بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة3%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247371 / تحميل: 8635
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

قلب الاحمق في فيه ، و لسان العاقل في قلبه و معناهما واحد .

أقول : و مرّ في فصل الخوارج رواية اخرى عنهعليه‌السلام في نظيره ، و هو :

« و إنّ لسان المؤمن من وراء قلبه ، و إنّ قلب المنافق من وراء لسانه »(١) .

و قال ابن أبي الحديد ثمّة مرادهعليه‌السلام بالمؤمن العاقل و بالمنافق الأحمق(٢) و قلنا ثمّة بل هما معنيان ، و أغلب المنافقين في غاية الفطانة ، و إنّما قالعليه‌السلام ثمة : « إنّ لسان المؤمن من وراء قلبه » يعني في أمر دينه ، بدليل قولهعليه‌السلام بعد : « لأنّ المؤمن إذا أراد أن يتكلّم بكلام تدبّره في نفسه فإن كان خيرا أبداه و إن كان شرّا و اراه » .

و قالعليه‌السلام : « و ان قلب المنافق من وراء لسانه » يعني في عدم مبالاته بالدّين حتى يتجنّب من كذب أو غيبة بشهادة قولهعليه‌السلام بعد : « و ان المنافق يتكلّم بما أتى على لسانه لا يدري ما ذا له و ما ذا عليه » .

« لسان العاقل وراء قلبه » قالت الحكماء : لسان المرء من خدم الفؤاد(٣) .

إذا قلت قدّر أنّ قولك عرضة

لبادرة أو حجّة لمخاصم

و إنّ امرأ لم يخش قبل كلامه

الجواب فينهى نفسه غير حازم

و في ( العقد ) : دخل صعصعة بن صوحان على معاوية و ابن العاص جالس معه على سريره ، فقال له : وسّع له على ترابيّة فيه فقال صعصعة : إنّي و اللَّه لترابيّ ، منه خلقت ، و إليه أعود ، و منه ابعث ، و إنّك لمارج من مارج من نار .

فقال له معاوية : إنّما أنت هاتف بلسانك لا تنظر في أود الكلام و استقامته ، فإن كنت تنظر في ذلك فأخبرني عن أفضل المال فقال : و اللَّه إنّي لأدع الكلام حتى

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٢٨ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٢٩ بتصرف .

( ٣ ) ورد في أدب الدنيا و الدين للماوردي : ٢٧٠ بلفظ : « اللسان وزير الإنسان » .

٢٠١

يختمر في صدري ثم أهبّ و لا أهتف به حتى أقيم أوده و اجيز متنه ، و إنّ أفضل المال لبرة سمراء في بريّة غبراء ، أو نعجة صفراء في نبعة خضراء ، أو عين فوّارة في أرض خوّارة فقال معاوية : للَّه أنت فأين الذهب و الفضة ؟ قال :

حجران يصطكّان ، إن أقبلت عليهما نفدا و إن تركتهما لم يزيدا(١) .

« و قلب الأحمق وراء لسانه » في بيان الجاحظ ، كان ابن ضحيان الازدي يقرأ( قل يا أيها الكافرين ) (٢) فقيل له في ذلك ، فقال : قد عرفت القراءة في ذلك و لكنّي لا أجلّ أمر الكفّار(٣) .

و في ابن أبي الحديد : أرسل ابن لعجل بن لجيم فرسا له في حلبة فجاء سابقا ، فقيل له : سمّه باسم يعرف به فقام ففقا عينه و قال : سميته أعور فقال شاعر يهجوه :

رمتني بنو عجل بداء أبيهم

و أيّ عباد اللَّه أنوك من عجل

أليس أبوهم عار عين جواده

فأضحت به الأمثال تضرب بالجهل(٤)

و كتب مسلمة بن عبد الملك إلى يزيد بن المهلب لمّا خرج عليهم : إنّك لست بصاحب هذا الأمر ، ان صاحبه مغمور موتور ، و أنت مشهور غير موتور فقال له رجل من الأزد : قدّم ابنك مخلدا حتى يقتل فتصير موتورا .

قال : و مدح رجل من الأزد المهلب فقال :

نعم أمير الرفقة المهلّب

أبيض وضّاح كتيس الحلّب

____________________

( ١ ) العقد الريد ٤ : ٣٣٦ .

( ٢ ) الكافرون : ١ .

( ٣ ) البيان و التبيين للجاحظ ٤ : ٢٠ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٦١ .

٢٠٢

فقال له حسبك(١) .

قال : و خرج كلاب بن صعصعة مع اخوته ، فاشترى اخوته خيلا و جاء كلاب بعجل يقوده ، فقيل له : ما هذا ؟ قال : فرس اشتريته قالوا : يا مائق هذه بقرة ، أما ترى قرنيها ، فرجع إلى منزله فقطع قرنيها ثم قادها فقال : أعددتها فرسا كما تريدون ، فأولاده يدعون بني فارس البقرة(٢) .

و قال : و شرد بعير من هبنقة ، فجعل ينادي من أتى به له بعيران قيل له :

تبذل بعيرين في بعير قال : لحلاوة الوجدان(٣) .

و قال : و سرق من أعرابي حمار فحمد اللَّه على أنّه لم يكن عليه(٤) .

و قال : و قال المأمون يوما لثمامة : ما جهد البلاء ؟ قال : عالم يجري عليه حكم جاهل ، حبسني الرشيد عند مسرور الكبير فسمعته يوما يقرأ :( ويلٌ يومئذٍ للمكذّبين ) (٥) بفتح الذال قلت له : المكذبين الأنبياء قل المكذبين بكسر الذال فقال لي : يقال لي عنك إنّك قدريّ فلا نجوت إن نجوت منّي الليلة ، فعاينت منه تلك الليلة الموت من شدّة ما عذّبني(٦) .

و قال : و دخل كعب البقر الهاشمي على محمد بن عبد اللَّه بن طاهر يعزّيه في أخيه ، فقال له : أعظم اللَّه مصيبة الأمير فقال : أما فيك فقد فعل .

و قال : و قال أبو كعب القاصّ في قصصه : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في كبد حمزة : ما فعلتم فادعوا اللَّه أن يطعمنا من كبد حمزة .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٦٣ ١٦٤ ، بتصرف .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٦٥ بتصرف .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٦٦ .

( ٤ ) المصدر نفسه .

( ٥ ) المرسلات : ١٥ ، و المطفّفين : ١٠ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٦٤ بتصرف .

٢٠٣

و قال : و قال أيضا مرة اسم الذئب الذي أكل يوسف كذا و كذا فقيل له : ان يوسف لم يأكله الذئب فقال : إنّ هذا اسم الذئب الذي لم يأكله .

و قال : وطار لبكار بن عبد الملك بازي فقال لصاحب الشرطة : أغلق أبواب دمشق لئلا يخرج البازي .

و قال : و وقف معاوية بن مروان على باب طحان و حماره يدور بالرحى و في عنقه جلجل ، فقال للطحان : لم جعلت هذا في عنقه ؟ فقال : إذا لم أسمع الصوت علمت أنّه قد نام فصحت به ، فقال : أرأيته إن قام و حرّك رأسه ما علمك به أنّه قائم ؟ قال : و أين لحماري بمثل عقل الأمير(١) .

قلت : ما ذكره أمثلة لأعمال الحمقاء فعلا و قولا لا شواهد لكلامهعليه‌السلام .

« و قد روى عنهعليه‌السلام هذا المعنى بلفظ آخر ، و هو قوله : قلب الأحمق في فيه و لسان العاقل في قلبه » في ( بلاغات نساء البغدادي ) قال المدائني : قالت خالدة بنت هاشم ابن عبد مناف لأخ لها و قد سمعته تجهّم(٢) صديقا له أي أخي لا تطلع من الكلام إلاّ ما قد روّأت(٣) فيه قبل ذلك و مزجته بالحلم و داويته بالرفق ، فإنّ ذلك أشبه بك فسمعها أبوها فقام إليها فاعتنقها و قال : واها لك يا قبّة الديباج فكانت تلقّب بذلك(٤) .

« و معناهما واحد » هذا الكلام زائد بعد قوله أولا « و قد روى عنهعليه‌السلام هذا المعنى بلفظ آخر » .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد : ١٦١ ١٦٢ .

( ٢ ) أي : استقبله بوجه كريه .

( ٣ ) من روأ في الأمر تروئة ، انظر فيه و تعقّبه و لم يعجل بجواب .

( ٤ ) بلاغات النساء : ١٩٩ ٢٠٠ .

٢٠٤

٤ الحكمة ( ٣٠١ ) و قالعليه‌السلام :

رَسُولُكَ تَرْجُمَانُ عَقْلِكَ وَ كِتَابُكَ أَبْلَغُ مَا يَنْطِقُ عَنْكَ أقول : في ( الطبري ) أراد معن بن زائدة أن يوفد إلى المنصور قوما يسلّون سخيمته و يستعطفون قلبه عليه ، و قال : قد أنفقت عمري في طاعته و اتعبت نفسي و أفنيت رجالي في حرب اليمن ثم يسخط عليّ أن أنفقت المال في طاعته ، فانتخب جماعة من عشيرته من أفناء ربيعة ، فكان فيمن اختار مجاعة ابن الأزهر ، فجعل يدعو اولئك الجماعة واحدا واحدا و يقول : ماذا أنت قائل للخليفة إذا وجّهتك ؟ فيقول : أقول و أقول حتى جاءه مجاعة فقال : تسألني عن مخاطبة رجل بالعراق و أنا باليمن أقصد لحاجتك حتى أن تأتي لها كما يمكن و ينبغي فقال : أنت صاحبي ثم التفت إلى عبد الرحمن بن عتيق المزني فقال له : شدّ على عضد ابن عمّك و قدّمه أمامك فإن سها عن شي‏ء فتلافه .

و اختار من أصحابه ثمانية نفر معهما حتّى تمّوا عشرة و ودّعهم حتى مضوا و صاروا إلى المنصور ، فابتدأ مجاعة بحمد اللَّه تعالى و الثناء عليه حتى ظنّ القوم أنّه إنّما قصد لذلك ، ثم كرّ على ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و كيف اختاره اللَّه من بطون العرب و نشر من فضله حتى تعجّب القوم ثم كرّ على ذكر المنصور و ما شرّف به و ما قلّد ، ثم كرّ على حاجته في ذكر صاحبه ، فلما انتهى من كلامه قال له المنصور : أمّا ما وصفت من حمد اللَّه تعالى فاللَّه أجلّ و أكبر من أن تبلغه الصفات ، و أمّا ما ذكرت من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد فضّله اللَّه بأكثر ممّا قلت ، و أمّا ما وصفت به الخليفة فإنّه فضّله اللَّه تعالى بذلك و هو معينه على طاعته ، و أمّا ما ذكرت من صاحبك فكذبت لؤمت أخرج فلا يقبل ما ذكرت قال : صدق

٢٠٥

الخليفة و و اللَّه ما كذبت في صاحبي فأخرجوا فلما صاروا إلى آخر الايوان أمر بردّه مع أصحابه فقال : ما ذكرت ، فكرّر عليه الكلام حتى كأنّه يقرؤه في صحيفة فقال له : مثل القول الأول ، فاخرجوا حتى برزوا جميعا و أمر بهم فوقفوا ثم التفت إلى من حضر من مضر فقال : هل تعرفون فيكم مثل هذا ؟ و اللَّه لقد تكلّمم حتى حسدته و ما منعني أن أتمّ على ردّه إلاّ أن يقال : إنّه تعصب عليه لأنه ربعي ، و ما رأيت كاليوم رجلا أربط جأشا و لا أظهر بيانا ردّه يا غلام ، فلمّا صار بين يديه أعاد السّلام و أعاد أصحابه ، فقال له : اقصد لحاجتك و حاجة صاحبك قال : أيها الخليفة معن بن زائدة عبدك و سيفك و سهمك ، رميت به عدوّك فضرب و طعن و رمى حتى سهل ما حزن و ذلّ ما صعب و استوى ما كان معوّجا من اليمن ، فأصبحوا من خول الخليفة ، فإن كان في نفس الخليفة هنة من ساع أو واش أو حاسد فالخليفة أولى بالتفضّل على عبده و من أفنى عمره في طاعته فقبل وفادتهم و قبل العذر من معن و أمر بصرفهم إليه ، فلمّا صاروا إلى معن و قرأ الكتاب بالرضا ، قبّل بين عينيه و شكر أصحابه و خلع عليهم على أقدارهم(١) .

و قالوا : أرسل عبد الملك إلى الحجّاج رسولا فدخل عليه في ساعة مات صديق له فقال الحجاج : ليت إنسانا يعزّيني بأبيات فقال الرسول : أقول ؟ قال :

قل فقال : كلّ خليل يفارق خليله يموت أو يصلب أو يقع من فوق البيت أو يقع البيت عليه أو يقع في بئر أو يكون شيئا لا نعرفه .

فقال الحجّاج : لقد سليتني عن مصيبتي بأعظم منها في الخليفة إذ وجه رسولا مثلك .

« و كتابك أبلغ ما ينطق عنك » في ( المعجم ) قدم طاهر بن الحسين الكوفة

____________________

( ١ ) تاريخ الملوك و الامم للطبري ٦ : ٣١٠ .

٢٠٦

و العباس بن محمد بن موسى عليها ، فوجّه العباس كاتبه إليه ، فلمّا دخل على طاهر قال : أخيك أبي موسى يقرأ عليك السّلام قال : و ما أنت منه ؟ قال : كاتبه الذي يطعمه الخبز فدعا طاهر بكاتبه و قال له : اكتب و أنت قائم بصرف العباس عن الكوفة إذ لم يتخذ كاتبا يحسن الاداء عنه(١) .

و في ( ابن أبي الحديد ) قال الشاعر :

تخيّر إذا ما كنت في الأمر مرسلا

فمبلغ آراء الرجال رسولها

و روّ و فكّر في الكتاب فانّما

بأطراف أقلام الرجال عقولها(٢)

هذا ، و في ( الجهشياري ) : كتب كاتب مصعب « من المصعب » فقال مصعب : ما هاتان الزائدتان ؟ يعني الألف و اللام(٣) .

٥ الحكمة ( ٤٠٧ ) و قالعليه‌السلام :

مَا اِسْتَوْدَعَ اَللَّهُ اِمْرَأً عَقْلاً إِلاَّ اِسْتَنْقَذَهُ بِهِ يَوْماً مَا أقول : هكذا في الطبعة ( المصرية )(٤) ، و لكن في ابن ميثم(٥) و الخطية(٦) « إلاّ ليستنقذه به يوما ما » و مثله ( ابن أبي الحديد ) لكنه قال : و رويت « استنقذه به يوما ما »(٧) .

____________________

( ١ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ١ : ٨٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٠٧ .

( ٣ ) تاريخ الوزراء للجهشياري : ٤٦ .

( ٤ ) انظر الطبعة المصرية : ٧٥٢ رقم ٣٩٢ .

( ٥ ) انظر ابن ميثم النسخة المنقحة فالنص مماثل لمّا ورد في الطبعة المصرية ٥ : ٤٤١ رقم ٣٨٣ .

( ٦ ) النسخة الخطية ( مرعشي ) : ٣٢٥ .

( ٧ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٤٠ .

٢٠٧

و كيف كان فمصداق ما قالهعليه‌السلام امرأة فاجرة استودعها اللَّه تعالى عقلا استنقذها به من هلكة عملها ، ففي ( روضة الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : كان عابد في بني اسرائيل لم يقارف شيئا من أمر الدنيا ، فنخر ابليس نخرة ، فاجتمع إليه جنوده ، فقال : من لي بفلان ، فقال بعضهم أنا ، فقال من أين تأتيه ؟

قال : من ناحية النساء ، قال : لست له فقال له آخر : فأنا ، فقال فمن أين تأتيه ، قال من ناحية الشراب و اللّذّات قال : لست له ، ليس هذا بهذا قال آخر : فأنا له ، قال :

من أين تأتيه ؟ قال من ناحية البر قال : أنت صاحبه فانطلق إلى موضع الرجل فأقام يصلّي ، و كان الرجل ينام و يصلّي و الشيطان يصلّي و لا ينام ، و الرجل يستريح و الشيطان لا يستريح ، فتحوّل إليه الرجل و قد تقاصرت إليه نفسه فقال : يا عبد اللَّه بأيّ شي‏ء قويت على ما رأيت من الصلاة ، فلم يجبه ثم أعاد عليه فلم يجبه ثم أعاد فقال : يا عبد اللَّه إنّي أذنبت ذنبا و أنا تائب منه ، فإذا ذكرت الذنب قويت على الصلاة قال بصّرني ذنبك حتى أعمل و أتوب ، فإذا فعلته قويت على الصلاة قال : ادخل المدينة فسل عن فلانة البغية فأعطها درهمين و نل منها قال : و من أين لي درهمان ما أدري ما الدرهمان ؟ فتناول الشيطان من تحت قدميه درهمين فناوله .

فقام فدخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغية ، فأرشدوه و ظنّوا أنّه جاء يعظها ، فجاء إليها و رمى بالدرهمين إليها و قال قومي فقامت و دخل منزلها و قالت ادخل . فقالت : إنّك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها ، فأخبرني بخبرك ، فأخبرها فقالت : يا عبد اللَّه إنّ ترك الذنب أهون من طلب التوبة و ليس كلّ من طلب التوبة وجدها ، و إنما ينبغي أن يكون هذا شيطانا مثل لك ، فانصرف فإنّك لا ترى شيئا فانصرف و ماتت المرأة من ليلتها ، فأصبحت فاذا على بابها مكتوب : « إحضروا فلانة فإنّها من أهل الجنّة »

٢٠٨

فارتاب الناس فمكثوا ثلاثا ارتيابا في أمرها ، فأوحى اللَّه تعالى إلى نبيّ من الأنبياء لا أعلمه إلاّ موسى أن ائت فلانة فصلّ عليها و أمر الناس أن يصلّوا عليها فإنّي غفرت لها و أوجبت لها الجنّة بتثبيطها عبدي فلانا عن معصيتي(١) .

و في ( كامل الجزري ) : استوزر عبد المؤمن صاحب المغرب في سنة ( ٥٤٥ ) ابا جعفر بن أبي أحمد الأندلسي و كان مأسورا عنده فوصف له بالعقل وجودة الكتابة ، فأخرجه من الحبس و استوزره و هو أول وزير كان للموحدين(٢) .

٦ الحكمة ( ٤٢١ ) و قالعليه‌السلام :

كَفَاكَ مِنْ عَقْلِكَ مَا أَوْضَحَ لَكَ سَبِيلَ غَيِّكَ مِنْ رُشْدِكَ أقول : العنوان ليس في ( الطبعة المصرية الاولى ) ، و إنّما موجود في الطبعة الثانية بين قوسين(٣) علامة في أخذه عن ( ابن أبي الحديد )(٤) ، و الحق ثبوته ، لتصديق ( ابن ميثم )(٥) الذي نسخته بخط مصنفه و النسخة الخطية له .

ثم المراد أنّ ذلك المقدار من العقل يكفي في تنجّز التكليف و في المسؤولية ، كما أن ما أتى به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن اللَّه تعالى يكفي في إتمام الحجّة قال تعالى :( لا إكراه في الدين قد تبيّن الرُّشد من الغيّ ) (٦) و في الخبر : انما

____________________

( ١ ) روضة الكافي للكليني ٢ : ٣٥٣ .

( ٢ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري ١١ : ١٥٢ .

( ٣ ) الطبعة المصرية التي لدى المحقق ورد العوان دون قوسين انظر : ٧٥٥ رقم ( ٤٠٧ ) .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٦٥ .

( ٥ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٤٦ .

( ٦ ) البقرة : ٢٥٦ .

٢٠٩

يداق اللَّه العباد في القيامة على قدر عقولهم(١) .

و في ( الكافي ) عن الباقرعليه‌السلام : لمّا خلق اللَّه تعالى العقل استنطقه ثم قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثمّ قال : و عزّتي و جلالي ما خلقت خلقا أحبّ إليّ منك ، و لا أكملتك إلاّ في من احبّ ، أما إنّي إيّاك آمر و إيّاك أنهى ، و إيّاك اعاقب و إيّاك اثيب(٢) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما قسم اللَّه تعالى للعباد شيئا أفضل من العقل ، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ، و إقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل ، و لا بعث اللَّه نبيّا حتى يستكمل له العقل و يكون عقله أفضل من عقول جميع امّته إلى أن قال و لا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل ، و العقلاء هم أولو الألباب الذين قال تعالى : . و ما يذَّكَّر إلاّ أولو الألباب(٣) .

و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تباهوا به حتى تنظروا كيف عقله(٤) .

و في الديوان المنسوب إليهعليه‌السلام :

و أفضل قسم اللَّه للمرء عقله

فليس من الخيرات شي‏ء يقاربه

إذا أكمل الرحمن للمرء عقله

فقد كملت أخلاقه و مآربه

يعيش الفتى في الناس بالعقل إنّه

على العقل يجري علمه و تجاربه

____________________

( ١ ) أورده البرقي في المحاسن : ١٤٩ ، عن الحسن بن علي بن يقطين عن محمّد بن سنان عن أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام بلفظ : إنّما يداق اللَّه العباد في حساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ١٠ ح ١ .

( ٣ ) ذكره البرقي في المحاسن : ١٤٨ بلفظ : « ما تم اللَّه للعباد شيئا أفضل من العقل ، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ، و افطار العاقل أفضل من صوم الجاهل . ، و ذكره القمي في سفينة البحار ٢ : ٢١٤ ، و ذكره الزبيدي في إتحاف السادة ٨ : ٤٩٠ و الآية ٢٦٩ من سورة البقرة .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ الحديث ( ٢٨ ) أخرجه عن أحمد بن محمّد .

٢١٠

يزين الفتى في الناس صحّة عقله

و إن كان محظورا عليه مكاسبه

يشين الفتى في الناس قلّة عقله

و إن كرمت أعراقه و مناصبه

و من كان غلاّبا بعقل و نجدة

فذو الجدّ في أمر المعيشة غالبه(١)

٧ الحكمة ( ٤٢٤ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْحِلْمُ غِطَاءٌ سَاتِرٌ وَ اَلْعَقْلُ حُسَامٌ قَاطِعٌ فَاسْتُرْ خَلَلَ خُلُقِكَ بِحِلْمِكَ وَ قَاتِلْ هَوَاكَ بِعَقْلِكَ أقول : رواه ( الكافي ) مع تغيير و زيادة ، روى في ( ١٣ ) من أخبار كتاب عقله و جهله عنهعليه‌السلام : العقل غطاء ستير(٢) ، و الفضل جمال ظاهر ، فاستر خلل خلقك بفضلك ، و قاتل هواك بعقلك ، تسلم لك المودة و تظهر لك المحبة(٣) .

« الحلم غطاء ساتر » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : كظم الغيظ عن العدو في دولاتهم تقية حزم(٤) لمن أخذ به ، و تحرّز من التعرّض للبلاء في الدنيا(٥) .

« و العقل حسام » أي : سيف .

« قاطع » في ( الكافي ) عن الكاظمعليه‌السلام : إن العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه ، و لا يسأل من يخاف منعه ، و لا يعد ما لا يقدر عليه ، و لا يرجو ما يعنّف

____________________

( ١ ) ديوان أمير المؤمنين جمع محمّد جواد النجفي : ١٢ .

( ٢ ) الستير : الغطاء ، و كل ما يستتر به ، و الستير : فصل بمعنى فاعل أي : ساتر .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٢٠ ح ١٣ .

( ٤ ) الحزم ضبط الأمر و الأخذ فيه بالثقة .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ١٠٩ ح ٤ .

٢١١

برجائه(١) ، و لا يقدم على ما يخاف فوته بالعجز عنه(٢) .

« فاستر خلل خلقك بحلمك » قد عرفت أن ( الكافي ) رواه « بفضلك » بدل « بحلمك » ، و كل منهما صحيح ، فكل من الحلم و الفضل أي الأفضال يستر كل خلل في الخلق ، إلاّ أنّ الحلم يمنع عن ظهوره و الافضال عن تأثيره .

« و قاتل هواك بعقلك » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : اعرفوا العقل و جنده و الجهل و جنده تهتدوا إلى أن قال و جعل للعقل خمسة و سبعون جندا و للجهل مثله ، فكان ممّا اعطي العقل ، الخير و هو وزيره ، و جعل ضده الشر و هو وزير الجهل ، و الايمان و ضده الكفر ، و التصديق و ضده الجحود ، و الرجاء و ضده القنوط ، و العدل و ضده الجور إلى أن قال و لا تجتمع هذه الخصال كلّها من أجناد العقل إلاّ في نبيّ أو وصيّ نبي أو مؤمن قد امتحن اللَّه قلبه للايمان ، و اما باقي موالينا فلا يخلون من أن يكون فيهم بعض هذه . .

٨ في الكتاب ( ٣ ) من عناوين فصل الموت :

شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ اَلْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَسْرِ اَلْهَوَى وَ سَلِمَ مِنْ عَلاَئِقِ اَلدُّنْيَا و في أخلاق الوزيرين قال الشاعر :

كم من أسير في يدي شهواته

ظفر الهوى منه بحزم ضائع

و قال أعرابي :

لم أر كالعقل صديقا معقوقا ، و لا كالهوى عدوا معشوقا ، و من وفّقه اللَّه للخير

____________________

( ١ ) أي العاقل لا يرجو فوق ما يستحقه .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٢٠ ٢٣ ح ١٤ .

٢١٢

جعل هواه مقموعا و رأيه مرفوعا(١) .

و لبعض العرب ، و يقال هو عامر بن الظرب : الرأي نائم و الهوى يقظان فأرقدوا الهوى بفظاظة ، و أيقظوا الرأي بلطافة(٢) .

و مرّ في فصل الجمل قولهعليه‌السلام : « كم من عالم قتله جهله و معه علمه لا ينفعه » و المراد من العلم فيه ، العلم المستفاد من العقل ، و من الجهل ، ملكات الصفات السيئة .

و يأتي في ٥ ٥٦ قولهعليه‌السلام : « لا غنى كالعقل و لا فقر كالجهل »(٣) .

____________________

( ١ ) أخلاق الوزيرين للتوحيدي : ١٨ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٧ .

( ٣ ) شرح الحكمة ( ٤٥ ) في الفصل ( ٥٦ ) من هذا المجلّد .

٢١٣

الفصل الخامس و الخمسون كلامهعليه‌السلام في القلوب

٢١٤

١ الحكمة ( ٩١ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ هَذِهِ اَلْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ اَلْأَبْدَانُ فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ اَلْحِكْمَةِ أقول : و كرره في ١٩٧ ٣ أيضا غفلة ، و رواه مرفوعا حفص بن البحتري عنهعليه‌السلام هكذا : « روّحوا أنفسكم ببديع الحكمة ، فإنّها تكلّ كما تكل الأبدان » .

و رواه الحموي في أدبائه هكذا : « أجمّوا هذه القلوب و التمسوا لها طرائف الحكمة ، فإنّها تملّ كما تملّ الأبدان »(١) .

ثم ان في ( النهج ) كليهما بلفظ « الحكمة » و نقل الطبعة ( المصرية )(٢) الأول بلفظ « الحكم » تصحيف ، و في نسخة غير مصحّحة من ( ابن ميثم )(٣)

___________________

( ١ ) معجم الأدباء الحموي ١ : ٩٤ .

( ٢ ) شرح محمد عبده : ٦٧٦ .

( ٣ ) في شرح ابن ميثم ، ورد بلفظ « الحكم » في نسخة صححها عدّة من الأفاضل ٥ : ٢٨٦ .

٢١٥

ليس الثاني ، و كأنّه سقط من النسخة ، كما أن في ( النسخة الخطية )(١) ليس في الثاني لفظ « هذه » و لكنه موجود في ( ابن أبي الحديد )(٢) .

و كيف كان ففي ( كامل المبرد ) قال أنو شروان : القلوب تحتاج إلى أقواتها من الحكمة كاحتياج الأبدان إلى أقواتها من الغذاء(٣) .

( و فيه ) : قال اردشير : إنّ للآذان مجّة و للقلوب مللا ففرّقوا بين الحكمتين يكن ذلك استجماما(٤) .

و قال الحسن : جاذبوا هذه القلوب فإنّها سريعة الدثور(٥) .

و في ( المروج ) : قال أبو العتاهية : بعث إليّ المأمون فصرت إليه فألفيته مطرقا متفكّرا مغموما ، فأحجمت ، فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال : شأن الناس حبّ الاستطراف قلت : أجل و لي في هذا بيت شعر و هو :

لا يصلح النفس إذ كانت مطرفة

إلاّ التنقّل من حال إلى حال(٦)

و في ( الأغاني ) : قيل لبشّار : إنّك لتجي‏ء بالشي‏ء الهجين المتفاوت بينما تقول شعرا و تخلع به القلوب مثل قولك :

إذا ما غضبنا غضبة مضرية

هتكنا حجاب الشمس أو تمطر الدما

إذا ما أعرنا سيدا من قبيلة

ذرى منبر صلّى علينا و سلّما

تقول :

ربابة ربّة البيت

تصب الخلّ في الزيت

____________________

( ١ ) سقط هذا النصّ من النسخة المحفوظة التي لدى المحقق و هي نسخة آية اللَّه المرعشي .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٤٦ .

( ٣ ) الكامل للمبرد ٢ : ٣ .

( ٤ ) ابن عبد ربه ، العقد الفريد ٢ : ٢٣٨ و هو اردشير بن بابك .

( ٥ ) هو الحسن البصري ، العقد الفريد ٢ : ٢٣٨ .

( ٦ ) مروج الذهب ٣ : ٤٢٩ .

٢١٦

لها عشر دجاجات

و ديك حسن الصوت

فقال : لكل موضع ، فالقول الأول جدّ ، و هذا قلته في ربابة جاريتي و أنا لا آكل البيض من السوق ، و ربابة لها عشر دجاجات و ديك فهي تجمع لي البيض فهذا عندي من قولي أحسن من :

قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل(١)

في ( عيون الأخبار ) : قيل لعطاء بن مصعب : كيف غلبت على البرامكة و عندهم من هو آدب منك ؟ قال : ليس للقرباء ظرافة الغرباء ، كنت بعيد الدار ، غريب الاسم عظيم الكبر صغير الجرم ، كثير الالتواء شحيحا بالاملاء ، فقرّبني إليهم تباعدي منهم ، و رغّبهم فيّ رغبتي عنهم(٢) .

و في ( الأغاني ) : لمّا قال علي بن اميّة :

يا ريح ما تصنعين بالدمن ؟

كم لك من محو منظر حسن

كثر الناس إنشاده و غنّاه عمرو الغزال ، فقال أبو موسى الأعمى :

يا رب خذني و خذ عليا و خذ

يا ريح ما تصنعين بالدّمن

عجّل إلى النّار بالثلاثة

و الرابع عمرو الغزال في قرن

ثم ندم و قال هؤلاء أهل بيت و هم إخوتي و لا أحب أن أنشب بيني و بينهم شرّا ، فأتى امية فقال : قد أذنبت فيما بيني و بينكم ذنبا و قد جئتك مستجيرا بك من فتيانك فدعا بعليّ بن اميّة فقال : يا هذا عمك أبو موسى قد أتاك معتذرا من الشعر الذي قاله قال : و ما هو ؟ فأنشده فقال له : قد ضجرنا نحن و اللَّه منه كما ضجرت أنت و أكثر ، و أنت آمن من أن يكون منّا جواب(٣) .

____________________

( ١ ) الأغاني ٣ : ١٦٣ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ١٢٨ .

( ٣ ) الأغاني ٢٣ : ١٣٤ ١٣٥ .

٢١٧

و في ( تاريخ بغداد ) : قال روح بن عبادة : كنّا عند شعبة فضجر من الحديث ، فرمى بطرفه فرأى أبا زيد سعيد بن أوس في أخريات الناس ، فقال : يا أبا زيد

استعجمت دارميّ ما تكلّمنا

و الدار لو كلّمتنا ذات أخبار

إليّ يا أبا زيد فجعلا يتناشدان الأشعار(١) .

٢ الحكمة ( ١٩٣ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ لِلْقُلُوبِ شَهْوَةً وَ إِقْبَالاً وَ إِدْبَاراً(٢) فَإِنَّ اَلْقَلْبَ إِذَا أُكْرِهَ عَمِيَ أقول : روى المبرد ذيله : « القلب إذا أكره عمي » في كتاب كامله(٣) .

ثم إنّ الشهوة و الإقبال إحدى القوى المحركة للإنسان على الأعمال ، و لو لا من اللَّه تعالى به على عباده لاختل نظام العالم و فسد كثير من الامور .

مثلا : إذا لم يكن بين الزوجين تقارب القلوب ، من يلتام بينهما كما قد يتفق ؟

و لذا قال تعالى منّا على عباده :( و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودّة و رحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) (٤) .

و قصة إقبال ابن الملك المهمل على كسب الأدب بعد افتتانه بابنة الوزير و شرط الوزير عليه في إجابته في ابنته بدستور الملك تحصيل الأدب و شروعه به لذلك معروفة .

و لو لا عاطفة جعلها تعالى في الامّهات من الإنسان و الوحش و الطير ،

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٩ : ٧٨ .

( ٢ ) في ابن أبي الحديد ١٩ : ١١ هنا إضافة « فأتوها من قبل شهوتها و إقبالها » .

( ٣ ) الكامل في الأدب للمبرّد ٢ : ٢ ، ١١ .

( ٤ ) الروم : ٢١ .

٢١٨

من يربّي أولادهن ؟ و كذلك لو لا عشق كلّ إنسان إلى صناعة و عمل من أعمال الدنيا عاليها و سافلها ، لبقي كثير منها معطلا .

٣ الحكمة ( ٥٠ ) و قالعليه‌السلام :

قُلُوبُ اَلرِّجَالِ وَحْشِيَّةٌ فَمَنْ تَأَلَّفَهَا أَقْبَلَتْ عَلَيْهَا أقول : في ( كامل ابن الأثير )(١) في حروب عبد المؤمن المغربي مع عرب كانت هناك في سنة ( ٥٤٨ ) : ثم جهّز عبد المؤمن من الموحّدين ما يزيد على ثلاثين ألف فارس و كان العرب أضعافهم فاستجرّهم الموحدون و تبعهم العرب إلى أن وصلوا إلى أرض شطيف ، فحمل عليهم عسكر عبد المؤمن و العرب على غير أهبة ، و التقى الجمعان و اقتتلوا أشد قتال ، فانجلت المعركة عن انهزام العرب و نصرة الموحّدين ، و ترك العرب جميع ما لهم من أهل و ولد و أثاث و نعم ، فأخذ الموحّدون جميع ذلك ، فقسّم عبد المؤمن جميع الأموال على عسكره و ترك النساء و الأولاد تحت الاحتياط ، و وكّل بهم من الخدم الخصيان من يخدمهم و يقوم بحوائجهم و أمر بصيانتهم ، فلما وصلوا معه إلى مراكش أنزلهم في المساكن الفسيحة و أجرى لهم النفقات الواسعة ، و أمر ابنه محمدا أن يكاتب أمراء العرب و يعلمهم أن نساءهم و أولادهم تحت الحفظ و الصيانة و أنّه قد بذل لهم الأمان و الكرامة فلما وصل الكتاب إلى العرب سارعوا إلى المسير إلى مراكش ، فأعطاهم عبد المؤمن نساءهم و أموالهم و أحسن إليهم و أعطاهم أموالا جزيلة ، فاسترقّ قلوبهم بذلك و أقاموا عنده و كان بهم حفيا ، و استعان بهم على ولاية ابنه محمد للعهد

____________________

( ١ ) في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٧٨ ، و صبحي الصالح : « عليه » بدلا من « عليها » و هو أوفق .

٢١٩

على ما سنذكره في سنة ( ٥٥١ )(١) .

و قال ابن أبي الحديد : من لان استمال ، و من قسا نفّر ، و ما استعبد الإنسان بمثل الإحسان إليه و قال الشاعر :

و إنّي لوحشيّ إذا ما زجرتني

و إنّي إذا ألّفتني لألوف

و أمّا قول عمارة بن عقيل :

تبحّثتم سخطي فكدّر بحثكم

نخيلة نفس كان صفوا ضميرها

و لم يلبث التخشين نفسا كريمة

على قومها ان يستمرّ مريرها

و ما النّفس إلاّ نطفة بقرارة

إذا لم تكدّر كان صفوا غديرها

فيكاد يخالف قولهعليه‌السلام ، لأنّهعليه‌السلام جعل أصل طبيعة القلوب التوحّش و إنّما تستمال لأمر من خارج و هو التألّف و الإحسان ، و عمارة جعل أصل طبيعة النفس الصفو و السلامة و إنّما تتكدّر لأمر خارج(٢) .

قلت : ما قاله ( ابن أبي الحديد ) من مخالفة شعر عمارة لكلامهعليه‌السلام خلاف الصواب ، فإنّ شعر عمارة في مقام ، و كلام أمير المؤمنين في مقام آخر ، فأمير المؤمنين يقول : القلوب متوحّشة ممّن لا تعرفه و لا يوصل نفعا إليها ، و من تألّفها بالمعروف و بذل المال أو حسن الفعال و المقال ، أقبلت عليه .

و أمّا عمارة فيقول : السخط يحتاج إلى سبب و الأصل في النفوس عدم السخط و العداوة و كلاهما صحيحان ، فكلّ شي‏ء يحتاج إلى سبب ، فالمودّة تحتاج إلى سبب كما أنّ العداوة تحتاج إلى سبب ، و شعره الأول تضمّن المعنيين .

____________________

( ١ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري ١١ : ١٨٥ ١٨٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٨٠ .

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639