بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 668

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 668
المشاهدات: 63285
تحميل: 3564


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 668 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 63285 / تحميل: 3564
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 8

مؤلف:
العربية

فأرسل إلى الكرماني: ويلك لا تغترر فو اللّه إنّي لخائف عليك و على أصحابك منه، و لكن هلم إلى الموادعة فندخل مرو، فنكتب بيننا كتابا بصلح و هو يريد أن يفرق بينه و بين أبي مسلم فدخل الكرماني منزله و أقام أبو مسلم في المعسكر و خرج الكرماني حتى وقف في الرحبة في مئة فارس و عليه قرطق خشكشونة، ثم أرسل نصر: أخرج لنكتب بيننا الكتاب فأبصر نصر منه غرة فوجّه إليه ابن سريع في نحو من ثلاثمئة فارس فالتقوا في الرحبة، فاقتتلوا بها طويلا، ثم ان الكرماني طعن في خاصرته فخر عن دابته و حماه أصحابه حتى جاءهم ما لا قبل لهم به فقتل نصر الكرماني و صلبه( ١) .

«و ان ناله» هكذا في (المصرية)( ٢ ) و الصواب: (و إن عاله) كما في (ابن ميثم و الخطية)( ٣) .

«الخوف شغله الحذر» في (الطبري) في غزوة حنين كان جماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري، فلما نزل بأوطاس إجتمع إليه الناس و فيهم دريد بن الصمة، فلما نزل دريد قال: ما لي أسمع رغاء البعير، و نهاق الحمير، و يعار الشاء، و بكاء الصبي؟ قالوا: ساق مالك مع الناس أبناءهم و نساءهم و أموالهم. فقال: اين مالك؟ فدعي له. فقال له: إنك أصبحت رئيس قومك، مالي أسمع رغاء البعير، و نهاق الحمير، و يعار الشاء، و بكاء الصغير؟ قال: سقت مع الناس أبناءهم و نساءهم و أموالهم قال: و لم؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله و ماله ليقاتل عنهم. قال: هل يرد المنهزم شي‏ء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلاّ رجل بسيفه و رمحه، و إن كانت عليك فضحت في أهلك و مالك...( ٤) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ٧: ٣٧٠ و ٣٧١.

(٢) نهج البلاغة ٣: ١٧٥، من الكلام رقم ١٠٨.

(٣) ابن ميثم (الطبع الحجري) ٣: ٤٧٨، و فيه «و ان غاله» و كتب في الهامش «ناله صح».

(٤) تاريخ الطبري ٣: ٧١، و نقله المصنّف بتصرف.

٢٤١

و المذموم ما إذا كان له قدرة على تدبير و حيلة و الا فلا، فكان هشام بن الحكم بعد وقوف هارون على حجاجه في الامامة أراد قتله، و كان قدّم ليضرب عنقه و اتفق ان نجا فاعتلّ من الخوف، فكان إذا وصف طبيب له علته يكذبه و يقول له: علتي فزع القلب مما أصابني.

«و إن اتّسع له الأمن استلبته الغرّة» أي: اختلسته، كان علي بن الكرماني استأمن إلى أبي مسلم، فأمره أبو مسلم أن يسمّي له خاصته ليولّيهم و يأمر لهم بجوائز و كسا، فسمّاهم له فقتلهم جميعا( ١) .

«و ان أفاد مالا أطغاه الغني» هكذا في (المصرية)( ٢ ) ، و الصواب: كون هذه الفقرة (و ان أفاد مالا أطغاه الغنى) بعد فقرة «و ان أصابته مصيبة فضحه الجزع» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة)( ٣ ) ، و لأن المناسب أن يكون: «و إن عضّته الفاقة» بعد «و إن أفاد مالا». إنّ الانسان ليطغى. أن رآه استغنى( ٤ ) ، و لو بسط اللّه الرزق لعباده لبغوا في الأرض و لكن ينزّل بقدر ما يشاء( ٥ ) ، و لو لا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة و معارج عليها يظهرون( ٦) .

«و ان أصابته مصيبة فضحه الجزع» إنّ الانسان خلق هلوعا. إذا مسّه الشر جزوعا. و إذا مسّه الخير منوعا( ٧) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ٧: ٣٨٨.

(٢) نهج البلاغة ٣: ١٧٥، من الكلام رقم ١٠٨.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٣٧١، ابن ميثم ٣: ٤٧٨.

(٤) العلق: ٦ و ٧.

(٥) الشورى: ٢٧.

(٦) الزخرف: ٣٣.

(٧) المعارج: ١٩ ٢١.

٢٤٢

و في (المروج): إعتلّت حبابة جارية يزيد بن عبد الملك، فأقام يزيد أياما لا يظهر للناس، ثم ماتت، فأقام أياما لا يدفنها جزعا عليها حتى جيفت، فقالوا:

إنّ النّاس يتحدّثون عنك بجزعك، و إنّ الخلافة تجل عن ذلك، فدفنها و أقام على قبرها فقال:

فإن تسل عنك النفس أو تدع الهوى

فباليأس تسلو النفس لا بالتجلّد

ثم أقام بعدها أياما قلائل ثم مات( ١) .

«و إن عضّته الفاقة شغله البلاء» في (العقد): كان أبو الشمقمق الشاعر أديبا طريفا محارفا صعلوكا متبرّما قد لزم بيته في أطمار مسحوقة، و كان إذا استفتح عليه أحد بابه خرج فنظر من فرج الباب، فإن أعجبه الواقف فتح له و إلاّ سكت، فدخل عليه بعض إخوانه، فلمّا رأى سوء حاله قال: إنّا روينا في بعض الحديث «ان العارين في الدنيا هم الكاسون يوم القيامة». قال: إن كان ما تقول حقا لأكوننّ بزازا يوم القيامة( ٢) .

و في كتاب ما للهند: من لا مال له إذا أراد أن يتناول أمرا قعد به العدم فيبقى مقصّرا عما أراد كالماء الذي يبقى في الأودية من مطر الصيف فلا يجري إلى بحر و لا نهر بل يبقى مكانه حتى تنشفه الأرض( ٣) .

«و ان جهده الجوع قعد به الضعف» في (شعراء ابن قتيبة) في أعشى قيس كان ابوه يدعى قتيل الجوع، و ذلك أنه كان في جبل، فدخل غارا فوقعت صخرة من الجبل فسدت فم الغار فمات فيه جوعا( ٤) .

هذا، فقيل لعقيل بن علقمة، لو زوّجت بناتك، فإنّ النساء لحم على وضم

____________________

(١) مروج الذهب ٣: ١٩٨.

(٢) العقد الفريد ٢: ٣٥٢، نقله بتصرف في العبارة.

(٣) العقد الفريد لابن عبد ربه ٢: ٣٥٣.

(٤) الشعر و الشعراء لابن قتيبة (طبعة دار صادر بيروت): ١٣٥.

٢٤٣

إذا لم يكنّ غانيات. قال: كلاّ إنّي أجيعهنّ فلا يأثرن، و اعرّيهنّ فلا يظهرن.

«و ان أفرط به الشبع كظته البطنة» الكظّة بالكسر: ما يعتري الانسان من الامتلاء من الطعام، قال حاتم:

يرى الخمص تعذيبا و إن نال شبعة

يبت قلبه من قلة الهمّ مبهما

و في (العقد) قال أبو اليقظان: كان هلال بن سعد التميمي اكولا، فيزعمون انه أكل جملا و أكلت امرأته فصيلا، فلما أراد أن يجامعها لم يصل إليها، فقالت له: و كيف تصل اليّ و بيني و بينك بعيران( ١ ) ؟

و قال المدائني: كان سليمان بن عبد الملك بدابق فأتي بسلّين أحدهما مملو بيضا و الآخر تينا. فقال: إقشروا البيض، فجعل يأكل بيضة و تينة حتى فرغ من السلين، ثم أتوه بقصعة مملوة مخّا بسكر، فأكله فأتخم و مرض فمات( ٢) .

هذا، و في (المروج) رحل رجل من بني هاشم من الكوفة إلى ابن عمّه بالمدينة، فأقام عنده حولا لم يدخل مستراحا، فلما كان بعد الحول أراد الرجوع إلى الكوفة فحلف عليه أن يقيم عنده أياما أخر، فأقام و كان للرجل قينتان فقال لهما: أما رأيتما ابن عمي و ظرفه، أقام عندنا حولا و لم يدخل مستراحا. فقالتا له: فعلينا أن نصنع له شيئا لا يجد معه بدّا من الخلاء. قال شأنكما و ذلك، فعمدتا إلى خشب العشر و هو مسهل فدقّتاه و طرحتاه في شرابه، فلما حضر وقت شرابهما قدمتاه إليه و سقتا مولاهما من غيره، فلما أخذ الشراب منهما تناوم المولى و تمغّص الفتى، فقال للّتي تليه: يا سيدتي أين الخلاء؟ فقالت لها صاحبتها: ما يقول لك. قالت: يسألك ان تغنيه:

____________________

(١) العقد الفريد ٨: ١٣، و فيه «كان هلال بن الاسعر التميمي... فيزعمون أنه أكل فصيلا و أكلت امرأته فصيلا...».

(٢) العقد الفريد ٨: ١٥، و فيه «اقبل نصراني إلى سليمان بن عبد الملك و هو بدابق بسلّين أحدهما مملوء بيضا...».

٢٤٤

خلا من آل فاطمة الديار

فمنزل أهلها منها قفار

فغنته فقال الفتى: أظنهما مكيتين و ما فهمتا، ثم التفت إلى الاخرى فقال:

يا سيدتي أين الحش. فقالت لها صاحبتها: ما يقول؟ قالت: يسألك ان تغنيه:

أوحش الدقرات و الدير منها

فعناها بالمنزل المغمور

فغنته، فقال الفتى: أظنهما عراقيتين و ما فهمتا عني، ثم التفت إلى الاخرى فقال لها: أعزك اللّه أين المتوضأ. فقالت لها صاحبتها: ما يقول؟ قالت:

يسألك أن تغنيه:

توضأ للصلاة و صل خمسا

و أذن بالصلاة على النبيّ

فغنته فقال: أظنهما حجازيتين و ما فهمتا عني. ثم التفت إلى الاخرى فقال: يا سيدتي أين الكنيف؟ فقالت لها صاحبتها: ما يقول لك. قالت: يسألك ان تغنيه:

تكنّفني الواشون من كل جانب

و لو كان واش واحد لكفانيا

فقال: أظنهما يمانيتين و ما فهمتا عني، ثم التفت إلى الاخرى فقال: يا هذه أين المستراح؟ فقالت لها صاحبتها: ما يقول؟ قالت يسألك ان تغنيه:

ترك الفكاهة و المزاحا

و قلى الصبابة و استراحا

فغنته و المولى يسمع ذلك و هو متناوم، فلما اشتدّ به الأمر أنشأ يقول:

تكنفني السلاح و أضجروني

على ما بي بتكرير الأغاني

فلما ضاق عن ذاك اصطباري

ذرقت به على وجه الزواني

ثم انه حل سراويله و سلح عليهما، و انتبه المولى في أثر ذلك، فلما رأى ما نزل بجواريه قال: يا أخي ما حملك على هذا الفعل؟ قال: يا ابن الفاعلة لك جوار يرين المخرج صراطا مستقيما لا يدللني عليه، فلم أجد

٢٤٥

لهن جزاء غير هذا، ثم رحل عنه( ١) .

«و كل تقصير به مضر و كل افراط له مفسد» قال تعالى و الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا و كان بين ذلك قواما( ٢) .

و قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في (جوامع كلماته): خير الامور أوساطها( ٣) .

هذا، و عن المأمون: الناس ثلاثة، فمنهم مثل الغذاء لا بدّ منه على كل حال، و منهم كالدواء يحتاج إليه في حال المرض، و منهم كالداء مكروه على كل حال.

٥ - الحكمة (٧٠) و قالعليه‌السلام :

لاَ تَرَى اَلْجَاهِلَ إِلاَّ مُفْرِطاً أَوْ مُفَرِّطاً الافراط، تجاوز الحد، و التفريط، التقصير و التضييع له حتى يفوت، و كلاهما مذمومان، و إنّما الممدوح الحد الوسط.

و من كلمات النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله الجامعة: خير الامور أوساطها( ٤ ) ، و قال الشاعر:

و إنّ بين التفريط و الإفراط

مسلكا منجيا من الإيراط

الإيراط مصدر أورطه، أي: أوقعه فيما لا خلاص له منه.

و صدقعليه‌السلام : فالجاهل إمّا ان يبخل و لا ينفق أصلا. أو ينفق و يسرف مع أنّ اللّه تعالى قال: و الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا و كان

____________________

(١) المروج ٤: ٢٤٠ ٢٤٢.

(٢) الفرقان: ٦٧.

(٣) رواه النهاية ٥: ١٨٤، وسط.

(٤) رواه النهاية ٥: ١٨٤ مادة (وسط).

٢٤٦

بين ذلك قواما( ١) .

و كذلك الجاهل إمّا أن يترك آخرته لدنياه، و إمّا دنياه لآخرته، و قالواعليهم‌السلام : ليس منّا من ترك آخرته لدنياه و من ترك دنياه لآخرته، و الجاهل إمّا لا يكسب و يكون كلا على الناس و إمّا يحرص و لا يجمل في كسبه، و كلاهما ضلال.

و في (بيان الجاحظ): قال النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله : يؤتى يوم القيامة بالوالي جلد فوق ما أمر اللّه به، فيقول له الرب: عبدي لم جلدت فوق ما أمرتك به؟ فيقول: رب غضبت لغضبك. فيقول: أ كان ينبغي لغضبك أن يكون أشد من غضبي؟ ثم يؤتى بالمقصّر فيقول له: عبدي لم قصّرت عمّا أمرتك به؟ فيقول: رب رحمته.

فيقول: أ كان ينبغي لرحمتك أن تكون أوسع من رحمتي؟ فيصيّرهما إلى النار( ٢) .

و في (تاريخ بغداد): ذكر عند أبي حنيفة جهم و مقاتل فقال: كلاهما مفرّط، أفرط جهم حتى قال انه تعالى ليس بشي‏ء، و أفرط مقاتل حتى جعله مثل خلقه( ٣) .

هذا، و أنشد شاعر نصر بن يسار بخراسان أرجوزة تشبيبها مئة و مديحها في نصر عشرة، فقال له نصر: و اللّه ما تركت كلمة عذبة و لا معنى لطيفا الا و قد شغلته عن مديحي بتشبيبك، فان أردت مديحي فاقتصد، فأتاه فأنشده:

هل تعرف الدار لامّ عمرو

دع ذا و حبّر مدحة في نصر

____________________

(١) الفرقان: ٦٧.

(٢) البيان و التبيين ٢: ٢٥، باختلاف في اللفظ.

(٣) تاريخ بغداد ١٣: ١٦٦، نقله بتصرف.

٢٤٧

فقال له نصر: لا هذا و لا ذاك، و لكن أمر بين الأمرين( ١) .

و في (المعجم): قال الجاحظ: يجب للرجل أن يكون سخيّا لا يبلغ التبذير، شجاعا لا يبلغ الهوج( ٢ ) ، محترسا لا يبلغ الجبن، ماضيا لا يبلغ القحة( ٣ ) ، قوّالا لا يبلغ الهذر( ٤ ) ، صموتا لا يبلغ العيّ، حليما لا يبلغ الذلّ، منتصرا لا يبلغ الظلم وقورا لا يبلغ البلادة، ناقدا لا يبلغ الطيش، ثم وجدنا النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد جمع ذلك كله في كلمة واحدة، و هو قوله «خير الامور أوساطها»، فعلم أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أوتي جوامع الكلم و علم فصل الخطاب( ٥) .

٦ - الحكمة (١٩٩) و قالعليه‌السلام في صفة الغوغاء:

هُمُ اَلَّذِينَ إِذَا اِجْتَمَعُوا غَلَبُوا وَ إِذَا تَفَرَّقُوا لَمْ يُعْرَفُوا وَ قِيلَ بَلْ قَالَعليه‌السلام هُمُ اَلَّذِينَ إِذَا اِجْتَمَعُوا ضَرُّوا وَ إِذَا تَفَرَّقُوا نَفَعُوا فَقِيلَ قَدْ عَرَفْنَا مَضَرَّةَ اِجْتِمَاعِهِمْ فَمَا مَنْفَعَةُ اِفْتِرَاقِهِمْ فَقَالَعليه‌السلام يَرْجِعُ أَصْحَابُ اَلْمِهَنِ إِلَى مِهْنَتِهِمْ فَيَنْتَفِعُ اَلنَّاسُ بِهِمْ كَرُجُوعِ اَلْبَنَّاءِ إِلَى بِنَائِهِ وَ اَلنَّسَّاجِ إِلَى مَنْسَجِهِ وَ اَلْخَبَّازِ إِلَى مَخْبَزِهِ أقول: قول المصنّف: (في صفة الغوغاء) في (الصحاح)، قال الأصمعي:

الجرادة إذا صارت لها أجنحة و كادت تطير قبل أن تستقلّ فتطير، غوغاء، و به شبّه الناس.

____________________

(١) العقد الفريد ٧: ١٨٦.

(٢) الهوج: الحمق و الطيش: و التسرّع.

(٣) القحة: بكسر القاف و فتحها: قلة الحياء.

(٤) الهذر: مصدر هذر كلامه، كثر في الخطأ و الباطل.

(٥) معجم الادباء ١٦: ١١٠ ١١١.

٢٤٨

و قال أبو عبيدة: الغوغاء شي‏ء شبيه بالبعوض إلاّ أنّه لا يعضّ و لا يؤذي و هو ضعيف، فمن صرفه و ذكره جعله بمنزلة قمقام، و الهمزة مبدلة من واو، و من لم يصرفه جعله بمنزلة عوراء( ١) .

قال المسعودي في (مروجه): من أخلاق العامة أن يسوّدوا غير السيّد، و يفضّلوا غير الفاضل، و يقولوا بعلم غير العالم، و هم أتباع من سبق إليهم من غير تمييز بين الفاضل و المفضول، و الفضل و النقصان، و لا معرفة للحق من الباطل عندهم.

و قال الجاحظ: سمعت رجلا من العامة و هو حاج و قد ذكر له البيت يقول: إذا أتيته من يكلمني؟ و أخبره صديق له أن رجلا من العامة قال له و قد سمعه يصلي على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ما تقول في محمد هذا أربنا هو؟ و ذكر لي بعض اخواني: ان رجلا من العامة بمدينة السّلام رفع إلى بعض الولاة الطالبين لأصحاب الكلام على جار له أنه يتزندق، فسأله الوالي عن مذهب الرجل فقال: انه مرجى‏ء قدري إباضي رافضي يبغض معاوية بن الخطاب الذي قاتل علي بن العاص. فقال له الوالي: ما أدري على أيّ شي‏ء أحسدك؟ على علمك بالمقالات، أو على بصرك بالأنساب.

و أخبرني رجل من اخواننا من أهل العلم قال: كنا نقعد نتناظر في أبي بكر و عمر و علي و معاوية و ما يذكره أهل العلم فيهم، و كان قوم من العامة يأتون فيستمعون منّا فقال لي يوما بعضهم و كان من أعقلهم و اكبرهم لحية كم تطنبون في علي و معاوية و فلان و فلان. فقلت: فما تقول أنت؟ قال:

من تريد؟ قلت: علي. قال: أو ليس هو أبو فاطمة. قلت: و من كانت فاطمة؟ قال:

امرأة النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله بنت عائشة أخت معاوية. قلت: فما كانت قصة علي؟ قال: قتل

____________________

(١) الصحاح للجوهري ٦: ٢٤٥٠.

٢٤٩

في غزاة حنين مع النبيّ.

و ذكر ثمامة بن أشرس قال: كنت مارّا في السوق ببغداد، فإذا أنا برجل اجتمع الناس عليه فنزلت عن بغلتي و قلت: لشي‏ء ما هذا الاجتماع و دخلت بين الناس، فإذا أنا برجل يصف كحلا معه أنّه ينجع من كل داء يصيب العين، فنظرت إليه فاذا عينه الواحدة برشاء و الاخرى ما سوكة، فقلت له: يا هذا لو كان كحلك كما تقول، نفع عينيك. فقال لي: أ هاهنا اشتكت عيناي؟ انما اشتكتا بمصر. فقال كلهم: صدق و ما انفلتّ من نعالهم إلاّ بعد كدّ.

و كان في أيام الرشيد ببغداد متطبب يطبب العامة بصفاته و كان دهريا يظهر أنه من أهل السنة و الجماعة و يلعن أهل البدع و يعرف بالسنّيّ تنقاد إليه العامة فكان يجتمع إليه في كل يوم بقوارير الماء خلق. فإذا اجتمعوا وثب قائما على قديمه فقال لهم: يا معشر المسلمين قلتم لا ضار و لا نافع الا اللّه فلأيّ شي‏ء تسألوني عن مضاركم و منافعكم الجؤوا إلى ربكم و توكّلوا على بارئكم حتى يكون فعلكم مثل قولكم. فيقولون: اي و اللّه صدقنا فكم من مريض لم يعالج حتى مات( ١) .

قولهعليه‌السلام في الأوّل (هم الذين إذا اجتمعوا غلبوا، و إذا تفرّقوا لم يعرفوا) و في الثاني (هم الذين إذا اجتمعوا ضرّوا، و إذا تفرّقوا نفعوا) في (كامل الجزري): جرت في سنة (٦٠١) ببغداد بين أهل باب الازج و أهل المأمونية محاربة بسبب أن الأولين قتلوا سبعا، فأرادوا أن يطوفوه فمنعهم الاخيرون فقتل جمع و خرج جمع و نهب دور، و كذلك بين أهل قطفتا و الغريبة من محال غربي بغداد جرت محاربة بسبب قتل سبع أراد الأوّلون طوفه فمنعهم

____________________

(١) مروج الذهب ٣: ٣٢ ٣٤.

٢٥٠

الاخرون فقتل بينهم قتلى حتى أرسل إليهم عسكر( ١) .

«فقيل قد عرفنا» هكذا في (المصرية)( ٢ ) و الصواب: (قد علمنا) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٣) .

«مضرة اجتماعهم فما منفعة افتراقهم» هذا السؤال إنّما على الرواية الثانية، و أمّا الرواية الاولى فالمراد من شقّي الكلام غلبتهم في اجتماعهم على كل قوة، و عدم معروفيتهم في تفرقهم واضح.

«فقالعليه‌السلام : يرجع أصحاب المهن إلى مهنتهم» هكذا في (المصرية)( ٤ ) و الصواب: «إلى مهنهم» كما في غيرها( ٥ ) ، و المهنة: الحذق بالعمل، و الخدمة و هي بفتح الميم و كسرها حكى الكسر الكسائي و ان أنكره الاصمعي( ٦) .

«فينتفع الناس بهم...».

قالوا: كتب كتاب حكمة فبقيت منه. فقالوا: ما نكتب فيه؟ فقيل: يكتب «يسأل عن كل صناعة أهلها».

٧ - الحكمة (٢٠٠) و قالعليه‌السلام :

وَ أُتِيَ بِجَانٍ وَ مَعَهُ غَوْغَاءُ فَقَالَ لاَ مَرْحَباً بِوُجُوهٍ لاَ تُرَى إِلاَّ عِنْدَ كُلِّ سَوْأَةٍ

____________________

(١) الكامل لابن الأثير ١٢: ٢٠٣ س ٦٠١.

(٢) نهج البلاغة ٣: ١٩٨، من الحكمة رقم ١٩٩.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٩: ١٨، ابن ميثم (الطبع الحجري) ٣: ٤٩٠.

(٤) نهج البلاغة ٣: ١٩٨، من الحكمة ١٩٩.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١٩: ١٨، ابن ميثم (الطبع الحجري) ٣: ٤٩٠.

(٦) لسان العرب ١٣: ٤٢٤ مادة (مهن).

٢٥١

أقول: رواه الشيخ في (زيادات حدود تهذيبه) مسندا عن اليعقوبي عن أبيه هكذا، قال: أتي أمير المؤمنينعليه‌السلام و هو بالبصرة برجل يقام عليه الحد، فأقبل جماعة من الناس، فقالعليه‌السلام : أنظر يا قنبر ما هذه الجماعة؟ قال:

إجتمعوا لرجل يقام عليه الحد، فلما قربوا نظرعليه‌السلام في وجوههم و قال: لا مرحبا بوجوه لا ترى إلاّ في كلّ سوأة، هؤلاء فضول الرجال، أمطهم عنّي يا قنبر( ١) .

قول المصنّف: «و اتيعليه‌السلام » هكذا في (المصرية)( ٢ ) و الصواب: (و قد أتي) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٣) .

«بجان» أي: بذي جنّة إلاّ أن الجوهري قال: الجان ابو الجن و حية بيضاء( ٤) .

قولهعليه‌السلام : «لا مرحبا بوجوه لا ترى إلاّ عند كل سوأة» في (الصحاح) السوأة: العورة و الفاحشة( ٥) .

قال ابن أبي الحديد: أخذ هذا اللفظ المستعين. و قد أدخل عليه ابن أبي الشوارب القاضي و معه الشهود ليشهدوا عليه أنه قد خلع نفسه من الخلافة و بايع للمعتز، فقال: لا مرحبا بهذه الوجوه الّتي لا ترى إلاّ يوم سوء( ٦) .

قلت: و قال المسعودي في (مروجه): تقصد العامة في احتشادها و جموعها فلا تراهم الدهر إلاّ مرقلين إلى قائد دب، و ضارب دف، على سياسة

____________________

(١) التهذيب ١٠: ١٥٠ ح ٣٤.

(٢) نهج البلاغة ٣: ١٩٨، الحكمة رقم ٢٠٠.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٩: ٢٠، ابن ميثم (الطبع الحجري) ٣: ٤٩٠، و فيه «و قد اوتي».

(٤) الصحاح ٥: ٢٠٩٤.

(٥) الصحاح ١: ٥٦.

(٦) شرح ابن أبي الحديد ١٩: ٢٠.

٢٥٢

قرد، و متشوّقين إلى اللهب و اللعب، أو مختلفين إلى مشعبد منمّس مخرّف، أو مستمعين إلى قاصّ كذّاب، أو مجتمعين حول مضروب، أو وقوفا عند مصلوب، ينعق بهم و يصاح فلا يرتدعون، لا ينكرون منكرا، و لا يعرفون معروفا، و لا يبالون أن يلحقوا البار بالفاجر و المؤمن بالكافر، و قد بيّن ذلك النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم حيث يقول: «الناس أثنان: عالم أو متعلم، و ما عدا ذلك همج رعاع لا يعبأ اللّه بهم».

و سئل عليّعليه‌السلام عن العامة فقال: همج رعاع، أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم و لم يلجؤوا إلى ركن وثيق.

و قد صنّف أبو عقال الكاتب كتابا في أخلاق العوام يصف فيه شيمهم و مخاطباتهم و سمّاه بالملهى...( ١ ) . و قال الشاعر:

قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم

طاروا إليه زرافات و وحدانا

و في (الأغاني): قال عثمان الورّاق: رأيت العتابي يأكل خبزا على الطريق بباب الشام، فقلت له: ويحك أما تستحي. فقال لي: أ رأيت لو كنا في دار فيها بقر كنت تستحي و تحتشم أن تأكل و هي تراك. فقلت:

لا. قال: فاصبر حتى أعلمك أنهم بقر، فقام فوعظ و قصّ و دعا حتى كثر الزحام عليه، ثم قال لهم: روى لنا غير واحد أنه من بلغ لسانه أرنبة أنفه لم يدخل النار. فما بقي واحد إلاّ و أخرج لسانه يومى‏ء به نحو أرنبة أنفه و يقدّره حتى يبلغها أم لا، فلما تفرقوا قال لي العتابي: أ لم أخبرك أنهم بقر( ٢) .

____________________

(١) مروج الذهب ٣: ٣٥ ٣٦.

(٢) الأغاني ١٣: ١١٤.

٢٥٣

٨ - الحكمة (١٥٠) و قالعليه‌السلام لرجل سأله أن يعظه:

لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو اَلْآخِرَةَ بِغَيْرِ العَمَلِ وَ يُرَجِّي اَلتَّوْبَةَ بِطُولِ اَلْأَمَلِ يَقُولُ فِي اَلدُّنْيَا بِقَوْلِ اَلزَّاهِدِينَ وَ يَعْمَلُ فِيهَا بِعَمَلِ اَلرَّاغِبِينَ إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ وَ إِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ وَ يَبْتَغِي اَلزِّيَادَةَ فِيمَا بَقِيَ يَنْهَى وَ لاَ يَنْتَهِي وَ يَأْمُرُ بِمَا لاَ يَأْتِي يُحِبُّ اَلصَّالِحِينَ وَ لاَ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ وَ يُبْغِضُ اَلْمُذْنِبِينَ وَ هُوَ أَحَدُهُمْ يَكْرَهُ اَلْمَوْتَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ وَ يُقِيمُ عَلَى مَا يَكْرَهُ اَلْمَوْتَ مِنْ أَجْلِهِ إِنْ سَقِمَ ظَلَّ نَادِماً وَ إِنْ صَحَّ أَمِنَ لاَهِياً يُعْجَبُ بِنَفْسِهِ إِذَا عُوفِيَ وَ يَقْنَطُ إِذَا اُبْتُلِيَ وَ إِنْ أَصَابَهُ بَلاَءٌ دَعَا مُضْطَرّاً وَ إِنْ نَالَهُ رَخَاءٌ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ عَلَى مَا يَظُنُّ وَ لاَ يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ يَخَافُ عَلَى غَيْرِهِ بِأَدْنَى مِنْ ذَنْبِهِ وَ يَرْجُو لِنَفْسِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ عَمَلِهِ إِنِ اِسْتَغْنَى بَطِرَ وَ فُتِنَ وَ إِنِ اِفْتَقَرَ قَنِطَ وَ وَهَنَ يُقَصِّرُ إِذَا عَمِلَ وَ يُبَالِغُ إِذَا سَأَلَ إِنْ عَرَضَتْ لَهُ شَهْوَةٌ أَسْلَفَ اَلْمَعْصِيَةَ وَ سَوَّفَ اَلتَّوْبَةَ وَ إِنْ عَرَتْهُ مِحْنَةٌ اِنْفَرَجَ عَنْ شَرَائِطِ اَلْمِلَّةِ يَصِفُ اَلْعِبْرَةَ وَ لاَ يَعْتَبِرُ وَ يُبَالِغُ فِي اَلْمَوْعِظَةِ وَ لاَ يَتَّعِظُ فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ وَ مِنَ اَلْعَمَلِ مُقِلٌّ يُنَافِسُ فِيمَا يَفْنَى وَ يُسَامِحُ فِيمَا يَبْقَى يَرَى اَلْغُنْمَ مَغْرَماً وَ اَلْغُرْمَ مَغْنَماً يَخْشَى اَلْمَوْتَ وَ لاَ يُبَادِرُ اَلْفَوْتَ يَسْتَعْظِمُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِهِ مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ نَفْسِهِ وَ يَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِهِ مَا يَحْقِرُهُ مِنْ طَاعَةِ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى اَلنَّاسِ طَاعِنٌ وَ لِنَفْسِهِ مُدَاهِنٌ اَللَّهْوُ مَعَ اَلْأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ اَلذِّكْرِ مَعَ اَلْفُقَرَاءِ يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَ لاَ يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ يُرْشِدُ غَيْرَهُ وَ يُغْوِي نَفْسَهُ فَهُوَ يُطَاعُ وَ يَعْصِي

٢٥٤

وَ يَسْتَوْفِي وَ لاَ يُوفِي وَ يَخْشَى اَلْخَلْقَ فِي غَيْرِ رَبِّهِ وَ لاَ يَخْشَى رَبَّهُ فِي خَلْقِهِ قال الرضيّ: و لو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة و حكمة بالغة و بصيرة لمبصر و عبرة لناظر مفكّر. أقول: قول المصنّف: (و قالعليه‌السلام لرجل سأله ان يعظه) رواه (تحف العقول) عنهعليه‌السلام أبسط، فقال: موعظة لهعليه‌السلام في وصف المقصرين...( ١) .

و رواه الجاحظ في (بيانه) عنهعليه‌السلام أخصر، و أخذه عنه عبد اللّه بن عباس فوعظ به ابنه علي بن عبد اللّه بن عباس كما رواه المفيد في (أماليه)( ٢) .

قولهعليه‌السلام : «لا تكن ممّن يرجوا الآخرة بغير العمل» هكذا في (المصرية)( ٣ ) و الصواب: (بغير عمل) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٤) ، نهىعليه‌السلام عن رجاء الآخرة بدون عمل، لأنه كمن رجا ضرب البيدر بدون زرع، و قد قال تعالى ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون( ٥ ) و قد قال النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يدّع مدّع و لا يتمنّ متمنّ أنّه ينجو إلاّ بعمل و رحمة، لو عصيت هويت، اللّهمّ هل بلّغت.

و من الشعر المنسوب إليهعليه‌السلام كما قال ابن أبي الحديد في غير هذا الموضع:

غرّ جهولا أمله

يموت من جا أجله

و من دنا من حتفه

لم تغن عنه حيله

____________________

(١) تحف العقول: ١٥٧.

(٢) أمالي المفيد: ٣٢٩ ح ٢ م ٣٩٢.

(٣) نهج البلاغة ٣: ١٨٩، من الكلام ١٥٠.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٣٥٦.

(٥) النحل: ٣٢.

٢٥٥

و ما بقاء آخر

قد غاب عنه أوله

و المرء لا يصحبه

في القبر إلاّ عمله( ١)

و في (الأغاني): قال الرشيد لأبي العتاهية: عظني. قال: أخافك. فقال له:

أنت آمن فأنشده:

ترجو النجاة و لم تسلك طريقتها

إنّ السفينة لا تجري على اليبس

فبكى حتى بلّ كمه( ٢) .

«و يرجى‏ء التوبة» أي: يؤخرها من «أرجأ» أو «أرجى».

«بطول الأمل» و هذا أحد عبقريات إبليس في إهلاك الناس، و قد هلك من هلك قبل بذا.

هذا، و لما بعث عبد الملك بن مروان خالد بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد إلى البصرة و كان عليها مصعب من قبل أخيه كان طائفة مع ذا و طائفة مع ذا، و كان قيس السلمي مع مصعب، و كان يستأجر الرجال يقاتلون معه، فتقاضاه رجل أجرة فقال: غدا أعطيكها. فقال بعضهم لقيس و كان قيس يعلم في عنق فرسه جلاجل:

لبئس ما حكمت يا جلاجل

النقد دين و الطعان عاجل

«يقول في الدنيا بقول الزاهدين و يعمل فيها بعمل الراغبين» في (المروج):

أظهر ابن الزبير الزهد في الدنيا مع الحرص على الخلافة و قال: إنّما بطني شبر فما عسى أن يسع ذلك من الدنيا و انا العائذ بالبيت، و كثرت أذيته لبني هاشم مع شحّه بالدنيا على سائر الناس، فقال بعضهم:

تخبّر من لا قيت أنك عائذ

و تكثر قتلا بين زمزم و الركن

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٢: ٣٢٠، في شرح الخطبة ٤٢.

(٢) الأغاني لأبي الفرج الاصبهاني ٤: ١٠٦، نقله المصنف بتصرف.

٢٥٦

أيضا:

لو كان بطنك شبرا قد شبعت و قد

أفضلت فضلا كثيرا للمساكين( ١)

و كان الحسن البصري يقول في الحجاج: يتكلم على المنبر بكلام الأولياء و ينزل و يعمل عمل الجبابرة.

و قال بعضهم لسليمان بن عبد الملك: كان الحجاج يتزين تزين المومسة و يصعد المنبر و يتكلم بكلام الأخيار، فإذا نزل عمل عمل الفراعنة.

و في (المعجم): كان قاضي القضاة عبد الجبار شيخ المعتزلة يزعم أن المسلم يخلد في النار على ربع دينار، و صادره فخر الدولة على ثلاثة آلاف ألف درهم قيل باع في مصادرته ألف طيلسان مصري، و جميع هذا المال من قضاء الظلمة بل الكفرة عنده و على مذهبه( ٢) .

و في الخبر: قال المسيحعليه‌السلام للحواريين: لا تكونوا كالمنخل يخرج الدّقيق الطيب و يمسك النّخالة، قولكم شفاء و عملكم داء( ٣ ) . و قال شاعر:

و منتظر للموت في كل ساعة

يشيّد بيتا دائما و يحصّن

له حين يتلوه حقيقة موقن

و أفعاله أفعال من ليس يوقن

أيضا:

إذا نصبوا للقول قالوا فأحسنوا

و لكن حسن القول خالفه الفعل

و ذمّوا لنا الدنيا و هم يرضعونها

أفاويق حتى ما يدرّ لها ثعل

أيضا:

إذا وصف الاسلام أحسن وصفه

بفيه و يأبى قلبه و يهاجره

____________________

(١) مروج الذهب ٣: ٧٥.

(٢) معجم الادباء ٦: ٣٠٠، نقله المصنف بتصرف.

(٣) رواه تحف العقول: ٥١٠.

٢٥٧

و ان قام قال الحق ما دام قائما

نقي اللسان كافر بعد سايره

أيضا:

لا يعجبك من خطيب قوله

حتى يكون مع اللسان دخيلا

أيضا:

و لفظه يأمرنا بالتقى

و لحظه يأمرنا بالخنا

«إن اعطي منها لم يشبع» لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا( ١) .

«و إن منع منها لم يقنع» و تذهب أعمال من كان كذلك في القيامة هباء منثورا، و ان كانت كالجبال.

«يعجز عن شكر ما أوتي» فقالواعليهم‌السلام : إنّ كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ بها( ٢) .

و في (تاريخ بغداد): خرج دعبل إلى خراسان فنادم عبد اللّه بن طاهر فأعجب به، فكان في كل يوم ينادمه يأمر له بعشرة آلاف درهم، و كان ينادمه في الشهر خمسة عشر يوما، و كان ابن طاهر يصله في كل شهر بمئة و خمسين ألف درهم فلما كثرت صلاته له توارى دعبل عنه في يوم منادمته في بعض الخانات، فطلبه فلم يقدر عليه، فشق ذلك عليه، فلما كان من الغد كتب إليه دعبل:

هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة

و هل يرتجى نيل الزيادة بالكفر

____________________

(١) الجامع الصغير للسيوطي ٢: ١٣١.

(٢) تحف العقول: ٣٩٤، مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

٢٥٨

و لكنني لما أتيتك زائرا

فأفرطت في بري عجزت عن الشكر

فملان( ١ ) لا آتيك الا معذرا

أزورك في الشهرين يوما و في الشهر

فان زدت في بري تزيدت جفوة

و لم تلقني حتى القيامة و الحشر( ٢) .

قلت: فإذا كان الانسان في احسان واحد من مخلوق كذلك فكيف يجب أن يكون في نعمه عزّ و جلّ التي لا تحصى أبدا.

«و يبتغي الزيادة فيما بقي» في (الكافي) عن الرضاعليه‌السلام : من لم يقنعه من الرزق إلاّ الكثير لم يكفه من العمل إلاّ الكثير، و من كفاه من الرزق القليل فإنّه يكفيه من العمل القليل( ٣) .

«ينهى و لا ينتهي» في المثل: تنهانا أمّنا عن الغيّ (( البغاء )) و تغدو فيه( ٤) .

لا تنه عن خلق و تأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

و عدم الانتهاء عن المنكر مذموم مطلقا، قال تعالى لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود و عيسى بن مريم ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون. ترى كثيرا منهم يتولّون الذين كفروا لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّه عليهم و في العذاب هم خالدون و لو كانوا يؤمنون باللّه و النبيّ و ما أنزل إليه ما

____________________

(١) أي: فمن الآن.

(٢) تاريخ بغداد ٩: ٤٨٧ و ٤٨٨، نقله بتصرف.

(٣) الكافي ٢: ١٣٨ ٥.

(٤) مجمع الأمثال للميداني ١: ١٢٧، الزمخشري ٢: ٣٢.

٢٥٩

أتخذوهم أولياء و لكنّ كثيرا منهم فاسقون( ١) .

«و يأمر بما لا يأتي» أ تأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم( ٢) .

يا آمر الناس بالمعروف مجتهدا

و إن رأى عاملا بالمنكر انتهره

ابدأ بنفسك قبل الناس كلهم

فأوصها و أتل ما في سورة البقرة

اشارة إلى الآية، و قيل بالفارسية:

«توبه فرمايان چرا خود توبه كمتر مى‏كنند»

(٣) . و قال الشاعر:

و غير تقيّ يأمر النّاس بالتّقى

و طبيب يداوي و الطبيب مريض

لا تركبنّ الصنيع الذي

تلوم أخاك على مثله

و لا يعجبنك قول امرىّ

يخالف ما قال في فعله

«يحب الصالحين و لا يعمل عملهم، و يبغض المذنبين و هو أحدهم» المراد أنه كما يحب الصالحين ليعلم الصالحات و كما يبغض المذنبين ليجتنب السيئات لا انه لا يحب الصالحين و لا يبغض المذنبين، فمن لم يكن محب الصالحين و مبغض المذنبين فهو كافر.

«يكره الموت لكثرة ذنوبه و يقيم على ما يكره الموت له» يود أحدهم لو يعمّر ألف سنة و ما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر( ٤) .

«إن سقم ظلّ نادما، و ان صحّ أمن لاهيا» و كان عليه أن يغتنم الفرصة في سلامته في هذه المرة فلا بدّ أن يسقم مرّة أخرى و لا يسلم.

«يعجب بنفسه إذا عوفي» في الخبر: أوحى تعالى إلى داودعليه‌السلام بشّر المذنبين و أنذر الصّدّيقين. قال: كيف يا ربّ؟ قال: بشّر المذنبين أنّي أقبل

____________________

(١) المائدة: ٧٨ ٨١.

(٢) البقرة: ٤٤.

(٣) ديوان حافظ، چاپ غنى و قزوينى.

(٤) البقرة: ٩٦.

٢٦٠