بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 639
المشاهدات: 237682
تحميل: 8107


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 237682 / تحميل: 8107
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 14

مؤلف:
العربية

كان فالتقييد بهنا لأنّ المنسك يأتي كمعان ، ففي ( الصحاح ) : نسكت الشي‏ء : أي غسلته بالماء(١) ، العبادة ، و النسيكة الذبيحة ، و الجمع نسك و نسائك ، و المنسك و المنسك بفتح السين و كسره الموضع الذي تذبح فيه النسائك .

هذا ، و في ( طبقات كاتب الواقدي ) قالوا : كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين ، فإذا صلّى و خطب اتى بأحدهما و هو قائم في مصلاه فذبحه بيده بالمدية ثم يقول : « اللهم هذا عن امتي جميعا من شهد لك بالتوحيد و شهد لي بالبلاغ » ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بيده ثم يقول « هذا عن محمّد و آل محمّد » فيأكل هو و أهله منها و يطعم المساكين(٢) .

و في ( تنبيه المسعودي )(٣) : ضحى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في سنة ( ٢ ) من الهجرة أول اضحى رآه المسلمون و امر بذلك ، و خرج إلى المصلى و ذبح به شاتين(٤) .

و في ( تذكرة سبط ابن الجوزي )(٥) : قال أحمد بن حنبل في ( فضائله ) :

بإسناده عن عليّعليه‌السلام قال : أمرني النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن اضحي عنه ، فأنا اضحي عنه أبدا فكانعليه‌السلام يضحي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن استشهد ، بكبشين أملحين(٦) .

قال محمّد بن شهاب الزهري : إنّما خص النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله علياعليه‌السلام بذلك دون أقاربه و أهله لقربه منه ، فكأنه فعل ذلك بنفسه(٧) .

و في ( الطبري ) : خطب إبراهيم بن هشام المخزومي خال هشام بن عبد

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ٣ : ١٦١٢ مادة ( نسك ) .

( ٢ ) الطبقات الكبرى لابن سعد ١ : ٢٤٩ .

( ٣ ) التنبيه للمسعودي : ٢٠٧ .

( ٤ ) تذكرة الخواص : ٤١ .

( ٥ ) تذكره الخواص لسبط ابن الجوزي : ٤١ .

( ٦ ) بحار الأنوار للمجلسي : ٢٢٠ الرواية ١٣ الباب ( ٩ ) .

( ٧ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٤١ .

١٤١

الملك بمنى فقال : سلوني فأنا ابن الوحيد لا تسألون أحدا أعلم مني فقام إليه رجل من أهل العراق فسأله عن الأضحية أهي واجبة ؟ فما درى أي شي‏ء يقول ، فنزل(١) .

و فيه أيضا : ضحى أهل سامراء في سنة ( ٢٤٦ ) يوم الاثنين على الرؤية و أهل مكة يوم الثلاثاء ، و قدم في سنة ( ٢٤٠ ) محمّد بن عبد اللَّه بن طاهر بغداد منصرفا من مكة في صفر فشكا ما ناله من الغم بما وقع من الخلاف في يوم النحر ، فأمر المتوكل بإنفاذ خريطة صفراء من الباب إلى أهل الموسم برؤية هلال ذي الحجة و أن يسار بها كما يسار بالخريطة الواردة بسلامة الموسم .

و في ( عيون القتيبي ) : كان بالبصرة ثلاثة إخوة من ولد عتاب بن أسيد ، كان احدهم يحج عن حمزة و يقول : استشهد قبل أن يحج و كان الآخر يفطر عن عائشة أيام التشريق و يقول : غلطت في صومها أيام العيد فمن صام عن أبيه و امه فأنا أفطر عن أمي عائشة و كان الآخر يضحى عن أبي بكر و عمر و يقول : أخطآ السنة في ترك الأضحية(٢) و نقل ( بيان الجاحظ ) عن الخليل : أنّ الثلاثة كانوا إخوة أبي قطبة البخيل(٣) .

و في ( عقد ابن عبد ربه ) : قال الأصمعي : ولي رجل قضاء الأهواز فأبطأت عليه أرزاقه و ليس عنده ما يضحي به ، فشكا ذلك إلى امرأته و اخبرها بما هو فيه من الضيق و أنّه لا يقدر على أضحية ، فقالت له : لا تغتم فإنّ عندي ديكا عظيما قد سمنته ، فإذا كان يوم الأضحى ذبحناه فبلغ جيرانه الخبر فأهدوا له ثلاثين كبشا و هو في المصلى لا يعلم فلما صار إلى منزله و رأى ما

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٤ : ١٢٨ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٥٥ .

( ٣ ) البيان و التبيان ، لم نعثر عليه .

١٤٢

فيه من الأضاحي قال لامرأته من أين هذا ؟ قالت : أهدى لنا فلان و فلان و فلان حتى سمت له جماعة فقال لها : يا هذه تحفظي بديكنا هذا فلهو أكرم على اللَّه من إسحاق بن إبراهيم ، إنّه فدى ذلك بكبش واحد و فدى ديكنا هذا بثلاثين كبشا(١) .

و في ( يتيمة الثعالبي )(٢) : كتب الصابي إلى الشريف الموسوي السيد الرضي :

مرجيك و صابيك

هذا الأضحى يهنيكا

و يدعو لك ، و اللَّه

مجيب ما دعا فيكا

و قد أوجز إذ قال

مقالا و هو يكفيكا

أراني اللَّه اعداءك

في حال أضاحيكا

و فيه كتب الصابي إلى صمصام الدولة يهنيه بالأضحى :

يا سنة البدر في الدياجي

و غرة الشمس في الصباح

صمصام حرب و غيث سلم

ناهيك في البأس و السماح

اسعد بفطر مضى و اضحى

و افاك باليمن و النجاح

و انحر اعادي بني بويه

بالسيف في جملة الأضاحي

فالكل منهم ذوو قرون

يصلح للذهاب و النطاح

و فيه كتب الصابي إلى عضد الدولة في عيد أضحى :

و كفاك من نحر الأضاحي فيه ما

نحرت يمينك من طلا الاعداء

حرمت مآكلها علينا و اغتدت

حلاّ لوحش القفر و البيداء

صل يا ذا العلا لربك و انحر

كل ضد و شأن لك أبتر

____________________

( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٦ : ٤٣٨ .

( ٢ ) اليتيمة للثعالبي ٢ : ٣٣٠ .

١٤٣

أنت أعلى من أن تكون

أضاحيك قروما من الجمال تعفر

بل قروما من الملوك ذوي السؤدد

تيجانها أمامك تنثر

كلما خر ساجدا لك رأس

منهم قال سيفك اللَّه أكبر(١)

و في ( العقد ) : خطب عبد اللَّه بن عامر بالبصرة في يوم أضحى ، فأرتج عليه فمكث ساعة ثم قال : و اللَّه لا أجمع عليكم عيا و لؤما من اخذ شاة من السوق فهي له و ثمنها علي(٢) .

و في ( كنايات الجرجاني ) : حكي أن المفضل الضبي بعث بأضحية هزيلة إلى شاعر ، ثم لقيه فسأله عنها فقال : كانت قليلة الدم ، فضحك المفضل :

و قال مهلا أردت قوله :

و لو ذبح الضبي بالسيف لم تجد

من اللؤم للضبي لحما و لا دما(٣)

هذا ، و في ( سنن أبي داود ) عن النفيلي عن زهير عن أبي اسحاق عن شريح ابن النعمان و كان رجل صدق عن عليّعليه‌السلام قال : أمرنا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ان نستشرف العين و الاذنين و ألاّ نضحى بعوراء و لا مقابلة و لا مدابرة و لا خرقاء و لا شرقاء قال زهير : فقلت لأبي إسحاق أذكر عضباء ؟ فقال : لا قلت :

فما المقابلة قال : قطع طرف الاذن قلت : فالمدابرة ؟ قال : قطع من مؤخر الاذن .

قلت : فالشرقاء ؟ قال : شق الاذن قلت : فالخرقاء ؟ قال : خرق اذنها للسمة(٤) .

و في ( ميزان الذهبي ) : عن عبد الرحمن بن محمّد بن حبيب الجرمي صاحب الانماط عن أبيه عن جدّه أنّه شهد خالدا ضحى بالجعد بن درهم(٥) .

____________________

( ١ ) يتيمة الدهر للثعالبي ٢ : ٣٣٠ .

( ٢ ) العقد الفريد ٤ : ١٤٩ .

( ٣ ) منتخب الكنايات للجرجاني : ٧٧ .

( ٤ ) سنن أبي داود ١ : ٦٤١ ح ٤٨٠٤ .

( ٥ ) ميزان الاعتدال للذهبي ٢ : ٥٨٥ ترجمة عبد الرحمن بن محمّد .

١٤٤

قلت : مراده بخالد خالد بن عبد اللَّه القسري و بالجعد الذي ينسب مروان ابن محمّد بن مروان آخر خلفاء بني امية إليه ، فكان معروفا بمروان الجعدي كما كان معروفا بمروان الحمار ، كان جعد زنديقا قالوا زعم أنّ اللَّه لم يتخذ إبراهيم خليلا و لم يكلم موسى ، و كان مروان على مذهبه فكان أهل الموصل يقولون لمروان : يا جعدي يا معطل ، قتل جعدا خالد القسري بالعراق يوم النحر و جعله عوض أضحية(١) .

____________________

( ١ ) ميزان الاعتدال ١ : ٣٩٩ في ترجمة الجعد بن درهم .

١٤٥

الفصل الثاني و الخمسون في الاقبال و الادبار

١٤٦

١ من الحكمة ( ٨ ) قَالَ ع :

إِذَا أَقْبَلَتِ اَلدُّنْيَا عَلَى أَحَدٍ أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ وَ إِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُمْ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ أقول : الأصل فيه كما في ( مروج المسعودي ) : نقل ضرار بن ضمرة ذلك الكلام عنهعليه‌السلام في جملة كلمات اخرى عنهعليه‌السلام لمعاوية(١) .

و روى سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) نقلا من ( كتاب سر العالمين للغزالي ) أبياتا لهعليه‌السلام قريبة من العنوان ، و هي :

المرء في زمن الاقبال كالشجره

و حولها الناس ما دامت لها الثمره

حتى إذا ما عرت من حملها انصرفوا

عنها عقوقا و قد كانوا لها برره

و حاولوا قطعها من بعد ما شفقوا

دهرا عليها من الارياح و الغبره

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٤٢١ .

١٤٧

قلّت مروات أهل الأرض كلهم

الا الاقل فليس العشر من عشره

لا تحمدن امرأ حتى تجرّبه

فربما لا يوافي خبره خبره(١)

و من شواهد كلامهعليه‌السلام ما في ( وزراء الجهشياري ) عن جبرئيل الطبيب و كان صنيع البرامكة قال : دخلت على الرشيد يوما و هو جالس على بساط على مشرعة باب خراسان في ما بين الخلد و الفرات و ام جعفر من وراء ستر ، فقال الرشيد : قد وجدت شيئا فأشر عليها بما تعمل به قال : فبينا أنا أنظر في ذلك ارتفعت صيحة عظيمة ، فسأل عنها فقيل له : يحيى بن خالد ينظر في امور المتظلمين فقال : بارك اللَّه عليه و أحسن جزاءه فقد خفف عني و حمل الثقل و ذكره بجميل ففعلت ام جعفر مثل ذلك و لم تدع شيئا يذكره أحد من جميل إلاّ ذكرته به قال : فامتلأت بذلك سرورا و قلت في ذلك بما أمكنني و خرجت مبادرا إلى يحيى فخبرته بذلك فسرّ به .

و مضت مدة ثم جاءني يوما رسول الرشيد ، فصرت إليه فوجدته جالسا في ذلك المجلس بعينه و ام جعفر من وراء الستر أيضا و الفضل بن الربيع بين يديه ، و قد وجدت ام جعفر شيئا فأمرني بتأمل علّتها ، و إنّي لفي ذلك إذ ارتفعت ضجة شديدة ، فقال الرشيد : ما هذا ؟ فقيل : يحيى ينظر في امور المتظلمين فقال : فعل اللَّه به و فعل و أقبل يذمّه و يسبّه و قال : استبدّ بالامور دوني و أمضاها على غير رأيي و عمل بما أحبّه دون محبتي ، و تكلمت ام جعفر بنحو من كلامه و ثلبته أكثر مما يثلب به أحد ، فورد علي من ذلك ما أقام و أقعد ، ثم أقبل علي الرشيد فقال لي : يا جبرئيل إنّه لم يسمع كلامي غيرك و غير الفضل ، و ليس الفضل ممن يحكى شيئا عني و علي لئن تجاوزك لأتلفن نفسك .

قال : فتبرأت عنده من ذكره و اكبرت الإقدام على حكاية شي‏ء منه و انصرفت ،

____________________

( ١ ) تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي : ١٧٤ نقله عن كتاب سرّ العالمين للغزالي .

١٤٨

فلم أصبر و قلت : و اللَّه إن تلفت نفسي في الوفاء لم ابال و صرت إلى يحيى فعرفته ما جرى ، فقال لي : أتذكر و قد جئتني في يوم كذا من شهر كذا و أنا في هذا الموضع فحكيت عن الرشيد إلاّ حماد و الثناء و عن ام جعفر مثل ذلك ؟

فقلت : نعم و عجبت من حفظه الوقت فقال : إنّه لم يكن مني في هذه الحال التي ذمني فيها شي‏ء لم يكن مني في ذلك الوقت الذي أحمدني فيه ، و لكن المدة إذا آذنت بالانقضاء جعلت المحاسن مساوي و من أراد أن يتجني قدر(١) .

و في السير : قيل ليحيى البرمكي : أخبرنا بأحسن ما رأيت في أيام سعادتك فقال : ركبت يوما في سفينة اريد التنزه ، فلما أردت الخروج اتكأت على لوح من ألواحها و كان باصبعي خاتم ، فطار فصه من يدي و كان ياقوتا أحمر قيمته ألف مثقال من الذهب ، فتطيرت من ذلك ثم عدت إلى منزلي و إذا بالطباخ قد أتى بذلك الفص بعينه و قال : أيّها الوزير لقيت هذا الفص في بطن حوت من حيتان اشتريتها للمطبخ فقلت : هذا لا يصلح الا للوزير فقلت : الحمد للَّه هذا بلوغ الغاية .

و قيل له : أخبرنا ببعض ما لقيت من المحن قال : اشتهيت لحما في قدر و انا في السجن ، فغرمت ألف دينار في شهوتي حتى أتيت بقدر و لحم مقطع و أتيت بنار فأوقدت تحت القدر و نفخت و لحيتي في الأرض حتى كادت روحي تخرج فلما نضجت تركتها تفور و تغلى و فتتت الخبز و عمدت لإنزلها ، فانفلتت من يدي و انكسر القدر على الأرض فبقيت ألتقط اللحم و امسح منه التراب و آكله و ذهب المرق الذي كنت أشتهيه .

و في ( وزراء الجهشياري ) : ذكر الكرماني أنّ الفضل بن يحيى نقل من محبس كان فيه إلى محبس آخر ، فوقف له بعض العامة فدعا عليه ، فاضطرب

____________________

( ١ ) الوزراء و الكتّاب للجهشياري : ٢٢٥ ٢٢٦ .

١٤٩

الفضل من ذلك اضطرابا لم ير منه مثل قبله في شي‏ء من حوادث النكبة ، فقال لبعض من كان معه : أحبّ أن تلقى هذا الرجل و تسأله عما دعاه إلى ما كان هل لحقه من بعض أسبابنا على غير علم منا ظلم فنتلافيه ، فصار الرسول إليه فسأله هل لحقه منه ما يوجب ذلك ؟ قال : لا و اللَّه و لكن قيل لي إنّ هؤلاء كلهم زنادقة فلما عاد الرسول إليه بذلك قال : و اللَّه سريت عني و فرجت عني ثم أنشد :

غير ما طالبين ذحلا و لكن

مال دهر على اناس فمالوا(١)

و قال ابن أبي الحديد : كان الرشيد أيام كان حسن الرأي في جعفر البرمكي يحلف باللَّه أن جعفرا أفصح من قس بن ساعدة و أشجع من عامر بن الطفيل و أكتب من عبد الحميد بن يحيى و أسوس من ابن الخطاب و أحسن من مصعب بن الزبير و لم يكن جعفر حسن الصورة كان طويل الوجه جدا و أنصح له من الحجاج لعبد الملك و أسمح من عبد اللَّه بن جعفر و أعفّ من يوسف بن يعقوب فلما تغير رأيه فيه أنكر محاسنه الحقيقية التي لا يختلف اثنان أنّها فيه نحو كياسته و سماحته ، و كان جعفر لم يجسر أحد أن يرد عليه قولا و لا رأيا ، فيقال : إنّ أوّل ما ظهر من تغير الرشيد له أنّه كلم الفضل بن الربيع بشي‏ء فردّه عليه الفضل و لم تجر عادته من قبل أن يفتح فاه في وجهه .

فأنكر سليمان بن أبي جعفر ذلك على الفضل ، فغضب الرشيد لإنكار سليمان و قال له : ما دخولك بين أخي و مولاى كالراضي بما كان من الفضل ثم تكلم جعفر بشي‏ء قاله للفضل فقال الفضل للرشيد : أشهد عليه فقال له جعفر : فضّ اللَّه فاك يا جاهل إذا كان الخليفة الشاهد فمن الحاكم المشهود عنده فضحك

____________________

( ١ ) الوزراء و الكتّاب للجهشياري : ٢٥٨ ٢٥٩ .

١٥٠

الرشيد و قال : يا فضل لا تمار جعفرا فانك لا تقع عنه موقعا(١) .

و في صلة ( تاريخ الطبري ) : غضب المقتدر في سنة ( ٢٩٩ ) على وزيره علي ابن محمد بن فرات و كانت له أياد جليلة و فضائل كثيرة ، فلم يمسك الناس عن انتقاصه و هجوه مع حسن آثاره(٢) .

و في ( كامل المبرد ) : دخل يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج على سليمان بن عبد الملك و كان يزيد دميما ، فلما رآه قال : قبّح اللَّه رجلا أجرك سنه و أشركك في أمانته فقال له يزيد : رأيتني و الأمر لك و هو عني مدبر ، و لو رأيتني و الأمر علي مقبل لاستكبرت مني ما استصغرت و استعظمت مني ما استحقرت فقال له سليمان : أترى الحجاج استقر في قعر جهنم بعد فقال : لا تقل ذلك ، فإنّ الحجاج وطأ لكم المنابر و أذلّ لكم الجبابر و هو يجي‏ء يوم القيامة عن يمين أبيك و يسار أخيك فحيث كانا كان(٣) .

و في ( كامل ابن الأثير ) : توفي المعز لدين اللَّه العلوي بمصر سنة ( ٣٦٥ ) و كان سبب موته أن ملك الروم بالقسطنطنية أرسل إليه رسولا كان يتردّد إليه بإفريقية ، فخلا به بعض الأيام فقال له المعز : أتذكر إذ أتيتني رسولا و أنا بالمهدية فقلت لك لتدخلّن عليّ و أنا بمصر مالكا لها ؟ قال : نعم قال : و أنا أقول لك لتدخلن علي بغداد و انا خليفة فقال له الرسول : إن آمنتني على نفسي و لم تغضب قلت لك ما عندي فقال له المعز : قل و أنت آمن قال الرسول : بعثني إليك الملك ذلك العام فرأيت من عظمتك في عيني و كثرة أصحابك ما كدت أموت منه ، و وصلت إلى قصرك فرأيت عليه نورا عظيما غطى بصري ، ثم

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٠٥ .

( ٢ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٥ : ٦٧٥٠ ، دار الكتب العلمية .

( ٣ ) الكامل للمبرد ٢ : ٥٤٦ ٥٤٧ .

١٥١

دخلت عليك فرأيتك على سريرك فظننتك خالقا ، فلو قلت لي إنّك لتعرج إلى السماء لتحققت ذلك ، ثم جئت إليك الآن فما رأيت من ذلك شيئا أشرفت على مدينتك فكانت في عيني سوداء مظلمة ، ثم دخلت عليك فما وجدت لك من المهابة ما وجدته ذلك العام ، فقلت : ان ذلك كان امرا مقبلا و إنّه الآن بضد ما كان عليه فأطرق المعز و خرج الرسول من عنده و اخذت المعز الحمى لشدة ما وجد حتى مات(١) .

٢ الحكمة ( ٢٣٩ ) وَ قَالَ ع :

صَوَابُ اَلرَّأْيِ بِالدُّوَلِ يُقْبِلُ بِإِقْبَالِهَا وَ يَذْهَبُ بِإِدْبَارِهَا أقول : و من شواهد كلامهعليه‌السلام ما في ( الطبري ) قال هشام بن عمرو التغلبي : كنت في عسكر أبي مسلم لما حارب عبد اللَّه بن علي من قبل المنصور ، فتحدث الناس فقيل : أي الناس أشد ؟ فقال : قولوا حتى أسمع فقال رجل : أشدّ الناس أهل خراسان ، و قال : قوم أهل الشام فقال أبو مسلم : كل قوم في دولتهم أشدّ الناس(٢) .

و ما فيه في قتال المثنى بن حارثة مع العجم من قبل عمر قال المثنى :

قاتلت العرب و العجم في الجاهلية و الإسلام ، و اللَّه لمائة من العجم في الجاهلية كانوا أشدّ علي من ألف من العرب لمائة من العرب اليوم أشد علي من ألف من العجم ، إنّ اللَّه اذهب مصذوقتهم و وهن كيدهم ، فلا يرو عنكم زهاء ترونه و لا سواد و لا قسي فج و لا نبال طوال ، فإنّهم إذا أعجلوا عنها أو فقدوها كالبهائم

____________________

( ١ ) الكامل لابن الأثير ٨ : ٦٦٣ ٦٦٤ .

( ٢ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٢ : ٣٧٣ .

١٥٢

أينما وجهتموها اتجهت .

و ما في ( الأغاني ) : كان جعفر بن منصور يستخف مطيع بن إياس و يحبه و كان منقطعا إليه و له معه منزلة حسنة ، فذكر له حماد الراوية و كان صديقه و كان مطرحا مجفوا في أيامهم ، فقال : إيتنا به لنراه فأتى مطيع حمادا فأخبره بذلك و أمره بالمسير معه إليه ، فقال له حماد : دعني فإنّ دولتي كانت مع بني أمية و مالي عند هؤلاء خير فأبى مطيع إلاّ الذهاب إليه ، فاستعار حماد سوادا و سيفا ، ثم أتاه ثم مضى به مطيع إلى جعفر ، فأمره بالجلوس و قال له :

أنشدني قال : لمن أيها الأمير ؟ الشاعر بعينه أم لمن حضر ؟ قال : بل لجرير .

قال حماد : فسلخ و اللَّه شعر جرير كله من قلبي إلاّ قوله :

بأن الخليط برامتين فودعوا

أو كلما اعتزمو البين تجزع(١)

فأنشدت حتى انتهيت إلى قوله :

و تقول بوزع قد دببت على العصا

هلا هزأت بغيرنا يا بوزع(٢)

فقال لي : اعد علي هذا البيت ، فأعدته فقال : بوزع أي شي‏ء هو ؟ فقلت :

اسم امرأة قال : امرأة اسمها بوزع هو نفي من العباس بن عبد المطلب إن كانت بوزع إلاّ غولا من الغيلان ، تركتني و اللَّه يا هذا الليلة لا أنام من فزع بوزع ، يا غلمان قفاه فصفعت و اللَّه حتى لم أدر أين أنا ، ثم قال : جروا برجله فجروا برجلي حتى اخرجت من بين يديه مسحوبا فتخرق السواد و انكسر جفن السيف و لقيت شرا عظيما مما جرى علي ، و كان أغلظ من ذلك كله إغرامي ثمن السواد و جفن السيف ، فلما انصرفت أتاني مطيع يتوجع لي فقلت له : ألم

____________________

( ١ ) ديوان جرير : ٢٦٧ .

( ٢ ) المصدر نفسه : ٢٦٨ .

١٥٣

اخبرك أنّي لا اصيب منهم خيرا و إنّ حظي قد ذهب مع بني امية(١) .

و قال ابن أبي الحديد : قال الصولي : اجتمع بنو برمك عند يحيى في آخر دولتهم و هم يومئذ عشرة ، فأداروا الرأي بينهم في أمر فلم يصح لهم ، فقال يحيى : انّا للَّه ذهبت و اللَّه دولتنا ، كنّا و اللَّه في إقبالنا يبرم الواحد منّا عشرة آراء مشكلة في وقت واحد ، و اليوم نحن عشرة في أمر غير مشكل و لا يصحّ لنا فيه رأي(٢) .

٣ الحكمة ( ٢٣٠ )

شَارِكُوا اَلَّذِي قَدْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ اَلرِّزْقُ فَإِنَّهُ أَخْلَقُ لِلْغِنَى وَ أَجْدَرُ بِإِقْبَالِ اَلْحَظِّ أقول : ( أخلق ) بمعنى : أجدر ، و الحظ : النصيب ، و في ( الصحاح ) : الحظ :

جمعه أحظ و حظوظ و يجي‏ء على غير قياس أحاظ ، قال القريع :

و ليس الغنى و الفقر من حيل الفتى

و لكن أحاظ قسمت و جدود(٣)

في ( تاريخ بغداد ) : قال الصولي : تذاكرنا يوما عند المبرّد الحظوظ و أرزاق الناس من حيث لا يحتسبون ، قال : هذا يقع كثيرا ، فمنه قول ابن أبي فنن في أبيات عملها لمعنى أراده :

مالي و مالك قد كلفتني شططا

حمل السلاح و قول الدارعين قف

أمن رجال المنايا خلتني رجلا

أمسى و أصبح مشتاقا إلى التف

____________________

( ١ ) الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ٨ : ٢٥٢ ٢٥٣ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٥٤ .

( ٣ ) الصحاح للجوهري ٢ : ١١٧٢ مادة ( حظظ ) .

١٥٤

يمشي المنون إلى غيري فأكرهها

فكيف أسعى إليها بارز الكتف

أم هل حسبت سواد الليل شجّعني

أو أن قلبي في جنبي أبي دلف

فبلغ هذا الشعر أبا دلف فوجّه إليه أربعة آلاف درهم جاءه على غفلة(١) .

قلت : و كما جاء ابن أبي فنن دراهم على غفلة كذلك جاء أبا دلف مديح على غفلة ، و هو أمدح بيت حيث جعله كالمثل في الشجاعة .

و قال ابن أبي الحديد : قال بعضهم : البخت على صورة رجل أعمى أصمّ أخرس و بين يديه جواهر و حجارة و هو يرمي بكلتا يديه(٢) .

ثم زيادة ( المصرية ) كلمة « عليه »(٣) في آخر الكلام زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )(٤) .

٤ الحكمة ( ٥١ ) عَيْبُكَ مَسْتُورٌ مَا أَسْعَدَكَ جَدُّكَ أقول :

في ( الصحاح ) الجد الحظ و البخت ، و في الدعاء « و لا ينفع ذا الجد منك الجد » أي : لا ينفع ذا الغنى عندك غناء ، و « منك » أي عندك ، و قوله تعالى تعالى جد ربنا أي عظمته ، و قيل غناه(٥) .

و في أخبارنا أنّ الجن قالوا ذلك الكلام جهالة فحكاه تعالى عنهم فلا بد أنّهم أرادوا بالجد الحظ و البخت ، و تعالى ربّنا عن الجدّ بمعنى قالوا .

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١٢ : ٤١٩ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٥٧ الرواية ٢٢٧ .

( ٣ ) الطبعة المصرية : ٧٠٨ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٥٧ ، و انظر شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٥ : ٣٥٨ الرواية ٢١٦ .

( ٥ ) الصحاح للجوهري ١ : ٤٥٢ مادة ( جدد ) .

١٥٥

و مما قيل في الجدّ :

و ما لبّ اللبيب بغير حظ

بأغنى في المعيشة من فتيل

رأيت الحظ يستر كلّ عيب

و هيهات الحظوظ من العقول(١)

قلت : و في المصراع الأخير قلب ، و الأصل « و هيهات العقول من الحظوظ » .

أيضا :

إنّ المقادير إذا ساعدت

ألحقت العاجز بالحازم(٢)

أيضا :

و إذا جددت فكلّ شي‏ء نافع

و إذا حددت فكلّ شي‏ء ضائر

أيضا :

ألا فاخش ما يرجى وجدك هابط

و لا تخش ما يخشى وجدك رافع

فلا نافع إلاّ مع النحس ضائر

و لا ضائر إلاّ مع السعد نافع

و قال ابن أبي الحديد : أكثر الناس في الجد و الى الآن لم يتحقق معناه ، و من كلام بعضهم « إذا أقبل البخت باضت الدجاجة على الوتد و إذا أدبر البخت انشغر الهاون في الشمس »(٣) .

و من كلام الحكماء : إنّ السعادة لتلحظ الحجر فيدعى ربّا(٤) .

و قال أبو حيان : نوادر ابن الجصاص الدالة على تغفله و بلهه كثيرة جدّا ، قد صنّف فيها الكتب ، و من جملتها أنّه سمع إنسانا ينشد نسيبا فيه ذكر هند فقال : لا تذكروا حماة النبي إلاّ بخير و أشياء عجيبة أظرف من هذا ، و كانت

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٢٤٢ .

( ٢ ) عيون الأخبار ١ : ٣٢٩ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٨١ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٨١ .

١٥٦

سعادته تضرب بها الأمثال و كثرة أمواله التي لم يجمع لقارون مثلها ، فكان الناس يعجبون من ذلك ، حتى أن جماعة من شيوخ بغداد كانوا يقولون ان ابن الجصاص أعقل الناس و أحزمهم ، و انّه هو الذي ألحم الحال بين المعتضد و بين خمارويه بن أحمد بن طولون و سفر بينهما سفارة عجيبة و بلغ من الجهتين احسن مبلغ ، خطب قطر الندى بنت خمارويه للمعتضد و جهّزها من مصر على أجمل وجه و أعلى ترتيب ، و لكنّه كان يقصد أن يتغافل و يتجاهل و يظهر البله و النقص يستبقي بذلك ماله و يحرس به نعمته و يدفع عنه عين الكمال و حسد الأعيان ، فقلت لأبي غسان البصري : أظنّ ما قاله هؤلاء صحيحا ، فان المعتضد مع حزمه و عقله و كماله و إصابة رأيه ما اختاره للسفارة و الصلح إلاّ و المرجو منه فيما يأتيه و يستقبله من أيامه نظير ما قد شوهد منه فيما مضى من زمانه ، و هل كان يجوز أن يصلح أمرا قد تفاقم فساده برسالة أحمق و سفارة أخرق فقال أبو غسان : إنّ الجد ينسلخ حال الأخرق و يستر عيب الأحمق و يذبّ عن عرض الملطخ و يقرب الصواب :

بمنطقه و الصحة برأيه و النجاح بسعيه ، و الجد يستخدم العقلاء لصاحبه و يستعمل آراءهم و أفكارهم في مطالبه ، و إن ابن الجصاص على ما قيل و حكى و لكن جده كفاه غائلة الحمق ، و لو عرفت خبط العاقل إذا فارقه الجد لعلمت أنّ الجد قد يصيب بجهله ما لا يصيب العالم بعلمه مع حرمانه فقلت له :

فما الجد ؟ فقال : ليس لي عنه عبارة معينة و لكن لي به علم شاف و استفدته بالتجربة و السماع العريض من الصغير و الكبير ، و سمعت امرأة من الأعراب ترقّص ابنا لها و تقول : رزقك اللَّه جدا يخدمك عليه ذوو العقول ، و لا رزقك عقلا تخدم به ذوي الجدود(١) .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٨١ ١٨٢ .

١٥٧

٥ الحكمة ( ١٥٢ ) و قالعليه‌السلام :

لِكُلِّ مُقْبِلٍ إِدْبَارٌ وَ مَا أَدْبَرَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ أقول : في ( المروج ) قال إبراهيم بن المهدي : بعث إليّ الأمين و هو محاصر ، فصرت إليه فإذا هو جالس في طارمة خشبها من عود و صندل عشرة في عشرة ، و إذا سليمان بن أبي جعفر المنصور معه في الطارمة و هي قبة كان اتخذ لها فراشا مبطنا بأنواع الحرير و الديباج المنسوج بالذهب الأحمر و غير ذلك من أنواع الأبريسم ، فسلمت فإذا قدامه قدح بلور مخروز فيه شراب ينفذ مقداره خمسة أرطال و بين يدي سليمان قدح مثله ، فجلست بأزاء سليمان ، فأتيت بقدح كالأول و الثاني ، فقال : إنّما بعثت إليكما لما بلغني قدوم طاهر بن الحسين إلى النهروان و ما قد صنع في أمرنا من المكروه و قابلنا به من الاساءة ، فدعوتكما لأفرّح بكما و بحديثكما فأقبلنا نحدّثه و نؤنسه حتى سلا عمّا كان يجده و فرح و دعا بجارية من خواص جواريه تسمى ضعفا ، فتطيرت من اسمها و نحن على تلك الحال ، فقال لها : غنينا فوضعت العود في حجرها و غنت :

كليب لعمري كان أكثر ناصرا

و أيسر جرما منك ضرج بالدم

فتطير من قولها ثم قال لها : اسكتي قبّحك اللَّه ثم عاد إلى ما كان عليه من الغمّ و الإقطاب ، فأقبلنا نحادثه و نبسطه إلى أن سلا و ضحك ، ثم أقبل عليها و قال : هات ما عندك فغنت :

هم قتلوه كي يكونوا مكانه

كما غدرت يوما بكسرى مرازبه

فأسكتها و زأرها و عاد إلى الحالة الاولى ، فسليناه حتى عاد إلى

١٥٨

الضحك ، فأقبل عليها الثالثة و قال غني ، فغنّت :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس و لم يسمر بمكة سامر

بلى نحن كنّا أهلها فأدبانا

صروف الليالي و الجدود العواثر

و قيل بل غنّت :

أما و رب السكون و الحرك

إنّ المنايا كثيرة الشرك

فقال لها قومي عني فعل اللَّه بك و صنع بك فقامت فعثرت بالقدح الذي كان بين يديه فكسرته فانهرق الشراب ، و كانت ليلة قمراء و نحن في شاطى‏ء دجلة في قصره المعروف بالخلد ، فسمعنا قائلا يقول . . ( قُضي الأمر الذي فيه تسفتيان ) (١) قال إبراهيم بن المهدي : فقمت و قد وثب ، فسمعت منشدا من ناحية القصر ينشد :

لا تعجبن من العجب

قد جاء ما يقضي العجب

قد جاء أمر فادح

فيه لذي عجب عجب

قال إبراهيم : فما قمنا معه بعد تلك الليلة إلى أن قتل(٢) .

و قال ابن أبي الحديد : قال شيخ من همدان : بعثني أهلي في الجاهلية إلى ذي الكلاع بهدايا ، فمكثت تحت قصره حولا لا أصل إليه ، ثم أشرف إشرافة من كوة فخرّ له من حول العرش سجدا ، ثم رأيته بعد ذلك بحمص فقيرا يشتري اللحم و يسمطه خلف دابته و هو القائل :

أفّ لدنيا إذا كانت كذا

أنا منها في هموم و أذى

إن صفا عيش امرى‏ء في صبحها

بوجته ممسيا كأس القذى

____________________

( ١ ) يوسف : ٤١ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٩٢ .

١٥٩

و لقد كنت إذا قيل من

أنعم العالم عيشا قيل ذا(١)

و قال الشاعر :

في هذه الدار في هذا الرواق على

هذي الوسادة كان العز فانقرضا(٢)

و في ( تاريخ خلفاء السيوطي ) : و في سنة ( ٣٢٠ ) ركب مونس على المقتدر فكان معظم جند مونس البربر ، رمى بربري المقتدر بحربة سقط منها ثم ذبحه بالسيف و شيل رأسه على الرمح و بقي مكشوف العورة حتى ستر بالحشيش قيل إنّ وزيره أخذ له ذلك اليوم طالعا فقال له المقتدر : أي وقت هو ؟ قال : وقت الزوال فتطير و هم بالرجوع ، فأشرفت خيل مونس و نشبت الحرب(٣) .

هذا ، و عنهعليه‌السلام : إنّ للنكبة غايات لا بد أن تنتهي إليها ، فإذا حكم على أحدكم بها فليطأطى‏ء لها و ليصبر حتى تجوز ، فإنّ إعمال الحيلة فيها عند إقبالها زائد في مكروهها(٤) .

و يأتي في فصل القضاء و القدر قولهعليه‌السلام : تذلّ الامور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير(٥) .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٦٣ .

( ٢ ) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٣٨٤ .

( ٣ ) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٣٨٤ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٢٠ : ٢٢٦ ٢٨١ .

( ٥ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ ١٧ : ١٢٠ .

١٦٠