بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة11%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 668

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 668 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 66304 / تحميل: 3874
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

للكذب أكّالون للسّحت( ١) .

«فارفع الي حسابك و اعلم أن حساب اللّه أعظم من حساب الناس» و في (العيون): قدم معاذ بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من اليمن على أبي بكر فقال له: ارفع حسابك. فقال: احسابان حساب من اللّه و حساب منكم، لا ألي لكم عملا أبدا.

١٠ - الكتاب (٤١) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى بعض عمّاله:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي كُنْتُ أَشْرَكْتُكَ فِي أَمَانَتِي وَ جَعَلْتُكَ شِعَارِي وَ بِطَانَتِي وَ لَمْ يَكُنْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي أَوْثَقَ مِنْكَ فِي نَفْسِي لِمُوَاسَاتِي وَ مُوَازَرَتِي وَ أَدَاءِ اَلْأَمَانَةِ إِلَيَّ فَلَمَّا رَأَيْتَ اَلزَّمَانَ عَلَى اِبْنِ عَمِّكَ قَدْ كَلِبَ وَ اَلْعَدُوَّ قَدْ حَرِبَ وَ أَمَانَةَ اَلنَّاسِ قَدْ خَزِيَتْ وَ هَذِهِ اَلْأُمَّةَ قَدْ فَتَكَتْ وَ شَغَرَتْ قَلَبْتَ لاِبْنِ عَمِّكَ ظَهْرَ اَلْمِجَنِّ فَفَارَقْتَهُ مَعَ اَلْمُفَارِقِينَ وَ خَذَلْتَهُ مَعَ اَلْخَاذِلِينَ وَ خُنْتَهُ مَعَ اَلْخَائِنِينَ فَلاَ اِبْنَ عَمِّكَ آسَيْتَ وَ لاَ اَلْأَمَانَةَ أَدَّيْتَ وَ كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنِ اَللَّهَ تُرِيدُ بِجِهَادِكَ وَ كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَ كَأَنَّكَ إِنَّمَا كُنْتَ تَكِيدُ هَذِهِ اَلْأُمَّةَ عَنْ دُنْيَاهُمْ وَ تَنْوِي غِرَّتَهُمْ عَنْ فَيْئِهِمْ فَلَمَّا أَمْكَنَتْكَ اَلشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ اَلْأُمَّةِ أَسْرَعْتَ اَلْكَرَّةَ وَ عَاجَلْتَ اَلْوَثْبَةَ وَ اِخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ اَلْمَصُونَةِ لِأَرَامِلِهِمْ وَ أَيْتَامِهِمُ اِخْتِطَافَ اَلذِّئْبِ اَلْأَزَلِّ دَامِيَةَ اَلْمِعْزَى اَلْكَسِيرَةَ فَحَمَلْتَهُ إِلَى؟ اَلْحِجَازِ؟ رَحِيبَ اَلصَّدْرِ بِحَمْلِهِ غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ مِنْ أَخْذِهِ كَأَنَّكَ لاَ أَبَا لِغَيْرِكَ حَدَرْتَ إِلَى أَهْلِكَ تُرَاثَاً مِنْ أَبِيكَ وَ أُمِّكَ فَسُبْحَانَ اَللَّهِ أَ مَا تُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ أَ وَ مَا تَخَافُ نِقَاشَ اَلْحِسَابِ

____________________

(١) المائدة: ٤٢.

٨١

أَيُّهَا اَلْمَعْدُودُ كَانَ عِنْدَنَا مِنْ ذُوِي اَلْأَلْبَابِ كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وَ طَعَاماً وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً وَ تَشْرَبُ حَرَاماً وَ تَبْتَاعُ اَلْإِمَاءَ وَ تَنْكِحُ اَلنِّسَاءَ مِنْ مَالِ اَلْيَتَامَى وَ اَلْمَسَاكِينِ وَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُجَاهِدِينَ اَلَّذِينَ أَفَاءَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ اَلْأَمْوَالَ وَ أَحْرَزَ بِهِمْ هَذِهِ اَلْبِلاَدَ فَاتَّقِ اَللَّهَ وَ اُرْدُدْ إِلَى هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اَللَّهُ مِنْكَ لَأُعْذِرَنَّ إِلَى اَللَّهِ فِيكَ وَ لَأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي اَلَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلاَّ دَخَلَ اَلنَّارَ وَ اَللَّهِ لَوْ أَنَّ؟ اَلْحَسَنَ؟ وَ؟ اَلْحُسَيْنَ؟ فَعَلاَ مِثْلَ اَلَّذِي فَعَلْتَ مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ وَ لاَ ظَفِرَا مِنِّي بِإِرَادَةٍ حَتَّى آخُذَ اَلْحَقَّ مِنْهُمَا وَ أُزِيحَ اَلْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا وَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَا أَخَذْتَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَلاَلٌ لِي أَتْرُكُهُ مِيرَاثاً لِمَنْ بَعْدِي فَضَحِّ رُوَيْداً فَكَأَنَّكَ قَدْ بَلَغْتَ اَلْمَدَى وَ دُفِنْتَ تَحْتَ اَلثَّرَى وَ عُرِضَتْ عَلَيْكَ أَعْمَالُكَ بِالْمَحَلِّ اَلَّذِي يُنَادِي اَلظَّالِمُ فِيهِ بِالْحَسْرَةِ وَ يَتَمَنَّى اَلْمُضَيِّعُ فِيهِ اَلرَّجْعَةَ وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ ٨ ١١ ٣٨: ٣ أقول: هذا الكتاب على فرض صحة نسبته إليهعليه‌السلام جمع من المصنف بين كتابين منهعليه‌السلام الى ابن عباس لما لحق بالحجاز على ما يظهر من خبري (عقد ابن ربه) و (رجال الكشي) و (تذكرة سبط ابن الجوزي).

ففي الأول: قال سليمان بن أبي راشد عن عبد اللّه بن عبيد عن أبي الكنود قال: كنت من أعوان عبد اللّه بالبصرة، فلما كان من أمره ما كان أتيت عليّاعليه‌السلام فأخبرته، فقال و اتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين( ١ ) ثم كتب معي إليه: أما بعد فاني كنت أشركتك

____________________

(١) الاعراف: ١٧٥.

٨٢

في أمانتي و لم يكن من أهل بيتي رجل أوثق عندي منك بمواساتي و مؤازرتي بأداء الامانة، فلما رأيت الزمان قد كلب على ابن عمك و العدو قد حرد و أمانة الناس قد خرجت و هذه الأمة قد فتنت، قلبت لابن عمك ظهر المجن ففارقته مع القوم المفارقين و خذلته أسوء خذلان و خنته مع من خان، فلا ابن عمك آسيت و لا الامانة إليه أديت، كأنك لم تكن على بينة من ربك، و انما كنت خدعت امة محمد عن دنياهم و غدرتهم عن فيئهم، فلما أمكنتك الفرصة في خيانة الامة أسرعت الغدرة و عاجلت الوثبة، فاختطفت ما قدرت عليه من أموالهم و انفلت بها الى الحجاز، كأنك انما حزت على أهلك ميراثك من أبيك و امك، سبحان اللّه أو ما تؤمن بالمعاد، أما تخاف الحساب، أما تعلم انك تأكل حراما و تشرب حراما و تشتري الاماء و تنكحهن بأموال اليتامى و الأرامل و المجاهدين في سبيل اللّه التي أفاء اللّه عليهم، فاتق اللّه و أد الى القوم أموالهم، فانك ان لم تفعل و أمكنني اللّه منك لاعذرن الى اللّه فيك، فو اللّه لو ان الحسن و الحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة و لما تركتهما حتى آخذ الحق منهما.

و السّلام.

فكتب إليه ابن عباس: فقد بلغني كتابك تعظّم عليّ أمانة المال الذي أصبت من بيت مال البصرة، و لعمري ان حقي في بيت مال اللّه أكثر من الذي أخذت.

فكتب إليه عليعليه‌السلام : أما بعد فان العجب كل العجب منك اذ ترى لنفسك في بيت مال اللّه أكثر مما لرجل من المسلمين، قد أفلحت ان كان تمنيك الباطل و ادعاءك ما لا يكون ينجيك من الاثم و يحل لك ما حرم اللّه عليك عمرك انك لأنت البعيد، قد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا و ضربت بها عطنا تشتري المولدات من المدينة و الطائف تختارهن على عينك و تعطي بها مال غيرك،

٨٣

و اني أقسم باللّه ربي و ربك ربّ العزة ما أحب أن ما أخذت من أموالهم لي حلالا أدعه ميراثا لعقبى فما بال اغتباطك به تأكله حراما، ضح رويدا فكأنك قد بلغت المدى و عرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي فيه المغتر بالحسرة و يتمنى المضيع التوبة و الظالم الرحبة.

فكتب إليه ابن عباس: و اللّه لئن لم تدعني من أساطيرك لأحملنه الى معاوية يقاتلك به.

فكفّ عنه عليعليه‌السلام .

و في الثاني: ذكر شيخ من أهل اليمامة عن معلى بن هلال عن الشعبي قال: لما احتمل عبد اللّه بن عباس بيت مال البصرة و ذهب به الى الحجاز كتب إليه عليعليه‌السلام : أما بعد فاني كنت أشركتك في أمانتي، و لم يكن أحد من أهل بيتي في نفسي أوثق منك لمواساتي و مؤازرتي و اداء الامانة الي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، و العدو عليه قد حرب، و أمانة الناس قد عزت، و هذه الامور قد فشت، قلبت لابن عمك ظهر المجن، و فارقته مع المفارقين، و خذلته أسوأ خذلان الخاذلين، فكأنك لم تكن تريد اللّه بجهادك، و كأنك لم تكن على بيّنة من ربك، و كأنك انما كنت تكيد امة محمد على دنياهم و تنوي غرتهم، فلما أمكنتك الشدة في خيانة امة محمد أسرعت الوثبة و عجلت العدوة، فاختطفت ما قدرت عليه اختطاف الذئب الازل رمية المعزى الكثير، كأنك لا أبا لك جررت الى أهلك تراثك من أبيك و امك، سبحان اللّه، أو ما تؤمن بالمعاد، أو ما تخاف سوء الحساب، أو ما يكبر عليك أن تشتري الاماء و تنكح النساء بأموال الأرامل و المهاجرين الذين أفاء اللّه عليهم هذه البلاد؟ أردد الى القوم أموالهم، فو اللّه لئن لم تفعل ثم امكنني اللّه منك لأعذرن اللّه فيك، فو اللّه لو أن حسنا و حسينا فعلا مثل الذي فعلت لما كان لهما عندي في ذلك هوادة و لا

٨٤

لواحد منهما عندي رخصة، حتى آخذ الحق و ازيح الجور عن مظلومها.

فكتب إليه ابن عباس: أتاني كتابك تعظم عليّ اصابة المال الذي أخذته من بيت مال البصرة، و لعمري ان لي في بيت مال اللّه أكثر مما أخذت.

فكتب إليه عليعليه‌السلام : أما بعد فالعجب كلّ العجب من تزيين نفسك أن لك في بيت مال اللّه أكثر مما أخذت، و أكثر مما لرجل من المسلمين. فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل و ادعاؤك ما لا يكون ينجيك من الاثم، و يحل لك ما حرم اللّه عليك عمرك اللّه انك لأنت العبد المهتدي اذن فقد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا و ضربت بها عطنا، تشتري مولدات مكة و الطائف، تختارهن على عينك و تعطي فيهن مال غيرك، و اني لاقسم باللّه ربي و ربك ربّ العزة ما يسرني أن ما أخذت من أموالهم لي حلال أدعه لعقبى ميراثا، فلا غرور أشدّ من اغتباطك تأكله. رويدا رويدا، فكأن قد بلغت المدى و عرضت على ربك في المحل الذي يتمنى (فيه المجرم) الرجعة و المضيع التوبة، كذلك و ما ذلك و لات حين مناص.

فكتب إليه ابن عباس: فقد أكثرت علي، فو اللّه لئن ألقى اللّه بجميع ما في الأرض من ذهبها و عقيانها أحب اليّ من أن ألقى اللّه بدم رجل مسلم( ١) .

و في الثالث: و لما مضى ابن عباس الى مكة كتبعليه‌السلام إليه: اما بعد فاني أشركتك في أمانتي، و لم يكن أحد من أهل بيتي أوثق في نفسي منك لمؤازرتي و أداء الامانة الي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد حرب، و العدو قد كلب، و أمانة الناس قد خربت، و الامة قد افتتنت، قلبت لابن عمك ظهر المجن بمفارقته مع المفارقين و خذلانه مع الخاذلين، و اختطفت ما قدرت عليه من مال الامة اختطاف الذئب فاردة المعزى، أما توقن بالمعاد و لا تخاف ربّ

____________________

(١) اختيار معرفة الرجال: ٦٠ ح ١١٠.

٨٥

العباد، أما يكبر عليك انك تأكل الحرام و تنكح الحرام و تشتري الاماء بأموال الأرامل و الايتام، أردد الى المسلمين أموالهم، و و اللّه لئن لم تفعل لاعذرن اللّه فيك، فان الحسن و الحسين لو فعلا ما فعلت لما كان لهما عندي هوادة.

فكتب إليه ابن عباس: حقي في بيت المال أكثر مما أخذت منه.

فكتب إليه عليعليه‌السلام العجب العجب من تزيين نفسك لك أنك أخذت أقلّ مما لك، و هل أنت إلاّ رجل من المسلمين، و قد علمت بسوابق أهل بدر و ما كانوا يأخذون غير ما فرض لهم، و كفى بك أنك اتخذت مكة وطنا و ضربت بها عطنا، تشتري من مولدات الطائف و مكة و المدينة ما تقع عليه عينك و تميل إليه نفسك، تعطي فيهن مال غيرك، و اني أقسم باللّه ما احب أن ما أخذت من أموالهم حلالا أدعه بعدي ميراثا، فكانّ قد بلغت المدى و عرضت عليك أعمالك غدا بالمحل الأعلى الذي يتمنى فيه المضيّع التوبة و الخلاص و لات حين مناص.

فكتب إليه ابن عباس: لأن ألقى اللّه بكل ما على ظهر الأرض و بطنها أحب اليّ من أن ألقاه بدم امرى‏ء مسلم.

فكتب إليه عليعليه‌السلام : ان الدماء التي أشرت اليها قد خضتها الى ساقيك، و بذلت في اراقتها جهدك، و وضعت باباحتها حظّك، و تقشعت عنها فتياك، و اذ لم تستحي فافعل ما شئت( ١) .

و نقله القتيبي في عيونه مرفوعا في باب خيانات العمال، فقال: و وجدت في كتاب لعليعليه‌السلام الى ابن عباس حين أخذ من مال البصرة ما أخذ: اني اشركتك في أمانتي و لم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب و العدو قد حرب، قلبت لابن عمك ظهر المجن

____________________

(١) تذكرة الخواص: ١٥١ و ١٥٢.

٨٦

بفراقه مع المفارقين و خذ لانه مع الخاذلين، و اختطفت ما قدرت عليه من أموال الامة اختطاف الذئب الازل دامية المعزى.

قال: و في الكتاب: وضح رويدا فكأن قد بلغت المدى و عرضت عليك أعمالك بالمحل الذي به ينادي المغتر بالحسرة و يتمنى المضيع التوبة و الظالم الرجعة.

و في (أنساب البلاذري): قالوا لما قدم ابن عباس مكة ابتاع من جبيرة مولى بني كعب من خزاعة ثلاث مولدات: حورا و فوز و شادن بثلاثة آلاف دينار، فكتب إليه علي بن أبي طالب: أما بعد فاني كنت اشركتك الخ( ١) .

قول المصنّف: (و من كتاب لهعليه‌السلام الى بعض عماله) قال ابن أبي الحديد اختلفوا في المكتوب إليه: فقال الأكثر انه ابن عباس، و رووا في ذلك روايات و استدلوا بألفاظ من الكتاب، كقوله: «اشركتك في أمانتي، و جعلتك بطانتي و شعاري، و انه لم يكن في أهلي رجل أوثق منك» و قوله: «رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب» و هذه كلمة لا تقال إلاّ لمثله، فأما غيره من افناء الناس فان عليّا كان يقول له: «لا أبا لك» و قوله: «أيها المعدود عندنا من اولي الألباب» و قوله: «لو أن الحسن و الحسين» فهذا يدل على ان المكتوب إليه قريب ان يجري مجراهما.

و قد روى أرباب هذا القول ان ابن عباس كتب إليه جواب هذا الكتاب: فقد أتاني كتابك تعظّم عليّ ما أصبت الى أن قال كتبعليه‌السلام فقد أفلحت أن كان تمنيك الباطل و ادعاك ما لا يكون ينجيك من المأثم، و يحل لك المحرم، انك لأنت المهتدي السعيد اذن الى أن قال و أخرج الى المسلمين من أموالهم، فعما قليل تفارق من ألفت، و تترك ما جمعت، و تغيب في صدع من الأرض غير

____________________

(١) انساب الأشراف ٢: ١٧٤.

٨٧

موسّد و لا ممهد، قد فارقت الأحباب، و سكنت التراب، و واجهت الحساب، غنيا عمّا خلقت، فقيرا الى ما قدمت.

و قال الآخرون: هذا لم يكن، و لا فارق عبد اللّه عليّاعليه‌السلام و لا خالفه، و لم يزل أميرا على البصرة الى أن قتل علي، قالوا: و يدل على ذلك ما رواه ابو الفرج الاصبهاني من كتابه الذي كتبه الى معاوية من البصرة لما قتل عليعليه‌السلام و قد ذكرناه قبل، قالوا و كيف يكون ذلك و لم يختدعه معاوية و لم يجره الى جهته، فقد علمتم كيف اختدع كثيرا من عمالهعليه‌السلام و استمالهم إليه بالأموال، فمالوا و تركوا عليّا، فما بال معاوية و قد علم النبوة التي حدثت بينهما لم يستمل ابن عباس و لا اجتذبه الى نفسه، و كلّ من قرأ السير و عرف التواريخ يعرف مشاقة ابن عباس لمعاوية بعد وفاة عليعليه‌السلام فيما كان يلقاه من قوارع الكلام و شديده، و ما كان يثني به عليهعليه‌السلام ، و يذكر خصائله و فضائله، و يصدع به من مناقبه و مآثره، فلو كان بينهما غبار أو كدر لما كان الأمر كذلك، بل كانت الحال بالضد.

قال: و قد أشكل عليّ أمر هذا الكتاب، فان أنا كذبت النقل و قلت هذا كلام موضوع عليهعليه‌السلام خالفت الرواة، فانهم قد اطبقوا على رواية هذا الكلام عنه و قد ذكر في أكثر كتب السير، و ان صرفته الى عبد اللّه صدني عنه ما أعلم من ملازمته لطاعتهعليه‌السلام في حياته، و ان صرفته الى غيره لم أعلم الى من أصرفه، فانا في هذا الموضع من المتوقفين( ١) .

قلت: المصنّف أيضا كأنه توقف حيث قال هنا: و في كتاب قبله قد ذكرناه في العنوان السابق «و من كتاب لهعليه‌السلام الى بعض عماله» و لم يقل «الى ابن عباس»، مع انّه رأى ان من نقل الكتابين عيّنهما في عبد اللّه.

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٦٩ ١٧٢.

٨٨

كما أن ظاهر ابي زيد التوقف، ففي (تاريخ الطبري): قال ابو زيد: زعم أبو عبيدة ان ابن عباس لم يبرح من البصرة حتى قتل عليعليه‌السلام ، فشخص الى الحسن، فشهد الصلح بينه و بين معاوية. قال أبو زيد: ذكرت ذلك لأبي الحسن فأنكره، و زعم ان عليّا قتل و ابن عباس بمكة، و ان الذي شهد الصلح عبيد اللّه( ١) ، فتراه اقتصر على نقل قول ابي عبيدة و أبي الحسن، و لم يفت بشي‏ء و جعل قول كلّ منهما زعما.

و كيف كان فيقال في جواب ابن أبي الحديد انّه قاعدة عقلية اذا تعارض العقل و النقل يقدم العقل، فإذا كان معلوما ملازمته لطاعة أمير المؤمنينعليه‌السلام في حياته، و استمالة معاوية مع انتهازه الفرصة في مثل ذلك، نقطع بأن النقل باطل، و قد ابطل النقل بما قلنا عمرو بن عبيد أيضا.

ففي (غرر المرتضى) قال أبو عبيدة: دخل عمرو بن عبيد على سليمان بن علي العباسي، فقال له سليمان: أخبرني عن قول علي في ابن عباس:

يفتينا في القملة و القميلة

و طار بأموالنا في ليلة

فقال له عمرو: كيف يقول علي هذا و ابن عباس لم يفارق عليّاعليه‌السلام حتى قتل و شهد صلح الحسن، و أي مال يجتمع في بيت مال البصرة مع حاجة عليعليه‌السلام الى الأموال و هو يفرغ بيت مال الكوفة كل خميس و يرشه، و قالوا انّه كان يقيل فيه، فكيف يترك المال يجتمع بالبصرة، و هذا باطل( ٢) .

و من أين اتفق النقل عليه، فقد عرفت في سابقه ان الأصل فيه رواية أبي مخنف عن جمع، مع انّه روى أيضا كونه بالبصرة لما قتلعليه‌السلام ، و لحوقه بالحسن بالكوفة، ففي المقاتل: لما خطب الحسنعليه‌السلام في صبيحة وفاة أبيه

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ١٠٩ سنة ٤٠.

(٢) أمالي الشريف المرتضى و هو كتاب الغرر ٢: ١٢٣ المجلس ١٢.

٨٩

قال أبو مخنف عن رجاله: قام ابن عباس بين يديه، فدعا الناس الى بيعته، فاستجابوا له و قالوا: ما أحبه الينا و أحقه بالخلافة فبايعوه، ثم نزل عن المنبر، و دس معاوية رجلا من حمير الى الكوفة و رجلا من بني القين الى البصرة يكتبان إليه بالأخبار.

الى أن قال: و كتب عبد اللّه بن العباس من البصرة الى معاوية: أما بعد فانك و دسك أخا بني قين الى البصرة تلتمس من غفلات قريش مثل الذي ظفرت من يمانيتك لكما قال امية بن اشكر:

لعمرك اني و الخزاعي طارقا

كنعجة غار حفرها تتحفر

أثارت عليها شفرة بكراعها

فظلت بها من آخر الليل تنحر

شمت بقوم من صديقك أهلكوا

أصابهم يوم من الدهر أعسر

فأجابه معاوية: اما بعد فان الحسن بن علي قد كتب الي بنحو ما كتبت الخ( ١) .

و أما رواية الكشي للكتاب بسند آخر عرفته فنسخة كتابه مصحفة مختلطة سندا و متنا بحيث لا يوجب الاعتماد على ما تفرد به كما برهنا عليه في الرجال كخبر آخر رواه، فقال روى علي بن يزداد الصائغ الجرجاني عن عبد العزيز بن محمد بن عبد الأعلى الجزري عن خلف المخزومي البغدادي عن سفيان بن سعيد عن الزهري عن الحرث: استعمل عليعليه‌السلام على البصرة عبد اللّه بن العباس، فحمل كلّ ما في بيت مال البصرة و لحق بمكة و ترك عليّا، و كان مبلغه ألفي ألف درهم، فصعد عليعليه‌السلام المنبر حين بلغه ذلك فبكى و قال: هذا ابن عم النبي في علمه و قدره يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان

____________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٣٣ و ٣٤.

٩٠

دونه، اللّهم اني قد مللتهم و اقبضني اليك غير عاجز و لا ملول( ١ ) مضافا الى مجهولية رواته.

و أما ما في نسخنا من مقاتل ابي الفرج في ترك عبيد اللّه بن العباس عسكر الحسنعليه‌السلام و لحوقه بمعاوية، خطبهم قيس بن سعد بن عبادة فقال:

ان هذا و أباه و أخاه لم يأتوا بيوم خير الى أن قال و أن أخاه ولاّه عليعليه‌السلام على البصرة، فسرق مال اللّه و مال المسلمين، فاشترى به الجواري و زعم ان ذلك له حلال الخ( ٢ ) . فالظاهر كونه من تصرف المحشين أخذا من تلك الأخبار المتقدمة، فخلط بالمتن، بدليل ان ابن أبي الحديد نقل عند عنوان النهج «و من وصيته للحسن» جميع كلام ابي الفرج و ليس فيه أثر من ذلك، بل اقتصر على أن قيسا خطبهم، فثبتهم و ذكر عبيد اللّه، فنال منه ثم أمرهم بالصبر( ٣ ) و لم يذكر ذلك في تاريخ آخر.

مع ان اليعقوبي روى ان ابن عباس تصرف مقدارا من بيت المال، فكتب أمير المؤمنينعليه‌السلام برده فرده، و هذا لفظه: و كتب أبو الأسود و كان خليفة ابن عباس بالبصرة الى عليعليه‌السلام يعلمه أن عبد اللّه أخذ من بيت المال عشرة آلاف درهم، فكتب إليه يأمره بردها، فامتنع، فكتب يقسم له باللّه لتردنها، فلما ردها أورد أكثرها كتبعليه‌السلام إليه: أما بعد، فان المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته، و يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فما أتاك من الدنيا فلا تكثير به فرحا، و ما فاتك منها فلا تكثر عليه جزعا، و اجعل همّك لما بعد الموت( ٤) .

و مثله نقل سبط ابن الجوزي عن السدي و أبي اراكة، فروى مسندا عن

____________________

(١) اختيار معرفة الرجال: ٦٠ ح ١٠٩.

(٢) مقاتل الطالبيين: ٤٢.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ٤٢، و قد لخّص كلام ابي الفرج.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٠٥.

٩١

المأمون عن آبائه عن ابن عباس قال: ما انتفعت بكلام أحد بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانتفاعي بكلام كتب أمير المؤمنين به الي، كتب: سلام عليك، أما بعد فان المرء يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه و يسره درك ما لم يكن ليفوته الى أن قال و قد روى السدي هذا عن أشياخه و قال عقيبة: كأن الشيطان قد نزغ بين ابن عباس و بين عليعليه‌السلام مدة ثم عاد الى موالاته و سببه ان أمير المؤمنين ولى ابن عباس البصرة الى أن قال بعد ذكر الكتب المذكورة ثم ندم ابن عباس و اعتذر الى عليعليه‌السلام و قبل عذره، و قيل انه عاد الى الكوفة( ١) .

و رواه أعثم الكوفي في (تاريخه) بطريق آخر، فقال: ما معناه ان عليّا عليه السلام ولى ابن عباس لما كان من قبله على البصرة الموسم، فطلب ابن عباس زيادا و أبا الأسود و قال لهما: استخلفكما على البصرة حتى أرجع و جعل أبا الأسود على الصلاة بالناس و زيادا، على الخراج، فوقع بينهما بعد خروج ابن عباس تنافر، فهجا أبو الأسود زيادا، فلما رجع ابن عباس شكاه زياد و قرأ عليه أهاجيه فيه، فغضب ابن عباس و سب أبا الأسود، فاحتال أبو الأسود، فكتب إليهعليه‌السلام ان ابن عمك خان في بيت المال، فكتبعليه‌السلام الى ابن عباس: بلغني عنك أمور اللّه أعلم بها و هي غير منتظرة منك، فاكتب الي بمقدار بيت المال. فأجابه ان ذلك باطل، و اني أعلم من كتب اليك و لا أتصدى بعد ذلك لعمل و اعتزل في بيته فكتبعليه‌السلام إليه: لا تكن واجدا مما كتبت اليك، فان ذلك كان من اعتمادي عليك، و تبين لي ان ما كتبوا إلي فيك باطل، فارجع الى عملك.

فلما وصل الكتاب الى ابن عباس سر و اشتغل بعمله( ٢) .

و قد عرفت انكار عمرو بن عبيد لذلك بكونه خلاف الدراية و بطلان خبر

____________________

(١) تذكرة الخواص: ١٥٠.

(٢)

٩٢

رووا انّهعليه‌السلام قال: «يفتينا في القملة و النملة، و طار بأموالنا في ليلة»، ثم كيف يقولعليه‌السلام : «يفتينا»، فهل كان ابن عباس يفتيه عليه السلام، و كيف يقول: «و طار بأموالنا»، فان تلك الأموال كانت من بيت المال لا ماله.

و قد أنكره ابو عبيدة، ففي (تاريخ الطبري) قال أبو عبيدة: ان ابن عباس لم يبرح من البصرة حتى قتل عليعليه‌السلام ، فشخص الى الحسنعليه‌السلام ، فشهد الصلح بينه و بين معاوية، ثم رجع الى البصرة و ثقله بها، فحمله و ما لا من بيت المال قليلا و قال هي أرزاقي( ١) .

و بالجملة النقل فيه مختلف و متعارض، و خبر الخصم خلاف العقل و الدراية، فأي عبرة بمثله من الرواية حتى يقول ابن أبي الحديد ان كذبت النقل و قلت هذا كلام موضوع خالفت الرواة، و كم من روايات لهم مخالفة للدرايات.

و منها: كون زيد بن حارثة أميرا على جعفر الطيار( ٢ ) ، فكيف تصح مع كونها على خلاف العقل، فأين جلال جعفر و أين زيد، مع انه يكذبها أشعار حسان و غيره.

و منها: ان أمير المؤمنينعليه‌السلام خطب بنت أبي جهل، و ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غضب لذلك( ٣ ) ، فانها مخالفة لما علم بالتواتر من عدم مخالفة أمير المؤمنين للنبي طرفة عين، فيعلم بقضية العقول أن جميعها مجعول.

و الوجه في جعل خبر تأمير زيد دفع الطعن عن تأمير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ابنه اسامة على ابي بكر و عمر، و في جعل خبر خطبة بنت أبي جهل دفع الطعن عن فاروقهم في اغضابه النبي غير مرة يوم صلاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله على ابن ابي، و يوم

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ١٠٩، سنة ٤٠.

(٢) رواه الواقدي في المغازي ٢: ٧٥٦، و ابن سعد في الطبقات ٢: ق ٩٢١، و ابن هشام في السيرة ٤: ٧، و الطبري في تاريخه ٢: ٣١٩ سنة ٨.

(٣) رواه البخاري في صحيحه ٢: ١٨٩ و ٣٠٣ و ٣: ٢٦٥ و مسلم في صحيحه ٤: ١٩٠٢ ١٩٠٤ ح ٩٣ ٩٦.

٩٣

الحديبية، و يوم وصيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله و نسبته الى الهجر، فوضعوا ذلك دفعا للطعن عن فاروقهم و لم يبالوا بورود الطعن على النبيّ على فرض صحته، فإذا كان النبيّ سخط من ذلك يكون الطعن عليه حيث انّه لم يرض بما في شريعته و بما أنزله تعالى عليه في كتابه في قوله: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع( ١ ) . كما ان الوجه في جعل خبر ابن عباس دفع الطعن عن عمر في عدم توليته لأقارب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الظاهر لئلا يأخذوا الخمس من الغنائم، و في الباطن لئلا يوجب ذلك انتقال الأمر اليهم، ففي العقد الفريد: قال أبو بكر بن أبي شيبة: كان ابن عباس من أحب الناس الى عمر و كان يقدمه على الأكابر من الصحابة و لم يستعمله قط، فقال له يوما: كدت أستعملك و لكن أخشى أن تستحل الفي‏ء على التأويل، فلما صار الأمر الى عليعليه‌السلام استعمله على البصرة، فاستحل الفي‏ء على تأويل قوله تعالى: و اعلموا انّما غنمتم من شي‏ء فانّ للّه خمسة و للرسول و لذي القربى( ٢ ) استحله من قرابته من الرسول.

و في (المروج): ان عمر أرسل الى ابن عباس و قال له: ان عامل حمص هلك، و كان من أهل الخير، و هم قليل و قد رجوت ان تكون منهم، و في نفسي منك شي‏ء لم أره منك و أعياني ذلك، فما رأيك في العمل؟ قال: لن أعمل حتى تخبرني بالذي في نفسك. قال: و ما تريد من ذلك؟ قال: أريده فان كان شي‏ء أخاف منه على نفسي خشيت منه عليها الّذي خشيت، و ان كنت بريئا من مثله علمت أني لست من أهله، فقبلت عملك هنالك، فاني قلما رأيت أو ظننت شيئا إلاّ عاينته. فقال: يا ابن عباس ان يأتي عليّ الّذي هو آت و أنت في عملك فتقول هلم

____________________

(١) النساء: ٣.

(٢) الانفال: ٤١.

٩٤

الينا و لا هلم اليكم دون غيركم.

الى أن قال: قال له عمر فأشر عليّ. قال: أرى أن تستعمل صحيحا منك صحيحا لك( ١) .

ثم الظاهر ان الجعل كان بعد وفاة ابن عباس زمان المروانيين، و لم يجترئوا على جعل مثله في حياته بدليل انّه لم ينقل طعن أحد فيه بذلك، مع كون معاوية و خواصه بصدد الطعن عليه و على باقي بني هاشم بما استطاعوا، بل نرى ان ابن عباس طعن في عمّال معاوية بالخيانة، و انه و باقي عمّال أمير المؤمنينعليه‌السلام من أمثاله كانوا في غاية رعاية الأمانة.

فروى ابن عبد ربه الّذي روى خبر خيانته في كتاب أجوبة (عقده) انّه اجتمعت قريش الشام و الحجاز عند معاوية و فيهم ابن عباس و كان جريئا على معاوية حقارا له فبلغه عنه بعض ما غمّه، فقال معاوية: رحم اللّه أبا سفيان و العباس كانا صفين دون الناس، فحفظت الميت في الحي و الحي في الميت، استعملك عليّ يا ابن عباس على البصرة، و استعمل أخاك عبيد اللّه على اليمن، و استعمل أخاك قثما على المدينة، فلما كان من الأمر ما كان هنأتكم ما في أيديكم، و لم أكشفكم عمّا وعت غرائركم، و قلت: آخذ اليوم و اعطي غدا مثله، و قلت: ان بدأ اللؤم يضر بعاقبة الكرم و لو شئت لأخذت بحلاقيمكم و قيأتكم ما أكلتم، و لا يزال يبلغني عنكم ما لا تبرك له الابل، و ذنوبكم الينا أكثر من ذنوبنا اليكم، خذلتم عثمان بالمدينة و قتلتم أنصاره يوم الجمل و حاربتموني بصفين، و لعمري لبنو تيم و عدي أعظم ذنوبا منّا اليكم إذ صرفوا عنكم هذا الأمر و سنوا فيكم هذه السنة، فحتى متى أغضى الجفون على القذى و أسحب الذيول على الأذى و أقول لعل و عسى.

____________________

(١) مروج الذهب ٢: ٣٢١.

٩٥

فتكلم ابن عباس الى ان قال: و لكن من هنأ أباك بأخاء أبي أكثر ممن هنأ أبي باخاء ابيك، نصر ابي أباك في الجاهلية و حقن دمه في الاسلام.

و أما استعمال عليعليه‌السلام إيانا فلنفسه دون هواه، و قد استعملت أنت رجالا لهواك لا لنفسك، منهم ابن الحضرمي على البصرة فقتل، و بسر بن ارطأة على اليمن فخان، و حبيب بن مرة على الحجاز فرد، و الضحاك بن قيس الفهري على الكوفة فحصب، و لو طلبت ما عندنا لو قينا أعراضنا، و ليس الّذي يبلغك عنّا بأعظم من الّذي يبلغنا عنك، و لو وضع أصغر ذنوبكم على مائة حسنه لمحقها، و لو وضع أدنى عذرنا على مائة سيئة اليكم لحسنها، و أما خذلاننا عثمان فلو لزمنا نصره لنصرناه، و أما قتلنا أنصاره يوم الجمل فعلى خروجهم مما دخلوا فيه، و أما حربنا إيّاك بصفين فعلى ترك الحق و ادعائك الباطل، و اما اغراؤك ايانا بتيم و عدي فلو أردناها ما غلبونا عليها، و سكت، فقال في ذلك ابن أبي لهب:

كان ابن حرب عظيم القدر في الناس

حتى رماه بما فيه ابن عباس

ما زال يهبطه طورا و يصعده

حتى استقاد و ما بالحقّ من باس

لم يتركن خطة مما يذلله

الاكواه بها في فروة الراس( ١)

و أما ما قاله ابن أبي الحديد في ترجمة ابن الزبير خطب ابن الزبير فقال: ان ها هنا رجلا قد أعمى اللّه قلبه كما أعمى بصره، يزعم ان متعة النساء حلال من اللّه و رسوله، يفتي في القملة و النملة، و قد احتمل بيت مال البصرة بالأمس، و ترك المسلمين يرتضخون النوى الى أن قال في جواب ابن عباس له أما حملي المال فانه كان مالا جبيناه و أعطينا كلّ ذي حق حقّه و بقيت بقية دون حقنا في كتاب اللّه فأخذنا بحقنا، و أما المتعة فاسأل امك اسماء عن بردي

____________________

(١)

٩٦

عوسجة. فمع ارساله خبر دخيل، فان اسماء لم تكن زوجة الزبير متعة بل دواما، و انما كان ابن الزبير طعن في ابن عباس بمتعة الحج لكون عمر نهى عنها، فرد عليه ابن عباس بما قال من ان أباه و امه حجّا تمتعا و تمتع أبوه من امه بعد العمرة( ١) .

و المسعودي روى الخبر بدون ذكر من بيت المال، كما انّه قال: قال ابن الزبير «يفتون في المتعة» ثم حملها على متعة الحج لكون نكاح أسماء دواما، ورد على من حمله على متعة النساء. و بالجملة خبر خطبة ابن الزبير لم يكن فيه اسم من بيت المال كمتعة النساء( ٢) .

و كيف كان فالعنوان كلامهعليه‌السلام كان أم لا نشرحه لكونه من النهج.

«أما بعد فاني كنت أشركتك في أمانتي» قال ابن أبي الحديد: سمّىعليه‌السلام الخلافة كما سمّى اللّه تعالى التكليف أمانة في قوله إنّا عرضنا الأمانة( ٣) .

قلت: بل كما سمّى اللّه تعالى الخلافة أيضا أمانة في قوله ذاك، ففسر عترتهعليهم‌السلام «انا عرضنا الأمانة» بالخلافة، و قوله و حملها الانسان انه كان ظلوما جهولا( ٤ ) بالمتصدين لها بغير حق( ٥) .

«و جعلتك شعاري» الشعار ما ولي الجسد من الثياب «و بطانتي» أي:

وليجتي.

____________________

(١) شرح ابن ابي الحديد ٢٠: ١٢٩.

(٢) مروج الذهب ٣: ٨١.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٦٨. و الآية ٧٢ من سورة الأحزاب.

(٤) الاحزاب: ٧٢.

(٥) رواه الصفار في البصائر: ٩٦ ح ٣، و ابن طاووس في سعد السعود: ١٢٢، عن الباقرعليه‌السلام و الكليني في الكافي ١: ٤١٣ ح ٢، و الصفار في البصائر: ٩٦ ح ٢، و الصدوق في معاني الأخبار: ١١٠ ح ٢، و محمد بن العباس في تفسيره عنه تأويل الآيات ٢: ٤٧٠ ح ٤٠ عن الصادقعليه‌السلام و الصدوق في المعاني: ١١٠ ح ٣، و العيون ١: ٢٣٨ ح ٦٦ عن الرضاعليه‌السلام .

٩٧

«و لم يكن رجل من أهلي» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «و لم يكن في أهل رجل» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ١) .

«أوثق منك في نفسي لمواساتي و مؤازرتي» و الوزر الملجأ، و الأصل فيه الجبل، قال الشاعر:

و أخوان اتخذتهم دروعا

فكانوها و لكن للأعادي

و خلتهم سهاما صائبات

فكانوها و لكن في فؤادي

و قالوا قد صفت منا قلوب

لقد صدقوا و لكن من ودادي

«و اداء الأمانة الي فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب» من «كلب الشتاء» اشتد برده، و قال الشاعر:

لما رأت أبلى قلّت حلوبتها

و كل عام عليها عام تجتنب

«و العدو قد حرب» من حرب الرجل: اشتد غضبه، و قال ثابت قطنة:

و صار كلّ صديق كنت آمله

البا علي ورثّ الحبل من جاري

«و أمانة الناس قد خزيت» أي: ذلت و هانت «و هذه الامة قد فتكت» أي:

تجرأت علي «و شغرت» أي: يدعيها كلّ أحد، من «بلدة شاغرة برجلها» اذا لم تمتنع من غارة أحد، و قد عرفت ان (العقد) رواه «و هذه الامة قد فتنت».

و في الخبر المستفيض ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له: «ان الامة ستغدر بك بعدي»( ٢) .

«قلبت لابن عمك ظهر المجن» أي: الترس، و قلب ظهر المجن كناية عن الحرب مع من تحارب عنه.

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٦٧، و شرح ابن ميثم ٥: ٨٧ و ٨٨.

(٢) أخرجه جمع منهم الحاكم في المستدرك ٣: ١٤٠ و ١٤٢، و البخاري في تاريخه ١: ق ١٧٤٢، و الخطيب في تاريخ بغداد ١١: ٢١٦.

٩٨

و في (كامل المبرد): كتب الحجاج الى المهلب في حرب الخوارج: انك أقبلت على جباية الخراج و تركت قتال العدو، و اني وليتك و أرى مكان عبد اللّه بن حكيم المجاشعي، و عباد بن الحصين الحبطي، و اخترتك و أنت من أهل عمان، ثم رجل من الأزد فالقهم يوم كذا في مكان كذا، و الا أشرعت اليك صدر الرمح.

فكتب إليه المهلب: ورد عليّ كتابك تزعم اني اقبلت على جباية الخراج و تركت قتال العدو، و زعمت انك وليتني، و أنت ترى مكان عبد اللّه و عباد، و لو وليتهما لكانا مستحقين لذلك في فصلهما و غنائهما و بطشهما، و اخترتني و أنا رجل من الأزد، و لعمري ان شرا من الأزد لقبيلة تنازعها ثلاث قبائل لم تستقر في واحدة منهن، و زعمت اني ان لم ألقهم في يوم كذا في مكان كذا أشرعت إليّ صدر الرمح، فلو فعلت لقلبت اليك ظهر المجن( ١) .

«ففارقته مع المفارقين و خذلته مع الخاذلين و خنته مع الخائنين» قال البحتري:

حاربتني الأيام حتى لقد أصبح

حربي من كنت أعتد سلمي

أيضا:

و كنت أرى عاصما عاصما

من الخطب أرهب أعضاله

و في (العقد): لما أراد عبد اللّه المسير من البصرة دعا أخواله بني هلال بن عامر بن صعصعة ليمنعوه، فجاء الضحاك بن عبد اللّه الهلالي، فأجاره و معه رجل منهم يقال له رزين بن عبد اللّه و كان شجاعا بئيسا فقالت بنو هلال: لا غنى بنا عن هوازن، و قالت هوازن: لا غنى بنا عن بني سليم، ثم أتتهم قيس، فلما رأى اجتماعهم له حمل ما كان في بيت مال البصرة و كان فيما

____________________

(١) كامل المبرد ٨: ٧٦.

٩٩

زعموا ستة آلاف ألف، فجعله في الغرائر، فحدثني الأزرق اليشكري قال:

سمعت أشياخنا من أهل البصرة قالوا: لما وضع المال في الغرائر ثم مضى به تبعته الأخماس كلّها بالطف على أربع فراسخ من البصرة فواقعوه، فقالت لهم قيس: و اللّه لا تصلوا الينا و عين منا تطرف. فقال ضمرة و كان رئيس الأزد:

و اللّه ان قيسا لاخواننا في الاسلام، و جيراننا في الدار، و أعواننا على العدو، ان الّذي يذهبون به لورد عليكم لكان نصيبكم منه الأقل، و هم خير لكم من المال.

قالوا: فما ترى؟ قال: انصرفوا عنهم. فقال بكر بن وائل و عبد القيس: نعم الرأي رأي ضمرة و اعتزلوهم، فقالت بنو تميم: و اللّه لا نفارقهم و نقاتلهم عليه، فقال الأحنف: أنتم و اللّه أحق ألا تقاتلوهم، و قد ترك قتالهم من هو أبعد رحما منكم، قالوا: و اللّه لنقاتلنهم. فقال: و اللّه لا نشايعكم على قتالهم و انصرف عنهم الى أن قال حتى قدموا الحجاز، فنزل مكة فجعل راجز لابن عباس يسوق له في الطريق و يقول:

صبحت من كاظمة القصر الخرب

مع ابن عباس بن عبد المطلب

و جعل ابن عباس يرتجز و يقول:

آوي الى أهلك يا رباب

آوي فقد حان لك الاياب

و يقول:

و هن يمشين بنا هميسا

ان يصدق الطير ننك لميسا

فقيل له أمثلك يرفث في هذا الموضع. قال: انما الرفث ما يقال عند النساء الخ.

«فلا ابن عمك آسيت و لا الأمانة أديت» كتب ابراهيم الصولي الى ابن الزيات:

و كنت أخي باخاء الزمان

فلما نبا صرت حربا عوانا

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

قاعدٌ أعمى، فلمّا فرغ الثاني قال الشيخ: من جاء أوّلا فليقرأ. وهذا من أحسن ما وقع لشيوخ هذه الطّائفة بل لا أعلم مثله وقع في الدّنيا. مفتاح السّعادة ١: ٣٨٨.

قال الأميني: ليس الأمر كما حسبه الجزري من أنَّ هذه الحالة من خاصّة الشاطبي وما وقع مثلها في الدّنيا، وقد أسلفنا ذكر جماعة حسبوا انّهم كانوا يخبرون عن الضمائر ويعلمون المغيّب، وكأنّ القوم إتّخذوا المغيّبات اُلعوبة يطلُّ عليها كلُّ أعمى أو بصير أو انَّ الغلوَّ في الفضائل أسفَّ بهم إلى هذه الهوَّة.

_ ٧٧ _

الحشرات تنحدر فى الوادى

قال عمر بن علي السّرخسي: كنت مراهقاً وقت موت الوخشي(١) الحافظ أبي علي الحسن بن علي البلخي فحضرته فلمّا وضع في القبر سمعنا صيحة فقيل: خرجت الحشرات من المقبرة وكان في طرقها وإذا انحدرت إليه وأبصرت العقارب والخنافس وهي منحدرةٌ في الوادي والنّاس ما يتعرّضون لها.

ذكره الحافظ الذّهبي في تذكرة الحفّاظ ٣: ٣٤٤.

قال الأميني: دع الحشرات تنحدر، وانظر إلى عقل هذا الحافظ راوي هذه المهزأة فإنّه يخبت إلى مثل هذه الاسطورة ويراها مدحاً لرجال قومه، فما بال العقارب و الخنافس لم تغادر مقبرة المدينة الطيّبة وبقيعها الغرقد ومسجدها الأعظم ولم تنحدر إلى الوادي وكأنّها أنست بها، غير انَّ حشرات مقبرة الوخشي تفرُّ عنه؟! هذا عقل الذهبيّ وروايته وتراه لمـّا يقف على منقبة من مناقب مولانا أمير المؤمنين ولم ترقه ولا يجد في سندها ومتنها غمزاً يتخلّص منها بقوله: إنَّ في نفسي منها شيئاً. راجع تلخيص المستدرك.

_ ٧٨ _

اليونينى يمشى فى الهواء

قال الحافظ ابن كثير في تاريخه ١٣: ٩٤: ذكروا انَّ - الشيخ عبد الله اليونيني المتوفّى ٦١٧ - كان يحجُّ في بعض السّنين في الهواء، وقد وقع هذا لطائفة كبيرة من

____________________

١ - نسبة إلى وخش: قرية من أعمال بلخ.

١٨١

الزهّاد وصالحي العباد، ولم يبلغنا هذا عن أحد من أكابر العلماء، واوَّل من يذكر عنه هذا حبيب العجمي، وكان من أصحاب الحسن البصري ثمَّ من بعده من الصّالحين رحمهم الله اجمعين.

قال الأميني: ليس بعجيب من ابن كثير أن يخبت إلى أمثال هذه الأعاجيب، و يشوّه بها صحيفة تاريخه، ويرتفع صخبه متى وقف على منقبة من مناقب اهل البيت عليم السّلام هي أدنى من هذه الموهومات التي يمجّها الإعتبار، ويحيلها العقل، لكن الحبّ والبغض يُعميان كما انَّهما يصمّان.

_ ٧٩ _

الحضرمى يعلم النحو بالاجازة

قال ابن العلماء الحنبلي في شذرات الذّهب ٥: ٣٦١: للشّيخ اسماعيل الحضرمي المتوفّى ٦٧٨ كرامات، قال المطري: كادت تبلغ التواتر منها. انَّ ابن المعطي قيل له في النّوم: إذهب إلى الفقيه اسماعيل الحضرمي واقرأ عليه النحو فلمّا انتبه تعجّب لكون الحضرمي لا يحسنه ثمَّ قال: لا بدَّ من الإمتثال فدخل عليه وعنده جمعٌ يقرؤن الفقه فبمجرَّد رؤياه قال: أجزتك بكتب النَّحو فصار لا يطالع فيه شيئاً إلّا عرفه بغير شيخ.

قال الأميني: خذ العلم من أفواه الرِّجال أو من إجازاتهم، ما أكثر ما سمعنا التعلّم بالدّراسة، ولكن هل سمعت اذناك تعلّماً باجازة أو تزريقاً للعلم بكلمة واحدة؟ وهل سمعت اكرومة مثلها عن أحد من الرُّسل؟ أو أنَّها فضيلة اختصّ بها الحضرميُّ؟ ولم يتح مثله لأيّ أحد حتّى انَّ النبيَّ الأعظم لم يعلّم عمر بن الخطاب الكلالة بالإجازة وكان يقول: أراك لم تعلمها. ويقول لبنته حفصة: أرى أباك لم يعلمها. إلى مئات من مجهولات الخليفة التي لم يتوفّق لاستكناهها باشراق، أو اجازة، أو دراسة، مع حاجته الماسّة إليها يوم تسنّم عرش الخلافة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان غير عازب عن علمهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحاجة الاُمّة إليها، ولم تكن تلكم المجهولات كعلم النحو الذي لا تقوم به دعامة الاسلام و القضاء والفتيا، أضف إليه أخاه يوم المؤاخاة الخليفة الأوّل، وما أكثر مجهولاته وما خفي عليه من معالم الدين وأحكام الشَّريعة؟ وليت باب التعليم بالاجازة كان مفتوحاً منذ

١٨٢

عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويعلّمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثالث الخلفاء الرّاشدين عثمان معالم دينه، ولم تك تشوّه صفحات الفقه الإسلامي بآراءه الشاذّة عن الكتاب والسنّة.

_ ٨٠ _

الحضرمى وأصحاب القبور

ذكر السبكيُّ في طبقاته ٥: ٥١، واليافعيُّ في رياضه ص ٩٦ عن اسماعيل الحضرميّ المذكور: انّه مرَّ على بعض المقابر في بلاد اليمن فبكى بكاءاً شديدا، وعلاه حزن وترح، ثمَّ ضحك ضحكاً حميداً، وعلاه في الحال سرورٌ وفرحٌ، فتعجّب النّاس الحاضرون هنالك وسألوه عن ذلك فقال رضي الله عنه: كشف لي عن أهل هذه المقبرة فرأيتهم يعذَّبون فحزنت وبكيت لذلك، ثمّ تضرّعت إلى الله سبحانه وتعالى فيهم فقيل لي: قد شفعناك فيهم فقالت صاحبة هذا القبر: وأنا معهم يا فقيه اسماعيل! أنا فلانة المغنّية. فضحكت وقلت: و أنت معهم. ثمّ انّه أرسل إلى الحفّار وقال: مَن في هذا القبر القريب العهد؟ قال: فلانة المغنّية التي تشفّع لها الشّيخ نفع الله تعالى بها.

قال الأميني: أنا لا أدري بايّها أعجب؟ أبدعوى الحضرميِّ إطّلاعه على عالم البرزخ وقبول شفاعته في أهل تلك الجبّانة حتّى في المغنّية؟ أم باطّلاع الحفّار على ذلك السرِّ المصون؟ أم بوقوف المغنّية على تلك الشّفاعة والتشفّع في الحين، ومفاوضتها مع الفقيه في أمرها وهي في قبرها، من دون أيّ سابقة تعارف بينهما؟ وإذا كان الكلّ لم يقع فلا تمايز بين الأعدام، وإنّما العجب من بخوع الأعلام بمثل هذه الأوهام.

_ ٨١ _

ردّ الشمس لاسماعيل الحضرمى

أسلفنا في الجزء الخامس صفحة ٢١ وقوف الشّمس لاسماعيل الحضرمي يوم قال لخادمه وهو في سفر: قل للشّمس تقف حتّى نصل إلى المنزل. فوقفت حتّى بلغ مقصده ثمّ قال للخادم: أما تطلق ذلك المحبوس؟ فأمرها الخادم بالغروب فغربت وأظلم اللّيل في الحال.

ذكرها كما مرّ السبكيُّ في طبقاته ٥: ٥١، واليافعيُّ في مرآته ٤: ١٧٨، وابن

١٨٣

العماد في شذراته ٥، ٣٦٢، وابن حجر في الفتاوي الحديثيّة ص ٢٣٢.

لعلّ شرع الهوى يسوِّغ للإنسان زخرف القول، وأن يفوه بما شاء وأراد، وأن ينسلب عن عقله ويكيل كيل المعتوهين، أعوذ بالله من الغلوّ في الفضائل.

_ ٨٢ _

الدلّاوى يرضع طفلاً

قال اليافعي في مرآت الجنان ٤ ص ٢٦٥: كان عند السيّد أبي محمّد عبد الله الدلّاوي المتوفّى ٧٢١ - طفلٌ غابت امُّه عفه فبكى فدرّ ثديه باللبن فأرضع ذلك الطفل حتّى سكت.

لست أدري ما قيمة أمثال هذه الكتب التاريخيّة المشحونة بأمثال هذه الاُضحوكة، وهي السّائرة الدائرة في الملأ العلميّ يعوّل عليها ويؤخذ منها.

_ ٨٣ _

شمس الدين الكردى يواصل اسبوعاً

قال ابن العماد الحنبليّ في شذرات الذّهب ٧: ٨٩٣: كان شمس الدين محمّد بن إبراهيم بن عبد الله الكردي القدسيّ نزيل القاهرة الشافعيّ المتوفّى ٨١١ يواصل الاسبوع كاملاً، وذكر انَّ السّبب فيه أن تعشّى مع أبويه قديماً فأصبح لا يشتهي أكلاً، فتمادى على ذلك ثلاثة أيّام، فلمّا رأى أنّه له قدرة على الطيّ تمادى فيه أربعيناً، ثمَّ اقتصر على سبع، وكان فقيهاً، وكان يذكر أنّه يقيم أربعة أيّام لا يحتاج إلى تجديد وضوء.

قال الأميني: الطبع البشريُّ لا يطيق المثابرة على الجوع أربعين يوماً ولا اُسبوعاً، كما انّه لا يطيق على السّهر أربعاً، ولعلَّ الفقيه الكردي كانت له نظريّة خاصّة في مبطلات الوضوء، أو المغالاة في الفضائل كانت تخلق له هذه كلّها.

_ ٨٤ _

الشاوى يستمهل للميت

ذكر المناوي في طبقاته قال: كان أحمد بن يحيى الشّاوي اليمنيُّ المتوفّى ٨٤١ كبير القدر سريّاً، رفيع الذّكر سنيّاً، صاحب أحوال وكرامات منها: انّه قصده جمعٌ من الزيديّة ممّن لا يثبت الكرامات، وقصدوا امتحانه وكان عنده جبُّ فيه ماء، فجعل

١٨٤

يغرف منه تارةً لبناً، وتارةً سمناً، واُخرى عسلاً، وغير ذلك بحسب ما اقترحوا عليه.

ودخل على القاضي عثمان بن محمّد الناشري وقد أرجف بموته، ثمَّ خرج وعاد إليه وقال لأهله: قد استمهلت له ثلاث سنين، فأقام القاضي بعدها ثلاث سنين لا تزيد ولا تنقص. شذرات الذَّهب ٧: ٢٤٠.

قال الأميني: أنا لا أدري انَّ الشّاوي هل ردَّ أجلاً جاءكما هو ظاهر قوله: وقد أرجف بموته.

وفي الذّكر الحكيم: إذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون؟ أو أنّه موَّه على آل القاضي بازوف أجله وأنّه استمهل له إلى منتهى ثلاثة أعوام؟ وحسبه الإفك الشائن عندئذ، ومن ذا أعلمه انّه يرجأ إلى منصرم سنين الثلاث؟ و لعلَّ علمه بذلك كان مدَّخراً في الجبّ الذي كان يغرف منه العسل طوراً، واللبن تارة، والسّمن مرّة، والماء اُخرى، وهذه المخازي خامسة، ولا بأس عليه فإنّ البئر بئره والماء ماءه، يغترف منها ما يشاء.

فإنَّ الماء ماء أبي وجّدي

وبئري ذو حفرت وذو طويت

_ ٨٥ _

امام يعلم حوائج زائريه وهو فى قبره

قال إبن العماد في شذرات الذهب ٧: ٢٩٢: توفّي أبو القاسم محمّد بن ابراهيم من بيت بني جمعمان سنة ٨٥٧ وكان إماماً مجتهداً وانتهت اليه الرّياسة في العلم والصّلاح في اليمن وله كرامات منها:

انّه كان يخاطبه الفقيه أحمد بن موسى عجيل من قبره، وإذا قصده أحدٌ في حاجة توجّه الى قبره فيقرأ عنده ما تيسّر من القرآن ثمَّ يُعلمه فيجيبه.

قال الأميني: زَلّة العالم يُضرب بها الطبل، وزَلّة الجاهل يخفيها الجهل.

_ ٨٦ _

حُكي انَّ السّيد يحيى بن السّيد بهاء الدين الشّرواني الحنفيّ المتوفّى ٧٦٨ كان لم يأكل طعاماً في آخر عمره مقدار ستّة أشهر(١) .

____________________

١ - شذرات الذهب: ٧: ٣٠٩.

١٨٥

قال الأميني: حبّذا لو قبلته الطبيعة البشريّة، وخضع له العقل السليم، لكنّك تعلم....

_ ٨٧ _

شيخ يأكل بقرة

قال المناوي في طبقاته في ترجمة ابراهيم بن عبد ربّه المتوفّى ٨٧٨: أخذ عن الشّيخ محمّد الغمري، والشيخ مدين، قال: دخل مرَّة بيت الشيخ مدين في مولده فأكل طعام المولد كلّه. وأكل مرَّة لحم بقرة كاملة ثمَّ طوى بعدها سنة، و من كراماته ما حكاه الشّيخ أمين الدين إمام جامع الغمري انّه قال له: بعدك نسائل في مُهمّاتنا مَن؟ قال: مَن بينه وبين أخيه ذراع من تراب، فاسألني اُجيبك، فمرضت بنته فالتمسوا لها بطّيخة فما وجدت فجاء إلى قبره وقال: الوعد ثمَّ رجع بعد العشاء فوجد في سلّم بيته بطّيخة لم يعلم من أين جاءت. شذرات الذهب ٧: ٣٢٣.

قال الأميني:

وصاحبٌ لي بطنه كالهاويه

كأنّ في أحشاءه معاويه

أنا في حيرة بين محالات ثلاث: أكل الشيخ البقرة كاملة، وانطوائه على الجوع سنة، وإعطائه البطّيخ وهو تحت أطباق الثّرى، ولعلّه كان بينه وبين إبن أبي سفيان آصرة رحم فأتاه ناموس الوراثة عند أكل البقرة من هنالك، ولكنّي لا أدري من أين أتته الوراثة في الصّبر على الطّويّ سنة، ولم يكن يطيقه معاوية، ولا يطيقه أيُّ انسان و إن أكل عشرات من البقرة، فانّه يهلك قبل عشر من معشار هذه المدّة، ولعلّك تقول: إنَّ من المحتمل إنّه كان مصاباً بدعوتين له وعليه فاجيبتا، وأكلَ الشّيخ وصبر، لكنّ حديث البطّيخة أنا لا أعرف منشأه ومبتداه كما أنّي أجهل خبره.

_ ٨٨ _

خمر بلدة صارت خلّاً

نشأ داود بن بدر الحسيني المتوفّى ٨٨١ بشرافات من أعمال الفدس، وكان أهلها كلّهم نصارى ليس فيهم مسلمٌ إلّا الشّيخ وأهل بيته، وكانت حرفة أهل القرية عصر العنب وبيعه فشقَّ ذلك عليه، فتوجّه بسببهم فصار كلّ شيء عملوه خلّاً وماءً وعجزوا

١٨٦

فارتحلوا منها، ولم يبق فيها إلّا الشيخ وجماعته(١) .

قال الأميني: ما ظنّك ببيئة لم تكن فيها حرفة إلّا عصر العنب وبيعه؟ وكيف كانت تغني هذه الحرفة أهل تلك القرية عن ساير المكاسب؟ وهل تنحصر حرفة النّصارى بعصر العنب وبيعه، ولا يوجد منهم ذو حرفة آخرى؟ وهل كان الشيخ واهل بيته يديرون كلّ تلكم المكاسب والمهن التي تحتاج اليها كلّ جامعة بشريّة؟

_ ٨٩ _

أبو المعالى يحيى ويميت

قال الإمام أبو محمّد ضياء الدين الوتري في [ روضة الناظرين ] ص ١١٢ في ترجمة السّيد محمّد أبي المعالي سراج الدّين الرّفاعي المتوفّى ٨٨٥: انّه مسَّ بيده المباركة ظهر رجل أحدب فقوَّم الله تعالى إحديدابه، وصار على أحسن تقويم كأن لم يكن به إحديداب قبل ذلك أبداً.

وقال: مرَّ في الشّام بغلام ذبّاح ذبح شاةً ووضع السكّين في فيه وكان الغلام على طائفة من الحسن والجمال فلمّا رآه وقف عنده والشّاة تختبط مذبوحةً وقد قرب خروج روحها فقال للذبّاح:

يا واضع السكّين بعد ذبيحه

في فيه يسقيها رحيق لهاته

ضعها بجرح الذّبح ثاني مرَّة

وأنا الضّمين له بردّ حياته

فأشار إلى الذبّاح اتباع سيّدنا السيّد السرّاج قدّس سرّه بإعادة السكّين إلى الجرح، فأعادها، فانتفضت الشّاة سليمة لا جراحة فيها ولا ذبح بإذن الله.

وقال: وممّا حدَّثنا به الجمُّ الغفير من الثّقات أنَّ رجلاً ممّن ينتمي إلى السّيادة ببلدة هيت اسمه كبش اشتهرت به في هيت خرقة الطريقة القادريّة، وكان من الأدب مع أهل الله بمعزل، فكان كثيراً ما يسيء فقراء الطرق السائرة وبالخاصّة الأحمديّة(٢) فعاتبه بالواسطة سيّدنا السيّد سراج الدّين ونصحه فأغلظ الجواب فكتب له السيّد السرّاج كتاباً وأرسله مع جماعة من أهل هيت كتب فيه مصرّحاً بغوثيّة عصره ما هو بحروفه:

____________________

١ - شذرات الذهب ج ٧.

٢ - أراد بها الرفاعية أتباع السيد أحمد الرفاعي.

١٨٧

لِلَّه في هذا الورى خاتمٌ

تجري المقادير على نقشه

في نوعه من سرِّه حالةٌ

تستنزل الجبّار عن عرشه

يفيض من فيض إله الورى

وبطشه يظهر من بطشه

وإن طغا بالكبش لحم الكلا

يدخل رأس الكبش في كرشه

فلمّا وصله الكتاب ضحك وقرأه لأصحابه علناً فلمّا قرأ البيت الأخير وأتمّه سقط في الحال ميّتاً.

قال الأميني: كلامٌ شعريٌّ حسن، والشّعراء يتّبعهم الغاوُن، ألم تر أنّهم في كلِّ وادٍ يهيمون؟ انّهم يقولون ما لا يفعلون، كبرت كلمة تخرج من أفواهم إن يقولون إلّا كذبا.

_ ٩٠ _

تطور أبى على ليلا ونهاراً

قال المناوي في طبقاته في ترجمة أبي علي حسين الصّوفي المتوفّى ٨٦١: كان كثير التطوُّر يدخل عليه إنسانٌ فيجده سبعاً، ثمَّ يدخل عليه آخر فيجده جنديّاً، ثمَّ يدخل عليه آخر فيجده فلاّحاً، أو فيلاً وهكذا. وقال آخرون: كان التطوّر دأبه ليلاً ونهاراً حتّى في صورة السّباع والبهائم، ودخل عليه أعداؤه ليقتلوه فقتلوه فقطّعوه بالسّيوف ليلاً، ورموه على كوم بعيد، فأصبحوا فوجدوه قائماً يصلّي بزاويته، ومكث بخلوة في غيطٍ خارج باب البحر أربعين سنة لا يأكل ولا يشرب. شذرات الذَّهب ٧: ٢٥٠.

قال الأميني: من لي بمعتوهٍ يصدَّق هذه الأفائك؟ متى سمعت بإنسان يتطوَّر بصور الكواسر والبهائم كالشياطين التي تتشكّل بأشكال مختلفة حتّى الكلب والخنزير؟ أو رجل حيَّ بعد ما قطّع بالسّيوف إرباً إربا؟ أو بشرٍ عاش على الطويّ أربعين عاماً؟ هذه هي الحقيقة الراهنة لكن علماء الاُمّة قالوا قولاً في أوليائها ولا سبيل إلى ردِّه، لأنّه قول عالم في وليّ.

_ ٩١ _

السيوطي رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقظة

قال ابن العماد في شذرات الذهب ٨: ٥٤: ذكر الشيخ عبد القادر الشاذلي في

١٨٨

كتاب ترجمته: أنَّ جلال الدين السُّيوطي كان يقول رأيت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقظةً فقال لي: يا شيخ الحديث! فقلت له: يا رسول الله! أمن أهل الجنّة أنا؟ قال: نعم. فقلت: من غير عذاب يسبق؟ فقال: لك ذلك.

وقال الشّيخ عبد القادر: قلت له: كم رأيت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقظة؟ فقال: بضعاً وسبعين مرَّة.

قال الأميني: لا يحلّ هذه المشكلة إلّا راءٍ آخر لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقظة كما رآه السيّوطي فيسأله عن هذه الدّعوى، فيخبره انَّ السيوطي كذب عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بضعاً وسبعين كذبة. أو يُوافي رجلاً من المتنعّمين في الجنّة فيسأل عن مبوَّء السُّيوطي منها فيقول: أنا قطّ ما رأيته. وأمّا إذ لم يتأتّيا فإنّا نحيل الحكم في هذه القصَة إلى العقل السّليم لا إلى الغلاة في الفضائل، هذه رؤية القوم النبيّ يقظة، وأمّا رؤيتهم في المنام فتربو على المئات، قال ابو عبد الله بن خفيف: سألت أبا جعفر الكتاني كم مرّة رأيت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام؟ فقال: كثيراً. فقلت: يكون الف مرّة؟ فقال: لا. فقلت: فتسعمائة؟ فقال لا. قلت: فثمانمائة مرَّة؟ فقال: لا؟ قلت: فسبعمائة؟ مرَّة؟ فقال: بيده هكذا أي قريباً منه.[ حلية الأولياء ١٠: ٣٤٣ ].

وجمع محمّد بن محمّد الزّواوي البجائي مناماته في جزء وفيها أزيد من مائتي رؤيا رأى فيها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيها عجائب وغرائب [ نيل الابتهاج ص ٣٢٢ ] وإن تعجب فعجبٌ ما جاء به الزّواوي في مناقب مالك ص ١٧ قال قال المثنى بن سعيد القصيري: سمعت مالكاً يقول: ما بتُّ ليلة إلّا رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

_ ٩٢ _

السيوطي وطيّ الارض

ذكر محمّد بن علي الحبّاك خادم الشّيخ جلال الدّين السّيوطي المتوفّى ٩١١: إنَّ الشيخ قال له يوماً وقت القيلولة: وهو عند زاوية الشّيخ عبد الله الجيوشي بمصر بالقرافة: أتريد أن تصلّي العصر بمكّة بشرط أن تكتم ذلك عليَّ حتّى أموت؟ قال: فقلت: نعم. قال: فأخذ بيدي وقال: غمّض عينيك فغمضها فرحل بي نحو سبع وعشرين خطوة ثمَّ قال لي: افتح عينيك فإذا نحن بباب المعلّاة فزرنا اُمّنا خديجة، والفضل

١٨٩

بن عياض، وسفيان بن عيينة، وغيرهم، ودخلت الحرم فطفنا وشربنا من ماء زمزم، وجلسنا خلف المقام حتّى صلّينا العصر، وطفنا وشربنا من ماء زمزم ثمَّ قال لي: يا فلان! ليس العجب من طيِّ الأرض لنا، وإنَّما العجب من كون أحد من أهل مصر المجاورين لم يعرفنا، ثمَّ قال لي: إن شئت تمضي معي، وإن شئت تقيم حتّى يأتي الحاجّ؟ قال: فقلت: أذهب مع سيّدي، فمشينا إلى باب المعلّاة وقال لي: غمّض عينيك فغمضتها فهرول بي سبع خطوات ثمَّ قال لي: افتح: عينيك فإذا نحن بالقرب من الجيوشي، فنزلنا إلى سيّدي عمر بن الفارض.

أسلفنا هذه القصّة وجملة من لِداتها في الجزء الخامس ص ١٧ - ٢١ وفصّلنا القول هنالك تفصيلاً.

_ ٩٣ _

أبو بكر باعلوى يحيى الميت

لمـّا رجع أبو بكر بن عبد الله باعلوي المتوفّى ٩١٤ من الحجِّ دخل زيلع وكان الحاكم بها يومئذ محمّد بن عتيق فاتّفق انّه ماتت امّ ولد للحاكم المذكور وكان مشغوفاً بها فكاد عقله يذهب لموتها، فدخل عليه السيّد - باعلوي - لمـّا بلغه عنه من شدَّة الجزع ليعزِّيه ويأمره بالصّبر وهي مسجّاة بين يديه بثوب فعزّاه وصبّره فلم يفد فيه ذلك، وأكبّ على قدمي الشيّخ يقبّلهما وقال: لا سيّدي! إن لم يحي الله هذه متُّ أنا ايضاً، ولم يبق لي عقيدةٌ في أحد، فكشف السيّد عن وجهها وناداها باسمها فأجابته: لبّيك وردّ الله روحها، وخرج الحاضرون ولم يخرج السيّد حتّى أكلت مع سيّدها الهريسة وعاشت مدَّة طويلة.

شذرات الذّهب ٨: ٦٣، النّور السّافر ص ٨٤.

قال الأمينيّ: فليذهب مسيح بن مريم بخاصّته من إحياء الموتى باذن الله حيث شاء، فقد جاء باعلوي ونظراءه امّة كبيرة يشاركونه في المعجز، نعم: الفاصل بين المسيح وهؤلاء أربعة أصابع(١) وإنّا وإن لم نر معجز المسيحعليه‌السلام لكن أخذنا خبره ممّا هو

____________________

١ - اشارة إلى الحديث المعروف المروى عن مولانا أمير المؤمنين عليه ‌السلام : بين الحق و الباطل اربعة أصابع. الفاصلة بين العين والاذن.

١٩٠

أثبت من الرؤية ألا وهو القرآن الكريم، على حين انّه معتضدٌ بالإعتبار والبرهنة الصّادقة من لزوم نوع المعجز لمثل المسيح من الأنبياء والحجج من الّذين عصمهم الله من كلّ هوىً سائد وطهّرهم تطهيرا.

ونحن إلى الغاية لم نعرف سرّ إحياء السيّد باعلوي امّ ولد الحاكم، هل كان للتحفّظ على حياة الرَّجل وقد قال: إن لم يحي الله هذه متُّ أنا إيضاً؟. والرّائد لا يكذب. وكان المجتمع في حاجة ماسّة إلى حياته، أو كان لابقاءه في عقيدته. وكان في نزوعه عنها خسارة اُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ أو كان لكلا الأمرين مزدوجاً؟ وهل يعمّان هما كلّ من يدّعيهما في موت مَن يحبّه؟ أو يخصّان بالحاكم؟ أو يقصران على مَن شاء السيِّد باعلوي إحياءه؟ مشكلات لا تنحلّ.

_ ٩٤ _

ابو بكر باعلوى ينجى المستغيث

ذكر شمس الدّين العيدروسي في ( النّور السّافر ) ص ٨٤ عن الأمير مرجان انَّه قال: كنت في نفر من أصحاب لي في محطّة صنعاء الاولى فحمل علينا العدوّ فتفرَّق عنّي أصحابي وسقط بي فرسي لكثرة ما أثخن من الجراحات فدار بي العدوُّ حينئذ من كلِّ جانب فهتفت بالصّالحين، ثمَّ ذكرت الشَّيخ أبا بكر رضي الله عنه، وهتفت به فإذا هو قائمٌ، فوالله العظيم لقد رأيته نهاراً، وعاينته جهاراً، أخذ بناصيتي وناصية فرسي، وشالني من بينهم حتّى أوصلني المحطّة، فحينئذ مات الفرس ونجوت أنا ببركته رضي الله عنه ونفع به.

_ ٩٥ _

السروى يطير ويرسم للفأر

قال ابن العماد في شذرات الذّهب ٨: ١٨٧: توفّي شمس الدّين محمّد السّروي الشهير بابن الحمائل سنة ٩٣٢، وكان كثير الطّيران من بلد لآخر، وكان يغلب عليه الحال ليلاً، فيتكلّم بألسنة غير عربيّة من عجم وهند ونوبة وغيرها. إلى أن قال:

ومن كراماته: انّه شكى له أهل بلد كبير الفأر في مقات البطّيخ فقال لرجل: ناد في الغيط: رسم لكم محمّد بن أبي الحمائل أن ترحلوا، فلم يبق فيها فأر، فسأله أهل

١٩١

بلد آخر في ذلك فقال: الأصل الإذن ولم يفعل.

قال الأميني: تصكُّ الآذان مكرمة الطّيران من بلد إلى آخر، ولم تجدها في الاُمم السّالفة حتّى في معاجز الأنبياء، مرحباً بامّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوجد فيها من يطير بلا جناح موهوب لجعفر بن أبي طالب عليهما السّلام الذي يطير به في الجنّة، أو يتجوَّل به في ذلك العالم اللّطيف، ولا بدع إذ الاُمَّة للرقيّ والتقدّم، ويوم جعفر غير يوم أبي الحمائل، واكتشافات القرن العشرين غير القرون الاولى وعصور الاُمم الغابرة.

ومن غلبة الحال على أهل الحال ليلاً يتأتّى التوسّع في اللّغات، ويمكن للرّجل التكلّم بأيِّ لغة، إذا اللّيل له شأنٌ من الشأن، ولغاتها غير لغات النّهار، وهناك جزرٌ ومدٌّ، ولفُّ ونشرٌ على قسميه: مرتَّباً ومشوَّشاً، نعوذ بالله من هذيان اللّيل، وسفه النّهار.

ولو كان في تلك البلدة لفيفٌ من الهرّ لاحتمل تصديق هجرة الفئران، ولأغنوا النّاس عن معجزة السّروي، لكن كفيت الهررة القتال بابن الحمائل، فمرحباً به وبرسمه.

_ ٩٦ _

ذويب يمشى على الماء

قال في شذرات الذّهب ٨ ص ٢٦٩: توفّي الشيخ علي ذويب سنة ٩٤٧ وكان يمشي كثيراً على الماء فإذا أبصره أحد اختفى، وكان يُرى كلّ سنة بعرفة ويختفي من النّاس إذا عرفوه.

_ ٩٧ _

فتح الحجرة الشريفة للعبادى

كان سراج الدّين عمر العباديّ المصريّ الشافعي الإمام صاحب شرح قواعد الزركشي في مجلدين المتوفّى سنة ٩٤٧ لمـّا حجَّ وزار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتحت له الحجرة الشّريفة والنّاس نيامٌ من غير فاتح فدخلها وزار ثمَّ خرج فعادت الأقفال كما كانت رحمه الله تعالى(١) .

____________________

١ - شذرات الذهب ٨: ٢٦٩.

١٩٢

_ ٩٨ _

زيادة النيل بأمر الصدّيقى

توفّي الشيخ محمّد بن أبي الحسن محمّد - حفيد أبي بكر الصّديق البكري الصدِّيقي الشافعيّ المصريّ سنة ٩٩٣، ومؤلّفاته تنيف على أربعمائة تأليف، ومن كراماته انَّه لمـّا نقص بحر النيل في بعض السّنين قال لعبده الحبشيّ مندل: انزل يا مندل! قل للبحر يقول لك الشيخ ابو الحسن البكري: زد. أو نحو هذه العبارة، فقال العبد كما أمره، فما مضت ساعة يسيرة إلّا وقد ظهر فيه زيادةٌ كثيرةٌ(١) .

مرّت لِدة هذه الكرامة في بحر النّيل للخليفة الثّاني عمر بن الخطاب، راجع الجزء السّابع ص ٨٣، ٨٤ ط ١.

_ ٩٩ _

كرامات وخوارق

قال صاحب ( النّور السّافر ) ص ٣١٣: كان الشَّيخ علوي بن الشّيخ محمّد بن علي من آيات الله الكبرى وهو من أمثال الشّيخ، ومن مناقبه: انَّه كان يعرف الشقيَّ من السَّعيد، ويُحيي ويُميت بإذن الله تعالى، ويقول للشيء: كن، فيكون بإذن الله. إلى غير ذلك من الكرامات العظيمة والخوارق العجيبة التي لا يشاركه فيها غيره.

_ ١٠٠ _

عجائب وغرائب

قال العيدروسي في ( النّور السّافر ) ص ٨٥: اعلم أنَّ كرامات الأولياء حقٌّ. والدَّليل على وقوعها موجودٌ من المنقول والمعقول. أمَّا المنقول فهو ما ثبت في القرآن العزيز فصحَّ عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قصَّة مريم وجريح وغيرهم الّذين ليسوا أنبياء ووقعت على أيديهم.

وما روي عن الصدِّيق رضي الله عنه وكان أخبر عند موته أمرأته تلد بنتاً، وكانت إذا ذاك حاملاً.

وعن الفاروق رضي الله عنه في قصَّة سارية المشهورة.

____________________

١ - النور السافر ص ٤٢٩.

١٩٣

وعن ذي النّورين رضي الله عنه في الرَّجل الّذي دخل عليه وقد نظر إلى امرأة اجنبيّة فكاشفه بذلك.

وعن المرتضى رضي الله عنه في الأسود الذي قطع يده ثمَّ ردَّها مكانها فعادت كما كانت.

وأمّا ما نقل من ذلك عن أولياء الله تعالى فكثيرٌ جداً، من ذلك ما وقع لبعض الأولياء وهو على جبل فقال: إنَّ من أولياء الله مَن إذا قال لهذا الجبل: تحرّك، لتحرَّك. فتحرَّك الجبل من قوله، فقال له: اسكن إنمّا ضربت بك مثلاً.

وكما قال ذو النّون المصريّ للسّرير: طف بالبيت. فطاف ثمّ عاد إلى مكانه و كان هناك شابٌّ فصاح الشّابُّ حتّى مات.الكلام.

هذه مائة كرامة أو اُسطورة أو اُكذوبة أو قصص خرافة إلى مئات لِداتها من الخوارق والقصص المبثوتة في حلية الأولياء لأبي نعيم، وتاريخ بغداد للخطيب، و صفة الصّفوة لابن الجوزي، والمنتظم له، ومناقب أحمد بن حنبل له، وتاريخ الشّام لابن عساكر، وتاريخ إبن خلكان، والبداية والنهاية لابن كثير، وطبقات الشافعيّة للسّبكي، ومناقب أبي حنيفة للخوارزمي، ومناقب أبي حنيفة للكردري، وشذرات الذّهب، ومرآة الجنان، وروض الرّياحين، والكواكب الدريّة، والرّوض الفائق، والطبقات الكبرى للشّعراني، وتنبيه المغترّين له، والفتح الرّباني والفيض الرَّحماني، وأنيس الجليس للسيّوطي، وشرح الصّدور له، ولطائف المنن والأخلاق، وبهجة الأسرار للشيخ نور الدّين الشافعي، وقلائد الجواهر للشيخ محمّد الحنبلي، ومشارق الأنوار، والنور السّافر، وتفريح الخاطر، وعمدة التحقيق. إلى تآليف كثيرة من كتب التّاريخ ومعاجم التراجم المشحونة بالمخاريق والطامّات.

١٩٤

خاتمة البحث

فذلكة المقام والقول الحاسم بعد هذه الأبحاث المطنبة المفصَّلة في غضون الجزء السّادس وهلمَّ جرّا إلى هذه الصحيفة، في ذكريات الخلفاء الثلاثة، ومن بعدهم رابعهم: معاوية بن أبي سفيان، ومَن اقتصَّ أثرهم من الصّحابة ومَن بعدهم من الّذين سمّوهم بالأولياء والأئمَّة والعلماء، من شتّىِّ نواحيها، انَّ الغاية الوحيدة هو تعريف الملأ الدينيِّ بالغلاة في الفضائل، ومَن ذا الّذي يحقُّ له هذا الاسم ( الغالي )؟ هل هو في اولئك الّذين تمسّكوا بحجزة أهل بيت الوحي الرّافلين في حلل الفضائل والفواضل، الممدوحين بلسان الوحي، ومنطق الذّكر الحكيم، ونصوص نبيِّ الإسلام عند فرق المسلمين جمعاء، ولقد طأطأت لهم المفارق، وخضعت لهم الرّقاب، ولم يبقوا في مستوى المآثر و المفاخر مرتقى إلّا وتسنّموه، ولا مبوَّأ كرامة إلّا وحلّوا فيه؟!

أوَ هل تجد الغالي في هؤلاء الّذين ذكرناهم أم في المقتصّين أثر قوم ليس لهم نصيبٌ من الفضل إلّا أحاديث مفتعلة، وفخفخات كاذبة، وتمحّلات باردة، وأساطير مسطّرة، ولهم تاريخ حشوه المخازي تمضي معه الهفوات أينما سلك؟!.

ومن هوان الدّهر انَّ المربي بهؤلاء عن حدودهم، والمثبت لهم ما لا يثبته لهم العقل والمنطق، وما هو خارجٌ عن طورهم، ومبائنٌ لنفسيّاتهم لا يُعدُّ غالياً، ولكنّما الغلاة هم المتحيّزون إلى فئة الوحي، واُسرة النبوَّة، ومنبسق أنوار الهدى، الّذين لا يطيش سهمك في أيِّ مأثرة من مآثرهم؟ ولا يخفق ظنّك في أيٍّ من تقدّمهم ورُقيّهم ونبوغهم، وهم المخوَّلون من المولى سبحانه بأكثر من ذلك النّزر اليسير الّذي ذكرته لهم الرُّواة، ولهجت به أئمَّة الحديث، وحفّاظ الأثر في المستفيض والمتواتر من الصّحاح والمسانيد.

وإنَّما عقدنا هذه الأبحاث الضّافية لتنوير البصائر وتنبيه الأفكار، حتّى يميّز القارئ الغالي من القالي، وما دعمته البرهنة الصّحيحة الصّادقة، ممّا أثبتته التّافهات، ونسجته يد الإفتعال والإختلاق. ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيَّ عن بيّنة، أتجادلونني في أسماء سمّيتموها أنتم وآبائكم، ما نزَّل الله بها من سلطان، فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين.

١٩٥

فهرست شعراء الغدير في هذا الجزء

ضياء الدين الهادي الوفاة ٨٢٢

المولى محمد طاهر القمي الوفاة ١٠٩٨

الحسن آل أبي عبدالكريم

القاضي جمال الدين

الشيخ ابراهيم الكفعمي الوفاة ٩٠٥

أبو محمد ابن الشيخ صنعان

الشيخ حسين العاملي الوفاة ٩٨٤

الشيخ محمد الحرّ العاملي الوفاة ١١٠٤

ابن أبي شافين الوفاة بعد ١٠٠١

الشيخ احمد البلادي

زين الدين الحميدي الوفاة ١٠٠٥

شمس الادب اليمني الوفاة ١١١٩

الشيخ بهاء الدين العاملي الوفاة ١٠٣١

السيد علي خان المدني الوفاة ١١٢٠

الشيخ محمد الحرفوشي الوفاة ١٠٥٩

الشيخ عبدالرضا المقري الوفاة ح ١١٢٠

السيد ابن أبي الحسن الوفاة ١٠٦٨

الشيخ علم الهدى ابن الفيض

الشيخ حسين الكركي الوفاة ١٠٧٦

الشيخ علي العاملي

اشرف الدين اليمني الوفاة ١٠٧٩

المولى مسيحا الفسوى الوفاة ١١٢٧

السيد ابو علي اليمني الوفاة ١٠٧٩

الشيخ ابن بشارة الوفاة ١١٣٨

السيد ابو المعتوق الوفاة ١٠٨٧

الشيخ ابراهيم البلادي

السيد على خان المشعشعى الوفاة ١٠٨٨

الشيخ ابو محمد الشويكي الخطى

السيد ضياء الدين الوفاة ١٠٩٦

السيد حسين الرضوي الوفاة ١١٥٦

السيد بدر الدين اليمني المولود الوفاة ١٠٦٢

١٩٦

بقية الشعراء

في القرن التّاسع

_ ٧٥ _

ضياء الدين الهادي

المولود ٧٥٨

المتوفى ٨٢٢

الحمدِ لله باري الرّوح والنّسم

وخالق الخلق والمختصِّ بالِقدمِ

ثمَّ الصّلاة على أعلى الورى شرفاً

وأكرم النّاس من عُرب ومن عجمِ

محمّد المصطفى المختار من مضرٍ

وخاتم الرُّسل والمحمود في الشّيمِ

دع ما يقول النَّصارى في نبيِّهم

من الغلوِّ وقل ما شئت واحتكمِ

وبعدُ: فالعلم منجاةٌ لصاحبه

فاشدد بعروته كفَّيك واعتصمِ

وأفضل العلم عند العارفين به

علم الكلام لما فيه من الحِكمِ

علمٌ أناف على كلِّ العلوم له

فضل التّقدُّم فارغب فيه واغتنمِ

عليك بالنّظر الفكريِّ فهو طريـ

ـ ق العلم بالله فانظر ثمَّ واستقمِ

ومن هنا استرسل شاعرنا الهادي في مباحث علم الكلام، وأدلى ما عنده من الحجج في مسائل، وممّا أفاضه في باب الإمامة قوله:

هذا ومذهبنا انّ الإمام عقيب

المصطفى حيدر الأبطال والبهمِ

أعني عليّاً أمير المؤمنين ومَن

بالعطف خصَّ من الرَّحمان ذي القسمِ

ألله أنزل آيات مباركة

في فضله عدّها لي غير منتظمِ

وقال فيه رسول الله سيّدنا

يوم « الغدير » بخمّ يوم حجّهمِ

: من كنت مولاه أي أولى به فعليّ

أولى به وهو مولاهم بكلّهمِ

١٩٧

قام النبيُّ خطيباً في معسكره

بهذه الخطبة الغرّا لجمعهمِ

وشال ضبعاً كريماً من أبي حسن

في يوم حرّ شديد اللّفح مضطرمِ

كي لا يقال: بأنَّ النصّ مُكتتمٌ

ما كان إلّا صريحاً غير مُكتتمِ

فهو الخليفة بعد المصطفى وله

فضل التقدُّم لم يسجد إلى صنمِ

وكان سابقهم في كلِّ مكرمة

وكان في كلِّ حرب ثابت القدمِ

وكان أوَّل من صلّى لقبلتهم

وأعلم النّاس بالقرآن والحِكمِ

وكان أقربهم قربى وأفضلهم

رُغبى وأضربهم بالسّيف في القممِ

وكان أشرفهم همّاً وأرفعهم

في همِّه فهو عالي الهمِّ والهممِ

وكان أعبدهم ليلاً وأكثرهم

صوماً إذا الفاجر المسكين لم يصمِ

وكان أفصحهم قولاً وأبلغهم

نطقاً وأعدلهم حكماً لمحتكمِ

وكان أحسنهم وجهاً وأوسعهم

صدراً وأطهرهم كفّاً لمسلتمِ

وكان أغزرهم جوداً وأدونهم

مالاً فطال على الأطواد والاُدمِ

فكيف تقدمه من لا يُماثله

في العلم والحلم والأخلاق والشِّيمِ

وفي الشّجاعة والفضل العظيم وفي

التَّدبير والورع المشهور والكرمِ

( ما يتبع الشعر )

وقفنا على نسخة مخطوطة من هذه المنظومة في طهران عاصمة البلاد الفارسيَّة ومعقد لوائها الملكي، وهي تحتوي على سبعة ومأتين بيتاً نظم بها الخلاصة، للشّيخ حسن الرّصاص، كتبت في ٢٥ صفر عام ألف وإثنين وستّين، وعليها خطُّ العلّامة السيِّد محمّد بن اسماعيل اليمانيّ الصنعانيّ الحسينيّ المتوفّى ١١٨٢، وهو أحد شعراء الغدير يأتي ذكره إنشاء الله تعالى.

١٩٨

( الشاعر )

السيِّد جمال ضياء الدّين الهادي بن إبراهيم بن عليّ المتوفّى ٧٨٤، ابن المرتضى المتوفّى ٧٨٥، ابن الهادي بن يحيى بن الحسين بن القسم بن إبراهيم بن اسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب(١) اليمنيّ الصنعانيّ الزيديّ.

أحد رجالات اليمن وأعلامها المتضلّعين من فنون العلم والأدب، ترجمه صاحب(٢) « مطلع البدور » قال: قال العلّامة إبن الوزير في تاريخهم: إنّه لم تسمح بمثله الأعصار في أولاد الإمام الهادي، كان جامع شتات العلوم، وشاطرها في المنثور والمنظوم، ولد في « شظب » ولمـّا قرأ القرآن أخذه والده مع ابن عمّه محمّد بن أحمد المرتضى إلى « صعدة » وكان يحملهما قليلاً متى تعيا من السّير لصغرهما حتّى وصلوا « صعدة » فقرء مدَّة في أنواع العلوم العربيّة وغيرها على عمّيه: المرتضى بن علي وأحمد بن علي، وقرأ التّفسير على الشيخ العلّامة ترجمان أهل عصره إسماعيل بن إبراهيم بن عطيّة البحراني، وعلوم الأدب على الفقيه العلّامة محمّد بن علي بن ناجي العالم المشهور، قرأ عليه ديوان المتنبّي وغيره. والاصولين، والفروع على القاضي العلّامة ملك العلماء عبد الله بن الحسن الدّواري، وعلى عمِّه المرتضى بن علي الّذي كان إماماً في علم الكلام، وكذا على عمّه أحمد بن علي، وحصلت له إجازاتٌ وطرقٌ سماعيّة، منها: سماعه لجامع الاُصول بمكّة المشرّفة على قاضي الحرم محمّد بن عبد الله بن ظهيرة القرشي المخزومي في سنة حجِّه، ولد رسائل ومسائل وأشعار ومنظومات لا تحصى، حتّى قال شيخه الفقيه محمّد بن عليّ بن ناجي: إنَّه المراد بقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكون رجلٌ من ولد الحسن ينفث بالشّعر كما ينفث الأفعى بالسمّ.

ومن تصانيفه: كفاية القانع في معرفة الصّانع، نظم الخلاصة(٣) شرحها، الطرازين المعلمين في المفاخرة بين الحرمين، التفصيل في التفضيل، الردّ على ابن

____________________

١ - كذا سرد نسبه شمس الدين السخاوى فى [ الضوء اللامع ] ٦ ص ٢٧٢ فى ترجمة أخيه محمد.

٢ - أحمد بن صالح بن محمد بن أبي الرحال اليمنى المتوفى بصنعاء سنة ١٠٩٢.

٣ - تأليف العلامة الشيخ حسن الرصاص.

١٩٩

العربي، هداية الرّاغبين إلى مذهب أهل البيت الطّاهرين، الردّ على الفقيه عليّ بن سليمان في العارضة والناقضة، وكلّها موجودةٌ ومن أحسنها: كاشفة الغمَّة عن حسن سيرة إمام الاُمَّة، وكريمة العناصر في الذبِّ عن سيرة الإمام النّاصر، والسّيوف المرهفات على من ألحد في الصِّفات، ونهاية التنويه في إزهاق التمويه في الردّ على نشوان، ومن شعره قصيدته « المنسك » أوَّلها:

بعث الهوى شوقي إلى اُمِّ القرى

وله مراجعات ومراسلات ومشاعرات بينه وبين علماء اليمن الأسفل كاسماعيل المقري، والنظاري، وابن الخيّاط، الّذي استجاز منه، وبين أهل تهامة مثل بني الناشري، والنفيس العلويِّ الحنفيِّ المذهب، العتكيِّ النسب، بين علماء المخاليف والحواز مثل الفقيه محمّد بن الحسن بن سود العابد المشهور أحد الواصلين في علم الطّريقة وغيرهم، وكان منتشر الذِّكر عند جميع الأكابر في جميع البلاد حتّى في مصر مع غلظة أهلها، وقد ذكره وذكر أخاه محمّد الحافظ العلّامة ابن حجر العسقلاني المصريُّ في تاريخه وأثنى عليهما.

توفّي بذمار تاسع عشر ذيحجّة سنة ٨٢٢ ومولده يوم الجمعة السّابع والعشرين من المحرّم سنة ٧٥٨ وموته كان عظيماً على أهل البيت حيث منعوا بعده عمّا كان معتاد أهل الأموال في المدائن والأمصار، ورثاه عدَّةٌ من النّاس وأحسن مراثيه ما رثاه الفقيه الأديب عبد الله بن عتيق المعروف بالمزاح المروعي. انتهى ما في [ مطلع البدور ] ملخّصاً.

وذكره شمس الدّين السخاوي في [ الضوء اللّامع ] ج ١٠ ص ٢٠٦ وقال: ذكره شيخنا في أنبائه فقال: عُني بالأدب ففاق فيه، ومدح المنصور صاحب صنعاء، مات يوم عرفة سنة اثنتين وعشرين، وذكره ابن فهد في معجمه فقال: إنّه حدثٌ سمع منه الفضلاء قال: وله مؤلّفات منها: الطرازين المعلمين في فضائل الحرمين، والقصيدة البديعيّة في الكعبة اليمنيّة الثمينة أوّلها:

سرى طيف ليلي فابتهجتُ به وجدا

وتوَّح قلبي من لطائفه مجدا(١)

____________________

١ - مرّ ذكر بديعيته فى الجزء السادس ص ٤٥ ط ٢ عن ايضاح المكنون.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668