بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247392 / تحميل: 8636
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

قلب الاحمق في فيه ، و لسان العاقل في قلبه و معناهما واحد .

أقول : و مرّ في فصل الخوارج رواية اخرى عنهعليه‌السلام في نظيره ، و هو :

« و إنّ لسان المؤمن من وراء قلبه ، و إنّ قلب المنافق من وراء لسانه »(١) .

و قال ابن أبي الحديد ثمّة مرادهعليه‌السلام بالمؤمن العاقل و بالمنافق الأحمق(٢) و قلنا ثمّة بل هما معنيان ، و أغلب المنافقين في غاية الفطانة ، و إنّما قالعليه‌السلام ثمة : « إنّ لسان المؤمن من وراء قلبه » يعني في أمر دينه ، بدليل قولهعليه‌السلام بعد : « لأنّ المؤمن إذا أراد أن يتكلّم بكلام تدبّره في نفسه فإن كان خيرا أبداه و إن كان شرّا و اراه » .

و قالعليه‌السلام : « و ان قلب المنافق من وراء لسانه » يعني في عدم مبالاته بالدّين حتى يتجنّب من كذب أو غيبة بشهادة قولهعليه‌السلام بعد : « و ان المنافق يتكلّم بما أتى على لسانه لا يدري ما ذا له و ما ذا عليه » .

« لسان العاقل وراء قلبه » قالت الحكماء : لسان المرء من خدم الفؤاد(٣) .

إذا قلت قدّر أنّ قولك عرضة

لبادرة أو حجّة لمخاصم

و إنّ امرأ لم يخش قبل كلامه

الجواب فينهى نفسه غير حازم

و في ( العقد ) : دخل صعصعة بن صوحان على معاوية و ابن العاص جالس معه على سريره ، فقال له : وسّع له على ترابيّة فيه فقال صعصعة : إنّي و اللَّه لترابيّ ، منه خلقت ، و إليه أعود ، و منه ابعث ، و إنّك لمارج من مارج من نار .

فقال له معاوية : إنّما أنت هاتف بلسانك لا تنظر في أود الكلام و استقامته ، فإن كنت تنظر في ذلك فأخبرني عن أفضل المال فقال : و اللَّه إنّي لأدع الكلام حتى

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٢٨ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٢٩ بتصرف .

( ٣ ) ورد في أدب الدنيا و الدين للماوردي : ٢٧٠ بلفظ : « اللسان وزير الإنسان » .

٢٠١

يختمر في صدري ثم أهبّ و لا أهتف به حتى أقيم أوده و اجيز متنه ، و إنّ أفضل المال لبرة سمراء في بريّة غبراء ، أو نعجة صفراء في نبعة خضراء ، أو عين فوّارة في أرض خوّارة فقال معاوية : للَّه أنت فأين الذهب و الفضة ؟ قال :

حجران يصطكّان ، إن أقبلت عليهما نفدا و إن تركتهما لم يزيدا(١) .

« و قلب الأحمق وراء لسانه » في بيان الجاحظ ، كان ابن ضحيان الازدي يقرأ( قل يا أيها الكافرين ) (٢) فقيل له في ذلك ، فقال : قد عرفت القراءة في ذلك و لكنّي لا أجلّ أمر الكفّار(٣) .

و في ابن أبي الحديد : أرسل ابن لعجل بن لجيم فرسا له في حلبة فجاء سابقا ، فقيل له : سمّه باسم يعرف به فقام ففقا عينه و قال : سميته أعور فقال شاعر يهجوه :

رمتني بنو عجل بداء أبيهم

و أيّ عباد اللَّه أنوك من عجل

أليس أبوهم عار عين جواده

فأضحت به الأمثال تضرب بالجهل(٤)

و كتب مسلمة بن عبد الملك إلى يزيد بن المهلب لمّا خرج عليهم : إنّك لست بصاحب هذا الأمر ، ان صاحبه مغمور موتور ، و أنت مشهور غير موتور فقال له رجل من الأزد : قدّم ابنك مخلدا حتى يقتل فتصير موتورا .

قال : و مدح رجل من الأزد المهلب فقال :

نعم أمير الرفقة المهلّب

أبيض وضّاح كتيس الحلّب

____________________

( ١ ) العقد الريد ٤ : ٣٣٦ .

( ٢ ) الكافرون : ١ .

( ٣ ) البيان و التبيين للجاحظ ٤ : ٢٠ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٦١ .

٢٠٢

فقال له حسبك(١) .

قال : و خرج كلاب بن صعصعة مع اخوته ، فاشترى اخوته خيلا و جاء كلاب بعجل يقوده ، فقيل له : ما هذا ؟ قال : فرس اشتريته قالوا : يا مائق هذه بقرة ، أما ترى قرنيها ، فرجع إلى منزله فقطع قرنيها ثم قادها فقال : أعددتها فرسا كما تريدون ، فأولاده يدعون بني فارس البقرة(٢) .

و قال : و شرد بعير من هبنقة ، فجعل ينادي من أتى به له بعيران قيل له :

تبذل بعيرين في بعير قال : لحلاوة الوجدان(٣) .

و قال : و سرق من أعرابي حمار فحمد اللَّه على أنّه لم يكن عليه(٤) .

و قال : و قال المأمون يوما لثمامة : ما جهد البلاء ؟ قال : عالم يجري عليه حكم جاهل ، حبسني الرشيد عند مسرور الكبير فسمعته يوما يقرأ :( ويلٌ يومئذٍ للمكذّبين ) (٥) بفتح الذال قلت له : المكذبين الأنبياء قل المكذبين بكسر الذال فقال لي : يقال لي عنك إنّك قدريّ فلا نجوت إن نجوت منّي الليلة ، فعاينت منه تلك الليلة الموت من شدّة ما عذّبني(٦) .

و قال : و دخل كعب البقر الهاشمي على محمد بن عبد اللَّه بن طاهر يعزّيه في أخيه ، فقال له : أعظم اللَّه مصيبة الأمير فقال : أما فيك فقد فعل .

و قال : و قال أبو كعب القاصّ في قصصه : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في كبد حمزة : ما فعلتم فادعوا اللَّه أن يطعمنا من كبد حمزة .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٦٣ ١٦٤ ، بتصرف .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٦٥ بتصرف .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٦٦ .

( ٤ ) المصدر نفسه .

( ٥ ) المرسلات : ١٥ ، و المطفّفين : ١٠ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٦٤ بتصرف .

٢٠٣

و قال : و قال أيضا مرة اسم الذئب الذي أكل يوسف كذا و كذا فقيل له : ان يوسف لم يأكله الذئب فقال : إنّ هذا اسم الذئب الذي لم يأكله .

و قال : وطار لبكار بن عبد الملك بازي فقال لصاحب الشرطة : أغلق أبواب دمشق لئلا يخرج البازي .

و قال : و وقف معاوية بن مروان على باب طحان و حماره يدور بالرحى و في عنقه جلجل ، فقال للطحان : لم جعلت هذا في عنقه ؟ فقال : إذا لم أسمع الصوت علمت أنّه قد نام فصحت به ، فقال : أرأيته إن قام و حرّك رأسه ما علمك به أنّه قائم ؟ قال : و أين لحماري بمثل عقل الأمير(١) .

قلت : ما ذكره أمثلة لأعمال الحمقاء فعلا و قولا لا شواهد لكلامهعليه‌السلام .

« و قد روى عنهعليه‌السلام هذا المعنى بلفظ آخر ، و هو قوله : قلب الأحمق في فيه و لسان العاقل في قلبه » في ( بلاغات نساء البغدادي ) قال المدائني : قالت خالدة بنت هاشم ابن عبد مناف لأخ لها و قد سمعته تجهّم(٢) صديقا له أي أخي لا تطلع من الكلام إلاّ ما قد روّأت(٣) فيه قبل ذلك و مزجته بالحلم و داويته بالرفق ، فإنّ ذلك أشبه بك فسمعها أبوها فقام إليها فاعتنقها و قال : واها لك يا قبّة الديباج فكانت تلقّب بذلك(٤) .

« و معناهما واحد » هذا الكلام زائد بعد قوله أولا « و قد روى عنهعليه‌السلام هذا المعنى بلفظ آخر » .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد : ١٦١ ١٦٢ .

( ٢ ) أي : استقبله بوجه كريه .

( ٣ ) من روأ في الأمر تروئة ، انظر فيه و تعقّبه و لم يعجل بجواب .

( ٤ ) بلاغات النساء : ١٩٩ ٢٠٠ .

٢٠٤

٤ الحكمة ( ٣٠١ ) و قالعليه‌السلام :

رَسُولُكَ تَرْجُمَانُ عَقْلِكَ وَ كِتَابُكَ أَبْلَغُ مَا يَنْطِقُ عَنْكَ أقول : في ( الطبري ) أراد معن بن زائدة أن يوفد إلى المنصور قوما يسلّون سخيمته و يستعطفون قلبه عليه ، و قال : قد أنفقت عمري في طاعته و اتعبت نفسي و أفنيت رجالي في حرب اليمن ثم يسخط عليّ أن أنفقت المال في طاعته ، فانتخب جماعة من عشيرته من أفناء ربيعة ، فكان فيمن اختار مجاعة ابن الأزهر ، فجعل يدعو اولئك الجماعة واحدا واحدا و يقول : ماذا أنت قائل للخليفة إذا وجّهتك ؟ فيقول : أقول و أقول حتى جاءه مجاعة فقال : تسألني عن مخاطبة رجل بالعراق و أنا باليمن أقصد لحاجتك حتى أن تأتي لها كما يمكن و ينبغي فقال : أنت صاحبي ثم التفت إلى عبد الرحمن بن عتيق المزني فقال له : شدّ على عضد ابن عمّك و قدّمه أمامك فإن سها عن شي‏ء فتلافه .

و اختار من أصحابه ثمانية نفر معهما حتّى تمّوا عشرة و ودّعهم حتى مضوا و صاروا إلى المنصور ، فابتدأ مجاعة بحمد اللَّه تعالى و الثناء عليه حتى ظنّ القوم أنّه إنّما قصد لذلك ، ثم كرّ على ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و كيف اختاره اللَّه من بطون العرب و نشر من فضله حتى تعجّب القوم ثم كرّ على ذكر المنصور و ما شرّف به و ما قلّد ، ثم كرّ على حاجته في ذكر صاحبه ، فلما انتهى من كلامه قال له المنصور : أمّا ما وصفت من حمد اللَّه تعالى فاللَّه أجلّ و أكبر من أن تبلغه الصفات ، و أمّا ما ذكرت من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد فضّله اللَّه بأكثر ممّا قلت ، و أمّا ما وصفت به الخليفة فإنّه فضّله اللَّه تعالى بذلك و هو معينه على طاعته ، و أمّا ما ذكرت من صاحبك فكذبت لؤمت أخرج فلا يقبل ما ذكرت قال : صدق

٢٠٥

الخليفة و و اللَّه ما كذبت في صاحبي فأخرجوا فلما صاروا إلى آخر الايوان أمر بردّه مع أصحابه فقال : ما ذكرت ، فكرّر عليه الكلام حتى كأنّه يقرؤه في صحيفة فقال له : مثل القول الأول ، فاخرجوا حتى برزوا جميعا و أمر بهم فوقفوا ثم التفت إلى من حضر من مضر فقال : هل تعرفون فيكم مثل هذا ؟ و اللَّه لقد تكلّمم حتى حسدته و ما منعني أن أتمّ على ردّه إلاّ أن يقال : إنّه تعصب عليه لأنه ربعي ، و ما رأيت كاليوم رجلا أربط جأشا و لا أظهر بيانا ردّه يا غلام ، فلمّا صار بين يديه أعاد السّلام و أعاد أصحابه ، فقال له : اقصد لحاجتك و حاجة صاحبك قال : أيها الخليفة معن بن زائدة عبدك و سيفك و سهمك ، رميت به عدوّك فضرب و طعن و رمى حتى سهل ما حزن و ذلّ ما صعب و استوى ما كان معوّجا من اليمن ، فأصبحوا من خول الخليفة ، فإن كان في نفس الخليفة هنة من ساع أو واش أو حاسد فالخليفة أولى بالتفضّل على عبده و من أفنى عمره في طاعته فقبل وفادتهم و قبل العذر من معن و أمر بصرفهم إليه ، فلمّا صاروا إلى معن و قرأ الكتاب بالرضا ، قبّل بين عينيه و شكر أصحابه و خلع عليهم على أقدارهم(١) .

و قالوا : أرسل عبد الملك إلى الحجّاج رسولا فدخل عليه في ساعة مات صديق له فقال الحجاج : ليت إنسانا يعزّيني بأبيات فقال الرسول : أقول ؟ قال :

قل فقال : كلّ خليل يفارق خليله يموت أو يصلب أو يقع من فوق البيت أو يقع البيت عليه أو يقع في بئر أو يكون شيئا لا نعرفه .

فقال الحجّاج : لقد سليتني عن مصيبتي بأعظم منها في الخليفة إذ وجه رسولا مثلك .

« و كتابك أبلغ ما ينطق عنك » في ( المعجم ) قدم طاهر بن الحسين الكوفة

____________________

( ١ ) تاريخ الملوك و الامم للطبري ٦ : ٣١٠ .

٢٠٦

و العباس بن محمد بن موسى عليها ، فوجّه العباس كاتبه إليه ، فلمّا دخل على طاهر قال : أخيك أبي موسى يقرأ عليك السّلام قال : و ما أنت منه ؟ قال : كاتبه الذي يطعمه الخبز فدعا طاهر بكاتبه و قال له : اكتب و أنت قائم بصرف العباس عن الكوفة إذ لم يتخذ كاتبا يحسن الاداء عنه(١) .

و في ( ابن أبي الحديد ) قال الشاعر :

تخيّر إذا ما كنت في الأمر مرسلا

فمبلغ آراء الرجال رسولها

و روّ و فكّر في الكتاب فانّما

بأطراف أقلام الرجال عقولها(٢)

هذا ، و في ( الجهشياري ) : كتب كاتب مصعب « من المصعب » فقال مصعب : ما هاتان الزائدتان ؟ يعني الألف و اللام(٣) .

٥ الحكمة ( ٤٠٧ ) و قالعليه‌السلام :

مَا اِسْتَوْدَعَ اَللَّهُ اِمْرَأً عَقْلاً إِلاَّ اِسْتَنْقَذَهُ بِهِ يَوْماً مَا أقول : هكذا في الطبعة ( المصرية )(٤) ، و لكن في ابن ميثم(٥) و الخطية(٦) « إلاّ ليستنقذه به يوما ما » و مثله ( ابن أبي الحديد ) لكنه قال : و رويت « استنقذه به يوما ما »(٧) .

____________________

( ١ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ١ : ٨٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٠٧ .

( ٣ ) تاريخ الوزراء للجهشياري : ٤٦ .

( ٤ ) انظر الطبعة المصرية : ٧٥٢ رقم ٣٩٢ .

( ٥ ) انظر ابن ميثم النسخة المنقحة فالنص مماثل لمّا ورد في الطبعة المصرية ٥ : ٤٤١ رقم ٣٨٣ .

( ٦ ) النسخة الخطية ( مرعشي ) : ٣٢٥ .

( ٧ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٤٠ .

٢٠٧

و كيف كان فمصداق ما قالهعليه‌السلام امرأة فاجرة استودعها اللَّه تعالى عقلا استنقذها به من هلكة عملها ، ففي ( روضة الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : كان عابد في بني اسرائيل لم يقارف شيئا من أمر الدنيا ، فنخر ابليس نخرة ، فاجتمع إليه جنوده ، فقال : من لي بفلان ، فقال بعضهم أنا ، فقال من أين تأتيه ؟

قال : من ناحية النساء ، قال : لست له فقال له آخر : فأنا ، فقال فمن أين تأتيه ، قال من ناحية الشراب و اللّذّات قال : لست له ، ليس هذا بهذا قال آخر : فأنا له ، قال :

من أين تأتيه ؟ قال من ناحية البر قال : أنت صاحبه فانطلق إلى موضع الرجل فأقام يصلّي ، و كان الرجل ينام و يصلّي و الشيطان يصلّي و لا ينام ، و الرجل يستريح و الشيطان لا يستريح ، فتحوّل إليه الرجل و قد تقاصرت إليه نفسه فقال : يا عبد اللَّه بأيّ شي‏ء قويت على ما رأيت من الصلاة ، فلم يجبه ثم أعاد عليه فلم يجبه ثم أعاد فقال : يا عبد اللَّه إنّي أذنبت ذنبا و أنا تائب منه ، فإذا ذكرت الذنب قويت على الصلاة قال بصّرني ذنبك حتى أعمل و أتوب ، فإذا فعلته قويت على الصلاة قال : ادخل المدينة فسل عن فلانة البغية فأعطها درهمين و نل منها قال : و من أين لي درهمان ما أدري ما الدرهمان ؟ فتناول الشيطان من تحت قدميه درهمين فناوله .

فقام فدخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغية ، فأرشدوه و ظنّوا أنّه جاء يعظها ، فجاء إليها و رمى بالدرهمين إليها و قال قومي فقامت و دخل منزلها و قالت ادخل . فقالت : إنّك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها ، فأخبرني بخبرك ، فأخبرها فقالت : يا عبد اللَّه إنّ ترك الذنب أهون من طلب التوبة و ليس كلّ من طلب التوبة وجدها ، و إنما ينبغي أن يكون هذا شيطانا مثل لك ، فانصرف فإنّك لا ترى شيئا فانصرف و ماتت المرأة من ليلتها ، فأصبحت فاذا على بابها مكتوب : « إحضروا فلانة فإنّها من أهل الجنّة »

٢٠٨

فارتاب الناس فمكثوا ثلاثا ارتيابا في أمرها ، فأوحى اللَّه تعالى إلى نبيّ من الأنبياء لا أعلمه إلاّ موسى أن ائت فلانة فصلّ عليها و أمر الناس أن يصلّوا عليها فإنّي غفرت لها و أوجبت لها الجنّة بتثبيطها عبدي فلانا عن معصيتي(١) .

و في ( كامل الجزري ) : استوزر عبد المؤمن صاحب المغرب في سنة ( ٥٤٥ ) ابا جعفر بن أبي أحمد الأندلسي و كان مأسورا عنده فوصف له بالعقل وجودة الكتابة ، فأخرجه من الحبس و استوزره و هو أول وزير كان للموحدين(٢) .

٦ الحكمة ( ٤٢١ ) و قالعليه‌السلام :

كَفَاكَ مِنْ عَقْلِكَ مَا أَوْضَحَ لَكَ سَبِيلَ غَيِّكَ مِنْ رُشْدِكَ أقول : العنوان ليس في ( الطبعة المصرية الاولى ) ، و إنّما موجود في الطبعة الثانية بين قوسين(٣) علامة في أخذه عن ( ابن أبي الحديد )(٤) ، و الحق ثبوته ، لتصديق ( ابن ميثم )(٥) الذي نسخته بخط مصنفه و النسخة الخطية له .

ثم المراد أنّ ذلك المقدار من العقل يكفي في تنجّز التكليف و في المسؤولية ، كما أن ما أتى به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن اللَّه تعالى يكفي في إتمام الحجّة قال تعالى :( لا إكراه في الدين قد تبيّن الرُّشد من الغيّ ) (٦) و في الخبر : انما

____________________

( ١ ) روضة الكافي للكليني ٢ : ٣٥٣ .

( ٢ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري ١١ : ١٥٢ .

( ٣ ) الطبعة المصرية التي لدى المحقق ورد العوان دون قوسين انظر : ٧٥٥ رقم ( ٤٠٧ ) .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٦٥ .

( ٥ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٤٦ .

( ٦ ) البقرة : ٢٥٦ .

٢٠٩

يداق اللَّه العباد في القيامة على قدر عقولهم(١) .

و في ( الكافي ) عن الباقرعليه‌السلام : لمّا خلق اللَّه تعالى العقل استنطقه ثم قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثمّ قال : و عزّتي و جلالي ما خلقت خلقا أحبّ إليّ منك ، و لا أكملتك إلاّ في من احبّ ، أما إنّي إيّاك آمر و إيّاك أنهى ، و إيّاك اعاقب و إيّاك اثيب(٢) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما قسم اللَّه تعالى للعباد شيئا أفضل من العقل ، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ، و إقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل ، و لا بعث اللَّه نبيّا حتى يستكمل له العقل و يكون عقله أفضل من عقول جميع امّته إلى أن قال و لا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل ، و العقلاء هم أولو الألباب الذين قال تعالى : . و ما يذَّكَّر إلاّ أولو الألباب(٣) .

و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تباهوا به حتى تنظروا كيف عقله(٤) .

و في الديوان المنسوب إليهعليه‌السلام :

و أفضل قسم اللَّه للمرء عقله

فليس من الخيرات شي‏ء يقاربه

إذا أكمل الرحمن للمرء عقله

فقد كملت أخلاقه و مآربه

يعيش الفتى في الناس بالعقل إنّه

على العقل يجري علمه و تجاربه

____________________

( ١ ) أورده البرقي في المحاسن : ١٤٩ ، عن الحسن بن علي بن يقطين عن محمّد بن سنان عن أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام بلفظ : إنّما يداق اللَّه العباد في حساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ١٠ ح ١ .

( ٣ ) ذكره البرقي في المحاسن : ١٤٨ بلفظ : « ما تم اللَّه للعباد شيئا أفضل من العقل ، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ، و افطار العاقل أفضل من صوم الجاهل . ، و ذكره القمي في سفينة البحار ٢ : ٢١٤ ، و ذكره الزبيدي في إتحاف السادة ٨ : ٤٩٠ و الآية ٢٦٩ من سورة البقرة .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ الحديث ( ٢٨ ) أخرجه عن أحمد بن محمّد .

٢١٠

يزين الفتى في الناس صحّة عقله

و إن كان محظورا عليه مكاسبه

يشين الفتى في الناس قلّة عقله

و إن كرمت أعراقه و مناصبه

و من كان غلاّبا بعقل و نجدة

فذو الجدّ في أمر المعيشة غالبه(١)

٧ الحكمة ( ٤٢٤ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْحِلْمُ غِطَاءٌ سَاتِرٌ وَ اَلْعَقْلُ حُسَامٌ قَاطِعٌ فَاسْتُرْ خَلَلَ خُلُقِكَ بِحِلْمِكَ وَ قَاتِلْ هَوَاكَ بِعَقْلِكَ أقول : رواه ( الكافي ) مع تغيير و زيادة ، روى في ( ١٣ ) من أخبار كتاب عقله و جهله عنهعليه‌السلام : العقل غطاء ستير(٢) ، و الفضل جمال ظاهر ، فاستر خلل خلقك بفضلك ، و قاتل هواك بعقلك ، تسلم لك المودة و تظهر لك المحبة(٣) .

« الحلم غطاء ساتر » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : كظم الغيظ عن العدو في دولاتهم تقية حزم(٤) لمن أخذ به ، و تحرّز من التعرّض للبلاء في الدنيا(٥) .

« و العقل حسام » أي : سيف .

« قاطع » في ( الكافي ) عن الكاظمعليه‌السلام : إن العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه ، و لا يسأل من يخاف منعه ، و لا يعد ما لا يقدر عليه ، و لا يرجو ما يعنّف

____________________

( ١ ) ديوان أمير المؤمنين جمع محمّد جواد النجفي : ١٢ .

( ٢ ) الستير : الغطاء ، و كل ما يستتر به ، و الستير : فصل بمعنى فاعل أي : ساتر .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٢٠ ح ١٣ .

( ٤ ) الحزم ضبط الأمر و الأخذ فيه بالثقة .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ١٠٩ ح ٤ .

٢١١

برجائه(١) ، و لا يقدم على ما يخاف فوته بالعجز عنه(٢) .

« فاستر خلل خلقك بحلمك » قد عرفت أن ( الكافي ) رواه « بفضلك » بدل « بحلمك » ، و كل منهما صحيح ، فكل من الحلم و الفضل أي الأفضال يستر كل خلل في الخلق ، إلاّ أنّ الحلم يمنع عن ظهوره و الافضال عن تأثيره .

« و قاتل هواك بعقلك » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : اعرفوا العقل و جنده و الجهل و جنده تهتدوا إلى أن قال و جعل للعقل خمسة و سبعون جندا و للجهل مثله ، فكان ممّا اعطي العقل ، الخير و هو وزيره ، و جعل ضده الشر و هو وزير الجهل ، و الايمان و ضده الكفر ، و التصديق و ضده الجحود ، و الرجاء و ضده القنوط ، و العدل و ضده الجور إلى أن قال و لا تجتمع هذه الخصال كلّها من أجناد العقل إلاّ في نبيّ أو وصيّ نبي أو مؤمن قد امتحن اللَّه قلبه للايمان ، و اما باقي موالينا فلا يخلون من أن يكون فيهم بعض هذه . .

٨ في الكتاب ( ٣ ) من عناوين فصل الموت :

شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ اَلْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَسْرِ اَلْهَوَى وَ سَلِمَ مِنْ عَلاَئِقِ اَلدُّنْيَا و في أخلاق الوزيرين قال الشاعر :

كم من أسير في يدي شهواته

ظفر الهوى منه بحزم ضائع

و قال أعرابي :

لم أر كالعقل صديقا معقوقا ، و لا كالهوى عدوا معشوقا ، و من وفّقه اللَّه للخير

____________________

( ١ ) أي العاقل لا يرجو فوق ما يستحقه .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٢٠ ٢٣ ح ١٤ .

٢١٢

جعل هواه مقموعا و رأيه مرفوعا(١) .

و لبعض العرب ، و يقال هو عامر بن الظرب : الرأي نائم و الهوى يقظان فأرقدوا الهوى بفظاظة ، و أيقظوا الرأي بلطافة(٢) .

و مرّ في فصل الجمل قولهعليه‌السلام : « كم من عالم قتله جهله و معه علمه لا ينفعه » و المراد من العلم فيه ، العلم المستفاد من العقل ، و من الجهل ، ملكات الصفات السيئة .

و يأتي في ٥ ٥٦ قولهعليه‌السلام : « لا غنى كالعقل و لا فقر كالجهل »(٣) .

____________________

( ١ ) أخلاق الوزيرين للتوحيدي : ١٨ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٧ .

( ٣ ) شرح الحكمة ( ٤٥ ) في الفصل ( ٥٦ ) من هذا المجلّد .

٢١٣

الفصل الخامس و الخمسون كلامهعليه‌السلام في القلوب

٢١٤

١ الحكمة ( ٩١ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ هَذِهِ اَلْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ اَلْأَبْدَانُ فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ اَلْحِكْمَةِ أقول : و كرره في ١٩٧ ٣ أيضا غفلة ، و رواه مرفوعا حفص بن البحتري عنهعليه‌السلام هكذا : « روّحوا أنفسكم ببديع الحكمة ، فإنّها تكلّ كما تكل الأبدان » .

و رواه الحموي في أدبائه هكذا : « أجمّوا هذه القلوب و التمسوا لها طرائف الحكمة ، فإنّها تملّ كما تملّ الأبدان »(١) .

ثم ان في ( النهج ) كليهما بلفظ « الحكمة » و نقل الطبعة ( المصرية )(٢) الأول بلفظ « الحكم » تصحيف ، و في نسخة غير مصحّحة من ( ابن ميثم )(٣)

___________________

( ١ ) معجم الأدباء الحموي ١ : ٩٤ .

( ٢ ) شرح محمد عبده : ٦٧٦ .

( ٣ ) في شرح ابن ميثم ، ورد بلفظ « الحكم » في نسخة صححها عدّة من الأفاضل ٥ : ٢٨٦ .

٢١٥

ليس الثاني ، و كأنّه سقط من النسخة ، كما أن في ( النسخة الخطية )(١) ليس في الثاني لفظ « هذه » و لكنه موجود في ( ابن أبي الحديد )(٢) .

و كيف كان ففي ( كامل المبرد ) قال أنو شروان : القلوب تحتاج إلى أقواتها من الحكمة كاحتياج الأبدان إلى أقواتها من الغذاء(٣) .

( و فيه ) : قال اردشير : إنّ للآذان مجّة و للقلوب مللا ففرّقوا بين الحكمتين يكن ذلك استجماما(٤) .

و قال الحسن : جاذبوا هذه القلوب فإنّها سريعة الدثور(٥) .

و في ( المروج ) : قال أبو العتاهية : بعث إليّ المأمون فصرت إليه فألفيته مطرقا متفكّرا مغموما ، فأحجمت ، فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال : شأن الناس حبّ الاستطراف قلت : أجل و لي في هذا بيت شعر و هو :

لا يصلح النفس إذ كانت مطرفة

إلاّ التنقّل من حال إلى حال(٦)

و في ( الأغاني ) : قيل لبشّار : إنّك لتجي‏ء بالشي‏ء الهجين المتفاوت بينما تقول شعرا و تخلع به القلوب مثل قولك :

إذا ما غضبنا غضبة مضرية

هتكنا حجاب الشمس أو تمطر الدما

إذا ما أعرنا سيدا من قبيلة

ذرى منبر صلّى علينا و سلّما

تقول :

ربابة ربّة البيت

تصب الخلّ في الزيت

____________________

( ١ ) سقط هذا النصّ من النسخة المحفوظة التي لدى المحقق و هي نسخة آية اللَّه المرعشي .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٤٦ .

( ٣ ) الكامل للمبرد ٢ : ٣ .

( ٤ ) ابن عبد ربه ، العقد الفريد ٢ : ٢٣٨ و هو اردشير بن بابك .

( ٥ ) هو الحسن البصري ، العقد الفريد ٢ : ٢٣٨ .

( ٦ ) مروج الذهب ٣ : ٤٢٩ .

٢١٦

لها عشر دجاجات

و ديك حسن الصوت

فقال : لكل موضع ، فالقول الأول جدّ ، و هذا قلته في ربابة جاريتي و أنا لا آكل البيض من السوق ، و ربابة لها عشر دجاجات و ديك فهي تجمع لي البيض فهذا عندي من قولي أحسن من :

قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل(١)

في ( عيون الأخبار ) : قيل لعطاء بن مصعب : كيف غلبت على البرامكة و عندهم من هو آدب منك ؟ قال : ليس للقرباء ظرافة الغرباء ، كنت بعيد الدار ، غريب الاسم عظيم الكبر صغير الجرم ، كثير الالتواء شحيحا بالاملاء ، فقرّبني إليهم تباعدي منهم ، و رغّبهم فيّ رغبتي عنهم(٢) .

و في ( الأغاني ) : لمّا قال علي بن اميّة :

يا ريح ما تصنعين بالدمن ؟

كم لك من محو منظر حسن

كثر الناس إنشاده و غنّاه عمرو الغزال ، فقال أبو موسى الأعمى :

يا رب خذني و خذ عليا و خذ

يا ريح ما تصنعين بالدّمن

عجّل إلى النّار بالثلاثة

و الرابع عمرو الغزال في قرن

ثم ندم و قال هؤلاء أهل بيت و هم إخوتي و لا أحب أن أنشب بيني و بينهم شرّا ، فأتى امية فقال : قد أذنبت فيما بيني و بينكم ذنبا و قد جئتك مستجيرا بك من فتيانك فدعا بعليّ بن اميّة فقال : يا هذا عمك أبو موسى قد أتاك معتذرا من الشعر الذي قاله قال : و ما هو ؟ فأنشده فقال له : قد ضجرنا نحن و اللَّه منه كما ضجرت أنت و أكثر ، و أنت آمن من أن يكون منّا جواب(٣) .

____________________

( ١ ) الأغاني ٣ : ١٦٣ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ١٢٨ .

( ٣ ) الأغاني ٢٣ : ١٣٤ ١٣٥ .

٢١٧

و في ( تاريخ بغداد ) : قال روح بن عبادة : كنّا عند شعبة فضجر من الحديث ، فرمى بطرفه فرأى أبا زيد سعيد بن أوس في أخريات الناس ، فقال : يا أبا زيد

استعجمت دارميّ ما تكلّمنا

و الدار لو كلّمتنا ذات أخبار

إليّ يا أبا زيد فجعلا يتناشدان الأشعار(١) .

٢ الحكمة ( ١٩٣ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ لِلْقُلُوبِ شَهْوَةً وَ إِقْبَالاً وَ إِدْبَاراً(٢) فَإِنَّ اَلْقَلْبَ إِذَا أُكْرِهَ عَمِيَ أقول : روى المبرد ذيله : « القلب إذا أكره عمي » في كتاب كامله(٣) .

ثم إنّ الشهوة و الإقبال إحدى القوى المحركة للإنسان على الأعمال ، و لو لا من اللَّه تعالى به على عباده لاختل نظام العالم و فسد كثير من الامور .

مثلا : إذا لم يكن بين الزوجين تقارب القلوب ، من يلتام بينهما كما قد يتفق ؟

و لذا قال تعالى منّا على عباده :( و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودّة و رحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) (٤) .

و قصة إقبال ابن الملك المهمل على كسب الأدب بعد افتتانه بابنة الوزير و شرط الوزير عليه في إجابته في ابنته بدستور الملك تحصيل الأدب و شروعه به لذلك معروفة .

و لو لا عاطفة جعلها تعالى في الامّهات من الإنسان و الوحش و الطير ،

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٩ : ٧٨ .

( ٢ ) في ابن أبي الحديد ١٩ : ١١ هنا إضافة « فأتوها من قبل شهوتها و إقبالها » .

( ٣ ) الكامل في الأدب للمبرّد ٢ : ٢ ، ١١ .

( ٤ ) الروم : ٢١ .

٢١٨

من يربّي أولادهن ؟ و كذلك لو لا عشق كلّ إنسان إلى صناعة و عمل من أعمال الدنيا عاليها و سافلها ، لبقي كثير منها معطلا .

٣ الحكمة ( ٥٠ ) و قالعليه‌السلام :

قُلُوبُ اَلرِّجَالِ وَحْشِيَّةٌ فَمَنْ تَأَلَّفَهَا أَقْبَلَتْ عَلَيْهَا أقول : في ( كامل ابن الأثير )(١) في حروب عبد المؤمن المغربي مع عرب كانت هناك في سنة ( ٥٤٨ ) : ثم جهّز عبد المؤمن من الموحّدين ما يزيد على ثلاثين ألف فارس و كان العرب أضعافهم فاستجرّهم الموحدون و تبعهم العرب إلى أن وصلوا إلى أرض شطيف ، فحمل عليهم عسكر عبد المؤمن و العرب على غير أهبة ، و التقى الجمعان و اقتتلوا أشد قتال ، فانجلت المعركة عن انهزام العرب و نصرة الموحّدين ، و ترك العرب جميع ما لهم من أهل و ولد و أثاث و نعم ، فأخذ الموحّدون جميع ذلك ، فقسّم عبد المؤمن جميع الأموال على عسكره و ترك النساء و الأولاد تحت الاحتياط ، و وكّل بهم من الخدم الخصيان من يخدمهم و يقوم بحوائجهم و أمر بصيانتهم ، فلما وصلوا معه إلى مراكش أنزلهم في المساكن الفسيحة و أجرى لهم النفقات الواسعة ، و أمر ابنه محمدا أن يكاتب أمراء العرب و يعلمهم أن نساءهم و أولادهم تحت الحفظ و الصيانة و أنّه قد بذل لهم الأمان و الكرامة فلما وصل الكتاب إلى العرب سارعوا إلى المسير إلى مراكش ، فأعطاهم عبد المؤمن نساءهم و أموالهم و أحسن إليهم و أعطاهم أموالا جزيلة ، فاسترقّ قلوبهم بذلك و أقاموا عنده و كان بهم حفيا ، و استعان بهم على ولاية ابنه محمد للعهد

____________________

( ١ ) في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٧٨ ، و صبحي الصالح : « عليه » بدلا من « عليها » و هو أوفق .

٢١٩

على ما سنذكره في سنة ( ٥٥١ )(١) .

و قال ابن أبي الحديد : من لان استمال ، و من قسا نفّر ، و ما استعبد الإنسان بمثل الإحسان إليه و قال الشاعر :

و إنّي لوحشيّ إذا ما زجرتني

و إنّي إذا ألّفتني لألوف

و أمّا قول عمارة بن عقيل :

تبحّثتم سخطي فكدّر بحثكم

نخيلة نفس كان صفوا ضميرها

و لم يلبث التخشين نفسا كريمة

على قومها ان يستمرّ مريرها

و ما النّفس إلاّ نطفة بقرارة

إذا لم تكدّر كان صفوا غديرها

فيكاد يخالف قولهعليه‌السلام ، لأنّهعليه‌السلام جعل أصل طبيعة القلوب التوحّش و إنّما تستمال لأمر من خارج و هو التألّف و الإحسان ، و عمارة جعل أصل طبيعة النفس الصفو و السلامة و إنّما تتكدّر لأمر خارج(٢) .

قلت : ما قاله ( ابن أبي الحديد ) من مخالفة شعر عمارة لكلامهعليه‌السلام خلاف الصواب ، فإنّ شعر عمارة في مقام ، و كلام أمير المؤمنين في مقام آخر ، فأمير المؤمنين يقول : القلوب متوحّشة ممّن لا تعرفه و لا يوصل نفعا إليها ، و من تألّفها بالمعروف و بذل المال أو حسن الفعال و المقال ، أقبلت عليه .

و أمّا عمارة فيقول : السخط يحتاج إلى سبب و الأصل في النفوس عدم السخط و العداوة و كلاهما صحيحان ، فكلّ شي‏ء يحتاج إلى سبب ، فالمودّة تحتاج إلى سبب كما أنّ العداوة تحتاج إلى سبب ، و شعره الأول تضمّن المعنيين .

____________________

( ١ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري ١١ : ١٨٥ ١٨٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٨٠ .

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

٢٤٥١ - وروي عن نصر الخادم قال: " نظر العبد الصالح أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام إلى سفرة عليها حلق صفر(١) فقال: انزعوا هذه واجعلوا مكانها حديدا فإنه لا يقرب شيئا مما فيها شئ من الهوام ".

باب السفر الذى يكره فيه اتخاذ السفرة

٢٤٥٢ - قال الصادق عليه السلام لبعض أصحابه: تأتون قبر أبي عبدالله صلوات الله عليه؟ فقال له: نعم، قال: تتخذون لذلك سفرة؟ قال: نعم، قال: أما لو أتيتم قبور آبائكم وامهاتكم لم تفعلوا ذلك، قال: قلت: فأي شئ نأكل؟ قال: الخبز باللبن(٢) ".

٢٤٥٣ - وفي خبر آخر قال الصادق عليه السلام: " بلغني أن قوما إذا زاروا الحسين عليه السلام حملوا معهم السفرة فيها الجداء والاخبصة(٣) وأشباهه، لو زاروا قبور أحبائهم ما حملوا معهم هذا ".

باب الزاد في السفر

٢٤٥٤ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من شرف الرجل أن يطيب زاده إذا خرج في سفر(٤) ".

___________________________________

(١) الحلق كعنب حلقة والحديد يدفع الهوام.

(٢) يدل على استحباب ترك المطاعم الجيدة في سفر زيادة أبى عبدالله الحسين عليه السلام واستشعار الحزن فيه، والخبر رواه ابن قولويه في كامل الزيارات ص ١٢٩ مسندا.

(٣) الجداء: الجدى المشوى، وفى الكامل " الحلاوة "، والخبيص حلواء من التمر.

(٤) رواه الكلينى ج ٨ ص ٣٠٣ تحت رقم ٤٦٧ عن على، عن أبيه، عن النوفلى، عن السكونى عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله الحديث " وشرف الرجل: مجده وأصالته.

٢٨١

٢٤٥٥ - و " كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا سافر إلى مكة للحج أو العمرة تزود من أطيب الزاد من اللوز والسكر، والسويق المحمض والمحلى ".

٢٤٥٦ - وروي أنه " قام أبوذر - رحمة الله عليه - عند الكعبة فقال: أنا جندب ابن السكن، فاكتنفه الناس فقال: لو أن أحدكم أراد سفرا لاتخذ فيه من الزاد ما يصلحه لسفره، فتزودوا لسفر يوم القيامة، أما تريدون فيه ما يصلحكم؟ فاقم إليه رجل فقال: أرشدنا، فقال: صم يوما شديد الحر للنشور، وحج حجة لعظائم الامور وصل ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور، كلمة خير تقولها، وكلمة شر تسكت عنها، أو صدقة منك على مسكين لعلك تنجو بها يا مسكين من يوم عسير، اجعل الدنيا درهمين درهما قد أنفقته على عيالك ودرهما قدمته لآخرتك، والثالث يضر ولا ينفع لا ترده، اجعل الدنيا كلمتين كلمة في طلب الحلال وكلمة للآخرة، والثالثة تضر ولا تنفع لا تردها، ثم قال: قتلني هم يوم لا ادركه ".

٢٤٥٧ - وقال لقمان لابنه: " يا بني إت الدنيا بحر عميق، وقد هلك فيها عالم كثير، فإجعل سفينتك فيها الايمان بالله، واجعل شراعها التوكل على الله(١) واجعل زادك فيها تقوى الله عزوجل، فإن نجوت فبرحمة الله، وإن هلكت فبذنوبك ".

باب حمل الآلات والسلاح في السفر

٢٤٥٨ - روى سليمان بن داود المنقري، عن حماد بن عيسى، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " في وصية لقمان لابنه: يا بني سافر بسيفك وخفك وعمامتك وحبالك(٢)

___________________________________

(١) رواه الكلينى ج ١ ص ١٦ في حديث طويل عن هشام بن الحكم، عن موسى بن جعفر عليهما السلام مع اختلاف وفيه " فلتكن سفينتك فيها تقوى الله، وحوشها الايمان، وشراعها التوكل " والشراع ككتاب ما يقال له بالفارسية بادبان.

(٢) الحبال: الرسن.

ورواه الكلينى في الروضة ص ٣٠٣ تحت رقم ٤٦٦، وفيه " وخبائك " والخباء: الخيمة.

٢٨٢

وسقائك وخيوطك ومخرزك(١) وتزود معك من الادوية ما تنتفع به أنت ومن معك، وكن لاصحابك موافقا إلا في معصية الله عزوجل - وزاد فيه بعضهم: وفرسك -(٢) ".

باب الخيل وارتباطها وأول من ركبها

٢٤٥٩ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة(٣) والمنفق عليها في سبيل الله عزوجل كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها "(٤) .

فإذا أعددت شيئا فأعده أقرح أرثم محجل الثلاثة، طلق اليمين، كميتا ثم أغر تسلم وتغنم(٥) .

___________________________________

(١) في الكافى " وسقائك وأبرتك وخيوطك " والمخرز ما يخرز به الخف والجراب والسقاء وما كان من الجلود.

(٢) في بعض النسخ " وقوسك " كما في المحاسن ص ٣٦٠. ولعله الاصوب.

(٣) إلى هنا رواه الكلينى ج ٥ ص ٤٨ في الصحيح وكذا البرقى في المحاسن ص ٦٣١ وفيهما " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة " وهكذا رواه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى وابن ماجة.

(٤) رواه أبوداود السجستانى باسناده عن سهل بن الربيع بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وآله، ورواه الطبرانى في الاوسط على ما في الجامع الصغير عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وآله هكذا " الخير معقود بنواصى الخيل إلى يوم القيامة، والمنفق على الخيل كالباسط كفه بالنفقة لا يقبضها ".

(٥) روى ابن حبان في صحيحة عن عقبة بن عامر وأبى قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله " خير الخيل الادهم الاقرح الارثم المحجل طلق اليد اليمنى، قال يزيد بن أبى حبيب: فان لم يكن أدهم فكميت على هذه الشية " وروى الحاكم في المستدرك عن عقبة عن النبى صلى الله عليه وآله قال: " إذا أردت أن تغزو فاشتر فرسا أغر محجلا مطلق اليمنى فانك تغنم وتسلم " ونحوه في المحاسن ص ٤٣١.

والاقرح هو الفرس يكون في وسط جبهته قرحه بالضم وهى بياض يسير، والارثم بفتح الهمزة والثاء المثلثة المفتوحة هو الفرس الذى أنفه وشفته العليا أبيض، والمحجل هو الذى يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيد ويجاوز الارساغ ولا يجاوز الركبتين لانهما مواضع الاحجال وهى الخلاخيل والقيود ولا يكون التحجيل باليد واليدين ما لم يكن معها رجل أو رجلان (النهاية) وطلق اليمين بفتح الطاء وسكون اللام وبضمها أيضا إذا لم يكن بها تحجيل.

والكميت بضم الكاف وفتح الميم هو الفرس الاحمر أو الذى ليس بالاشقر ولا الادهم بل يخالط حمرته سواد، والشية بكسر الشين المعجمة وفتح الياء مخففة هو كل لون في الحيوان يكون معظم لونها على خلافه.

وقوله " محجل الثلاثة " أى يكون يده اليسرى ورجلاه بيضاء أو يكون فيها بياض.

والاغر ما يكون في جبهته بياض.

٢٨٣

٢٤٦٠ - وروى بكر بن صالح، عن سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن عليه السلام قال: " سمعته يقول: الخيل على كل منخر منها شيطان، فإذا أراد أحدكم أن يلجمها فليسم "(١) .

٢٤٦١ - قال: وسمعته يقول: " من ربط فرسا عتيقا محيت عنه عشر سيئات(٢) وكتبت له إحدى عشرة حسنة في كل يوم، ومن ارتبط هجينا(٣) محيت عنه في كل يوم سيئتان وكتبت له تسع حسنات في كل يوم، ومن ارتبط بزذونا(٤) يريد به جمالا أو قضاء حاجة أو دفع عدو محيت عنه في كل يوم سيئة وكتبت له ست حسنات.(٥) ومن(٦) ارتبط فرسا

___________________________________

(١) رواه الكلينى ج ٦ ص ٥٣٩ من يعقوب بن جعفر عنه عليه السلام وفيه " فليسم الله عزوجل "، وهكذا في المحاسن.

(٢) في المحاسن والكافى ج ٥ ص ٤٨ " ثلاث سيئات ".

والعتيق هو الذى أبواه عربيان وفرس عتيق ككريم وزنا ومعنى.

(٣) الهجين هو الذى أبوه عربى وامه أمة غير محصنة، ومن الخيل: الذى ولدته برذونة من حصان عربى.

(٤) البرذون بالكسر ما لم يكن شئ من أبويه عربيا، والتركى من الخيل. (راجع الصحاح والنهاية)

(٥) إلى هنا في الكافى ج ٥ ص ٤٨ والمحاسن ص ٦٣١ وثواب الاعمال ص ٢٢٦ عن يعقوب بن جعفر بن ابراهيم الجعفرى عن أبى الحسن عليه السلام.

(٦) من هنا في المحاسن ص ٦٣١ وثواب الاعمال من حديث بكر بن صالح عن سليمان بن جعفر الجعفرى.

٢٨٤

أشقر أغر أو أقرح - فإن كان أغر سائل الغرة به وضح في قوائمه(١) فهو أحب إلي - لم يدخل بيته فقر ما دام ذاك الفرس فيه، وما دام في ملك صاحبه لا يدخل بيته حيف "(٢) .

٢٤٦٢ - قال(٣) : وسمعته يقول: " أهدى أمير المؤمنين عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله أربعة أفراس من اليمن فأتاه فقال: يا رسول الله أهديت لك أربعة أفراس، قال: صفها(٤) قال: هي ألوان مختلفة، قال: فيها وضح؟ قال: نعم، قال: فيها شقر به وضح؟ قال: نعم، قال: فأمسكه لي، وقال: فيها كميتان أو ضحان، قال: أعطهما ابنيك، قال: والرابع أدهم بهيم(٥) قال: بعه واستخلف قيمته لعيالك، إنما يمن الهيل في ذوات الاوضاح ".

٢٤٦٣ - قال(٣) : وسمعته يقول: " من خرج من منزله أو منزل غير منزله في أول الغداة فلقي فرسا أشقر به أوضاح بورك له في يومه، وإن كانت به غرة سائلة فهو العيش، ولم يلق في يومه ذلك إلا سرورا، وقضي الله عزوجل حاجته(٦) ".

___________________________________

(١) الشقرة: حمرة صافية في الخيل وهى لون يأخذ من الاحمر والاصفر وهو أشقر وقد قيل: الاشقر: شديدة الحمرة، والغرة: بياض في جبهة الفرس وهو أغر، وتقدم بيان الاقرح من أنه الذى يكون في جبهته قرحة وهى بياض بقدر الدرهم أو دونه، والوضح: الضوء والبياض، يقال: بالفرس وضح إذا كان في قوائمه كلها بياض، وقد يكون به البرص.

(٢) كذا في المحاسن وفى بعض النسخ " حيق " والحيق ما يشمل الانسان من المكروه لكن في ثواب الاعمال " لا يدخل في بيته حنق ".

والظاهر أن كل ما ذكره من فضائل ارتباط الفرس العتيق والهجين والبرذون والاشقر وجده في كتاب سليمان بن جعفر الجعفرى أو غيره متفرقا فذكره هنا مجتمعا أو كان فيه مجتمعا ونقله البرقى والكلينى متفرقا في تضاعيف الابواب.

(٣) يعنى سليمان قال: سمعت موسى بن جعفر عليهما السلام.

(٤) في الكافى ج ٦ ص ٥٣٨ والمحاسن " فقال: سمها لى ".

(٥) البهيم من الدواب المصمت منها وهو الذى لا يخالط لونه لون غيره والجمع بهم.

(٦) رواه هكذا البرقى في المحاسن والمؤلف نحوه في ثواب الاعمال عن سليمان عن أبى جعفر الباقر عليه السلام والظاهر أنه تصحيف لان سليمان لم يدرك الباقر عليه السلام.

ويحتمل التعدد، أو رواه سليمان مرسلا ويؤيده اختلاف الالفاظ.

٢٨٥

٢٤٦٤ - وقال الصادق عليه السلام: " كانت الخيل وحوشا في بلاد العرب، وصعد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام على أبي قبيس فناديا: ألا هلا ألا هلم، فما بقي فرس إلا أعطى بقياده وأمكن من ناصيته(١) ".

باب حق الدابة على صاحبها

٢٤٦٥ - روى إسماعيل بن أبي زياد(٢) باسناده قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: للدابة على صاحبها خصال: يبدا بعلفها إذا نزل، ويعرض عليها الماء إذا مر به، ولا يضرب وجهها فانها تسبح بحمد ربها، ولا يقف على ظهرها الا في سبيل الله عزوجل، ولا يحملها فوق طاقتها، ولا يكلفها من المشي إلا ما تطيق ".

٢٤٦٦ - وسأل رجل أبا عبدالله عليه السلام " متى أضرب دابتي تحتي؟ قال: إذا لم تمش تحتك كمشيها إلى مذودها(٣) ".

٢٤٦٧ - وروي أنه قال: " اضربوها على العثار، ولا تضربوها على النفار فانها ترى ما لا ترون(٤) ".

٢٤٦٨ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إذا عثرت الدابة تحت الرجل فقال لها:

___________________________________

(١) رواه البرقى في المحاسن ص ٦٣٠ بسند مرفوع عن أبى عبدالله عليه السلام

(٢) يعنى السكونى، ورواه الكلينى ج ٦ ص ٥٢٧ بتقديم وتأخير.

(٣) المذود بالذال أخت الدال كمنبر: معتلف الدابة.

(٤) في الكافى ج ٦ ص ٥٣٨ باسناده عن مسمع بن عبدالملك عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اضربوها على النفار ولا تضربوها على العثار " و رواه أيضا مرسلا في خبر آخر أيضا، وقال العلامة المجلسى رحمه الله: " لعل ما في الكافى أوفق وأظهر " والتعليل لا يلائمه.

وفى المحاسن كما في الكافى.

٢٨٦

تعست، تقول: تعس أعصانا للرب(١) ".

٢٤٦٩ - وقال علي عليه السلام " في الدواب: لا تضربوا الوجوه ولا تلعنوها فإن الله عزوجل لعن لاعنها(٢) " وفي خبر آخر: " لا تقبحوا الوجوه ".

٢٤٧٠ - وقال النبي صلى الله عليه وآله: " إن الدواب إذا لعنت لزمتها اللعنة(٣) ".

٢٤٧١ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا تتوركوا على الدواب ولا تتخذوا ظهورها مجالس(٤) ".

___________________________________

(١) تعس يتعس إذا عثر وانكب بوجهه وقد يفتح العين وهو دعاء عليه بالهلاك (النهاية) وقال العلامة المجلسى في المرآة: لعل المراد بالرب المالك.

في الكافى ج ٦ ص ٥٣٨ رواه عن العدة عن سهل عن جعفر بن محمد بن يسار عن الدهقان عن درست عن أبى عبدالله عليه السلام عنه صلى الله عليه وآله.

(٢) روى البرقى ص ٦٣٣ باسناده عن محمد بن مسلم عن أبى عبدالله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: " لا ضربوا الدواب على وجوهها فانها تسبح بحمد ربها ".

وفى حديث آخر " لا تسموها في وجوهها " وهكذا مروى في الكافى ج ٦ ص ٥٣٨.

ويحتمل التعدد، ويؤيده الخبر الآتى.

وقال المولى المجلسى قوله " ولا تقبحوا الوجوه " أى الدواب أو وجوهها بالكى ونحوه.

وقال الفاضل التفرشى: الوجوه في " لا تضربوا الوجوه " بدل الضمير بدل البعض، ويمكن أن يراد بتقبيح الوجه ضربه فان الضرب قد تقبحه، وقال سلطان العلماء: لا تقبحوا الوجوه بالاحراق بالكى وغيره، ويحتمل أن يكون المراد لا تقولوا: قبح الله وجهك.

ويحتمل أن يكون المراد لا تضربوا وجوهها ضربا مؤثرا.

(٣) لعل المراد انه يلزم عليها أن تلعن لاعنيها، أو تصير ملعونا، أو تصير سبب هلاكها وتضروا.

(٤) رواه الكلينى ج ٦ ص ٥٣٥ باسناده عن عمرو بن جميع عن أبى عبدالله عليه السلام عن النبى صلى الله عليه وآله.

والمراد الجلوس عليها على أحد الوركين فانه يضربها ويصير سببا لدبرها، أو المراد رفع احدى الرجلين ووضعها فوق السرج للاستراحة، قال الفيروزآبادي تورك على الدابة ثنى رجليه لينزل أو ليستريح، وقال الجوهرى: تورك على الدابة أى ثنى رجله ووضع احدى وركيه في السرج (المرآة) وفى بعض نسخ الكافى " لا تتوكؤوا ".

و قوله " لا تتخذوا ظهورها مجالس " أى بان تقفوا عليها للصحبة بل انزلوا وتكلموا الا ان يكون يسيرا. (م ت)

٢٨٧

٢٤٧٢ - وقال الباقر عليه السلام: " لكل شئ حرمة وحرمة البهائم في وجوهها(١) ".

باب ما لم تبهم عنه البهائم

٢٤٧٣ - روى علي بن رئاب، عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه كان يقول: " ما بهمت البهائم عنه فلم تبهم عن أربعة: معرفتها بالرب تبارك وتعالى، و معرفتها بالموت(٢) ، ومعرفتها بالاثني من الذكر، ومعرفتها بالمرعى الخصب ".

٢٤٧٤ - وأما الخبر الذي روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: " لو عرفت البهائم من الموت ما تعرفون ما أكلتم منها سمينا قط " فليس بخلاف هذا الخبر لانها تعرف الموت لكنها لا تعرف منه ما تعرفون.

باب ثواب النفقة على الخيل

٢٤٧٥ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله " في قول الله عزوجل: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " قال: نزلت في النفقة على الخيل ".

قال مصنف هذا الكتاب - رضي الله عنه -: هذه الآية روي أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وكان سبب نزولها أنه كان معه أربعة دراهم فتصدق بدهم منها بالليل وبدرهم منها بالنهار، ودرهم في السر، وبدرهم في العلانية فنزلت فيه هذه الآية(٣) .

والآية إذا نزلت في شئ فهي منزلة في كل ما يجري فيه، فالاعتقاد في تفسيرها أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وجرت في النفقة على الخيل وأشباه ذلك(٤) .

__________________________________

(١) الخبر في الكافى والمحاسن عن أبى عبدالله عليه السلام مسندا.

(٢) الظاهر أنها تعرف الموت ولا تعرف ما بعدها لانه ليس لها عذاب كما كان لبنى آدم.

(٣) رواه ابن المغازلى وموفق بن أحمد والمفيد في الاختصاص والعياشى.

(٤) لعموم الاية وخصوص السبب لا يخصص العموم كما في كثير من الايات، ويمكن أن يكون صدقته عليه السلام على الخيل المربوطة للجهاد. (م ت)

٢٨٨

باب علة الرقعتين في باطن يدى الدابة

٢٤٧٦ - روى حماد بن عثمان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: " جعلت فداك نرى الدواب في بطون أيديها مثل الرقعتين(١) في باطن يديها مثل الكي(٢) فأي شئ هو؟ قال: ذلك موضع منخريه في بطن امه ".

باب حسن القيام على الدواب

٢٤٧٧ - روي عن أبي ذر - رحمة الله عليه - أنه قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الدابة تقول: اللهم ارزقني مليك صدق يشبعني ويسقيني ولا يحملني مالا اطيق(٣) ".

٢٤٧٨ - وقال الصادق عليه السلام: " ما اشترى أحد دابة إلا قالت: اللهم اجعله بي رحيما "(٤) .

٢٤٧٩ - وروى عنه عبدالله بن سنان أنه قال: " اتخذوا الدابة فإنها زين وتقضى عليها الحوائج، ورزقها على الله عزوجل ".

٢٤٨٠ - وروى السكوني باسناده(٥) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك

___________________________________

(١) الرقعة بالضم مأخوذ من الرقعة التى ترقع به الثوب.(مراد)

(٢) الكى احراق قطعة من الجلد بحديدة محماة ويقال له بالفارسية " داغ ".

(٣) مروى نحوه في المحاسن ورواه الكلينى بلفظ آخر مسندا عن الصادق عليه السلام في ج ٦ ص ٥٣٧.

(٤) في المحاسن ص ٦٢٦ مسندا عن على بن جعفر عن أبى ابراهيم عليه السلام قال: " ما من دابة يريد صاحبها أن يركبها الا قالت: " اللهم اجعله بى رحيما ".

(٥) يعنى عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عنه صلى الله عليه وآله.

٢٨٩

وتعالى يحب الرفق ويعين عليه، فإذا ركبتم الدواب العجاف(١) فأنزلوها منازلها فإن كانت الارض مجدبة فانجوا(٢) عليها، وإن كانت مخصبة فأنزلوها منازلها ".

٢٤٨١ - وقال علي صلوات الله عليه(٣) : " من سافر منكم بدابة فيبدأ حين ينزل بعلفها وسقيها ".

٢٤٢٨ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " إذا سرت في أرض خصبة فارفق بالسير، وإذا سرت في أرض مجدبة فعجل بالسير ".

باب ما جاء في الابل

٢٤٨٣ - قال الصادق عليه السلام: " إياكم والابل الحمر، فإنها أقصر الابل أعمارا(٤) ".

٢٤٨٤ - وقال عليه السلام: " إن على ذروة كل بعير شيطان فأشبعه وامتهنه(٥) ".

٢٤٨٥ - وقال أبوعبدالله عليه السلام: " اشتروا السود القباح فإنها أطول الابل أعمارا(٦) ".

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الابل عز لاهلها(٧) ".

___________________________________

(١) العجف بالتحريك: الهزال، والاعجف المهزول، والعجفاء الانثى والجمع عجاف على غير قياس لان فعلاء لا يجمع على فعال. (الصحاح)

(٢) أى أسرعوا، ونجوت أى أسرعت وسبقت.

(٣) مروى في المحاسن ص ٣٦١ مسندا.

(٤) مروى في الكافى ج ٦ ص ٥٤٣ عن ابن أبى يعفور عن أبى جعفر عليه السلام.

(٥) أى استعمله وذلله واستفد منه.

(٦) مروى في الكافى ج ٦ ص ٥٤٣ في ذيل حديث رواه عن صفوان الجمال عن أبى عبدالله عليه السلام وقال فيه: " اشتر لى جملا وخذه أشوه الخ ".

وفى المحاسن في حديث رواه أيضا عن أبى عبدالله عليه السلام.

(٧) رواه البرقى ص ٦٣٥ باسناده عن عمر بن أبان عن أبى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله.

٢٩٠

٢٤٨٧ - و " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يتخطى القطار(١) قيل: يا رسول الله ولم؟ قال: لانه ليس من قطار إلا وما بين البعير إلى البعير شيطان ".

٢٤٨٨ - و " سئل النبي صلى الله عليه وآله أي المال خير؟ قال: زرع زرعه صاحبه وأصلحه وأدى حقه يوم حصاده، قيل: يا رسول الله فأي المال بعد الزرع خير؟ قال: رجل في غنمه قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، قيل: يا رسول الله فأي المال بعد الغنم خير؟ قال: البقر تغدو بخير وتروح بخير(٢) قيل: يا رسول الله فأي المال بعد البقر خير؟ فقال: الراسيات في الوحل، المطعمات في المحل(٣) نعم الشئ النخل من باعه فإنما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهقة(٤) اشتدت به الريح في يوم عاصف إلا أن يخلف مكانها، قيل: يا رسول الله فأي المال بعد النخل خير؟ فسكت فقال له رجل: فأين الابل؟ قال: فيها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار، تغدو مدبرة وتروح مدبرة(٥) لا يأتي خيرها إلا من جانبها الاشام، أما إنها لا تعدم الاشقياء الفجرة(٦) ".

قال مصنف هذا الكتاب - رضي الله عنه -: معنى قوله صلى الله عليه وآله: " لا يأتي خيرها إلا من جانبها الاشأم " هو أنها لا تحلب ولا تركب إلا من الجانب الايسر(٧) .

___________________________________

(١) أى التجاوز من بينهم. الخبر رواه البرقى بسند فيه ارسال.

(٢) أى تحلب منها اللبن في الغداة أى أول اليوم والرواح أى آخره. (م ت)

(٣) أى الثابتات أرجلها في الطين والمطعمات في أيام الجدب والقحط فانها صابرة العطش، والمراد النخل كما صرح به.

(٤) الشاهقة: الجبل الراسخ والعالى.

(٥) أى أن الادبار والنحوسة لا ينفك عنها في وقت من الاوقات.(مراد)

(٦) جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: إذا كان كذلك فمن مربيها قال عليه السلام أما انها لا تعدم الاشقياء الفجرة وهم الجمالون كما هو المسموع والمشهود، وفى الخصال " انهم الظلمة ".

(٧) يحتمل أن يكون جانبها الايسر كناية عن عدم اليمن وقلة الخير والبركة. (سلطان)

٢٩١

٢٤٨٩ - وقال عليه السلام: " في الغنم إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أقبلت(١) ، والبقر إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أدبرت، والابل، إذا أقبلت أدبرت وأذا أدبرت أدبرت ".

باب ما يجب من العدل على الجمل وترك ضربه واجتناب ظلمه

٢٤٩٠ - روى السكوني باسناده " أن النبي صلى الله عليه وآله أبصر ناقة معقولة وعليها جهازها، فقال: أين صاحبها، مروه فليستعد غدا للخصومة "(٢) .

٢٤٩١ - وفي خبر آخر قال النبي صلى الله عليه وآله: " أخروا الاحمال فإن اليدين معلقة، والرجلين موثقة ".

٢٤٩٢ - وروى ابن فضال، عن حماد اللحام قال: " مر قطار لابي عبدالله عليه السلام فرأى زاملة(٣) قد مالت، فقال: يا غلام اعدل على هذا الحمل، فإن الله تعالى يحب العدل ".

٢٤٩٣ - وروى أيوب بن أعين قال: " سمعت الوليد بن صبيح يقول لابي عبدالله عليه السلام: إن أبا حنيفة(٤) رأى هلال ذي الحجة بالقادسية وشهد معنا عرفة،

___________________________________

(١) أى إذا أقبلت بالنتاج فهو وإذا أدبرت يعنى بالموت يذبحها صاحبها وينتفع من لحمها وجلدها، أما البقر فوسط، وأما الابل فاقبالها ادبارها لانه إذا حصل له بعض النتاج أو النفع أنفق لها صاحبها أزيد من نتاجها.

(٢) يعنى يوم القيامة لان عقال الناقة وعليها حملها ظلم عليها فاذا كان يوم القيامة تخاصم صاحبه بين يدى الجبار وتقول: ما ذنبى حتى ظلمتنى فينتصف الله سبحانه منك لها.

(٣) الزاملة المحمل وبعير يحمل الطعام والمتاع، وميل الحمل إلى جانب سبب لدبر الدابة.

(٤) هو سعيد بن بيان سابق الحاج الهمدانى ومع أنه ثقة يذم فعله، وقيل انه كان يذهب بجماعة إلى الحج في نهاية السرعة وذهب بهم في هذا الخبر من القادسية التى كانت قريبة من النجف إلى عرفات في ثمانية أيام وشئ.

وروى العياشى عن أبى عبدالله عليه السلام قال:

" أتى قنبر أمير المؤمنين عليه السلام فقال: هذا سابق الحاج، فقال: لا قرب الله داره هذا خاسر الحاج يتعب البهيمة، وينقر الصلاة، اخرج اليه فاطرده ".

٢٩٢

فقال: ما لهذا صلاة، ما لهذا صلاة "(١) .

٢٤٩٤ - و " حج علي بن الحسين عليهما السلام على ناقة له أربعين حجة فما قرعها بسوط "(٢) .

٢٤٩٥ - وقال الصادق عليه السلام: " أي بعير حج عليه ثلاث سنين يجعل من نعم الجنة " وروى " سبع سنين "(٣) .

باب ما جاء في ركوب العقب  (٤)

٢٤٩٦ - روى علي بن رئاب، عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعقبون بعيرا بينهم وهم منطلقون إلى بدر ".

باب ثواب من أعان مؤمنا مسافرا

٢٤٩٧ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من أعان مؤمنا مسافرا نفس الله عنه ثلاثا وسبعين كربة، وأجاره في الدنيا والآخرة من الغم والهم، ونفس عنه كربه العظيم يوم يغص الناس بأنفاسهم " وفي خبر آخر " حيث يتشاغل الناس بأنفاسهم ".

___________________________________

(١) لانه لا يمكن الصلاة مع هذه الحركة الا بالايماء واحداث هذه الضرورة اختيارى لامكان الخروج قبله بايام فمعنى نفى الصلاة عدم اتيانها على وجهها لاشتغاله بالسير والسرعة.

(٢) روى البرقى بسندين صحيحين عن عبدالله بن سنان نحوه في أحدهما " ولقد بركت به في سنة من سنواته فما قرعها بسوط ".

(٣) تقدم تحت رقم ٢٢٠٧ ونحوه مروى في المحاسن ص ٦٣٥.

(٤) أى الركوب بالنوبة.

٢٩٣

باب المروء‌ة في السفر

٢٤٩٨ - تذاكر الناس عند الصادق عليه السلام أمر الفتوة فقال: " تظنون أمر الفتوة بالفسق والفجور إنما الفتوة والمروء‌ة طعام موضوع، ونائل مبذول بشئ معروف، وأذى مكفوف فأما تلك فشطارة وفسق، ثم قال: ما المروء‌ة؟ فقال الناس: لا نعلم، قال: المروء‌ة والله أن يضع الرجل خوانه بفناء داره، والمروء‌ة مروء‌تان مروء‌ة في الحضر ومروء‌ة في السفر، فأما التي في الحضر فتلاوة القرآن ولزوم المساجد والمشي مع الاخوان في الحوائج(١) والنعمة ترى على الخادم أنها تسر الصديق وتكبت العدو، وأما التي في السفر فكثرة الزاد وطيبه وبذله لمن كان معك وكتمانك على القوم أمرهم بعد مفارقتك إياهم وكثرة المزاح في غير ما يسخط الله عزوجل، ثم قال عليه السلام: والذي بعث جدي صلوات الله عليه وآله بالحق نبيا إن الله عزوجل ليرزق العبد على قدر المروء‌ة وإن المعونة تنزل على قدر المؤونة، وإن الصبر ينزل على قدر شدة البلاء ".

باب ارتياد المنازل والامكنة التي يكره النزول فيها

٢٤٩٩ - روى السكوني باسناده(٢) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إياكم والتعريس(٣) على ظهر الطريق وبطون الاودية فإنها مدارج السباع ومأوى الحيات ".

٢٥٠٠ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من نزل منزلا يتخوف فيه السبع فقال: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على

___________________________________

(١) راجع معانى الاخبار ص ٢٥٨ روى نحوه مسندا.

(٢) يعنى عن أبى عبدالله عن آبائه عن على عليهم السلام.

(٣) التعريس: نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة.

٢٩٤

كل شئ قدير، اللهم إني أعوذ بك من شر كل سبع " إلا أمن(١) من شر ذلك السبع حتى يرحل من ذلك المنزل إن شاء الله تعالى ".

باب المشى في السفر

٢٥٠١ - روى منذر بن جيفر(٢) ، عن يحيى بن طلحة النهدي قال: قال لنا أبوعبدالله عليه السلام: " سيروا وانسلوا فإنه أخف عليكم "(٣) .

٢٥٠٢ - وروي " أن قوما مشاة أدركهم رسول الله صلى الله عليه وآله فشكوا إليه شدة المشي، فقال لهم: استعينوا بالنسل "(٤) .

٢٥٠٣ - وسأل معاوية بن عمار أبا عبدالله عليه السلام " عن رجل عليه دين أعليه أن يحج؟ قال: نعم إن حجة الاسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين، ولقد كان أكثر من حج مع رسول الله صلى الله عليه وآله مشاة، ولقد مر رسول الله صلى الله عليه وآله بكراع الغميم(٥) فشكوا إليه الجهد والطاقة والاعياء، فقال: شدوا أزركم واستبطنوا، ففعلوا [ذلك] فذهب ذلك عنهم ".

٢٥٠٤ - وروى علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قلت له: قول الله عزوجل: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " قال: يخرج يمشي إن لم يكن عنده [شئ] قلت: لا يقدر على المشي؟ قال: يمشي

___________________________________

(١) أى لا يتم هذه الكلمات الا أمن، أو لا يدعوا بها الا أمن.

(٢) منذر بن جيفر بن حكيم العبدى عربى صميم له كتاب وجيفر اختلف فيه و الاصح بتقديم الياء على الفاء.

وطريق الصدوق اليه فيه ابراهيم بن هاشم وهو حسن كالصحيح.

(٣) نسل ينسل نسلا ونسلانا في المشى أى أسرع.

(٤) في النهاية وفى رواية " شكوا اليه الاعياء فقال: عليكم بالنسلان " أى الاسراع في المشى.

(٥) كراع الغميم موضع بين مكة والمدينة وهو واد أمام عسفان، والكراع جانب مستطيل من الحرة تشبيها بالكراع وهو ما دون الركبة من الساق.

٢٩٥

ويركب، قلت: لا يقدر على ذلك، قال: يخدم القوم ويخرج معهم "(١) .

باب آداب المسافر

٢٥٠٥ - روى سليمان بن داود المنقري، عن حماد بن عيسى(٢) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قال لقمان لابنه: إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وامورهم، وأكثر التبسم في وجوههم، وكن كريما على زادك بينهم، وإذا دعوك فأجبهم وإذا استعانوا بك فأعنهم، واستعمل طول الصمت وكثرة الصلاة وسخاء النفس بما معك

___________________________________

(١) هذا الحديث ليس بمعمول به عند الفقهاء وقد حملوه على التقية أو الاستحباب و في المدارك ص ٣١٨ " أجمع العلماء كافة أن الاستطاعة شرط في الحج قال الله تعالى " ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا " وقال عزوجل " لا يكلف الله نفسا الا وسعها " قال في المنتهى وقد اتفق علماء‌نا على أن الزاد والراحلة شرطان في الوجوب فمن فقدهما أو أحدهما مع بعد مسافته لم يجب عليه الحج وان تمكن من المشى، ويدل على اعتبارهما مضافا إلى عدم تحقق الاستطاعة عرفا بدونهما غالبا صحيحة محمد بن يحيى الخثعمى قال: " سأل حفص الكناسى أبا عبدالله (ع) وأنا عنده عن قول الله عزوجل " ولله على الناس الاية " ما يعنى بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج " وصحيحة محمد بن مسلم قال: " قلت لابى جعفر عليه السلام قوله تعالى " ولله على الناس إلى قوله اليه سبيلا " قال: يكون له ما يحج به، قلت: فان عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال: هو ممن يستطيع ولم يستحيى ولو على حمار أجدع أبتر، فان كان يستطيع أن يمشى راجلا بعضا ويركب بعضا فليفعل " قال في المنتهى: انما يشترط الزاد والراحلة في حق المحتاج اليهما لبعد مسافته أما القريب إلى مكة فلا يعتبر في حقه وجود الراحلة إذا لم يكن محتاجا اليها.

وهو جيد لكن في تحديد القرب الموجب لذلك خفاء والرجوع إلى اعتبار المشقة وعدمها جيد الا أن اللازم منه عدم اعتبار الراحلة في حق البعيد أيضا إذا تمكن من المشى من غير مشقة شديدة ولا نعلم به قائلا.

(٢) في المحاسن " عن حماد بن عثمان " وفى الكافى " عن حماد " بدون ذكر الاب وعلى أى حال هما ثقتان.

٢٩٦

من دابة أو ماء أو زاد، وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم، واجهد رأيك لهم إذا استشاروك، ثم لا تعزم حتى تثبت وتنظر، ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورتك، فان من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه الله رأيه ونزع عنه الامانة، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم، وإذا رأيتهم يعلمون فاعمل، وإذا تصدقوا وأعطوا قرضا فأعط معهم واسمع لمن هو أكبر منك سنا، وإذا أمروك بأمر وسألوك شيئا، فقل: نعم، ولا تقل: لا، فإن " لا " عي(١) ولؤم وإذا تحيرتم في الطريق فانزلوا، وإذا شككتم في القصد فقفوا وتؤامروا، وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه فان الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله أن يكون عين اللصوص أو يكون هو الشيطان الذي حيركم، واحذروا الشخصين أيضا إلا أن تروا مالا أرى.

فإن العاقل إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحق منه، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، يا بني إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشئ، صلها واسترح منها فإنها دين، وصل في جماعة ولو على رأس زج(٢) ولا تنامن على دابتك فإن ذلك سريع في دبرها(٣) وليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل(٤) ، وإذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك وابدأ بعلفها قبل نفسك فإنها نفسك، وإذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الارض بأحسنها لونا وألينها تربة وأكثرها عشبا، فإذا نزلت فصل ركعتين قبل أن تجلس، وإذا أردت قضاء حاجتك فابعد المذهب في الارض، وإذا ارتحلت فصل ركعتين ثم ودع الارض التي حللت بها وسلم عليها وعلى اهلها فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة، وإن استطعت أن لا تأكل طعاما حتى تبدأ فتصدق منه فافعل.

___________________________________

(١) بكسر العين أى جهل وبفتحها أى عجز. (م ت)

(٢) الزج بالضم: الرمح والحديدة التى في أسفل الرمح، وذلك يكون للمبالغة.

(٣) الدبر بالتحريك: جراحة على ظهر الدابة.

(٤) لاسترخاء المفاصل أى إذا لم يمدد يسترخى المفاصل.

٢٩٧

وعليك(١) بقراء‌ة كتاب الله عزوجل ما دمت راكبا، وعليك بالتسبيح ما دمت عاملا [عملا] وعليك بالدعاء ما دمت خاليا، وإياك والسير من أول الليل وسر في آخره، وإياك ورفع الصوت في مسيرك".

باب دعاء الضال عن الطريق

٢٥٠٦ - روى علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا ضللت عن الطريق فناد " يا صالح - أو يا أبا صالح - أرشدونا إلى طريق يرحمكم الله ".

٢٥٠٧ - وروي " أن البر موكل به صالح، والبحر موكل به حمزة "(٢) .

باب القول عند نزول المنزل

٢٥٠٨ - قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: " يا علي إذا نزلت منزلا فقل: " اللهم أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين " ترزق خيره ويدفع عنك شره ".

باب القول عند دخول مدينة أو قرية

٢٥٠٩ - كان في وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: " يا علي إذا أردت مدينة أو قرية فقل حين تعاينها: " اللهم إني أسألك خيرها وأعوذ بك من شرها، اللهم

_____________________________

(١) احتمل بعض الاعلام أن من هنا إلى آخر الحديث من قول الصادق عليه السلام جعله عليه السلام متمما لوصية لقمان حيث انه كان في نسخته " وعليك بقراء‌ة القرآن " مكان " عليك بقراء‌ة كتاب الله " كما صرح هو بذلك.

(٢) المشهور أن الموكل بالبر الخضر وبالبحر الياس عليهما السلام. (م ت)

٢٩٨

حببنا إلى أهلها، وحبب صالحي أهلها إلينا "(١) .

باب الموت في الغربة

٢٥١٠ - روى الحسن بن محبوب، عن أبي محمد الوابشي،(٢) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " ما من مؤمن يموت في أرض غربة تغيب عنه فيها بواكيه إلا بكته بقاع الارض التي كان يعبد الله عزوجل عليها، وبكته أثوابه، وبكته أبواب السماء التي كان يصعد فيها عمله، وبكاه الملكان الموكلان به ".

٢٥١١ - وقال عليه السلام: " إن الغريب إذا حضره الموت التفت يمنة ويسرة ولم ير أحدا رفع رأسه، فيقول الله عزوجل: إلى من تلتفت؟ إلى من هو خير لك مني و عزتي وجلالي لئن أطلقتك عن عقدتك(٣) لاصيرنك في طاعتي، ولئن قبضتك لاصيرنك إلى كرامتي ".

باب تهنئة القادم من الحج

٢٥١٢ - قال الصادق عليه السلام: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول للقادم من مكة: قبل الله منك، وأخلف عليك نفقتك، وغفر ذنبك ".

باب ثواب معانقة الحاج

٢٥١٣ - في رواية أبي الحسين الاسدي رضي الله عنه قال: قال الصادق عليه السلام

___________________________________

(١) كذا وفى المحاسن ص ٣٧٤ " اللهم انى أسألك خيرها وأعوذ بك من شرها، اللهم أطعمنا من جناها وأعذنا من وبائها وحببنا إلى أهلها، وحبب صالحى أهلها الينا ".

وفى بعض نسخه " اطعمنا من خانها " وقال بعضهم: الظاهر أن المراد بالخان الخوان.

(٢) كان من رجال الصادق عليه السلام وكأنه عبدالله بن سعيد.

(٣) أى المرض المقدر عليه كالعقدة

٢٩٩

" من عانق حاجا بغباره كان كأنما استلم الحجر الاسود".

باب النوادر

٢٥١٤ - روي عن جابر بن عبدالله الانصاري قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يطرق الرجل أهله ليلا إذا جاء من الغيبة حتى يؤذنهم "(١) .

٢٥١٥ - وقال عليه السلام: " السفر قطعة من العذاب، فإذا قضى أحدكم سفره فليسرع الاياب إلى أهله "(٢) .

٢٥١٦ - وقال الصادق عليه السلام: " سير المنازل ينفد الزاد، ويسيئ الاخلاق، ويخلق الثياب، والسير ثمانية عشر"(٣) .

٢٥١٧ - وروى عبدالله بن ميمون باسناده(٤) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ضللتم الطريق فتيامنوا"(٥) .

___________________________________

(١) يدل على كراهة دخول المسافر منزله في الليل الا أن يعلمهم.

وروى " أنه دخل رجل منزله في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله ورأى ابنه نائما مع زوجته فتوهم أنه أجنبى فقتله، فلما سمعه صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك ".

(٢) رواه البرقى ص ٣٧٧ عن النوفلى عن السكونى باسناده قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله.

(٣) رواه البرقى عن أبيه عن أبن أبى نجران عمن ذكره عن أبى عبدالله عليه السلام.

والظاهر أن المراد به أن السير للتنزه والتفرج ينبغى أن لا يصير إلى المنازل، وهى ثمانية فراسخ بل نهايته ثمانية عشر ميلا ستة فراسخ فان الزائد عليها ينفد الزاد لان الانسان لا يتهيأ غالبا لها ما يكفيها بخلاف السفر ويسيئ اخلاق المصاحبين ويتسخ ثيابهم وتبلى بخلاف ما إذا كان قريبا فانه يرطب الدماغ ويخرج البدن والروح من الكلال. (م ت)

(٤) يعنى عن أبى عبدالله عن آبائه عليهم السلام عن النبى صلى الله عليه وآله كما في المحاسن ص ٣٦٢.

(٥) " فتيامنوا " أى توجهوا إلى جانب يمينكم. (م ت)

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639