بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247273 / تحميل: 8630
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الثالث و الخمسون في الفتن و الشبه و البدع

١٦١

١ في أوّل الباب الثالث من النهج باب المختار

من حكم امير المؤمنينعليه‌السلام و يدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله و الكلام القصير الخارج في ساير أغراضه .

قالعليه‌السلام :

كُنْ فِي اَلْفِتْنَةِ كَابْنِ اَللَّبُونِ لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ وَ لاَ ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ قول المصنّف : « باب المختار » هو القسم الأخير من كتابه « من حكم أمير المؤمنينعليه‌السلام » اقتصر عليه في ( المصرية ) و زاد ابن أبي الحديد و ابن ميثم : « و مواعظه » و هو الصحيح لأصحية نسختيهما لا سيما الأخير الذي نسخته بخط المصنف .

و لأنّ فيه مواعظ كثيرة و منها في العنوان ( ١٥٠ ) كلامهعليه‌السلام لرجل سأله أن يعظه الذي قال المصنف فيه « و لو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة » .

١٦٢

و وصف الشعبي كلامهعليه‌السلام في الحكم و غيرها فقال : تكلّم أمير المؤمنينعليه‌السلام بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا فقأن عيون البلاغة و أيتمن جواهر الحكمة و قطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن ، ثلاث منهن في الحكمة و ثلاث في المناجاة و ثلاث في الأدب ، أما اللائي في الحكمة فقال : قيمة كلّ امرى‏ء ما يحسنه ، و ما هلك امرؤ عرف قدره ، و المرء مخبوء تحت لسانه .

و أما اللائي في المناجاة فقال : اللّهم كفى بي عزّا أن أكون لك عبدا ، و كفى بي فخرا أن تكون لي ربا ، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب و أما اللائي في الأدب فقال : امنن على من شئت تكن أميره ، و استغن عمّن شئت تكن نظيره و احتج إلى من شئت تكن أسيره(١) .

« و يدخل في ذلك المختار من أجوبة مسألته » ترى أجوبة مسألته في العناوين ( ١٦ ) ( ٣٠ ) ( ٩٤ ) ( ١٢٠ ) ( ١٥٠ ) ( ٢٢٧ ) ( ٢٢٩ ) ( ٢٣٥ ) ( ٢٦٦ ) ( ٢٨٧ ) ( ٢٩٤ ) ( ٣٠٠ ) ( ٣١٨ ) ( ٣٥٦ ) ( ٤٧٠ ) .

« و الكلام القصير » كان حاجب هشام بن عبد الملك يأمر منتجعيه بالإيجاز في الكلام ، فقام أعرابي فقال : إنّ اللَّه تعالى جعل العطاء محبة و المنع مبغضة فلأن نحبك خير من أن نبغضك فأعطاه و أجزل له .

« الخارج في سائر أغراضه » أي باقي مقاصده ، و الأصل في ( الغرض ) الهدف و ( سائر ) يأتي بمعنى الجميع و معنى الباقي ، و الأخير هو المراد هنا .

قوله « كن في الفتنة » الأصل في « الفتنة » قولهم « دينار مفتون » فتن بالنار ، و كلّ شي‏ء ادخل النار فقد فتن ، و قالوا « الناس عبيد الفتانين » أي الدرهم و الدينار .

« كابن اللبون » ابن اللبون : ولد الناقة الذكر إذا دخل في الثالثة ، لأن امّه

____________________

( ١ ) الخصال للصدوق : ١٨٦ .

١٦٣

وضعت غيره فصار لها لبن ، و الانثى بنت اللبون ، و يجمعان بنات اللبون .

« لا ظهر فيركب و لا ضرع فيحلب » نظيره قول حاجب بن زرارة في القعقاع :

ما هو رطب فيعصر و لا يابس فيكسر .

و في المثل : لا تكن حلوا فتزدرد و لا مرّا فتلفظ .

و من الأمثال في الاعتزال قولهم : لا ناقة لي في هذا و لا جمل و قالوا : ان كنت من أهل الفطن فلا تدر حول الفتن .

ثم كما لا ينتفع بابن اللبون لصغره كذلك بالثلب لكبره ، و هو الذي انكسرت أنيابه من شدّة هرمه ، و إنما الانتفاع الكامل بالناب الذي في وسط الشباب ، قال بعضهم :

ألم تر أن الناب يحلب علبة

و يترك ثلب لا ضراب و لا ظهر

قال ابن أبي الحديد : أيام الفتنة هي أيام الخصومة بين رئيسين ضالين يدعوان كلاهما إلى ضلالة ، كفتنة عبد الملك و ابن الزبير و فتنة مروان و الضحاك و فتنة الحجاج و ابن الأشعث ، و أما إذا كان أحدهما صاحب حق فليست أيام فتنة كالجمل و صفين(١) .

قلت : إن جانبوا العصبية و أرادوا فهم الحقيقة فأول أيام الفتنة أيام أوّلهم ، ففي ( الطبري ) : قال أبو مويهبة مولى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : بعث إليّ النبي من جوف الليل فقال : يا أبا مويهبة إنّي قد امرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال : السّلام عليكم أهل المقابر ، ليهن لكم ما أصبحتم ممّا أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها ، الآخرة شرّ من الاولى إلى أن قال ثم انصرف فبدأ

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٨٢ .

١٦٤

بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعه الذي قبض فيه(١) .

و في ( بلاغات نساء أحمد بن أبي طاهر البغدادي ) من رجالهم في ذكره خطبة سيّدة نساء العالمين باتفاق فرق المسلمين لما منعها أبو بكر فدك و في الخطبة : فأنقذكم اللَّه برسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد اللتيا و التي ، و بعد ما مني ببهم الرجال و ذؤبان العرب ، كلّما حشوا نارا للحرب أطفأها و نجم قرن للضلال و فغرت فاغرة من المشركين قذف بأخيه في لهواتها ، فلا ينكفي حتى يطأ صماخها بأخمصه و يخمد لهبها بحده ، مكدودا في ذات اللَّه قريبا من رسول اللَّه سيّدا في أولياء اللَّه ، و أنتم في بلهنية و ادعون آمنون ، حتى إذا اختار اللَّه تعالى لنبيه دار أنبيائه ظهرت خلّة النفاق و سمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين و نبغ خامل الآفلين و هدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه صارخا بكم ، فوجدكم لدعائه مستجيبين و للغرة فيه ملاحظين ، فاستنهضكم فوجدكم خفافا و أحمشكم فألفاكم غضابا ، فوسمتم غير أبلكم و أوردتموها غير شربكم ، هذا و العهد قريب و الكلم رحيب و الجراح لما يندمل ، بدارا زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا و إنّ جهنم لمحيطة بالكافرين(٢) .

و روى الإسكافي منهم في نقضه ( عثمانية الجاحظ ) عن أبي رافع قال :

أتيت أبا ذر بالربذة اودّعه ، فلما أردت الانصراف قال لي و لا ناس معي :

ستكون فتنة فاتقوا اللَّه و عليكم بالشيخ علي بن أبي طالب فاتبعوه ، فإني سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له : أنت أوّل من آمن بي و أوّل من يصافحني يوم القيامة ، و أنت الصدّيق الأكبر ، و أنت الفاروق الذي تفرّق بين الحق و الباطل ،

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٣٢ .

( ٢ ) بلاغات النساء لابن طيفور : ١٣ ١٤ .

١٦٥

و أنت يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الكافرين ، و أنت أخي و وزيري و خير من أترك بعدي(١) .

ثم ما قاله ابن أبي الحديد : من فتنة الحجاج و ابن الأشعث خلاف عقيدة أهل نحلته ، فإنّ عندهم كان قيام ابن الأشعث فتنة ، و أمّا الحجاج فكان عامل من بايعه جميع الناس و كان عندهم خليفة حقّا و أميرا للمؤمنين به .

و كذلك قوله « فتنة عبد الملك و ابن الزبير » غير صحيح عند أهل ملته ، فانّه عندهم كان ابتداء ابن الزبير ولي اللَّه و عبد الملك عدوّ اللَّه ، و لما غلب عبد الملك صار هو ولي اللَّه و ابن الزبير عدوّ اللَّه(٢) .

ففي ( كامل المبرد ) : خرج مصعب بن الزبير إلى باجميراء ، ثم أتى الخوارج خبر مقتله بمسكن و لم يأت المهلب و أصحابه ، فتواقفوا يوما على الخندق ، فناداهم الخوارج : ما تقولون في المصعب ؟ قالوا : إمام هدى قالوا : فما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا : ضالّ مضل فلما كان بعد يومين أتى المهلب قتل صعب و إنّ أهل الشام اجتمعوا على عبد الملك ، و ورد عليه كتاب عبد الملك بولايته ، فلما تواقفوا ناداهم الخوارج : ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : لا نخبركم قالوا : فما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا : إمام هدى قالوا : يا أعداء اللَّه بالأمس ضال مضل و اليوم امام هدى ، يا عبيد الدّنيا عليكم لعنة اللَّه(٣) .

و الخوارج و إن طعنوا عليهم بكون ما عليهم خلاف العقل و خلاف الفطرة التي فطر الناس عليها ، إلاّ أنّه يقال لهم : إنّ ذلك لازم لكم أيضا بموافقة العامة في إمامة صديقهم و صديقه ، فلا يمكن القول بالملزوم و ترك اللازم .

____________________

( ١ ) نقض العثمانية لأبي جعفر الإسكافي : ٢٩٠ ملحقة بالعثمانية .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٨٢ .

( ٣ ) الكامل في الأدب للمبرّد ٣ : ١١٠١ ١١٠٢ .

١٦٦

و أما قوله « إذا كان أحدهما صاحب حق فليست أيام فتنة كالجمل و صفين » فأيضا أهل ملّته غير معترفين به ، فهذا ابن عبد البر من أئمتهم قال في سعد بن أبي وقاص الذي لم يشهد الجمل و صفين مع أمير المؤمنينعليه‌السلام :

كان ممّن قعد و لزم بيته في الفتنة و أمر أهله أن لا يخبروه من أخبار الناس بشي‏ء حتى تجتمع الامة على إمام(١) .

و قال في ترجمة ابن فاروقهم : قيل لنافع : ما بال ابن عمر بايع معاوية و لم يبايع عليّا ؟ فقال : كان ابن عمر لا يعطي يدا في فرقة و لا يمنعها من جماعة ، و لم يبايع معاوية حتى اجتمعوا عليه(٢) .

قبّح اللَّه هذا الدين الذي يصير معاوية الذي كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعنه في غير موطن و عدوّ الدين أولى بالإمامة من أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي جعله اللَّه تعالى في كتابه كنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله .( و أنفسنا و أنفسكم . ) (٣) و جعله النبي بمنزلة نفسه في المتواتر منه في قوله للناس : من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه .

لا يقال : انّما قال « من كنت مولاه فعلي مولاه » لا ما قلت قلت : ما ذكرته ان لم يكن لفظه هو معناه ، ألم يكن قال تلك الجملة بعد قوله للناس « ألست بكم أولى من أنفسكم » و قول الناس له « بلى أنت أولى بنا من أنفسنا » فهل يصير معناها غير ما قلناه .

قبّح اللَّه هذا الدين الذي هو خلاف ناموس الإنسانية ، حتى ان الحجاج الذي قال عمر بن عبد العزيز الذي هو أحد خلفائهم : لو أنّ جميع الامم جاءت

____________________

( ١ ) الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر ٢ : ٦٠٩ .

( ٢ ) المصدر نفسه ٣ : ٩٥٣ .

( ٣ ) آل عمران : ٦١ .

١٦٧

يوم القيامة كلّ واحدة منهم بشرارهم و جئناهم بالحجاج لغلبنا جميعهم لم يرضه ، فقال الاسكافي أحد أئمتهم في نقض ( عثمانيته ) : امتنع ابن عمر من بيعة عليعليه‌السلام و طرق على الحجاج بابه ليلا ليبايع لعبد الملك كيلا يبيت تلك الليلة بلا إمام ، زعم لأنّه روي ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال « من مات و لا إمام له مات ميتة جاهلية »(١) و حتى بلغ من احتقار الحجاج له و استرذاله حاله أن أخرج رجله من الفراش فقال : اصفق بيدك عليها قال و رواه بعضهم و زاد : و لما خرج قال الحجاج : ما أحمق هذا يترك بيعة علي و يأتيني مبايعا في ليله .

٢ الخطبة ( ٩١ ) إِنَّ اَلْفِتَنَ

إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ وَ إِذَا أَدْبَرَتْ نَبَّهَتْ يُنْكَرْنَ مُقْبِلاَتٍ وَ يُعْرَفْنَ مُدْبِرَاتٍ يَحُمْنَ حَوْلَ اَلرِّيَاحِ يُصِبْنَ بَلَداً وَ يُخْطِئْنَ بَلَداً أقول : رواه الثقفي في أول ( غاراته ) باسنادين عن زر بن حبيش عنهعليه‌السلام : الأول عن إسماعيل بن ابان عن عبد الغفار بن القاسم عن المنصور بن عمرو عن ذر و الثاني عن أحمد بن عمران الأنصاري عن أبيه عن أبن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن زر قال : خطب عليعليه‌السلام بالنهروان إلى أن قال فقام إليه رجل آخر فقال لهعليه‌السلام : حدّثنا عن الفتن قال : ان الفتن إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت نبهت ، يشبهن مقبلات و يعرفن مدبرات ، ان الفتن تحوم كالرياح يصبن بلدا و يخطئن اخرى(٢) .

« ان الفتن إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت نبهت » في ( نهاية الجزري ) : التشابه قسمان ، قسم إذا ردّ إلى المحكم يفهم معناه ، و قسم لا سبيل إلى معرفة

____________________

( ١ ) نقض العثمانية : ٣٠١ .

( ٢ ) الغارات للثقفي : ٧ .

١٦٨

حقيقته ، فالمتتبع له متتبع للفتنة ، لأنّه لا يكاد ينتهي إلى شي‏ء تسكن إليه نفسه ، و منه حديث ذكر فيه فتنة « تشبه مقبلة و تبين مدبرة » أي أنّها إذا أقبلت شبهت على القوم و أرتهم أنّهم على الحق حتى يدخلوا فيها و يركبوا منها ما لا يجوز ، فإذا أدبرت بان أمرها فعلم من دخل فيها أنّه كان على الخطأ(١) .

« ينكرن مقبلات و يعرفن مدبرات » قد عرفت أنّ ( غارات الثقفي ) رواه « يشبهن مقبلات و يعرفن مدبرات » .

« يحمن حول الرياح » هكذا في ( المصرية )(٢) ، و الصواب : « حوم الرياح » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )(٣) ، مع أنّه لا معنى لما في ( المصرية ) ، فالفتن لا يدرن حول الرياح بل يدرن حول الناس دور الرياح ، من قولهم « حام الطائر حول الشي‏ء حوما » أي دار .

« يصبن بلدا و يخطئن اخرى » أي كما أن الرياح الشديدة تصيب بلدا و تخطى‏ء بلدا كذلك الفتن يصبن بلدا فيبتلى الناس بوخامتهن و يخطئن بلدا فيسلمون منها .

٣ الحكمة ( ٧٦ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ اَلْأُمُورَ إِذَا اِشْتَبَهَتْ اُعْتُبِرَ آخِرُهَا بِأَوَّلِهَا كان العباسيون يدّعون إجراء العدالة إذا ظهروا إلاّ انّه كان حالهم في الآخر معلومة من أوّلها .

____________________

( ١ ) النهاية لابن الأثير للجزري ٢ : ٤٤٢ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٢٣٤ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٤٤ الخطبة ( ١٩٢ ) ، أمّا شرح ابن ميثم ٢ : ٣٨٨ ، بلفظ « حول » ، أما الخطبة ٧٤ بلفظ « حوم » .

١٦٩

و لما بايعت الأوس أبا بكر لئلا يصير الأمر إلى الخزرج و كانت بينهما رقابة من الجاهلية ، قال لهم المنذر بن الحباب : فعلتموها أما و اللَّه لكأني بأبنائكم على أبواب أبنائهم قد وقفوا يسألونهم بأكفّهم و لا يسقون الماء .

و صار كما قال(١) .

٤ الحكمة ( ٩٣ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ اَلْفِتْنَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ وَ هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ وَ لَكِنْ مَنِ اِسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مُضِلاَّتِ اَلْفِتَنِ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ وَ اِعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ١ ٧ ٨ : ٢٨ وَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْتَبِرُهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَ اَلْأَوْلاَدِ لِيَتَبَيَّنَ اَلسَّاخِطَ لِرِزْقِهِ وَ اَلرَّاضِيَ بِقِسْمِهِ وَ إِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ لَكِنْ لِتَظْهَرَ اَلْأَفْعَالُ اَلَّتِي بِهَا يُسْتَحَقُّ اَلثَّوَابُ وَ اَلْعِقَابُ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ اَلذُّكُورَ وَ يَكْرَهُ اَلْإِنَاثَ وَ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ تَثْمِيرَ اَلْمَالِ وَ يَكْرَهُ اِنْثِلاَمَ اَلْحَالِ و هذا من غريب ما سمع منه في التفسير « لا يقولن أحدكم اللّهم اني أعوذ بك من الفتنة » قال ابن بابويه في ( توحيده ) :

الفتنة على عشرة أوجه : فوجه الضلال ، و الثاني : الاختبار و هو قوله تعالى .( و فتناك فتونا ) .(٢) ( ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون ) (٣) و الثالث : الحجّة و هو قوله تعالى( ثم لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا

_ ___________________

( ١ ) التوحيد للصدوق : ٣٨٦ .

( ٢ ) طه : ٤٠ .

( ٣ ) العنكبوت : ١ ٢ .

١٧٠

 و اللَّه ربنا ما كنّا مشركين ) (١) و الرابع : الشرك و هو قوله تعالى .( و الفتنة أشدّ من القتل ) .(٢) و الخامس : الكفر و هو قوله تعالى .( ألا في الفتنة سقطوا ) .(٣) و السادس : الإحراق بالنار و هو قوله تعالى( إن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات ) . .(٤) و السابع : العذاب كقوله تعالى( يوم هم على النار يفتنون ) (٥) ( ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون ) (٦) .( و من يرد اللَّه فتنته فلن تملك له من اللَّه شيئا ) . .(٧) و الثامن : القتل كقوله تعالى .( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) .(٨) ( فما آمن لموسى إلاّ ذريّة من قومه على خوف من فرعون و ملئهم أن يفتنهم ) .(٩) و التاسع : الصدّ كقوله تعالى( و ان كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا اليك ) .(١٠) و العاشر : شدّة المحنة كقوله تعالى .( ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ) (١١) ، و قد زاد علي بن ابراهيم وجها آخر ، و هو المحبة كقوله تعالى .( انّما أموالكم و أولادكم فتنة ) .(١٢) و عندي أنّه المحنة بالنون لا المحبة بالباء لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله « الولد مجبنة مبخلة »(١٣) .

____________________

( ١ ) الأنعام : ٢٣ .

( ٢ ) البقرة : ١٩١ .

( ٣ ) التوبة : ٤٩ .

( ٤ ) البروج : ١٠ .

( ٥ ) الذاريات : ١٣ .

( ٦ ) الذاريات : ١٤ .

( ٧ ) المائدة : ٤١ .

( ٨ ) النساء : ١٠١ .

( ٩ ) يونس : ٨٣ .

( ١٠ ) الاسراء : ٧٣ .

( ١١ ) يونس : ٨٥ .

( ١٢ ) الأنفال : ٢٨ .

( ١٣ ) بحار الأنوار ١٠٤ : ٩٧ رواية ٦٠ ب ٢ .

١٧١

قلت : و المفهوم من الخليل أن الأصل في معناه الإحراق ، فقال : الفتن الإحراق(١) ، قال تعالى( يوم هم على النار يفتنون ) (٢) ، و ورق فتين أي فضة محرقة و يقال للحرة فتين كأن حجارتها محرقة .

هذا ، و عن الأصمعي لا يقال أفتنته بل فتنته ، ورد عليه بقول أعشى همدان في سعيد بن جبير :

لئن أفتنتني فهي بالأمس أفتنت سعيدا فأمسى قد قلى كلّ مسلم(٣) و عن ام عمرو بنت الأهتم : مررنا بمجلس فيه سعيد بن جبير و نحن جوار و معنا جارية تغني بدف معها و تنشد البيت « لئن أفتنتني . » ، فقال سعيد : كذبتن كذبتن .

« لأنّه ليس أحد إلاّ و هو مشتمل على فتنة » و لو بالمال أو الولد ، و لأنّ سنته تعالى فتن عباده و لن تجد لسنته تبديلا ، قال تعالى( أحسب الناس ان يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون و لقد فتنا الذين من قبلهم فَليعلمنَّ اللَّه الذين صدقوا و ليعلَمَنَّ الكاذبين ) (٤) .

« و لكن من استعاذ فليستعذ باللَّه من مضلاّت الفتن » كما في فتنة بني اسرائيل بالعجل الذي أضلّهم السامري به حتى تركوا هارون و أرادوا قتله .

و كما في فتنة المسلمين بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمثل فتنة بني اسرائيل بجعل الثاني الأول عجله حتى تركوا خليفة نبيّهم و أرادوا قتله ، و كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لهم في المتواتر : لتتبعن بني إسرائيل حذوا بحذو حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه .

____________________

( ١ ) العين لأحمد الفراهيدي ٨ : ١٢٧ مادة ( فتن ) .

( ٢ ) الذاريات : ١٣ .

( ٣ ) العين للفراهيدي ٨ : ١٢٨ مادة ( فتن ) .

( ٤ ) العنكبوت : ٢ ٣ .

١٧٢

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) في قصة السقيفة فأخرجوا عليّا فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذن و اللَّه الذي لا إله إلاّ هو لضرب عنقك قال : إذن تقتلون عبد اللَّه و أخا رسوله قال عمر : أما عبد اللَّه فنعم و أما أخو رسوله فلا و أبو بكر ساكت لا يتكلّم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه ؟ فقال : لا اكرهه على شي‏ء ما كانت فاطمة إلى جنبه فلحق علي بقبر رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصيح و يبكي و ينادي : يابن امّ إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني إلى آخر ما ذكر(١) .

هذا ، و روى ( توحيد الصدوق ) أنّه تعالى قال : إنّ من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفّه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ، و إنّ منهم لمن لا يصلح ايمانه إلاّ بالفقر و لو أغنيته لأفسده ، و إنّ منهم لمن لا يصلح ايمانه إلاّ بالغنى و لو أفقرته لأفسده ، و ان منهم لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالسقم و لو صححت جسده لأفسده ذلك ، و إنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالصحّة و لو أسقمته لأفسده ، و إنّي ادبر عبادي بعلمي بقلوبهم فإنّي عليم خبير(٢) .

« فإنّ اللَّه سبحانه يقول( و اعلموا أنّما أموالكم و أولادكم فتنة و أن اللَّه عنده أجر عظيم ) (٣) .

« و معنى ذلك أنّه سبحانه » سقطت كلمة « سبحانه » من ( المصرية )(٤) مع وجودها في ( ابن ميثم و ابن أبي الحديد و الخطية )(٥) .

____________________

( ١ ) الخلفاء لابن قتيبة : ١٣ .

( ٢ ) التوحيد للصدوق : ٣٩٨ ح ١ .

( ٣ ) الأنفال : ٢٨ .

( ٤ ) الطبعة المصرية : ٦٧٧ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٤٨ ، و ابن ميثم ٥ : ٢٨٧ .

١٧٣

« يختبرهم » أي : يمتحنهم .

« بالأموال و الأولاد ليتبيّن الساخط لرزقه » في الأموال .

« و الراضي بقسمه » في الأولاد .

« و إن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم » .( فليعلمن اللَّه الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين ) (١) .

« و لكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب و العقاب » لأن الجزاء على العمل لا مجرّد النيّة و مقتضى الطوية ، و إن كان هو تعالى يثيب على مجردهما تفضلا و لا يؤاخذ على صرفهما تكرّما .

« لأنّ بعضهم يحب الذكور و يكره الاناث » حتى قال تعالى( في مثلهم و إذا بُشّر أحدهم بالانثى ظلّ وجهه مسودّا و هو كظيم يتوارى عن القوم من سوء ما بُشّر به أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) (٢) .

قالوا : و لحب الناس الذكور و كراهتم للإناث و كان الواجب عليهم التسليم لمشيته تعالى شأنه قدّم عز و جل هبة الإناث على الذكور فقال .( يهب لمن يشاء إناثا و يهب لمن يشاء الذكور ) (٣) .

« و بعضهم يحبّ تثمير المال و يكره انثلام الحال » أي وقوع الخلل فيه ، قال تعالى( و إنّه لحبّ الخير لشديد ) (٤) و فسر الخير هنا بالمال .

و قال تعالى في امتحان عبيده بالمال و الولد و غيرهما( و لنبلونكم بشي‏ء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات

_ ___________________

( ١ ) العنكبوت : ٣ .

( ٢ ) النحل : ٥٨ ٥٩ .

( ٣ ) الشورى : ٤٩ .

( ٤ ) العاديات : ٨ .

١٧٤

 و بشّر الصابرين ) (١) .

« و هذا من غريب ما سمع منه في التفسير » و لو كان قال ما روي عنهعليه‌السلام بدل ما سمع منهعليه‌السلام كان أحسن .

جعله من غريب التفسير لأنّ المتبادر من كون الأموال فتنة أنّ الانسان يطغى أن رآه استغنى ، و أنّ كثيرا من الناس يميل المال بهم إلى الشهوات كما أنّ كثيرا منهم يصعب عليهم إخراج الحقوق التي أوجب اللَّه تعالى عليهم في المال فيهلكون كما ان المتبادر من كون الأولاد فتنة أنّهم يصيرون سببا للتخلّف عن الجهاد ، و البخل عن الزكاة ، و تحصيل المال لهم من غير طريق المشروع لو ضاق عليه المشروع و لموافقة الآباء غالبا أهواء أبنائهم المهوية ، كما اتفق للزبير مع ابنه ، فقالعليه‌السلام : ما زال الزبير منّا حتى نشأ ابنه الميشوم .

و روت العامة في تفسير الآية عن بريدة : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخطب فجاء الحسن و الحسينعليهما‌السلام و عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران ، فنزل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إليهما فأخذهما و وضعهما في حجره على المنبر و قال : صدق اللَّه تعالى( انّما أموالكم و أولادكم فتنة ) .(٢) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان و يعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي و رفعتهما(٣) .

هذا ، و مما روي عنهعليه‌السلام من غريب التفسير غير ما مرّ أنّهعليه‌السلام قال :

الاستثناء في اليمين متى ما ذكر و لو بعد أربعين صباحا ثم تلا هذه الآية . و اذكر ربّك إذا نسيت .(٤) .

و أنّهعليه‌السلام قال : تستحب المقاربة مع أهله ليلة أول شهر الصيام لقوله

____________________

( ١ ) البقرة : ١٥٥ .

( ٢ ) التغابن : ١٥ .

( ٣ ) سنن الترمذي ٥ : ٦١٦ ح ٣٧٧٤ .

( ٤ ) الكافي ٧ : ٤٤٨ الرواية ٦ ، و الآية ٢٤ من سورة الكهف .

١٧٥

تعالى( اُحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) . .(١) .

٥ في الخطبة ( ١٤٣ ) منها :

وَ مَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلاَّ تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ فَاتَّقُوا اَلْبِدَعَ وَ اِلْزَمُوا اَلْمَهْيَعَ إِنَّ عَوَازِمَ اَلْأُمُورِ أَفْضَلُهَا إِنَّ مُحْدَثَاتِهَا شِرَارُهَا « و ما احدثت بدعة إلاّ ترك بها سنة » قال ابن أبي الحديد : البدعة كلّ ما لم يكن في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمنها الحسن كصلاة التراويح و منها القبيح كالمنكرات التي ظهرت أواخر الخلافة العثمانية و إن كانت قد تكلّفت الأعذار عنها(٢) .

قلت : صلاة التراويح أيضا من بدع ، قالعليه‌السلام ترك بها سنة ، و كيف تكون حسنة و كانت تشريعا في قبال الدين ، و إنما التشريع للَّه تعالى( ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إنّ لكم فيه لما تخيرون ) (٣) .

ما كان للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يشرّع شيئا من قبل نفسه إلاّ بوحي منه تعالى إليه ، فكيف كان لعمر الذي أفحمته مرأة في أنفها فطس في حظره جعل الصداق أكثر من خمسمائة درهم بأنّه تعالى قال .( و آتيتم إحداهن قنطاراً ) .(٤) فقال : كل الناس أفقه من عمر .

و روى سليم بن قيس الهلالي في كتابه أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام خطب فقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه

____________________

( ١ ) البقرة : ١٨٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٩٤ .

( ٣ ) القلم : ٣٦ ٣٨ .

( ٤ ) النساء : ٢٠ .

١٧٦

ناقضين لعهده مغيّرين لسنّته ، و لو حملت الناس على تركها تفرّق عني جندي حتى أبقى وحدي و قليل من شيعتي ، و اللَّه لقد أمرت أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة و أعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي يا أهل الاسلام لقد غيرت سنّة عمر نهينا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا ، و قد خفت أن يثوروا في ناحية عسكري(١) .

و روى محمد بن علي بن بابويه عن الباقر و الصادقعليهما‌السلام : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان في جماعة بدعة ، و صلاة الضحى بدعة ، ألا و إنّ كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار(٢) .

و روى محمد بن يعقوب الكليني : إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام مر برجل يصلّي الضحى في مسجد الكوفة ، فغمز جنبه بالدرة و قال : نحرت صلاة الأوابين نحرك اللَّه(٣) .

و أما أعمال عثمان و لم قال كالمنكرات التي ظهرت أواخر الخلافة العثمانية كنفيه أبا ذر و ضربه عمارا و نهبه بيت المال لأقاربه و توليته لهم حتى يصلّوا بالناس سكارى و يصلّوا الصبح أربعا و يغنوا في الصلاة و غيرها من نظائرها فشنائع ينكرها الموحد و الملحد و المسلم و الكافر .

و أما ما قاله من تكلّف الأعذار الذي نوريهم ، فالتكلّف لعدم منكرية عداوة أبي جهل مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أقرب إلى العقول منه .

ثم جعلها في عداد البدع كصلاة التراويح في غير محله .

____________________

( ١ ) سليم بن قيس ، لا وجود له في الطبعة النجفية ، لعل المؤلف أخذه من البحار حيث ذكر المجلسي في ٩٦ : ٢٠٣ الرواية ٢١ باب ٢٤ .

( ٢ ) الفقيه للصدوق ٢ : ١٣٧ الرواية ١٩٦٤ باب ٢ .

( ٣ ) الكافي ٣ : ٤٥٢ رواية ٨ .

١٧٧

« فاتقوا البدع » روى ابن بابويه عن الصادقعليه‌السلام : من مشى إلى صاحب بدعة فوقرها فقد مشى في هدم الإسلام(١) .

« و الزموا المهيع » أي الطريق الواسع و هو طريق الاسلام ، قال تعالى( و إنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ) . .(٢) .

« إنّ عوازم الامور أفضلها » قال ابن أبي الحديد : عوازم ما تقادم منها من قولهم « عجوز عوزم » أي مسنّة ، و يجوز أن يكون جمع عازمة بمعنى مفعول أي معزوم عليها ، أي مقطوع معلوم بيقين صحتها ، و الأول أظهر لأن في مقابلته « و ان محدثاتها » و المحدث في مقابلة القدم(٣) .

قلت : بل الظاهر أن « عوازم » محرف « قدائم » جمع قديم للتشابه الخطي بينهما ، لأن العزم في مقابل الرخصة لا المحدث ، يقال عزائم القرآن و رخصه ، ثم جمع العوزم بالعوازم كما قاله غير معلوم .

٦ الخطبة ( ٥٠ ) و من كلام لهعليه‌السلام :

إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ اَلْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وَ أَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اَللَّهِ وَ يَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالاً عَلَى غَيْرِ دِينِ اَللَّهِ فَلَوْ أَنَّ اَلْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ اَلْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى اَلْمُرْتَادِينَ وَ لَوْ أَنَّ اَلْحَقَّ خَلَصَ مِنْ اَلْبَاطِلِ اِنْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ اَلْمُعَانِدِينَ وَ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَ مِنْ هَذَا

____________________

( ١ ) الفقيه للصدوق ٣ : ٥٧٢ ح ٤٩٥٧ الباب ٢ .

( ٢ ) الأنعام : ١٥٣ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٩٤ .

١٧٨

ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي اَلشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَ يَنْجُو اَلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ ٢ ٤ ٢١ : ١٠١ مِنَ اَللَّهِ اَلْحُسْنى‏ ٦ ٦ ٢١ : ١٠١ أقول : رواه الكليني في ( بدع كافيه ) بإسنادين عن عاصم بن حميد عن محمد ابن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : أيها الناس إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع و أحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب اللَّه ، يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا ، فهنا لك استحوذ الشيطان على أوليائه و نجا الذين سبقت لهم منه الحسنى(١) .

و رواه في ( روضته ) مع زيادات ، فروى عن سليم بن قيس قال : خطب عليعليه‌السلام فقال : إنّما بدء وقوع الفتن من أهواء تتبع و أحكام تبتدع ، يخالف فيها حكم اللَّه ، يتولى فيها رجال رجالا ، إنّ الحق لو خلص لم يكن اختلاف و لو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى ، لكنّه يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فيجتمعان فيجللان معا ، فهنا لك يستولي الشيطان على أوليائه و نجا الذين سبقت لهم الحسنى ، إنّي سمعت رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

كيف أنتم إذا لبستكم فتنة تربو فيها الصغير و يهرم فيها الكبير يجري الناس عليها و يتخذونها سنة ، فإذا غيّر منها شي‏ء قيل قد غيّرت السنّة ، و قد أتى الناس منكرا ثم تشتدّ البلية و تسبى الذريّة و تدقهم الفتنة كما تدقّ النار الحطب و كما تدقّ الرحى بثفالها ، و يتفقهون لغير اللَّه و يتعلمون لغير العمل و يطلبون الدنيا بأعمال الآخرة .

ثم أقبل بوجهه و حوله ناس من أهل بيته و خاصته و شيعته فقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه ناقضين بعهده مغيّرين لسنّته ، و لو حملت الناس على تركها و حوّلتها إلى مواضعها

____________________

( ١ ) الكافي ١ : ٥٤ رواية ١ و أيضا ٨ : ٥٨ الرواية ٢١ .

١٧٩

و الى ما كانت في عهد رسول اللَّه لتفرّق عني جندي حتى أبقى وحدي أو مع قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي و فرض إمامتي من كتاب اللَّه و سنّة رسوله ، أرأيتم لو أمرت بمقام ابراهيم فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللَّه و رددت فدك إلى ذريّة فاطمة و رددت صاع رسول اللَّه كما كان و أمضيت قطائع أقطعها النبي لأقوام لم تمض لهم و لم تنفذ و رددت دار جعفر إلى ورثته و هدمتها من المسجد و رددت قضايا من الجور قضي بها و نزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن و استقبلت بهن الحكم ( في الفروج و الأحكام ) و سبيت ذراري بني تغلب و رددت ما قسم من أرض خيبر و محيت دواوين العطاء و أعطيت كما كان النبي يعطي بالسوية و لم أجعلها دولة بين الأغنياء و ألقيت المساحة و سويت بين المناكح و أنفذت خمس الرسول كما أنزل اللَّه عز و جل و فرضه و رددته إلى ما كان عليه و سددت ما فتح من الأبواب و فتحت ما سد منه و حرمت المسح على الخفين و حددت على النبيذ و أمرت باحلال المتعتين و أمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات و ألزمت الناس الجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم و أخرجت من ادخل مع رسول اللَّه في مسجده ممن كان رسول اللَّه أخرجه و أدخلت من اخرج بعد رسول اللَّه و حملت الناس على حكم القرآن ( في ) الطلاق على السنّة و أخذت الصدقات على أصنافها و حدودها و رددت الوضوء و الغسل و الصلاة إلى مواقيتها و شرائعها و حدودها و رددت أهل نجران إلى مواضعهم و رددت سبايا فارس و سائر الامم إلى كتاب اللَّه و سنّة نبيّه ، إذن لتفرّقوا عني ، و اللَّه لقد أمرت الناس ألا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة و أعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الاسلام غيّرت سنّة عمر نهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا ، و لقد خفت أن

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

حياته. فإذا مات، كان لورثته نقل السّاكن عن المسكن. وإن مات السّاكن وله ورثة، كان لورثته ذلك الى أن يمضي زمان حياة المسكن. وإن جعل له السّكنى مدة حياة السّاكن، كان ذلك ماضيا الى أن يتوفّاه الله تعالى. فإذا مات، رجع اليه أو الى ورثته، إن كان مات. وإن مات الذي جعل السّكنى، لم يكن لورثته إزعاجه، إلّا بعد أن تمضي مدّة حياته، ومتى أسكنه، ولم يذكر شيئا، كان له إخراجه أيّ وقت شاء.

وإذا أسكن إنسان غيره، لم يجز للسّاكن أن يسكن معه غيره إلّا ولده وأهله، ولا يجوز له سواهم. ولا يجوز للسّاكن أيضا أن يواجره، ولا أن ينتقل عنه، فيسكن غيره إلّا بإذن صاحب المسكن.

وللإنسان أن يحبس فرسه في سبيل الله، وغلامه أو جاريته في خدمة البيت الحرام، وبعيره في معونة الحاجّ والزّوار. وإذا فعل ذلك لوجه الله، لم يجز له تغييره. فإن عجزت الدّابة، أو دبرت، أو مرض الغلام أو الجارية، وعجزا عن الخدمة، سقط عنه فرضها. فإن عادا إلى الصّحّة، كان الشّرط فيها قائما حتى يموت العبد وتنفق الدّابّة.

وإذا جعل الإنسان خدمة عبده أو أمته لغيره مدّة من الزّمان، ثمَّ هو حرّ بعد ذلك، كان ذلك جائزا، وكان على المملوك الخدمة في تلك المدّة. فإذا مضت المدّة، صار حرّا. فإن أبق العبد

٦٠١

هذه المدّة، ثمَّ ظفر به من جعل له خدمته، لم يكن له بعد انقضاء تلك المدّة عليه سبيل. وإن كان صاحب الغلام أو الجارية جعل خدمته لنفسه مدّة من الزّمان، ثمَّ هو حرّ بعد ذلك، وأبق المملوك، انتقض ذلك التّدبير. فإن وجده بعد ذلك، كان مملوكا له، يعمل به ما شاء.

باب النحل والهبة

الهبة على ضربين، ضرب منها لصاحبها الرّجوع فيها، وضرب ليس له الرّجوع فيه.

فأمّا الذي ليس له فيه رجوع، فهو كلّ هبة وهبها الإنسان لذي رحمه، ولدا كان أو غيره، إذا كان مقبوضا. فإن لم يكن مقبوضا، جاز له الرّجوع فيه. وإن مات، كان ميراثا. إلّا أن تكون الهبة على ولده ويكونون صغارا، فإنّه لا يكون له فيها رجوع على حال، لأنّ قبضه قبضهم. فأمّا إذا كانوا كبارا، أو يكونون غير أولاده وإن كانوا صغارا، فإنّ له الرّجوع فيها ما لم يقبّض. فإن وهب للصّغير من ذوي أرحامه، وقبّضه وليّه، لم يكن له بعد ذلك رجوع فيها على حال.

وامّا الضّرب الآخر، وهو الذي له الرّجوع فيه، فهو كلّ هبة كانت على أجنبيّ، ولم يتعوّض منها، وكانت عينه قائمة،

٦٠٢

فإنّ له الرّجوع في ذلك، وإن كان قد قبّضها. وإن تعوّض عنها، لم يكن له الرّجوع فيها بعد ذلك، سواء كان ما تعوّض عنها قليلا أو كثيرا. وإن لم يتعوّض منها، واستهلكت الهبة، أو تصرّف فيها الموهوب له، لم يكن أيضا للواهب الرّجوع فيها على حال.

ويكره أن يرجع الإنسان فيما يهبه لزوجته، وكذلك يكره للمرأة الرّجوع فيما تهبه لزوجها. وما يهبه الإنسان لوجه الله، فلا يجوز له الرّجوع فيه على حال. وما تصدّق الإنسان به لوجه الله، فلا يجوز له أن يعود اليه بالبيع أو الهبة أو الصّدقة. وإن رجع اليه بالميراث، كان جائزا. وإذا أخرج الإنسان شيئا لوجه الله يتصدّق به، ففاته من يريد إعطاءه، فليتصدّق به على غيره ولا يردّه في ماله.

ولا بأس أن يفضّل الإنسان بعض ولده على بعض بالهبة والنّحلة، إلّا أنّه يكره ذلك في حال المرض، إذا كان الواهب معسرا. فإذا كان موسرا، لم يكن به بأس.

وإذا وهب الإنسان لبعض ولده شيئا، وكتب له بذلك كتاب ابتياع، ذكر فيه أنّه قبض الثّمن، ثمَّ مات، وطالبه الورثة بالثّمن أو اليمين بالله تعالى: أنّه سلّم الثّمن على الكمال، جاز له أن يحلف: أنّه قد سلّم الثّمن، ويورّي في نفسه ما يخرج به عن الكذب عند الله تعالى، وليس عليه في ذلك شي‌ء على حال.

٦٠٣

كتاب الوصايا

باب الحث على الوصية

قال الله تعالى:( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ، إِنْ تَرَكَ خَيْراً، الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ، حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) .

وروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، انّه قال: « من مات بغير وصية، مات ميتة جاهليّة ».

وقال،صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة، إلّا ووصيّته تحت رأسه ».

وروى أبو الصباح الكنانيّ وأبو أسامة زيد الشحّام جميعا عن أبي عبد الله،عليه‌السلام ، أنّه قال: « الوصيّة حق على كلّ مسلم ».

وروي عنه أيضا،عليه‌السلام : انّه قال: « ما من ميّت تحضره الوفاة، إلّا ردّ الله عليه من سمعه وبصره وعقله للوصيّة، أخذ الوصيّة أو ترك، وهي الرّاحة التي يقال لها راحة الموت. فهي حقٌّ على كُلِّ مسلم ».

٦٠٤

وروى مسعدة بن صدقة ووهب بن وهب جميعا عن أبي عبد الله،عليه‌السلام ، انّه قال: قال رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الوصيّة تمام ما نقص من الزّكاة ».

وروى السّكونيّ عن أبي عبد الله،عليه‌السلام ، أنّه قال: « من لم يوصّ عند موته لذوي قرابته ممّن لا يرث، فقد ختم عمله بمعصية ».

وعنه عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن عليّ،عليهم‌السلام ، أنّه قال: « من أوصى، ولم يحف ولم يضارّ، كان كمن صدّق به في حياته، وقال: ما أبالي: أضررت بورثتي أو سرقتهم ذلك المال ».

وروى سليمان بن جعفر الجعفريّ عن أبي عبد الله،عليه‌السلام : أنّه قال: قال رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من لم يحسن وصيته عند الموت، كان نقصا في مروّته وعقله ».

باب الأوصياء

ينبغي للمسلم أن يختار لوصيّته عاقلا مسلما عدلا حكيما، ولا يوصي الى سفيه ولا الى فاسق، ولا يوصي الى عبد وإن كان عدلا مرضيّا، لأنّه لا يملك مع سيّده شيئا. ولا بأس أن يوصي الى اثنين، أحدهما صغير والآخر كبير، بعد أن يكون الكبير كاملا عاقلا، ويجعل للعاقل النّظر في الحال، وللصّبيّ إذا بلغ

٦٠٥

فإن مات الصّبيّ، أو بلغ وكان فاسد العقل، كان للعاقل إنفاذ الوصيّة. وإذا أنفذ البالغ الكامل الوصيّة، كان ذلك جائزا. فإن بلغ الصّبيّ، ولم يرض بذلك، لم يكن له ذلك، إلّا أن يكون الكبير خالف شرط الوصيّة. ولا يجوز وصيّة المسلم الى كافر على حال. ويجوز وصيّة الكفّار بعضهم الى بعض. ولا بأس أن يوصي الإنسان الى امرأة إذا كانت عاقلة مأمونة.

وإذا وصّى الإنسان إلى نفسين، وشرط أن لا يمضيا الوصيّة إلّا بعد أن يجتمعا، لم يكن لكلّ واحد منهما الاستبداد بما يصيبه. فإن تشاحّا في الوصيّة والاجتماع، لم ينفّذ شي‌ء ممّا يتصرّفان فيه، إلّا ما يعود بمصلحة الورثة والكسوة لهم والمأكول. وعلى النّاظر في أمر المسلمين، حملهم على الاجتماع على تنفيذ الوصيّة، أو الاستبدال بهم إن رأى ذلك أصل في الحال. وإن لم يكن الموصي قد اشترط عليهما ذلك، جاز لكلّ واحد منهما أن يستبدّ بما يصيبه، ويطالب صاحبه بقسمة الوصيّة.

ولا بأس أن يوصي الإنسان إلى أولاده أو الى من يرثه أو الى زوجته. فإن أوصى إليهم، وكان فيهم صغار وكبار، كان للأكابر إنفاذ الوصيّة، وأن لا ينتظروا بلوغ الصّغار، إلّا أن يكون الموصي قد اشترط إيقاف الوصيّة إلى وقت بلوغ الصّغار، وكان الشّي‌ء الذي أوصى به يجوز تأخيره. فإن كان كذلك لم يجز لهم أن ينفّذوا شيئا منها إلّا بعد بلوغ الأصاغر منهم.

٦٠٦

وإذا وصّى الإنسان إلى غيره، كان بالخيار في قبول الوصيّة وردّها، إذا كان حاضرا شاهدا. فإن كان الموصى إليه غائبا، كان له ردّ الوصيّة ما دام الموصي حيّا. فإذا مات الموصي قبل أن يبلغ اليه الامتناع من قبول الوصيّة، لم يكن للوصيّ الغائب الامتناع من القيام بها.

وإذا حضر الوصيّ الوفاة وأراد أن يوصي الى غيره، جاز له أن يوصي اليه بما كان يتصرّف فيه من الوصيّة، ويلزم الموصى إليه القيام بذلك. وقال بعض أصحابنا: أنّه ليس له أن يوصي الى غيره بما كان يتصرّف فيه. فإذا مات، كان على النّاظر في أمر المسلمين أن يقيم من ينظر في ذلك. فإن لم يكن هناك إمام كان لفقهاء آل محمد العدول وذوي الآراء منهم أن يتصرّفوا في ذلك إذا تمكّنوا منه. فإن لم يتمكّنوا، فليس عليهم شي‌ء. ولست أعرف بهذا حديثا مرويّا.

وللموصي أن يستبدل بالأوصياء ما دام حيّا. فإذا مضى لسبيله، لم يكن لأحد أن يغيّر وصيّته، ولا يستبدل بأوصيائه. فإن ظهر من الوصيّ بعده خيانة، كان على النّاظر في أمر المسلمين أن يعزله ويقيم أمينا مقامه. وإن لم تظهر منه خيانة، إلّا أنّه ظهر منه ضعف وعجز عن القيام بالوصيّة، كان للنّاظر في أمر المسلمين أن يقيم معه أمينا ضابطا يعينه على تنفيذ الوصيّة، ولم يكن له عزله لضعفه. والوصيّ إذا خالف ما أمر به، كان ضامنا للمال.

٦٠٧

وإذا أمر الموصي الوصيّ أن يتصرّف في تركته لورثته، ويتّجر لهم بها، ويأخذ نصف الرّبح، كان ذلك جائزا، وحلال له نصف الرّبح.

وإذا كان للوصيّ على الميّت مال، لم يجز له أن يأخذه من تحت يده إلّا ما تقوم له به البيّنة. ومتى باع الوصيّ شيئا من التّركة لمصلحة الورثة، وأراد أن يشتريه لنفسه، جاز له ذلك، إذا أخذه بالقيمة العدل من غير نقصان.

وإذا مات إنسان من غير وصيّة، كان على النّاظر في أمر المسلمين أن يقيم له ناظرا ينظر في مصلحة الورثة، ويبيع لهم ويشتري، ويكون ذلك جائزا. فإن لم يكن السّلطان الذي يتولّى ذلك أو يأمر به، جاز لبعض المؤمنين أن ينظر في ذلك من قبل نفسه، ويستعمل فيه الأمانة، ويؤدّيها من غير إضرار بالورثة، ويكون ما يفعله صحيحا ماضيا.

باب الوصية وما يصح منها وما لا يصح

الوصيّة بالخمس أفضل من الوصيّة بالرّبع، وهي بالرّبع أفضل منها بالثّلث، ولا يجوز الوصيّة بأكثر من الثّلث. فإن وصّى إنسان بأكثر من الثلث، لم تمض الوصيّة إلّا في الثّلث، وتردّ فيما زاد عليه، إلّا أن يرضى الورثة بذلك. فإن وصّى بأكثر من الثّلث، ورضي به الورثة، لم يكن لهم بعد ذلك امتناع من

٦٠٨

إنفاذها لا في حال حياته ولا بعد وفاته.

وللإنسان أن يرجع في وصيّته ما دام فيه روح، ويغيّر شرائطها وينقلها من شي‌ء إلى شي‌ء ومن إنسان إلى غيره. وليس لأحد عليه فيه اعتراض.

وإذا دبّر مملوكه، كان ذلك مثل الوصيّة يجوز له الرّجوع فيه. فإن لم يرجع فيه، كان من الثّلث فإن أعتقه في الحال، مضى العتق وليس لأحد عليه سبيل.

وإذا أوصى الإنسان بوصيّة، ثمَّ أوصى بأخرى، فإن أمكن العمل بهما جميعا، وجب العمل بهما، وإن لم يمكن العمل بهما، كان العمل على الأخيرة دون الأولى.

وإذا أوصى بوصيّة، فليس لأحد مخالفته فيما أوصى به، ولا تغيير شي‌ء من شرائطها، إلّا أن يكون قد وصّى بما لا يجوز له أن يوصّي به، مثل أن يكون قد وصّى بماله في غير مرضات الله، أو أمر بإنفاقه في وجوه المعاصي: من قتل النفوس، وسلب الأموال، أو إعطائه الكفّار، أو إنفاقه على مواضع قربهم: من البيع، والكنائس، وبيوت النّيران. فإن فعل شيئا من ذلك، كان للوصيّ مخالفته في جميع ذلك، وصرف الوصيّة إلى الحقّ، وكان على إمام المسلمين معاونته على ذلك. فإن أوصى الإنسان لأحد أبويه، أو بعض قرابته شيئا من ثلثه، وجب إيصاله إليهم، وإن كانوا كفّارا ضلّالا.

٦٠٩

ولا بأس بالوصيّة للوارث إذا لم يكن بأكثر من الثّلث. فإن كانت بأكثر منه، ردّت الى الثّلث. وإذا أوصى بوصية، ثمَّ قتل نفسه، كانت وصيّته ماضية، لم يكن لأحد ردّها. فإن جرح نفسه بما فيه هلاكها، ثمَّ وصى، كانت وصيّته مردودة، لا يجوز العمل عليها. وإذا أوصى بوصيّة، ثمَّ قتله غيره خطأ، كانت وصيّته ماضية في ثلث ماله وثلث ديته. وإن جرحه غيره، ثمَّ وصّى، كان الحكم أيضا فيه مثل ذلك في أنّه تمضى الوصيّة في ثلث ماله وثلث ما يستحقّه من أرش الجراح.

وإذا وصّى الإنسان لعبده بثلث ماله، نظر في قيمة العبد قيمة عادلة: فإن كانت قيمته أقلّ من الثلث، أعتق، وأعطي الباقي. وإن كانت مثله، أعتق، وليس له شي‌ء، ولا عليه شي‌ء. وإن كانت القيمة أكثر من الثّلث بمقدار السّدس أو الرّبع أو الثّلث، أعتق بمقدار ذلك، واستسعي في الباقي لورثته. وإن كانت قيمته على الضّعف من ثلثه، كانت الوصيّة باطلة.

وإذا أوصى الإنسان بعتق مملوك له، وكان عليه دين، فإن كان قيمة العبد ضعفي الدّين، استسعي العبد في خمسة أسداس قيمته: ثلاثة أسهم للدّيّان، وسهمان للورثة، وسهم له، وإن كانت قيمته أقلّ من ذلك، بطلت الوصيّة. ومن وصّى لعبد غيره، لم تصحّ وصيّته.

فإن وصّى لمكاتب مشروط عليه، كان أيضا مثل ذلك. فإن لم يكن مشروطا عليه، جازت الوصيّة له بمقدار ما أدّى من

٦١٠

كتابته، لا أكثر من ذلك.

وإذا أوصى لأمّ ولده، أعتقت من نصيب ولدها، وأعطيت ما أوصى لها به.

وإذا أوصى الموصي بإخراج بعض الورثة من الميراث، لم يلتفت الى وصيّته وقوله، إذا كان مقرّا به قبل ذلك، أو كان مولودا على فراشه، لم يكن قد انتفى منه في حال حياته.

باب شرائط الوصية

من شرط الوصيّة أن يكون الموصي عاقلا حرّا ثابت العقل، سواء كان صغيرا أو كبيرا. فإن بلغ عشر سنين، ولم يكن قد كمل عقله، غير أنّه لا يضع الشّي‌ء إلّا في موضعه، كانت وصيته ماضية في المعروف من وجوه البرّ، ومردودة فيما لم يكن كذلك. ومتى كان سنّه أقلّ من ذلك، لم يجز وصيّته. وقد روي: أنّه إذا كان ابن ثمان سنين، جازت وصيّته في الشّي‌ء اليسير في أبواب البرّ. والأول أحوط وأظهر في الرّوايات.

وكذلك يجوز صدقة الغلام إذا بلغ عشر سنين، وهبته، وعتقه، إذا كان بالمعروف وفي وجه البرّ. وأمّا ما يكون خارجا عن ذلك، فليس بممضاة على حال.

وحدّ بلوغ الصّبيّ إمّا أن يحتلم أو يشعر أو يكمل عقله. فمتى حصل فيه شي‌ء من هذه الأوصاف، فقد دخل في حدّ الكمال،

٦١١

ووجب على وليّه تسليم ماله اليه وتمكينه من التّصرّف فيه، إلّا أن يكون سفيها ضعيف العقل، فإنّه لا يمكّن من التّصرّف على حال.

وحدّ بلوغ المرأة تسع سنين. فإذا بلغت ذلك، جاز تصرّفها في مالها بسائر أنواع التّصرّف، وأمرها نافذ فيه، إلّا أن تكون ضعيفة العقل سفيهة. فإذا كانت كذلك، فإنّها لا تمكّن من المال.

ومن شرط الوصيّة أن يشهد عليها الموصي نفسين عدلين مرضيّين لئلّا يعترض فيها الورثة. فإن لم يشهد أصلا، وأمكن الوصيّ إنفاذ الوصيّة، جاز له إنفاذها على ما أوصى به اليه.

ولا يجوز شهادة من ليس على ظاهر الإسلام في الوصيّة، إلّا عند الضّرورة وفقد المسلم. بان يكون الموصي في موضع لا يجد فيه أحدا من المسلمين ليشهده على وصيّته، فإنّه يجوز، والحال هذه، أن يشهد نفسين من أهل الذّمّة ممّن ظاهره الأمانة عند أهل ملّته. ولا يجوز شهادة غير أهل الذّمّة على حال.

ويجوز شهادة النّساء في الوصيّة عند عدم الرّجال. فإن لم لم تحضر إلّا امرأة واحدة، جازت شهادتها في ربع الوصيّة. فإن حضرت اثنتان جازت شهادتهما في النّصف، ثمَّ على هذا الحساب.

وإذا أشهد إنسان عبدين له على حمل بجارية أنّه منه،

٦١٢

وأعتقهما، فشهدا عند الورثة بذلك. فلم يقبلوا شهادتهما، واسترقّوهما وبيعا، ثمَّ أدركهما العتاق، فشهد للمولود بالنسب، قبلت شهادتهما على الورثة، ولا يسترقّهما المولود على حال.

باب الوصية المبهمة والوصية بالعتق والحج

إذا أوصى الإنسان يجزئ من ماله ولم يبيّنه، كان ذلك سبعا من ماله. وقد روي أنّه يكون العشر. والأوّل أوضح. فإن أوصى بسهم من ماله، كان ذلك الثّمن من جميع تركته. وقد روي: أنّه سهم من عشرة. والأوّل أكثر في الرّواية. وإن أوصى بشي‌ء، ولم يبيّن، كان ذلك السّدس من ماله.

فإن أوصى بثلث ماله في سبيل الله ولم يسمّ، أخرج في معونة المجاهدين لأهل الضّلال والكافرين. فإن لم يحضر مجاهد في سبيل الله، وضع في أبواب البرّ من معونة الفقراء والمساكين وأبناء السّبيل وصلة آل الرّسول. بل يصرف أكثره في فقراء آل محمّد،عليهم‌السلام ، ومساكينهم وأبناء سبيلهم، ويصرف ما بقي بعد ذلك في وجوه البرّ.

فإن أوصى بوصيّة، وجعلها أبوابا مسمّاة، فنسي الوصيّ بابا منها، فليجعل ذلك السّهم في وجوه البرّ.

وإذا أوصى الإنسان لغيره بسيف، وكان في جفن وعليه حلية، كان السّيف له بما فيه وعليه. وإذا أوصى بصندوق لغيره،

٦١٣

وكان فيه مال، كان الصّندوق بما فيه للذي أوصى له به. وكذلك إن أوصى له بسفينة، وكان فيها متاع، كانت السّفينة بما فيها للموصى له. وكذلك إن وصّى بجراب، وكان فيه متاع، كان الجراب بما فيه للموصى له، إلّا أن يستثني ما فيه. هذا إذا كان الموصي عدلا مأمونا. فإن لم يكن عدلا، وكان متّهما، لم تنفّذ الوصيّة في أكثر من ثلثه من الصّندوق والسّفينة والسّيف والجراب وما فيها.

وإذا أوصى الإنسان بشي‌ء معيّن لأعمامه وأخواله، كان لأعمامه الثّلثان ولأخواله الثّلث. فإن أوصى إنسان لأولاده، وكانوا ذكورا وإناثا، ولم يذكر كيفيّة القسمة فيهم، كان ذلك بينهم بالسّويّة. فإن قال هو بينهم على كتاب الله. كان( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) .

وإذا أوصى بثلث ماله لقرابته، ولم يسمّ أحدا، كان ذلك في جميع ذوي نسبه الرّاجعين الى آخر أب له وأم له في الإسلام، ويكون ذلك بين الجماعة بالسّويّة.

والوصيّة للجيران والعشيرة والقوم على ما ذكرناه في باب الوقوف على السّواء. والقول فيما يوصى للمسلمين أو المؤمنين أو العلويّين أو الطالبيّين أو غيرهم ممّن يتناولهم الاسم العامّ، على ما ذكرناه في باب الوقوف على السّواء.

ومن وصّى لحمل غير موجود، كانت الوصيّة ماضية. فإن

٦١٤

سقط الحمل أو مات، رجع ميراثا على ورثة الموصي. فإن وضعته أمّه حيّا، واستهلّ وصاح، ثمَّ مات، كان ما أوصى له به ميراثا لورثته دون ورثة الموصي. ومن أوصى لمعدوم غير موجود، كانت الوصيّة باطلة.

فإذا أوصى الإنسان بثلث ماله في مواليه، وكان له موال ولأبيه موال، كانت الوصيّة لمواليه خاصّة دون موالي أبيه. فإن سمّى لمواليه شيئا ولموالي أبيه شيئا آخر، ولم يبلغ ثلثه ذلك، كان النّقصان داخلا على موالي أبيه، ويوفّى مواليه ما سمّى لهم على الكمال.

وإذا وصّى المسلم بثلث ماله للفقراء، كان ذلك لفقراء المسلمين خاصّة. فإن أوصى الكافر للفقراء، كان ذلك لفقراء أهل ملّته دون غيرهم. وإذا أوصى الإنسان بثلث ماله في صدقة وعتق وحجّ، ولم يبلغ الثّلث ذلك، بدئ بالحجّ، لأنّه فريضة من فرائض الله تعالى. وما فضل بعد ذلك، جعل طائفة في العتق وطائفة في الصّدقة.

وإذا أوصى بعتق مملوك وبشي‌ء لقرابته، ولم يبلغ الثّلث ذلك، بدئ بعتق المملوك، وما فضل بعد ذلك، كان لمن وصّى له به. وإذا وصّى بعتق ثلث عبيده، وكان له عبيد جماعة، استخرج ثلثهم بالقرعة، وأعتقوا. وإذا قال: فلان وفلان وفلان من مماليكي أحرار بعد موتي، وكانت قيمتهم أكثر من الثّلث، بدئ بالأوّل فالأوّل إلى أن يستوفي الثّلث، وكان النّقصان

٦١٥

فيمن ذكرهم أخيرا. فإن ذكر جماعة من عبيده معدودين، ولم يميّزهم بصفة، ولا رتّبهم في القول، استخرجوا بالقرعة وأعتقوا.

وإذا أعتق مملوكا له عند موته، ولا يملك غيره، انعتق ثلثه، واستسعي فيما يبقى لورثته. وكذلك إن أعتق ثلث عبده استسعي فيما يبقى للورثة، إذا لم يكن له مال غيره. فإن كان له مال غيره أعتق الباقي من ثلثه.

وإذا أوصى بعتق نسمة مؤمنة، ولم يوجد كذلك، جاز أن تعتق من أفناء النّاس ممّن لا يعرف بنصب ولا عداوة. فإن وجدت مؤمنة، لم يجز غيرها. فإن اشتري نسمة على أنّهم مؤمنة، وأعتقت، ثمَّ ظهر بعد ذلك أنّها لم تكن كذلك، فقد مضى العتق، وأجزأ عن الوصيّ.

ومن أوصى بعتق رقبة، جاز أن يعتق عنه نسمة: رجلا كان أو امرأة، صغيرا كان أو كبيرا. وإذا أوصى بأن يعتق عنه رقبة بثمن معلوم، فلم يوجد بذلك القدر، ووجد بأكثر منه، لم يجب شراؤه، وتركت الوصيّة إلى وقت ما يوجد بالثّمن المذكور. وإن وجد بأقلّ من ذلك، اشتري، وأعطي الباقي ثمَّ أعتق.

وإذا أوصى الإنسان بعتق جميع مماليكه، له مماليك يخصّونه ومماليك بينه وبين غيره، أعتق من كا ن في ملكه، وقوّم

٦١٦

من كان في الشّركة، وأعطي شريكه حقّه، إن كان ثلثه يحتمل. فإن لم يحتمل، أعتق منهم بقدر ما يحتمله.

وإذا أوصى الإنسان أن يحجّ عنه، ولم يبيّن كم يحجّ عنه، فإنّه يجب أن يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شي‌ء. وإذا أوصى أن يحجّ عنه كلّ سنة من ارتفاع ضيعة بعينها، فلم يرتفع كلّ سنة مقدار ما يحجّ به عنه، أجاز أن يجعل ارتفاع سنتين وثلاثة لسنة واحدة، وحجّ به عنه. وإذا قال: حجّوا عنّي حجّة واحدة فإن كانت حجّة الإسلام، حجّ عنه من أصل المال، وإن كانت تطوّعا، حجّ عنه من الثّلث. فإن لم يبلغ الثّلث مقدار ما يحجّ عنه من الموضع، حجّ به عنه من الموضع الذي يمكن ذلك فيه.

وإذا قال الموصي: أعط إنسانا كلّ سنة شيئا معلوما، فمات الموصى له، كان ما أوصى له لورثته، إلّا أن يرجع فيه الموصي. فإن رجع فيه، كان ذلك له، سواء رجع فيه قبل موت الموصى له أو بعد موته. فإن لم يرجع في وصيّته حتّى يموت، ولم يخلّف الموصى له أحدا، رجعت الوصيّة على ورثة الموصي.

وإذا قال الموصي: أعطوا فلانا كذا، ولم يقل إنّه له، ولا أمره فيه بأمر، وجب تسليمه اليه، وكان الأمر في ذلك اليه: إن شاء أخذه لنفسه، وإن شاء تصدّق به عنه، كلّ ذلك جائز له.

باب الإقرار في المرض والهبة فيه وغير ذلك

إقرار المريض جائز على نفسه للأجنبيّ وللوارث على كلّ حال،

٦١٧

إذا كان مرضيّا موثوقا بعدالته، ويكون عقله ثابتا في حال الإقرار، ويكون ما أقرّ به من أصل المال. فإن كان غير موثوق به، وكان متّهما، طولب المقرّ له بالبيّنة. فإن كانت معه بيّنة، أعطي من أصل المال. وإن لم يكن معه بيّنة، أعطي من الثّلث، إن بلغ ذلك. فإن لم يبلغ، فليس له أكثر منه.

ومتى أقرّ الإنسان بشي‌ء، وقال لوصيّه: سلّمه إليه، فإنّه له، وطالب الورثة الوصيّ بذلك. فإن كان المقرّ مرضيّا عند الوصيّ، جاز له أن ينكره ويحلف عليه، ويسلّم الشي‌ء الى من أقر له به. وإن لم يكن مرضيّا، لم يجز له ذلك، وعليه أن يظهره، وعلى المقرّ له البيّنة بأنّه له. فإن لم يكن معه بيّنة، كان ميراثا للورثة.

وإذا كان عليه دين، فأقرّ: أنّ جميع ما في ملكه لبعض ورثته، لم يقبل إقراره إلّا ببيّنة. فإن لم تكن مع المقرّ له بيّنة، أعطي صاحب الدّين حقّه أوّلا، ثمَّ ما يبقى يكون ميراثا.

وإذا قال: لفلان وفلان، لأحدهما عندي ألف درهم، فمن أقام البيّنة منهما، كان الحقّ له. فإن لم تكن مع واحد منهما بيّنة، كانت الألف بينهما نصفين.

وإذا أقرّ بعض الورثة بدين على الميّت، جاز إقراره على نفسه، ولزمه بمقدار ما يخصّه من الميراث لا أكثر من ذلك. فإن أقرّ اثنان بالدّين، وكانا مرضيّين، قبلت شهادتهما، وأجيزت على

٦١٨

باقي الورثة. وإن لم يكونا مرضيّين، ألزما من الدّين بمقدار ما يصيبهما من الميراث.

وأوّل ما يبدأ به من التّركة، الكفن ثمَّ الدّين ثمَّ الوصيّة ثمَّ الميراث.

وإذا كان على الميّت دين، وخلّف مالا دون ذلك، قضي بما ترك دينه، وليس هناك وصيّة ولا ميراث، ويكون ذلك بين أصحاب الدّين بالحصص. فإن وجد متاع بعض الدّيّان بعينه، وكان فيما بقي من تركته وفاء لدين الباقين، ردّ عليه متاعه بعينه، وقضي دين الباقين من التّركة. وإن لم يخلّف غير ذلك المتاع، كان صاحبه وغيره من الدّيّان فيه سواء، يقتسمون بينهم على قدر أموالهم.

وإذا قتل الإنسان وعليه دين، وجب على أوليائه أن يقضوا دينه من ديته، سواء كان قد قتل خطأ أو عمدا. فإن كان قد قتل عمدا، وأراد أولياؤه القود أو العفو، لم يكن لهم ذلك إلّا بعد أن يرضوا أصحاب الدّيون أولا. ثمَّ إن شاءوا بعد ذلك، قتلوه، وإن شاءوا، عفوا عنه، وإن شاءوا، قبلوا الدّية.

وإذا قال الموصي لوصيّه: اقض عنّي ديني، وجب عليه أن يبدأ به قبل الميراث. فإن تمكّن من قضائه، ولم يقضه، وهلك المال، كان ضامنا له، وليس على الورثة لصاحب الدين سبيل. وإن كان قد عزل من أصل المال، ولم يتمكّن من إعطائه

٦١٩

أصحاب الدّيون، وهلك من غير تفريط من جهته، كان لصاحب الدّين مطالبة الورثة بالدّين من الذي أخذوه.

ومن أقرّ أنّ عليه زكاة سنين كثيرة، وأمر إخراجها عنه، وجب أن تخرج من جميع المال، لأنّه بمنزلة الدّين، وما يبقى بعد ذلك يكون ميراثا. فإن كان عليه شي‌ء من الزّكاة، وكان قد وجب عليه حجّة الإسلام، ففرّط فيها، وخلّف دون ما تقضى عنه به الحجّة والزّكاة، حجّ عنه من أقرب المواضع، ويجعل ما بقي في أرباب الزّكاة.

وإذا أقرّ المريض بأنّ بعض مماليكه ولده، ولم يصفه بصفة، ولا عيّنه بذكر، ثمَّ مات، أخرج بالقرعة واحد منهم، ويلحق به، ويورّث.

وإذا لم يخلّف الميّت إلّا مقدار ما يكفّن به، كفّن به، ولم يقض به الدّين. فإن تبرّع إنسان بتكفينه، كان ما خلّف يقضى به الدّين.

والهبة في حال المرض صحيحة، إذا قبضها، ولم يكن للورثة الرّجوع فيها. فإن لم يقبّضها، ومات، كان ما وهب راجعا الى الميراث. وكذلك ما يتصدّق به في حال حياته.

والبيع في حال المرض صحيح كصحّته في حال الصحة، إذا كان المريض مالكا لرأيه وعقله. فإن كان المرض غالبا على عقله، كان ذلك باطلا.

٦٢٠

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639