بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة5%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 668

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 668 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 66320 / تحميل: 3876
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

قال: الذي يسكت في الفتنة فلا يبدو منه شي‏ء( ١) .

«ان شهد لم يعرف و ان غاب لم يفتقد» هو تفسير للمراد من «النومة».

و عن الصادقعليه‌السلام : طوبى لعبد نومة، عرف الناس فصاحبهم ببدنه و لم يصاحبهم في أعمالهم بقلبه، فعرفهم في الظاهر و لم يعرفوه في الباطن.

«أولئك مصابيح الهدى» المصباح: السراج. «و أعلام السرى» في (النهاية):

في حديث جابر قال له: ما السّرى يا جابر؟ أي: ما أوجب مجيئك في هذا الوقت «السرى»: السير بالليل( ٢) .

«ليسوا بالمساييح» في (النهاية): في الخبر «لا سياحة في الاسلام» ساح في الأرض يسيح سياحة: إذا ذهب فيها، و أصله من السيح، و هو الماء الجاري المنبسط على الأرض، أراد مفارقة الأمصار، و قيل أراد الذين يسيحون في الأرض بالشرّ و النميمة و الإفساد بين الناس، و منه حديث عليّعليه‌السلام «ليسوا بالمساييح البذر» أي: الذين يسعون بالشرّ و النميمة، و قيل: هو من التسييح في الثوب، و هو أن يكون فيه خطوط مختلفة( ٣) .

«و المذاييع البذر» في (النهاية) في ذاع: في حديث عليّعليه‌السلام في وصف الأولياء «ليسوا بالمذاييع البذر» المذاييع جمع مذياع من أذاع الشي‏ء إذا أفشاه، و قيل أراد الذين يشيعون الفواحش، و هو بناء مبالغة. و في «بذر» في حديث فاطمةعليها‌السلام عند وفاة النبيّ قالت لعائشة: «إني إذن لبذرة» البذر الذي يفشي السرّ و يظهر ما يسمعه، و منه حديث عليّعليه‌السلام «ليسوا بالمذاييع البذر» جمع بذور، و يقال: بذرت الكلام بين الناس

____________________

(١) النهاية ٥: ١٣١، (نوم).

(٢) النهاية ٢: ٣٦٤، (سرى).

(٣) النهاية ٢: ٤٣٢، (يسح).

٢٠١

كما تبذر الحبوب» أي: أفشيته و فرّقته( ١) .

و في (الكافي) عن الباقرعليه‌السلام قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معشر من أسلم بلسانه و لم يسلم بقلبه لا تتّبعوا عثرات المؤمنين، فإنه من تتبّع عثرات المسلمين تتبّع اللّه عثراته، و من تتبّع اللّه عثراته يفضحه( ٢) .

«أولئك يفتح اللّه لهم أبواب رحمته، و يكشف عنهم ضرّاء نقمته» في (الكافي) عن الباقرعليه‌السلام : إن اللّه ليدفع بالمؤمن من الواحد عن القرية الفناء.

و عن الصادقعليه‌السلام : قيل له إذا نزل العذاب بقوم يصيب المؤمنين؟ قال: نعم و لكن يخلصون بعده( ٣) .

«أيها الناس سيأتي عليكم زمان يكفأ فيه الاسلام كما يكفأ الإناء بما فيه» في (النهاية): في الحديث «لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفى‏ء ما في إنائها» هو تفتعل من «كفأت القدر» إذا كببتها لتفرغ ما فيها، يقال «كفأت الإناء و أكفأته» إذا كببته و إذا أملته. و هذا تمثيل لإمالة الضرّة حقّ صاحبتها من زوجها إلى نفسها إذا سألت طلاقها( ٤) .

«أيها الناس إنّ اللّه» هكذا في (المصرية)( ٥ ) و الصواب: (ان اللّه تعالى) كما في الثلاثة( ٦ ) «قد أعاذكم من أن يجور عليكم» و ما ربك بظلام للعبيد( ٧ ) ، إنّ اللّه لا يظلم الناس شيئا و لكنّ الناس أنفسهم يظلمون( ٨ ) ، و ما أصابكم من

____________________

(١) النهاية ٢: ١٧٤ و ١: ١١٠.

(٢) الكافي ٢: ٣٥٥، ٤.

(٣) الكافي ٢: ٢٤٧، ١ و ٣.

(٤) نهج البلاغة ١: ١٩٨، من الخطبة رقم ١٠٣.

(٥) النهاية ٤: ١٨٢، (كفأ).

(٦) شرح ابن أبي الحديد ٧: ١١٠، و ابن ميثم (الطبع الحجري): ١٥٦، هكذا.

(٧) فصلت: ٤٦.

(٨) يونس: ٤٤.

٢٠٢

مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير( ١) .

«و لم يعذكم من أن يبتليكم» أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا و هم لا يفتنون. و لقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمنّ اللّه الذين صدقوا و ليعلمنّ الكاذبين( ٢) .

«و قد قال جل من قائل: إنّ في ذلك لآيات و إن كنّا لمبتلين( ٣ ) » و الآية التي ذكرهاعليه‌السلام في سورة المؤمنون و الآية بعد ذكر قصة نوح. فقوله تعالى: ان في ذلك إشارة إلى ما ذكر في قصة نوح، قال تعالى: خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا( ٤ ) و بلوناهم بالحسنات و السيّئات لعلّهم يرجعون( ٥) .

«قال الشريف» هكذا في (المصرية)( ٦ ) و ليس في (الخطية المصححة) أصلا و بدله (ابن أبي الحديد) بقول: «قال الرضي» و لعله إنشاء منه( ٧) .

(قولهعليه‌السلام «و كل مؤمن نومة» أراد به الخامل الذكر القليل الشر) لو قيل «الذي لا يعرف الشر» كان أحسن.

(و المساييح: جمع مسياح و هو الذي يسيح بين الناس بالفساد و النمائم) قد عرفت أن الأصل فيه سيح الماء أو تسييح الثوب.

(و البذر: جمع بذور و هو الذي يكثر سفهه و يلغو منطقه) قال ابن أبي

____________________

(١) الشورى: ٣٠.

(٢) العنكبوت: ٢ و ٣.

(٣) المؤمنون: ٣٠.

(٤) الملك: ٢.

(٥) الاعراف: ١٦٨.

(٦) نهج البلاغة ١: ١٩٨، من الخطبة رقم ١٠٣.

(٧) شرح ابن أبي الحديد ٧: ١١٠.

٢٠٣

الحديد: بذور كصبور الّذي يذيع الأسرار، و ليس كما قال الرضي( ١) .

قلت: قد عرفت أنه من «بذرت الكلام كما تبذر الحبوب»، و حينئذ فما قاله المصنف ليس بذلك البعد. هذا و لو كان المصنف نقل هذا في فصل غريبه كان أنسب.

٦ - الخطبة (١١٣) و من كلام لهعليه‌السلام :

فَلاَ أَمْوَالَ بَذَلْتُمُوهَا لِلَّذِي رَزَقَهَا وَ لاَ أَنْفُسَ خَاطَرْتُمْ بِهَا لِلَّذِي خَلَقَهَا تَكْرُمُونَ بِاللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَ لاَ تُكْرِمُونَ اَللَّهَ فِي عِبَادِهِ فَاعْتَبِرُوا بِنُزُولِكُمْ مَنَازِلَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَ اِنْقِطَاعِكُمْ عَنْ أَوْصَلِ إِخْوَانِكُمْ «فلا أموال بذلتموها للذي رزقها» و أنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربّ لو لا أخّرتني إلى أجل قريب فأصّدّق و أكن من الصالحين( ٢) .

و في (الكافي) عن الباقرعليه‌السلام قال: جاء رجل إلى أبيعليه‌السلام فقال: أخبرني عن قوله تعالى في أموالهم حق معلوم. للسائل و المحروم( ٣ ) ما هذا الحق المعلوم؟ قالعليه‌السلام : هو الشي‏ء يخرجه الرجل من ماله إن شاء أكثر و إن شاء أقلّ على قدر ما يملك، يصل به رحما، و يقري به ضيفا، و يحمل به كلاّ، أو يصل به أخا له في اللّه، أو لنائبة تنوبه. فقال: اللّه أعلم حيث يجعل رسالته.

و عن البزنطي قال: قال الرضاعليه‌السلام : إن صاحب النعمة على خطر أنه تجب

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٧: ١١٠.

(٢) المنافقون: ١٠.

(٣) المعارج: ٢٤ ٢٥.

٢٠٤

عليه حقوق للّه، و اللّه إنه لتكون عليّ النعم من اللّه تعالى، فما زال عليّ منها و جل و حرك يده حتى أخرج من الحقوق التي تجب للّه عليّ فيها. قلت: جعلت فداك أنت في قدرك تخاف هذا؟ قال: نعم. فأحمد ربي على ما منّ به عليّ.

و عن الصادقعليه‌السلام : إن اللّه تعالى فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلاّ بأدائها، و هي الزكاة، و بها حقنوا دماءهم، و بها سمّوا المسلمين، و لكنه تعالى فرض في أموال الاغنياء حقوقا غير الزكاة، فقال: و الذين في أموالهم حق معلوم. للسائل و المحروم فالحق المعلوم غير الزكاة، و قال تعالى و أقرضوا اللّه قرضا حسنا( ١ ) ، و هذا غير الزكاة، و قال تعالى أيضا:

و أنفقوا مما رزقناهم سرّا و علانية( ٢ ) . و الماعون أيضا غير الزكاة، و هو القرض يقرضه، و المتاع يعيره و المعروف يصنعه، و مما فرض اللّه عزّ و جلّ في المال غير الزكاة و الذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل( ٣) .

و في الخبر: إنّ الدينار و الدرهم أهلكا من كان قبلكم و هما مهلكاكم( ٤) .

و في الخبر: يا ابن آدم ما من يوم جديد إلاّ و يأتي فيه برزقك من عندي، و ما من ليلة إلاّ و يأتي الملائكة من عندك بعمل قبيح، خيري إليك نازل و شرك إلي صاعد.

و في (الحلية) عن وهب بن منبه أن سائحا وردنا أي: تبيعا له كان يأتي طعامهما في كل ثلاثة أيام مرة، فإذا هما لم يأتهما طعام إلاّ لأحدهما فقال الكبير لردنه لقد أحدث أحدنا حدثا منع به برزقه فتذكر ما صنعت. قال الردن:

ما صنعت شيئا، ثم تذكر فقال: بلى قد جاءنا مسكين إلى الباب فأجفت الباب

____________________

(١) المزمل: ٢٠.

(٢) الرعد: ٢٢.

(٣) الكافي ٣: ٤٩٨ ٥٠٢ ح ٨ و ١١ و ١٩. و الآية ٢١ من سورة الرعد.

(٤) الكافي ٢: ٣١٦ ح ٦.

٢٠٥

في وجهه. فقال الكبير: من ثم أتينا فاستغفرا فجاءهما رزقهما بعد كما كان يأتيهما( ١) .

«و لا أنفس خاطرتم بها للذي خلقها» و الناس يخاطرون بأنفسهم للملوك و الامراء فكيف لا يخاطرون بها لخالقها و هي ملكه، و هو أمر قبيح كعدم بذل المال لرازقه، فيكون حاله حال من ينكر خالقيّته و رازقيّته.

و في (الحلية) عن وهب: قال تعالى لموسىعليه‌السلام : و عزّتي يا ابن عمران لو أن هذه النفس التي وكزتها فقتلتها اعترفت لي ساعة من ليل أو نهار بأنّي لها خالق أو رازق لأذقتك فيها طعم العذاب، و لكنّي عفوت عنك أنها لم تعترف لي ساعة أني لها خالق أو رازق( ٢ ) ، و قد قال تعالى إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حقا في التوراة و الإنجيل و القرآن و من أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به و ذلك هو الفوز العظيم( ٣) .

و بعد كونه تعالى هو المشتري و الثمن الجنة و كتاب البيع التوراة و الانجيل و القرآن في كون المعاملة بتلك المثابة التي هي الفوز العظيم الذي ينبغي الاستبشار بها يكون الراغب عن تلك المعاملة بالبخل بالمال و النفس اللذين هما عارية عندك على مالكهما موردا للملامة و في غاية اللآمة، و لذا قالعليه‌السلام ما قال توبيخا.

«تكرمون باللّه على عباده و لا تكرمون اللّه في عباده» و هو أيضا قبيح عقلا كعدم بذل المال و النفس للرازق و الخالق، بل من يكرم على العباد للّه يكون

____________________

(١) حلية الأولياء ٤: ٥٧.

(٢) حلية الأولياء ٤: ٦٠.

(٣) التوبة: ١١١.

٢٠٦

إكرامه للّه في عباده ألزم عليه ممن لا يكرم باللّه، و وجه خطابهعليه‌السلام للذين كانوا يدّعون منزلة لأنفسهم بكونهم صحابة النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله كطلحة و الزبير و سعد و نظرائهم، و يطّرد في جميع طبقات الاشراف.

و في (عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ) قال: إنّا أهل البيت وجب حقّنا برسول اللّه، فمن أخذ بهصلى‌الله‌عليه‌وآله حقا و لم يعط من نفسه مثله فلا حق له( ١) .

و عن الصادقعليه‌السلام : كان عليّ بن الحسين لا يسافر إلاّ مع رفقة لا يعرفونه، و يشترط عليهم أن يكون من مساعدي الرفقة فيما يحتاجون إليه، فسافر مرة مع قوم، فرآه رجل، فعرفه، فقال لهم، أ تدرون من هذا؟ قالوا: لا. قال: هذا علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فوثبوا إليه و قبّلوا يده و رجله و قالوا: يا ابن رسول اللّه، أردت أن تصلينا نار جهنّم، لو بدرت منّا إليك يد أو لسان أما كنّا هلكنا إلى آخر الدهر، فما الذي يحملك على هذا؟ فقال: إنّي سافرت مرّة مع قوم يعرفونني، فأعطوني بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ما لا أستحق، فإنّي أخاف أن تعطوني مثل ذلك، فصار كتمان أمري أحبّ إلي( ٢) .

«فاعتبروا بنزولكم منازل من كان قبلكم» في (صفين نصر) في مسيرهعليه‌السلام إلى صفّين: ثم مضى نحو ساباط حتى انتهى إلى مدينة (بهر سير) و إذا رجل من أصحابه يقال له جرير بن سهم بن طريف من بني مالك بن ربيعة ينظر إلى آثار كسرى و هو يتمثل بقول ابن يعقوب التميمي:

جرت الرياح على مكان ديارهم

فكأنّهم كانوا على ميعاد

فقالعليه‌السلام : أ فلا قلت: كم تركوا من جنات و عيون. و زروع و مقام كريم.

و نعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك و أورثناها قوما آخرين. فما بكت عليهم

____________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٣٢٨ ح ٩.

(٢) أخرجه ابن بابويه، في عيون أخبار الرضا ٢: ١٤٣ ح ١٣.

٢٠٧

السماء و الأرض و ما كانوا منظرين( ١ ) ان هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين، إن هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية، إيّاكم و كفر النعم لا تحل بكم النقم( ٢) .

و قال ابن أبي الحديد: أنّ الأصل في قولهعليه‌السلام قوله تعالى و سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم و تبيّن لكم كيف فعلنا بهم و ضربنا لكم الأمثال( ٣) .

«و انقطاعكم عن أوصل اخوانكم» و الظاهر أن المراد اعتبروا بانقطاعكم عن إخوانكم الذين كانوا في كمال الوصل معكم ليلا و نهارا كما تعتبرون بمساكن من كان قبلكم، و الحاصل: إعتبروا بآثار المتقدمين عليكم و بأشخاص المعاشرين معكم، و إنكم لا بدّ أن تسلكوا مسلكهم و تهلكون كمهلكهم.

و مرت شكايتهعليه‌السلام من قريش في ١٨ ٨، في الإمامة الخاصة.

____________________

(١) الدخان: ٢٥ ٢٩.

(٢) وقعة صفين لنصر بن مزاحم: ١٤٢.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٧: ٢٨٢ ٢٨٣. و الآية ٤٥ من سورة إبراهيم.

٢٠٨

الفصل السادس و العشرون في نقص الناس و اختلافهم و عجائب قلوبهم و صفة ارذالهم

٢٠٩

٢١٠

١ - الحكمة (٣٤٣) و قالعليه‌السلام :

اَلْأَقَاوِيلُ مَحْفُوظَةٌ وَ اَلسَّرَائِرُ مَبْلُوَّةٌ وَ كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ١ ٥ ٧٤: ٣٨ وَ اَلنَّاسُ مَنْقُوصُونَ مَدْخُولُونَ إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اَللَّهُ سَائِلُهُمْ مُتَعَنِّتٌ وَ مُجِيبُهُمْ مُتَكَلِّفٌ يَكَادُ أَفْضَلُهُمْ رَأْياً يَرُدُّهُ عَنْ فَضْلِ رَأْيِهِ اَلرِّضَا وَ اَلسُّخْطُ وَ يَكَادُ أَصْلَبُهُمْ عُوداً تَنْكَؤُهُ اَللَّحْظَةُ وَ تَسْتَحِيلُهُ اَلْكَلِمَةُ اَلْوَاحِدَةُ مَعَاشِرَ اَلنَّاسِ اِتَّقُوا اَللَّهَ فَكَمْ مِنْ مُؤَمِّلٍ مَا لاَ يَبْلُغُهُ وَ بَانٍ مَا لاَ يَسْكُنُهُ وَ جَامِعٍ مَا سَوْفَ يَتْرُكُهُ وَ لَعَلَّهُ مِنْ بَاطِلٍ جَمَعَهُ وَ مِنْ حَقٍّ مَنَعَهُ أَصَابَهُ حَرَاماً وَ اِحْتَمَلَ بِهِ آثَاماً فَبَاءَ بِوِزْرِهِ وَ قَدِمَ عَلَى رَبِّهِ آسِفاً لاَهِفاً قَدْ خَسِرَ اَلدُّنْيا وَ اَلْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ اَلْخُسْرانُ اَلْمُبِينُ ٢١ ٢٨ ٢٢: ١١ «الأقاويل محفوظة» و لقد خلقنا الانسان و نعلم ما توسوس به نفسه

٢١١

و نحن أقرب إليه من حبل الوريد. إذ يتلقّى المتلقيان عن اليمين و عن الشمال قعيد. ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد. و جاءت سكرة الموت بالحقّ ذلك ما كنت منه تحيد. و نفخ في الصور ذلك يوم الوعيد. و جاءت كلّ نفس معها سائق و شهيد. لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد( ١) .

«و السرائر مبلوة» في الدنيا و الآخرة، أمّا الدنيا فعن الصادقعليه‌السلام : ما من عبد يسرّ خيرا فذهبت الأيّام حتى يظهر اللّه له خيرا، و ما من عبد يسرّ شرا فذهبت الأيّام حتى يظهر اللّه له شرا( ٢ ) . و أما الآخرة فقوله تعالى يوم تبلى السرائر( ٣ ) أي: تكشف هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى اللّه مولاهم الحق و ظل عنهم ما كانوا يفترون( ٤) .

«و كلّ نفس بما كسبت رهينة» هو عين قوله تعالى: كل نفس بما كسبت رهينة( ٥ ) و في التفسير: مرهونة، كلّ نفس مأخوذة بعملها في النار( ٦) .

«و الناس منقوصون مدخولون» في عقولهم كغش يدخل في الذهب و الفضة.

و قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : الناس كإبل مئة لا تكاد تجد فيها راحلة( ٧) .

و في الديوان و نسب إلى دعبل أيضا:

____________________

(١) ق: ١٦ ٢٢.

(٢) الكافي ٢: ٢٢٤ ح ١٢، منشورات المكتبة الإسلامية، طهران.

(٣) الطارق: ٩.

(٤) يونس: ٣٠.

(٥) المدثر: ٣٨.

(٦) مجمع البيان ١٠: ٣٦١.

(٧) سنن ابن ماجة ٢: ١٣٢١ ح ٣٩٩٠.

٢١٢

ما أكثر الناس لا بل ما أقلهم

و اللّه يعلم أنّي لم أقل فندا

إنّي لأفتح عيني حين أفتحها

على كثير و لكن لا أرى أحدا( ١)

و في شرحه الفارسي:

دم جمعى كه بصورت مردمند

و به حقيقت حيوان بى دمند

«إلاّ من عصم اللّه» و إنّ كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض الا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و قليل ما هم( ٢) .

في (عيون القتيبي): كان بين حاتم طي و أوس بن حارثة ألطف ما يكون بين اثنين، فقال النعمان بن المنذر لجلسائه: و اللّه لأفسدنّ ما بينهما. فقالوا: لا تقدر على ذلك. قال: بلى فقلّما جرّبت الرجال في شي‏ء إلاّ بلغته، فدخل عليه أوس فقال له: ما الذي يقول حاتم؟ قال: و ما يقول؟ قال: يقول: إنه أفضل منك و أشرف. قال: أبيت اللعن، صدق و اللّه لو كنت أنا و أهلي و ولدي لحاتم لانهبنا في مجلس واحد، ثم خرج و هو يقول:

يقول لي النعمان لا من نصيحة

أرى حاتما في قوله متطاولا

له فوقنا باع كما قال حاتم

و ما النصح فيما بيننا كان حاولا

ثم دخل عليه حاتم و قال له مثل مقالته لأوس قال: صدق. أين عسى أن أقع من أوس، له عشرة ذكور أخسّهم أفضل مني، ثم خرج و هو يقول:

يسائلني النّعمان كي يستزلني

و هيهات لي أن استضام فأصرعا

كفاني نقصا أن أضيم عشيرتي

بقول أرى في غيره متوسّعا

فقال النعمان: ما سمعت بأكرم من هذين الرجلين( ٣) .

____________________

(١) انظر كتاب «شعر دعبل بن علي الخزاعي» للدكتور عبد الكريم الاشتر: ١٢١، نقله عن العقد ١: ٣٢٥.

(٢) ص: ٢٤.

(٣) عيون الأخبار ٢: ٢٣ ٢٤، نقله بتصرف.

٢١٣

و روى (الروضة) عن الصادقعليه‌السلام : الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة، فمن كان له في الجاهلية أصل فله في الاسلام أصل( ١) .

«سائلهم متعنت» أي: يريد ايقاع مجيبه في العنت، أي: المشقة و يظهر زلّته و جهله.

و في السير: قال رجل من العمال لأعرابي: ما أحسبك تعرف كم تصلّي في اليوم و الليلة؟ قال: فإن عرفت، أ تجعل لي على نفسك مسألة. قال: نعم. قال:

ان الصلاة أربع و أربع

ثم ثلاث بعدهن أربع

ثم صلاة الفجر لا تضيّع

قال: صدقت هات مسألتك. فقال كم فقار ظهرك؟ قال: لا أدري. قال:

فتحكم بين الناس و تجهل هذا من نفسك؟

و عن (صفوة الأخبار): قام ابن الكوّا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: أخبرني عن بصير بالليل بصير بالنهار، و عن بصير بالنهار أعمى بالليل، و عن بصير بالليل أعمى بالنهار. فقالعليه‌السلام له: سل عمّا يعنيك و دع ما لا يعنيك، أمّا بصير بالليل بصير بالنهار فهذا رجل آمن بالرسل الّذين مضوا، و أدرك النبيّ فآمن به، فأبصر في ليله و نهاره، و أما أعمى بالليل بصير بالنهار فرجل جحد الأنبياء الّذين مضوا و أدرك النبيّ فآمن به، فعمى بالليل و أبصر بالنهار، و أما أعمى بالنهار بصير بالليل فرجل آمن بالأنبياء و جحد النبيّ، فأبصر بالليل و أعمى بالنهار( ٢) .

«و مجيبهم متكلف» في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : إذا سئل الرجل منكم عما لا يعلم فليقل لا أدري و لا يقل «اللّه أعلم» فيوقع في قلب صاحبه شكا.

____________________

(١) الكافي ٨: ١٧٧، ١٩٧.

(٢) نقله عن عيون الأخبار، بحار الأنوار ٤٠: ٢٨٣ ح ٤٥، نقلا عن كتاب: صفوة الأخبار.

٢١٤

و عنهعليه‌السلام : للعالم إذا سئل عن شي‏ء و هو لا يعلم أن يقول «اللّه أعلم» و ليس لغير العالم أن يقول ذلك.

و عنهعليه‌السلام : من أفتى الناس و هو لا يعلم الناسخ من المنسوخ، و المحكم من المتشابه، فقد هلك و أهلك( ١) .

«يكاد أفضلهم رأيا يرده عن فضل رأيه الرضا و السخط» في (الخصال) عن النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاث خصال من كنّ فيه استكمل خصال الايمان: الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم و لا باطل، و إذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق، و إذا قدر لم يتعاط ما ليس له( ٢ ) ، و قال تعالى: و لا يجر منكم شنآن قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى( ٣ ) ، و لو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين( ٤) .

و في (المعجم) عن إسحاق الموصلي: دخلت على الأصمعي فأنشدته أبياتا قلتها و نسبتها إلى بعض الأعراب، و هي:

هل إلى أن تنام عيني سبيل

إنّ عهدي بالنوم عهد طويل

غاب عنّي من لا اسمّي فعيني

كل يوم وجدا عليه تسيل

إنّ ما قلّ منك يكثر عندي

و كثير ممّن تحبّ القليل

فجعل يعجب بها و يرددها، فقلت له: إنّها بنات ليلتها. فقال: لا جرم إنّ أثر التوليد فيها بيّن. فقلت: و لا جرم إنّ أثر الحسد فيك ظاهر( ٥) .

ثم إن المذموم من اختلاف حال الرضا و السخط أن يدّعي في الرّضا

____________________

(١) الكافي ١: ٤٢ ٤٣، ح ٥، ٦، ٩.

(٢) الخصال: ١٠٥ ح ٦٦.

(٣) المائدة: ٨.

(٤) النساء: ١٣٥.

(٥) معجم الادباء ٦: ٤٣.

٢١٥

لصاحبه الباطل و ينكر في السخط له الحق، و أما لو تحرّى الحق في كل منهما فلا، فقالوا: وفد عمرو بن الأهتم و الزبرقان بن بدر على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فسأل عمرا عن الزبرقان فقال: مطاع في عشيرته، شديد العارضة، مانع لما وراء ظهره.

فقال الزبرقان: انه ليعلم مني أكثر من هذا و لكنه حسدني. فقال عمرو: أما و اللّه انه لزمر المروة، ضيّق العطن، أحمق الوالد، لئيم الخال، و اللّه يا رسول اللّه ما كذبت في الاولى، و لقد صدقت في الاخرة، و لكني رجل رضيت فقلت أحسن ما علمت، و سخطت فقلت أقبح ما وجدت. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ من البيان لسحرا( ١) .

«و يكاد أصلبهم عودا» صلب العود كناية عن الشدة في الامور، قال الشاعر:

و من يك ذا عود صليب

ليكسر عود الدهر فالدهر كاسره

«تنكؤه» من نكأت القرحة: إذا قشرتها.

«اللحظة» النظر بمؤخر العين.

«و تستحيله» أي: تقلبه عن الحالة التي كان عليها «الكلمة الواحدة».

و كان خالد بن المعمر من أصلب أصحابهعليه‌السلام عودا فاستحاله كلمة واحدة من معاوية، ففي (صفين نصر) قام و قال: من يبايع على الموت و شرى نفسه للّه، فبايعه سبعة آلاف على ان لا ينظر رجل منهم حتى يرد سرادق معاوية، فاقتتلوا قتالا شديدا و كسروا جفون سيوفهم إلى أن قال فخلّى معاوية عن سرادقه و خرج فارّا لائذا إلى بعض مضارب العسكر، فدخل فيه و بعث إلى خالد: أنت قد ظفرت، و لك إمرة خراسان إن لم تتم، فطمع في ذلك و لم يتم، فأمّره معاوية حين بايعه الناس على خراسان،

____________________

(١) أخرجه اسد الغابة ٢: ١٩٤، بفرق في اللفظ.

٢١٦

فمات قبل أن يصل إليها( ١) .

و قيل: الهدية تفقأ عين الحكيم و تسفّه عقل الحليم.

و في (الحلية) عن وهب: إذا دخلت الهدية من الباب خرج الحق من الكوّة( ٢) .

و في (عيون القتيبي): إستعمل الحجاج المغيرة بن عبيد اللّه الثقفي على الكوفة، فكان يقضي بين الناس، فأهدى إليه رجل، سراجا من شبه، و بلغ ذلك خصمه فبعث إليه ببغلة، فلما اجتمعا عنده جعل يحمل على صاحب السراج و جعل صاحب السراج يقول إن امري أضوء من السراج، فلما أكثر عليه قال له: ويحك ان البغلة رمحت السراج فكسرته( ٣) .

و مرّ طارق صاحب شرطة خالد القسري في موكبه على ابن شبرمة فقال ابن شبرمة:

أراها و إن كانت تحبّ كأنّها

سحابة صيف عن قريب تقشّع

اللّهمّ لي ديني و لهم دنياهم، فاستعمل بعد ذلك على القضاء فقال له ابنه:

أ تذكر يوم مرّ بك طارق في موكبه و قلت ما قلت؟ فقال: يا بني إنّهم يجدون مثل أبيك و لا يجد مثلهم أبوك، إنّ أباك أكل من حلوائهم و حطّ في أهوائهم( ٤) .

و تقدمت كلثم بنت سريع و أخوها الوليد إلى عبد الملك بن عمير قاضي الكوفة و كان ابنه يرمى بها، فقضى لها فقال هذيل الأشجعي:

أتاه رفيق بالشهود يسوقهم

على ما ادّعت من صامت المال و الخول

____________________

(١) صفين لنصر بن مزاحم: ٣٠٦.

(٢) حلية الأولياء ٤: ٦٤.

(٣) عيون الأخبار ١: ٥٢، و نقله المصنف بتصرف يسير.

(٤) عيون الأخبار ١: ٥٦، نقله بتصرف يسير.

٢١٧

فأدلى وليد عند ذاك بحقه

و كان وليد ذا مراء و ذا جدل

ففتّنت القبطيّ حتى قضى لها

بغير قضاء اللّه في السّور الطّول

إذا ذات دلّ كلّمته لحاجة

فهمّ بأن يقضي تنحنح أو سعل

و كان عبد الملك يقول بعد ذلك: ربما جاءتني السعلة أو التنحنح و أنا في المتوضأ فأكفّ عن ذلك( ١) .

«معاشر الناس اتقو اللّه فكم من مؤمل ما لا يبلغه» فلا يبيع آخرته لأمل من دنياه لعله لا يبلغه.

«و بان ما لا يسكنه» فلا يخرب دار بقائه لدار إن سكنها سكنها أيّاما و لعله لا يسكنها ساعة.

«و جامع ما سوف يتركه» و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم( ٢) .

فجمع عمرو بن العاص قناطر من ذهب، فلما مات أخذها معاوية.

«و لعله من باطل جمعه و من حق منعه» عن الرضاعليه‌السلام : لا يجتمع المال إلاّ بخمس خصال: ببخل شديد، و أمل طويل، و حرص غالب، و قطيعة الرحم، و إيثار الدّنيا على الآخرة( ٣) .

و عن الباقرعليه‌السلام : ليس من شيعتنا من له مئة ألف، و لا خمسون ألفا، و لا أربعون ألفا، و لو شئت أن أقول ثلاثون ألفا لقلت، و ما جمع رجل قط عشرة

____________________

(١) عيون الأخبار ١: ٦٣.

(٢) الأنعام: ٩٤.

(٣) اخرجه الخصال ١: ٢٨٢ ح ٣٩.

٢١٨

آلاف من حلها. قال ابو الحسن: من دراهم.

و عن أويس القرني: ان حقوق اللّه لم تترك عند مسلم درهما.

«أصابه حراما و احتمل به أثاما» بالفتح أي: جزاء اثمه، قال تعالى: يلق أثاما( ١) .

«فباء» أي: رجع.

«بوزره» أي: إثمه و ثقله.

«و قدم على ربه آسفا لاهفا» إلى.

«ذلك هو الخسران المبين» لا من يبيع متاعه بأقلّ ممّا شراه.

و في (الطبري) عن عوانة، قال عبيد اللّه لعمر بن سعد بن قتله الحسينعليه‌السلام : أين الكتاب الّذي كتبت به إليك في قتل الحسين؟ قال: مضيت لأمرك و ضاع الكتاب. قال: لتجيئنّ به. قال: ضاع. قال: و اللّه لتجيئني به. قال:

ترك و اللّه يقرأ على عجائز قريش اعتذارا إليهن بالمدينة، أما و اللّه لقد نصحتك في حسين نصيحة لو نصحتها إلى سعد بن أبي وقاص كنت قد أدّت حقّه.

قال عثمان بن زياد أخو عبيد اللّه: صدق و اللّه لوددت أنّه ليس من بني زياد رجل إلاّ و في أنفه خزامة إلى يوم القيامة، و أنّ حسينا لم يقتل...( ٢) .

٢ - الحكمة (٢٨٣) و قالعليه‌السلام :

جَاهِلُكُمْ مُزْدَادٌ وَ عَالِمُكُمْ مُسَوِّفٌ «جاهلكم مزداد» أي: من الخطأ لجهله بكونه خطأ أو بعقوبة عمله.

____________________

(١) الفرقان: ٦٨.

(٢) تاريخ الطبري ٥: ٤٦٧.

٢١٩

«و عالمكم مسوّف» أي: بالأعمال الصالحة و بالتوبة من القبيحة لطول أمله، و كل منهما هالك: الجاهل بترك تعلّمه مع إتمام الحجة عليه، و العالم بترك عمله.

٣ - الخطبة (٢٢٩) و من كلام لهعليه‌السلام : روى اليمانيّ عن أحمد بن قتيبة عن عبد اللّه بن يزيد عن مالك بن دحية قال: كنّا عند أمير المؤمنينعليه‌السلام و قد ذكر عنده اختلاف الناس فقال:

إِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمْ مَبَادِئُ طِيْنَتِهِمْ وَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِلْقَةً مِنْ سَبَخِ أَرْضٍ وَ عَذْبِهَا وَ حَزْنِ تُرْبَةٍ وَ سَهْلِهَا فَهُمْ عَلَى حَسَبِ قُرْبِ أَرْضِهِمْ يَتَقَارَبُونَ وَ عَلَى قَدْرِ اِخْتِلاَفِهِمْ يَتَفَاوَتُونَ فَتَامُّ اَلرُّوَاءِ نَاقِصُ اَلْعَقْلِ وَ مَادُّ اَلْقَامَةِ قَصِيرُ اَلْهِمَّةِ وَ زَاكِي اَلْعَمَلِ قَبِيحُ اَلْمَنْظَرِ وَ قَرِيبُ اَلْقَعْرِ بَعِيدُ اَلسَّبْرِ وَ مَعْرُوفُ اَلضَّرِيبَةِ مُنْكَرُ اَلْجَلِيبَةِ وَ تَائِهُ اَلْقَلْبِ مُتَفَرِّقُ اَللُّبِّ وَ طَلِيقُ اَللِّسَانِ حَدِيدُ اَلْجَنَانِ أقول: قول المصنّف: «و من كلام لهعليه‌السلام » ليس في نسخة ابن ميثم رأسا «روى اليماني» هكذا في (المصرية( ١ ) الاولى)، و نقله (ابن أبي الحديد و الخطية) «روى ذعلب اليمامي» نسبة إلى اليمامة، و نقله (ابن ميثم) على ما في النسخة «روى ابو محمد اليماني» نسبة إلى اليمن( ٢) .

«عن محمد بن قتيبة عن عبد اللّه بن يزيد عن مالك بن دحية» قال ابن أبي

____________________

(١) نهج البلاغة ٢: ٢٥٥، من الخطبة ٢٣٤.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ١٨، و ابن ميثم ٣١٤، (الطبع الحجري) و فيه: «و من كلام لهعليه‌السلام روى ابو محمد اليماني»

٢٢٠

الحديد: ذعلب و أحمد و عبد اللّه و مالك من رجال الشيعة و محدثيهم، و تبعه (ابن ميثم)( ١ ) ، لكن لم أقف على أثر من واحد منهم في كتب رجال الشيعة. نعم عنون (لسان ميزان ابن حجر) عدّة مسمّاة بعبد اللّه بن يزيد( ٢ ) و لم يعلم كون من في السند أحدهم أم لا نعم في ١٧٤ (النهج) «و من كلام لهعليه‌السلام و قد سأله ذعلب اليماني هل رأيت ربك؟» و مرّ في الفصل الأول( ٣ ) و هو غير «ذعلب» هذا على نقله لتأخر هذا و تقدم ذاك، و ليس ذاك أيضا من رجال الشيعة، فروى توحيد الصدوق عن ذاك أنه قال لما قالعليه‌السلام : «سلوني قبل أن تفقدوني»:

لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة لأخجلنّه اليوم( ٤ ) . فهو أعلم و ما قال.

«قد ذكر» هكذا في (المصرية)( ٥ ) و الصواب: ما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم) «فقال و قد ذكر»( ٦) .

«عندهعليه‌السلام اختلاف الناس» أي: في الحالات و الصفات، قال الشاعر:

و القوم أشباه و بين حلومهم

بون كذاك تفاضل الأشياء

و قال آخر:

الناس أصناف و شتى في الشيم

و كلهم يجمعهم بيت الأدم

و قال عبد الحميد: الناس أصناف مختلفون، و أطوار متباينون، منهم علق مضنة لا يباع، و منهم غل مظنة لا يبتاع( ٧ ) . و قال الشافعي:

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ١٨.

(٢) لسان الميزان ٣: ٣٧٧ ٣٧٩.

(٣) نهج البلاغة ٢: ١٢٠، من الخطبة رقم ١٧٩.

(٤) التوحيد للصدوق: ٣٠٥.

(٥) نهج البلاغة ٢: ٢٥٥، من الخطبة رقم ٢٣٤.

(٦) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ١٨، و ابن ميثم (الطبع الحجري): ٣١٤، و فيه: «قال: كنّا عند أمير المؤمنينعليه‌السلام و قد ذكر عنده اختلاف الناس فقال: انما...».

(٧) وفيات الأعيان (بتحقيق الدكتور احسان عباس طبعة منشورات الشريف الرضي قم) ٣: ٢٢٩، و فيه: «و في

٢٢١

و الناس يجمعهم شمل و بينهم

في العقل فرق و في الآداب و الحسب( ١)

و قال الشاعر:

للحرب أقوام لها خلقوا

و للدواوين كتّاب و حسّاب

و قال آخر:

و القوم كالعيدان يفضل بعضهم

بعضا كذاك يفوق عود عودا

و لبعضهم:

الناس اخوان و شتى في الشيم

و كلهم يجمعهم بيت الادم

و في الديوان:

الناس من جهة التمثال أكفاء

أبوهم آدم و الام حواء

 (فقال) هكذا في (المصرية)( ٢ ) ، و الكلمة زائدة و ليست في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم( ٣ ) و الخطية).

«انما فرّق بينهم مبادي طينتهم» في (معارف ابن قتيبة) قالوا: كان لأبي الجعد أبي سالم ابن أبي الجعد ستة بنين اثنان يتشيّعان، و اثنان مرجئان، و اثنان خارجيّان، فقال ابراهيم: لقد خالف اللّه بينكم.

و في (الكافي) عن الباقرعليه‌السلام : لو علم الناس كيف ابتداء هذا الخلق ما اختلف اثنان...

و عن الصادقعليه‌السلام : ان اللّه تعالى خلق المؤمن من طينة الجنة و خلق الكافر من طينة النار، و إذا أراد اللّه بعبد خيرا طيّب روحه و جسده، فلا يسمع ((ر))سالة له: و الناس أخياف مختلفون، و أطوار متباينون، منهم علق مضنّة لا يباع و غل مظنة لا يبتاع».

____________________

(١) معجم الادباء ١٧: ٣١٩.

(٢) نهج البلاغة ٢: ٢٥٥، من الخطبة رقم ٢٣٤.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ١٨، ابن ميثم (الطبع الحجري): ٣١٤، و فيه «قال كنا عند أمير المؤمنينعليه‌السلام و قد ذكر عنده اختلاف الناس فقال انما...».

٢٢٢

شيئا من الخير إلاّ عرفه، و لا يسمع شيئا من الشرّ إلاّ أنكره...( ١ ) و قال البحتري:

و الأرض لو لا العذاة واحدة

و الناس لو لا الفعال أمثال

أيضا:

و إن الأنفس اختلفن فما

يغني اتّفاق الأسماء و الألقاب

«و ذلك أنهم كانوا فلقة» أي: كسرة و مقدارا.

«من سبخ أرض و عذبها» السبخة الملحة، و العذب ضد السبخ.

«و حزن تربة» الحزن بالسكون ما غلظ من الأرض، و السهل خلافه.

في (معارف ابن قتيبة): أتى حزن بن أبي وهب المخزومي جد سعيد بن المسيب النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له: أنت سهل؟ قال: بل أنا حزن ثلاثا قال: فأنت حزن. قال سعيد بن المسيب: فما زلنا نعرف تلك الحزونة فينا.

و في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : هلك رجل في عهد النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأتى الحفّارين فإذا بهم لم يحفروا شيئا و شكوا ذلك إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: ما يعمل حديدنا في الأرض فكأنما يضرب به في الصفا. فقال: و لم؟ إن كان صاحبكم لحسن الخلق، إيتوني بقدح من ماء، فأتوا به فأدخل يده فيه ثم رشّه على الأرض رشّا ثم قال: إحفروا فحفروا فكأنما كان رملا يتهايل عليهم( ٢) .

«فهم على حسب قرب أرضهم يتقاربون و على قدر اختلافها يتفاوتون» قال النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله : الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، و ما تناكر منها اختلف( ٣) .

و قال أيضا: الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة.

____________________

(١) الكافي ٢: ٣ ح ٢، و ٢: ٦ ح ١.

(٢) الكافي ٢: ١٠١ ح ١٠.

(٣) أخرجه مسلم ٤: ٢٠٣١ ح ١٥٩ ١٦٠، و أبو داود ٤: ٢٦٠ ح ٤٨٣٤.

٢٢٣

و في (الكافي) عن عبد اللّه بن كيسان، قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : اخالط الرجل فأرى له حسن السّمت و حسن الخلق و أمانة، ثم افتشه فأتبيّنه عن عداوتكم، و أخالط الرجل فأرى فيه سوء الخلق، و قلّة الأمانة، و زعارة، ثم افتّشه فأتبينه عن ولايتكم، فكيف يكون ذلك؟ قال: أما علمت أنّ اللّه أخذ طينة من الجنة و طينة من النار فخلطهما جميعا ثم نزع هذه من هذه و هذه من هذه، فما رأيت في أولئك من الأمانة و حسن الخلق و حسن السمت فممّا مسّهم من طينة الجنة و هو يعودون إلى ما خلقوا منه، و ما رأيت من هؤلاء من قلّة الأمانة و سوء الخلق و الزّعارة فممّا مسّهم من طينة النار و هم يعودون إلى ما خلقوا منه( ١) .

و عن حبيب السجستاني عن أبي جعفرعليه‌السلام : ان اللّه تعالى لما أخرج ذرية آدم من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية له، و بالنبوّة لكل نبي، كان أول من أخذ له عليهم الميثاق بنبوته، محمد بن عبد اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال لآدم: انظر ما ذا ترى؟ فنظر إلى ذريته و هم ذر قد ملأوا السماء فقال: يا ربّ ما أكثر ذرّيّتي و لأمر ما خلقتهم، فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم؟ قال: يعبدونني لا يشركون بي شيئا، و يؤمنون برسلي و يتبعونهم. قال: يا رب فما لي أرى بعض الذرّ أعظم من بعض، و بعضهم له نور كثير، و بعضهم له نور قليل، و بعضهم ليس له نور. فقال تعالى: كذلك خلقتهم لأبلوهم في كل حالاتهم. قال:

يا رب فتأذن لي في الكلام. قال: تكلم، فإنّ روحك من روحي، و طبيعتك خلاف كينونيتي. قال: يا رب لو كنت خلقتهم على مثال واحد و قدر واحد و طبيعة واحدة، و جبلة واحدة و أرزاق سواء، لم يبغ بعضهم على بعض، و لم يكن بينهم تحاسد و لا تباغض و لا اختلاف في شي‏ء من الأشياء. قال: يا آدم

____________________

(١) الكافي ٢: ٣ ح ٥، منشورات المكتبة الإسلامية، طهران.

٢٢٤

بروحي نطقت، و بضعف طبيعتك تكلفت ما لا علم لك به، و أنا الخالق العالم، بعلمي خالفت بين خلقهم، و بمشيّتي يمضي فيهم أمري، و إلى تدبيري و تقديري صائرون، لا تبديل لخلقي و ما خلقت الجنّ و الإنس إلاّ ليعبدون( ١ ) ، و خلقت الجنة لمن عبدني و أطاعني منهم و اتبع رسلي و لا أبالي، و خلقت النار لمن كفر بي و عصاني و لم يتبع رسلي و لا أبالي، و خلقتك و خلقت ذريتك من غير فاقة بي إليك و إليهم، و إنّما خلقتك و خلقتهم لأبلوك و أبلوهم أيكم أحسن عملا في دار الدنيا في حياتكم، و لذلك خلقت الدنيا و الآخرة و الحياة و الموت، و الطاعة و المعصية، و الجنة و النار، و كذلك أردت في تقديري و تدبيري و بعلمي النافذ فيهم، خالفت بين صورهم و أجسادهم و ألوانهم و أعمارهم، و أرزاقهم و طاعتهم و معصيتهم، فجعلت منهم الشقي و السعيد، و البصير و الأعمى، و القصير و الطويل، و الجميل و الدميم، و العالم و الجاهل، و الغني و الفقير، و المطيع و العاصي، و الصحيح و السقيم، و من به الزّمانة و من لا عاهة به، فينظر الصحيح إلى الذي به العاهة، فيحمدني على عافيته، و ينظر الذي به العاهة إلى الصحيح، فيدعوني و يسألني ان أعافيه، و يصبر على بلائي فأثيبه جزيل عطائي، و ينظر الغنيّ إلى الفقير، فيحمدني و يشكرني، و ينظر الفقير إلى الغني، فيدعوني و يسألني، و ينظر المؤمن إلى الكافر، فيحمدني على ما هديته، فلذلك خلقتهم و كلّفتهم لأبلوهم في السرّاء و الضراء، و فيما أعافيهم و فيما أبتليهم، و فيما أعطيهم و فيما امنعهم، و أنا اللّه الملك القادر، و لي ان أمضي جميع ما قدّرت على ما دبّرت( ٢) .

«فتام الرواء» بالضم: من له منظر.

____________________

(١) الذاريات: ٥٦.

(٢) الكافي ٢: ٤ ح ٥ و ٢: ٨ ح ٢.

٢٢٥

«ناقص العقل» في (مطالب سؤول ابن طلحة الشافعي): قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : الإنسان عقل و صورة، فمن أخطأه العقل و لزمه الصورة لم يكن كاملا و كان بمنزلة من لا روح فيه، فمن طلب العقل المتعارف فليعرف صورة الاصول و يحذف الفضول، فإنّ كثيرا من الناس يطلبون الفضول و يضيّعون الاصول.

و في (تاريخ بغداد): قال ثعلب كان يحضر مجلس الزبير بن بكار رجل من بني هاشم له رواء و هيئة، حسن الثوب طيّب الرائحة، و كان الزبير يكرمه و يرفع مجلسه، فقال يوما للزبير: الفرزدق كان جاهليا أو تميميا؟ فولاّه الزبير ظهره و قال: اللهمّ اردد على قريش أخطارها( ١ ) ، و قال العباس بن مرداس:

و يعجبك الطرير فتبتليه

فيخلف ظنك الرجل الطرير

و قال آخر:

و ان طرّة راقتك فانظر فربما

أمرّ مذاق العود و العود أخضر

و قال آخر:

و كائن ترى من تلمعيّ مخطرب

و ليس له عند العزائم جوّل

«و مادّ القامة قصير الهمّة» قال بنو الديان الحارثيون لحسان بن ثابت: كنّا نطول بأجسامنا على العرب حتى قلت:

لا بأس بالقوم من طول و من عظم

جسم البغال و أحلام العصافير

فتركتنا لا نرى أجسامنا شيئا، و قال الشاعر:

ترى الفتيان كالنخل

و ما يدريك ما الدخل

و هذه القضايا قضايا غالبية لا كلية، فقد يكون تام الرواء تام العقل، قال بعضهم: من تمنّى رجلا حسن العقل، حسن البيان، حسن العلم، تمنّى شيئا

____________________

(١) تاريخ بغداد ٨: ٤٧٠.

٢٢٦

عسيرا، و قد اجتمع ذلك كله في العتابي. كما قد يكون طويل القامة عاقلا عالي الهمة.

فلما ألحّ المنصور على أبي مسلم حضوره عنده شاور نيزك الطويل فقال له: يا نيزك إنّي و اللّه ما رأيت طويلا أعقل منك فما ترى؟ قال: لا أرى أن تأتيه و أرى ان تأتي الري فتقيم بها فيصير ما بين خراسان و الري لك( ١) .

و حكيم الهند الذي جرى بينه و بين الاسكندر رموز كان طويلا، ففي (المروج): جلس الاسكندر جلوسا خاصا و دعا بالحكيم و لم يكن رآه قبل ذلك فلما نظر إلى صورته و تأمّل قامته نظر إلى رجل طويل الجسم رحب الجبين معتدل البنية فقال في نفسه: هذه بنية تضاد الحكمة، فإذا اجتمع حسن الصورة و حسن الفهم كان أوحد زمانه، فتأمّله الفيلسوف فأدار أصبعه السبابة على وجهه و وضعه على أرنبة أنفه، فسأله الاسكندر عن سرّ فعله فقال: تأملتك بنور عقلي فتبيّنت فكرتك فيّ و أن هذه الصورة فلمّا تجتمع مع الحكمة، فإذا كان صاحبها ذلك كان أوحد زمانه، فأدرت أصبعي مصداقا لما سنح لك، و أريتك مثالا شاهدا أنه كما ليس في الوجه إلاّ أنف واحد، كذلك ليس في دار مملكة الهند غيري، و لا يلحق أحد بي في حكمتي( ٢) .

«و ذاكي العمل قبيح المنظر» هكذا في (المصرية)( ٣ ) ، و لكن في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٤ ) (و زاكى) بالزاي و هو الصحيح، من قوله تعالى قد أفلح من زكاها( ٥ ) و أما «ذاكي» فلا مناسبة له هنا، يقال ذكا الرجل: إذا كان حديد

____________________

(١) تاريخ الطبري ٧: ٤٨٥.

(٢) مروج الذهب ١: ٣٢٨.

(٣) نهج البلاغة ٢: ٢٥٥، من الخطبة رقم ٢٣٤.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ١٨، و ابن ميثم (الطبع الحجري): ٣١٤، السطر السادس عشر هكذا.

(٥) الشمس: ٩.

٢٢٧

الفؤاد، و ذكت النار: إذا اشتعلت.

من أمثالهم «جاورينا و أخبرينا»( ١ ) و عن يونس: إنّ رجلين كانا يتعشّقان امرأة و كان أحدهما جميلا، فيقول لها «عاشرينا و انظري إلينا»، و الآخر دميما يقول لها المثل، فقالت لأختبرنّهما، فقالت لهما: لينحرا جزورا، فأتتهما متنكّرة، فبدأت بالجميل، فوجدته عند القدر يلحس الدسم و يأكل الشحم، فاستطعمته، فأمر لها بثيل الجزور أي: وعاء قضيبه، ثم أتت الدميم، فإذا هو يقسم اللحم و يعطي كل من يسأله، فسألته، فأمر لها بأطائب الجزور، فلما أصبحا غدوا عليها، فوضعت بين يدي كلّ منهما ما أعطاها، فأقصت الجميل و قرّبت الدميم( ٢ ) ، قال أبو محجن:

أ لم تسأل فوارس من سليم

بنضلة و هو موتور مشيح

رأوه فازدروه و هو خرق

و ينفع أهله الرجل القبيح

فلم يخشوا مصالته عليهم

و تحت الرغوة اللبن الصريح

فكرّ عليهم بالسيف صلتا

كما عضّ الشبا الفرس الجموح

فأطلق غلّ صاحبه و أردى

جريحا منهم و نجا جريح

و لآخر:

ترى الرجل النحيف فتزدريه

و في أثوابه رجل عزيز

و يعجبك الطرير فتبتليه

فيخلف ظنك الرجل الطرير

هذا، و هجا مسلم بن الوليد قوما فقال:

قبحت مناظرهم فحين خبرتهم

حسنت مناظرهم لقبح المخبر( ٣)

____________________

(١) مجمع الأمثال للميداني ١: ١٦٣.

(٢) نقله عن يونس الميداني في مجمع الأمثال ١: ١٦٢.

(٣) الأغاني ١٩: ٣٤، و فيه: و هجا رجلا بقبح الوجه و الأخلاق فقال:

قبحت مناظره فحين خبرته حسنت مناظره لقبح المخبر

٢٢٨

«و قريب القعر بعيد السبر» من سبرت الجرح: إذا نظرت ما غوره.

في (تاريخ بغداد): قال صافي الحرمي مولى المعتضد: مشيت يوما بين يديه و هو يريد دور الحرم، فلما بلغ إلى باب (شغب) أم المقتدر وقف يسمع و يطّلع من خلل في الستر، فإذا هو بالمقتدر و له إذ ذاك خمس سنين أو نحوها و هو جالس و حواليه مقدار عشر وصائف من أقرانه في السن و بين يديه طبق فضة فيه عنقود في وقت فيه العنب عزيز جدا، و الصبي يأكل عنبة واحدة ثم يطعم الجماعة عنبة عنبة على الدور حتى إذا بلغ الدور أكل واحدة مثل ما أكلوا حتى أفنى العنقود، و المعتضد يتميّز غيظا، فرجع و لم يدخل الدار و رأيته مهموما، فقلت: يا مولاي ما سبب ما فعلته و ما قد بان عليك؟ فقال: يا صافي و اللّه لو لا النار و العار لقتلت هذا الصبي اليوم، فإنّ في قتله صلاحا للامّة. فقلت:

يا مولاي حاشاه. أي شي‏ء عمل، يا مولاي إلعن إبليس. فقال: ويحك أنا أبصر بما أقوله، أنا رجل قد سست الامور و أصلحت الدنيا بعد فساد شديد، و لا بد من موتي، و أعلم أن الناس بعدي لا يختارون غير ولدي و سيجلسون ابني عليّا يعني المكتفي و ما أظن عمره يطول للعلة التي به يعني الخنازير التي كانت في حلقه فيتلف عن قرب، و لا يرى الناس إخراجها عن ولدي و لا يجدون بعده أكبر من هذا فيجلسونه و هو صبي، و له من الطبع في السخاء هذا الذي قد رأيت من أنه أطعم الصبيان مثل ما أكل، و ساوى بينه و بينهم و شي‏ء عزيز في العالم و الشح على مثله في طباع الصبيان، فتحتوي عليه النسوان لقرب عهده بهن فيقسم ما جمعته من الأموال كما قسّم العنب، و يبذر ارتفاع الدنيا و يخربها، فتضيع الثغور و تنتشر الامور، و يخرج الخوارج و تحدث الاسباب التي يكون فيها زوال الملك عن بني العباس أصلا. فقلت: بل يبقيك اللّه حتى يتأدّب بآدابك. قال: إحفظ عني ما أقوله، فكنت كلّما وقفت على رأس

٢٢٩

المقتدر و هو يشرب و قد دعا بالأموال فأخرجت إليه و جعل يفرقها على الجواري و النساء و يمحقها و يهبها، ذكرت مولاي المعتضد و بكيت( ١) .

هذا، و قال ابن أبي الحديد: المراد بقرب قعره تقارب طرفيه بقصر قامته( ٢) .

و قيل لبعض الحكماء: ما بال القصار أدهى و أحذق؟ قال: لقرب قلوبهم من أدمغتهم.

«و معروف الضريبة، منكر الجليبة» في (الصحاح): الضريبة: الطبيعة، تقول فلان كريم الضريبة و فلان لئيم الضريبة( ٣ ) ، و الجليب: الذي يجلب من بلد إلى غيره، قال زهير:

و مهما تكن عند امرى‏ء من خليقة

و إن خالها تخفى على الناس تعلم

و قال ذو الأصبع:

كل امرى‏ء راجع يوما لشيمته

و إن تخلّق أخلاقا إلى حين( ٤)

و قال كثير:

و من يبتدع ما ليس من سوس نفسه

يدعه و يغلبه على النفس خيمها( ٥)

هذا، و في (الحلية) عن الشافعي: خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها و جمعتها، ثم لمّا حان انصرافي مررت على رجل في الطريق محتب بفناء داره أزرق العين ناتى‏ء الجبهة سناط و هذا النعت أخبث

____________________

(١) تاريخ بغداد ٧: ٢١٦ و ٢١٧.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٢: ٢١، بالمعنى.

(٣) الصحاح للجوهري ١: ١٦٩.

(٤) الشعر لحرثان بن الحارث ذي الأصبع العدواني (كان يعيش نحو ٢٢ ه. ق). انظر الأغاني ٣: ١٠٥، السطر الثالث عشر و فيه: «كل امرى‏ء صائر يوما...»

(٥) حلية الأولياء ٩: ١٤٤، و نقله المصنف بتصرف.

٢٣٠

ما يكون في الفراسة فقلت له: هل من منزل؟ فقال: نعم فأنزلني فرأيته اكرم ما يكون من رجل، بعث إليّ بعشاء و طيب و علف لدابتي و فراش و لحاف، فجعلت أ تقلب الليل ما أصنع بهذه الكتب إذ رأيت النعت في هذا الرجل، فقلت:

أرمي بهذه الكتب، فلما أصبحت قلت للغلام: أسرج، فأسرج فركبت و مررت عليه و قلت له: إذا قدمت مكة و مررت بذي طوى فاسأل عن محمد بن ادريس الشافعي. فقال: أ مولى لأبيك أنا؟ قلت: لا. قال: فهل كانت لك عندي نعمة؟ قلت:

لا. قال: أين ما تكلفت لك البارحة. قلت: و ما هو. قال: أشتريت طعاما لك بدرهمين و إداما بكذا و كذا و عطرا بثلاثة دراهم و علفا لدابتك بدرهمين و كراء الفرش و اللحاف درهمان. قلت: يا غلام أعطه. فهل بقي شي‏ء؟ قال: كراء البيت فاني قد وسعت عليك و ضيقت على نفسي. قال: فغبطت بتلك الكتب، فقلت له:

هل بقي لك من شي‏ء؟ قال: امض أخزاك اللّه فما رأيت قط شرا منك( ١) .

إذا ما طلبت شيمة غير شيمة

طبعت عليها لم تجبك الطبائع

«و تائه القلب» أي: متحيّرة.

«متفرّق اللب» أي: العقل.

في (الطبري): و في سنة (٦٧) عزل ابن الزبير أخاه مصعبا عن البصرة و ولّى ابنه حمزة، فقدم البصرة و كان يجود أحيانا حتى لا يدع شيئا يملكه، و يمنع أحيانا ما لا يمنع مثله، فظهرت منه بالبصرة خفّة و ضعف، فعزله أبوه فاحتمل مالا كثيرا من مال البصرة و أتى المدينة و ترك أباه، فأودع ذلك المال رجالا فذهبوا به إلاّ يهوديا كان أودعه فوفى له، و علم أبوه بما فعل فقال: أبعده اللّه أردت ان أباهي به بني مروان فنكص( ٢) .

____________________

(١) حلية الأولياء ٩: ١٤٤، و نقله المصنّف بتصرّف.

(٢) تاريخ الطبري ٦: ١١٧ و ١١٨، و نقله المصنف بتصرف كثير.

٢٣١

و قال سوار: ما أعلم أحدا أفضل من عطاء السلمي، و لو شهد عندي على فلسين لم أجز شهادته يذهب إلى تفرق لبه.

«و طليق اللسان حديد الجنان» بالفتح القلب، قال الجوهري: قال موسى بن جابر الجعفي:

فما نفرت جنّي و لا فل مبردي

و لا أصبحت طيري من الخوف وقعا

و اراد بالجن القلب و بالمبرد اللسان. و قالوا: المرء بأصغريه قلبه و لسانه( ١) .

و في (المروج): لما حصل شبيب الخارجي على جسر دجيل نفر به فرسه و عليه الحديد الثقيل من درع و مغفر، فألقاه في الماء، فقال له بعض أصحابه أغرقا؟ قال: ذلك تقدير العزيز العليم( ٢ ) . فألقاه دجيل ميتا بشطه، فحمل على البريد إلى الحجّاج فأمر بشق بطنه و استخراج قلبه، فاستخرج فإذا هو كالحجر إذا ضرب به الأرض نبا عنه، فشقّ فإذا في داخله قلب صغير كالكرة، فشقّ فأصيب علقة الدم في داخله( ٣) .

هذا، و في (الكافي): كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: إذا كان الغلام ملتاث الادرة صغير الذكر، ساكن النظر، فهو ممّن يرجى خيره و يؤمن شرّه، و إذا كان شديد الادرة كبير الذكر حاد النظر فهو ممّن لا يرجى خيره و لا يؤمن شرّه( ٤) .

هذا و قد قيل في كنانة:

فما كنانة في خير بخائرة

و لا كنانة في شر باشرار

____________________

(١) الصحاح للجوهري ٥: ٢٠٩٣.

(٢) فصلت: ١٢.

(٣) مروج الذهب ٣: ١٣٩ ١٤٠.

(٤) الكافي ٦: ٥١ ح ١.

٢٣٢

و هو أقبح ذم.

٤ - الحكمة (١٠٨) و قالعليه‌السلام :

لَقَدْ عُلِّقَ بِنِيَاطِ هَذَا اَلْإِنْسَانِ بَضْعَةٌ هِيَ أَعْجَبُ مَا فِيهِ وَ ذَلِكَ اَلْقَلْبُ وَ لَهُ مَوَادَّ مِنَ اَلْحِكْمَةِ وَ أَضْدَاداً مِنْ خِلاَفِهَا فَإِنْ سَنَحَ لَهُ اَلرَّجَاءُ أَذَلَّهُ اَلطَّمَعُ وَ إِنْ هَاجَ بِهِ اَلطَّمَعُ أَهْلَكَهُ اَلْحِرْصُ وَ إِنْ مَلَكَهُ اَلْيَأْسُ قَتَلَهُ اَلْأَسَفُ وَ إِنْ عَرَضَ لَهُ اَلْغَضَبُ اِشْتَدَّ بِهِ اَلْغَيْظُ وَ إِنْ أَسْعَدَهُ اَلرِّضَا نَسِيَ اَلتَّحَفُّظَ وَ إِنْ نَالَهُ اَلْخَوْفُ شَغَلَهُ اَلْحَذَرُ وَ إِنِ اِتَّسَعَ لَهُ اَلْأَمْرُ اِسْتَلَبَتْهُ اَلْغِرَّةُ وَ إِنْ أَفَادَ مَالاً أَطْغَاهُ اَلْغِنَى وَ إِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَضَحَهُ اَلْجَزَعُ وَ إِنْ عَضَّتْهُ اَلْفَاقَةُ شَغَلَهُ اَلْبَلاَءُ وَ إِنْ جَهَدَهُ اَلْجُوعُ قَعَدَ بِهِ اَلضَّعْفُ وَ إِنْ أَفْرَطَ بِهِ اَلشِّبَعُ كَظَّتْهُ اَلْبِطْنَةُ فَكُلُّ تَقْصِيرٍ بِهِ مُضِرٌّ وَ كُلُّ إِفْرَاطٍ لَهُ مُفْسِدٌ أقول: رواه الكليني في (روضته) و المسعودي و أبو طلحة الشافعي في (مطالب سؤوله)، روى الأول عن محمد بن علي بن معمر عن محمد بن علي بن عكاشة عن الحسين بن النضر الفهري عن أبي عمرو الأوزاعي عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إن أمير المؤمنينعليه‌السلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و ذلك حين فرغ من جمع القرآن و تأليفه، فقال: الحمد للّه الذي منع الأوهام أن تنال الا وجوده إلى أن قال أيها الناس أعجب ما في الانسان قلبه و له مواد من الحكمة و أضداد من خلافها، فإن سنح له الرجاء أذلّه الطمع، و إن هاج به الطمع أهلكه الحرص، و إن ملكه اليأس قتله الأسف، و إن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ، و إن أسعد بالرّضا نسي التحفّظ، و إن ناله الخوف شغله الحذر، و إن اتّسع له الأمن

٢٣٣

استلبته الغرّة، و إن جددت له النعمة أخذته الغرّة، و ان أفاد مالا أطغاه الغنى، و ان عضّته فاقة شغله البلاء جهده البكاء و إن أصابته مصيبة فضحه الجزع، و إن أجهده الجوع قعد به الضعف، و إن أفرط في الشبع كظّته البطنة، فكل تقصير به مضر و كل إفراط له مفسد( ١) .

و قال الثاني: دخل ضرار بن ضمرة و كان من خواصّ عليّعليه‌السلام على معاوية وافدا، فقال له: صف لي عليا. قال: أعفني. قال معاوية: لا بدّ من ذلك.

فقال: أمّا إذا كان لا بدّ من ذلك فإنه كان و اللّه بعيد المدى شديد القوى إلى أن قال فقال له معاوية: زدني شيئا من كلامه. فقال: كان يقول: أعجب ما في الانسان قلبه، و له مواد من الحكمة و أضداد من خلافها، فإن سنح له الرجاء أماله الطمع، و إن مال به الطمع أهلكه الحرص، و إن ملكه القنوط قتله الأسف، و إن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ، و إن أسعده الرضا نسي التحفّظ، و إن أماله الخوف فضحه الجزع، و إن أفاد مالا أطغاه الغنى، و ان عضته فاقة فضحه الفقر، و ان جهده الجوع أقعده الضعف، و ان أفرط به الشبع كظته البطنة، فكل تقصير به مضرّ، و كل إفراط له مفسد، فقال له معاوية: زدني ما وعيته من كلامه. قال: هيهات أن آتي على جميع ما سمعته منه( ٢) .

و قال الثالث: نقل البيهقي باسناده عن الشافعي عن يحيى بن سليم عن الامام جعفر بن محمد بن عبد اللّه بن جعفر عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: أعجب ما في الانسان قلبه، فيه مواد من الحكمة و أضداد لها من خلافها، فإن سنح له الرجاء أولهه الطمع، و إن هاج به الطمع أهلكه الحرص، و إن ملكه اليأس قتله الأسف، و إن عرض له الغضب اشتد به الغيظ، و إن أسعده الرضا نسي

____________________

(١) الكافي ٨: ١٨ و ٢١.

(٢) مروج الذهب ٢: ٤٢١ ٤٢٢.

٢٣٤

التحفّظ، و إن ناله الخوف شغله الحزن، و إن أصابته المصيبة فضحه الجزع، و إن وجد مالا أطغاه الغنى، و إن عضّته فاقة شغله البلاء، و إن أجهد به الجوع قعد به الضعف، و إن أفرط به الشبع كظّته البطنة، فكل تقصير به مضرّ، و كل إفراط له مفسد.

«لقد علق بنياط هذا الانسان» في (الصحاح): النياط: عرق علق به القلب من الوتين، فإذا قطع مات صاحبه( ١) .

و مراده نوع الانسان الشامل لجميع الافراد.

و عن أرسطاطاليس في تفاوت أفراد الانسان كلام، و هو: ليس فيما خلق تعالى أشد من الانسان، يوجد فيه ما في كل حيوان، يكون شجاعا كالاسد، و جبانا كالأرنب، و سخيّا كالديك، و بخيلا كالكلب، و فجورا كالغراب، و وحشيّا كالنمر و انسيّا كالحمام، و خبيثا كالثعلب، و سليما كالغنم، و سريعا كالغزال، و بطيئا كالدبّ، و عزيزا كالفيل، و ذليلا كالحمار، و لصا كالعقعق، و تائها كالطاوس، و هاديا كالقطا، و ضالاّ كالنعامة، و شرورا كالتيس، و كدودا كالثور، و شموسا كالبغل، و أخرس كالحوت، و منطيقا كالهزار، و جهولا كالخنزير، و ميشوما كالبوم، و نفّاعا كالفرس، و مضرا كالفأرة.

«بضعة» في (الصحاح) القطعة من اللحم، و هي بالفتح، و أخواتها مثل القطعة و الفلذة و الفدرة و الكسفة و الخرقة و ما لا يحصى بالكسر( ٢) .

«هي أعجب ما فيه» و كل ما فيه عجب، فقالعليه‌السلام أيضا: إعجبوا لهذا الإنسان، ينظر بشحم، و يتكلّم بلحم، و يسمع بعظم( ٣ ) ، بل كله عجب.

____________________

(١) الصحاح للجوهري ٣: ١١٦٦.

(٢) الصحاح ٣: ١١٨٦.

(٣) نهج البلاغة ٣: ٤ الحكمة ٧.

٢٣٥

أ تزعم أنك جرم صغير

و فيك انطوى العالم الأكبر

«و ذلك القلب» قالوا ما سمّي القلب إلاّ من تقلبه.

هذا، و قيل في عضد الدولة: له صدر فيه ألف قلب.

«و له مواد من الحكمة و أضداد من خلافها» و عنهعليه‌السلام أيضا: الفضائل أربعة أجناس: أحدها الحكمة و قوامها في الفكرة، و الثاني العفّة و قوامها في الشهوة، و الثالث القوّة و قوامها في الغضب، و الرابع العدل و قوامه في اعتدال قوى النفس( ١) .

قال ابن ميثم: أرادعليه‌السلام : بقوله «مواد من الحكمة» الفضائل الخلقية، فإنّها بأسرها من الحكمة، و هي العلم بما ينبغي أن يفعل، و هو الأصلح في كل باب، و هي مواد كمال القلب. و أراد بقوله: «و أضداد من خلافها» الرذائل المضادة للفضائل، و هي التي أطراف التفريط و الإفراط منها، فالاولى الطمع و هو رذيلة الإفراط من رضا الانسان بما يحصل عليه من دنياه.

إلى أن قال: الخامسة رذيلة الإفراط من عروض الخوف، و هي الاشتغال بالحذر عما ينبغي عند عروضه، و الذي ينبغي فيه الأخذ بالحزم، و ترك الافراط من الخوف و العمل للأمر المخوف. السادسة رذيلة التفريط في عروض ضده و هو الأمن حتى لا يفكّر في مصلحته و حفظ ما هو عليه من الأمن.

إلى أن قال: ثم ختم ذلك بالتنفير عن طرفي الإفراط و التفريط فيها إجمالا بما يلزم التفريط من مضرّة القلب بعدم الفضيلة و يلزم الإفراط فيها من إفساده لخروجه عنها( ٢) .

____________________

(١) بحار الانوار ٧٨: ٨١ ح ٦٨.

(٢) ابن ميثم (الطبع الحجري) ٣: ٤٧٨ و ٤٧٩، و قول المصنف «... من رضا الانسان بما يحصل عليه من دنياه» ليس من

٢٣٦

و عرّض ابن ميثم في كلامه ذاك بابن أبي الحديد حيث قال: ليست الأمور التي عدّدهاعليه‌السلام شرحا لما قدّمه من هذا الكلام المجمل، و إن ظنّ قوم أنه أراد ذلك( ١) .

«فان سنح» أي: عرض.

«له الرجاء أذله الطمع» الرجاء ان لم يكن فيه افراط يؤدي إلى الطمع فضيلة و حكمة لأنه مادة الحياة للدين و الدنيا، و أما إن أدى إليه فهو طبع.

و في (مجازات نبوية المصنّف) في قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله «استعيذوا باللّه من طمع يهدي إلى طبع» المراد أن الطمع يصيّر بصاحبه إلى معائب الأفعال و مدانسها، و يوقعه في مذامّها و مناقصها، و الطبع الدنس و العيب مأخوذ على ما سمعته من أبي الفتح النحوي من الطابع و هو الخاتم، كأنه يسم صاحبه بالمعائب( ٢ ) ، فلما كانت عواقب الطمع صائرة إلى مدارن الطبع جعلصلى‌الله‌عليه‌وآله الطمع كأنه هاد إليها على المجاز و الاتساع.

و في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذلّه.

و عنهعليه‌السلام : الذي يثبّت الإيمان الورع، و الذي يخرجه الطمع.

و عن السجادعليه‌السلام : رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي النّاس( ٣) .

و قالوا: تقطع أعناق الرجال المطامع، و ان الطير ليصاد بالمطامع.

و أشعب الطماع و قصصه معروفة.

((ك))لام ابن ميثم فانه قال: «فالاولى الطمع و هي رذيلة الإفراط من الرجاء و نفرّ عنها بما يلزمها من الذلة: المطموع فيه و بما يلزم اشتداد الطمع من الحرص المهلك في الدارين».

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٢٧١.

(٢) المجازات: ٢٣٩.

(٣) الكافي ٢: ٣٢٠ ١ و ٣ و ٤.

٢٣٧

«و ان هاج به الطمع أهلكه الحرص» فالحرص إفراط في إفراط، فالطمع يذل و الحرص يهلك.

و في (عيون ابن قتيبة): لا يكثر الرجل على أخيه الحوائج، فان العجل إذا أفرط في مصّ أمه نطحته و نحّته. و قال الشاعر:

كم من حريص على شي‏ء ليدركه

و علّ ادراكه يدني إلى عطبه

و قال آخر:

و ربّ ملحّ على بغية

و فيها منيّته لو شعر( ١)

و قال ابن المقفع: الحرص محرمة، أنظر من يطلب إليك بالإجمال و التكرّم أحق أن تسخو نفسك له بالعطية أم من يطلب ذلك بالشره و الحرص( ٢) .

و دخل مالك بن دينار على رجل محبوس قد أخذ بمال عليه و قيّد، فقال له الرجل: أما ترى ما نحن فيه من هذه القيود، فرفع مالك رأسه فرأى سلّة فقال: لمن هذه؟ قال: لي فأمر بها أن تنزل، فأنزلت و إذا دجاج و أخبصة، فقال مالك: هذه وضعت القيود في رجلك( ٣) .

و قالت الحكماء: الحريص الجشع أشد حرارة من النار.

«و إن ملكه اليأس قتله الأسف» هو التفريط من فضيلة الرجاء، فاليأس يمنع العمل للدنيا و الدين.

و في (الخصال) عن الصادقعليه‌السلام : تبع حكيم حكيما سبعمئة فرسخ في سبع كلمات، فلما لحق به قال: يا هذا ما أرفع من السماء، و أوسع من الأرض،

____________________

(١) عيون الأخبار ٣: ١٩١.

(٢) عيون الأخبار ٣: ١٩١، نقله بالتقطيع.

(٣) عيون الأخبار ٣: ١٩٢، نقله بتصرف يسير.

٢٣٨

و أغنى من البحر، و أقسى من الحجر، و أشد حرارة من النار، و أشد بردا من الزمهرير، و أثقل من الجبال الراسيات؟ فقال له: يا هذا الحق أرفع من السماء، و العدل أوسع من الأرض، و غنى النفس أغنى من البحر، و قلب الكافر أقسى من الحجر، و الحريص الجشع أشدّ حرارة من النار، و اليأس من روح اللّه أشدّ بردا من الزمهرير، و البهتان على البري‏ء أثقل من الجبال الراسيات( ١) .

و قالوا: عاقب الزهري رجلا، فمات فخرج هاربا و توحّش و ضرب فسطاطا، فقال له علي بن الحسينعليه‌السلام : اني أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك( ٢) .

«و ان عرض له الغضب اشتد به الغيظ» في (الكافي) عن الباقرعليه‌السلام : إن هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم، و إنّ أحدكم إذا غضب احمرّت عيناه و انتفخت أوداجه و دخل الشيطان فيه، فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الأرض، فإنّ رجس الشيطان يذهب عنه عند ذلك.

و عن الصادقعليه‌السلام قال رجل للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : علّمني. قال: إذهب و لا تغضب.

فقال الرجل: قد اكتفيت بذلك، فمضى إلى أهله فإذا بين قومه حرب قد قاموا صفوفا و لبسوا السلاح، فلما رأى ذلك لبس سلاحه ثم قام معهم ثم ذكر قول النبيّ «لا تغضب» فرمى السلاح ثم جاء يمشي إلى القوم الذين هم عدو قومه، فقال: يا هؤلاء ما كان لكم من جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه أثر فعليّ في مالي أنا أو فيكموه. فقال القوم: فما كان فهو لكم، نحن أولى بذلك منكم، فاصطلح القوم و ذهب الغضب.

و عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل.

____________________

(١) الخصال: ٣٤٨ ح ٢١.

(٢) أخرجه ذيل الطبري: ١١٦.

٢٣٩

و عن الباقرعليه‌السلام : ان الرجل ليغضب فما يرضى أبدا حتى يدخل النار، و أيّما رجل غضب على قوم و هو قائم فليجلس من فوره ذلك فانه سيذهب عنه رجس الشيطان، و أيّما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسّه فإنّ الرحم إذا مست سكنت( ١) .

هذا، و في (نسب قريش مصعب الزبيري): حجّ مروان بن عبد الملك مع أخيه الوليد بن عبد الملك و الوليد يومئذ خليفة فجرى بينهما محاورة، فغضب الوليد فأمصّه فتفوه مروان بالرد عليه، فأمسك عمر بن عبد العزيز على فيه فمنعه من ذلك، فقال لعمر: «قتلتني رددت غيظي في جوفي»، فما راحوا من وادي القرى حتى دفنوه، فقال الشاعر:

لقد غادر القوم اليمانون إذ غدوا

بوادي القرى جلد الجنان مشيّعا

فسيروا فلا مروان للقوم إذ شقوا

و للركب إذ أمسوا مكلّين جوّعا( ٢)

و الرذيلة ما إذا استتبع الغضب غيظا يؤدي إلى الانتقام بأكثر مما يستحقه الخصم، و أما ان ترك الانتقام رأسا فهو فضيلة، قال تعالى و ما عند اللّه خير و أبقى للذين آمنوا و على ربهم يتوكلون. و الذين يجتنبون كبائر الإثم و الفواحش و إذا ما غضبوا هم يغفرون( ٣ ) كما انه إذا انتقم بقدر الاستحقاق يكون عدالة، قال تعالى: و جزاء سيئة سيئة مثلها( ٤) .

«و إن أسعده الرضا نسي التحفّظ» في (الطبري) في محاربة نصر بن سيّار و الكرماني في خراسان بعث أبو مسلم حين عظم الأمر بين الكرماني و نصر إلى الكرماني «إني معك»، فقبل و انضم إليه، فاشتد ذلك على نصر

____________________

(١) الكافي ٢: ٣٠٢ ٣٠٤ ١ و ٢ و ١١ و ١٢.

(٢) نسب قريش لمصعب الزبيري: ١٦٢، و نقله بتصرف.

(٣) الشورى: ٣٦ و ٣٧.

(٤) الشورى: ٤٠.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668