بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 639
المشاهدات: 237793
تحميل: 8107


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 237793 / تحميل: 8107
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 14

مؤلف:
العربية

المصلى يصلي ركعتين بالناس بغير أذان و لا إقامة ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه فيجعل الذي على يمينه على يساره و بالعكس ، ثم يستقبل القبلة فيكبر اللَّه مائة تكبيرة رافعا بها صوته ، ثم يلتفت إلى الناس عن يمنة فيسبح مائة تسبيحة رافعا بها صوته ، ثم يلتفت إلى الناس عن يساره فيهلل اللَّه مائة تهليلة رافعا بها صوته ، ثم يستقبل الناس فيحمد اللَّه مائة تحميدة ، ثم يرفع يديه فيدعو ثم يدعون فإنّي أرجو ألاّ يخيبوا قال : ففعل فما رجعنا إلاّ أهمّتنا أنفسنا .

فلما رجعنا قالوا : هذا اللَّه من تعليم جعفر(١) .

و فيه ، و في رواية ابن المغيرة : يكبر في العيدين في الاولى سبعا و في الثانية خمسا و يصلّي قبل الخطبة .

و زاد ( المقنعة ) الاستغفار و تكرار قلب الرداء و دعاء فقال : فإذا سلم رقي المنبر فحمد اللَّه و أثنى عليه و صلّى على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله و وعظ و زجر و أنذر و حذر ، فإذا فرغ من خطبته قلب رداءه عن يمينه إلى يساره و عن يساره إلى يمينه ثلاث مرات ثم استقبل القبلة فرفع رأسه نحوها و كبر اللَّه مائة تكبيرة رافعا بها صوته و كبر الناس معه ، ثم التفت عن يمينه يسبح اللَّه تعالى مائة تسبيحة رافعا بها صوته و يسبح الناس معه ، ثم التفت عن يساره فحمد اللَّه مائة تحميدة رافعا بها صوته و حمد الناس معه ، ثم أقبل على الناس بوجهه فاستغفر اللَّه مائة مرة رافعا صوته و استغفر الناس معه ، ثم حول وجهه إلى القبلة فدعا و دعا الناس معه فقال : اللهم رب الأرباب و معتق الرقاب و منشى‏ء السحاب و منزل القطر من السماء و محيي الأرض بعد موتها ، يا فالق الحب و النوى ، يا مخرج الزرع و النبات و محيي الأموات و جامع الشتات ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا غدقا مغدقا هنيئا مريئا تنبت به الزرع و تدرّ به الضرع و تحيي به

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ٤٦٣ ح ١ .

١٠١

الأرض بعد موتها و تسقي به مما خلقت أنعاما و أناسي كثيرا(١) .

و عن الكفعمي(٢) : أفضل القنوت فيه ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : استغفر اللَّه الذي لا إله إلاّ هو الحي القيوم الرحمن الرحيم ذو الجلال و الاكرام و اسأله أن يتوب علي توبة عبد ذليل خاضع فقير بائس مسكين مستكين لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرّا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا ، اللهم معتق الرقاب و رب الارباب و منشى‏ء السحاب و منزل القطر من السماء إلى الأرض بعد موتها فالق الحب و النوى و مخرج النبات و جامع الشتات صل على محمّد و آل محمّد و اسقنا غيثا مغيثا غدقا مغدوقا هنيئا مريئا تنبت به الزرع و تدرّ به الضرع و تحيي به مما خلقت أنعاما و أناسي كثيرا ، اللهم اسق عبادك و بهائمك و انشر رحمتك و أحي بلادك الميتة(٣) .

و الأصل فيه و في دعاء المقنعة واحد لكن ذاك جعله بعد الاذكار .

و من دعائهعليه‌السلام رافعا يديه كما في ( الرضوي ) يا مغيثنا و مغنينا و معيننا على ديننا و دنيانا بالذي تنشر علينا من الرزق نزل بنا عظيم لا يقدر على تفريجه غير منزله ، عجّل على العباد فرجك فقد أشرفت الأبدان على الهلاك ، فإذا هلكت الأبدان هلك الدين ، يا ديان العباد و مقدّر امورهم بمقادير أرزاقهم لا تحل بيننا و بين رزقنا و ما أضعنا فيه من كرامتك معترفين قد اصيب من لا ذنب له من خلقك بذنوبنا ، ارحمنا بمن جعلته أهلا لاستجابة دعائه حين سألك يا رحيم لا تحبس عنا ماء السماء و انشر علينا نعمك و عد علينا برحمتك و ابسط علينا كنفك و عد علينا بقبولك و اسقنا الغيث و لا تجعلنا

____________________

( ١ ) المقنعة للمفيد : ٢٠٧ ٢٠٨ باب صلاة الاستسقاء .

( ٢ ) المصباح للكفعمي : ٤١٦ .

( ٣ ) المصباح للكفعمي : ٤١٦ .

١٠٢

فيه من القانطين و لا تهلكنا بالسنين و لا تؤاخذنا بما فعل المبطلون و عافنا يا رب من النقمة في الدين و شماتة القوم الكافرين ، يا ذا النفع و الضر إنّك إن أجبتنا فبجودك و كرمك و لإتمام ما بنا من نعمائك و إن تردّنا فبجنايتنا على أنفسنا فاعف عنا قبل أن تصرفنا و أقلنا و أقلبنا بإنجاح الحاجة يا اللَّه(١) .

قال ابن أبي الحديد : مذهب الشيعة أن يستقبل الإمام بعد الركعتين يكبر اللَّه مائة ، ثم يسبح مائة عن يمينه ثم يهلل مائة عن يساره ، ثم يستقبل الناس و يحمد مائة ثم يخطب بهذه الخطبة(٢) .

قلت : بل اختلفوا في تقديم الخطبة و تأخيرها ، فابن بابويه و المفيد على الأول و النعماني و الشيخ على الثاني .

و كيف كان فروى قرب الاسناد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن جده قال : اجتمع عند عليعليه‌السلام قوم فشكوا إليه قلّة المطر و قالوا : يا أبا الحسن ادع لنا بدعوات في الاستسقاء فقال : يا حسن ادع فقال : « اللهم هيج لنا السحاب بفتح الأبواب بماء عباب و رباب بانصباب و انسكاب يا وهاب بصوب الماء يا وهاب يا فعال اسقنا مطرا قطرا طلاّ مطلا طبقا مطبقا عامّا معمّا مدهما بهما رشا مرشا واسعا كافيا عاجلا طيبا مباركا سلاطح بلاطح يناطح الاباطح مغدودقا مطبوبقا مغرورقا ، اسق سهلنا و جبلنا بدونا و حضرنا حتى ترخص به أسعارنا و تبارك به في ضياعنا و مدننا ، و ارنا الرزق موجودا و الغلاء مفقودا آمين رب العالمين » .

ثم قال للحسينعليه‌السلام : ادع فقال « اللهم معطى الخيرات من مظانّها و منزل الرحمات من معادنها و مجري البركات على أهلها ، منك الغيث المغيث

____________________

( ١ ) بحار الأنوار ٩١ : ٣٣٤ ح ١٨ الباب ١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٦٩ .

١٠٣

و أنت الغياث و المستغاث و نحن الخاطئؤن و أهل الذنوب و أنت المستغفر الغفار لا إله إلاّ أنت ، اللهم أرسل السماء علينا ديمة مدرارا و اسقنا الغيث واكفا مغزارا غيثا مغيثا واسعا مسبعا مهطلا مربعا غدقا مغدقا عبابا مجلجلا صحا صحصاحا بسا بساسا مسبلا عاما و دقا مطفاحا ، تدفع الودق بالودق دفاعا و يطلع القطر منه القطر غير خيب البرق و لا مكذب الرعد ، تنعش بها الضعيف من عبادك و تحيى به الميت من بلادك و تستحق علينا مننك آمين رب العالمين » .

فما تم كلامه حتى صب الماء صبا فسأل سلمان : أهذا شي‏ء علماه ؟

فقال : ويحكم ألم تسمعوا قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : اجريت الحكمة على لسان أهل بيتي(١) .

و رواه ( الفقيه ) : و فيه جاء قوم من أهل الكوفة فقالوا يا امير المؤمنين(٢) .

قال ابن أبي الحديد : و من دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الاستسقاء : « اللهم اسقنا و أغثنا ، اللّهم اسقنا غيثا مغيثا و حيا ربيعا و حدا طبقا غدقا مغدقا مونقا عاما هنيئا مريئا وابلا سابلا مسملا دررا نافعا غير ضار عاجلا غير رائث تحيي به العباد و تغيث به البلاد و تجعله بلاغا منا للحاضر و الباد ، اللهم أنزل علينا في أرضنا زينتها و أنزل علينا في أرضنا سكنها ، اللهم أنزل علينا ماء طهورا و أحي به بلدة ميتا واسعة مما خلقت أنعاما و أناسي كثيرا »(٣) .

قلت : و من دعاء السجاد « اللهم اسقنا الغيث و انشر علينا رحمتك بغيثك المغدق من السحاب المنساق لنبات أرضك المونق في جميع الآفاق ، و امنن

____________________

( ١ ) قرب الإسناد للحميري : ١٥٧ .

( ٢ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ١ : ٥٣٥ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٧٣ .

١٠٤

على عبادك بإيناع الثمرة و أحي بلادك ببلوغ الزهرة ، و أشهد ملائكتك الكرام السفرة بسقي منك نافع دائم غزره واسع درره وابل سريع عاجل تحيي به ما قد مات و ترد به ما قد فات و تخرج به ما هو آت و توسع به في الأقوات سحابا متراكما هنيئا مريئا طبقا مجلجلا غير ملث و دقه و لا خلب برقه ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا ممرعا عريضا واسعا غزيرا تردّ به النهيض و تجبر به المهيض ، اللهم اسقنا سقيا تسيل منه الظراب و تملأ منه الجباب و تفجر به الأنهار و تنبت به الأشجار و ترخص به الأسعار في جميع الأمصار و تنعش به البهائم و الخلق و تكمل لنا به طيبات الرزق و تنبت لنا به الزرع و تدر به الضرع و تزيدنا به قوة إلى قوتنا ، اللهم لا تجعل ظله علينا سموما و لا تجعل برده علينا حسوما و لا تجعل صوبه علينا رجوما و لا تجعل ماءه علينا اجاجا ، اللهم صل على محمّد و آل محمّد و ارزقنا من بركات السماوات و الأرض إنك على كل شي‏ء قدير » .

قال ابن أبي الحديد(١) : جاء في الأخبار الصحيحة عن رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم ابن عبد مناف قالت : تتابعت سنون أقحلت الضرع و أرقت العظم ، فبينا أنا راقدة اللهم أو مهومة إذا أنا بهاتف صيت يصرخ بصوت صحل : يا معشر قريش إنّ هذا النبيّ المبعوث فيكم قد أظلّتكم أيامه و هذا ابن نجومه فحي هذا بالخصب و الحبا ، ألا فانظروا رجلا منكم عظاما جساما أبيض بضا أوطف الأهداب سهل الخدين أشمّ العرنين له سنة يهدى إليه ، ألا فليخلص هو ولده و ليدلف إليه من كل بطن رجل ، ألا فليسنوا عليهم من الماء و ليمسوا من الطيب و ليطوفوا بالبيت سبعا و ليكن فيهم الطيب الطاهر فليستق الرجل و ليؤمّن القوم ، ألا فغثتم إذا ما شئتم فأصبحت علم اللَّه مذعورة قد

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٧٠ .

١٠٥

قف جلدي و وله عقلي ، فاقتصصت رؤياي على الناس ، فذهبت في شعاب مكة فو الحرمة و الحرم إن بقي أبطحي إلاّ و قال : هذا شيبة الحمد فتتامت رجال قريش و انفضّ إليه من كل بطن رجل فسنّوا عليهم ماء و مسّوا طيبا و استلموا و اطوفوا ثم ارتقوا أبا قبيس و طفق القوم يدفون حول عبد المطلب ما إن يدرك سعيهم مهله حتى استقروا بذروة الجبل و استكفوا جانبيه ، فقام ، فاعتضد ابن ابنه محمّدا فرفعه على عاتقه و هو يومئذ غلام قد أيفع أو كرب ، ثم قال : « اللهم سادّ الخلة و كاشف الكربة أنت عالم غير معلم و مسؤول غير مبخل و هذه عبداؤك و اماؤك بعذرات حرمك يشكون إليك سنتهم التي أذهبت الخف و الظلف فاسمعن ، اللهم و امطرن علينا غيثا مغدقا مريعا سحا طبقا دراكا » .

فو الكعبة ما راموا حتى انفجرت السماء بمائها و اكتظّ الوادي بثجثجه و انصرف الناس يقولون لعبد المطلب : هنيئا لك سيد البطحاء .

و في رواية أبي عبيدة : فسمعت شيخان قريش و جلتها عبد اللَّه بن جدعان و حرب بن امية و هشام بن المغيرة يقولون لعبد المطلب : هنيئا لك باب البطحاء ، و في ذلك قال شاعر قريش و قد روى هذا الشعر لرقيقة :

بشيبة الحمد أسقى اللَّه بلدتنا

و قد فقدنا الحيا و اجلوذ المطر

فجاد بالماء و سمى له سبل

فعاشت به الأنعام و الشجر

قلت : و رواه ( كاتب الواقدي ) و زاد في الأبيات :

منّا من اللَّه بالميمون طائره

و خير من بشرت يوما به مضر

مبارك الأمر يستسقى الغمام به

ما في الأنام له عدل و لا خطر

و رواه اليعقوبي في ( تاريخه )(١) إلاّ أنّه قال : توالت على قريش سنون مجدبة حتى ذهب الزرع و قحل الضرع ، ففزعوا إلى عبد المطلب و قالوا : قد

____________________

( ١ ) التاريخ لليعقوبي ٢ : ١٢ .

١٠٦

سقانا اللَّه بك مرة بعد اخرى فادع اللَّه أن يسقينا ، و سمعوا صوتا ينادي من بعض جبال مكة : معشر قريش إنّ النبيّ الامي منكم و هذا أوان توكفه ، ألا فانظروا منكم رجلا عظاما جساما له سنّ يدعو إليه . .

و رواه أحمد بن أبي طاهر البغدادي في ( بلاغات نسائه )(١) عن مخرمة بن نوفل عن امه رقيقة نباتة و كانت لدة(٢) عبد المطلب قالت : تتابعت على قريش سنون إلى أن قال و في ذلك تقول رقيقة ، و نقل الأبيات الأربعة بيتي كاتب الواقدي مع بيتي أبي عبيدة(٣) .

قال ابن أبي الحديد : عن أنس بن مالك : أصاب أهل المدينة قحط على عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقام إليه رجل و هو يخطب يوم جمعة فقال : هلك الشاء هلك الزرع ادع اللَّه أن يسقينا ، فمدّصلى‌الله‌عليه‌وآله يده و دعا و استسقى و إنّ السماء كمثل الزجاجة فهاجت ريح ثم أنشأ سحابا ثم اجتمع ثم أرسلت عزاليها ، فخرجنا نخوض الماء حتى اتينا منازلنا و دام القطر ، فقام إليه الرجل في اليوم الثالث فقال : يا رسول اللَّه تهدمت البيوت ادع اللَّه أن يحبسه عنا ، فتبسمصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم رفع يده و قال : اللهم حوالينا و لا علينا فو الذي بعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحق لقد نظرت إلى السماء و لقد انجاب حول المدينة كالإكليل(٤) .

و في حديث عائشة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استسقى حين بدأ قرن الشمس فقعد على المنبر و حمد اللَّه و كبّر ثم قال : إنّكم شكوتم جدب دياركم و قد أمركم اللَّه أن تدعوه و وعدكم أن يستجيب لكم فادعوه ، ثم رفع صوته فقال : « اللهم أنت الغنيّ و نحن الفقراء فأنزل علينا الغيث و لا تجعلنا من القانطين ، اللهم اجعل ما

____________________

( ١ ) بلاغات النساء لأحمد بن أبي طاهر البغدادي .

( ٢ ) لدة : نظير في السن .

( ٣ ) بلاغات النساء لابن طيفور : ٧٩ ٧٠ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٧٢ .

١٠٧

تنزله علينا قوة لنا و بلاغا إلى حين برحمتك يا أرحم الراحمين » فأنشأ اللَّه سحابا فرعدت و برقت فلم يأت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله منزله حتى سالت السيول ، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك حتى بدت نواجذه و قال : أشهد أنّي عبد اللَّه و رسوله و أنّ اللَّه على كل شي‏ء قدير .

قلت : و روى كاتب الواقدي في ( طبقاته )(١) عن أبي وجزة السعدي أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لما رجع من غزوة تبوك و كانت سنة تسع قدم عليه وفد بني فزارة فسألهم عن بلادهم فقال أحدهم : أسنت بلادنا و هلكت مواشينا و أجدب جنابنا و غرث عيالنا فادع لنا ربك ، فصعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر و دعا فقال :

« اللهم اسق بلادك و بهائمك و انشر رحمتك و أحي بلدك الميت ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار ، اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب و لا هدم و لا غرق و لا محق ، اللهم اسقنا الغيث و انصرنا على الأعداء » .

فمطرت فما رأوا السماء ستا ، فصعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر فدعا فانجابت السماء عن المدينة انجياب الثوب .

و روى أيضا : إنّ وفد بني مرة قدموا على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مرجعه من تبوك ، فقال لهم كيف البلاد ؟ قالوا : و اللَّه إنّا لمسنتون فادع اللَّه لنا فقال : « اللهم اسقهم الغيث » فرجعوا فوجدوا قد مطروا في اليوم الذي دعا لهم .

هذا ، و في ( الأرشاد ) : لما اغمي على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أكبّت فاطمةعليها‌السلام تندبه و تبكي و تقول :

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

ففتح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عينيه و قال بصوت ضئيل : يا بنية هذا قول عمك

____________________

( ١ ) الطبقات للواقدي ١ : ٢٩٧ .

١٠٨

أبي طالب و لكن قولي و ما محمّد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم .(١) .

و قال ابن أبي الحديد روى ابن مسعود : إنّ عمر خرج يستسقي بالعباس فقال :( اللهم إنّا نتقرب إليك بعم نبيك و بقية آبائه و كبر رجاله فإنّك قلت و قولك الحق و اما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة ) . .(٢) ، فحفظتهما لصلاح أبيهما فاحفظ اللهم نبيك في عمه فقد دلونا به إليك مستشفعين و مستغفرين ثم أقبل على الناس فقال : استغفروا ربكم إنّه كان غفارا قال ابن مسعود : و رأيت العباس يومئذ و قد طال عمره و عيناه تنضحان و سبابته تجول على صدره و هو يقول :

« اللهم أنت الراعي فلا تهمل الضالّة و لا تدع الكسير بدار مضيعة ، فقد ضرع الصغير و رقّ الكبير و ارتفعت الشكوى و أنت تعلم السر و أخفى ، اللهم أغثهم بغياثك من قبل أن يقنطوا فيهلكوا إنّه لا ييأس الا القوم الكافرين » .

فنشأت طريرة من سحاب و قال الناس : ترون ترون ، ثم تلاءمت و استقلت و مشت فيها ريح ، ثم هدرت و درّت ، فو اللَّه ما برحوا حتى اعتلقوا الأحذية و قلصوا المآزر و طفق الناس يلوذون بالعباس يمسحون أركانه و يقولون هنيئا ساقي الحرمين(٣) .

قلت : و نقله ( الفقيه )(٤) بطريق آخر فقال : روي عن ابن عباس أنّ عمر خرج يستسقي فقال للعباس : قم و ادع ربك و استسق و قال : اللهم إنّا نتوسل إليك بعم نبيك فقام العباس فحمد اللَّه و أثنى عليه و قال :

____________________

( ١ ) الأرشاد ١ : ١٨٦ ، مؤسسه أهل البيت ، و الآية ١٤٤ من آل عمران .

( ٢ ) الكهف : ٨٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٧٤ .

( ٤ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ١ : ٥٣٨ .

١٠٩

« اللهم إنّ عندك سحابا و إنّ عندك مطرا فانشر السحاب و أنزل فيه الماء ثم انزله علينا و اشدد به الأصل و أطلع به الفرع و أحي به الزرع ، اللهم إنّا شفعاء إليك عمن لا منطق له من بهائمنا و أنعامنا شفعنا في أنفسنا و أهالينا ، اللهم إنّا لا ندعو إلاّ إيّاك و لا نرغب إلاّ إليك ، اللهم اسقنا سقيا وارعا نافعا طبقلا مجللا ، اللهم إنّا نشكو إليك جوع كل جائع و عري كل عار و خوف كل خائف و سغب كل ساغب » .

و أقول : لم لم يستسق عمر بنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله امير المؤمنينعليه‌السلام ؟ لم لم يستسق بريحانتي النبيّ و ابنيه و سيدي شباب أهل الجنة و قد باهل بهم النبيّ بأمر اللَّه تعالى في نصّ القرآن .

و العمية للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من حيث هي لا أثر لها ، فقد كان أبو لهب أيضا عمّا للنبيّ ثم إن كان معتقدا بعم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم لم يجعله في الشورى إلاّ أنّه استسقى به لحطّ قدر أمير المؤمنينعليه‌السلام كما أنّه لما أراد استحكام أمر صاحبه توسل إلى العباس هو مع صاحبه بإشارة المغيرة بأن يجعلا له نصيبا في أمر الخلافة تضعيفا لجانب امير المؤمنين ، فيقولان له : إن كنت ابن عمه فهو عمه .

و أراد أيضا في الاستسقاء بالعباس أنّه إن لم ينزل لهم المطر يقول توسلت بعم النبيّ فلم يكن أهلا للإجابة ، و إن جاءهم المطر يقول : أنا الأصل في ذلك ، إلاّ أنّ اللَّه تعالى نقض غرضه فرأى الناس نزول المطر من دعاء العباس ، فقد عرفت لفظ الخبر ( طفق الناس يلوذون بالعباس يمسحون أركانه و يقولون هنيئا لك ساقي الحرمين ) .

و أشار إلى ذلك لقيط المحاربي في أبياته في المهدي ، ففي ( المعجم )(١)

___________________

( ١ ) المعجم ١٧ : ٣٧ .

١١٠

أمر المهدي في سنة ( ١٦٠ ) الناس بصوم ثلاثة أيام لبطء المطر ليستسقى ، فلما كان في اليوم الثالث من الليل طرق الناس ليلتهم كلها ثلج ملأ الارض ، فقال لقيط في ذلك مخاطبا للمهدي :

لما استغاث بك العباد بجهدهم

متوسلين إلى إله الناس

أسقاهم بك مثل ما أسقاهم

صوب الغمام بجدك العباس

هذا ، و قد دعا اللَّه تعالى قس بن ساعدة في الجاهلية لكونه قرأ الكتب بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و الأئمة الاثني عشر الذين مثله في العصمة في استسقائه على ما روى السروي في ( مناقبه ) .

فقال : روى الكلبي عن شرقي بن قطامي عن تميم بن وعلة المرى عن الجارود بن المنذر العبدي و كان نصرانيا فأسلم عام الحديبية و أنشأ يقول :

يا بني المهدي أتتك رجال

قطعت فدفدا و أفرت جبالا

جابت البيد و المهامه حتى

غالها من طوى السرى ما غالا

أنبأ الأوّلون باسمك فينا

و بأسماء بعده تتتالى

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أفيكم من يعرف قس بن ساعدة الإيادي ؟ فقال الجارود : كلنا نعرفه غير أنّي من بينهم بخبره واقف على أثره فقال سلمان :

أخبرنا فقال : لقد شهدته و قد خرج من ناد من أنديته إلى ضحضاح ذي قتاد و سمر و غياد و هو مشتمل بنجاد فوقف في اضحيان ليل كالشمس رافعا إلى السماء وجهه و اصبعه ، فدنوت منه فسمعته يقول :

« اللهم ربّ السماوات الأرفعة و الأرضين الممرعة بحق محمّد و الثلاثة المحاميد معه و العليين الأربعة و فاطمة و الحسنين الأبرعة و جعفر و موسى التبعة سميّ الكليم الضرعة اولئك النقباء الشفعة و الطريق المهيعة راشة

١١١

الاناجيل و محاة الأضاليل و نفاة الأباطيل الصادقو القيل عدد نقباء بني إسرائيل فهم أوّل البداية و عليهم تقوم الساعة و بهم تنال الشفاعة و لهم من اللَّه فرض الطاعة اسقنا غيثا مغيثا » .

ثم قال : ليتني مدركهم و لو بعد لأي من عمري و محياي ، ثم أنشأ يقول :

أقسم قسّ قسما

ليس به مكتتما

لو عاش ألفى سنة

لم يلق منها سأما

حتى يلاقي أحمدا

و النجباء الحكما

هم أوصياء أحمد

أفضل من تحت السما

يعمى الأنام عنهم

و هم ضياء للعمى

لست بناس ذكرهم

حتى أحلّ الرجما

قال الجارود : فقلت : يا رسول اللَّه أنبأني بخبر هذه الأسماء التي لم نشهدها و أشهدنا قس ذكرها كما أنبأك اللَّه فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جارود ليلة اسري بي إلى السماء اوحى إليّ عزّ و جلّ أن سل من قد أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا قلت : على ما بعثوا ؟ قال : على نبوتك و ولاية علي و الأئمة منكما ثم عرّفني عزّ و جلّ بهم و بأسمائهم ثم ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أسماءهم للجارود واحدا واحدا إلى المهدىعليه‌السلام ، ثم قال : قال تعالى هؤلاء أولياء ، و هذا يعني المهدي المنتقم من أعدائي .(١) .

و أقول : ( الحسنين ) في دعاء قس بلفظ الجمع لأنّ المراد الحسنان و العسكريعليهم‌السلام .

قول المصنّف : « قال الشريف » هكذا في ( المصرية ) و لكن في ( ابن ميثم ) :

« قال السيد رحمه اللَّه » و في ( ابن أبي الحديد ) : « قال الشريف الرضي رحمه اللَّه » فالظاهر

____________________

( ١ ) مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ١ : ٢٨٧ ٢٨٨ .

١١٢

كونه كلامهما لا كلام المصنف و لذا ليس في ( الخطية ) رأسا و كيف كان فزاد ابن ميثم عن المصنف جملة « تفسير ما في هذه الخطبة من الغريب » إلا أن يكون سقط لفظة « في » من أول الكلام من النسخة فيكون من إنشائه(١) .

قولهعليه‌السلام « انصاحت جبالنا » أي : تشققت .

« من المحول » قال الجوهري(٢) : المحل القحط ، يقال : أرض محل و أرض محول كما قالوا : بلد سبسب و بلد سباسب يريدون بالواحد الجمع ، قال ابن السكيت : أمحل البلد فهو ما حل و لم يقولوا : ممحل(٣) ، « يقال انصاح الثوب إذا انشق و يقال أيضا انصاح النبت و صاح و صوح إذا جف و يبس » هكذا في ( المصرية و ابن ميثم و الخطية ) و زاد ابن أبي الحديد و الخوئي « كله بمعنى » .

و كيف كان فليس كله بمعنى ، فانصاح بمعنى انشقّ لازم ، و أما صوّح فقد يجي‏ء لازما كما في حديثهعليه‌السلام « فبادروا العلم من قبل تصويح نبته » و قد يجي‏ء متعديا بمعنى أيبس ، قال ذو الرمة :

و صوح البقل ناج تجي‏ء به

هيف يمانية في مرها نكب

و أما ( صاح ) ففي ( الصحاح )(٤) صحت الشي‏ء فانصاح أي شققته فانشقّ(٥) ، و في ( المصباح ) :(٦) صاحت الشجرة طالت .

« و قوله و هامت » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : هامت كما في ( ابن أبي

____________________

( ١ ) النسخة المصرية المصححة لا تتضمن هذه العبارة أمّا النسخة الخطيّة فيها ، و قال الشريف « بل منها » تفسير ما في هذه الخطبة . ٩٨ ، شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٦٣ الرواية ( ١١٤ ) .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ١ : ٣٨٤ .

( ٣ ) الصحاح ٣ : ١٨١٧ ، مادة « محل » .

( ٤ ) الصحاح ١٠ : ٣٨٤ ، مادة ( صوح ) .

( ٥ ) المصدر نفسه .

( ٦ ) المصباح المنير للفيومي : ٣٥٣ ، مادة ( صاح ) .

١١٣

الحديد و ابن ميثم و الخطية ) .

« دوابنا أي عطشت و الهيام العطش » قد عرفت أنه يحتمل وجها آخر(١) .

« و قوله حدابير السنين » إلى :

حدابير ما تنفك إلاّ مناخة

على الخسف أو نرمى بها بلدا قفرا

قال ابن أبي الحديد : لا أعرف البيت إلاّ « حراجيج » و هكذا رأيته بخط ابن الخشاب(٢) .

قلت : و نقله الجوهري(٣) في ( فك ) و ابن هشام(٤) في ( إلاّ الزائدة ) أيضا :

« حراجيج » .

« و قوله و لا قزع ربابها » ليست الجملة في ( ابن ميثم )(٥) .

« القزع القطع الصغار المتفرقة من السحاب » التفسير لقوله « قزع ربابها » لا لمطلق القزع ، فقد عرفت أنه بمعنى مطلق التفرق و الاختلاف .

« و قوله و لا شفان ذهابها » إلى « فحذف ( ذات ) لعلم السامع به » هذا إن فسرنا « الشفان » بالريح الباردة ، و إن فسرناه بمطلق البرد كما مر فلا يحتاج إلى تقدير .

ثم إنّ الجزري فسّره بالريح الباردة و جعله من ( شفن ) و قال و يجوز أن يكون شفان فعلان من شف إذا نقص ، أي قليلة أمطارها مع أنّ غيره لم يذكره

____________________

( ١ ) انظر الطبعة المصرية : ٢٧٨ ، و انظر ابن أبي الحديد ٧ : ٢٦٨ اما النسخة الخطية : ٩٨ ، فقد وردت العبارة بهذا اللفظ « و هامت دوابنا » .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٧ : ٢٦٨ .

( ٣ ) الصحاح للجوهري ٣ : ١٦٥٣ مادة ( فك ) .

( ٤ ) مغني اللبيب لابن هشام ١ : ١٠٢ .

( ٥ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٥ الرواية ( ١١٢ ) .

١١٤

إلاّ في ( شف )(١) .

هذا ، و يناسب قولهعليه‌السلام « بالسحاب المنبعق . » ، ما رواه ( شعراء القتيبي ) : أنّ واليا من قريش على المدينة كان عنده ابن مطير و كان مطر جود فقال له : صف لي هذا المطر قال : دعني اشرف عليه ، فأشرف ثم نزل فقال :

كثرت لكثرة قطره أطباؤه

فإذا تحلب فاضت الأطباء

و له رباب هيدب لرفيفه

قبل التبعق ديمة و طفاء

و كأن ريقه و لما يحتفل

و دق السماء عجاجة كدراء

و كأن بارقه حريق تلتقي

ريح عليه عرفج والاء

مستضحك بلوامع مستعبر

بمدامع لم تمرها الاقذاء

فله بلا حزن و لا بمسرة

ضحك يؤلف بينه و بكاء

حيران متبع صباه يقوده

و جنوبه كنف له و وعاء

غدق ينتج في الأباطح فرقا

تلد السيول و ما لها اسلاء

غرّ محجلة دوالج ضمّنت

حمل اللقاح و كلّهن عذراء

سحم فهنّ إذا كظمن سواجم

سود و هن إذا ضحكن وضاء

لو كان من لجج السواحل ماؤه

لم يبق في لجج السواحل ماء(٢)

٢ من الخطبة ( ١٤١ ) و من خطبة لهعليه‌السلام في الاستسقاء :

أَلاَ وَ إِنَّ اَلْأَرْضَ اَلَّتِي تَحْمِلُكُمْ وَ اَلسَّمَاءَ اَلَّتِي تُظِلُّكُمْ مُطِيعَتَانِ لِرَبِّكُمْ

____________________

( ١ ) النهاية لابن الأثير ٢ : ٤٨٧ .

( ٢ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٣٨ ٣٩ ، في مقدمة الكتاب .

١١٥

وَ مَا أَصْبَحَتَا تَجُودَانِ لَكُمْ بِبَرَكَتِهِمَا تَوَجُّعاً لَكُمْ وَ لاَ زُلْفَةً إِلَيْكُمْ وَ لاَ لِخَيْرٍ تَرْجُوَانِهِ مِنْكُمْ وَ لَكِنْ أُمِرَتَا بِمَنَافِعِكُمْ فَأَطَاعَتَا وَ أُقِيمَتَا عَلَى حُدُودِ مَصَالِحِكُمْ فَأَقَامَتَا إِنَّ اَللَّهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ عِنْدَ اَلْأَعْمَالِ اَلسَّيِّئَةِ بِنَقْصِ اَلثَّمَرَاتِ وَ حَبْسِ اَلْبَرَكَاتِ وَ إِغْلاَقِ خَزَائِنِ اَلْخَيْرَاتِ لِيَتُوبَ تَائِبٌ وَ يُقْلِعَ مُقْلِعٌ وَ يَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ وَ يَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ وَ قَدْ جَعَلَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ اَلاِسْتِغْفَارَ سَبَباً لِدُرُورِ اَلرِّزْقِ وَ رَحْمَةِ اَلْخَلْقِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ( اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ اَلسَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ ) ٢ ٢٣ ٧١ : ١٠ ١٢(١) فَرَحِمَ اَللَّهُ اِمْرَأً اِسْتَقْبَلَ تَوْبَتَهُ وَ اِسْتَقَالَ خَطِيئَتَهُ وَ بَادَرَ مَنِيَّتَهُ اَللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ مِنْ تَحْتِ اَلْأَسْتَارِ وَ اَلْأَكْنَانِ وَ بَعْدَ عَجِيجِ اَلْبَهَائِمِ وَ اَلْوِلْدَانِ رَاغِبِينَ فِي رَحْمَتِكَ وَ رَاجِينَ فَضْلَ نِعْمَتِكَ وَ خَائِفِينَ مِنْ عَذَابِكَ وَ نِقْمَتِكَ اَللَّهُمَّ فَاسْقِنَا غَيْثَكَ وَ لاَ تَجْعَلْنَا مِنَ اَلْقَانِطِينَ وَ لاَ تُهْلِكْنَا بِالسِّنِينَ وَ لاَ تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ اَلسُّفَهَاءُ مِنَّا يَا أَرْحَمَ اَلرَّاحِمِينَ اَللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا نَشْكُو إِلَيْكَ مَا لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ حِينَ أَلْجَأَتْنَا اَلْمَضَايِقُ اَلْوَعْرَةُ وَ أَجَاءَتْنَا اَلْمَقَاحِطُ اَلْمُجْدِبَةُ وَ أَعْيَتْنَا اَلْمَطَالِبُ اَلْمُتَعَسِّرَةُ وَ تَلاَحَمَتْ عَلَيْنَا اَلْفِتَنُ اَلْمَسْتَصْعَبَةُ اَللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَلاَّ تَرُدَّنَا خَائِبِينَ وَ لاَ تَقْلِبَنَا وَاجِمِينَ وَ لاَ تُخَاطِبَنَا بِذُنُوبِنَا وَ لاَ تُقَايِسَنَا بِأَعْمَالِنَا اَللَّهُمَّ اُنْشُرْ عَلَيْنَا غَيْثَكَ وَ بَرَكَتَكَ وَ رِزْقَكَ وَ رَحْمَتَكَ وَ اِسْقِنَا سُقْيَا نَافِعَةً مُرْوِيَةً مُعْشِبَةً تُنْبِتُ بِهَا مَا قَدْ فَاتَ وَ تُحْيِي بِهَا مَا قَدْ مَاتَ نَافِعَةَ اَلْحَيَا كَثِيرَةَ اَلْمُجْتَنَى تُرْوِي بِهَا اَلْقِيعَانَ وَ تُسِيلُ اَلْبُطْنَانَ وَ تَسْتَوْرِقُ اَلْأَشْجَارَ وَ تُرْخِصُ اَلْأَسْعَارَ إِنَّكَ عَلَى مَا تَشَاءُ قَدِيرٌ « ألا و ان الأرض التي تحملكم و السماء التي تظلكم »( الذي جعل لكم الأرض

____________________

( ١ ) نوح : ١٠ ١٢ .

١١٦

فراشا و السماء بناء ) .(١) .

في ( توحيد المفضل ) : أوّل العبر و الدلائل على الباري جلّ قدسه تهيئة هذا العالم و تأليف أجزائه و نظمها على ما هي عليه ، فإنّك إذا تأملت العالم بفكرك و خبرته بعقلك وجدته كالبيت المبني المعدّ فيه جميع ما يحتاج إليه عباده ، فالسماء مرفوعة كالسقف ، و الأرض ممدودة كالبساط ، و النجوم مضيئة كالمصابيح ، و الجواهر مخزونة كالذخائر ، و كل شي‏ء فيها لشأنه معدّ ، و الإنسان كالمملك ذلك البيت و المخول جميع ما فيه ، و ضروب النبات مهيأة لمآربه ، و صنوف الحيوان مصروفة في مصالحه و منافعه ، ففي هذا دلالة واضحة على أنّ العالم مخلوق بتقدير و حكمة و نظام و ملاءمة و أنّ الخالق له واحد ، و هو الذي ألّفه و نظمه بعضا إلى بعض ، تعالى عما يقول الجاحدون و عظم عما ينتحله الملحدون(٢) .

« مطيعتان لربكم » .( فقال لها و للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين و أوحى في كلِّ سماء أمرها ) (٣) .

« و ما أصبحتا تجودان لكم ببركتهما توجّعا لكم » كغني يجود على مسكين توجعا له .

« و لا زلفة » أي : قربة .

« إليكم » كمن يهدي إلى سلطان أو أمير تقربا إليه .

« و لا لخير ترجوانه منكم » كمحترف يهدي إلى غني رجاء اكثر منه .

« و لكن امرتا بمنافعكم فأطاعتا و اقيمتا على حدود مصالحكم فأقامتا »( أولم

____________________

( ١ ) البقرة : ٢٢ .

( ٢ ) التوحيد للمفضل بن عمر : ٤٧ .

( ٣ ) فصلت : ١١ ١٢ .

١١٧

ير الذين كفروا أنّ السماوات و الأرض كانتا رتقاً ففتقناهما ) .(١) .

و عن السجادعليه‌السلام : جعل تعالى الأرض ملائمة لطبائعكم موافقة لأجسادكم و لم يجعلها شديدة الحرارة فتحرقكم و لا شديدة البرودة فتجمدكم و لا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم و لا شديدة النتن فتعطبكم و لا شديدة اللين كالماء فتغرقكم و لا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم و أبنيتكم و قبور موتاكم ، و لكنّه عزّ و جلّ جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به و تتماسكون عليه و تتماسك عليها أبدانكم و بينانكم ، و جعل فيها ما تنقاد به لدوركم و قبوركم و كثير من منافعكم ، فذلك قوله تعالى .( جعل لكم الأرض فراشاً ) .(٢) و قوله تعالى .( و السماء بناء ) .(٣) يعني سقفا محفوظا من فوقكم يرى فيها شمسها و قمرها و نجومها لمنافعكم ثم قال( و أنزل من السماء ماء ) (٤) يعني المطر ينزله من علو ليبلغ قلل جبالكم و تلالكم و هضابكم و أوهادكم ، ثم فرّقه رذاذا و وابلا و هطلا لتنشفه أرضوكم ، و لم يجعل ذلك المطر نازلا عليكم قطعة واحدة فيفسد أراضيكم و أشجاركم و زروعكم و ثماركم .

« إنّ اللَّه يبتلي عباده عند الاعمال السيئة بنقص الثمرات و حبس البركات و اغلاق خزائن الخيرات » في ( الكافي )(٥) : عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى :

( فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا و ظلموا أنفسهم ) .(٦) هؤلاء قوم كانت لهم

____________________

( ١ ) الأنبياء : ٣٠ .

( ٢ ) البقرة : ٢٢ .

( ٣ ) البقرة : ٢٢ .

( ٤ ) إبراهيم : ٣٢ .

( ٥ ) الكافي ٢ : ٢٧٤ ، رواية ٢٣ .

( ٦ ) سبأ : ١٩ .

١١٨

قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض و أنهار جارية و أموال ظاهرة ، فكفروا نعم اللَّه و غيّروا ما بأنفسهم من عافية اللَّه فغيّر اللَّه ما بهم من نعمة ، و إنّ اللَّه لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم ، فأرسل اللَّه عليهم سيل العرم ففرق قراهم و خرّب ديارهم و ذهب بأموالهم و أبدلهم مكان جنّاتهم جنتين ذواتي ، اكل خمط و أثل و شي‏ء من سدر قليل ثم قال :( ذلك جزيناهم بما كفروا و هل نجازي الا الكفور ) (١) ( و لو أنّ أهل القرى آمنوا و اتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض ) .(٢) ( أفأمِن أهلُ القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا و هم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحىً و هم يلعبون أفأمِنوا مكر اللَّه فلا يأمن مكر اللَّه الاّ القوم الخاسرون أو لم يهدِ للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ) .(٣) .

و في ( الكافي ) : عن الرضاعليه‌السلام : أوحى اللَّه تعالى إلى نبي من الأنبياء : إذا أطعت رضيت و إذا رضيت باركت و ليس لبركتي نهاية ، و إذا عصيت غضبت و إذا غضبت لعنت و لعنتي تبلغ السابع من الورى(٤) .

و عنهعليه‌السلام : كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعلمون أحدث اللَّه لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون(٥) .

و عنهعليه‌السلام : إنّ للَّه تعالى في كل يوم و ليلة مناديا ينادي : مهلا مهلا عباد اللَّه عن معاصي اللَّه ، فلو لا بهائم رتّع و صبية رضّع و شيوخ ركّع لصبّ

____________________

( ١ ) سبأ : ١٧ .

( ٢ ) الأعراف : ٩٦ .

( ٣ ) الأعراف : ٩٧ ١٠٠ .

( ٤ ) الكافي ٢ : ٢٧٥ ح ٢٦ .

( ٥ ) المصدر نفسه ٢ : ٢٧٥ ح ٢٩ .

١١٩

عليكم العذاب صبّا ترضون به رضا(١) .

و عن الصادقعليه‌السلام : من همّ بسيئة فلا يعملها فإنّه ربما عمل البلا لسيئة فيراه الرب فيقول : و عزّتي لا أغفر لك بعد ذلك أبدا ، و إنّ العمل السيي‏ء أسرع في صاحبه من السكين في اللحم(٢) .

و عنهمعليهم‌السلام : حقّ على اللَّه ألاّ يعصى في دار إلاّ أضحاها الشمس حتى يطهرها(٣) .

هذا ، و في ( الطبري ) : أصابت الناس في سنة ( ١٨ ) مجاعة شديدة و جدوب و قحوط و سمّي ذاك العام عام الرمادة ، قال ابن إسحاق : و كان في ذاك العام أيضا طاعون عمواس فتفانى فيها اناس(٤) .

و في ( عيون القتيبي ) : عن وهب بن منبه قال : أوحى اللَّه تعالى إلى نبي من بني اسرائيل يقال له أرميا حين ظهرت فيهم المعاصي : أن قم بين ظهراني قومك فأخبرهم أنّ لهم قلوبا و لا يفقهون و أعينا و لا يبصرون و آذانا و لا يسمعون ، و إنّي تذكرت صلاح آبائهم فعطفني ذلك على أبنائهم ، سلهم كيف وجدوا غب طاعتي ؟ و هل سعد أحد ممن عصاني بمعصيتي ؟ و هل شقى أحد ممن أطاعني بطاعتي ؟ إنّ الدواب تذكر أوطانها فتنزع إليها و إنّ هؤلاء القوم تركوا الأمر الذي أكرمت عليه آباءهم و التمسوا الكرامة من غير وجهها ، أمّا أحبارهم فأنكروا حقي و أمّا قراؤهم فعبدوا غيري ، و اما نسّاكهم فلم ينتفعوا بما علموا من حكمتي ، و أما ولاتهم فكذبوا عليّ و كذبوا رسلي ، خزنوا المكر في قلوبهم و عوّدوا الكذب ألسنتهم ، و إنّي اقسم بجلالي و عزتي لأتيحنّ عليهم

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ٢ : ٢٧٦ ح ٣١ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٢٧٢ الرواية ( ١٦ ) .

( ٣ ) المصدر نفسه ٢ : ٢١٣ الرواية ( ١٧ ) .

( ٤ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٣ : ١٩٠ .

١٢٠