بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247363 / تحميل: 8635
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

كان فالتقييد بهنا لأنّ المنسك يأتي كمعان ، ففي ( الصحاح ) : نسكت الشي‏ء : أي غسلته بالماء(١) ، العبادة ، و النسيكة الذبيحة ، و الجمع نسك و نسائك ، و المنسك و المنسك بفتح السين و كسره الموضع الذي تذبح فيه النسائك .

هذا ، و في ( طبقات كاتب الواقدي ) قالوا : كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين ، فإذا صلّى و خطب اتى بأحدهما و هو قائم في مصلاه فذبحه بيده بالمدية ثم يقول : « اللهم هذا عن امتي جميعا من شهد لك بالتوحيد و شهد لي بالبلاغ » ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بيده ثم يقول « هذا عن محمّد و آل محمّد » فيأكل هو و أهله منها و يطعم المساكين(٢) .

و في ( تنبيه المسعودي )(٣) : ضحى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في سنة ( ٢ ) من الهجرة أول اضحى رآه المسلمون و امر بذلك ، و خرج إلى المصلى و ذبح به شاتين(٤) .

و في ( تذكرة سبط ابن الجوزي )(٥) : قال أحمد بن حنبل في ( فضائله ) :

بإسناده عن عليّعليه‌السلام قال : أمرني النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن اضحي عنه ، فأنا اضحي عنه أبدا فكانعليه‌السلام يضحي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن استشهد ، بكبشين أملحين(٦) .

قال محمّد بن شهاب الزهري : إنّما خص النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله علياعليه‌السلام بذلك دون أقاربه و أهله لقربه منه ، فكأنه فعل ذلك بنفسه(٧) .

و في ( الطبري ) : خطب إبراهيم بن هشام المخزومي خال هشام بن عبد

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ٣ : ١٦١٢ مادة ( نسك ) .

( ٢ ) الطبقات الكبرى لابن سعد ١ : ٢٤٩ .

( ٣ ) التنبيه للمسعودي : ٢٠٧ .

( ٤ ) تذكرة الخواص : ٤١ .

( ٥ ) تذكره الخواص لسبط ابن الجوزي : ٤١ .

( ٦ ) بحار الأنوار للمجلسي : ٢٢٠ الرواية ١٣ الباب ( ٩ ) .

( ٧ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٤١ .

١٤١

الملك بمنى فقال : سلوني فأنا ابن الوحيد لا تسألون أحدا أعلم مني فقام إليه رجل من أهل العراق فسأله عن الأضحية أهي واجبة ؟ فما درى أي شي‏ء يقول ، فنزل(١) .

و فيه أيضا : ضحى أهل سامراء في سنة ( ٢٤٦ ) يوم الاثنين على الرؤية و أهل مكة يوم الثلاثاء ، و قدم في سنة ( ٢٤٠ ) محمّد بن عبد اللَّه بن طاهر بغداد منصرفا من مكة في صفر فشكا ما ناله من الغم بما وقع من الخلاف في يوم النحر ، فأمر المتوكل بإنفاذ خريطة صفراء من الباب إلى أهل الموسم برؤية هلال ذي الحجة و أن يسار بها كما يسار بالخريطة الواردة بسلامة الموسم .

و في ( عيون القتيبي ) : كان بالبصرة ثلاثة إخوة من ولد عتاب بن أسيد ، كان احدهم يحج عن حمزة و يقول : استشهد قبل أن يحج و كان الآخر يفطر عن عائشة أيام التشريق و يقول : غلطت في صومها أيام العيد فمن صام عن أبيه و امه فأنا أفطر عن أمي عائشة و كان الآخر يضحى عن أبي بكر و عمر و يقول : أخطآ السنة في ترك الأضحية(٢) و نقل ( بيان الجاحظ ) عن الخليل : أنّ الثلاثة كانوا إخوة أبي قطبة البخيل(٣) .

و في ( عقد ابن عبد ربه ) : قال الأصمعي : ولي رجل قضاء الأهواز فأبطأت عليه أرزاقه و ليس عنده ما يضحي به ، فشكا ذلك إلى امرأته و اخبرها بما هو فيه من الضيق و أنّه لا يقدر على أضحية ، فقالت له : لا تغتم فإنّ عندي ديكا عظيما قد سمنته ، فإذا كان يوم الأضحى ذبحناه فبلغ جيرانه الخبر فأهدوا له ثلاثين كبشا و هو في المصلى لا يعلم فلما صار إلى منزله و رأى ما

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٤ : ١٢٨ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٥٥ .

( ٣ ) البيان و التبيان ، لم نعثر عليه .

١٤٢

فيه من الأضاحي قال لامرأته من أين هذا ؟ قالت : أهدى لنا فلان و فلان و فلان حتى سمت له جماعة فقال لها : يا هذه تحفظي بديكنا هذا فلهو أكرم على اللَّه من إسحاق بن إبراهيم ، إنّه فدى ذلك بكبش واحد و فدى ديكنا هذا بثلاثين كبشا(١) .

و في ( يتيمة الثعالبي )(٢) : كتب الصابي إلى الشريف الموسوي السيد الرضي :

مرجيك و صابيك

هذا الأضحى يهنيكا

و يدعو لك ، و اللَّه

مجيب ما دعا فيكا

و قد أوجز إذ قال

مقالا و هو يكفيكا

أراني اللَّه اعداءك

في حال أضاحيكا

و فيه كتب الصابي إلى صمصام الدولة يهنيه بالأضحى :

يا سنة البدر في الدياجي

و غرة الشمس في الصباح

صمصام حرب و غيث سلم

ناهيك في البأس و السماح

اسعد بفطر مضى و اضحى

و افاك باليمن و النجاح

و انحر اعادي بني بويه

بالسيف في جملة الأضاحي

فالكل منهم ذوو قرون

يصلح للذهاب و النطاح

و فيه كتب الصابي إلى عضد الدولة في عيد أضحى :

و كفاك من نحر الأضاحي فيه ما

نحرت يمينك من طلا الاعداء

حرمت مآكلها علينا و اغتدت

حلاّ لوحش القفر و البيداء

صل يا ذا العلا لربك و انحر

كل ضد و شأن لك أبتر

____________________

( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٦ : ٤٣٨ .

( ٢ ) اليتيمة للثعالبي ٢ : ٣٣٠ .

١٤٣

أنت أعلى من أن تكون

أضاحيك قروما من الجمال تعفر

بل قروما من الملوك ذوي السؤدد

تيجانها أمامك تنثر

كلما خر ساجدا لك رأس

منهم قال سيفك اللَّه أكبر(١)

و في ( العقد ) : خطب عبد اللَّه بن عامر بالبصرة في يوم أضحى ، فأرتج عليه فمكث ساعة ثم قال : و اللَّه لا أجمع عليكم عيا و لؤما من اخذ شاة من السوق فهي له و ثمنها علي(٢) .

و في ( كنايات الجرجاني ) : حكي أن المفضل الضبي بعث بأضحية هزيلة إلى شاعر ، ثم لقيه فسأله عنها فقال : كانت قليلة الدم ، فضحك المفضل :

و قال مهلا أردت قوله :

و لو ذبح الضبي بالسيف لم تجد

من اللؤم للضبي لحما و لا دما(٣)

هذا ، و في ( سنن أبي داود ) عن النفيلي عن زهير عن أبي اسحاق عن شريح ابن النعمان و كان رجل صدق عن عليّعليه‌السلام قال : أمرنا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ان نستشرف العين و الاذنين و ألاّ نضحى بعوراء و لا مقابلة و لا مدابرة و لا خرقاء و لا شرقاء قال زهير : فقلت لأبي إسحاق أذكر عضباء ؟ فقال : لا قلت :

فما المقابلة قال : قطع طرف الاذن قلت : فالمدابرة ؟ قال : قطع من مؤخر الاذن .

قلت : فالشرقاء ؟ قال : شق الاذن قلت : فالخرقاء ؟ قال : خرق اذنها للسمة(٤) .

و في ( ميزان الذهبي ) : عن عبد الرحمن بن محمّد بن حبيب الجرمي صاحب الانماط عن أبيه عن جدّه أنّه شهد خالدا ضحى بالجعد بن درهم(٥) .

____________________

( ١ ) يتيمة الدهر للثعالبي ٢ : ٣٣٠ .

( ٢ ) العقد الفريد ٤ : ١٤٩ .

( ٣ ) منتخب الكنايات للجرجاني : ٧٧ .

( ٤ ) سنن أبي داود ١ : ٦٤١ ح ٤٨٠٤ .

( ٥ ) ميزان الاعتدال للذهبي ٢ : ٥٨٥ ترجمة عبد الرحمن بن محمّد .

١٤٤

قلت : مراده بخالد خالد بن عبد اللَّه القسري و بالجعد الذي ينسب مروان ابن محمّد بن مروان آخر خلفاء بني امية إليه ، فكان معروفا بمروان الجعدي كما كان معروفا بمروان الحمار ، كان جعد زنديقا قالوا زعم أنّ اللَّه لم يتخذ إبراهيم خليلا و لم يكلم موسى ، و كان مروان على مذهبه فكان أهل الموصل يقولون لمروان : يا جعدي يا معطل ، قتل جعدا خالد القسري بالعراق يوم النحر و جعله عوض أضحية(١) .

____________________

( ١ ) ميزان الاعتدال ١ : ٣٩٩ في ترجمة الجعد بن درهم .

١٤٥

الفصل الثاني و الخمسون في الاقبال و الادبار

١٤٦

١ من الحكمة ( ٨ ) قَالَ ع :

إِذَا أَقْبَلَتِ اَلدُّنْيَا عَلَى أَحَدٍ أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ وَ إِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُمْ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ أقول : الأصل فيه كما في ( مروج المسعودي ) : نقل ضرار بن ضمرة ذلك الكلام عنهعليه‌السلام في جملة كلمات اخرى عنهعليه‌السلام لمعاوية(١) .

و روى سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) نقلا من ( كتاب سر العالمين للغزالي ) أبياتا لهعليه‌السلام قريبة من العنوان ، و هي :

المرء في زمن الاقبال كالشجره

و حولها الناس ما دامت لها الثمره

حتى إذا ما عرت من حملها انصرفوا

عنها عقوقا و قد كانوا لها برره

و حاولوا قطعها من بعد ما شفقوا

دهرا عليها من الارياح و الغبره

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٤٢١ .

١٤٧

قلّت مروات أهل الأرض كلهم

الا الاقل فليس العشر من عشره

لا تحمدن امرأ حتى تجرّبه

فربما لا يوافي خبره خبره(١)

و من شواهد كلامهعليه‌السلام ما في ( وزراء الجهشياري ) عن جبرئيل الطبيب و كان صنيع البرامكة قال : دخلت على الرشيد يوما و هو جالس على بساط على مشرعة باب خراسان في ما بين الخلد و الفرات و ام جعفر من وراء ستر ، فقال الرشيد : قد وجدت شيئا فأشر عليها بما تعمل به قال : فبينا أنا أنظر في ذلك ارتفعت صيحة عظيمة ، فسأل عنها فقيل له : يحيى بن خالد ينظر في امور المتظلمين فقال : بارك اللَّه عليه و أحسن جزاءه فقد خفف عني و حمل الثقل و ذكره بجميل ففعلت ام جعفر مثل ذلك و لم تدع شيئا يذكره أحد من جميل إلاّ ذكرته به قال : فامتلأت بذلك سرورا و قلت في ذلك بما أمكنني و خرجت مبادرا إلى يحيى فخبرته بذلك فسرّ به .

و مضت مدة ثم جاءني يوما رسول الرشيد ، فصرت إليه فوجدته جالسا في ذلك المجلس بعينه و ام جعفر من وراء الستر أيضا و الفضل بن الربيع بين يديه ، و قد وجدت ام جعفر شيئا فأمرني بتأمل علّتها ، و إنّي لفي ذلك إذ ارتفعت ضجة شديدة ، فقال الرشيد : ما هذا ؟ فقيل : يحيى ينظر في امور المتظلمين فقال : فعل اللَّه به و فعل و أقبل يذمّه و يسبّه و قال : استبدّ بالامور دوني و أمضاها على غير رأيي و عمل بما أحبّه دون محبتي ، و تكلمت ام جعفر بنحو من كلامه و ثلبته أكثر مما يثلب به أحد ، فورد علي من ذلك ما أقام و أقعد ، ثم أقبل علي الرشيد فقال لي : يا جبرئيل إنّه لم يسمع كلامي غيرك و غير الفضل ، و ليس الفضل ممن يحكى شيئا عني و علي لئن تجاوزك لأتلفن نفسك .

قال : فتبرأت عنده من ذكره و اكبرت الإقدام على حكاية شي‏ء منه و انصرفت ،

____________________

( ١ ) تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي : ١٧٤ نقله عن كتاب سرّ العالمين للغزالي .

١٤٨

فلم أصبر و قلت : و اللَّه إن تلفت نفسي في الوفاء لم ابال و صرت إلى يحيى فعرفته ما جرى ، فقال لي : أتذكر و قد جئتني في يوم كذا من شهر كذا و أنا في هذا الموضع فحكيت عن الرشيد إلاّ حماد و الثناء و عن ام جعفر مثل ذلك ؟

فقلت : نعم و عجبت من حفظه الوقت فقال : إنّه لم يكن مني في هذه الحال التي ذمني فيها شي‏ء لم يكن مني في ذلك الوقت الذي أحمدني فيه ، و لكن المدة إذا آذنت بالانقضاء جعلت المحاسن مساوي و من أراد أن يتجني قدر(١) .

و في السير : قيل ليحيى البرمكي : أخبرنا بأحسن ما رأيت في أيام سعادتك فقال : ركبت يوما في سفينة اريد التنزه ، فلما أردت الخروج اتكأت على لوح من ألواحها و كان باصبعي خاتم ، فطار فصه من يدي و كان ياقوتا أحمر قيمته ألف مثقال من الذهب ، فتطيرت من ذلك ثم عدت إلى منزلي و إذا بالطباخ قد أتى بذلك الفص بعينه و قال : أيّها الوزير لقيت هذا الفص في بطن حوت من حيتان اشتريتها للمطبخ فقلت : هذا لا يصلح الا للوزير فقلت : الحمد للَّه هذا بلوغ الغاية .

و قيل له : أخبرنا ببعض ما لقيت من المحن قال : اشتهيت لحما في قدر و انا في السجن ، فغرمت ألف دينار في شهوتي حتى أتيت بقدر و لحم مقطع و أتيت بنار فأوقدت تحت القدر و نفخت و لحيتي في الأرض حتى كادت روحي تخرج فلما نضجت تركتها تفور و تغلى و فتتت الخبز و عمدت لإنزلها ، فانفلتت من يدي و انكسر القدر على الأرض فبقيت ألتقط اللحم و امسح منه التراب و آكله و ذهب المرق الذي كنت أشتهيه .

و في ( وزراء الجهشياري ) : ذكر الكرماني أنّ الفضل بن يحيى نقل من محبس كان فيه إلى محبس آخر ، فوقف له بعض العامة فدعا عليه ، فاضطرب

____________________

( ١ ) الوزراء و الكتّاب للجهشياري : ٢٢٥ ٢٢٦ .

١٤٩

الفضل من ذلك اضطرابا لم ير منه مثل قبله في شي‏ء من حوادث النكبة ، فقال لبعض من كان معه : أحبّ أن تلقى هذا الرجل و تسأله عما دعاه إلى ما كان هل لحقه من بعض أسبابنا على غير علم منا ظلم فنتلافيه ، فصار الرسول إليه فسأله هل لحقه منه ما يوجب ذلك ؟ قال : لا و اللَّه و لكن قيل لي إنّ هؤلاء كلهم زنادقة فلما عاد الرسول إليه بذلك قال : و اللَّه سريت عني و فرجت عني ثم أنشد :

غير ما طالبين ذحلا و لكن

مال دهر على اناس فمالوا(١)

و قال ابن أبي الحديد : كان الرشيد أيام كان حسن الرأي في جعفر البرمكي يحلف باللَّه أن جعفرا أفصح من قس بن ساعدة و أشجع من عامر بن الطفيل و أكتب من عبد الحميد بن يحيى و أسوس من ابن الخطاب و أحسن من مصعب بن الزبير و لم يكن جعفر حسن الصورة كان طويل الوجه جدا و أنصح له من الحجاج لعبد الملك و أسمح من عبد اللَّه بن جعفر و أعفّ من يوسف بن يعقوب فلما تغير رأيه فيه أنكر محاسنه الحقيقية التي لا يختلف اثنان أنّها فيه نحو كياسته و سماحته ، و كان جعفر لم يجسر أحد أن يرد عليه قولا و لا رأيا ، فيقال : إنّ أوّل ما ظهر من تغير الرشيد له أنّه كلم الفضل بن الربيع بشي‏ء فردّه عليه الفضل و لم تجر عادته من قبل أن يفتح فاه في وجهه .

فأنكر سليمان بن أبي جعفر ذلك على الفضل ، فغضب الرشيد لإنكار سليمان و قال له : ما دخولك بين أخي و مولاى كالراضي بما كان من الفضل ثم تكلم جعفر بشي‏ء قاله للفضل فقال الفضل للرشيد : أشهد عليه فقال له جعفر : فضّ اللَّه فاك يا جاهل إذا كان الخليفة الشاهد فمن الحاكم المشهود عنده فضحك

____________________

( ١ ) الوزراء و الكتّاب للجهشياري : ٢٥٨ ٢٥٩ .

١٥٠

الرشيد و قال : يا فضل لا تمار جعفرا فانك لا تقع عنه موقعا(١) .

و في صلة ( تاريخ الطبري ) : غضب المقتدر في سنة ( ٢٩٩ ) على وزيره علي ابن محمد بن فرات و كانت له أياد جليلة و فضائل كثيرة ، فلم يمسك الناس عن انتقاصه و هجوه مع حسن آثاره(٢) .

و في ( كامل المبرد ) : دخل يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج على سليمان بن عبد الملك و كان يزيد دميما ، فلما رآه قال : قبّح اللَّه رجلا أجرك سنه و أشركك في أمانته فقال له يزيد : رأيتني و الأمر لك و هو عني مدبر ، و لو رأيتني و الأمر علي مقبل لاستكبرت مني ما استصغرت و استعظمت مني ما استحقرت فقال له سليمان : أترى الحجاج استقر في قعر جهنم بعد فقال : لا تقل ذلك ، فإنّ الحجاج وطأ لكم المنابر و أذلّ لكم الجبابر و هو يجي‏ء يوم القيامة عن يمين أبيك و يسار أخيك فحيث كانا كان(٣) .

و في ( كامل ابن الأثير ) : توفي المعز لدين اللَّه العلوي بمصر سنة ( ٣٦٥ ) و كان سبب موته أن ملك الروم بالقسطنطنية أرسل إليه رسولا كان يتردّد إليه بإفريقية ، فخلا به بعض الأيام فقال له المعز : أتذكر إذ أتيتني رسولا و أنا بالمهدية فقلت لك لتدخلّن عليّ و أنا بمصر مالكا لها ؟ قال : نعم قال : و أنا أقول لك لتدخلن علي بغداد و انا خليفة فقال له الرسول : إن آمنتني على نفسي و لم تغضب قلت لك ما عندي فقال له المعز : قل و أنت آمن قال الرسول : بعثني إليك الملك ذلك العام فرأيت من عظمتك في عيني و كثرة أصحابك ما كدت أموت منه ، و وصلت إلى قصرك فرأيت عليه نورا عظيما غطى بصري ، ثم

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٠٥ .

( ٢ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٥ : ٦٧٥٠ ، دار الكتب العلمية .

( ٣ ) الكامل للمبرد ٢ : ٥٤٦ ٥٤٧ .

١٥١

دخلت عليك فرأيتك على سريرك فظننتك خالقا ، فلو قلت لي إنّك لتعرج إلى السماء لتحققت ذلك ، ثم جئت إليك الآن فما رأيت من ذلك شيئا أشرفت على مدينتك فكانت في عيني سوداء مظلمة ، ثم دخلت عليك فما وجدت لك من المهابة ما وجدته ذلك العام ، فقلت : ان ذلك كان امرا مقبلا و إنّه الآن بضد ما كان عليه فأطرق المعز و خرج الرسول من عنده و اخذت المعز الحمى لشدة ما وجد حتى مات(١) .

٢ الحكمة ( ٢٣٩ ) وَ قَالَ ع :

صَوَابُ اَلرَّأْيِ بِالدُّوَلِ يُقْبِلُ بِإِقْبَالِهَا وَ يَذْهَبُ بِإِدْبَارِهَا أقول : و من شواهد كلامهعليه‌السلام ما في ( الطبري ) قال هشام بن عمرو التغلبي : كنت في عسكر أبي مسلم لما حارب عبد اللَّه بن علي من قبل المنصور ، فتحدث الناس فقيل : أي الناس أشد ؟ فقال : قولوا حتى أسمع فقال رجل : أشدّ الناس أهل خراسان ، و قال : قوم أهل الشام فقال أبو مسلم : كل قوم في دولتهم أشدّ الناس(٢) .

و ما فيه في قتال المثنى بن حارثة مع العجم من قبل عمر قال المثنى :

قاتلت العرب و العجم في الجاهلية و الإسلام ، و اللَّه لمائة من العجم في الجاهلية كانوا أشدّ علي من ألف من العرب لمائة من العرب اليوم أشد علي من ألف من العجم ، إنّ اللَّه اذهب مصذوقتهم و وهن كيدهم ، فلا يرو عنكم زهاء ترونه و لا سواد و لا قسي فج و لا نبال طوال ، فإنّهم إذا أعجلوا عنها أو فقدوها كالبهائم

____________________

( ١ ) الكامل لابن الأثير ٨ : ٦٦٣ ٦٦٤ .

( ٢ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٢ : ٣٧٣ .

١٥٢

أينما وجهتموها اتجهت .

و ما في ( الأغاني ) : كان جعفر بن منصور يستخف مطيع بن إياس و يحبه و كان منقطعا إليه و له معه منزلة حسنة ، فذكر له حماد الراوية و كان صديقه و كان مطرحا مجفوا في أيامهم ، فقال : إيتنا به لنراه فأتى مطيع حمادا فأخبره بذلك و أمره بالمسير معه إليه ، فقال له حماد : دعني فإنّ دولتي كانت مع بني أمية و مالي عند هؤلاء خير فأبى مطيع إلاّ الذهاب إليه ، فاستعار حماد سوادا و سيفا ، ثم أتاه ثم مضى به مطيع إلى جعفر ، فأمره بالجلوس و قال له :

أنشدني قال : لمن أيها الأمير ؟ الشاعر بعينه أم لمن حضر ؟ قال : بل لجرير .

قال حماد : فسلخ و اللَّه شعر جرير كله من قلبي إلاّ قوله :

بأن الخليط برامتين فودعوا

أو كلما اعتزمو البين تجزع(١)

فأنشدت حتى انتهيت إلى قوله :

و تقول بوزع قد دببت على العصا

هلا هزأت بغيرنا يا بوزع(٢)

فقال لي : اعد علي هذا البيت ، فأعدته فقال : بوزع أي شي‏ء هو ؟ فقلت :

اسم امرأة قال : امرأة اسمها بوزع هو نفي من العباس بن عبد المطلب إن كانت بوزع إلاّ غولا من الغيلان ، تركتني و اللَّه يا هذا الليلة لا أنام من فزع بوزع ، يا غلمان قفاه فصفعت و اللَّه حتى لم أدر أين أنا ، ثم قال : جروا برجله فجروا برجلي حتى اخرجت من بين يديه مسحوبا فتخرق السواد و انكسر جفن السيف و لقيت شرا عظيما مما جرى علي ، و كان أغلظ من ذلك كله إغرامي ثمن السواد و جفن السيف ، فلما انصرفت أتاني مطيع يتوجع لي فقلت له : ألم

____________________

( ١ ) ديوان جرير : ٢٦٧ .

( ٢ ) المصدر نفسه : ٢٦٨ .

١٥٣

اخبرك أنّي لا اصيب منهم خيرا و إنّ حظي قد ذهب مع بني امية(١) .

و قال ابن أبي الحديد : قال الصولي : اجتمع بنو برمك عند يحيى في آخر دولتهم و هم يومئذ عشرة ، فأداروا الرأي بينهم في أمر فلم يصح لهم ، فقال يحيى : انّا للَّه ذهبت و اللَّه دولتنا ، كنّا و اللَّه في إقبالنا يبرم الواحد منّا عشرة آراء مشكلة في وقت واحد ، و اليوم نحن عشرة في أمر غير مشكل و لا يصحّ لنا فيه رأي(٢) .

٣ الحكمة ( ٢٣٠ )

شَارِكُوا اَلَّذِي قَدْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ اَلرِّزْقُ فَإِنَّهُ أَخْلَقُ لِلْغِنَى وَ أَجْدَرُ بِإِقْبَالِ اَلْحَظِّ أقول : ( أخلق ) بمعنى : أجدر ، و الحظ : النصيب ، و في ( الصحاح ) : الحظ :

جمعه أحظ و حظوظ و يجي‏ء على غير قياس أحاظ ، قال القريع :

و ليس الغنى و الفقر من حيل الفتى

و لكن أحاظ قسمت و جدود(٣)

في ( تاريخ بغداد ) : قال الصولي : تذاكرنا يوما عند المبرّد الحظوظ و أرزاق الناس من حيث لا يحتسبون ، قال : هذا يقع كثيرا ، فمنه قول ابن أبي فنن في أبيات عملها لمعنى أراده :

مالي و مالك قد كلفتني شططا

حمل السلاح و قول الدارعين قف

أمن رجال المنايا خلتني رجلا

أمسى و أصبح مشتاقا إلى التف

____________________

( ١ ) الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ٨ : ٢٥٢ ٢٥٣ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٥٤ .

( ٣ ) الصحاح للجوهري ٢ : ١١٧٢ مادة ( حظظ ) .

١٥٤

يمشي المنون إلى غيري فأكرهها

فكيف أسعى إليها بارز الكتف

أم هل حسبت سواد الليل شجّعني

أو أن قلبي في جنبي أبي دلف

فبلغ هذا الشعر أبا دلف فوجّه إليه أربعة آلاف درهم جاءه على غفلة(١) .

قلت : و كما جاء ابن أبي فنن دراهم على غفلة كذلك جاء أبا دلف مديح على غفلة ، و هو أمدح بيت حيث جعله كالمثل في الشجاعة .

و قال ابن أبي الحديد : قال بعضهم : البخت على صورة رجل أعمى أصمّ أخرس و بين يديه جواهر و حجارة و هو يرمي بكلتا يديه(٢) .

ثم زيادة ( المصرية ) كلمة « عليه »(٣) في آخر الكلام زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )(٤) .

٤ الحكمة ( ٥١ ) عَيْبُكَ مَسْتُورٌ مَا أَسْعَدَكَ جَدُّكَ أقول :

في ( الصحاح ) الجد الحظ و البخت ، و في الدعاء « و لا ينفع ذا الجد منك الجد » أي : لا ينفع ذا الغنى عندك غناء ، و « منك » أي عندك ، و قوله تعالى تعالى جد ربنا أي عظمته ، و قيل غناه(٥) .

و في أخبارنا أنّ الجن قالوا ذلك الكلام جهالة فحكاه تعالى عنهم فلا بد أنّهم أرادوا بالجد الحظ و البخت ، و تعالى ربّنا عن الجدّ بمعنى قالوا .

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١٢ : ٤١٩ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٥٧ الرواية ٢٢٧ .

( ٣ ) الطبعة المصرية : ٧٠٨ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٥٧ ، و انظر شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٥ : ٣٥٨ الرواية ٢١٦ .

( ٥ ) الصحاح للجوهري ١ : ٤٥٢ مادة ( جدد ) .

١٥٥

و مما قيل في الجدّ :

و ما لبّ اللبيب بغير حظ

بأغنى في المعيشة من فتيل

رأيت الحظ يستر كلّ عيب

و هيهات الحظوظ من العقول(١)

قلت : و في المصراع الأخير قلب ، و الأصل « و هيهات العقول من الحظوظ » .

أيضا :

إنّ المقادير إذا ساعدت

ألحقت العاجز بالحازم(٢)

أيضا :

و إذا جددت فكلّ شي‏ء نافع

و إذا حددت فكلّ شي‏ء ضائر

أيضا :

ألا فاخش ما يرجى وجدك هابط

و لا تخش ما يخشى وجدك رافع

فلا نافع إلاّ مع النحس ضائر

و لا ضائر إلاّ مع السعد نافع

و قال ابن أبي الحديد : أكثر الناس في الجد و الى الآن لم يتحقق معناه ، و من كلام بعضهم « إذا أقبل البخت باضت الدجاجة على الوتد و إذا أدبر البخت انشغر الهاون في الشمس »(٣) .

و من كلام الحكماء : إنّ السعادة لتلحظ الحجر فيدعى ربّا(٤) .

و قال أبو حيان : نوادر ابن الجصاص الدالة على تغفله و بلهه كثيرة جدّا ، قد صنّف فيها الكتب ، و من جملتها أنّه سمع إنسانا ينشد نسيبا فيه ذكر هند فقال : لا تذكروا حماة النبي إلاّ بخير و أشياء عجيبة أظرف من هذا ، و كانت

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٢٤٢ .

( ٢ ) عيون الأخبار ١ : ٣٢٩ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٨١ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٨١ .

١٥٦

سعادته تضرب بها الأمثال و كثرة أمواله التي لم يجمع لقارون مثلها ، فكان الناس يعجبون من ذلك ، حتى أن جماعة من شيوخ بغداد كانوا يقولون ان ابن الجصاص أعقل الناس و أحزمهم ، و انّه هو الذي ألحم الحال بين المعتضد و بين خمارويه بن أحمد بن طولون و سفر بينهما سفارة عجيبة و بلغ من الجهتين احسن مبلغ ، خطب قطر الندى بنت خمارويه للمعتضد و جهّزها من مصر على أجمل وجه و أعلى ترتيب ، و لكنّه كان يقصد أن يتغافل و يتجاهل و يظهر البله و النقص يستبقي بذلك ماله و يحرس به نعمته و يدفع عنه عين الكمال و حسد الأعيان ، فقلت لأبي غسان البصري : أظنّ ما قاله هؤلاء صحيحا ، فان المعتضد مع حزمه و عقله و كماله و إصابة رأيه ما اختاره للسفارة و الصلح إلاّ و المرجو منه فيما يأتيه و يستقبله من أيامه نظير ما قد شوهد منه فيما مضى من زمانه ، و هل كان يجوز أن يصلح أمرا قد تفاقم فساده برسالة أحمق و سفارة أخرق فقال أبو غسان : إنّ الجد ينسلخ حال الأخرق و يستر عيب الأحمق و يذبّ عن عرض الملطخ و يقرب الصواب :

بمنطقه و الصحة برأيه و النجاح بسعيه ، و الجد يستخدم العقلاء لصاحبه و يستعمل آراءهم و أفكارهم في مطالبه ، و إن ابن الجصاص على ما قيل و حكى و لكن جده كفاه غائلة الحمق ، و لو عرفت خبط العاقل إذا فارقه الجد لعلمت أنّ الجد قد يصيب بجهله ما لا يصيب العالم بعلمه مع حرمانه فقلت له :

فما الجد ؟ فقال : ليس لي عنه عبارة معينة و لكن لي به علم شاف و استفدته بالتجربة و السماع العريض من الصغير و الكبير ، و سمعت امرأة من الأعراب ترقّص ابنا لها و تقول : رزقك اللَّه جدا يخدمك عليه ذوو العقول ، و لا رزقك عقلا تخدم به ذوي الجدود(١) .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٨١ ١٨٢ .

١٥٧

٥ الحكمة ( ١٥٢ ) و قالعليه‌السلام :

لِكُلِّ مُقْبِلٍ إِدْبَارٌ وَ مَا أَدْبَرَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ أقول : في ( المروج ) قال إبراهيم بن المهدي : بعث إليّ الأمين و هو محاصر ، فصرت إليه فإذا هو جالس في طارمة خشبها من عود و صندل عشرة في عشرة ، و إذا سليمان بن أبي جعفر المنصور معه في الطارمة و هي قبة كان اتخذ لها فراشا مبطنا بأنواع الحرير و الديباج المنسوج بالذهب الأحمر و غير ذلك من أنواع الأبريسم ، فسلمت فإذا قدامه قدح بلور مخروز فيه شراب ينفذ مقداره خمسة أرطال و بين يدي سليمان قدح مثله ، فجلست بأزاء سليمان ، فأتيت بقدح كالأول و الثاني ، فقال : إنّما بعثت إليكما لما بلغني قدوم طاهر بن الحسين إلى النهروان و ما قد صنع في أمرنا من المكروه و قابلنا به من الاساءة ، فدعوتكما لأفرّح بكما و بحديثكما فأقبلنا نحدّثه و نؤنسه حتى سلا عمّا كان يجده و فرح و دعا بجارية من خواص جواريه تسمى ضعفا ، فتطيرت من اسمها و نحن على تلك الحال ، فقال لها : غنينا فوضعت العود في حجرها و غنت :

كليب لعمري كان أكثر ناصرا

و أيسر جرما منك ضرج بالدم

فتطير من قولها ثم قال لها : اسكتي قبّحك اللَّه ثم عاد إلى ما كان عليه من الغمّ و الإقطاب ، فأقبلنا نحادثه و نبسطه إلى أن سلا و ضحك ، ثم أقبل عليها و قال : هات ما عندك فغنت :

هم قتلوه كي يكونوا مكانه

كما غدرت يوما بكسرى مرازبه

فأسكتها و زأرها و عاد إلى الحالة الاولى ، فسليناه حتى عاد إلى

١٥٨

الضحك ، فأقبل عليها الثالثة و قال غني ، فغنّت :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس و لم يسمر بمكة سامر

بلى نحن كنّا أهلها فأدبانا

صروف الليالي و الجدود العواثر

و قيل بل غنّت :

أما و رب السكون و الحرك

إنّ المنايا كثيرة الشرك

فقال لها قومي عني فعل اللَّه بك و صنع بك فقامت فعثرت بالقدح الذي كان بين يديه فكسرته فانهرق الشراب ، و كانت ليلة قمراء و نحن في شاطى‏ء دجلة في قصره المعروف بالخلد ، فسمعنا قائلا يقول . . ( قُضي الأمر الذي فيه تسفتيان ) (١) قال إبراهيم بن المهدي : فقمت و قد وثب ، فسمعت منشدا من ناحية القصر ينشد :

لا تعجبن من العجب

قد جاء ما يقضي العجب

قد جاء أمر فادح

فيه لذي عجب عجب

قال إبراهيم : فما قمنا معه بعد تلك الليلة إلى أن قتل(٢) .

و قال ابن أبي الحديد : قال شيخ من همدان : بعثني أهلي في الجاهلية إلى ذي الكلاع بهدايا ، فمكثت تحت قصره حولا لا أصل إليه ، ثم أشرف إشرافة من كوة فخرّ له من حول العرش سجدا ، ثم رأيته بعد ذلك بحمص فقيرا يشتري اللحم و يسمطه خلف دابته و هو القائل :

أفّ لدنيا إذا كانت كذا

أنا منها في هموم و أذى

إن صفا عيش امرى‏ء في صبحها

بوجته ممسيا كأس القذى

____________________

( ١ ) يوسف : ٤١ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٩٢ .

١٥٩

و لقد كنت إذا قيل من

أنعم العالم عيشا قيل ذا(١)

و قال الشاعر :

في هذه الدار في هذا الرواق على

هذي الوسادة كان العز فانقرضا(٢)

و في ( تاريخ خلفاء السيوطي ) : و في سنة ( ٣٢٠ ) ركب مونس على المقتدر فكان معظم جند مونس البربر ، رمى بربري المقتدر بحربة سقط منها ثم ذبحه بالسيف و شيل رأسه على الرمح و بقي مكشوف العورة حتى ستر بالحشيش قيل إنّ وزيره أخذ له ذلك اليوم طالعا فقال له المقتدر : أي وقت هو ؟ قال : وقت الزوال فتطير و هم بالرجوع ، فأشرفت خيل مونس و نشبت الحرب(٣) .

هذا ، و عنهعليه‌السلام : إنّ للنكبة غايات لا بد أن تنتهي إليها ، فإذا حكم على أحدكم بها فليطأطى‏ء لها و ليصبر حتى تجوز ، فإنّ إعمال الحيلة فيها عند إقبالها زائد في مكروهها(٤) .

و يأتي في فصل القضاء و القدر قولهعليه‌السلام : تذلّ الامور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير(٥) .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٦٣ .

( ٢ ) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٣٨٤ .

( ٣ ) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٣٨٤ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٢٠ : ٢٢٦ ٢٨١ .

( ٥ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ ١٧ : ١٢٠ .

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

و في ( عيون ابن قتيبة ) قالت عائشة : خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة من كلب ، فبعثني أنظر إليها فقال لي : كيف رأيت ؟ فقلت : ما رأيت طائلا فقال : لقد رأيت خالا بخدّها أقشعر كلّ شعرة منك على حدها فقالت : ما دونك ستر(١) .

و روى ( سنن أبي داود ) عن أنس أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى امهات المؤمنين مع خادمها قصعة فيها طعام ، فضربت بيدها فكسرت القصعة ، فأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الكسرتين فضمّ إحداهما إلى الاخرى فجعل يجمع فيها الطعام و يقول : غارت امّكم(٢) .

قلت : و المرسلة للطعام في قصعة كانت صفية بن حيّ بن أخطب و الكاسرة لها عائشة كما صرّح به في خبر رواه بعد و في ذاك الخبر : أخذ عائشة أفكل فكسرت الإناء .

و في ( اسد الغابة ) في عنوان خديجة ، قالت عائشة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوما فأدركتني الغيرة فقلت : هل كانت إلاّ عجوزا فقد أبدلك اللَّه خيرا منها فغضب حتى اهتزّ مقدّم شعره من الغضب ، ثم قال : لا و اللَّه ما أبدلني اللَّه خيرا منها ، آمنت بي إذ كفر الناس ، و صدّقتني إذ كذّبني الناس ، و واستني في مالها إذ حرمني الناس ، و رزقني اللَّه منها أولادا إذ حرمني أولاد النساء(٣) .

قلت : و مغزى كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أباها كان كافرا فيمن كفر و مكذّبا فيمن كذب حين اسلام خديجة ، كما أنّها هي من نسائه اللاتي حرم الولد منهن ، فكيف يدّعون لأبيها تقدم اسلامه .

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ١٩ كذا أخبار النساء لابن قيم الجوزية : ٩ .

( ٢ ) سنن أبي داود ٣ : ٢٩٧ ح ٣٥٦٧ .

( ٣ ) اسد الغابة لابن الأثير ٥ : ٤٣٨ .

٢٨١

و في ( تفسير القمّي ) في قوله تعالى :( و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ) (١) كان سبب نزولها أنّ امرأة من الأنصار أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و قد تهيّأت و تزيّنت ، فقالت : يا رسول اللَّه هل لك فيّ حاجة فقد وهبت نفسي لك فقالت لها عائشة : قبّحك اللَّه ما أنهمك للرجال فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مه يا عائشة فإنّها رغبت في رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ زهدتنّ فيه ثم قال : رحمك اللَّه و رحمكم يا معشر الأنصار ، نصرني رجالكم و رغبت فيّ نساؤكم ، إرجعي رحمك اللَّه فإنّي أنتظر أمر اللَّه فأنزل اللَّه تعالى( و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبيّ أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ) (٢) فلا تحلّ الهبة إلاّ لرسول اللَّه(٣) .

ثم من المضحك أنّ النووي في شرحه على صحيح مسلم قال بعد ذكر رواية مسلم عن عائشة قالت : قال لي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي لأعلم إذا كنت عنّي راضية و إذا كنت عليّ غضبى قلت : و من أين تعرف ذلك ؟ قال : أمّا إذ كنت عني راضية تقولين : « لا و ربّ محمّد » و إذ كنت غضبى تقولين : « لا و ربّ إبراهيم » .

قلت : أجل و اللَّه لا أهجر إلاّ اسمك .

مغاضبة عائشة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هي ممّا سبق من الغيرة التي عفي عنها للنساء في كثير من الأحكام كما سبق لعدم انفكاكهن منها ، حتى قال مالك و غيره من علماء المدينة : يسقط عنها الحد إذا قذفت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة ، قال و احتج بما روي ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله و لو لا ذلك لكان على عائشة في ذلك من الحرج ما فيه ، لأن الغضب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و هجره كبيرة عظيمة(٤) .

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٢ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ١٩٥ .

( ٤ ) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ٢٠٣ .

٢٨٢

فإنّ إخواننا إنّما عرفوا الحق بالأشخاص ، فاعتقدوا بحسب مذهبهم المتناقض أنّ عائشة صدّيقة ابنة صدّيق .

فاشتروا بذلك قول اللَّه جل و علا :( يا نساء النبي من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين و كان ذلك على اللَّه يسيرا ) (١) و قوله تعالى فيها و في صاحبتها :( و إن تظاهرا عليه فإنّ اللَّه هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين ) (٢) .

و قوله عزّ اسمه تعريضا بهما كما صرّح به ( الزمخشري )(٣) و رواه ( صحيح مسلم )(٤) :( ضرب اللَّه مثلا للّذين كفروا امرأت نوح و امرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللَّه شيئا و قيل ادخلا النّار مع الدّاخلين ) (٥) بثمن قليل ، فكان ضعف العذاب عليها لإتيانها بتلك الفواحش المبيّنة عليهم عسيرا ، و تظاهرها هي و صاحبتها على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله نسيا منسيا ، و أنّها مع خيانتها تلك الخيانات التي أثبتها التاريخ في الجمل و غير الجمل كان كونها تحت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يغني عنها شيئا .

كما أغمضوا عمّا شاهدوا من أبيها و صاحبه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتخلّف عن جيش اسامة الذي لعن المتخلف عنه و منعه من الوصية و نسبة الهجر إليه ، مع قوله تعالى :( و ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ) (٦) و مع أهل بيته بإحراقهم لو لم يبايعوا مع قوله تعالى فيهم( إنّما يريد اللَّه ليذهب

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٣٠ .

( ٢ ) التحريم : ٤ .

( ٣ ) الكاشف للزمخشري ٤ : ٥٧١ .

( ٤ ) صحيح مسلم ١٥ : ٢٠٣ .

( ٥ ) التحريم : ١٠ .

( ٦ ) النجم : ٣ ٤ .

٢٨٣

 عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ) (١) .

و لمّا قال بعضهم لأمير المؤمنينعليه‌السلام : إني أعتزلك لاعتزال سعد و ابن عمر لك قالعليه‌السلام له : إنّك تعرف الحقّ بالرجال و الواجب أن تعرف الرجال بالحقّ(٢) .

و كيف تكون غيرتهن عفوا و قد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام « غيرتهن كفر » و قال الباقرعليه‌السلام : غيرة النساء الحسد ، و الحسد أصل الكفر ، إنّ النساء إذا غرن غضبن ، و إذا غضبن كفرن إلاّ المسلمات منهنّ(٣) .

و قال الصادقعليه‌السلام : إن اللَّه تعالى لم يجعل الغيرة للنساء ، و إنّما تغار المنكرات منهن ، فأمّا المؤمنات فلا ، إنّما جعل اللَّه الغيرة للرجال(٤) .

فأمّا قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « الغيراء لا تدري أعلى الوادي من أسفله » فبيان حالهن لا دليل جواز عملهن .

و ورد من طريقنا(٥) أيضا هكذا : بينا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قاعدا إذ جاءت امرأة عريانة حتى قامت بين يديه فقالت : إنّي قد فجرت فطهّرني ، و جاء رجل يعدو في أثرها و ألقى عليها ثوبا ، فقال : ما هي منك ؟ قال : صاحبتي خلوت بجاريتي فصنعت ما ترى فقال : ضمّها إليك ثم قال : ان الغيراء لا تبصر أعلى الوادي من أسفله(٦) .

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) ذكره المفيد في أماليه : ٣ بلفظ : « فإنّك امرؤ ملبوس عليك ، إنّ دين اللَّه لا يعرف بالرجال بل بآية الحق ، فأعرف الحق تعرف أهله .

( ٣ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ، و ذكره الطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٢٤ .

( ٤ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ح ٢ .

( ٥ ) من حديث مطول أسنده الطبرسي إلى جابر . لم يأت المؤلف على ذكره بالتفصيل انظر مكارم الأخلاق : ١٢٤ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ح ٣ ، و فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٩ : ٣٢٥ .

٢٨٤

و كيف يعفى عنهنّ مع ترتب مفاسد كثيرة على غيرتهن ، فقد روى الكافي أنّ عمر اتي بجارية قد شهدوا عليها أنّها بغت و كان من قصتها أنّها كانت يتيمة عند رجل و كان الرجل كثيرا ما يغيب عن أهله ، فشبّت اليتيمة فتخوّفت المرأة أن يتزوجها زوجها ، فدعت بنسوة حتى أمسكنها فأخذت عذرتها بأصبعها ، فلما قدم زوجها من غيبته رمت المرأة اليتيمة بالفاحشة و أقامت البيّنة من جاراتها اللاّتي ساعدنها على ذلك ، فرفع ذلك إلى عمر فلم يدر كيف يقضي فيها ، ثم قال للرجل : إئت عليّ بن أبي طالب و إذهب بنا إليه .

فأتوهعليه‌السلام و قصوا عليه القصة ، فقالعليه‌السلام لامرأة الرجل : ألك بيّنة أو برهان ؟

قالت : هؤلاء جاراتي يشهدن عليها بما أقول ، و أحضرتهن فأخرج عليعليه‌السلام سيفه من غمده فطرحه بين يديه و أمر بكلّ واحدة منهن فأدخلت بيتا ، ثم دعا امرأة الرجل فأدارها بكل وجه فأبت أن تزول عن قولها ، فردّها إلى البيت الذي كانت فيه و دعا إحدى الشهود و جثا على ركبتيه ثم قال : تعرفيني أنا علي بن أبي طالب و هذا سيفي و قد قالت امرأة الرجل ما قالت و رجعت إلى الحق و أعطيتها الأمان و إن لم تصدقيني لأمكّننّ السيف منك فالتفتت المرأة إلى عمر و قالت : الأمان على الصدق فقال لها علي فاصدقي ، فقالت لا و اللَّه إلاّ أنّها رأت جمالا و هيئة فخافت فساد زوجها فسقتها المسكر و دعتنا فأمسكناها فافتضّتها بأصبعها فقال عليعليه‌السلام : اللَّه أكبر أنا أوّل من فرق بين الشهود إلاّ دانيال النبيعليه‌السلام ، و الزمهن حدّ القاذف و الزمهن جميعا العقر و جعل عقرها أربعمائة درهم ، و أمر بالمرأة أن تنفى من الرجل و يطلقها زوجها ، و زوّجهعليه‌السلام الجارية و ساق المهر عنه .(١) .

و روى أيضا أنّه كان على عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام رجلان متؤاخيان

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٤٢٥ ح ٩ .

٢٨٥

في اللَّه عز و جل ، فمات أحدهما و أوصى إلى الآخر في حفظ بنية كانت له ، فحفظها الرجل و أنزلها منزلة ولده في اللطف و الإكرام ، ثم حضره سفر فخرج و أوصى امرأته في الصبية ، فأطال السفر حتى إذا أدركت الصبيّة و كان لها جمال و كان الرجل يكتب في حفظها و التعاهد لها ، فلما رأت ذلك امرأته خافت أن يقدم فيراها قد بلغت مبلغ النساء فيعجبه جمالها فيتزوجها ، فعمدت إليها هي و نسوة معها قد كانت أعدّتهن ، فأمسكنّها لها ثم افترعتها بأصبعها ، فلما قدم الرجل من سفره دعا الجارية ، فأبت أن تجيبه استحياء ممّا صارت إليه ، فألحّ عليها في الدعاء ، كلّ ذلك و هي تأبى أن تجيبه ، فلما أكثر عليها قالت له امرأته : دعها فانّها تستحي أن تأتيك من ذنب أتته ، و رمتها بالفجور ، فاسترجع الرجل ثم قام إلى الجارية فوبّخها و قال لها : ويحك أما علمت ما كنت أصنع بك من الألطاف ، و اللَّه ما كنت أعدّك إلاّ كبعض ولدي أو إخوتي و إن كنت لابنتي ، فما دعاك إلى ما صنعت ؟ فقالت له الجارية : أمّا إذ قيل لك ما قيل فو اللَّه ما فعلت الذي رمتني به امرأتك و لقد كذبت عليّ ، فإنّ القصة لكذا و كذا و وصفت له ما صنعت امرأته بها فأخذ الرجل بيد امرأته و يد الجارية فمضى بهما حتى أجلسهما بين يدي أمير المؤمنينعليه‌السلام و أخبره بالقصة كلّها و أقرّت المرأة بذلك ، و كان الحسنعليه‌السلام بين يدي أبيه فقال له : إقض فيها فقال الحسنعليه‌السلام :

نعم على المرأة الحد لقذفها الجارية و عليها القيامة لافتراعها فقالعليه‌السلام له :

صدقت(١) .

و في ( مناقب السروي ) عن تميم بن خزام الأسدي قال : صبّت امرأة بياض البيض على فراش ضرّتها و قالت لزوجها : قد بات عندها رجل ، ففتّش ثيابها فأصاب ذلك البيض ، فقص ذلك على عمر فهمّ أن يعاقبها فقال أمير

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٢٠٧ ح ١٢ .

٢٨٦

المؤمنينعليه‌السلام : إيتوني بماء حار قد اغلي غليانا شديدا ، فلما اتي به أمرهم فصبّوا على الموضع فاشتوى ذلك الموضع ، فرمى به إليها و قال :( إنّه من كيدكن إنّ كيدكن عظيم ) (١) و قالعليه‌السلام لزوجها : أمسك عليك زوجك فإنّها حيلة تلك التي قذفتها ، فضربها الحدّ(٢) .

و في ( معجم أدباء الحموي ) نقلا عن كتاب شعراء ابن المعتزّ : كان الخليل منقطعا إلى الليث بن رافع بن نصر بن سيّار ، و كان الليث من أكتب أهل زمانه بارع الأدب بصيرا بالشعر و الغريب و النحو ، و كان كاتبا للبرامكة و كانوا معجبين به ، فارتحل إليه الخليل و عاشره فوجده بحرا فأغناه ، و أحبّ الخليل أن يهدي إليه هدية تشبهه ، فاجتهد في تصنيف كتاب العين فصنّفه له و خصّه به دون الناس و حبّره و أهداه إليه ، فوقع منه موقعا عظيما و سرّ به و عوّضه عنه مائة ألف درهم و اعتذر إليه ، و أقبل الليث ينظر فيه ليلا و نهارا لا يملّ النظر فيه حتى حفظ نصفه و كانت ابنة عمّه تحته فاشترى عليها جارية نفيسة بمال جليل ، فبلغها ذلك فغارت غيرة شديدة ، فقالت و اللَّه لأغيظنّه و لا ابقي غاية فقالت : إن غظته في المال فذاك ما لا يبالي و لكني أراه مكبّا ليله و نهاره على هذا الدفتر و اللَّه لأفجعنه به ، فأخذت الكتاب و أضرمت نارا و ألقته فيها ، و أقبل الليث إلى منزله و دخل إلى البيت الذي كان فيه الكتاب ، فصاح بخدمه و سألهم عن الكتاب فقالوا : أخذته الحرة ، فبادر إليها و قد علم من أين اتي ، فلما دخل عليها ضحك في وجهها و قال لها : ردّي الكتاب فقد وهبت لك الجارية و حرّمتها على نفسي ، و كانت غضبى فأخذت بيده و أرته رماده ، فسقط في يد الليث فكتب نصفه من حفظه و جمع على الباقي أدباء زمانه و قال

____________________

( ١ ) يوسف : ٢٨ .

( ٢ ) المناقب للسروي ٢ : ٣٦٧ .

٢٨٧

لهم : مثلوا عليه و اجتهدوا ، فعملوا هذا النصف الذي بأيدي الناس ، فهو ليس من تصنيف الخليل و لا يشقّ غباره(١) .

هذا ، و في السير : ضرب البعث على كوفي إلى آذربيجان ، فاقتاد جارية و فرسا و كان مملكا بابنة عمه ، فكتب إليها ليغيرها :

ألا بلغوا ام البنين بأننا

غنينا و أغنتنا الغطارفة المرد

بعيد مناط المنكبين إذا جرى

و بيضاء كالتمثال زيّنها العقد

فهذا لأيّام العدو و هذه

لحاجة نفسي حين ينصرف الجند

فكبت إليه امرأته :

ألا فاقره منّي السّلام و قل له

غنينا و أغنتنا غطارفة المرد

إذا شئت أغناني غلام مرجّل

و نازعته في ماء معتصر الورد

و ان شاء منهم ناشى‏ء مدّ كفّه

إلى عكن ملساء أو كفل نهد

فما كنتم تقضون حاجة أهلكم

شهودا قضيناها على النأي و البعد

فعجّل علينا بالسراح فإنّه

منانا و لا ندعو لك اللَّه بالرد

فلا قفل الجند الذي أنت فيهم

و زادك رب الناس بعدا على بعد

فلما ورد عليه الكتاب لم يزد ان ركب فرسه و أردف الجارية و لحق بها ، فكان أوّل شي‏ء قال لها : تاللَّه هل كنت فاعلة قالت : أنت أحقر من أن أعصي اللَّه فيك ، كيف ذقت طعم الغيرة ، فوهب لها الجارية و انصرف إلى بعثه(٢) .

و في المناقب عن غريب حديث أبي عبيد : جاءت امرأة إلى عليعليه‌السلام و قالت : ان زوجها يأتي جاريتها فقالعليه‌السلام : ان كنت صادقة رجمناه و ان كنت كاذبة جلدناك فقالت : ردوني إلى أهلي غيري نقزة قال أبو عبيد : تعني ان

____________________

( ١ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ١٧ : ٤٥ ، عقلا عن طبقات الشعراء لعبد اللَّه بن المعتز : ٩٧ .

( ٢ ) الابشيهي ، المستطرف في كل فن مستظرف ٢ : ٤٨٧ ٤٨٨ .

٢٨٨

جوفها يغلي من الغيظ و الغيرة(١) .

و في ( المروج ) : ذكر مصعب الزبيري أنّ امّ سلمة بنت يعقوب المخزومي كانت بعد هشام بن عبد الملك عند السفاح ، و كان حلف لها أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرّى ، و غلبت عليه غلبة شديدة حتى ما كان يقطع أمرا إلاّ بمشورتها ، حتى أفضت الخلافة إليه فوفى لها بما حلف لها ، فلما كان ذات يوم خلا به خالد ابن صفوان فقال له : إني فكّرت في أمرك و سعة ملكك ، و قد ملكت نفسك امرأة واحدة ، فإن مرضت مرضت و ان غابت غبت و حرمت نفسك التلذّذ باستطراف الجواري و معرفة أخبار حالاتهن و التمتّع بما تشتهي منهنّ ، فإنّ منهن الطويلة الغيداء و منهن الفضة البيضاء ، و منهن العتيقة الأدماء و الدقيقة السمراء و البربرية العجزاء ، من مولدات المدينة تفتن بمحادثتها و تلذّ بخلوتها ، و أين أنت من بنات الأحرار و النظر إلى ما عندهن و حسن الحديث منهن ، و لو رأيت الطويلة البيضاء و السمراء اللعساء و الصفراء العجزاء و المولّدات من البصريات و الكوفيات ، ذوات الألسن العذبة و القدود المهفهفة و الأوساط المخصّرة و الأصداغ المزرفنة ، و العيون المكحلة و الثدي المحقة ، و حسن زيّهن و زينتهن و شكلهن ، لرأيت شيئا حسنا و جعل يجيد في الوصف و يجدّ في الاطناب بحلاوة لفظه وجودة صفته .

فلما فرغ قال له السفاح : و يحك يا خالد ما صكّ مسامعي و اللَّه قطّ كلام أحسن من كلامك ، فأعده علي فقد وقع منّي موقعا ، فأعاد عليه خالد أحسن ممّا ابتدأ ، ثم انصرف و بقي السفاح مفكّرا فيما سمع من خالد ، فدخلت عليه ام سلمة فلما رأته متفكّرا قالت : إنّي لأنكرك ، هل حدث أمر أو أتاك خبر ؟ قال : لم يكن من ذلك شي‏ء قالت : فما قصّتك ؟ فجعل يزوي عنها فلم تزل به حتى

____________________

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ٣٨١ .

٢٨٩

أخبرها بمقالة خالد ، فقالت : فما قلت لابن الفاعلة قال : سبحان اللَّه ينصحني و تشتمينه ، فخرجت من عنده مغضبة و أرسلت إلى خالد من البخارية و معهم من الكافر كوبات ، و أمرتهم أن لا يتركوا منه عضوا صحيحا .

قال خالد : فانصرفت إلى منزلي و أنا على السرور بما رأيت من السفاح و إعجابه بما ألقيته إليه ، و لم أشكّ أنّ صلته تأتيني ، فلم ألبث حتى صار إليّ اولئك البخارية و أنا قاعد على باب داري ، فلما رأيتهم أيقنت بالجائزة واصلة ، حتى وقفوا عليّ فسألوا عني فقلت : ها أنا ذا خالد ، فسبق اليّ أحدهم بهراوة كانت معه ، فلما أهوى بها اليّ و ثبت الى منزلي و أغلقت الباب و استترت ، و مكثت أيّاما على تلك الحال لا أخرج من منزلي ، و وقع في خلدي أنّي أوتيت من قبل امّ سلمة ، و طلبني السفاح طلبا شديدا فلم أشعر ذات يوم إلاّ بقوم هجموا عليّ و قالوا : أجب الخليفة فأيقنت بالموت ، فركبت و ليس عليّ لحم و لا دم ، فلما وصلت إلى الدار أومى اليّ بالجلوس و نظرت فإذا خلف ظهري باب عليه ستور قد ارخيت و حركة خلفها ، فقال السفاح : لم أرك يا خالد منذ ثلاث .

قلت : كنت عليلا قال : ويحك إنّك وصفت لي في آخر دخلة من أمر الناس و الجواري ما لم يخرق مسامعي قط كلام أحسن منه فأعده علي قلت : نعم .

أعلمتك أنّ العرب اشتقت اسم الضرّة من الضر ، و ان أحدهم ما تزوج من النساء أكثر من واحدة إلاّ كان في جهد فقال : ويحك لم يكن هذا في الحديث .

قلت : بلى ، و أخبرتك أنّ الثلاث من النساء كأثافي القدر يغلي عليهن قال : برئت من قرابتي من النبي إن كنت سمعت هذا منك في حديثك قلت : و أخبرتك أنّ الأربعة من النساء شرّ صيح بصاحبه يشنه و يهرمنه و يسقمنه قال : ويلك ما سمعت هذا منك و لا من غيرك قبل هذا قال خالد : بلى قال : ويلك تكذّبني .

قلت : و تريد أن تقتلني قال : مر في حديثك قلت : و أخبرتك ان أبكار الجواري

٢٩٠

رجال و لكن لا خصي لهن .

قال خالد : و سمعت الضحك من وراء الستر قلت : و نعم و أخبرتك أيضا ان بني مخزوم ريحانة قريش و أنت عندك ريحانة من الرياحين و أنت تطمح بعينك إلى حرائر النساء و غيرهن من الاماء .

قال خالد : فقيل لي من وراء الستر صدقت يا عمّاه و برّرت بهذا حديث الخليفة و لكنه بدل و غيّر و نطق عن لسانك بغيره فقال لي السفاح : قاتلك اللَّه و أخزاك و فعل بك و فعل ، فتركته و خرجت و قد أيقنت بالحياة قال : فما شعرت إلاّ برسل ام سلمة قد صاروا إليّ و معهم عشرة آلاف درهم و تخت و برذون و غلام(١) .

و غيرة الرجل التي هي إيمان ، غيرته على ميل امرأته إلى رجل أجنبي ، و أمّا ميلها إلى زوج لها قبل بمعنى مدحها له بصفات ليست في الأخير فيغيّر زوجها فليس بايمان بل من الكفر ، ففي السير كانت مع سعد بن أبي وقاص بالقادسية زوجة له كانت قبل تحت المثنى بن حارثة ، فلما لم تر من سعد إقداما مثل المثنى قالت : و امثنياه و لا مثنى للمسلمين اليوم فلطمها سعد فقالت المرأة : أ غيرة و جبنا فذهبت مثلا(٢) .

٢ الحكمة ( ٢٣٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَرْأَةُ شَرٌّ كُلُّهَا وَ شَرُّ مَا فِيهَا أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهَا « المرأة شرّ كلّها » قالوا : كتب بعض الحكماء على باب داره « لا يدخل داري

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٢٦٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

٢٩١

شرّ » فقال بعض آخر منهم : من أين تدخل امرأتك(١) ؟

و قالوا : تزوّج بعضهم امرأة نحيفة فقيل له في ذلك فقال : اخترت من الشرّ أقلّه(٢) .

و قالوا : رأى بعض الحكماء امرأة غريقة قد احتملها السيل فقال : زادت الكدر كدرا ، و الشر بالشر يهلك(٣) .

و في ( الملل ) : رأى ديو جانس امرأة تحملها الماء فقال : على هذا المعنى جرى المثل « دع الشر يغسله الشر »(٤) .

و رأى نساء يتشاورن فقال : على هذا جرى المثل : « هو ذا الثعبان يستقرض من الأفاعي سمّا » .

و رأى امرأة متزينة في ملعب فقال : هذه لم تخرج لترى و لكن لترى و قالوا : رأى بعضهم جارية تحمل نارا فقال : نار على نار ، و الحامل شر من المحمول و قالوا : رأى حكيم جارية تتعلّم الكتابة ، فقال : يسقى هذا السهم سمّا ليرمي به يوما ما(٥) .

و قالوا : و نظر حكيم إلى امرأة مصلوبة على شجرة ، فقال : ليت كلّ شجرة تحمل مثل هذه الثمرة(٦) .

و قال بعضهم :

ان النساء شياطين خلقن لنا

نعوذ باللَّه من شرّ الشياطين(٧)

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٢٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ و ١٨ : ١٩٨ ١٩٩ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٥٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ .

( ٥ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٥٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

( ٦ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ و ١٨ : ١٩٨ .

( ٧ ) نسبوا هذا البيت إلى عمر بن الخطاب ، قاله عند ما سمع امرأة تقول : ان النساء رياحين خلقن لكم و كلكم يشتهي

٢٩٢

و قال بعضهم في قولهم « بعد الّتي و اللّتيّا » : إن رجلا تزوج امرأة قصيرة و امرأة طويلة ، فلقي منهما شدّة ، فطلّقهما و قال : بعد اللتيا يعني القصيرة و الّتي أي الطويلة لا أتزوج أبدا(١) .

و في ( شعراء ابن قتيبة ) : كان جران العود و الرحال خدنين ، فتزوج كلّ واحد منهما امرأتين ، فلقيا منهما مكروها فقال الأول :

ألا لا تغرنّ امرأ نوفلية

على الرأس بعدي أو ترائب وضّح

و لا فاحم يسقي الدهان كأنّه

أساود يزهاها لعينك أبطح

و أذناب خيل علقت في عقيصة

ترى قرطها من تحتها يتطوّح

جرت يوم جئنا بالركاب نزفّها

عقاب و تشحاج من الطير متيح

فأمّا العقاب فهي منّا عقوبة

و أمّا الغراب فالغريب المطوّح

هي الغول و السعلاة حلقي منهما

مكدّح ما بين التراقي مجرّح

خذا نصف مالي و اتركا لي نصفه

و بينا بذم فالتعزّب أروح

و سمّي جران العود بقوله لامرأتيه :

خذا حذرا يا جارتيّ فإنّني

رأيت جران العود قد كان يصلح

فخوفهما بسير قدّ من صدر جمل مسن ، قال و يتمثل من شعره بقوله :

و لا تأمنوا مكر النساء و أمسكوا

عرى المال عن أبنائهن الأصاغر

فإنّك لم ينذرك أمر تخافه

إذا كنت منه خائفا مثل خابر(٢)

و في القاموس هو عامر بن الحرث و قول الصحاح اسمه المستورد غلط .

شم الرياحين ، راجع أدب الدنيا و الدين للماوردي : ١٥٦ .

____________________

( ١ ) مجمع الأمثال للميداني ١ : ١٢٥ .

( ٢ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٢٧٥ ٢٧٧ .

٢٩٣

و قال الثاني :

فلا بارك الرحمن في عود أهلها

عشية زفّوها و لا فيك من بكر

و لا الزعفران حين مسّحنها به

و لا الحلي منها حين نيط من النحر

و لا فرش طوهرن من كلّ جانب

كأنّي أطوي فوقهن من الجمر

فيا ليت أنّ الذئب خلّل درعها

و إن كان ذا ناب حديد و ذا ظفر

و جاءوا بها قبل المحاق بليلة

و كان محاقا كلّه آخر الشهر

لقد أصبح الرحّال عنهن صادفا

إلى يوم يلقى اللَّه في آخر العمر(١)

و في ( الاستيعاب ) : كانت عند الأعشى المازني امرأة يقال لها معاذة ، فخرج يمير أهله من هجر ، فهربت امرأته بعده ناشزة عليه ، فعاذت برجل منهم يقال له مطرف ، فجعلها خلف ظهره ، فلما قدم الأعشى لم يجدها في بيته و اخبر أنّها نشزت و عاذت بمطرف ، فأتاه فقال له : يا ابن عم عندك امرأتي فادفعها اليّ فقال : ليست عندي و لو كانت عندي لم أدفعها إليك و كان مطرف أعزّ منه ، فخرج حتى أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و أنشأ يقول :

يا سسّد الناس و ديّان العرب

أشكو إليك ذربة من الذرب(٢)

خرجت أبغيها الطعام في رجب

فخلفتني بنزاع و هرب

اخلفت العهد و ألظت بالذنب

و هنّ شر غالب لمن غلب(٣)

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « و هنّ شر غالب لمن غلب » و كتب إلى مطرف : إدفع إليه امرأته ، فلما قرأ الكتاب قال لمعاذة : هذا كتاب النبي فيك و أنا دافعك إليه فقالت :

خذ لي العهد أن لا يعاقبني فيما صنعت ، فأنشأ يقول :

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٧٠ .

( ٢ ) الذرب : حدّة اللسان .

( ٣ ) حياة الحيوان للدميري ١ : ٥١٢ .

٢٩٤

لعمرك ما حبّي معاذة بالذي

يغيّره الواشي و لا قدم العهد

و لا سوء ما جاءت به إذ أزلّها

غواة رجال إذ ينادونها بعدي(١)

و في ( الملل ) : قيل للاسكندر : إنّ روشنك امرأتك بنت دارا الملك و هي من أجمل النساء فلو قربتها إلى نفسك قال : أكره أن يقال : غلب الاسكندر دارا ، و غلبت روشنك الاسكندر(٢) .

و قالوا : كان أحمد بن يوسف كاتب المأمون إذا دخل عليه حيّاه بتحية أبرويز الملك : « عشت الدهر ، و نلت المنى ، و حبيت طاعة النساء »(٣) .

و في ( الكافي ) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : إتّقوا من شرار النساء و كونوا من خيارهن على حذر ، و إن أمرنكم بالمعروف فخالفوهنّ كيلا يطمعن في المنكر(٤) .

و عنهعليه‌السلام : في خلاف النساء البركة(٥) .

____________________

( ١ ) ذكر الحكاية ( ابن الأثير ) في اسد الغابة ١ : ١٢٣ ، و لم يذكر ( ابن عبد البر ) في الإستيعاب ١ : ١٤٤ ( المصدر الّذي اعتمده المؤلف ) إلاّ جزءا من الحكاية ، فقد ذكر أبيات الأعشى المازني إمام النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و قول النبي له فقط ، مع تغيير عمّا ذكره المؤلف و الأبيات هي:

يا مالك الناس و ديان العرب

إنّي لقيتف دربة من الذّرب

ذهبت ابضيها الطعام في رجب

فخالفتني بنزاع و هرب

أخلفت العهد و الطّت بالذنب

و هن شر غالب لمن غلب

( ٢ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٤٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٩٥ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٥ : ٥١٧ ح ٥ .

( ٥ ) لفظ الحديث كما رود في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٦٢ ، و جامع أحاديث الشيعة ١٦ : ٨٦ ، عن هارون بن موسى عن محمّد بن علي بن محمّد بن الحسين عن علي بن اسباط عن أبي فضال عن الصادق عن ايائه عن رسول اللَّه أنه قال : شاوروا النساء و خالفوهن فأن خلافهن بركة و قد أورد جمع من المتأخرين هذا الحديث و نسبوه إلى الإمام عليّعليه‌السلام أو إلى الرسول صلّى اللَّه عليه و آله بينما لم يرد في المصادر من نسب هذا القول إلى الإمام عليّعليه‌السلام أمّا نسبته إلى الرسول صلّى اللَّه عليه و آله فقد عجّت و صادر الحديث بذكره في الموضوعات ، من هذه الكتب : ١ السخاوي في المقاصد

٢٩٥

و كل أمر تدبرته امرأة فهو ملعون(١) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ النساء لا يشاورن في النجوى و لا يطعن في ذوي القربى ، إنّ المرأة إذا أسنّت ذهب خير شطريها و بقي شرهما ، يعقم رحمها و يسوء خلقها و يحتدّ لسانها ، و إن الرّجل إذا أسنّ ذهب شرّ شطريه و بقي خيرهما يؤوب عقله و يستحكم رأيه و يحسن خلقه(٢) .

و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كان إذا أراد الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن(٣) .

و قال طفيل الغنوي :

إنّ النّساء متى ينهين عن خلق

فإنّه واجب لا بدّ مفعول(٤)

و قالوا : قيل لسقراط أيّ السباع أجسر ؟ قال : المرأة(٥) .

قالوا : و مرّت به امرأة فقالت له : ما أقبحك فقال لها : لو لا أنّك من المرايا الحسنة ، و قال عنه : لم أره مرفوعا ، و لكن عن العسكري من احديث حفص بن عثمان بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر قال : قال عمر : خالفوا النساء فإنّ خلافهن لبركة ( راجع المقاصد الحسنة : ٢٤٨ ح ٥٨٥ ) ٢ أورده المنقي الهندي في كنز العمّال عن ( عمر ) أنه قال : خالفوا النساء فإن خلافهن بركة ( كنز العمّال ٣ : ٤٥١ ) ٣ الزبيري في إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين ٥ : ٣٥٦ ، يقول عنه هكذا اشتهر على الألسنه و ليس بحديث .

٤ ابن عراق الشافعي في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشيعة الموضوعة ٢ : ٢١٠ ، نسبه إلى عمر بن الخطاب ٥ ( ملا علي القالي في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ، المعروف بالموضوعات الكبرى : ٢٢٢ ) ذكر قائلا : حديث شاورهن و خالفوهن لم يثبت بهذا المعنى و إن كان له وجه من حيث المعنى .

____________________

( ١ ) في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٢٨ « كل امرى‏ء تدبره امرأة فهو ملعون » .

( ٢ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ٣ : ٤٦٨ ح ٤٦٢١ .

( ٣ ) ذكره المجلسي في مكانين ٩١ : ٢٥٥ و ١٠٣ : ٢٢٨ إلاّ ان أرباب السير ذكروا ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله استشار ( امّ سلمة ) في صاح الحديبيه ، فقد قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٥ : ٢٦٥ ٢٦٦ : فلمّا لم يقم منهم ( الأصحاب ) أحد دخل على امّ سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت امّ سلمة : يا نبي اللَّه ، اتحب ذلك ؟ أخرج و لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بذلك و تدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنة ، و دعا حالقه فحلقه ، فلمّا رأوا قاموا فنحروا ، و جعل بعضهم بحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ .

( ٥ ) المصدر نفسه .

٢٩٦

الصديّة لغمّني ما بان من قبح صورتي فيك(١) .

هذا ، و عن ( ملح النوادر ) كان ذئب ينتاب بعض القرى و يعبث فيها ، فترصّدوه حتى أخذوه ، ثم تشاوروا فيه فقال بعضهم : تقطع يداه و رجلاه و تدقّ أسنانه و يخلع لسانه ، و قال آخر بل يصلب و يرمى بالنبال ، و قال آخر :

توقد نار عظيمة و يلقى فيها ، و قال بعض الممتحنين بالنساء : بل يزوّج و كفى بالتزويج تعذيبا و في هذه القصة قال الشاعر :

رب ذئب أخذوه

و تماروا في عقاب

ثم قالوا زوّجوه

و ذروه في عذاب(٢)

« و شر ما فيها أنّه لا بدّ منها » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان إبراهيمعليه‌السلام شكا إلى اللَّه ما يلقى من سوء خلق سارة ، فأوحى إليه : إنّما مثل المرأة مثل الضلع المعوجّ ، إن أقمته كسرته و إن تركته استمتعت فاصبر عليها(٣) و نظم مضمونه من قال :

هي الضلع العوجاء لست تقيمها

ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها(٤)

و في ( البيان ) : سمع أعرابي يقول « اللّهم اغفر لامّ أوفى » قيل له : من امّ أوفى ؟ قال : إمرأتي ، إنّها لحمقاء مرغامة(٥) أكول قامّة(٦) لا تبقي خامّة(٧) ، غير

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٢٠٠ .

( ٢ ) لم نعثر على الكتاب لا في المطبوعات و لا في المخطوطات ، و يبدو ان المؤلف لم ير الكتاب حيث ذكر ( و عن ) ، و قد ذكر حاجي خليفة الكتاب في كشف الظنون ٢ : ١٨١٧ ، و نسبه إلى الشيخ أبي عبد اللَّه الكاتب .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥١٣ ح ٢ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٩ .

( ٥ ) المرغامة : المبغضة ليعلها .

( ٦ ) قمّ : أكولة .

( ٧ ) الخامّ : ما تغيّر ريحه من لحم أو لبن .

٢٩٧

أنّها حسناء فلا تفرك و امّ غلمان فلا تترك(١) .

و نظير المرأة في مطلوبيتها مع شدائدها لعدم بدّ منها ، الشيب فرارا من الموت قال الشاعر :

الشيب كره و كره أن يفارقني

فأعجب لشي‏ء على البغضاء مودود(٢)

٣ الحكمة ( ٦١ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اَللَّبْسِةِ « المرأة عقرب » في ( اللّسان ) العقرب يكون للذّكر و الانثى ، و الغالب عليه التأنيث ، و يقال للانثى : عقربة و عقرباء ، و العقربان : الذكر منها ، قال إياس بن الأرتّ :

كأنّ مرعى امكم إذ غدت

عقربة يكومها عقربان(٣)

و عقرب بن أبي عقرب كان من تجّار المدينة مشهورا بالمطل ، قال الزبير ابن بكار : عامله الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب فلزم الفضل بيته زمانا فلم يعطه شيئا ، فقال الفضل :

قد تجرت في سوقنا عقرب

لا مرحبا بالعقرب التاجره

كلّ عدو يتّقى مقبلا

و عقرب تخشى من الدابره

إن عادت العقرب عدنا لها

و كانت النعل لها حاضره

____________________

( ١ ) البيان و التبيان للجاحظ ٢ : ٩٥ .

( ٢ ) هو مسلم بن الوليد ذكره النويري ، في نهاية الارب ٢ : ٣٧ .

( ٣ ) لسان العرب لابن منظور ٩ : ٣١٨ .

٢٩٨

كلّ عدوّ كيده في استه

فغير مخشي و لا ضائره(١)

« حلوة اللبسة » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) ، و الصواب : ( اللسبة ) كما نقله ( ابن أبي الحديد(٣) و اللسبة من لسب بالفتح ، قال ابن السكيت يقال لسبته العقرب إذا لسعته ، و اما لسب بالكسر فبمعنى لعق ، يقال لسبت العسل أي لعقته(٤) .

و لكون المرأة عقربا حلوة اللسبة قال كثيّر في صاحبته عزّة :

هنيئا مريئا غير داء مخامر

لعزّة من أعراضنا ما استحلّت(٥)

و عن مجنون في صاحبته ليلى :

حلال لليلى شتمنا و انتقاصنا

هنيئا و مغفور لليلى ذنوبها(٦)

و في ( الأغاني ) : قدم الوليد بن عبد الملك مكة فأراد أن يأتي الطائف فقال :

هل من رجل عالم يخبرني عنها قالوا : عمر بن أبي ربيعة قال : لا حاجة لي به ، ثم عاد فسأل فذكروه فقال : هاتوه فأتى و ركب معه ، فجعل يحدّثه ثم حوّل رداءه ليصلحه على نفسه ، فرأى الوليد على ظهره أثرا فقال : ما هذا ؟ قال : كنت عند جارية لي إذ جاءتني جارية برسالة من عند جارية اخرى و جعلت تسارّني بها ، فغارت التي كنت عندها فعضّت منكبي ، فما وجدت ألم عضتها من لذة ما كانت تلك تنفث في اذني حتى بلغت ما ترى و الوليد يضحك(٧) .

____________________

( ١ ) حياة الحيوان للدميري ٢ : ٦١ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية : ٦٧١ رقم ٦٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ رقم ٥٩ .

( ٤ ) ترتيب اصلاح المنطق لابن السكّيت : ٣٣٤ .

( ٥ ) ديوان كثير عزة : ٥٦ .

( ٦ ) ديوان مجنون ليلى : ٣٤ .

( ٧ ) الأغاني للأصفهاني ١ : ١١٢ .

٢٩٩

و قال حجر آكل المرار في هند امرأته :

حلوة العين و الحديث و مرّ

كل شي‏ء أجنّ منها الضمير(١)

و قال أبو العتاهية :

رأيت الهوى جمر الغضا غير أنّه

على جمره في صدر صاحبه حلو(٢)

و في ( الجمهرة ) ( زينب ) اشتقاقه من زنابة العقرب و هي ابرته التي تلذع بها ، فأما زبانيا العقرب فهما قرناها(٣) .

٤ الحكمة ( ٢٣٤ ) و قالعليه‌السلام :

خِيَارُ خِصَالِ اَلنِّسَاءِ شَرُّ خِصَالِ اَلرِّجَالِ اَلزَّهْوُ وَ اَلْجُبْنُ وَ اَلْبُخْلُ فَإِذَا كَانَتِ اَلْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا وَ إِذَا كَانَتْ بَخِيلَةً حَفِظَتْ مَالَهَا وَ مَالَ بَعْلِهَا وَ إِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ يَعْرِضُ لَهَا « خيار خصال النساء شرّ خصال الرجال » و ممّا قيل في اختلافهن مع الرجال في غير ما قالعليه‌السلام قول ابن شبرمة : ما رأيت لباسا على رجل أزين من فصاحته ، و لا رأيت لباسا على امرأة أزين من شحم(٤) و لشاعر :

الخال يقبح بالفتى في خدّه

و الخال في خد الفتاة مليح

و الشيب يحسن بالفتى في رأسه

و الشيب في رأس الفتاة قبيح(٥)

الزهو : أي : الكبر و الفخر و كونه من شرار خصال الرجال واضح .

____________________

( ١ ) الأغاني للأصفهاني ١٦ : ٣٥٨ ، كذا ابن قيم الجوزية : ١٤٤ و نسب البيت إلى عمرو الملك .

( ٢ ) الأغاني للأصفهاني ٤ : ٤١ و في نسخة التحقيق ورد العجز بلفظ « على كل حال عند صاحبه حلو » .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٣ : ٣٦٥ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ٣٠ .

( ٥ ) المصدر نفسة ٤ : ٢٢ .

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639