بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 668

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 668
المشاهدات: 63262
تحميل: 3564


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 668 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 63262 / تحميل: 3564
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 8

مؤلف:
العربية

و لقد غدوت و كنت لا

أغدو على واق و حاتم

و قوله:

و ليس بهيّاب إذا شدّ رحله

يقول عداني اليوم واق و حاتم( ١)

هذا، و روى (مجالس المفيد) عن عيسى بن عمر قال: كان ذو الرمّة يذهب الى النفي في الأفعال، و كان رؤبة يذهب الى الإثبات فيها، فاجتمعا يوما عند بلال ابن أبي بردة و هو والي البصرة و كان يعرف ما بينهما من الخصومة فحضّهما على المناظرة، فقال رؤبة: و اللّه لا يفحص طائر فحوصا و لا يقرمص سبع قرموصا إلاّ كان ذلك بقضاء اللّه و قدره. فقال له ذو الرمّة: ما أذن اللّه للذئب أن يأخذ حلوبة عالة عيايل صرايل. فقال له رؤبة: أ فبمشيته أخذها أم بمشية اللّه؟ فقال ذو الرمة: بل بمشيته. فقال رؤبة: هذا و اللّه الكذب على الذئب. فقال ذو الرمة: و اللّه الكذب على الذئب أهون من الكذب على ربّ الذئب( ٢) .

«و لو كان كذلك لبطل الثواب و العقاب» هكذا في (المصرية)( ٣ ) ، و لكن في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم): «لو كان ذلك كذلك»( ٤ ) . و هو الصحيح. هذا و قال محمود الوراق:

أعاذل لم آت الذنوب على جهل

و لا انها من فعل غيري و لا فعلي

و لا جرأة مني على اللّه جئتها

و لا أن جهلي لا يحيط به عقلي

و لكن بحسن الظن منّي بعفو من

تفرّد بالصنع الجميل و بالفضل

فإن صدق الظنّ الذي قد ظننته

ففي فضله ما صدّق الظن من مثلي

____________________

(١) لسان العرب ١٥: ٤٠٥ مادة (وقى).

(٢) أمالي المفيد: ١٠٧ ح ١٢٣٧.

(٣) نهج البلاغة ٣: ١٦٧ من الكلام ٧٨.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٢٢٧، و ابن ميثم (الطبع الحجري) ٣: ٤٧٤.

٢٨١

و إن نالني منه العقاب فإنّما

أتيت من الإنصاف في الحكم و العدل

و في (الطرائف): رووا أن أبا حنيفة اجتاز على موسى بن جعفرعليه‌السلام فأراد امتحانه فقال له: المعصية ممن؟ فقال له: إجلس حتى أخبرك، فجلس بين يديه فقال له: لا بد أن تكون من العبد أو من ربه أو منهما، فان كانت من اللّه فهو أعدل و أنصف من أن يظلم عبده الضعيف و يأخذه بما لم يفعله، و إن كانت منهما فهو شريكه و القوي أولى بإنصاف عبده الضعيف، و إن كانت من العبد فعليه وقع الأمر و إليه توجّه النهي، و له حق الثواب و العقاب، و وجبت له الجنّة أو النار. فقال أبو حنيفة: ذرّيّة بعضها من بعض( ١) .

«و سقط الوعد و الوعيد» عن (المنية و الأمل): كتب ابن عباس الى مجبّرة الشام: أ تأمرون الناس بالتقوى و بكم ضلّ المتقون؟ و تنهون الناس عن المعاصي و بكم ظهر العاصون؟ يا أبناء سلف المقاتلين و أعوان الظالمين، و خزّان مساجد الفاسقين، و عمّار سلف الشياطين، هل منكم إلاّ مفتر على اللّه يحمل اجرامه عليه و ينسبها علانية اليه؟ و هل منكم إلاّ السيف قلادته و الزور على اللّه شهادته؟ أ على هذا تواليتم أم عليه تماليتم؟ حظكم منه الأوفر، و نصيبكم منه الأكبر، عمدتم إلى موالاة من لم يدع للّه مالا إلاّ أخذه، و لا منارا إلاّ هدمه، و لا مالا ليتيم إلاّ سرقه أو خانه، فأوجبتم لأخبث خلق اللّه أعظم حق اللّه، و تخاذلتم أهل الحق حتى ذلّوا و قلوا، و أعنتم أهل الباطل حتى غروا و كثروا( ٢) .

أيضا: كتب غيلان إلى عمر بن عبد العزيز: هل وجدت حكيما يعيب ما يصنع، أو يصنع ما يعيب، أو يعذب على ما قضى، أو يقضي ما يعذب عليه؟ أم هل وجدت رشيدا يدعو الى الهدى ثم يضل عنه؟ أم هل وجدت رحيما يكلف

____________________

(١) الطرائف ٢: ٣٢٨. و الآية ٣٤ من سورة آل عمران.

(٢) المنية و الأمل: ١٢٩.

٢٨٢

العباد فوق الطاقة أو يعذبهم على الطاعة؟ أم هل وجدت عدلا يحمل الناس على الظلم و التظالم؟ و هل وجدت صادقا يحمل الناس على الكذب و التكاذب بينهم؟

كفى بهذا بيانا، و بالعمى عنه عمى( ١) .

هذا، و في (الطبري): إن المهدي كتب الى جعفر بن سليمان عامل المدينة أن يحمل إليه جماعة اتّهموا بالقدر، فحمل إليه رجالا منهم عبد اللّه بن محمد بن عمّار بن ياسر و عبد اللّه بن يزيد بن قيس الهذلي، و عيسى بن يزيد بن داب الليثي، و إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الأسامي، فأدخلوا على المهدي: فانبرى له من بينهم عبد اللّه بن محمد بن عمّار فقال له: هذا دين أبيك و رأيه. قال: لا ذاك عمي داود. قال: لا الا أبوك، على هذا فارقنا، و به كان يدين، فأطلقهم( ٢) .

«إنّ اللّه سبحانه أمر عباده تخييرا» إنّا هديناه السبيل إمّا شاكرا و إمّا كفورا( ٣ ) و أما ثمود فهديناهم فاستحبّوا العمى على الهدى( ٤) .

«و نهاكم تحذيرا» و يحذّركم اللّه نفسه( ٥) .

«و كلّف يسيرا و لم يكلّف عسيرا» ما جعل عليكم في الدين من حرج( ٦) ، يريد اللّه بكم اليسر و لا يريد بكم العسر( ٧) .

«و أعطى على القليل كثيرا» من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها( ٨) ، مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كلّ

____________________

(١) المنية و الأمل: ١٣٨.

(٢) تاريخ الطبري ٨: ١٧٨.

(٣) الإنسان: ٣.

(٤) فصلت: ١٧.

(٥) آل عمران: ٢٨ و ٣٠.

(٦) الحج: ٧٨.

(٧) البقرة: ١٨٥.

(٨) الأنعام: ١٦٠.

٢٨٣

سنبلة مئة حبة و اللّه يضاعف لمن يشاء( ١) .

«و لم يعص مغلوبا» في (كنز الكراجكي): سأل أهل العدل المجبّرة عن مسألة ألزموهم بها، فقالوا لهم: أخبرونا عن رجل نكح إحدى المحرّمات عليه في أحد المساجد العظيمة في نهار شهر رمضان و هو عالم غير جاهل أ تقولون ان اللّه تعالى أراد منه هذا الفعل على هذه الصفة. قالت المجبرة: بلى للّه إرادة. قال لهم أهل العدل: أخبرونا عن إبليس هل أراد ذلك أم كرهه؟ قالت المجبرة: بلى هذا إنّما يريده إبليس و يؤثره. قال لهم أهل العدل: فأخبرونا لو حضر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و علم بذلك أ كان يريده أم يكرهه. قالت المجبرة: بل يكرهه و لا يريده. قال لهم أهل العدل: فقد لزمكم على هذا أن تثنوا على إبليس و تقولوا إنّه محمود لموافقة إرادته لإرادة اللّه تعالى، و تذمّوا النبيّ لمخالفة إرادته لإرادة اللّه تعالى.

و قد كنت أوردت هذه المسألة في مجلس بعض الرؤساء و عنده جمع فقال أحدهم و كان يميل الى الجبر ان كانت هذه المسألة لا حيلة للمجبّرة فيها فعليكم أيضا مسألة أخرى لا خلاص لكم ممّا يلزمكم منها. فقلت: و ما هي؟ فقال: إذا كان اللّه لا يشاء المعصية و إبليس يشاؤها ثم وقعت معصية من المعاصي فقد لزم من هذا أن تكون مشية إبليس غلبت مشية اللّه. فقلت له: انما تصح الغلبة عند الضعف و عدم القدرة، و لو كنّا نقول ان اللّه تعالى لا يقدر أن يجبر العبد على الطاعة و يضطرّه إليها و ان يحول بينه و بين المعصية بالقسر و الالجاء لزمنا ما ذكرت، و قد أبان تعالى ذلك فقال و لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة( ٢ ) و قال و لو شئنا لاتينا كلّ نفس هداها( ٣ ) و إنّما لم

____________________

(١) البقرة: ٢٦١.

(٢) هود: ١١٨.

(٣) السجدة: ١٣.

٢٨٤

يفعل لما فيه الخروج عن سنن التكليف و بطلان استحقاق العباد للمدح و الذم( ١) .

و في (الطبري): قال هشام بن عبد الملك لغيلان: ويحك قد أكثر الناس فيك فنازعنا بأمرك فان كان حقّا اتّبعناك، و إن كان باطلا نزعت عنه. قال: نعم.

فدعا هشام ميمون بن مهران ليكلّمه، فقال له غيلان: أ شاء اللّه أن يعصى؟ فقال له ميمون: أ فعصي كارها، فسكت فقال هشام: أجبه فلم يجبه فقال هشام: لا أقالني اللّه إن أقلته، و أمر بقطع يديه و رجليه( ٢) .

«و لم يرسل الأنبياء لعبا و لم ينزّل الكتاب للعباد عبثا» قال الكراجكي: ممّا يدل على أنّه سبحانه لا يريد المعاصي و القبائح و لا يجوز أن يشاء شيئا منها و انّه كاره لها ساخط لجميعها، فهو أنّه تعالى نهى عنها، و النهي إنّما يكون بكراهة الناهي للفعل المنهيّ عنه، ألا ترى أن أحدنا لا يجوز أن ينهى إلاّ عمّا يكرهه، فلو كان النهي في كونه نهيا غير مفتقر إلى الكراهية، لم يجب ما ذكرناه، لأنّه لا فرق بين قول أحدنا لغيره: «لا تفعل كذا» و قوله: «أنا كاره له»، كما لا فرق بين قوله: «افعل» أمرا له و قوله: «إنّي مريد منك أن تفعل»، و إذا كان سبحانه كارها لجميع المعاصي و القبائح من حيث كان ناهيا عنها استحال أن يكون مريدا لها لاستحالة أن يكون مريدا و كارها لأمر واحد على وجه واحد.

و يدلّ على ذلك أيضا أنّه لو كان مريدا للقبيح لوجب أن يكون على صفة نقص و ذم إن كان مريدا له بلا إرادة، و ان كان مريدا بإرادة وجب أن يكون فاعلا لقبيح، لأن إرادة القبيح قبيحة. و قد دل السمع من ذلك على مثل ما دل

____________________

(١) كنز الكراجكي: ٤٥ ٤٦.

(٢) تاريخ الطبري ٧: ٢٠٣.

٢٨٥

عليه العقل، قال عز و جل: و ما اللّه يريد ظلما للعباد( ١ ) ، و ما اللّه يريد ظلما للعالمين( ٢ ) كلّ ذلك كان سيئه عند ربك مكروها( ٣ ) ، يريد اللّه بكم اليسر و لا يريد بكم العسر( ٤ ) و نعلم أنّ الكفر أعظم العسر، و قال تعالى و ما خلقت الجن و الإنس إلاّ ليعبدون( ٥ ) فإذا كان خلقهم للعبادة فلا يجوز أن يريد منهم غيرها، و قال تعالى: و لا يرضى لعباده الكفر و إن تشكروا يرضه لكم( ٦) .

و في (الطرائف): سأل رجل من المجبّرة بعض أهل العدل عن آية ظاهرها أنّ اللّه أضلّهم. فقال له: تفصيل الجواب يطول عليك و ربما لا تفهمه و لا تحفظه و لكن عرّفني: أما تعتقد أنت و سائر المسلمين أن القرآن نزل حجّة لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فلو كانت هذه الآيات التي تتعلّق بها باطنها مثل ظاهرها في أنّه تعالى منع الكفار و العصاة من الطاعة كان القرآن نزل حجّة للكفار و العصاة للنبي على النبيّ، فكانوا يستغنون بهذه الآيات عن محاربته و قتل أنفسهم و يقولون له: إن ربّك الذي جئت برسالته و كتابك الذي جئت به، يشهدان أنّه قد منعنا عن الاسلام و قد لزمك تركنا، فكان القرآن يصير حجّة لهم عليه( ٧) .

«و لا خلق السماوات و الأرض و ما بينهما باطلا و ذلك» هكذا في (المصرية)( ٨ ) و الصواب: (ذلك) بلا واو كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٩ ) ذلك

____________________

(١) غافر: ٣١.

(٢) آل عمران: ١٠٨.

(٣) الاسراء: ٣٨.

(٤) البقرة: ١٨٥.

(٥) الذاريات: ٥٦.

(٦) كنز الكراجكي: ٤٤ ٤٥. و الآية ٧ من سورة الزمر.

(٧) الطرائف ٢: ٣٢٨.

(٨) نهج البلاغة ٣: ١٦٧ من الكلام ٧٨.

(٩) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٢٢٧ ابن ميثم (الطبع الحجري) ٣: ٤٧٤.

٢٨٦

ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار( ١) .

قال الكراجكي: ان جناية المجبّرة على الإسلام كثيرة، بحملها المعاصي على اللّه تعالى و قولها: إنّه لا يكون ما أراده تعالى، و إنّه لا قدرة للكافر على الخلاص من كفره، و لا سبيل للفاسق إلى ترك فسقه، و إن اللّه قضى بالمعاصي على قوم و خلقهم لها و جعلها فيهم ليعاقبهم عليها، و قضى بالطاعات على قوم و خلقهم لها و فعلها فيهم ليثيبهم عليها، و هذا الاعتقاد القبيح يسقط عن المكلف الحرص على فعل الطاعة و الاجتناب عن المعصية، لأنّه يرى أنّ اجتهاده لا ينفع، و حرصه لا يغني. نعوذ باللّه ممّا يقولون.

و أنشدت بعض أهل العدل:

سألت المخنّث عن فعله

على م تخنثت يا ماذق

فقال ابتلاني بداء العضال

و أسلمني القدر السابق

و لمت الزناة على فعلهم

فقالوا بهذا قضى الخالق

و قلت لآكل مال اليتيم

و أنت امرؤ فاسق

فقال و لجلج في قوله

أكلت و أطعمني الرازق

و كلّ يحيل على ربّه

و ما فيهم أحد صادق( ٢)

و في (الطرائف): كان ثمامة في مجلس الخليفة و أبو العتاهية حاضر، فالتمس أبو العتاهية من الخليفة مناظرة ثمامة، فأذن له، فحرّك أبو العتاهية يده و كان مجبّرا و قال: من حرّك هذه؟ قال ثمامة و كان يقول بالعدل من أمّه زانية. فقال أبو العتاهية للخليفة: شتمني ثمامة في مجلسك.

فقال ثمامة للخليفة: ترك مذهبه، يزعم أن اللّه حرّكها فلأي شي‏ء غضب

____________________

(١) ص: ٢٧.

(٢) كنز الكراجكي: ٤٦.

٢٨٧

و ليس له أمر، فانقطع( ١) .

هذا، و روى ابن شعبة في (تحفه): أن الحسن البصري كتب الى الحسن بن عليعليه‌السلام : أما بعد فانّكم معشر بني هاشم الفلك الجارية في اللّجج الغامرة و الأعلام النيّرة الشاهرة، و كسفينة نوح التي نزلها المؤمنون و نجا فيها المسلمون، كتبت إليك يا ابن رسول اللّه عند اختلافنا في القدر و حيرتنا في الاستطاعة، فأخبرنا بالذي عليه رأيك و رأي آبائك، فإنّ من علم اللّه علمكم و أنتم شهداء على الناس، و اللّه الشاهد عليكم ذرية بعضها من بعض و اللّه سميع عليم( ٢) .

فأجابه الحسنعليه‌السلام : وصل إليّ كتابك، و لو لا ما ذكرت من حيرتك و حيرة من مضى قبلك إذن ما أخبرتك، أما بعد فمن لم يؤمن بالقدر خيره و شرّه و أنّ اللّه يعلمه فقد كفر، و من أحال المعاصي على اللّه فقد فجر، إنّ اللّه لم يعص مكرها و لم يعص مغلوبا، و لم يهمل العباد سدى من المهلكة، بل هو المالك لما ملّكهم و القادر على ما عليه أقدرهم، بل أمرهم تخييرا و نهاهم تحذيرا، فان ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صادّا، و إن انتهوا إلى المعصية فشاء أن يمنّ عليهم بأن يحول بينهم و بينها فعل، و ان لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها جبرا و لا ألزموها كرها، بل منّ عليهم بأن بصّرهم و عرّفهم و حذّرهم و أمرهم و نهاهم، لا جبلا لهم على أمرهم به فيكونوا كالملائكة، و لا جبرا لهم على ما نهاهم عنه، و للّه الحجّة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين( ٣) .

و رواه (المنية و الأمل) مع اختلاف على نقل (جمهرة الرسائل)( ٤) .

____________________

(١) الطرائف ٢: ٣٤١.

(٢) آل عمران: ٣٤.

(٣) تحف العقول: ٢٣١.

(٤) المنية الأمل: ١٣٠، عن جمهرة الرسائل ٢: ٢٥ الرسالة ٢٥.

٢٨٨

٢ - الحكمة (٢٨٧) و سئلعليه‌السلام عن القدر فقال:

طَرِيقٌ مُظْلِمٌ فَلاَ تَسْلُكُوهُ وَ بَحْرٌ عَمِيقٌ فَلاَ تَلِجُوهُ وَ سِرُّ اَللَّهِ فَلاَ تَتَكَلَّفُوهُ أقول: الأصل فيه ما رواه ابن بابويه في (توحيده) باسناده عن عبد الملك بن عنترة عن أبيه عن جده قال: جاء رجل الى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال:

أخبرني عن القدر. فقال: بحر عميق فلا تلجه. قال: أخبرني عن القدر. فقال:

طريق مظلم فلا تسلكه. قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر. قال: سرّ اللّه فلا تكلفه. قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر. فقال أمير المؤمنين: أما إذا أبيت فإني سائلك، أخبرني أ كانت رحمة اللّه للعباد قبل أعمال العباد أم كانت أعمال العباد قبل رحمة اللّه. فقال له الرجل: بل كانت رحمة اللّه لهم قبل أعمالهم.

فقال: قوموا فسلّموا على أخيكم فقد أسلم و قد كان كافرا. و انطلق الرجل غير بعيد ثم انصرف اليهعليه‌السلام فقال: أبا المشية الأولى نقوم و نقعد و نقبض و نبسط، فقال: و انك لبعد في المشية، اما اني سائلك عن ثلاث لا يجعل اللّه لك في شي‏ء منها مخرجا: أخبرني أ خلق اللّه العباد كما شاء أو كما شاءوا. فقال: كما شاء.

قال: فخلق اللّه العباد لما شاء أو لما شاءوا. فقال: لما شاء. قال: يأتونه يوم القيامة كما شاء أو كما شاؤا. فقال: كما شاء. فقال: قم فليس لك من المشية شي‏ء( ١) .

و روى ابن طلحة الشافعي في (مطالب سؤوله) باسناده عن عبد اللّه بن جعفر عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: أعجب ما في الانسان قلبه الى أن قال فقام اليه رجل شهد وقعة الجمل فقال له: أخبرنا عن القدر. فقال: بحر عميق فلا

____________________

(١) توحيد المفضل: ٣٦٥ ح ٣.

٢٨٩

تلجه. فقال، أخبرنا عن القدر. فقال: سرّ اللّه فلا تبحث عنه. فقال: أخبرنا عن القدر. فقال: لما أبيت أمر بين الأمرين لا جبر و لا تفويض. فقال: ان فلانا لرجل حاضر يقول بالاستطاعة. فقالعليه‌السلام : عليّ به، فلما رآه قال له الاستطاعة تملكها مع اللّه أو من دون اللّه و إيّاك أن تقول واحدة منهما فترتد قال: فما أقول؟ قال: قل أملكها باللّه ان شاء ملّكنيها...( ١) .

و روى قريبا منه في (الفقه الرضوي) و زاد ثم قيل لهعليه‌السلام الرابعة:

انبئنا عن القدر. فقال: ما يفتح اللّه للناس من رحمة فلا ممسك لها و ما يمسك فلا مرسل له من بعده( ٢) .

و روى المصنّف: في (مجازاته النبوية) قريبا من معنى العنوان عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: و من ذلك قوله و قد سمع ناسا من أصحابه يتذاكرون القضاء و القدر انكم قد أخذتم في شعبين بعيدي الغور( ٣) .

هذا القول مجاز لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله شبه القضاء و القدر حقيقة علمهما و معرفة كنههما بالشعبين اللذين غورهما بعيد و اقتحامهما شديد و طالب غايتهما مجهود، يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان علمهما كالماء الغائر الذي لا يقدر عليه و لا يهتدى إليه.

قولهعليه‌السلام «طريق مظلم فلا تسلكوه، و بحر عميق فلا تلجوه، و سرّ اللّه فلا تتكلّفوه» روى (توحيد الصدوق) مسندا عن الأصبغ قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في القدر: ألا إنّ القدر سرّ من سرّ اللّه، و ستر من ستر اللّه، و حرز من حرز اللّه، مرفوع في حجاب اللّه، مطويّ عن خلق اللّه، مختوم بخاتم اللّه، سابق في علم اللّه، وضع اللّه عن العباد علمه، و رفعه فوق شهاداتهم و مبلغ

____________________

(١) مطالب السؤول: ٢٦ ٢٧.

(٢) فقه الرضا: ٤٠٨، و الآية ٢ من سورة فاطر.

(٣) المجازات: ٣١٣.

٢٩٠

عقولهم، لأنّهم لا ينالونه بحقيقة الربانيّة، و لا بقدرة الصمديّة، و لا بعظم النورانيّة، و لا بعزّة الوحدانيّة، لأنّه بحر زاخر خالص للّه تعالى، عمقه ما بين السماء و الأرض، عرضه ما بين المشرق و المغرب، أسود كالليل الدامس، كثير الحيّات و الحيتان، تعلو مرة و تسفل اخرى، في قعره شمس تضي‏ء لا ينبغي أن يطّلع عليها إلاّ اللّه الواحد الفرد، فمن تطّلع إليها فقد ضادّ اللّه تعالى في حكمه و نازعه في سلطانه و كشف عن ستره و سره( ١) .

و سئل بعضهم عن القدر فقال: الناظر في قدر اللّه كالناظر في عين شمس، يعرف ضوءها و لا يقف على حدودها.

و سئل آخر عنه فقال: فلم اختصمت فيه العقول، و تقاول فيه المختلفون، و حق علينا أن نرد ما التبس علينا الى ما سبق علينا من حكمه.

هذا، و في (اعتقادات الصدوق): روي أن أمير المؤمنينعليه‌السلام عدل عن حائط مائل الى مكان آخر، فقيل له: أ تفرّ من قضاء اللّه؟ فقال: أفر من قضاء اللّه الى قدره.

و سئلعليه‌السلام أيضا عن الرقية هل تدفع من القدر شيئا؟ فقال: هي من القدر( ٢) .

هذا، و ممّا ورد عنهعليه‌السلام في ذلك غير العنوانين ما رواه (التحف و التوحيد) عنه قال: الأعمال على ثلاثة أحوال: فرائض، و فضائل، و معاصي، أما الفرائض فبأمر اللّه تعالى و رضائه، و قضائه و تقديره، و مشيته و علمه، و أما الفضائل فليست بأمر اللّه، و لكن برضاء اللّه، و قضائه و قدره، و مشيته و علمه، و أما المعاصي فليست بأمر اللّه، و لكن

____________________

(١) التوحيد: ٣٨٣ ح ٣٢.

(٢) اعتقادات الصدوق: ٧.

٢٩١

بقضائه و قدره و علمه، ثم يعاقب عليها( ١) .

و في (طرائف ابن طاوس): روى جماعة من العلماء أنّ الحجّاج كتب الى الحسن البصري و إلى عمرو بن عبيد و إلى واصل بن عطاء و الى عامر الشعبي أن يذكروا ما عندهم في القضاء و القدر. فكتب إليه الحسن: إن أحسن ما انتهى الينا ما سمعت من أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: «إنّ الذي نهاك دهاك، إنّما دهاك أسفلك و أعلاك، و اللّه بري‏ء من ذلك». و كتب إليه عمرو: أحسن ما سمعت في القضاء و القدر قول عليعليه‌السلام «لو كان الوزر في الأصل محتوما كان الموزور في القصاص مظلوما». و كتب إليه واصل: أحسن ما سمعت في القضاء و القدر قول عليعليه‌السلام «أ يدلّك على الطريق و يأخذ عليك المضيق». و كتب اليه الشعبي:

أحسن ما سمعت في القضاء و القدر قول أمير المؤمنينعليه‌السلام «كل ما استغفرت اللّه منه فهو منك، و كلّما حمدت اللّه عليه فهو منه». فلما وصلت كتبهم الى الحجاج قال: لقد أخذوها من عين صافية( ٢) .

____________________

(١) التوحيد: ٣٦٩، ح ٩ و تحف العقول: ٢٠٦.

(٢) الطرائف ٢: ٣٢٩.

٢٩٢

الفصل الثامن و العشرون في كلامهعليه‌السلام الجامع لمصالح الدين و الدنيا

٢٩٣

٢٩٤

١ - الكتاب (٢٢) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى عبد اللّه بن العبّاس و كان ابن عبّاس يقول ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانتفاعي بهذا الكلام:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَلْمَرْءَ قَدْ يَسُرُّهُ دَرْكُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ وَ يَسُوؤُهُ فَوْتُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيُدْرِكَهُ فَلْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا نِلْتَ مِنْ آخِرَتِكَ وَ لْيَكُنْ أَسَفُكَ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنْهَا وَ مَا نِلْتَ مِنْ دُنْيَاكَ فَلاَ تُكْثِرْ بِهِ فَرَحاً وَ مَا فَاتَكَ مِنْهَا فَلاَ تَأْسَ عَلَيْهِ جَزَعاً وَ لْيَكُنْ هَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ اَلْمَوْتِ الكتاب (٦٦) و من كتاب له عليه‏السّلام إلى عبد اللَّه بن العباس، و قد تقدم ذكره بخلاف هذه الرواية:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَلْمَرْءَ لَيَفْرَحُ بِالشَّيْ‏ءِ اَلَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ وَ يَحْزَنُ عَلَى اَلشَّيْ‏ءِ اَلَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ فَلاَ يَكُنْ أَفْضَلَ مَا نِلْتَ فِي نَفْسِكَ مِنْ

٢٩٥

دُنْيَاكَ بُلُوغُ لَذَّةٍ أَوْ شِفَاءُ غَيْظٍ وَ لَكِنْ إِطْفَاءُ بَاطِلٍ أَوْ إِحْيَاءُ حَقٍّ وَ لْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا قَدَّمْتَ وَ أَسَفُكَ عَلَى مَا خَلَّفْتَ وَ هَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ اَلْمَوْتِ أقول: رواه نصر بن مزاحم في (صفينه)، و الكليني في (روضته)، و اليعقوبي في (تاريخه)، و سبط ابن الجوزي في (تذكرته)، و نقل عن (مجالس ثعلب) و (أمالي القالي) و (محاضرات الراغب)( ١ ) و (دستور القاضي القضاعي)( ٢) .

قال الأول: و كتبعليه‌السلام إليه: أمّا بعد، فإن الإنسان قد يسرّه ما لم يكن ليفوته، و يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه و إن جهد. فليكن سرورك فيما قدّمت من حكم أو منطق أو سيرة، و ليكن أسفك على ما فرّطت فيه من ذلك، و دع ما فاتك من الدنيا فلا تكثر به حزنا، و ما أصابك فيها فلا تبغ به سرورا، و ليكن همّك فيما بعد الموت( ٣) .

و قال الثاني: عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن اسباط رفعه قال: كتب أمير المؤمنينعليه‌السلام الى ابن عباس: أما بعد، فقد يسرّ المرء ما لم يكن ليفوته، و يحزنه ما لم يكن ليصيبه أبدا و إن جهد، فليكن سرورك بما قدمت من عمل صالح أو حكم أو قول، و ليكن أسفك على ما فرّطت فيه من ذلك، و دع ما فاتك من الدنيا فلا تكثر عليه حزنا، و ما أصابك منها فلا تنعم به سرورا، و ليكن همّك فيما بعد الموت. و السّلام( ٤) .

و قال الثالث: و كتب أبو الأسود و كان خليفة ابن عباس بالبصرة الى عليعليه‌السلام يعلمه أن عبد اللّه أخذ من بيت المال عشرة آلاف درهم، فكتبعليه‌السلام

____________________

(١) المحاضرات للراغب الاصفهاني ٢: ١٧٣.

(٢) دستور القضاعي: ٩٦، أمالي القالي ٢: ٩٤، و عبارة الأمالي تختلف عن النهج.

(٣) وقعة صفين: ١٠٧.

(٤) روضة الكافي ٨: ٢٤٠، ٣٢٧.

٢٩٦

إليه يأمره بردها، فامتنع فكتب يقسم له باللّه ليردّنّها، فلما ردّها أو ردّ أكثرها كتب إليه: أما بعد، فان المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته، و يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فما أتاك من الدنيا فلا تكثر به فرحا، و ما فاتك منها فلا تكثر عليه جزعا، و اجعل همّك لما بعد الموت. و السّلام( ١) .

فكان ابن عباس يقول: ما اتّعظت بكلام قط اتّعاظي بكلام أمير المؤمنين( ٢) .

روى الرابع مسندا عن المأمون عن آبائه عن ابن عباس قال: ما انتفعت بكلام أحد بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كانتفاعي بكلام كتب به أمير المؤمنينعليه‌السلام إليّ: أمّا بعد، فإنّ المرء يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، و يسره درك ما لم يكن ليفوته، فليكن سرورك بما نلت من أمر آخرتك، و ليكن أسفك على ما فاتك منها، و ما فاتك من الدنيا فلا تأسفنّ عليه، و ليكن همّك فيما بعد الموت.

و روى السدّي هذا عن أشياخه، و قال عقيبه: كان الشيطان قد نزغ بين ابن عباس و بينهعليه‌السلام ثم عاد إلى موالاته( ٣) .

قول المصنّف: في الأول (و كان ابن عباس) هكذا في (المصرية)( ٤ ) أخذا عن (ابن أبي الحديد) و في (ابن ميثم): «و كان عبد اللّه»( ٥ ) (يقول ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول اللّه) و من كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله له الذي انتفع به ما رواه اليعقوبي عنه قال: أردفني النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال لي: يا غلام ألا أعلّمك كلمات ينفعك اللّه بهنّ. قلت: بلى. قال: إحفظ اللّه يحفظك، إحفظ اللّه تجده

____________________

(١) مجالس ثعلب ١: ١٥٥.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٠٥.

(٣) تذكرة الفقهاء: ١٥٠.

(٤) نهج البلاغة ٣: ٢٣ من الكتاب رقم ٢٢.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١٥: ١٤٠، و شرح ابن ميثم: ٣٨٤ السطر الثالث هكذا.

٢٩٧

أمامك، أذكر اللّه في الرخاء يذكرك في الشدّة، و إذا سألت فاسأل اللّه، و إذا استعنت فاستعن باللّه، جفّ القلم بما هو كائن، و لو جهد الخلق على أن ينفعوك بشي‏ء لم يكتبه اللّه لم يقدروا عليه، و لو جهدوا أن يضرّوك بشي‏ء لم يكتبه اللّه عليك لم يقدروا عليه، فعليك بالصدق في اليقين، إنّ في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، و اعلم أنّ النصر مع الصبر، و أنّ الفرج مع الكرب، و أنّ مع العسر يسرا( ١) .

(كانتفاعي بهذا الكلام) قد عرفت أنّه روى هذا الكلام عنه سبط بن الجوزي و كذا اليعقوبي.

قوله في الثاني (و قد تقدم ذكره بخلاف هذه الرواية) هكذا في (المصرية)( ٢ ) و لكن في (ابن أبي الحديد) «و قد مضى هذا الكلام فيما تقدم بخلاف هذه الرواية» و مثله (ابن ميثم) لكن فيه (هذا الكتاب)( ٣ ) و قد عرفت أن المقدم رواية الأخيرين، و هذه رواية الأوّلين ممّن نقلنا كلامه.

قولهعليه‌السلام في الأول «أمّا بعد، فإنّ المرء قد يسرّه درك ما لم يكن ليفوته و يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه» و في الثاني (أما بعد فان المرء) هكذا في (المصرية)( ٤ ) و الصواب: (العبد) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٥) .

«ليفرح بالشي‏ء الذي لم يكن ليفوته، و يحزن على الشي‏ء الذي لم يكن ليصيبه» معناهما واحد و إنّما اختلف لفظهما، و المراد أنّ سروره و فرحه و كذا

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٦٣.

(٢) نهج البلاغة ٣: ١٣٩ من الكتاب رقم ٦٦.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٢٨.

(٤) نهج البلاغة ٣: ٢٣ من الكتاب رقم ٢٢.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٢٨، ابن ميثم (الطبع الحجري) ٤٥٨ هكذا.

٢٩٨

مساءته و حزنه كانا هدرا و في غير محلهما.

و في (مطالب سؤول ابن طلحة الشافعي) قال عليعليه‌السلام : الشي‏ء شيئان شي‏ء قصر عنّي لم ارزقه فيما مضى و لا أرجوه فيما بقي، و شي‏ء لا أناله دون وقته و لو استعنت عليه بقوّة أهل السماوات و الأرض، فما أعجب أمر هذا الانسان يسرّه درك ما لم يكن ليفوته و يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، و لو أنّه فكّر لأبصر، و لعلم أنّه مدبر، و اقتصر على ما تيسّر و لم يتعرّض لما تعسّر، و استراح قلبه ممّا استوعر، فبأيّ هذين أفني عمري، فكونوا أقل ما تكونون في الباطن أحوالا أحسن ما تكونون في الظاهر أحوالا، فان اللّه تعالى أدّب عباده المؤمنين أدبا حسنا فقال جلّ من قائل يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس الحافا( ١) .

و في الأول «فليكن سرورك بما نلت من أمر آخرتك» و ان الدار الآخرة لهي الحيوان( ٢) .

«و ليكن أسفك على ما فاتك منها» و من أسماء يوم القيامة التغابن لأن الانسان يرى مغبونيته فيما فاته من الآخرة.

«و ما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحا و ما فاتك منها فلا تأس عليه جزعا» قال تعالى لكيلا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم( ٣) .

و في (الأغاني) قال أعشي همدان:

فلا تأسفنّ على ما مضى

و لا يحزننّك ما يدبر

فإن الحوادث تبلي الفتى

و إنّ الزمان به يعثر

____________________

(١) البقرة: ٢٧٣.

(٢) العنكبوت: ٦٤.

(٣) الحديد: ٢٣.

٢٩٩

فيوما يساء بما نابه

و يوما يسرّ فيستبشر

و من كلّ ذلك يلقى الفتى

و يمنى له منه ما يقدر( ١)

و في الثاني «فلا يكن أفضل ما نلت في نفسك بلوغ لذة أو شفاء غيظ» فانّه يشارك في ذلك البهائم و السباع.

«و لكن» اطفاء نار «باطل أو احياء حق» ميت الذي هو عمل الأنبياء و الأوصياء و هم العلماء و الحكماء.

«و ليكن سرورك بما قدمت» و ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند اللّه هو خيرا و أعظم أجرا( ٢) .

«و أسفك على ما خلفت» و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم( ٣) .

و في الأول «و ليكن همّك» و في الثاني «و همك» و فيهما «فيما بعد الموت» فأغبط الناس من نام تحت التراب و أمن العقاب و لتنظر نفس ما قدّمت لغد( ٤) .

هذا، و نظير وعظه لعبد اللّه بن عباس وعظ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأخيه الفضل بن العباس، روى (الفقيه في نوادر آخره) عن الصادق عن أبيهعليهما‌السلام قال: قال الفضل: أهدي إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بغلة أهداها له كسرى أو قيصر، فركبها بحبل من شعر و أردفني خلفه، ثم قال: يا غلام احفظ اللّه( ٥ ) ... مثل ما مرّ عن اليعقوبي في قول النبيّ لعبد اللّه بن عباس نفسه، و الظاهر أصحّيّة ما في (الفقيه) من كون قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله للفضل و لعل عبد اللّه سمعه من أخيه.

____________________

(١) الأغاني ٦: ٣٨ (في أخبار أعشى همدان).

(٢) المزمل: ٢٠.

(٣) الانعام: ٩٤.

(٤) الحشر: ١٨.

(٥) فقيه ٤: ٢٩٦ ح ٧٦.

٣٠٠