بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة8%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 668

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 668 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 66214 / تحميل: 3867
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

فقالت: لا اتزوج حتى تسمي(١) لي قال: لا تسأليني شيئاً الا اعطيته، فقالت: ثلاثة آلاف، وعبداً وقينة وقتل عليّعليه‌السلام ، فقال: ما سألت هو لك مهر، الا قتل عليّعليه‌السلام فلا اراك تدركينه، قالت: فالتمس غرته(٢) فان اصبته شفيت نفسي ونفعك العيش معي، وان هلكت فما عند اللّه خير لك من الدنيا، فقال: والله ما جاء بي الى هذا المصر، وقد كنت هارباً منه الا ذلك، وقد اعطيتك ما سألت وخرج من عندها وهو يقول:

ثلاثة آلاف وعبد وقينة

وقتل علي (ع) بالحسام المصمم

فلا مهر اغلى من علي وان علا

ولا فتك الا دون فتك ابن ملجم

فلقيه رجل من اشجع، يقال له شبيب بن بجرة من الخوارج، فقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة، فقال: وما ذاك قال: تساعدني على قتل علي قال: ثكلتك امك، لقد جئت شيئاً إدّاً(٣) قد عرفت عناءه في الإِسلام وسابقته مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال ابن ملجم: ويحك اما تعلم انه قد حكَّم الرجال في كتاب اللّه وقتل اخواننا المصلين فنقتله ببعض اخواننا، فأقبل معه حتى دخل على قطام وهي في المسجد الأعظم، وقد ضربت كلة بها، وهي معتكفة يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، فاعلمته ان مجاشع بن وردان بن علقمة قد انتدب لقتله معهما، فدعت لهما بحرير وعصبتهما واخذوا أسيافهم وقعدوا مقابلين لباب السدة التي يخرج منها عليّعليه‌السلام للمسجد، وكان عليّ يخرج كل غداة اول الأذان للصلاة وقد كان ابن ملجم مر بالاشعث(٤) وهو في

____________________

(١) تسمي لي: أي تجعل لي المهر المسمى.

(٢) الغرة: الغفلة.

(٣) الإدّ بالكسر: الامر الفظيع. الداهية.

(٤) وهو ابن قيس الكندي. رأس منافقي اصحابهعليه‌السلام . وكان من مرتدي زمن ابي بكر وهو في الواقع سبب التحكيم في صفين.

٦١

المسجد فقال له: فضحك الصبح فسمعها حجر بن(١) عدي فقال: قتلته يا اعور قتلك اللّه، وخرج عليعليه‌السلام ينادي: ايها الناس الصلاة فشد عليه ابن ملجم واصحابه، وهم يقولون: الحكم للّه لا لك، وضربه ابن ملجم على رأسه بالسيف في قرنه، واما شبيب فوقعت ضربته بعضادة(٢) الباب واما ابن وردان فهرب، وقال عليّعليه‌السلام لا يفوتنكم الرجل وشد الناس على ابن ملجم يرمونه بالحصباء ويتناولونه ويصيحون، فضرب ساقه رجل من همدان برجله، وضرب المغيرة بن نوفل الحرث بن عبد المطلب وجهه فصرعه، واقبل به الى الحسنعليه‌السلام ودخل شبيب بين الناس فنجا بنفسه، وهرب، حتى أتى رحله، فدخل عليه عبد اللّه بن بحرة، وهو احد بني ابيه فرآه ينزع الحرير عن صدره، فسأله عن ذلك فخبّره خبره، فانصرف عبد اللّه الى رحله واقبل اليه بسيفه فضربه حتى قتله.

وقيل: ان عليّاًعليه‌السلام لم ينم تلك الليلة، وانه لم يزل يمشي بين الباب والحجرة، وهو يقول: واللّه ما كذَبت ولا كُذبت وانها الليلة التي وعدت، فلما صرخ بط (كان للصبيان) صاح بهن بعض من في الدار فقال عليّعليه‌السلام : ويحك دعن فانهن نوائح.

وقال المسعودي: أنهعليه‌السلام قد خرج الى المسجد وقد عسر عليه فتح باب داره، وكان من جذوع النخل فاقتلعه، وجعله ناحية، وانحل ازاره فشده وجعل ينشد:

أشدُدْ حيازيمك(٣) للموت‌فان الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت إذا حل بواديكا(٤)

____________________

(١) هو من خيار اصحابه.

(٢) أي خشبة من جانبه.

(٣) الحيزوم وسط الصدر. وشد الحيازيم كناية عن الصبر.

(٤) أي بساحتك.

٦٢

وروى الشيخ المفيد انه لما دخل شهر رمضان كان امير المؤمنينعليه‌السلام يتعشى ليلة عند الحسن، وليلة عند الحسين،عليهما‌السلام ، وليلة عند عبد اللّه بن العباس، وكان لا يزيد على ثلاث لقم فقيل له ليلة من تلك الليالي في ذلك، فقال: يأتيني امر اللّه وانا خميص(١) انما هي ليلة او ليلتان فاصيب اخر الليل.

ورُويَ عن ام موسى خادمة عليّعليه‌السلام وهي حاضنة(٢) فاطمة ابنته، قالت: سمعت عليّاًعليه‌السلام يقول لابنته ام كلثوم: يا بنية اني أراني قلَّ ما أصحبكم، قالت: وكيف ذلك يا أبتاه، قال: إني رأيت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامي، وهو يمسح الغبار عن وجهي، ويقول: يا عليّ لا عليك قضيت ما عليك. قال(٣) : فما مكثنا الا ثلاثاً حتى ضُرب تلك الضربة، فصاحت ام كثلوم، فقال: يا بنية لا تفعلي فانّي أرى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشير الي بكفه ويقول: يا عليّ هلم الينا فان ما عندنا هو خير لك.

وروى صاحب قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن ابيهعليهم‌السلام ان علي بن أبي طالبعليه‌السلام خرج يوقظ الناس لصلاة الصبح فضربه عبد الرحمن بن ملجم (لعنه اللّه) بالسيف على ام رأسه، فوقع على ركبتيه واخذه فالتزمه، حتى أخذه الناس، وحُمل عليّ حتى افاق ثم قال للحسن والحسينعليهما‌السلام : احبسوا هذا الاسير واطعموه واسقوه وأحسنوا آثاره، فان عشت فانا اولى بما صنع بي، ان شئت استقدت(٤) وان شئت عفوت، وان شئت صالحت، وان مت فذلك اليكم، فان بدا لكم ان تقتلوه فلا تمثلوا به(٥) .

____________________

(١) خميص البطن: أي خاليه.

(٢) أي مربيتها.

(٣) والظاهر (قالت) بدل (قال).

(٤) أي اخذت منه القَود.

(٥) والمثلة ان يقطع بعض اعضاء الرجل.

٦٣

وروى ابن شاذان عن الاصبغ قال: لما ضرب امير المؤمنينعليه‌السلام الضربة التي كانت وفاته فيها، اجتمع اليه الناس بباب القصر وكان يراد قتل ابن ملجم، لعنه اللّه، فخرج الحسنعليه‌السلام فقال: معاشر الناس ان ابي اوصاني ان اترك امره الى وفاته، فان كان له الوفاة، وإلا نظر هو في حقه فانصرفوا يرحمكم اللّه، قال: فانصرف الناس ولم أنصرف، فخرج ثانية وقال لي: يا اصبغ اما سمعت قولي عن قول امير المؤمنينعليه‌السلام ، قلت: بلى ولكني رأيت حاله فاحببت ان انظر اليه، فاسمع منه حديثاً، فاستأذن لي رحمك اللّه، فدخل ولم يلبث ان خرج، فقال لي: ادخل فدخلت فاذا امير المؤمنينعليه‌السلام معصب بعصابة، وقد علت(١) صفرة وجهه على تلك العصابة، واذا هو يرفع فخذاً ويضع اخرى، من شدة الضربة وكثرة السم، فقال لي: يا اصبغ اما سمعت قول الحسن عن قولي قلت: يا امير المؤمنين ولكني رأيتك في حالة فاحببت النظر اليك، وان أسمع منك حديثاً، فقال لي: اقعد فما أراك تسمع مني حديثاً بعد يومك هذا، اعلم يا اصبغ اني أتيت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائداً كما جئت الساعة، فقال: يا ابا الحسن اخرج فناد في الناس الصلاة جامعة واصعد المنبر وقم دون مقامي مرقاة وقل للناس ألا من عق(٢) والديه، فلعنة اللّه عليه، ألا من ابق من مواليه، فلعنة اللّه عليه ألا من ظلم اجيراً اجرته، فلعنة اللّه عليه، يا اصبغ، ففعلت ما أمرني به حبيبي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام من اقصى المسجد رجل فقال: يا ابا الحسن تكلمت بثلاث كلمات وأوجزتهن فاشرحهن لنا فلم ارد جواباً حتى أتيت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت ما كان من الرجل، قال الاصبغ: ثم اخذ بيدي وقال ابسط يدك فبسطت يدي، فتناول اصبعا من اصابع يدي وقال: يا اصبغ كذا تناول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اصبعا من اصابع يدي، كما تناولت اصبعا من

____________________

(١) أي غلبت.

(٢) أي عصاهما وترك الشفقة عليهما والاحسان اليهما واستخفّ بهما.

٦٤

اصابع يدك، ثم قال: مه يا ابا الحسن الا وأني وأنت أبوا هذه الأمة، فمن عقنا فلعنة اللّه عليه، ألا وإني وانت موليا هذه الأمة فعلى من أبق عنا لعنة اللّه، ألا وإني وأنت أجيرا هذه الأمة، فمن ظلمنا اجرتنا فلعنة اللّه عليه، ثم قال: آمين فقلت: آمين.

قال الاصبغ: ثم اغمي عليه ثم افاق فقال لي: اقاعد انت يا اصبغ قلت: نعم يا مولاي قال: ازيدك حديثاً آخر، قلت: نعم زادك اللّه من مزيدات الخير، قال: يا اصبغ لقيني رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض طرقات المدينة و أنا مغموم قد تبين الغم في وجهي، فقال لي: يا ابا الحسن أراك مغموماً ألا احدثك بحديث لا تغتم بعده ابداً؟ قلت: نعم، قال: اذا كان يوم القيامة نصب اللّه منبراً يعلو منابر النبيين والشهداء ثم يأمرني اللّه، اصعد فوقه، ثم يأمرك اللّه ان تصعد دوني بمرقاة، ثم يأمر اللّه ملكين فيجلسان دونك، بمرقاة، فاذا استقللنا على المنبر، لا يبقى احد من الاولين والآخرين الا حضر فينادي الملك الذي دونك بمرقاة، معاشر الناس، ألا من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا اعرفه بنفسي: انا رضوان خازن الجنان الا ان اللّه بمنه وكرمه وفضله وجلاله، أمرني ان ادفع مفاتيح الجنة الى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وان محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرني ان ادفعها الى علي بن ابي طالبعليه‌السلام . فاشهدوا لي عليه، ثم يقوم ذلك الذي تحت ذلك الملك بمرقاة مناديا، يسمع اهل الموقف: معاشر الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا اعرفه بنفسي: انا مالك خازن النيران الا ان اللّه بمنه وفضله وكرمه وجلاله، قد أمرني ان ادفع مفاتيح النار الى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وان محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمرني ان ادفعها الى علي بن أبي طالبعليه‌السلام فاشهدوا لي عليه، فاخذ مفاتيح الجنان والنيران ثم قال: يا عليّ فتأخذ بحجزتي(١) واهل بيتك يأخذون بحجزتك

____________________

(١) الحجزة: مقعد الازار موضع التكة من السراويل.

٦٥

وشيعتك يأخذون بحجزة اهل بيتك، قالعليه‌السلام : فصفقت بكلتا يدي والى الجنة يا رسول اللّه، قال: اي وربّ الكعبة قال الاصبغ: فلم اسمع من مولاي غير هذين الحديثين ثم توفي صلوات اللّه عليه.

قال ابو الفرج ثم جمع له اطباء الكوفة فلم يكن منهم اعلم بجرحه من اثير بن عمرو بن هاني السلولي، وكان متطبباً(١) صاحب الكرسي، يعالج الجراحات وكان من الاربعين غلاما الذين كان ابن الوليد اصابهم في عين التمر(٢) فسباهم، فلما نظر أثير إلى جرح امير المؤمنينعليه‌السلام ، دعا برئة شاة حارة، فاستخرج منها عرقاً ثم نفخه، ثم استخرجه واذا عليه بياض الدماغ، فقال: يا امير المؤمنين اعهد عهدك فان عدو اللّه قد وصلت ضربته الى أم رأسك.

روى الشيخ يوسف بن حاتم الشامي في الدر النظيم عن الاصبغ بن نباتة قال: دعا أمير المؤمنين الحسن والحسينعليهم‌السلام لمّا ضربه ابن ملجم (لعنه اللّه) فقال: اني مقبوض في ليلتي هذه ولاحق برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاسمعا قولي، وعياه(٣) : أنت يا حسن وصيّي والقائم بالامر بعدي، وانت يا حسين شريكه في الوصية، فانصت(٤) ما نطق وكن لامره تابعاً ما بقي، فاذا خرج من الدنيا فأنت الناطق بعده والقائم بالامر، وعليكما بتقوى اللّه الذي لا ينجو الا من اطاعه، ولا يهلك الا من عصاه، واعتصما بحبله، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، ثم قال للحسنعليه‌السلام : انك ولي الأمر بعدي، فان عفوت عن قاتلي فذاك، وان قتلت فضربة مكان ضربة، واياك والمثلة، فان رسول اللّه (صلى اللّه عليه

____________________

(١) صيغة التفعل هنا للمبالغة.

(٢) عين التمر: بلدة في طرف البادية في غربي الفرات (منه).

(٣) من الوعي وهو الحفظ.

(٤) الانصات هو السكوت للاستماع.

٦٦

وآله وسلم) نهى عنها ولو بكلب عقور، واعلم ان الحسين وليّ الدم معك، يجري فيه مجراك وقد جعل اللّه تبارك وتعالى له على قاتلي سلطاناً كما جعل لك وان ابن ملجم ضربني ضربة فلم تعمل فثناها فعملت، فان عملت فيه ضربتك فذاك، وان لم تعمل فمر اخاك الحسين، وليضربه اخرى بحق ولايته، فانها ستعمل فيه فان الإِمامة له بعدك وجارية في ولده الى يوم القيامة، واياك ان تقتل بي غير قاتلي، فان اللّه عز وجل يقول: ولا تزر وازرة وزر اخرى (الوصية).

روى الشيخ المفيد وغيره عن مولى لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام قال لما حضرت امير المؤمنينعليه‌السلام الوفاة قال للحسن والحسينعليهما‌السلام : اذا أنا مت فاحملاني على سريري ثم اخرجاني، ثم احملا مؤخر السرير فانكما تكفيان مقدمه ثم اتيا بي الغريّ(١) فانكما ستريان صخرة بيضاء تلمع نوراً فاحتفرا فيها فانكما تجدان فيها ساجة، فادفناني فيها، قال فلما مات (صلوات اللّه عليه) اخرجناه وجعلنا نحمل مؤخر السرير ونكفى مقدمه وجعلنا نسمع دويا(٢) وحفيفاً حتى اتينا الغريين فاذا صخرة بيضاء تلمع نورها فاحتفرنا فاذا ساجة مكتوب عليها هذه مما ادخرها نوح لعلي بن ابي طالبعليه‌السلام فدفناه فيه وانصرفنا، ونحن مسرورن باكرام اللّه تعالى لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلحقنا قوم من الشيعة لم يشهدوا الصلاة عليه، فاخبرناهم بما جرى وباكرام اللّه لامير المؤمنينعليه‌السلام ، فقالوا نحب ان نعاين من امره ما عاينتم فقلنا لهم ان الموضع قد عفى أثره بوصية منهعليه‌السلام ، فمضوا وعادوا الينا فقالوا انهم احتفروا فلم يجدوا شيئاً.

____________________

(١) هو ارض النجف.

(٢) الدويُّ هو صدى الأصوات كدويِّ النحل.

٦٧

ورُوى عن جابر بن(١) يزيد، قال: سألت ابا جعفر محمد بن عليّ الباقرعليه‌السلام اين دفن امير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: دفن بناحية الغريين ودفن قبل طلوع الفجر، ودخل قبره الحسن والحسين ومحمد بنو عليّعليهم‌السلام وعبد اللّه بن(٢) جعفر، (رضي اللّه عنهما).

قال الشيخ المفيد فلم يزل قبرهعليه‌السلام مخفياً حتى دل عليه الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، في الدولة العباسية، وزاره عند وروده إلى أبي جعفر، وهو بالحيرة، فعرفته الشيعة واستأنفوا اذ ذاك زيارته، عليه وعلى ذريته الطاهرين السلام وكانت سنه يوم وفاته ثلاثاً وستين سنة.

قال محمد بن بطوطة، في رحلته التي سماها تحفة النظار في غرائب الامصار، وقد فرغ منها سنة ٧٥٦ هجري ستة وخمسين وسبعمائة في ذكر وروده من مكة الى مشهد مولانا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

ذكر الروضة والقبور التي بها، ويدخل من باب الحضرة الى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية(٣) من الشيعة ولكل وارد ضيافة ثلاثة ايام من الخبز واللحم والتمر، مرتين في اليوم، ومن تلك المدرسة يدخل الى باب القبة، وعلى بابها الحجاب والنقباء والطواشية(٤) ، فعندما يصل الزائر يقوم اليه احدهم او جميعهم، وذلك على قدر الزائر فيقفون معه على العتبة، ويستأذنون له، ويقولون عن امركم يا امير المؤمنين، هذا العبد الضعيف يستأذن على دخوله للروضة العلية، فان أذنتم له، والا رجع، وان لم يكن اهلا لذلك، فانتم اهل المكارم والستر ثم يأمرونه بتقبيل العتبة، وهي من الفضة، وكذلك العضادتان، ثم يدخل القبة وهي مفروشة بانواع البسط

____________________

(١) الظاهر انه الجعفي وهو من خواص اصحاب الصادقعليه‌السلام وقد سمع منه احاديث وله كرامات. راجع ترجمته في الرجال الكبير وغيره.

(٢) هو زوج زينب (سلام اللّه عليها). وهو من الأجواد، وله حكايات في السخاء.

(٣) أي العرفاء والزهاد والنساك (منه).

(٤) جمع طاش وهو ذو منصب خاص.

٦٨

من الحرير وسواه وبها قناديل الذهب والفضة منها الكبيرة والصغيرة وفي وسط القبة مسطبة(١) مربعة مكسوة بالخشب عليها صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل مسمرة بمسامير(٢) الفضة، قد غلبت على الخشب بحيث لا يظهر منه شيء وارتفاعها دون القامة، وفوقها ثلاثة من القبور، يزعمون ان احدها قبر آدم (عليه الصلاة والسلام) والثاني قبر نوح (عليه الصلاة والسلام) والثالث قبر علي (رضي اللّه عنه) وبين القبور طسوت(٣) ذهب وفضة، فيها ماء الورد والمسك، وانواع الطيب، يغمس الزائر يده في ذلك، ويدهن به وجهه تبركاً، وللقبة باب آخر، عتبته ايضاً من الفضة وعليه ستور من الحرير الملون، يفضي الى مسجد مفروش بالبسط الحسان، مستورة حيطانه وسقفه بستور الحرير، وله اربعة ابواب، عتبتها فضة وعليها ستور الحرير، وأهل هذه المدينة كلهم رافضية، وهذه الروضة ظهرت لها كرامات ثبت بها عندهم، ان بها قبر علي (رضي اللّه عنه)، فمنها: ان في ليلة السابع والعشرين من رجب ويسمى عندهم ليلة المحيا يؤتى الى تلك الروضة بكل مقعد(٤) من العراقين وخراسان وبلاد فارس والروم، فيجتمع منهم الثلاثون والاربعون ونحو ذلك فاذا كان بعد العشاء الآخرة جعلوا عند الضريح المقدس، والناس ينتظرون قيامهم، وهم ما بين مصلّ وذاكر وتال ومشاهد للروضة، فاذا مضى من الليل نصفه، او ثلثاه او نحو ذلك، قام الجميع اصحاء من غير سوء، وهم يقولون لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه، وهذا امر مستفيض عندهم سمعته من الثقات، ولم أحضر تلك الليلة، لكني رأيت بمدرسة الضياف ثلاثة من الرجال احدهم من ارض الروم، والثاني من اصبهان، والثالث من خراسان، وهم مقعدون فاستخبرتهم على شأنهم، فاخبروني انهم لم يدركوا ليلة المحيا، وانهم ينتظرون.

____________________

(١) بفتح الميم وكسرها: مكان ممهد مرتفع قليلاً يقعد عليه.

(٢) جمع مسمار وهو الوتد من الحديد.

(٣) جمع طست وهو معرب طشت.

(٤) من لا يستطيع المشي على قدميه.

٦٩

أوانها من عام آخر، وهذه الليلة يجتمع لها الناس من البلاد ويقيمون سوقاً عظيمة، مدة عشرة ايام. الخ.

وقال ايضاً ورأيت بغربي جبانة الكوفة موضعاً مسوداً، شديد السّواد، في بسيط ابيض، فاخبرت انه قبر الشقي، ابن ملجم، وان أهل الكوفة يأتون كل سنة بالحطب الكثير، فيوقدون النار على موضع قبره سبعة ايام، وعلى قرب منه قبة، اخبرت انها على قبر المختار بن ابي عبيد (انتهت الحاجة من كلامه).

والاحاديث في فضل زيارة امير المؤمنينعليه‌السلام أكثر من أن تذكر.

رُوي عن ابن مارد انه قال لأبي عبد الله ( عليه السلام ): ما لمن زار جدك امير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال يا ابن مارد، من زار جدي عارفاً بحقه كتب اللّه له بكل خطوة حجة مقبولة، وعمرة مبرورة، واللّه يا ابن مارد ما يطعم اللّه النار قدماً اغبرت(١) في زيارة امير المؤمنينعليه‌السلام ماشياً او راكباً، يا ابن مارد اكتب هذا الحديث بماء الذهب.

____________________

(١) صارت مغبرة أي ذات غبار.

٧٠

النور الرابع.. الإِمام الثاني السيد الزكي ابو محمد الحسن بن علي بن ابي طالب سيد شباب اهل الجنة عليه السلام

ولدعليه‌السلام بالمدينة يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان سنة اثنتين او ثلاث من الهجرة.

روى الشيخ الصدوق باسناده عن الرضا عن آبائه عن علي بن الحسينعليهم‌السلام ، عن اسماء بنت عميس، قالت قَبَلتُ(١) جدتك فاطمةعليها‌السلام الحسن والحسينعليهما‌السلام فلما ولد الحسن جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا اسماء هاتي ابني فدفعته اليه في خرقة صفراء فرمى بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: يا اسماء الم اعهد اليكم ان لا تلفوا المولود في خرقة صفراء، فلففته في خرقة بيضاء فدفعته إليه فأذّن في اذنه اليمنى، واقام في اليسرى، ثم قال لعليّ: بأي شيء سميت ابني قال: ما كنت اسبقك باسمه يا رسول اللّه، قد كنت احب ان اسميه حرباً، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : و لا اسبق انا باسمه ربي ثم هبط جبرائيل فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام ويقول: علي منك بمنزلة هارون من موسى، ولا نبي بعدك، سم ابنك هذا باسم ابن هارون. قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما اسم ابن هارون قال شبر، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لساني عربيّ قال جبرئيل سمه الحسن، فسماه الحسنعليه‌السلام ، فلما كان يوم سابعه عق النبي

____________________

(١) أي كنت القابلة عند ولاتها.

٧١

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه بكبشين املحين(١) واعطى القابلة فخذاً وديناراً فحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر ورقاً(٢) وطلى رأسه بالخلوق(٣) ثم قال: يا اسماء الدم فعل الجاهلية. الخ.

وروى ايضاً عن جابر، قال: لما حملت فاطمةعليها‌السلام بالحسنعليه‌السلام فولدت وقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرهم ان يلفوه في خرقة بيضاء فلفوه في صفراء وقالت فاطمة: يا عليّ سمّه، فقال: ما كنت لاسبق باسمه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخذه وقبله وأدخل لسانه في فيه فجعل الحسنعليه‌السلام يمصه، ثم قال لهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الم اتقدم اليكم ان لا تلفّوه في خرقة صفراء فدعا بخرقة بيضاء فلفه فيها فرمى بالصفراء، واذّن في اذنه اليمنى واقام في اليسرى، ثم قال لعليّعليه‌السلام : ما سميته، قال: ما كنت لاسبقك باسمه، قال: فأوحى اللّه عز ذكره الى جبرائيل، انه قد ولد لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابن، فاهبط اليه فأقرئه السلام وهنئه مني ومنك، وقل له: ان علياً منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون قال: ما كان اسمه قال شبر، قال: لساني عربي قال: سمه الحسن فسمّاه الحسن، فلما ولد الحسينعليه‌السلام جاء اليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففعل به كما فعل بالحسن، وهبط جبرائيل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: ان اللّه عز وجل يقرئك السلام ويقول لك: ان علياً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون، قال: وما كان اسمه، شبير، قال: لساني عربي، قال فسمه الحسين، فسماه الحسين.

وفي كشف الغمة، ورُوي مرفوعاً الى عليعليه‌السلام ، قال: لما حضرت ولادة فاطمةعليها‌السلام ، قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله

____________________

(١) الاملح هو ما خالط شعره الأسود شعر أبيض.

(٢) أي فضة مسكوكة.

(٣) طيب مركب متخذ من الزعفران، وغيره.

٧٢

وسلم) لاسماء بنت عميس وام سلمة احضراها، فاذا وقع ولدها واستهل، فأذنا في اذنه اليمنى، وأقيما في اذنه اليسرى، فانه لا يفعل ذلك بمثله الا عصم من الشيطان، ولا تحدثا شيئاً حتى آتيكما، فلما ولدت فعلتا ذلك فأتاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسرّه ولبّاه بريقه، وقال اللهم اني اعيذه بك وولده من الشيطان الرجيم.

فصل في مناقب الإِمام الحسن عليه السلام

كان الحسن بن علي بن ابي طالبعليه‌السلام ، أعبد الناس في زمانه وازهدهم وافضلهم، وكان اذا حج، حج ماشياً وربما مشى حافياً، وكان اذا ذكر الموت بكى، واذا ذكر القبر بكى، واذا ذكر البعث والنّشور بكى، واذا ذكر الممر على الصراط بكى، واذا ذكر العرض على اللّه تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها، وكان اذا قام في صلاة ترتعد فرائصه(١) بين يدي ربه عز وجل، وكان اذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم وسأل اللّه الجنة، وتعوذ باللّه من النار، وكان لا يقرأ من كتاب اللّه عز وجل: يا ايها الذين آمنوا الا قال لبيك اللهم لبيك، ولم ير في شيء من احواله الا ذاكراً للّه سبحانه. وكان اصدق الناس لهجة، وكان اذا توضّأ ارتعدت مفاصله واصفر لونه، فقيل له في ذلك، فقال: حقّ على كل من وقف بين يدي رب العرش ان يصفر لونه وترتعد مفاصله. وكان اذا بلغ باب المسجد رفع رأسه، ويقول: الهي ضيفك ببابك، يا محسن قد اتاك المسيء فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك، يا كريم. وكان اذا فرغ من الفجر لم يتكلم، حتى تطلع الشمس. ولقد حج خمساً وعشرين حجة ماشياً وان النجائب لتقاد معه، وقاسم اللّه تعالى ماله مرتين، وروي ثلاث مرات، حتى انه كان يعطي من ماله نعلاً ويمسك خفاً.

____________________

(١) جمع الفريصة وهي اللحمة بين الجنب والكتف ترعد عند الفزع.

٧٣

وروُي انهعليه‌السلام كان يحضر مجلس رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن سبع سنين، فيسمع الوحي فيحفظه، فيأتي امه فيلقي اليها ما حفظه، كلما دخل عليّعليه‌السلام وجد عندها علماً بالتنزيل، فسألها عن ذلك فقالت: من ولدك الحسنعليه‌السلام فتخفى يوماً في الدار وقد دخل الحسن وقد سمع الوحي فأراد أن يلقيه اليها، فارتج(١) فعجبت امّه من ذلك فقال: لا تعجبي يا امّاه، فان كبيراً يسمعني، واستماعه قد أوقفني، فخرج عليّعليه‌السلام فقبّله، وفي رواية، يا اماه قلَّ بياني وكلَّ لساني، لعل سيداً يرعاني(٢) .

وعن انس بن مالك قال لم يكن احد اشبه برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحسن بن عليعليه‌السلام .

وعنه قال: حيَّت(٣) جارية للحسن بن عليعليه‌السلام بطاقة(٤) ريحان فقال لها: انت حرة لوجه اللّه، فقلت له في ذلك، فقال: ادبنا اللّه تعالى، فاذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردُّوها، وكان احسن منها اعتاقها.

وروي انه لم يسمع قط منهعليه‌السلام كلمة فيها مكروه، الا مرة واحدة، فانه كان بينه وبين عمرو بن عثمان خصومة في ارض، فقال له الحسنعليه‌السلام : ليس لعمرو عندنا الا ما يرغم انفه.

ومن حلمه ما روى المبرد(٥) وغيره أن شامياً رآه راكباً فجعل يلعنه، والحسنعليه‌السلام لا يرد، فلما فرغ أقبل الحسنعليه‌السلام

____________________

(١) أي فاضطرب.

(٢) أي يراقبني.

(٣) من التحية.

(٤) يعني باقة من زهر الريحان.

(٥) هو ابو العباس محمد بن يزيد البصري من كبار النحويين واللغويين. وكان امامي المذهب. مقبول القول عند الفريقين وله الكامل والمقتضب ومعاني القرآن توفي سنة ٢٨٥ ببغداد.

٧٤

فسلم عليه وضحك، فقال: أيها الشيخ اظنك غريباً، ولعلك شبهت، فلو اشبعتنا اعتبناك(١) ، ولو سألتنا اعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وان كنت جائعاً أشبعناك، وان كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وان كنت طريداً آويناك، وان كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك الينا وكنت ضيفنا الى وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً، فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنك خليفة اللّه في أرضه اللّه اعلم حيث يجعل رسالته، وكنت انت وابوك ابغض خلق اللّه الي، وحول رحله اليه وكان ضيفه الى ان ارتحل وصار معتقداً لمحبتهم.

وروي انه لما مات الحسنعليه‌السلام اخرجوا جنازته فحمل مروان بن الحكم سريره، فقال له الحسينعليه‌السلام : تحمل اليوم جنازته وكنت بالامس تجرعه الغيظ، قال مروان: نعم كنت افعل ذلك، بمن يوازن حلمه الجبال.

فصل في وفاة الإِمام الحسن عليه السلام

توفي الحسن بن عليعليه‌السلام بالسّم، يوم الخميس السابع من صفر سنة تسع واربعين، وكان ابن سبع واربعين، وقيل في الثامن والعشرين منه، وقيل في آخر صفر، ودفن بالبقيع من المدينة.

الكليني، عن ابي بكر الخضرمي، قال: ان جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي سمَّت الحسن بن عليّعليه‌السلام وسمَّت مولاة له، فأما

____________________

(١) أي ازلنا عنك العتبة (اي الشدائد).

٧٥

مولاته فقاءت السم، واما الحسن فاستمسك في بطنه ثم انتفط(١) به، فمات.

قلت: جعدة بنت الأشعث بن قيس، كانت ابنة ام فروة، اخت ابي بكر بن ابي قحافة.

رُوي ان معاوية بذل لها عشرة آلاف دينار، واقطاع عشرة ضياع من سقي سوراء(٢) وسواد الكوفة على ان تسم الحسنعليه‌السلام .

وقال الشيخ المفيد ضمن معاوية ان يزوجها بابنه يزيد، وأرسل اليها معاوية الف درهم، فسقته جعدة السم، فبقي اربعين يوماً مريضاً، ومضى لسبيله في صفر.

وذكر ابو الفرج في مقاتل الطالبيين ان الحسن بن عليّعليه‌السلام بعد صلحه لمعاوية انصرف الى المدينة، فأقام بها وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شيء اثقل عليه من امر الحسن بن عليعليه‌السلام ، وسعد بن(٣) أبي وقاص، فدس اليهما سما فماتا منه.

الاحتجاج، عن الاعمش، عن سالم بن ابي الجعد، قال: حدثني رجل منا قال: اتيت الحسن بن عليعليه‌السلام ، فقلت: يا ابن رسول اللّه اذللت رقابنا وجعلتنا معشر الشيعة عبيداً، ما بقي معك رجل، قال: ومم ذاك قال: قلت: بتسليمك الأمر لهذا الطاغية(٤) قال: واللّه ما سلّمت الأمر اليه الا أني لم اجد انصاراً، ولو وجدت انصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى

____________________

(١) نفط القدر (بالكسر) أي غلت، نفط يده: قرحت او تجمع فيها بين الجلد واللحم.

(٢) سوراء: بالمد والضم: موضع. قيل في جنب بغداد و يروى بالقصر (مراصد الاطلاع).

(٣) من اصحاب رسول اللّه. وكان من العشرة المبشرة بالجنة بزعمهم وكان فاتح فارس على عهد عمر. والرجل وان لم يبايع علياً الا انه لم يسبه وقد دعاه اليه معاوية مراراً. فخالفه واعلن بفضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام .

(٤) يعني به معاوية.

٧٦

يحكم اللّه بيني وبينه. ولكني عرفت اهل الكوفة وبلوتهم(١) ، ولا يصلح لي منهم ما كان فاسداً، انهم لا وفاء لهم، ولا ذمة(٢) في قول ولا فعل، إنهم لمختلفون، ويقولون لنا: ان قلوبهم معنا وان سيوفهم لمشهورة(٣) علينا، قال: وهو يكلمني: اذ تنخع الدم فدعا بطست، فحمل من بين يديه ملآن مما خرج من جوفه من الدم، فقلت له: ما هذا يا ابن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اني لأراك وجعاً قال أجل، دسّ إليّ هذا الطاغية من سقاني سمّاً، فقد وقع على كبدي فهو يخرج قطعاً كما ترى، قلت له: افلا تتداوى قال: قد سقاني مرتين وهذه الثالثة لا اجد لها دواء.

وروى الثقة الجليل عليّ بن محمد الخزاز القمي بسنده عن جنادة بن أبي اميّة، قال: دخلت على الحسن بن عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام في مرضه الذي توفّي فيه، وبين يديه طست يقذف عليه الدم، ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي اسقاه معاوية، فقلت: يا مولاي مالك لا تعالج نفسك فقال: يا عبد اللّه بماذا اعالج الموت، قلت: انا للّه وإنا اليه راجعون. ثم التفت اليّ فقال: واللّه لقد عهد الينا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان هذا الامر يملكه اثنا عشر اماماً من ولد عليّ وفاطمة، ما منا الا مسموم او مقتول. ثم رُفعت الطست وبكى قال، فقلت له: عظني يا ابن رسول اللّه قال: نعم استعد لسفرك وحصّل زادك قبل حلول اجلك، واعلم انك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي انت فيه، وساق الكلام في ذكر موعظتهعليه‌السلام الى أن قال: ثم انقطع نفسه واصفر لونه حتى خشيت عليه ودخل الحسينعليه‌السلام ، والاسود بن ابي الاسود، فانكب(٤) ، عليه حتى قبّل رأسه وعينيه، ثم قعد عنده فتسارا جميعاً، فقال ابو الأسود: إنا للّه ان الحسن قد نُعَيت اليه نفسه، وقد أوصى الى الحسينعليه‌السلام ، وتوفّي يوم

____________________

(١) أي امتحنتهم.

(٢) أي الامان والعهد.

(٣) شهر سيفه: أي اخرجه من الغمد.

(٤) أي لزمه.

٧٧

الخميس في آخر صفر سنة خمسين من الهجرة وله سبعة واربعون سنة ودفن بالبقيع انتهى.

قلت: ومما اوصىعليه‌السلام الى اخيه الحسينعليه‌السلام ان قال: اذا انا متُّ فهيئني ثم وجهني الى قبر جدّي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأجدّد به عهداً، ثم ردني الى قبر جدتي فاطمة(١) فادفني هناك، وستعلم يا ابن امي ان القوم يظنون انكم تريدون دفني عند رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيجلبون(٢) في ذلك ويمنعونك منه، وباللّه اقسم عليك ان تهرق في امري محجمة(٣) دم، ثم وصى اليه باهله وولده، وتركاته، وما كان وصى اليه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حين استخلفه، فلما قبض (سلام اللّه عليه) غسله(٤) الحسينعليه‌السلام وكفنه وحمله على سريره وانطلق به الى مصلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كان يصلي فيه على الجنائز، فصلى عليه ولم يشك مروان ومن معه من بني امية انهم سيدفنونه عند رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتجمعوا ولبسوا السلاح فلما توجه به الحسينعليه‌السلام الى قبر جده رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليجدد به عهداً، اقبلوا اليه في جمعهم ولحقتهم الحميراء، على بغل، وهي تقول: مالي ولكم تريدون ان تدخلوا بيتي من لا أحبُّ، نحُّوا ابنكم عن بيتي فانه لا يدفن فيه شيء ولا يهتك على رسول اللّه حجابه:

منعته عن حرم النَّبي ضلالةً

وهو ابنهُ فلأيِّ امر يمنعُ

فكأنه روحُ النبَّي وقد رأت

بالبعد بينهما العلائق تقطعُ

____________________

(١) أي فاطمة بنت الاسد يعني ام ابيه أمير المؤمنين.

(٢) أي يتوعدون بالشر.

(٣) الة الحجامة وهي شيء كالكأس يفرغ من الهواء ويوضع على الجلد فيحدث فيه تهيجاً ويجذب الدم بقوة.

(٤) وفي كشف الغمة ولي غسله الحسين عليه السلام ومحمد والعباس واخوته وصلى عليه سعيد بن العاص.

٧٨

فقال لها الحسينعليه‌السلام : قديما هتكت انت وابوك حجاب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأدخلت بيته من لا يحب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قربه، وان اللّه تعالى يسألك عن ذلك، وجعل مروان يقول: يا رب هيجاء هي خير من دعة ايدفن عثمان في اقصى المدينة، ويدفن الحسن مع النبي، لا يكون ذلك ابدا، وانا(١) احمل السيف، وكادت الفتنة ان تقع بين بني هاشم وبين بني امية، فبادر ابن عباس الى مروان فقال له: ارجع يا مروان من حيث جئت فإنّا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنا نريد ان نجدد به عهداً بزيارته ثم نرده الى جدته فاطمة فندفنه عندها بوصيته بذلك، ولو كان اوصى بدفنه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلمت انك اقصر باعاً من ردنا عن ذلك لكنه كان أعلم باللّه وبرسوله وبحرمة قبره من ان يطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره، ودخل بيته بغير اذنه، وفي المناقب ورموا(٢) بالنبال جنازته حتى سل(٣) منها سبعون نبلاً.

وفي زيارة امير المؤمنين: وانتم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته(٤) وشهيد فوق الجنازة قد شكت بالسهام اكفانه وقتيل بالعراء(٥) قد رفع فوق القناة رأسه ومكبل(٦) في السجن قد رضّت(٧) بالحديد اعضاؤه ومسموم قد قطعت بجرعة السم امعاؤه.

(اقول شكت بالشين بعدها الكاف أي خرقت وشبكت بالموحدة بينهما تصحيف، ففي الحديث ان رجلا دخل بيته فوجد حية فشكها بالرمح أي خرقها وانتظمها به).

____________________

(١) لفظ الواو هنا للحال.

(٢) الواو للعطف على ما سبق.

(٣) سل الشيء من الشيء: انتزعه واخرجه برفق.

(٤) الهامة: راس كل شيء وتطلق على الجثة.

(٥) العراء: الفضاء لا يستتر بشيء.

(٦) أي مقيد. والكبل بالفتح او الكسر: القيد، او اعظم ما يكون من القيد.

(٧) أي دقت.

٧٩

«وقال الشاعر في رثاء الحسنعليه‌السلام »:

نعش له الروحُ الأمينُ مشيِّع

وغدت به زمرُ الملائكِ تخضعُ

نَثَلوا له حقد الصدورِ فما يُرى

منها لِقوس بالكنانةِ منزعُ

ورموا جنازتَه فعادَ وجسمُهُ

غرض لراميةِ السهامِ وموقعُ

شكّوة حتى اصبحت من نعشهِ

تستلُّ غاشيةُ النبالِ وتنزعُ

روى المسعودي في مروج الذهب عن أهل البيتعليهم‌السلام ، انه لما دفن الحسنعليه‌السلام ، وقف محمد بن الحنفية اخوه على قبره فقال: ابا محمد لئن طابت حياتك، لقد فجع مماتك، وكيف لا تكون كذلك وانت خامس اهل الكساء، وابن محمد المصطفى، وابن عليّ المرتضى، وابن فاطمة الزهراء، وابن شجرة طوبى ثم انشأ يقول:

ءأدَهن رأسي ام تطيب مجالسي

وخدك معفور(٣) وأنت سليبُ(٤)

ءاَشرب ماءَ المزنِ(٥) من غير مائِهِ

وقد ضمن الاحشاءَ منكَ لهيبُ

سأبكيكَ ما ناحتْ حمامةُ ايكةٍ(٦)

وما اخضرّ في دوح(٧) الحجازِ قضيبُ(٨)

غريب(٩) واكناف الحجازِ تحوطهُ

الا كلّ من تحت الترابِ غريبُ

وفي المناقب، وقال الحسينعليه‌السلام لما وضع الحسنعليه‌السلام في لحده:

ءَاَدهن رأسي ام اطيب محاسني

ورأسك معفور وأنت سليب

____________________

(١) أي مجعول عليه التراب ومغبرة به.

(٢) أي مأخوذ عنا.

(٣) أي السحاب.

(٤) الشجر الكثير الاغصان.

(٥) الشجرد العظيمة او البيت الضخم. والمراد هنا الروض.

(٦) الشجرة الرطبة.

(٧) أي انت غريب.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

التوبة و أعفو عنهم، و أنذر الصدّيقين ألاّ يعجبوا بأعمالهم، فليس عبد أنصبه للحساب إلاّ هلك( ١) .

أيضا: ظهر إبليس لموسىعليه‌السلام و عليه برنس ذو ألوان، فقال له: ما هذا؟

قال: اختطف به قلوب بني آدم. فقال له: فأخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه. قال: إذا أعجبته نفسه، و استكثر عمله، و صغر في عينه ذنبه( ٢) .

أيضا: دخل عابد و فاسق المسجد، فخرجا و الفاسق صدّيق لكون فكره في التندم على فسقه و استغفاره من ذنبه، و العابد فاسق لكونه مدلاّ بعبادته و فكرته في ذلك( ٣) .

«و يقنط إذا ابتلي» إنّ الإنسان خلق هلوعا. إذا مسّه الشرّ جزوعا.

و إذا مسّه الخير منوعا( ٤) .

«إن أصابه بلاء دعا مضطرا، و إن أصابه رخاء أعرض مغترّا» فإذا ركبوا في الفلك دعوا اللّه مخلصين له الدين فلما نجّاهم إلى البر إذا هم يشركون( ٥) ، و إذا مس الانسان ضرّ دعا ربّه منيبا إليه ثم إذا خوّله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل( ٦) .

«تغلبه نفسه على ما تظن» من الآمال البعيدة «و لا يغلبها على ما يستيقن» من الموت و القيامة «يخاف على غيره بأدنى من ذنبه، و يرجو لنفسه بأكثر من عمله» مع أنه لو عكس فكان عمله أكثر من غيره، و ذنبه أقل من غيره لكان عليه

____________________

(١) أخرجه الكافي ٢: ٣١٤ ح ٦، و نقله المصنّف بتصرّف في العبارة.

(٢) أخرجه الكافي ٢: ٣١٤ ح ٧ و ٨، و نقله المصنف بتصرف في العبارة.

(٣) أخرجه الكافي ٢: ٣١٤ ح ٧ و ٨، و نقله المصنف بتصرف في العبارة.

(٤) المعارج: ١٩ ٢١.

(٥) العنكبوت: ٦٥.

(٦) الزمر: ٨.

٢٦١

أن يخاف على نفسه أكثر و يرجو لغيره أكثر.

و في (المروج) عن ابن عياش المنتوف، قال المنصور يوما و نحن عنده:

أ تعرفون جبّارا أول اسمه عين قتل جبارا أول اسمه عين؟ و جبارا أول أسمه عين، و جبارا أول اسمه عين؟ قلت: نعم. عبد الملك قتل عمرو بن سعيد الأشدق و عبد اللّه بن الزبير و عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. فقال: أ تعرفون خليفة أول اسمه عين قتل جبارا أول اسمه عين؟ و جبارا أول اسمه عين، و جبارا أول اسمه عين؟ قلت: نعم أنت قتلت عبد الرحمن بن مسلم أي: أبا مسلم و عبد الجبار بن عبد الرحمن و كان عامله على خراسان فخلع فأسر فأمر بقطع يديه و رجليه ثم ضرب عنقه و عبد اللّه بن علي سقط عليه البيت.

قال: فما ذنبي إن كان سقط عليه البيت؟ قلت: لا ذنب لك( ١ ) . فسمّى عبد الملك جبارا و نفسه خليفة مع أنه كان أشدّ في الجبّارية، فعبد الملك كتب إلى الحجاج أن يرعى السجّادعليه‌السلام لأنّ بني أبي سفيان انقرضوا بتعرّضهم لبيته، و هو مع ان الصادقعليه‌السلام كان أخبره بصيرورة الأمر إليهم حتى يلعب به صبيانهم أحضره مرّات لقتله، و كانعليه‌السلام يدعو لدفع شره حتى وافق الأخير الأجل.

«إن استغنى بطر» و البطر: شدّة المرح.

«و فتن» إنّ الإنسان ليطغى. أن رآه استغنى( ٢ ) ، و كم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلاّ قليلا( ٣ ) ، و لا تمدنّ عينيك الى ما متّعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه( ٤) .

«و إن افتقر قنط» فأمّا الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه و نعّمه فيقول

____________________

(١) مروج الذهب ٣: ٣٠٦.

(٢) العلق: ٧.

(٣) القصص: ٥٨.

(٤) طه: ١٣١.

٢٦٢

ربيّ أكرمن. و أمّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربّي أهانن( ١) .

«يقصر إذا عمل» و الحال إنّه تعالى قال: فاستبقوا الخيرات( ٢) ، سابقوا الى مغفرة من ربّكم و جنّة عرضها كعرض السماء و الأرض( ٣) .

«و يبالغ إذا سأل» عن الصادقعليه‌السلام : إيّاك و سؤال الناس فإنّه ذلّ في الدنيا و حساب طويل يوم القيامة.

و عن الباقرعليه‌السلام : لو يعلم السائل ما في المسألة، ما سأل أحد أحدا، و لو يعلم المعطي ما في العطية، ما ردّ أحد أحدا.

و عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الأرزاق دونها حجب، فمن شاء قنى حياءه و أخذ رزقه، و من شاء هتك الحجاب و أخذ رزقه، و الذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبلا ثم يدخل عرض هذا الوادي فيحتطب حتى لا يلتقي طرفاه ثم يدخل به السوق فيبيعه بمدّ من تمر يأخذ ثلثه و يتصدّق بثلثيه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو حرموه( ٤) .

«ان عرضت له شهوة أسلف المعصية و سوّف التوبة» مع أنّه تعالى قال و أمّا من خاف مقام ربّه و نهى النفس عن الهوى. فإنّ الجنّة هي المأوى( ٥ ) و قالواعليهم‌السلام : اذكروا انقطاع اللذّات و بقاء التبعات.

«و إن عرته المحنة انفرج عن شرائط الملّة» فيعلم أنّه ليس بكامل الإيمان و إلاّ فالمؤمن الكامل دينه أشدّ من الجبل يؤثر في الجبل المعول و لا يؤثر في

____________________

(١) الفجر: ١٥ ١٦.

(٢) البقرة: ١٤٨، المائدة: ٤٨.

(٣) الحديد: ٢١.

(٤) أخرجه الكافي ٤: ٢٠، ١ ٣.

(٥) النازعات: ٤٠ ٤١.

٢٦٣

دينه شي‏ء، و السحرة لما قال لهم فرعون و لأصلّبنّكم في جذوع النخل( ١ ) لايمانهم بموسى قالوا له فاقض ما أنت قاض إنّما تقضي هذه الحياة الدنيا.

انّا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا و ما أكرهتنا عليه من السّحر( ٢) .

«يصف العبرة و لا يعتبر» كما ان أكثر الناس يصفون الحق و لا يعملون به «و يبالغ في الموعظة و لا يتعظ» قال الشاعر:

ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها

فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك تعذر إن وعظت و يقتدى

بالقول منك و يقبل التعليم

و قيل بالفارسية:

واعظان كاين جلوه در محراب و منبر ميكنند

چون بخلوت ميروند آن كار ديگر ميكنند( ٣)

«فهو بالقول مدلّ» من الدلال.

«و من العمل مقلّ» في (تاريخ بغداد): لقي رجل يحيى بن أكثم و هو يومئذ على قضاء القضاة فقال له: كم آكل؟ قال: دون الشبع. قال: فكم أضحك؟ قال: لا يعلو صوتك. قال: فكم أبكي؟ قال: لا تملّ البكاء من خشية اللّه.

قال: فكم أخفي من عملي: قال: ما استطعت. قال: فكم أظهر منه؟ قال: ما يقتدي بك البرّ الخيّر، و يؤمن عليك قول الناس. فقال الرجل: سبحان اللّه قول قاطن و عمل ظاعن( ٤) .

قلت: قال الرجل ذلك لأن يحيى كان بالعكس عملا، و كان معروفا بعمل اللواط بل القول بحليته.

____________________

(١) طه: ٧١.

(٢) طه: ٧٢ ٧٣.

(٣) ديوان حافظ. چاپ غنى و قزوينى.

(٤) تاريخ بغداد ١٤: ٢٠٠، و النقل بتصرف.

٢٦٤

«ينافس ما يفنى، و يسامح ما يبقى» على العكس ممّا قال تعالى إنّ الأبرار لفي نعيم. على الأرائك ينظرون. تعرف في وجوههم نضرة النعيم.

يسقون من رحيق مختوم. ختامه مسك و في ذلك فليتنافس المتنافسون( ١ ) ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم( ٢) .

«يرى الغنم مغرما و الغرم مغنما» و من الأعراب من يتّخذ ما ينفق مغرما و يتربّص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء( ٣ ) ، إنّ الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل اللّه فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون( ٤) .

و في (المناقب): فرّق الرضاعليه‌السلام بخراسان ماله كلّه في يوم عرفة، فقال له الفضل بن سهل: ان هذا المغرم. فقال: بل هو المغنم، لا تعدّنّ مغرما ما ابتغيت به أجرا و كرما( ٥) .

«يخشى الموت و لا يبادر الفوت» مع أن الفرصة تمرّ مرّ السحاب و يجب اغتنام الحياة قبل الممات و أنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربّ لو لا أخّرتني إلى أجل قريب فأصّدّق و أكن من الصالحين.

و لن يؤخّر اللّه نفسا إذا جاء أجلها و اللّه خبير بما تعملون( ٦ ) ، أو لم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكر( ٧) .

____________________

(١) المطفّفين: ٢٢ ٢٦.

(٢) الحديد: ٢٣.

(٣) التوبة: ٩٨.

(٤) الأنفال: ٣٦.

(٥) المناقب ٤: ٣٦١.

(٦) المنافقون: ١٠ ١١.

(٧) فاطر: ٣٧.

٢٦٥

«يستعظم من معصية غيره ما يستقلّ أكثر من نفسه».

و تعذر نفسك إمّا أسأت

و غيرك بالعذر لا تعذر

و تبصر في العين منه القذى

و في عينك الجذع لا تبصر

«و يستكثر من طاعته ما يحقر من طاعة غيره» و الواجب أن يحكم في غيره إذا كان أكبر منه بأنّه أكثر طاعة، و أصغر أقلّ معصية، و تراه في شك من معصيته و يقينه في معصية نفسه.

«فهو على الناس طاعن و لنفسه مداهن» في (الأغاني): لمّا مات إبراهيم الموصلي كان إبراهيم بن المهدي يشرب و جواريه يغنين و كان كالشامت بموته و اندفع يغنّي:

ستبكيه المزامر والملاهي

و تسعدهن عاتقة الدنان

و تبكيه الغويّة إذ تولّى

و لا تبكيه تالية القران

فقال بعض من حضر في نفسه: أفتراه هو إذا مات من يبكيه؟ المحراب أم المصحف؟ مع أنّه كان كما اعترف تلميذ إبليس في الغناء، ظهر له و علّمه( ١ ) . و قال دعبل فيه لمّا قام في مجلس المأمون لمّا جعل الرضاعليه‌السلام ولي عهده:

إن كان إبراهيم مضطلعا بها

فلتصلحن من بعده لمخارق( ٢)

«اللهو مع الأغنياء أحبّ إليه من الذكر مع الفقراء» و قالواعليه‌السلام : من تواضع لغنيّ لغناه ذهب ثلثا دينه( ٣) .

و عن الكاظمعليه‌السلام : محادثة العالم على المزابل، خير من محادثة

____________________

(١) الأغاني ٥: ٢٥٦، بتصرف.

(٢) الأغاني ٢٠: ١٨١.

(٣) ميزان الحكمة لري شهري ١٠: ٥٠٥ ٥٠٦، و النقل بالمعنى.

٢٦٦

الجاهل على الزرابيّ( ١) .

و في (تفسير القمي) في و لا تطرد الذين يدعون ربّهم بالغداة و العشيّ يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شي‏ء و ما من حسابك عليهم من شي‏ء فتطردهم فتكون من الظالمين( ٢ ) كان بالمدينة فقراء مؤمنون أمرهم البنيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يكونوا في صفه يأوون إليها، و كان البنيّ‏ّ يتعاهدهم بنفسه، و ربّما حمل إليهم ما يأكلون، و كانوا يختلفون إلى البنيّ‏ّ فيقرّبهم و يقعد معهم و يؤنسهم، و كان إذا جاء الأغنياء و المترفون من أصحابه أنكروا عليه ذلك و قالوا له اطردهم عنك، فجاء يوما رجل من الأنصار اليهصلى‌الله‌عليه‌وآله و عنده رجل من أصحاب الصّفّة قد لزق بالنبي و البنيّ يحدّثه، فقعد الأنصاري بالبعد منهما، فقال له البنيّ: تقدّم فلم يفعل، فقال له البنيّ: لعلّك خفت أن يلزق بك فقره. قال:

اطرد عنك هؤلاء، فنزلت الآيات( ٣) .

و في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : جاء رجل موسر الى البنيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نقيّ الثوب فجلس، فجاء رجل معسر درن الثوب فجلس إلى البنيّ بجنب الموسر فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه، فقال له البنيّ: أخفت أن يمسّك من فقره شي‏ء؟ قال: لا. قال: فما حملك على ما صنعت؟ فقال: إنّ لي قرينا يزيّن لي كلّ قبيح و يقبّح لي كلّ حسن، و قد جعلت له نصف مالي. فقال البنيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للمعسر:

أ تقبل؟ قال: لا. قال له الرجل: لم؟ قال: أخاف أن يدخلني ما دخلك( ٤) .

«يحكم على غيره لنفسه و لا يحكم عليها لغيره» من أنصف الناس فهو

____________________

(١) الكافي ١: ٣٩ ح ٢.

(٢) الأنعام: ٥٢.

(٣) تفسير القمي ١: ٢٠٢.

(٤) الكافي ٢: ٢٦٢ و ٢٦٣، و نقله بحذف بعض الرواية.

٢٦٧

المؤمن حقا و لو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين( ١) .

و في (الأغاني): لقي الفرزدق كثّيرا بقارعة البلاط فقال له: يا أبا صخر أنت أنسب العرب حيث تقول:

أريد لأنسى ذكرها فكأنّما

تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل

قال له كثّير: و أنت يا أبا فراس أفخر العرب حيث تقول:

ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا

و إن نحن أومأنا إلى النّاس وقّفوا

قال الراوي: و هذان البيتان جميعا لجميل، سرق أحدهما الفرزدق و سرق الآخر كثّير. فقال له الفرزدق: هل كانت أمك ترد البصرة. قال: لا و لكن أبي كان كثيرا يردها، فعرّض بكثّير في سرقته و نسي سرقة نفسه، و أعتقد شاعرية بيته فقط( ٢) .

في (العيون): كان رجل من المتوقّرين لا يزال يعيب النبيذ و شرابه، فإذا وجده سرّا شربه، فقال بعض جيرانه:

و عيّابة للشّرب لو أنّ أمّه

تبول نبيذا لم يزل يستبيلها( ٣)

و في (العقد): قيل للحجاج كيف وجدت منزلك بالعراق؟ قال: خير منزل لو أدركت بها أربعا لتقرّبت الى اللّه بدمائهم. قيل: و من هم؟ قال: مقاتل بن مسمع ولي سجستان فأتاه الناس فأعطاهم الأموال، فلما قدم البصرة بسط الناس له أرديتهم، فقال لمثل هذا فليعمل العاملون، و عبيد اللّه بن ظبيان خطب خطبة أوجز فيها، فنادى رجل من أعراض الناس: كثّر اللّه فينا من أمثالك، قال:

لقد سألتم اللّه شططا، و معن بن زرارة كان ذات يوم جالسا على الطريق فمرّت

____________________

(١) النساء: ١٣٥.

(٢) الأغاني ٨: ٩٦، و نقله المصنف بتصرف كثير.

(٣) عيون الأخبار ٢: ١٩.

٢٦٨

به امرأة فقالت: يا عبد اللّه أين الطريق الى مكان كذا؟ فغضب و قال: ألمثلي يقال يا عبد اللّه؟ و أبو سمّاك الحنفي أضل ناقته فقال: لئن لم يردها عليّ لا صلّيت له أبدا، فلما وجدها قال: علم أن يميني كانت برا. قال الراوي: و نسي الحجاج نفسه و هو خامس الأربعة بل هو أفسقهم و أطغاهم و أعظمهم إلحادا، كتب الى عبد الملك: ان خليفة اللّه في أرضه أكرم عليه من رسوله اليهم( ١) .

و لما سمع الحجاج بظفر ابن خازم على الكفار قال: الحمد للّه الذي نصر المنافقين على الكفار( ٢) .

«يرشد غيره و يغوي نفسه) و «و يرشد» في (المصرية) تحريف( ٣) .

في (الكافي) عن الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى: فكبكبوا فيها هم و الغاون( ٤ ) هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثم خالفوه إلى غيره( ٥) .

و عن الصادقعليه‌السلام : أوحى تعالى الى داود: لا تجعل بيني و بينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدّك عن طريق محبّتي، فإنّ أولئك قطّاع طريق عبادي المريدين، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم( ٦) .

«فهو يطاع و يعصي» في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى: إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء( ٧ ) من لم يصدّق فعله قوله فليس بعالم( ٨) .

و عن البنيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الحواريون لعيسى: من نجالس؟ قال: من يذكّركم

____________________

(١) العقد الفريد ٢: ١٩٨ و ١٩٩ و نقله بتصرف كثير.

(٢) تاريخ الطبري ٦: ٤٠٥.

(٣) نهج البلاغة ٣: ١٩١ من الكلام ١٥٠.

(٤) الشعراء: ٩٤.

(٥) الكافي ١: ٤٦ ح ٤ و ١: ٤٧ ح ٤.

(٦) المصدر نفسه.

(٧) فاطر: ٢٨.

(٨) الكافي ١: ٣٦ ح ٢، و ١: ٣٩ ح ٢.

٢٦٩

اللّه رؤيته، و يزيد في علمكم منطقه، و يرغّبكم في الآخرة عمله.

«و يستوفي و لا يوفي» ويل للمطفّفين. الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. و إذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون( ١) .

«يخشى الخلق في غير ربه» مع أنّه تعالى قال: و لا يخافون لومة لائم( ٢) .

و شاور معاوية الأحنف في استخلاف يزيد، فسكت فقال: مالك لا تقول؟ فقال: إن صدقناك أسخطناك، و إن كذبناك أسخطنا اللّه، و سخطك أهون من سخط اللّه. قال: صدقت.

و قال ابن هبيرة للحسن البصري: تأتينا كتب يزيد بن عبد الملك، فإن أنفذتها وافق سخط اللّه و إن لم أنفذها خشيت على دمي. فقال: هذا الشعبي فقيه الحجاز عندك فاسأله، فسأله فقال: إنّما أنت عبد مأمور. فقال للحسن: ما تقول أنت؟ فقال: يا ابن هبيرة خف اللّه في يزيد و لا تخف يزيد في اللّه، إنّ اللّه مانعك من يزيد، و إنّ يزيد لا يمنعك من اللّه، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فانظر ما كتب اليك يزيد، فاعرضه على كتاب اللّه، فإن وافقه فأنفذه، و إن خالفه فلا تنفذه، فإنّ اللّه أولى بك من يزيد، و كتاب اللّه أولى بك من كتاب يزيد. فقال ابن هبيرة: هذا الشيخ صدقني و ربّ الكعبة.

«و لا يخشى اللّه في خلقه» قالواعليهم‌السلام : إتّقوا من لا يجد ملجأ إلاّ اللّه.

و في (الطبري): أقرّ معاوية بعد زياد سمرة بن جندب ستة أشهر ثم عزله، فقال سمرة: لعن اللّه معاوية لو أطعت اللّه كما أطعت

____________________

(١) المطففين: ١ ٣.

(٢) المائدة: ٥٤.

٢٧٠

معاوية ما عذّبني أبدا( ١) .

و في (الخلفاء): قال طاووس لسليمان بن عبد الملك: أبغض الخلق إلى اللّه عبد أشركه اللّه في سلطانه، فعمل فيه بمعاصيه، فحك سليمان رأسه حتى كاد أن يجرح( ٢) .

(قال الرضي: و لو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة) من نجع فيه الدواء: أثّر (و حكمة بالغة، و بصيرة لمبصر، و عبرة لناظر مفكّر).

مرّ أن ابن عباس أخذه منهعليه‌السلام و وصّى به ابنه ثم قال له: ليكن هذا كنزك الذي تدّخره، و كن به أشدّ اغتباطا منك بكنز الذهب الأحمر، فإنّك إن وعيته اجتمع لك به خير الدنيا و الآخرة.

هذا، و في (ذيل الطبري): أتى صعصعة عمّ الفرزدق البنيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقرأ البنيّ عليه فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره. و من يعمل مثقال ذرّة شرّا يره( ٣ ) فقال صعصعة: حسبي لا أسمع غيرها( ٤)

٩ - الحكمة (٢٨٥) و قالعليه‌السلام :

كُلُّ مُعَاجَلٍ يَسْأَلُ اَلْإِنْظَارَ وَ كُلُّ مُؤَجَّلٍ يَتَعَلَّلُ بِالتَّسْوِيفِ

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٢٩١ في وقائع سنة ٥٣، و نقله المصنف بتصرف.

(٢) الامامة و السياسة ٢: ١٠٥.

(٣) الزلزلة: ٧ و ٨.

(٤) ذيل المذيل: ٦٥. المراد نقص الناس بأنّ من عليه حقّ معجّل يسأل من ذي الحق إنظاره و إمهاله، و من عليه حقّ مؤجّل يتعلّل بالتسويف بعد الأجل.

٢٧١

٢٧٢

الفصل السابع و العشرون في القضاء و القدر

٢٧٣

٢٧٤

١ - الحكمة (٧٨) و من كلامهعليه‌السلام للسائل لما سأله: «أ كان مسيرنا إلى الشام بقضاء من اللّه و قدر» بعد كلام طويل هذا مختاره:

وَيْحَكَ لَعَلَّكَ ظَنَنْتَ قَضَاءً لاَزِماً وَ قَدَراً حَاتِماً وَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ اَلثَّوَابُ وَ اَلْعِقَابُ وَ سَقَطَ اَلْوَعْدُ وَ اَلْوَعِيدُ إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ عِبَادَهُ تَخْيِيراً وَ نَهَاهُمْ تَحْذِيراً وَ كَلَّفَ يَسِيراً وَ لَمْ يُكَلِّفْ عَسِيراً وَ أَعْطَى عَلَى اَلْقَلِيلِ كَثِيراً وَ لَمْ يُعْصَ مَغْلُوباً وَ لَمْ يُطَعْ مَكْرُوهاً وَ لَمْ يُرْسِلِ اَلْأَنْبِيَاءَ لَعِباً وَ لَمْ يُنْزِلِ اَلْكِتَابَ لِلْعِبَادِ عَبَثاً وَ لاَ خَلَقَ اَلسَّمَاوَاتِ وَ اَلْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذلِكَ ظَنُّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ اَلنَّارِ ١١ ١٩ ٣٨: ٢٧ أقول: رواه المفيد في (إرشاده) و الكليني في (كافيه) و الصدوق في (توحيده)، قال الأول: روى الحسن البصري أن رجلا جاء الى أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد انصرافه من حرب صفّين فقال: خبّرني عمّا كان بيننا

٢٧٥

و بين هؤلاء القوم من الحرب أ كان بقضاء من اللّه و قدر؟ فقالعليه‌السلام له: ما علوتم تلعة و لا هبطتم واديا إلاّ و للّه فيه قضاء و قدر. فقال الرجل: فعند اللّه أحتسب عنائي. فقال له: و لم؟ قال: إذا كان القضاء و القدر إلى العمل فما وجه الثواب لنا على الطاعة؟ و ما وجه العقاب لنا على المعصية؟ فقالعليه‌السلام : أو ظننت يا رجل أنّه قضاء حتم و قدر لازم، لا تظنّ ذلك، فإن القول به مقال عبدة الأوثان، و حزب الشيطان، و خصماء الرحمن، و قدرية هذه الامة و مجوسها، ان اللّه جل جلاله أمر تخييرا، و نهى تحذيرا، و كلّف يسيرا، و لم يطع مكرها، و لم يعص مغلوبا، و لم يخلق السماء و الأرض و ما بينهما باطلا، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار( ١ ) . فقال الرجل: فما القضاء و القدر الذي ذكرته؟

قالعليه‌السلام : الأمر بالطاعة و النهي عن المعصية، و التمكّن من فعل الحسنة و ترك السيئة، و المعونة على القربة إليه و الخذلان لمن عصاه، و الوعد و الوعيد، كلّ ذلك قضاء اللّه في أفعالنا و قدره لأعمالنا، فأمّا غير ذلك فلا تظنّه، فإن الظنّ له محبط للأعمال. فقال الرجل: فرّجت عنّي فرّج اللّه عنك، و أنشأ يقول:

أنت الامام الذي نرجو بطاعته

يوم المآب من الرحمن غفرانا

أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا

جزاك ربك بالإحسان احسانا

قال: و هذا الحديث موضح عن قولهعليه‌السلام في معنى العدل و نفي الجبر و إثبات الحكمة في أفعاله تعالى و نفي العبث عنها( ٢) .

و قال الثاني: علي بن محمد عن سهل بن زياد و اسحاق بن محمد و غيرهما رفعوه قال: كان أمير المؤمنينعليه‌السلام جالسا بالكوفة بعد منصرفه من صفين إذ أقبل شيخ فجثا بين يديه ثم قال له: أخبرنا عن مسيرنا الى أهل

____________________

(١) ص: ٢٧.

(٢) إرشاد المفيد: ١٢٠.

٢٧٦

الشام بقضاء من اللّه و قدر؟ فقالعليه‌السلام له: أجل يا شيخ، ما علوتم تلعة و لا هبطتم بطن واد إلاّ بقضاء من اللّه و قدر. فقال له الشيخ: فعند اللّه أحتسب عنائي. فقال له: مه، فو اللّه لقد عظّم اللّه لكم الأجر في مسيركم و أنتم سائرون، و في مقامكم و أنتم مقيمون، و في منصرفكم و أنتم منصرفون، و لم تكونوا في شي‏ء من حالاتكم مكرهين، و لا إليه مضطرين. فقال له الشيخ: و كيف لم نكن في شي‏ء من حالاتنا مكرهين و لا إليه مضطرين، و كان بالقضاء و القدر مسيرنا و منقلبنا و منصرفنا؟ فقالعليه‌السلام له: و تظن أنّه كان قضاء حتما و قدرا لازما؟ انّه لو كان كذلك لبطل الثواب و العقاب، و الأمر و النهي. و الزجر من اللّه، و سقط معنى الوعد و الوعيد، فلم تكن لائمة للمذنب، و لا محمدة للمحسن، و لكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن، و لكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب، تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان، و خصماء الرحمن، و حزب الشيطان، و قدرية هذه الامة و مجوسها، إنّ اللّه تعالى كلّف تخييرا، و نهى تحذيرا، و أعطى على القليل كثيرا، و لم يعص مغلوبا، و لم يطع مكرها، و لم يملّك مفوضا، و لم يخلق السماوات و الأرض و ما بينهما باطلا، و لم يبعث النبيين مبشّرين و منذرين عبثا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار. فأنشأ الشيخ...( ١) .

و روى الثالث مسندا عن السكوني عن الصادقعليه‌السلام عن آبائه و عن الهادي عن آبائهعليهم‌السلام قال: دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: أخبرنا عن خروجنا الى أهل الشام أ بقضاء من اللّه و قدر؟ فقال له: أجل يا شيخ، فو اللّه ما علوتم تلعة و لا هبطتم بطن واد إلاّ بقضاء من اللّه و قدر؟ فقال الشيخ: عند اللّه أحتسب عنائي. فقالعليه‌السلام : مهلا يا شيخ لعلك تظن قضاء حتما

____________________

(١) الكافي ١: ١٥٥، ١.

٢٧٧

و قدرا لازما، لو كان كذلك لبطل الثواب و العقاب، و الأمر و النهي و الزجر، و لسقط معنى الوعيد و الوعد، و لم يكن على مسي‏ء لائمة، و لا لمحسن محمدة، و لكان المحسن أولى باللائمة من المذنب، و المذنب أولى بالإحسان من المحسن، تلك مقالة عبدة الأوثان، و خصماء الرحمن، و قدرية هذه الامة و مجوسها. يا شيخ إنّ اللّه عزّ و جلّ كلّف تخييرا، و نهى تحذيرا، و أعطى على القليل كثيرا، و لم يعص مغلوبا، و لم يطع مكرها، و لم يخلق السماوات و الأرض و ما بينهما باطلا، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار. فنهض الشيخ و هو يقول الى أن قال زائدا على ما مرّ من الشعر:

فليس معذرة في فعل فاحشة

قد كنت راكبها فسقا و عصيانا

لا لا و لا قائلا ناهية أوقعه

فيها عبدت إذن يا قوم شيطانا

فلا أحبّ و لا شاء الفسوق و لا

قتل الولي له ظلما و عدوانا

و رواه مسندا عن عبد اللّه بن نجيح عن جعفر عن محمد عن آبائهعليهم‌السلام ، و عن عكرمة عن ابن عباس الى أن قال و ذكر الحديث مثله سواء إلاّ أنّه زاد:

فقال الشيخ: فما القضاء و القدر اللذان ساقانا و ما هبطنا واديا و لا علونا تلعة إلاّ بهما؟ فقالعليه‌السلام : الأمر من اللّه و الحكم، ثم تلا هذه الآية و قضى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه و بالوالدين إحسانا( ١) .

و قال ابن أبي الحديد: ذكره أبو الحسين في (غرره) في بيان أن القضاء و القدر قد يكون بمعنى الحكم و الأمر.

و روى عن الأصبغ قال: قام شيخ إلى عليّعليه‌السلام فقال: أخبرنا عن مسيرنا الى الشام أ كان بقضاء اللّه و قدره؟ فقال: و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ما وطئنا موطئا و لا هبطنا واديا إلاّ بقضاء اللّه و قدره. فقال الشيخ: فعند اللّه

____________________

(١) التوحيد: ٣٨٠ ٣٨٢. و الآية ٣٣ من سورة الاسراء.

٢٧٨

احتسب عنائي ما أرى عليّ من الأجر شيئا. فقال: مه، لقد عظّم اللّه أجركم في مسيركم و أنتم سائرون، و في منصرفكم و أنتم منصرفون، و لم تكونوا في شي‏ء من حالاتكم مكرهين و لا اليها مضطرين. فقال: و كيف و القضاء و القدر ساقانا؟ فقال: ويحك لعلّك ظننت قضاء لازما و قدرا حتما، لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب و العقاب، و الوعد و الوعيد، و الأمر و النهي، و لم تك لائمة من اللّه لمذنب، و لا محمدة لمحسن، و لم يكن المحسن أولى بالمدح من المسي‏ء، و لا المسي‏ء أولى بالذم من المحسن، تلك مقالة عبّاد الأوثان، و جنود الشيطان، و شهود الزور، و أهل العمى عن الصواب، و هم قدرية هذه الامة و مجوسها، إن اللّه سبحانه أمر تخييرا و نهى تحذيرا، و كلّف يسيرا، و لم يعص مغلوبا و لم يطع مكرها، و لم يرسل الرسل الى خلقه عبثا و لم يخلق السماوات و الأرض و ما بينهما باطلا، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار. فقال الشيخ: فما القضاء و القدر اللذان ما سرنا إلاّ بهما؟ فقال: هو الأمر من اللّه و الحكم، ثم تلا قوله سبحانه و قضى ربك ألا تعبدوا إلاّ إيّاه( ١) .

قلت: و رواه الزمخشري في (فائقه) مثله( ٢) .

قلت: شتان بينهعليه‌السلام و بين فاروقهم. روى الخطيب عن ابن مسعود قال:

خطب عمر الناس بالجابية فقال في خطبته: ان اللّه يضلّ من يشاء و يهدي من يشاء. فقال قس من القسوس: ما يقول أميركم؟ هذا. قالوا: يقول: إنّ اللّه يضلّ من يشاء و يهدي من يشاء. فقال القس: برقست. اللّه أعدل من أن يضلّ أحدا فبلغ عمر ذلك فبعث اليه: بل اللّه أضلّلك و لو لا عهدك لضربت عنقك( ٣) .

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٢٢٧ ٢٢٨ و الآية: ٢٣ من سورة الاسراء.

(٢) أورد الزمخشري أجوبة الامام عليعليه‌السلام على بعض الأسئلة المحيرة راجع ١: ٧١ و ٢: ٣٣٥ من الفائق، دار المعرفة، تحقيق محمد ابي الفضل.

(٣) أورد أبو عبيد عن علي بن رباح عن أبيه: أن عمر بن الخطاب خطب الناس بالجابية، فقال: من أراد أن يسأل عن

٢٧٩

قول المصنّف: (و من كلام لهعليه‌السلام للسائل) هكذا في (المصرية الأولى)( ١ ) و لكن في ابن أبي الحديد: و من كلامهعليه‌السلام للسائل الشامي. و في (ابن ميثم): و من كلام له للشامي( ٢ ) . فالظاهر ان أصل النهج كان هكذا لصحّة نسختهما، فيرد عليه ان السائل لم يكن شاميا بل عراقيا شهد معه صفّين، كما صرّح به في طريق الصدوق. نعم ورد ورود شيخ شامي عليهعليه‌السلام في خبر آخر و سؤاله و سؤالات أخر، فروى (الفقيه): أنه بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام يعبّى‏ء أصحابه للحرب إذ أتاه شيخ عليه سجية السفر، فقال له: إنّي أتيتك من ناحية الشام، و أنا شيخ كبير قد سمعت فيك من الفضائل، و إنّي أظنّك ستغتال، فعلّمني ممّا علّمك اللّه. قال: نعم يا شيخ، من اعتدل يوماه فهو مغبون الى أن قال فقال الشيخ: فأين أذهب و أدع الجنّة، و أرى الجنّة و أهلها معك...( ٣) .

(لمّا سأله أ كان مسيرنا الى الشام بقضاء و قدر بعد كلام طويل هذا مختاره) إشارة الى قولهعليه‌السلام «ما علوتم تلعة و لا هبطتم واديا إلاّ و للّه فيه قضاء و قدر» و قوله: «مه يا شيخ فو اللّه لقد عظّم اللّه لكم الأجر في مسيركم و أنتم سائرون و في مقامكم و أنتم مقيمون و في منصرفكم و أنتم منصرفون و لم تكونوا في شي‏ء من حالاتكم مكرهين و لا إليه مضطرين».

«ويحك لعلّك ظننت قضاء لازما و قدرا حاتما» قد عرفت أن لفظ الروايات «و قدرا حتما» و هو أحسن، فلم نر استعمال «حاتم» إلاّ بمعنى الغراب الأسود، كقوله:

((ا))لقرآن فليأت أبيّ بن. كعب، و من أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، و من أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل، و من أراد أن يسأل عن المال فليأتني. (كتاب الأموال لأبي عبيد: ٩٩ ح ٥٤٨).

____________________

(١) نهج البلاغة ٣: ١٦٧ من الكلام ٧٨.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٢٢٧ ابن ميثم (الطبع الحجري) ٣: ٤٧٤ و فيه: و من كلام لهعليه‌السلام للشامي.

(٣) الفقيه ٤: ٢٧٣ ح ٩.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668