأشعث دخل عليهعليه‌السلام فأغلظ له، فعرض له الأشعث بأن يفتك به، فقال له: أبا لموت تهددني فو اللّه

____________________

(١) اخرجه الصدوق في الفقيه ٤: ٤٤ ح ٩.

(٢) مقاتل الطالبيين: ٢٠.

١١

ما أبالي وقعت على الموت أو وقع الموت عليّ( ١) .

و روي ان ابن ملجم أتى إلى الأشعث في الليلة الّتي أراد أن يفتك بالإمامعليه‌السلام و الأشعث في بعض نواحي المسجد، فسمع حجر بن عدي الأشعث يقول لابن ملجم: النجا النجا فقد فضحك الصبح. فقال له حجر: قتلته يا أعور و خرج مبادرا إليهعليه‌السلام و سبقه ابن ملجم و ضربه( ٢) .

و روى المبرد: أن ابن ملجم بات تلك الليلة عند الأشعث، و ان حجرا سمعه يقول لابن ملجم: فضحك الصبح، فلما قالوا قتلعليه‌السلام قال: للاشعث:

قتلته يا أعور.

و قال: و يروى أن الّذي سمع ذلك من الأشعث عفيف بن قيس أخوه و انه قال: لاخيه: عن امرك كان هذا يا أعور( ٣) .

قلت: و لا تنافي بين الخبرين، و انه سمع ذلك من الأشعث حجر و أخوه و كل منهما قال: له: كنت دخيلا في دمهعليه‌السلام .

و منها ما رواه المبرد في (كامله) و العياشي في (تفسيره) و أبو عبيد القاسم بن سلام في غريبه و اللفظ للاول قال: أتى الأشعث يتخطى رقاب الناس و عليّعليه‌السلام على المنبر، فقال له: غلبتنا عليك هذه الحمراء على قربك، فركض عليعليه‌السلام المنبر برجله، فقال صعصعة بن صوحان العبدي: ما لنا و لهذا يعني الأشعث ليقولن أمير المؤمنين في العرب قولا لا يزال يذكر.

فقالعليه‌السلام : من يعذرني من هؤلاء الضياطرة يتمرّغ أحدهم على فراشه تمرغ الحمير، و يهجر قوم للذكر فيأمرني أن أطردهم، ما كنت أطردهم فأكون من الجاهلين، و الّذي فلق الحبة و برأ النسمة ليضربنكم على الدين عودا

____________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٢٠.

(٢) مقاتل الطالبيين: ٢٠.

(٣) كامل المبرد ٧: ١٨٣.

١٢

كما ضربتموهم عليه بدءا.

قال: المبرد: الضياطرة جمع ضيطر و ضيطار، و هو الأحمر الفاحش.

و قال أبو عبيد «الحمراء» العجم و الموالي لأن الغالب على ألوانهم البياض و الحمرة، كما أن الغالب على العرب السمرة، و «الضياطرة» الضخام الذين لا نفع عندهم و لا غناء( ١) .

و منها ما رواه (خلفاء ابن قتيبة) انّهعليه‌السلام خطب بعد قتل الخوارج و حض الناس على حرب معاوية، فتخاذلوا فجعل يؤنّبهم و يشكو من تخاذلهم، فقام الأشعث فقال: فهلا فعلت كما فعل عثمان. فقالعليه‌السلام له: ويلك و كما فعل عثمان رأيتني فعلت، عائذا باللّه من شر ما تقول، و اللّه ان الّذي فعل عثمان لمخزاة على من لا دين له و لا حجّة معه، فكيف و أنا على بيّنة من ربي و الحق معي، و اللّه ان امرءا يمكّن عدوّه من نفسه فينهش عظمه و يسفك دمه لعظيم عجزه و ضعيف قلبه، أنت يا ابن قيس فكن ذلك، فأما أنا فو اللّه دون أن اعطي ذلك ضربا بالمشرفي يطير له فراش الرأس و تطيح منه الأكف و المعاصم و تجذّ به الغلاصم و يفعل اللّه بعد ذلك ما يشاء( ٢) .

و منها ما رواه الصدوق في (توحيده) أنّهعليه‌السلام خطب بعد بيعة الناس له و قال: سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سقط العلم، هذا لعاب النبيّ، هذا ما زقني النبيّ زقا فسلوني فان عندي علم الأولين و الآخرين الى أن قال فقام إليه الأشعث و قال: كيف تؤخذ الجزية من المجوس و لم ينزل عليهم كتاب و لم يبعث اليهم نبي؟ فقالعليه‌السلام : بلى يا أشعث قد أنزل اللّه عليهم كتابا و بعث اليهم

____________________

(١) رواه المبرد في الكامل ٤: ٩٦، و العياشي في تفسيره ١: ٣٦٠ ج ٢٦٠، و أبو عبيد في غريب الحديث ٣: ٤٨٤، و الثقفي في الغارات ٢: ٤٩٨.

(٢) الامامة و السياسة ١: ١٥١.

١٣

رسولا حتى كان لهم ملك سكر ذات ليلة فدعا بابنته الى فراشه الخبر( ١) .

«عليك لعنة اللّه» و قد كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعنه و سرت اللعنة في أعقابه، فروى (الكافي): ان الباقرعليه‌السلام قال لسدير: بلغني عن نساء أهل الكوفة جمال و حسن تبعل، فابتغ لي امرأة ذات جمال في موضع. فقال: قد أصبتها جعلت فداك، فلانة بنت فلان بن محمد بن الأشعث، فقالعليه‌السلام : ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعن أقواما، فجرت اللعنة في أعقابهم الى يوم القيامة، و أنا أكره أن يصيب جسدي جسد أحد من أهل النار( ٢) .

و روى الكشي: ان رجلين من ولد الأشعث استأذنا على الصادقعليه‌السلام ، فلم يأذن لهما، فقيل له: ان لهما ميلا و مودة. فقالعليه‌السلام : ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعن أقواما، فجرى اللعن فيهم و في أعقابهم الى يوم القيامة( ٣) .

حتى ان مسجده كان ملعونا، ففي الكافي عن أبي جعفرعليه‌السلام : ان بالكوفة مساجد ملعونة و مساجد مباركة الى أن قال و أما المساجد الملعونة فمسجد ثقيف و مسجد الأشعث الخبر.

و عنهعليه‌السلام : جددت أربعة مساجد بالكوفة فرحا لقتل الحسينعليه‌السلام :

مسجد الأشعث، و مسجد جرير الخبر.

و عن الصادقعليه‌السلام : ان أمير المؤمنين نهى عن الصلاة بالكوفة في خمسة مساجد: مسجد الأشعث، و مسجد جرير، و مسجد سماك، و مسجد شبث و مسجد التيم( ٤) .

«و لعنة اللاعنين» قال: ابن أبي الحديد: قال الطبري في (تاريخه): كان

____________________

(١) توحيد الصدوق: ٣٠٤ ح ١.

(٢) الكافي ٥: ٥٦٩ ح ٥٦.

(٣) اختيار معرفة الرجال: ٤١٢ ح ٧٧٧.

(٤) الكافي ٣: ٤٨٩ و ٤٩٠ ح ١ ٣.

١٤

المسلمون يلعنون الأشعث، و يلعنه الكافرون أيضا و سبايا قومه( ١) .

«حائك ابن حائك» في السير كما قال ابن أبي الحديد في موضع آخر ان الأشعث خطب إليهعليه‌السلام ابنته فزبره و قال: يا ابن الحائك أغرك ابن أبي قحافة( ٢) .

و في (الأغاني): كان المغيرة و الأشعث و جرير يوما متوافقين بالكناسة، فطلع عليهم اعرابي، فقال لهم المغيرة: دعوني أحركه. قالوا: لا تفعل، فان للاعراب جوابا يؤثر. قال: لا بد. قالوا: فأنت أعلم. فقال له: يا اعرابي هل تعرف المغيرة؟ قال: نعم أعرفه أعور زانيا، فوجم ثم تجلد فقال: هل تعرف الأشعث قال: نعم ذاك رجل لا يعدي قومه لأنّه حائك ابن حائك.

قال ابن أبي الحديد: قالعليه‌السلام للأشعث «حائك ابن حائك» لأن أهل اليمن يعيرون بالحياكة، و ليس هذا ممّا يخص الأشعث. و من كلام خالد بن صفوان:

ما أقول في قوم ليس فيهم إلاّ حائك برد، أو دابغ جلد، أو سائس قرد، ملكتهم امرأة، و أغرقتهم فأرة، و دل عليهم هدهد( ٣) .

قلت: ان سلم ذلك فيه فلا يسلم في أبيه، بل فيه أيضا، ففي (النهاية): قال الأشعث لعليعليه‌السلام : ما أحسبنك عرفتني. فقال: بلى و اني لأجد بنة الغزل منك أي: ريح الغزل رماه بالحياكة.

قيل كان أبو الأشعث يولع بالنساجة، و في حديث عليعليه‌السلام أيضا قال للأشعث «ان أبا هذا كان ينسج الشمال باليمين» الشمال جمع شملة أي: الكساء، و قولهعليه‌السلام «الشمال بيمينه» من أحسن الألفاظ

____________________

(١) تاريخ الطبري ٢: ٥٤٨، سنة ١١، و شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩٦.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٤: ٧٥.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩٧.

١٥

و ألطفها بلاغة و فصاحة الخ( ١) .

و استشهاده بكلام خالد في غير محله، لأنّه أراد الحائك حقيقة، لأنّه قسّم عملهم الى ثلاثة أشياء: الحياكة و الدباغة و ساسة القرد.

و مما يؤيد إرادة الحائكية حقيقة في الأشعث و أبيه انّهعليه‌السلام لم يكن كباقي الناس لا يبالون في أقوالهم عن تجاوز الحقيقة، و انهعليه‌السلام طعن في أبي موسى الأشعري بكونه ابن حائك دون ان يجعله حائكا، مع كون أبي موسى أيضا من أهل اليمن، فأي استبعاد أن يكون الأشعث قبل هجرته كأبيه حائكا.

و كلامهعليه‌السلام في أبي موسى ما رواه (المروج): انّهعليه‌السلام لما بلغه يوم الجمل ان أبا موسى يثبط الناس عنه كتب إليه «اعتزل عملنا يا ابن الحائك مذموما مدحورا، فما هذا بأوّل يومنا منك، و ان لك فينا لهنات و هنيات»( ٢) .

هذا، و أخذ بديع الزمان الهمذاني لفظهعليه‌السلام «حائك ابن حائك» في اظهاره توليهعليه‌السلام فقال كما في (تذكرة السبط) مخاطبا له:

يا دار منتجع الرسالة

بيت مختلف الملائك

يا ابن الفواطم و العواتك

و الترائك و الارائك

انا حائك ان لم أكن

مولى ولائك و ان حائك( ٣)

هذا، و أراد خالد القسري تصحيح نسبه في اليمن بكونه حائك ابن حائك، مع ان المشهور كون جدّه عبدا لأهل هجر، فروى أبو الفرج عن أبي عبيدة: ان الفرزدق أتى خالد بن عبد اللّه القسري يستحمله في ديات حملها، فقال له خالد: ايه يا فرزدق كأني بك قد قلت: «آتى الحائك ابن الحائك، فأخدعه

____________________

(١) النهاية ١: ١٥٧ مادة (بنّ)، و ٢: ٥٠٢ مادة (شمل).

(٢) مروج الذهب ٢: ٣٥٩.

(٣) تذكرة الخواص: ٣٤.

١٦

عن ماله ان اعطاني، أو أذمه ان منعني» فأنا حائك ابن حائك و لست أعطيك شيئا، فاذممني كيف شئت، فهجاه الفرزدق.

و صنعة الحياكة صنعة مذمومة، قال الجاحظ في رسالته الى الفتح بن خاقان: ان أصحاب الخلقان و السماكين و النخاسين و الحاكة في كلّ بلد و من كلّ جنس شرار خلق اللّه في المبايعة و المعاملة، فعلمنا بذلك ان ذلك خلقة في هذه الصناعات، و بنية في هذه التجارات، حتى صاروا من بين جميع الناس كذلك.

و نقل الخوئي عن السيد الجزائري عن البهائي حديثا في ذم الحاكة لم ننقله لأنّه ركيك لا يبعد اختلاقه( ١) .

و في (المعجم): قال أبو هلال العسكري:

اذا كان مالي من يلتقط العجم

و حالي فيكم حال من حاك أو حجم

فأين انتفاعي بالاصالة و الحجى

و ما ربحت كفي من العلم و الحكم

و في (عيون القتيبي): قال كعب لا تستشيروا الحاكة، فان اللّه سلبهم عقولهم، و نزع البركة من كسبهم.

و في (تفسير القمي) في قوله تعالى: و هزي إليك بجذع النخلة( ٢ ) و نقله الخوئي أيضا ان النخلة كانت نخلة يابسة، فاستقبل مريم الحاكة على بغال شهب و كانت الحياكة أنبل صناعة ذاك اليوم فقالت لهم: أين النخلة اليابسة، فاستهزأوا بها و زجروها، فقالت لهم: جعل اللّه كسبكم نزرا، و جعلكم في الناس عارا، ثم استقبلها قوم من التجار، فدلوها على النخلة اليابسة، فقالت

____________________

(١) شرح الخوئي ١: ٣٧٣.

(٢) مريم: ٢٥.

١٧

لهم: جعل اللّه البركة في كسبكم، و أحوج الناس اليكم( ١) .

و ذكروا ان رجلا قال للأعمش: ما تقول في الصلاة خلف الحائك؟ فقال:

لا بأس بها على غير الوضوء. قال: فما تقول في شهادته؟ فقال: تقبل مع شهادة عدلين.

هذا، و روى (الكافي) في باب كذبه أنّه ذكر لأبي عبد اللّهعليه‌السلام أن الحائك ملعون، فقال: انما ذاك الّذي يحوك الكذب على اللّه و رسوله( ٢) .

«منافق ابن كافر» في (المناقب): روى عن الحسنعليه‌السلام ان الأشعث بنى في داره مأذنة، فكان اذا سمع الأذان من جامع الكوفة يصيح من على مأذنته:

يا رجل انّك لكاذب ساحر يعني أمير المؤمنين( ٣) .

و روى يحيى بن عيسى الرملي و قد نقله ابن أبي الحديد عند قولهعليه‌السلام «أما انه سيظهر عليكم رجل رحب البلعوم» عن الأعمش ان جريرا و الأشعث خرجا الى الجبان بالكوفة، فمر بهما ضب يعدو و هما في ذم علي فنادياه يا أبا حسل هلم يدك نبايعك بالخلافة، فبلغ عليّا قولهما فقال: أما انهما يحشران يوم القيامة و أمامهما ضب( ٤) .

و في (خلفاء ابن قتيبة) و غيره: قال أبو بكر في احتضاره: و اللّه ما آسي إلاّ على ثلاث فعلتهن ليتني كنت تركتهن و ثلاث تركتهن ليتني فعلتهن الى أن قال ليتني كنت حين أتيت بالأشعث أسيرا قتلته و لم استحيه، فاني سمعت منه و أراه لا يرى غيا و لا شرا إلاّ أعان عليه، و كان

____________________

(١) تفسير القمي ٢: ٤٩، و شرح الخوئي ١: ٣٧٣.

(٢) الكافي ٢: ٣٤٠ ح ١٠.

(٣) مناقب السروي ٢: ٢٦٣.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ٤: ٧٥.

١٨

أبو بكر عفا عنه و زوّجه بنته( ١) .

و في تاريخ الطبري في قصة التحكيم قال الأشعث و أولئك الذين صاروا خوارج بعد فانا قد رضينا بأبي موسى. قال علي: انكم عصيتموني في أول الأمر، فلا تعصوني الآن، اني لا أرى أن اولي أبا موسى. فقال الأشعث و نفران: لا نرضى إلا به، فانه كان يحذّرنا ما وقعنا فيه. قال علي: ليس أبو موسى لي بثقة قد فارقني و خذل الناس عني، و لكن هذا ابن عباس نوليه ذلك.

قالوا ما نبالي كنت أنت أم ابن عباس، لا نريد إلاّ رجلا هو منك و من معاوية سواء. فقال علي: فاني أجعل الأشتر. فقال الأشعث. و هل نحن إلاّ في حكم الأشتر. قال: علي: و ما حكمه؟ قال الأشعث: ان يضرب بعضنا بعضا بالسيوف حتى يكون ما أردت و أراد، قال: فهل أبيتم إلاّ أبا موسى. قالوا: نعم. قال:

فاصنعوا ما أردتم الى أن قال لما كتبت الصحيفة قال الاشتر: لا صحبتني يميني و لا نفعتني بعدها شمالي ان خط لي في هذه الصحيفة اسم على صلح و لا موادعة، أو لست على بينة من ربي و ضلال عدوّي، أو لستم قد رأيتم الظفر لو لم تجمعوا على الخور. فقال له الأشعث: انك ما رأيت ظفرا و لا خورا هلم الينا، فانه لا رغبة بك عنّا. فقال له الاشتر: بلى و اللّه لرغبة بي عنك في الدنيا للدنيا، و في الآخرة للآخرة، و لقد سفك اللّه تعالى بسيفي هذا دماء رجال ما أنت عندي خيرا منهم و لا أحرم دما. فنظر الى الأشعث و كأنما قصع على أنفه الحمم( ٢) .

و يكفي في نفاقه شركته في دم أمير المؤمنينعليه‌السلام كما مر من

____________________

(١) رواه ابن قتيبة في الامامة و السياسة ١: ١٨، و الطبري في تاريخه ٢: ٦١٩ سنة ١٣، و الجوهري في السقيفة: ٣٩ و غيرهم.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٣٦ و ٣٩، سنة ٣٧.

١٩

مساعدته ابن ملجم كما ان ابنته جعدة كانت قاتلة الحسنعليه‌السلام بسم أرسله اليها معاوية، و شرك ابنه محمّد بن الاشعث في دم مسلم بن عقيل قاتله فيمن قاتله، و أعطاه الأمان، و لم يدافع عنه حتى قتله ابن زياد، و شرك ابنه الآخر قيس بن الأشعث في دم الحسينعليه‌السلام ، مع انه كان ممن كتب إليه و دعاه، ثم شهد قتله و سلبه، ففي (تاريخ الطبري): نادى الحسينعليه‌السلام يوم الطف: يا قيس بن الأشعث و يا فلان و فلان ألم تكتبوا إليّ قد أينعت الثمار، و اخضرت الجناب، و طمت الجمام، و انما تقدم على جند لك مجند فأقبل؟ قالوا: لم نفعل.

قال: بلى و اللّه لقد فعلتم. ثم قال: اذ كرهتموني دعوني انصرف الى مأمني من الأرض. فقال له قيس بن الأشعث: أولا تنزل على حكم بني عمك، فانهم لن يروك إلاّ ما تجب. فقال له الحسين: أنت أخو أخيك أ تريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل، لا و اللّه لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل( ١) .

و فيه: لما قتل الحسينعليه‌السلام جاءت كندة بثلاثة عشر رأسا ممّن قتل مع الحسين الى عبيد اللّه، و صاحبهم قيس بن الأشعث( ٢) .

و فيه: و أخذ قيس بن الأشعث بعد قتل الحسينعليه‌السلام قطيفته و كانت من خز و كان قيس يسمى بعد قيس قطيفة( ٣) .

و في (المقاتل): كانت اخته جعدة التي سمّت الحسنعليه‌السلام تسمّى بعد مسمة الأزواج( ٤) .

و في (تاريخ الطبري) في قصة من قتله مصعب من أصحاب المختار بعد قتله ثم مر عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث بعبد اللّه بن قراد من

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٢٣، سنة ٦١.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٣٥٨، سنة ٦١.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٣٤٦، سنة ٦١.

(٤) مقاتل الطالبيين: ٤٨.

٢٠