بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 639
المشاهدات: 237764
تحميل: 8107


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 237764 / تحميل: 8107
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 14

مؤلف:
العربية

٤ الحكمة ( ٤٠٩ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْقَلْبُ مُصْحَفُ اَلْبَصَرِ أقول : قال ابن أبي الحديد : معنى كلامهعليه‌السلام هذا مثل قول الشاعر :

تخبّرني العينان ما القلب كاتم

و ما جنّ بالبغضاء و النظر الشّزر

أي : كما أن الانسان إذا نظر في المصحف قرأ ما فيه ، كذلك إذا أبصر الانسان صاحبه فإنّه يرى قلبه بوساطة رؤية وجهه ، ثم يعلم ما في قلبه من ودّ و بغض و غيرهما ، كما يعلم برؤية الخط الذي في المصحف ما يدلّ الخطّ عليه ، و قال الشاعر :

إنّ العيون لتبدي في تقلّبها

ما في الضّمائر من ودّ و من حنق(١)

و قال ابن ميثم : أرادعليه‌السلام بالقلب النفس أو الذهن ، و استعار له لفظ المصحف باعتبار أنّ كلّ تصوّر في الذهن اريد التعبير عنه ، فلا بدّ أن يتصوّر حروف العبارة عنه في لوح الخيال ، و الحس البصري يشاهدها من هناك و يقرأها ، فالقلب إذن كالمصحف الذي يشاهدون فيه الحروف و الألفاظ و يقرأونه بالبصر ، فلذلك أضافه إلى البصر(٢) .

و قال بعض المحشّين : أي : إن ما يتناوله البصر يحفظ في القلب كأنّه يكتب فيه .

قلت : و الأظهر كون مرادهعليه‌السلام أنّ البصر لا يبصر إلاّ بعد توجّه القلب ، فالإنسان قد ينظر إلى شي‏ء إلاّ أن قلبه متوجّه إلى غيره ، فلا ينطبع شبحه في

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ٢٠ : ٤٦ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ، شرح نهج البلاغة ٥ : ٤٤١ .

٢٢١

النفس كما يكون مع توجّه القلب ، و حينئذ فكما يحتاج الانسان غالبا لقراءته إلى مصحف كذلك تحتاج العين في إبصارها إلى القلب .

هذا ، و في خطبتهعليه‌السلام الموسومة بالوسيلة : « أيها الناس إنّ للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط فطنة الفهم للمواعظ ممّا يدعو النفس إلى الحذر من الخطأ ، و للنفوس خواط للهوى ، و العقول تزجر و تنهى ، و في التجارب علم مستأنف(١) .

و مرّ في فصل العبادات قولهعليه‌السلام : إنّ للقلوب اقبالا و إدبارا ، فإذا أقبلت فاحملها على النوافل ، و إذا أدبرت فاقتصر بها على الفرائض .

٥ الحكمة ( ٣٨٨ ) و قالعليه‌السلام :

أَلاَ وَ إِنَّ مِنَ اَلْبَلاَءِ اَلْفَاقَةَ وَ أَشَدُّ مِنَ اَلْفَاقَةِ مَرَضُ اَلْبَدَنِ وَ أَشَدُّ مِنْ مَرَضِ اَلْبَدَنِ مَرَضُ اَلْقَلْبِ أَلاَ وَ إِنَّ مِنَ اَلنِّعَمِ سَعَةَ اَلْمَالِ وَ أَفْضَلُ مِنْ سَعَةِ اَلْمَالِ صِحَّةُ اَلْبَدَنِ وَ أَفْضَلُ مِنْ صِحَّةِ اَلْبَدَنِ تَقْوَى اَلْقَلْبِ أقول : و رواه تحف عقول ابن أبي شعبة الحلبي(٢) .

« ألا و إنّ من البلاء الفاقة » عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : كادت الفاقة أن تكون كفرا(٣) .

و عن بزرجمهر : ان كان شي‏ء مثل الموت فالفقر ، بل قيل شرّ من الموت ما يتمنى الموت له(٤) .

____________________

( ١ ) تحف العقول : ٩٦ ط مؤسسة النشر الإسلامي قم .

( ٢ ) تحف العقول : ١٤٠ .

( ٣ ) في كنز العمال للمتقي الهندي ٦ : ٤٩٢ ح ٦٦٨٢ بلفظ : « كاد الفقر أن يكون كفرا » كما أورده السيوطي في الدر المنثور ٦ : ٤٢ .

( ٤ ) أدب الدنيا و الدين للماوردي : ٢١٤ .

٢٢٢

« و أشد من الفاقة مرض البدن » في ( كامل المبرد ) : قيل لخريم المرّي : ما النعمة ؟ قال : الأمن ، فليس لخائف عيش ، و الغنى ، فليس لفقير عيش ، و الصحة ، فليس لسقيم عيش قيل : ثم ما ذا ؟ قال : لا مزيد بعد هذا(١) .

و في ( الطبري ) : و في سنة ( ٢٨٧ ) إنصرف أبو أحمد بن المتوكل من الجبل إلى العراق و قد اشتدّ به وجع النقرس حتى لم يقدر على الركوب ، فاتّخذ له سرير عليه قبّة ، فكان يقعد عليه و معه خادم يبرد رجله بالأشياء الباردة حتى بلغ من أمره أنّه كان يضع عليها الثلج ، ثم صارت علّة رجله داء الفيل و كان يحمل سريره أربعون حمّالا يتناوب عليه عشرون عشرون ، و ربّما اشتدّ به أحيانا فيأمرهم أن يضعوه .

فذكر أنّه قال يوما للّذين يحملونه : قد ضجرت بحملي ، بودّي أنّي أكون كواحد منكم أحمل على رأسي و أنا آكل في عافية و قال في مرضه هذا : اطبق دفتري على مائة ألف مرتزق ما أصبح فيهم أسوأ حالا منّي(٢) .

قلت : و أبو أحمد هذا كان الخليفة بالمعنى و أخوه المعتمد الخليفة بالاسم .

« و أشد من مرض البدن مرض القلب » مرادهعليه‌السلام بالقلب ، القلب الباطني لقوله بعد : « و أفضل من صحّة البدن تقوى القلب » .

و أيضا القلب الظاهري و هو القلب الصنوبري محسوب من البدن ، و مرضه مرض البدن ، و أمّا القلب الحقيقي فمرضه التخلّق بالأخلاق الفاسدة المهلكة .

و إنّما كان مرضه أشد من مرض البدن لأنّ غاية أثر مرض البدن سلب

____________________

( ١ ) الكامل في الأدب للمبرّد ٥١٤ ط الحلبي بمصر .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٨ : ١٥٦ .

٢٢٣

الحياة الدنيوية ، فإن كان سعيدا لا يضرّه الموت ، و ما عند اللَّه خير للأبرار ، و أمّا إن كان قلبه الحقيقي مريضا ، يقول صاحبه : يا ليتني كنت ترابا .

و قد وصف تعالى تلك القلوب بقوله جل و علا :( فإنّها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور ) (١) و بقوله تعالى :( لهم قلوب لا يفقهون بها إلى اولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) (٢) .

« ألا و إنّ من النعم سعة المال » عن بزرجمهر : إن كان شي‏ء مثل الحياة فالغنى(٣) .

« و أفضل من سعة المال صحة البدن » عن بزرجمهر ان كان شي‏ء فوق الحياة فالصحة و قالوا : خير من الحياة ما لا تطيب الحياة إلاّ به(٤) .

و في ( البيان ) : خرج الحجّاج ذات يوم فأصحر و حضر غذاؤه ، فقال :

اطلبوا من يتغذّى معي ، فطلبوا فإذا أعرابي في شملة ، فاتي به فقال : السّلام عليكم : هلمّ أيّها الأعرابي قال : دعاني من هو أكرم منك فأجبته قال : و من هو .

قال : دعاني اللَّه ربّي إلى الصّوم فأنا صائم قال : و صوم في مثل هذا اليوم الحار قال : صمت ليوم هو أحرّ منه قال : فافطر اليوم و صم غدا قال : و يضمن لي الأمير أني أعيش إلى غد ؟ قال : ليس ذلك إليه قال : فكيف يسألني عاجلا بآجل ليس إليه قال : إنّه طعام طيّب قال : ما طيّبه خبّازك و لا طبّاخك قال : فمن طيبه ؟ قال : العافية قال الحجّاج : تاللَّه ما رأيت كاليوم أخرجوه(٥) .

« و أفضل من صحة البدن تقوى القلب » قال تعالى :( يا أيّها الناس إنّا

_ ___________________

( ١ ) الحج : ٤٦ .

( ٢ ) الأعراف : ١٧٩ .

( ٣ ) أدب الدنيا و الدين للماوردي : ٢١٤ .

( ٤ ) أدب الدنيا و الدين للماوردي : ٢١٤ .

( ٥ ) البيان و التبيين للجاحظ ٤ : ٩٨ ٩٩ .

٢٢٤

خلقناكم من ذكر و اُنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللَّه أتقاكم إنّ اللَّه عليم خبير ) (١) .

( و من يعظّم شعائر اللَّه فانّها من تقوى القلوب ) (٢) .

هذا ، و مرّ في فصل « نقص الناس » قولهعليه‌السلام : لقد علق بنياط هذا الانسان بضعة هي أعجب ما فيه ، و ذلك القلب » إلى آخر ما مر .

____________________

( ١ ) الحجرات : ١٣ .

( ٢ ) الحج : ٣٢ .

٢٢٥

الفصل السادس و الخمسون فيما ذكرهعليه‌السلام من الحقائق

٢٢٦

مرّ في الفصل ( ٤٢ ) في العنوان ( ٧ ) منه قولهعليه‌السلام : « كم من صائم ليس له من صيامه إلاّ الجوع و الظمأ . » .

و في ( ٢٨ ) منه قولهعليه‌السلام : « ليس الخير أن يكثر مالك و ولدك . » .

و في ( ٢٩ ) منه قولهعليه‌السلام : « ما خير بخير بعده النار . » .

١ الخطبة ( ١٨٥ ) منها :

 يَدَّعِي بِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَرْجُو اَللَّهَ كَذَبَ وَ اَلْعَظِيمِ مَا بَالُهُ لاَ يَتَبَيَّنُ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ فَكُلُّ مَنْ رَجَا عُرِفَ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ إِلاَّ رَجَاءَ اَللَّهِ فَإِنَّهُ مَدْخُولٌ وَ كُلُّ خَوْفٍ مُحَقَّقٌ إِلاَّ خَوْفَ اَللَّهِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ يَرْجُو اَللَّهَ فِي اَلْكَبِيرِ وَ يَرْجُو اَلْعِبَادَ فِي اَلصَّغِيرِ فَيُعْطِي اَلْعَبْدَ مَا لاَ يُعْطِي اَلرَّبَّ فَمَا بَالُ اَللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يُقَصَّرُ بِهِ عَمَّا يُصْنَعُ بِهِ لِعِبَادِهِ أَ تَخَافُ أَنْ تَكُونَ فِي رَجَائِكَ لَهُ كَاذِباً أَوْ تَكُونَ لاَ تَرَاهُ لِلرَّجَاءِ مَوْضِعاً وَ كَذَلِكَ إِنْ هُوَ خَافَ عَبْداً مِنْ عَبِيدِهِ أَعْطَاهُ مِنْ خَوْفِهِ مَا لاَ يُعْطِي رَبَّهُ فَجَعَلَ خَوْفَهُ مِنَ

٢٢٧

اَلْعِبَادِ نَقْداً وَ خَوْفَهُ مِنْ خَالِقِهِ ضِمَاراً وَ وَعْداً وَ كَذَلِكَ مَنْ عَظُمَتِ اَلدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ وَ كَبُرَ مَوْقِعُهَا مِنْ قَلْبِهِ آثَرَهَا عَلَى اَللَّهِ فَانْقَطَعَ إِلَيْهَا وَ صَارَ عَبْداً لَهَا « يدّعي بزعمه أنّه يرجو اللَّه ، كذب و العظيم » أي : قسما بالربّ العظيم .

« ما باله لا يتبيّن رجاؤه في عمله ، فكل من رجا عرف رجاؤه في عمله إلاّ رجاء اللَّه فإنّه مدخول » قيل للصادقعليه‌السلام : إنّ قوما من مواليك يلمون بالمعاصي و يقولون : نرجو فقالعليه‌السلام : كذبوا ، ليسوا لنا بموال ، أولئك قوم ترجحت بهم الأماني ، من رجا شيئا عمل له ، و من خاف شيئا هرب منه(١) .

و قال الصادقعليه‌السلام أيضا : ما أحب اللَّه تعالى من عصاه ثم تمثّل :

تعصي الإله و أنت تظهر حبّه

هذا محال في الفعال بديع

لو كان حبك صادقا لأطعته

انّ المحبّ لمن يحبّ مطيع(٢)

و في الخبر : يقول اللَّه تعالى كذب من زعم انّه يحبني ، فاذا جاء الليل نام إلى الصبح ، أليس كلّ حبيب يحبّ خلوة حبيبه(٣) .

و في ( الفقيه ) : شكا رجل إلى الصادقعليه‌السلام الحاجة فقال له : أ تصلّي بالليل قال نعم فالتفتعليه‌السلام إلى أصحابه و قال : كذب من زعم انّه يصلّي

____________________

( ١ ) أورده « الحراني » في تحف العقول : ٢٦٩ بهذا اللفظ : قيل لهعليه‌السلام قوم يعملون بالمعاصي و يقولون : نرجوا فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم الموت فقالعليه‌السلام : هؤلاء قوم يترجحون في الأحاديث كذبوا ليس يرجون ، ان خارجا شيئا طلبه ، و ؟ ؟ فإن من شي‏ء هرب منه .

( ٢ ) ذكره المجلسي في البحار ٤٧ : ٢٤ بلفظ : هذا لعمرك في الفعال .

( ٣ ) ورد الحديث بهذا اللفظ : كذب من زعم أنه ؟ ؟ فإذا جنّه الليل نام عين ، اليس كل محبّ يحب خلوة حبيبه ؟ ها أنا ذايا ابن عمران مطّلع على أحيائي ، فإذا جهنّم الليل حوّلت أبصارهم في قلوبهم ، و مثلت عقويتي بين أعينهم ، يخاطبوني عن المشاهدة ، و يكلموني عن الحضور انظر بحار الأنوار ١٣ : ٣٢٩ بتصرف .

٢٢٨

بالليل و يجوع بالنهار(١) .

و في ( تاريخ بغداد ) : في ( سمنون الصولي الذي صحب سري السقطي ) قال سمنون :

فليس لي في سواك حظ

فكيفما شئت فامتحنّي

فحصر بوله في ساعته ، فسمّى نفسه سمنون الكذّاب(٢) .

و في ( عيون القتيبي ) قال الحسن أي البصري : إنّ دين اللَّه ليس بالتحلّي و لا بالتمنّي ، و لكنه ما وقر في القلوب و صدّقته الأعمال(٣) .

و قال محمود الوراق :

يا ناظرا يرنو بعيني راقد

مشاهدا للأمر غير مشاهد

تصل الذنوب إلى الذنوب و ترتجى

درك الجنان بها و فوز العابد

و نسيت أنّ اللَّه أخرج آدما

منها إلى الدّنيا بذنب واحد(٤)

و أخذ مضمونه البهائي فقال بالفارسية :

جد تو آدم بهشتش جاى بود

قدسيان كردند بهر او سجود

يك كنه ناكرده گفتندش تمام

مذنبى مذنب برو بيرون خرام

تو طمع دارى كه با چندان گناه

داخل جنت شوى اى رو سياه(٥)

« و كل خوف محقّق إلاّ خوف اللَّه فإنّه معلول » و لو كان خوفه محققا لكان كما قال الصادقعليه‌السلام : المؤمن بين مخافتين : ذنب قد مضى لا يدري ما اللَّه صانع فيه ، و عمر قد بقي لا يدري ممّا يكتسب فيه من المهالك ، فهو لا يصبح إلاّ خائفا

____________________

( ١ ) الفقيه من لا يحضر الفقيه ١ : ٣٠٠ ح ١٣٧٤ بتصرف .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب ٩ : ٢٣٥ .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٣٤٤ .

( ٤ ) ابن قتيبة ، العيون ٢ : ٣٤٤ .

( ٥ ) البهائي ، الكشكول ١ : ٥٨ طبع في ايران ، ذكره الجزائري في الأنوار النعمانية ١ : ٢٣ .

٢٢٩

و لا يصلحه إلاّ الخوف(١) .

و كما قال الحسينعليه‌السلام لمّا كتب إليه بعد خروجه من مكة عمرو بن سعيد عاملها بطلب عبد اللَّه بن جعفر : إنّ لك الأمان عندي : « خير الأمان أمان اللَّه ، و لن يؤمن اللَّه يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا ، فنسأل اللَّه مخافة في الدّنيا توجب لنا أمانة يوم القيامة »(٢) .

« يرجو اللَّه في الكبير و يرجو العباد في الصغير ، فيعطي العبد ما لا يعطي الرب » قالت رابعة العدوية :

لك ألف معبود مطاع أمره

دون الإله و تدّعي التوحيدا(٣)

و قال زياد الأعجم :

و تشكر يشكر من ضامها

و يشكر اللَّه لا تشكر(٤)

و في الجمهرة يشكر بطن من بكر بن وائل(٥) .

« فما بال اللَّه جل ثناؤه يقصر به عمّا يصنع لعباده » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٦) و الصواب : ( بعباده ) كما في ( ابن أبي الحديد(٧)

___________________

( ١ ) أورده المجلسي عن طريقين : عن الصادقعليه‌السلام في البحار ٧ : ٣٦٥ ، و عن الكاظمعليه‌السلام في البحار ٧٨ : ٢٦٢ .

و البحار ٢ : ٧١ . .

( ٢ ) ذكر المجلسي « الحادثة في البحار ٤٤ : ٣٦٦ يشكل آخر ، قال : و كتب إليه عمرو بن سعيد كتابا يمتّيه فيه الصلة ، و يؤمنه على نفسه ، و أنفذه مع يحيى بن سعيد ، فلحقه يحيى و عبد اللَّه بن جعفر بعد نفوذ ابنيه ، و دفعا إليه الكتاب وجهوا به في الرجوع ، فقال : « إني رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في المنام و أمرني بما أنا ماض له » فقالوا له : ما تلك الرؤيا ؟ . .

( ٣ ) ترجم لها ابن الجوزي في صفوة الصفوة ٤ : ٢٣ .

( ٤ ) هو زياد بن سلمى ، ترجم له ياقوت الحموي في معجم الأدباء ١١ : ١٦٥ .

( ٥ ) جمهرة أنساب العرب ، ابن محمد الأندلسي : ٣٠٨ .

( ٦ ) انظر النسخة المصرية بشرح محمّد عبده : ٣٤٢ .

( ٧ ) ورد في شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد بتحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم لفظ ( العبادة ) خلافا لمّا ذكره المؤلف الذي اعتمد النسخة غير المحققة من شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٢٦ .

٢٣٠

و ابن ميثم(١) و الخطية )(٢) .

في ( المروج ) : دخل معن بن زائدة على الرشيد و كان قد وجد عليه فمشى فقارب الخطو ، فقال له الرشيد : كبرت يا معن قال : في طاعتك قال : و إنّ فيك على ذلك لبقية قال : لأوليائك قال : و إنك لجلد قال : على أعدائك فرضي عنه و ولاّه(٣) .

قال : و عرض كلامه هذا على عبد الرحمن بن زيد زاهد أهل البصرة ، فقال ويح هذا ما ترك لربه شيئا .

و في ( سير ملوك الأعاجم ) : ان شيرويه بن أبرويز بينا هو في منتزهاته بأرض العراق و كان لا يسايره أحد و أهل المراتب العالية خلف ظهره على مراتبهم ، فإن التفت يمينا دنا منه صاحب الجيش ، و إن التفت شمالا دنا منه الموبذان فيأمره باحضار من أراد مسايرته ، فالتفت يمينا فدنا منه صاحب الجيش فقال أين شدّاد بن خزيمة ، فأحضر فسايره فقال له : أفكرت في حديث حدّثنا به عن أردشير بن بابك حين واقع ملك الخزر حدّثني به إن كنت تحفظه و كان شدّاد قد سمع هذا الحديث في مكيدة أوقعها أردشير بملك الخزر فاستعجم عليه و أوهمه أنّه لا يعرفه ، فحدّثه شيرويه بالحديث ، فأصغى إليه الرجل بجوارحه كلّها و كان مسيره على شاطى‏ء نهر ، فترك الرجل لا قباله على شيرويه النظر إلى موطى‏ء حافر دابته ، فزلّت احدى قوائمها فوقع في الماء ، فابتدر حاشية الملك فأخرجوه فنزل شيرويه و دعا بثياب من خاصّ كسوته فألقيت عليه و قال له : غفلت عن موضع حافر دابتك ، فقال : على قدر

____________________

( ١ ) أورده شرح ابن ميثم بلفظ ( العبادة ) بخلاف ما ذكره العلاّمة التستري في النسخة المنقحة التي اعتمد عليها في التحقيق و لربّما اعتمد العلاّمة على نسخة غير منقحة انظر شرح ابن ميثم ٣ : ٢٧٨ .

( ٢ ) ورد في النسخة الخطية لفظ « بعباده » ، كما ذكر المؤلف انظر نسخة مكتبة المرعشي : ١٣٦ .

( ٣ ) مروج الذهب ٣ : ٣٤٩ .

٢٣١

النعم تكون المحن ، و ان اللَّه تعالى قد أنعم عليّ بنعمتين عظيمتين : إقبال الملك عليّ من بين هذا السواد الأعظم ، و فائدة تدبير الحرب التي حدث بها عن أردشير ، فلما اجتمعت نعمتان جليلتان قابلتهما هذه المحنة ، و لو لا اساورة الملك لكنت بمعرض هلكة ، و على ذلك لو كنت غرقت لكان أبقى لي الملك ذكرا مخلّدا ، فسرّ شيرويه بذلك و قال له : ما ظننتك بهذا المقدار الذي أنت فيه ، فحشا فاه جوهرا و استبطنه حتى غلب على أكثر أمره(١) .

و نقل نظير هذه القصة عن رجل مع معاوية ، و عن شخص مع السفاح(٢) .

« أتخاف أن تكون في رجائك له كاذبا » و قد قالوا :

ترجو النجاة و لم تسلك مسالكها

إنّ السفينة لا تجري على اليبس(٣)

« أو تكون لا تراه للرجاء موضعا » و قد قال تعالى لموسىعليه‌السلام : ما دمت لا ترى زوال ملكي فلا ترج أحدا غيري(٤) .

« و كذلك إن هو خاف عبدا من عبيده أعطاه من خوفه ما لا يعطي ربّه » و قالعليه‌السلام لرجل : كيف أنتم ؟ فقال : نرجو و نخاف فقالعليه‌السلام : من رجا شيئا طلبه ، و من خاف شيئا هرب منه ، ما أدري ما خوف رجل عرضت له شهوة فلم يدعها لمّا خاف منه ، و ما أدري ما رجاء رجل نزل به بلاء فلم يصبر عليه لمّا يرجو(٥) .

____________________

( ١ ) ذكره البيهقي في المحاسن و المساوى‏ء ٢ : ١٢٤ و نسب الحكاية إلى ( أنوشروان ) بخلاف ما ذكره المؤلف .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) إحياء علوم الدين للغزالي ٤ : ٢١٢ .

( ٤ ) الخصال للصدوق ١ : ١٠٣ و نقله عنه المجلسي في بحار الأنوار ١٣ : ٣٤٤ ، و نسب الكليني المقطع الأوّل منه إلى الصادقعليه‌السلام انظر الكافي ٢ : ٦٨ ح ٦ .

( ٥ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٨ : ٥١ .

٢٣٢

« فجعل خوفه من العباد نقدا و خوفه من خالقهم ضمارا و وعدا » قال الجوهري : « الضمار » ما لا يرجى من الدين ، و « الوعد » ما لا تكون منه على ثقة قال :

حمدن مزاره فأصبن منه

عطاء لم يكن عدة ضمارا(١)

قالوا : إنّ أعرابيا قال لابن الزبير : أعطني اقاتل عنك أهل الشام قال :

قاتل ، فإن أغنيت أعطيناك ، قال : أراك تجعل روحي نقدا و دراهمك وعدا .

و في ( الطبري ) : ان عبد الملك لمّا بعث خالدا الأسيدي إلى البصرة أيام ابن الزبير و كان قيس بن الهيثم السلمي من الزبيرية يستأجر الرجال يقاتلون معه ، فتقاضى منه رجل أجرته فقال : غدا أعطيكها و كان قيس يعلم في عنق فرسه جلاجل فقال بعضهم :

لبئس ما حكمت يا جلاجل

النقد دين و الطعان عاجل

و أنت بالباب سمير آجل(٢)

« و كذلك من عظمت الدّنيا في عينه و كبر موقعها في قلبه » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٣) و الصواب : ( من قلبه ) كما في ( ابن أبي الحديد(٤) و ابن ميثم(٥) و الخطية )(٦) .

« آثرها » أي : اختارها .

« على اللَّه فانقطع إليها و صار عبدا لها » فأمّا من طغى و آثر الحياة الدُّنيا

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ٢ : ٧٢٢ مادة ( ضمر ) و بيت الشعر إلى الداعي .

( ٢ ) تاريخ المملوك و الامم للطبري ٥ : ٣ .

( ٣ ) نسخة الطبعة المصرية بشرح محمّد عبده : ٣٤٣ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ٩ : ٢٢٦ .

( ٥ ) أورد ابن ميثم بلفظ « في قلبه » ٣ : ٢٧٩ .

( ٦ ) انظر النسخة الخطية : ١٢٦ .

٢٣٣

فإنّ الجحيم هي المأوى(١) .

٢ الحكمة ( ٤١٧ ) و قالعليه‌السلام

لقائل قال بحضرته « أستغفر اللَّه » :

ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَ تَدْرِي مَا اَلاِسْتِغْفَارُ اَلاِسْتِغْفَارُ دَرَجَةُ اَلْعِلِّيِّينَ وَ هُوَ اِسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ أَوَّلُهَا اَلنَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى وَ اَلثَّانِي اَلْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ اَلْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً وَ اَلثَّالِثُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى اَلْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اَللَّهَ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ وَ اَلرَّابِعُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا وَ اَلْخَامِسُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اَللَّحْمِ اَلَّذِي نَبَتَ عَلَى اَلسُّحْتِ فَتُذِيبَهُ بِالْأَحْزَانِ حَتَّى تُلْصِقَ اَلْجِلْدَ بِالْعَظْمِ وَ يَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ اَلسَّادِسُ أَنْ تُذِيقَ اَلْجِسْمَ أَلَمَ اَلطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاَوَةَ اَلْمَعْصِيَةِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ أقول : رواه تحف عقول ابن أبي شعبة الحلبي هكذا : قال كميل بن زياد قلت لأمير المؤمنينعليه‌السلام : العبد يصيب الذنب فيستغفر اللَّه فما حد الاستغفار ؟

قال : التوبة قلت : بس قال : لا قلت : فكيف قال : إنّ العبد إذا أصاب ذنبا يقول « أستغفر اللَّه » بالتحريك قلت : و ما التحريك ؟ قال : الشفتان و اللسان ، يريد أن يتبع ذلك بالحقيقة قلت : و ما الحقيقة ؟ قال : تصديق في القلب و إضمار أن لا يعود إلى الذنب الّذي استغفر منه قال كميل : فاذا فعلت ذلك فأنا من المستغفرين ؟ قال : لا قال : فكيف ذلك ؟ قال : لأنّك لم تبلغ الأصل بعد قال :

فأصل الاستغفار ما هو ؟ قال : الرجوع من الذنب الذي استغفرت منه ، و هي أول درجة العابدين ، و الاستغفار اسم واقع لمعان ست : أوّلها الندم على ما مضى ،

____________________

( ١ ) النازعات : ٣٧ ٣٩ .

٢٣٤

و الثاني العزم على ترك العود أبدا ، و الثالث أن تؤدي حقوق المخلوقين التي بينك و بينهم ، و الرابع أن تؤدي حق اللَّه في كلّ فرض ، و الخامس أن تذيب اللحم الذي نبت على السحت و الحرام حتى يرجع الجلد إلى عظمه ثم ينشأ في ما بينهما لحم جديدا ، و السادس ان تذيق البدن ألم الطاعات كما أذقته لذّات المعاصي(١) .

و عن ( مناقب ابن الجوزي ) : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : التوبة على أربعة دعائم : ندم بالقلب ، و استغفار باللسان ، و عمل بالجوارح ، و عزم على أن لا يعود(٢) .

و عنه و قالعليه‌السلام في وصف التائبين : غرسوا أشجار ذنوبهم نصب عيونهم في قلوبهم و سقوه بمياه الندم ، فأثمرت لهم السلامة و أعقبتهم الرضا و الكرامة(٣) .

« و قالعليه‌السلام لقائل قال بحضرته : أستغفر اللَّه » قلت : القائل كان رجل آخر غير كميل كما يشهد له تعبير خبره .

« ثكلتك امّك أ تدري ما الاستغفار » ؟ في ( تاريخ بغداد ) : قال أبو الحسن البصري : كنت في مجلس ابن عطا فبكى رجل فقال : ما هذا البكاء لا منفذ له ههنا ، أما سمعت قول الشاعر :

قال لي حين رمته

كل ذا قد علمته

لو بكى طول دهره

بدم ما رحمته(٤)

____________________

( ١ ) تحف العقول للبحراني : ١٣٤ ، و بلفظ آخر في البحار ٧٨ : ٦٨ ح ١٥ .

( ٢ ) سبط ابن الجوزي ، تذكرة الخواص : ١٤٦ ، و البحار ٧٨ : ٨١ .

( ٣ ) البحار ٧٨ : ٧٢ .

( ٤ ) لم نعثر عليه في تاريخ بغداد لا في فهرس القوافي و لا في فهرس الأعلام .

٢٣٥

« الاستغفار درجة العلّيّين » هكذا في ( الطبعة المصرية )(١) ، و الصواب : ( إنّ الاستغفار درجة العليين ) كما في ( ابن ميثم(٢) و الخطية(٣) و كذا ابن أبي الحديد )(٤) .

« و هو اسم واقع على ستة معان » أي : له شروط ستة : « أوّلها الندم على ما مضى » في ( تاريخ بغداد ) قال محمد بن علي الكتاني : لو لا ان ذكره علي فرض ما ذكرته إجلالا له ، مثلي يذكره و لم يغسل فمه بألف توبة متقبلة(٥) .

و قيل : من قدم الاستغفار على الندم كان مستهزئا باللَّه و هو لا يعلم ، قال :

أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزنا

عنه فإنّ جحود الذنب ذنبان

« و الثاني العزم على ترك العود إليه أبدا » في ( الحلية ) قال حذيفة : يحسب للرجل من الكذب أن يقول « استغفر اللَّه » ثم يعود(٦) .

و عن الربيع بن خثيم لا تقل : « أستغفر اللَّه و أتوب إليه » فيكون ذنبا و كذبا إن لم تفعل ، و لكن قل : « اللّهم اغفر لي و تب علي »(٧) .

« و الثالث أن يؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم » روي أنّ شيخا من النخع قال للباقرعليه‌السلام : لم أزل واليا منذ زمن الحجّاج إلى يومي هذا فهل لي من توبة ؟

فسكت عنه ، ثم أعاد ، فقالعليه‌السلام : لا ، حتى تؤدّي إلى كلّ ذي حقّ حقّه(٨) .

« حتى تلقى اللَّه أملس » في ( الصحاح ) : الملاسة ضد الخشونة ، و في المثل :

____________________

( ١ ) انظر شرح محمّد عبده : ٧٥٤ رقم ( ٤٠٣ ) .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٤٤ .

( ٣ ) انظر النسخة الخطية : ١٣٦ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ٢ : ٥٦ .

( ٥ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٣ : ٧٥ .

( ٦ ) حلية الأولياء لأبي نعيم الاصفهاني ١ : ٣٨١ .

( ٧ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٣٩ بتصرف .

( ٨ ) الأصول من الكافي للكليني ٢ : ٣٣١ ح ٣ .

٢٣٦

هان على الأملس ما لاقي الدبر(١) .

« ليس عليك تبعة »( يوم لا ينفع مال و لا بنون إلاّ من أتى اللَّه بقلبٍ سليم ) (٢) ( الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم اُولئك لهم الأمن ) (٣) .

« و الرابع أن تعمد » أي : تقصد .

« إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها » فكلّ صلاة لم يصلّها أو صلاّها باطلة يأتي بقضائها و في بعضها يأتي بقضائها و كفارتها .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام في رجل نام عن العتمة فلم يقم إلا بعد انتصاف الليل قال : يصلّيها و يصبح صائما(٤) .

و روى ( التهذيبان ) عن حريز عمّن أخبره عن الصادقعليه‌السلام : إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل أن يصلّي فليغتسل من غد و ليقض الصلاة ، و إن لم يستيقظ و لم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلاّ القضاء بغير غسل ، و حمل على انكسافه بتمامه .

و من أفطر يوما من شهر رمضان بغير عذر فعليه القضاء و الكفارة صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكينا(٥) .

« و الخامس أن تعمد » بالكسر أي تقصد .

« إلى اللحم الذي نبت على السحت » بالضم و الفتح أي : الحرام .

« فتذيبه » كذوب الحديد في النار .

« حتى يلصق الجلد بالعظم و ينشأ بينهما لحم جديد » من غير السحت .

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري مادة ( ملس ) ٢ : ٩٨٠ .

( ٢ ) الشعراء : ٨٨ ٨٩ .

( ٣ ) الأنعام : ٨٢ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٣ : ٣٩٥ ح ١١ .

( ٥ ) التهذيب للطوسي ٣ : ١٥٧ ح ٣٣٧ و الاستبصار ١ : ٤٥٣ ح ٤ .

٢٣٧

في ( الحلية ) : قال حذيفة : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس لحم ينبت من سحت فيدخل الجنّة(١) .

و عن بعضهم : حلقت امرأة رأسها و كانت من أحسن الناس شعرا ، فسئلت عن ذلك فقالت : أردت أن أغلق باب البيت ، فلمحني رجل و رأسي مكشوف فما كنت لأدع على رأسي شعرا رآه من ليس بمحرم(٢) .

« و السادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية » في ( تاريخ بغداد ) : كان سعيد بن وهب البصري شاعرا خليعا ماجنا ، أكثر القول في الغزل و الخمر ، ثم تاب و نسك و حج راجلا فبلغ منه و جهد فقال لنفسه :

قدميّ اعتورا رمل الكثيب

و اطرقا الآجن من ماء القليب

ربّ يوم رحتما فيه على

زهرة الدنيا و في واد خصيب

و سماع حسن من حسن

صخب المزهر كالضبي الربيب

فاحسبا ذاك بهذا و اصبرا

و خذا من كلّ فنّ بنصيب

إنّما أمشي لأنّي مذنب

فلعل اللَّه يعفو عن ذنوبي(٣)

و في ( المعجم ) : نقض ابن عبد ربه صاحب ( العقد الفريد ) كلّ قطعة قالها في الصب و الغزل بقطعة في المواعظ و الزهد سمّاها الممحّصات(٤) .

هذا ، و قيل وقفت امرأة تنظر إلى رجل قبيح الصورة ، فقيل لها في ذلك فقالت : أذنبت عيني بنظرها إلى أمرد جميل الصورة ، فأحببت أن اعاقبها

____________________

( ١ ) خطب حذيفة في المدائن و ذكر حديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله : « أنّه ليس لحم ينبت من سحت فيدخل الجنّة » و قد أخرجه أحمد في مسنده عن كعب بن عجر : أنّه لا يدخل الجنة لحم ينبت من سحت النار : أورده في مكانين ٣ :

٣٢١ ، و ٣ : ٣٩٩ من حلية الأولياء لأبي نعيم الإصفهاني .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٢٣٤ بتصرّف .

( ٣ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٧٤ .

( ٤ ) معجم الادباء لياقوت الحموي ٤ : ٢٢٣ .

٢٣٨

بالنظر إلى هذه الصورة القبيحة .

« فعند ذلك تقول : استغفر اللَّه » روى ( أمالي الصدوق ) في مجلسه ( ٥٣ ) عن أبي حمزة الثمالي عن السجادعليه‌السلام قال : كان في بني إسرائيل رجل ينبش القبور ، فاعتلّ جار له فخاف الموت ، فبعث إلى النبّاش فقال : كيف كان جواري لك ؟ قال : أحسن جوار قال : فإنّ لي إليك حاجة قال : قضيت حاجتك قال :

فأخرج إليه كفنين فقال : أحبّ أن تأخذ أحبهما إليك و إذا دفنت فلا تنبشني ، فامتنع النباش من ذلك و أبي أن يأخذه ، فقال له الرجل : أحبّ أن تأخذه ، فلم يزل به حتى أخذ أحبّهما إليه و مات الرجل ، فلما دفن قال النباش : هذا قد دفن فما علمه بأني تركت كفنه أو أخذته ، لآخذنّه فأتى قبره فنبشه فسمع صائحا يصيح به لا تفعل ، ففزع النبّاش من ذلك فتركه و ترك ما كان عليه و قال لولده :

أيّ أب كنت لكم ؟ قالوا : نعم الأب كنت لنا قال : فإنّ لي إليكم حاجة قالوا : قل ما شئت فإنّا سنصير إليه ان شاء اللَّه قال : أحبّ إذا أنا متّ أن تأخذوني فتحرقوني بالنار فإذا صرت رمادا فدقّوني ثم تعمدوا بي ريحا عاصفا فذروا نصفي في البر و نصفي في البحر قالوا : نفعل فلما مات فعل به ولده ما أوصاهم به ، فلما ذرّوه قال اللَّه جل جلاله للبر : إجمع ما فيك ، و قال للبحر : إجمع ما فيك ، فإذا الرجل قائم بين يدي اللَّه جل جلاله ، فقال اللَّه عز و جل له : ما حملك على ما أوصيت به ولدك أن يفعلوه بك ؟ قال : حملني على ذلك و عزّتك خوفك فقال اللَّه جل جلاله : فإنّي سارضي خصومك ، و قد أمنت خوفك و غفرت لك(١) .

هذا ، و روى ( أمالي ابن الشيخ ) في جزئه الثالث عشر عن أمير

____________________

( ١ ) أمالي الصدوق : ٣٢٧ .

٢٣٩

المؤمنينعليه‌السلام قال : تعطّروا بالاستغفار لا تفضحنّكم روائح الذنوب(١) .

٣ الحكمة ( ٤٥٢ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْغِنَى وَ اَلْفَقْرُ بَعْدَ اَلْعَرْضِ عَلَى اَللَّهِ أقول : عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قالت أمّ سليمان بن داود له : يا بنيّ إيّاك و كثرة النيام بالليل(٢) ، فإنّها تدع الرجل فقيرا يوم القيامة(٣) .

و في رجال الكشي عن الصادقعليه‌السلام : أرسل عثمان إلى أبي ذر موليين له و معهما مائتا دينار و قال لهما : قولا له : عثمان يقرؤك السّلام و يقول لك :

هذه مائتا دينار فاستعن بهما على ما نابك(٤) ، فقال لهما أبو ذر : هل أعطى أحدا من المسلمين مثل ما أعطاني ؟ قالا : لا قال : فإنّما أنا رجل من المسلمين فيسعني ما يسعهم قالا : إنّه يقول : هذا من صلب مالي ، و اللَّه الذي لا إله إلاّ هو ما خالطهما حرام فقال لهما : لا حاجة لي فيها ، و قد أصبحت يومي هذا و أنا من أغنى الناس فقالا له : ما نرى في بيتك قليلا و لا كثيرا فقال : بلى ، تحت هذا الآكاف الذي ترون رغيفا شعير قد أتى عليهما أيام ، فما أصنع بهذه الدنانير ، لا و اللَّه حتى يعلم أنّي لا أقدر على قليل و لا كثير و قد أصبحت غنيا بولاية علي بن أبي طالب و عترته الهادين المهديين ، الراضين المرضيين الذين يهدون بالحق و به يعدلون ، كذلك سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ، و إنّه لقبيح بالشيخ أن يكون

____________________

( ١ ) أمالي الشيخ الطوسي : ٢٧ ٢٨ أخرجه عن علي بن زرين .

( ٢ ) سقط منه « تعالى » كما في شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ١٥٢ .

( ٣ ) أخرجه ابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة ، كتاب ما جاء في قيام الليل ، رقم ( ١٣٣٢ ) قال في الزوائد : هذا أسناد فيه سنيد بن داود و شيخه يوسف بن محمّد ضعيفان و ذكره الهندي في كنز العمّال ٧ : ٧٨٢ ح ٢١٣٨٩ .

( ٤ ) نابك : أصابك .

٢٤٠