بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247509 / تحميل: 8640
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ان علق الامر بزوال علة النهى... إلى غير ذلك (والتحقيق) أنه لا مجال للتشبث بموارد الاستعمال فانه قل مورد منها يكون خاليا عن قرينة على الوجوب أو الاباحة أو التبعية، ومع فرض التجريد عنها لم يظهر بعد كون عقيب الحظر موجبا لظهورها في غير ما تكون ظاهرة فيه غاية الامر يكون موجبا لاجمالها غير ظاهرة في واحد منها الا بقرينة أخرى كما أشرنا (المبحث الثامن) الحق أن صيغة الامر مطلقا لا دلالة لها على المرة ولا التكرار، فان المنصرف عنها ليس الا طلب إيجاد الطبيعة المأمور بها فلا دلالة لها على أحدهما لا بهيئتها ولا بمادتها، والاكتفاء بالمرة فانما هو

______________________________

(قوله: إن علق النهي بزوال) كما في قوله تعالى: فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين، وقوله تعالى: فإذا تطهرن فأتوهن، وقوله تعالى: وإذا حللتم فاصطادوا (قوله: لا مجال للتشبث) اشارة إلى إبطال استدلال بعضهم على مدعاه ببعض موارد الاستعمال كالايات المتقدمة (وحاصله) أن الكلام في المقام في أن وقوع الامر عقيب الحظر هل هو من القرائن العامة التي لا يجوز العدول عن مقتضاها إلا بدليل الموجبة لظهور الصيغة في الاباحة مطلقا أو الوجوب أو رجوع الحكم السابق على النهي أو غير ذلك ؟ والاستعمال لا يدل على شئ من ذلك لامكان استناد الظهور فيه إلى قرينة خاصة غير الوقوع عقيب الحظر فلا يصح الاستناد إليه في اثبات الدعوى (قوله: ومع فرض) يعني لو فرض التجريد عن القرائن الخاصة لم يظهر أن الوقوع عقيب الحظر من القرائن الموجبة لظهور الصيغة في غير الوجوب الذي تكون ظاهرة فيه لولا الوقوع عقيب الحظر (قوله: لاجمالها) وعليه فلا تحمل على الوجوب بناء على وضعها له الا بناء على كون حجية أصالة عدم القرينة من باب التعبد لا من باب حجية الظهور

المرة والتكرار

(قوله: مطلقا) يعنى حيث لا يقيد بمرة أو تكرار (قوله: على المرة والتكرار) سيأتي منه شرحهما (قوله: لا بهيئتها ولا بمادتها) إذ

١٨١

لحصول الامتثال بها في الامر بالطبيعة كما لا يخفى (ثم) لا يذهب عليك أن الاتفاق على أن المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا يدل الا على الماهية - على ما حكاه السكاكي - لا يوجب كون النزاع ههنا في الهيئة - كما في الفصول - فانه غفلة وذهول عن أن كون المصدر كذلك لا يوجب الاتفاق على أن مادة الصيغة لا تدل إلا على الماهية، ضرورة أن المصدر ليس مادة لسائر المشتقات بل هو صيغة مثلها

______________________________

الهيئة موضوعة وضع الحروف للنسبة الخاصة والمادة موضوعة لصرف الماهية لا بشرط، وكل من المرة والتكرار خارج عن مدلولهما (قوله: لحصول الامتثال) إذ الامتثال يحصل بوجود المأمور به فإذا كان المأمور به صرف الطبيعة وكان يتحقق بالمرة كانت امتثالا للامر، ومنه يظهر بطلان استدلال القائل بالمرة بصدق الامتثال بها (قوله: لا يذهب عليك) قال في الفصول: الحق أن هيئة الامر لا دلالة لها على مرة ولا على تكرار... إلى أن قال: وانما حررنا النزاع في الهيئة لنص جماعة عليه، ولان الاكثر حرروا النزاع في الصيغة وهي ظاهرة بل صريحة فيها، ولانه لا كلام في أن المادة وهي المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا تدل الا على الماهية من حيث هي على ما حكى السكاكي وفاقهم عليه... الخ فأشكل عليه المصنف (ره) بان الاتفاق على عدم دلالة المصدر المجرد الا على الماهية لا يدل على كون النزاع في المقام في الهيئة لا في المادة إذ المصدر ليس مادة للمشتقات التي منها صيغة الامر بل هو مشتق مثلها، والمادة هي الامر المشترك بينه وبينها حسبما حققه (أقول): ما في الفصول يرجع إلى أمرين أحدهما أن المصدر مادة للمشتقات وثانيهما ان الاتفاق على عدم دلالته على المرة والتكرار يقتضي الاتفاق على عدم دلالة مادة (افعل) عليه ويكون النزاع في مدلول الهيئة أما الاول فيمكن أن يكون جاريا على المشهور، وأما الثاني فلا غبار عليه لان المصدر إذا لم يدل على المرة والتكرار دل ذلك عدم دلالة مادته عليهما فيصح الاستدلال به على عدم دلالة مادة (افعل) عليهما فيلزم الاتفاق على الاول الاتفاق على الاخير (قوله: غفلة وذهول) قد عرفت أنه في محله (قوله: ضرورة أن)

١٨٢

كيف وقد عرفت في باب المشتق مباينة المصدر وسائر المشتقات بحسب المعنى ؟ فكيف بمعناه يكون مادة لها ؟ فعليه يمكن دعوى اعتبار المرة أو التكرار في مادتها كما لا يخفى (إن قلت): فما معنى ما اشتهر من كون المصدر أصلا في الكلام (قلت): - مع أنه محل الخلاف - معناه أن الذى وضع اولا بالوضع الشخصي ثم بملاحظته وضع نوعيا أو شخصيا ساير الصيغ التى تناسبه مما جمعه معه مادة لفظ متصورة في كل منها ومنه بصورة ومعنى كذلك، هو المصدر أو الفعل فافهم (ثم) المراد بالمرة والتكرار هل هو الدفعة والدفعات أو الفرد والافراد ؟ والتحقيق أن يقعا بكلا المعنيين محل النزاع

______________________________

هذا لا يثبت الاشكال على الفصول إلا من جهة ظهور كلامه في كون المصدر مادة للمشتقات، وقد عرفت إمكان حمله على الاصطلاح المشهوري (قوله: فعليه يمكن) قد عرفت أنه لا يمكن (قوله: مع أنه محل) هذا لا دخل له في دفع السؤال إذ قول الكوفيين: ان الفعل هو الاصل في الاشتقاق أءكد في توجه الاشكال فتأمل (قوله: معناه أن) إذا كان هذا معنى كلامهم فليكن هو معنى كلام الفصول (قوله: جمعه معه) الضمير الاول راجع إلى (ما) التي هي عبارة عن سائر الصيغ والثاني راجع إلى (الذي) ويمكن العكس (قوله: ومعنى) معطوف على قوله: لفظ، يعني ومادة معنى متصورة في كل منها ومنه (قوله: هو المصدر) خبر أن (قوله: أو الفعل فافهم) لعله اشارة إلى وجوب حمل كلامهم على ما ذكر بقرينة دعوى الكوفيين ان الفعل هو الاصل إذ لا يراد منه أن الفعل مادة للمشتقات بالمعنى الحقيقي " ثم " ان الموجود في بعض النسخ الضرب على لفظة: وهو أولى (قوله: الدفعة والدفعات) الفرق بين الدفعة والفرد أن الدفعة تصدق على الافراد المتعددة الموجودة في وقت واحد ولا يصدق عليها أنها فرد واحد، وأن الفرد الموجود تدريجا مثل الكلام الممتد المتصل فرد واحد وليس دفعة فبينهما عموم من وجه كما بين الافراد والدفعات ايضا (قوله: والتحقيق أن يقعا) الذي استظهره في الفصول أن النزاع

١٨٣

وان كان لفظهما ظاهرا في المعنى الاول (وتوهم) أنه لو أريد بالمرة الفرد لكان الانسب بل اللازم أن يجعل هذا المبحث تتمة للمبحث الآتي من أن الامر هل يتعلق بالطبيعة أو بالفرد ؟ فيقال عند ذلك: وعلى تقدير تعلقه بالفرد هل يقتضي التعلق بالفرد الواحد أو المتعدد أو لا يقتضي شيئا منهما ؟ ولم يحتج إلى إفراد كل منهما بالبحث - كما فعلوه - وأما لو أريد بها الدفعة فلا علقة بين المسألتين كما لا يخفى (فاسد) لعدم العلقة بينهما لو أريد بها الفرد أيضا فان الطلب - على القول بالطبيعة - إنما يتعلق بها باعتبار وجودها في الخارج ضرورة أن الطبيعة من حيث هي

______________________________

*

فيهما بالمعنى الاول، ونسب إلى القوانين كونه فيهما بالمعنى الثاني، والظاهر ان مراد المصنف (ره) امكان كون النزاع فيهما بالمعنيين لا تحقق النزاع فيهما بهما معا إذ ليس له وجه ظاهر (قوله: وان كان لفظهما) هذا من القرائن التي اعتمد عليها في الفصول لاثبات ما استظهره (قوله: وتوهم انه لو أريد) هذا التوهم للفصول والباعث له عليه ظهور لفظ الفرد المذكور في المسألتين بمعنى واحد وهو ما يقابل الطبيعة (قوله: فاسد لعدم العلقة) حاصله أن المراد بالفرد هنا غير المراد به في تلك المسألة إذ المراد به في تلك المسألة ما يتقوم بالخصوصية المميزة له عن بقية الافراد والمراد به هنا الوجود الواحد للمأمور به فان كان المأمور به هو الطبيعة يقع النزاع في أن صيغة الامر تدل على وجوب وجود واحد للطبيعة أو وجود متعدد لها أو مطلق وجودها فيتأتى النزاع على القول بتعلق الامر بالطبيعة بعين ما يتأتى به على القول بتعلقه بالفرد، والقرينة على إرادة هذا المعنى من الفرد جعله في قبال الدفعة (قوله: باعتبار وجودها) هذا ذكره المصنف (رحمه الله) تمهيدا لتأتي النزاع على القولين لا ردا على الفصول إذ لم يتوهم خلافه في الفصول كما يشهد به دعواه تأتي النزاع على القولين بناء على كون المراد الدفعة إذ لا يخفى أن القائل بالطبيعة لو كان مراده الطبيعة من حيث هي لا معنى لتأتى النزاع في المقام بكل معنى (قوله: ضرورة ان الطبيعة من) قد يقال: الماهية

١٨٤

ليست الا هي لا مطلوبة ولا غير مطلوبة، وبهذا الاعتبار كانت مرددة بين المرة والتكرار بكلا المعنيين فيصح النزاع في دلالة الصيغة على المرة والتكرار بالمعنيين وعدمها، أما بالمعنى الاول فواضح، وأما بالمعنى الثاني فلوضوح أن المراد من الفرد أو الافراد وجود واحد أو وجودات، وإنما عبر بالفرد لان وجود الطبيعة في الخارج هو الفرد غاية الامر خصوصيته وتشخصه - على القول بتعلق الامر بالطبايع - يلازم المطلوب وخارج عنه بخلاف القول بتعلقه بالافراد فانه مما يقومه (تنبيه) لا إشكال - بناء على القول بالمرة - في الامتثال وأنه لا مجال للاتيان بالمأمور به ثانيا على أن يكون أيضا به الامتثال فانه من الامتثال بعد الامتثال (وأما) على المختار من دلالته على طلب الطبيعة من دون دلالة على المرة ولا على التكرار فلا يخلو الحال إما أن لا يكون هناك إطلاق الصيغة في مقام البيان بل في مقام الاهمال أو الاجمال

______________________________

من حيث هي ليست الا هي، ويراد منه معنى أن كل ما هو خارج عنها فليس هو هي لا عينها ولا جزؤها، وبهذا المعنى يقال: الماهية من حيث هي لا موجودة ولا معدومة ولا واحد ولا كثير ولا غيرها، وقد يقال ذلك بمعنى أن الخارج عنها ليس عارضا لها بما هي هي بل بشرط الوجود، ويختص النفي بعوارض الوجود كالكتابة والحركة وبهذا المعنى يقال: الماهية من حيث هي لا كاتبة ولا متحركة ولا لا كاتبة ولا لا متحركة، فان الكتابة لما كانت في الرتبة اللاحقة للوجود كان نقيضها هو العدم في الرتبة اللاحقة له أيضا لوحدة رتبة النقيضين فجاز ارتفاع النقيضين في غير تلك الرتبة وحيث أن الطلب ليس من عوارض الماهية من حيث هي بل بشرط الوجود صح أن يقال: الماهية من حيث هي لا مطلوبة ولا لا مطلوبة فتأمل (قوله: وبهذا الاعتبار) أي اعتبار الوجود (قوله: في الامتثال) يعني يتحقق بالمرة (قوله: من الامتثال بعد الامتثال) يعني وهو ممتنع لان الامتثال فعل المأمور به وبالامتثال الاول يسقط الامر فلا يكون فعله ثانيا امتثالا وسيجئ له

١٨٥

فالمرجع هو الاصل، وإما أن يكون اطلاقها في ذاك المقام فلا اشكال في الاكتفاء بالمرة في الامتثال، وإنما الاشكال في جواز ان لا يقتصر عليها فان لازم اطلاق الطبيعة المأمور بها هو الاتيان بها مرة أو مرارا لا لزوم الاقتصار على المرة كما لا يخفى (والتحقيق) أن قضية الاطلاق انما هو جواز الاتيان بها مرة في ضمن فرد أو افراد فيكون ايجادها في ضمنها نحوا من الامتثال كايجادها في ضمن الواحد لا جواز الاتيان بها مرة ومرات فانه مع الاتيان بها مرة لا محالة يحصل الامتثال ويسقط به الامر فيما إذا كان امتثال الامر علة تامة لحصول الغرض الاقصى بحيث يحصل بمجرده فلا يبقى معه مجال لاتيانه ثانيا بداعي امتثال آخر أو بداعي أن يكون الاتيانان امتثالا واحدا لما عرفت من حصول الموافقة باتيانها وسقوط الغرض معها وسقوط الامر بسقوطه فلا يبقى مجال لامتثاله أصلا، وأما إذا لم يكن الامتثال علة تامة لحصول الغرض

______________________________

تتمة (قوله: فالمرجع هو الاصل) يعني الاصل العملي فلو تردد الامر بين الطبيعة والتكرار فالاصل البراءة عن وجوب الزائد على المرة مع تعدد الوجود أما مع اتصاله - بناء على تحقق التكرار به - فاستصحاب الوجوب هو المرجع، ولو تردد بين الطبيعة والمرة فلا أثر للشك، ولو تردد بين المرة والتكرار والطبيعة فالحكم كما لو تردد بين الطبيعة والتكرار، وكذا لو تردد بين المرة والتكرار، وربما يختلف الاصل باختلاف تفسير المرة من حيث كونها لا بشرط أو بشرط لا فلاحظ (قوله: في ذاك المقام) أي في مقام البيان (قوله: في الاكتفاء بالمرة) لصدق الطبيعة على المرة (قوله: في جواز ان لا يقتصر) يعني في جواز الاتيان ثانيا بقصد امتثال الامر لا مجرد الاتيان ثانيا بلا قصد الامر فانه لا ريب في جوازه (قوله: أو مرارا) فيجوز الاتيان ثانيا وثالثا بقصد الامتثال (قوله: فرد أو أفراد) يعني افرادا دفعية (قوله: فانه مع الاتيان بها) هذا تعليل لعدم كون مقتضى الاطلاق جواز الاتيان زائدا على المرة، ومرجعه إلى ابداء المانع العقلي عن ثبوت

١٨٦

كما إذا أمر بالماء ليشرب أو يتوضأ فأتى به ولم يشرب أو لم يتوضأ فعلا فلا يبعد صحة تبديل الامتثال باتيان فرد آخر أحسن منه بل مطلقا كما كان له ذلك قبله على ما يأتي بيانه في الاجزاء (المبحث التاسع) الحق انه لا دلالة للصيغة

______________________________

اطلاق المذكور لان الوجود الاول إذا كان علة تامة لسقوط الغرض كان علة تامة لسقوط الامر ايضا فيمتنع كون الوجود اللاحق موضوعا للامر كي يجوز الاتيان به بقصد امتثال الامر، وإذا امتنع كون الاتيان الثاني موضوعا للامر امتنع ان يكون اطلاق الصيغة شاملا للمرة والمرات " أقول ": يمكن منع الاطلاق المذكور مع قطع النظر عن المانع العقلي وذلك لان اطلاق المادة يقتضي أن يكون المراد بها صرف الوجود الصادق على القليل والكثير وهو لا ينطبق على الوجود اللاحق فانه وجود بعد وجود لا صرف الوجود الذي هو بمعنى خرق العدم فتأمل، وأما المانع الذي ذكره فهو يتوقف على امتناع التخيير بين الاقل والاكثر بكل وجه، وسيأتي الكلام فيه (قوله: كما إذا امر بالماء ليشرب) الغرض من الامر باحضار الماء: تارة يكون مجرد تمكن الآمر من شربه ولا ريب في حصوله بمجرد احضاره، واخرى يكون هو الشرب الفعلي فيشكل الامتثال ثانيا من جهة امتناع بقاء الامر مع حصول موضوعه الذي هو صرف الاحضار، فلا بد اما من الالتزام بأن موضوع الامر ليس مطلق الاحضار بل الاحضار المترتب عليه الشرب، والباعث على هذا الالتزام لزوم المساواة عقلا بين الغرض وموضوع الامر سعة وضيقا لامتناع التفكيك بينهما، وعليه فلا يتعين الاحضار الحاصل لان يكون مأمورا به الا بعد ترتب الغرض عليه، ولازمه ان المكلف في مقام الامتثال انما يأتي بالاحضار الاول رجاء كونه مأمورا به لا بقصد ذلك، وحينئذ فللمكلف الاتيان ثانيا وثالثا بهذا القصد بعينه ولا يكون فرق بين الوجود الاول وبقية الوجودات اللاحقة في كيفية الامتثال لكن لازم ذلك القول بالمقدمة الموصلة، واما من الالتزام بأن الغرض كما يبعث إلى الامر اولا بالاحضار يبعث ثانيا إلى صرف الاحضار المنطبق على بقاء الفرد الاول واحضار فرد آخر إذ لا يتعين للدخل في

١٨٧

لا على الفور ولا على التراخي (نعم) قضية إطلاقها جواز التراخي والدليل عليه تبادر طلب ايجاد الطبيعة منها بلا دلالة على تقيدها باحدهما فلا بد في التقييد من دلالة أخرى كما ادعي دلالة غير واحد من الآيات على الفورية، وفيه منع الضرورة أن سياق آية: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) وكذا آية: (واستبقوا الخيرات) انما هو البعث نحو المسارعة إلى المغفرة والاستباق إلى الخير من دون استتباع تركهما للغضب والشر ضرورة أن تركهما لو كان مستتبعا للغضب والشر كان البعث بالتحذير عنهما أنسب كما لا يخفى " فافهم " مع لزوم كثرة تخصيصه في المستحبات وكثير من الواجبات بل أكثرها فلا بد من حمل الصيغة فيهما على خصوص الندب أو مطلق الطلب ولا يبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق وكان ما ورد من الآيات والروايات في مقام البعث نحوه ارشادا إلى ذلك كالآيات والروايات الواردة في البعث على اصل الاطاعة فيكون الامر فيها لما يترتب على المادة بنفسها ولو لم يكن

______________________________

الغرض الفرد الاول بخصوصه بمجرد وجوده بل كما لم يتعين أولا قبل وجوده لم يتعين بعد وجوده، ولازم ذلك الالتزام باوامر طولية بحسب الزمان مادام الغرض باقيا ويكون المراد من بقاء الامر هذا المعنى لا بقاء الامر الشخصي بحدوده لامتناع بقائه بحصول موضوعه فتأمل جيدا.

الفور والتراخى

(قوله: لا على الفور ولا على) كما هو المشهور وعن الشيخ (ره) وجماعة القول بالفور، وعن السيد (ره) الاشتراك بين الفور والتراخي، وعن آخرين التوقف، والتحقيق الاول ويظهر ذلك بملاحظة ما تقدم في المرة والتكرار (قوله: قضية اطلاقها) يعني اطلاق المادة بالاضافة إلى الزمان (قوله: تبادر طلب) يعني ولو كان الوجه في التبادر مقدمات الاطلاق (قوله: ضرورة ان تركهما) يعني أن ظاهر تعليق المسارعة والاستباق بالمغفرة والخير كون تركهما

١٨٨

هناك أمر بها كما هو الشأن في الاوامر الارشادية " فافهم " (تتمة) بناء على القول بالفور فهل قضية الامر الاتيان فورا ففورا بحيث لو عصى لوجب عليه الاتيان به فورا ايضا في الزمان الثاني أولا ؟ وجهان مبنيان على أن مفاد الصيغة - على هذا القول - هو وحدة المطلوب

______________________________

لا ينافي تحقق المغفرة والخير كما هو الحال في كل فعل متعلق بمفعوله، ولازم ذلك عدم وجوب المسارعة والاستباق والا كان تركهما موجبا للغضب والشر كما هو شأن ترك الواجب وهو خلف، بل كان الانسب حينئذ أن يقال: احذروا من الغضب والشر بالمسارعة والاستباق، لا التعبير بما في الآية، إلا أن يقال: ان الغضب الحاصل بترك المسارعة لا يضاد المغفرة التي هي موضوع المسارعة فوجوب المسارعة لا ينافي كون تركها لا يؤدي إلى الغضب بل إلى المغفرة، وكذا الحال في الآية الاخرى، ولكن هذا لو سلم لا ينافي ظهور السياق فيما ذكره المصنف (ره) فتأمل جيدا (والاولى) أن يقال: المغفرة في الآية الاولى يراد منها سببها وهو الاطاعة وكما يمتنع اخذ الاطاعة قيدا للواجب الشرعي يمتنع أخذ المسارعة إليها كذلك وكما أن الامر بالاطاعة ارشادي كذلك الامر بالمسارعة فيها، مع أن الآية على تقدير دلالتها على وجوب المسارعة لا تدل على تقييد الواجب بالفورية بل هي على خلاف ذلك أدل لان مادة المسارعة إلى الشئ إنما تكون فيما هو موسع كما لا يخفى، وكذا الحال في الآية الاخرى على تقدير كون المراد من الخيرات الخيرات الاخروية كما هو الظاهر، ولعله إلى بعض ما ذكرنا اشار بقوله: فافهم (قوله: الارشادية فافهم) لعله اشارة إلى لزوم الالتزام به لما عرفت، (قوله: فهل قضية الامر) ينبغي ان يجعل الاحتمال ثلاثي الاطراف فيقال: هل ظاهر الامر الاتيان به فورا فلو تركه عصى وسقط الامر أو الاتيان به فورا على نحو لو تركه في الزمان الاول عصى في ترك الفورية وبقي الامر بصرف الطبيعة أو الاتيان به فورا ففورا فلو تركه في الزمان الاول عصى ووجب الاتيان به بعد ذلك

١٨٩

أو تعدده ولا يخفى أنه لو قيل بدلالتها على الفورية لما كان لها دلالة على نحو المطلوب من وحدته أو تعدده فتدبر جيدا

الفصل الثالث

الاتيان بالمأمور به على وجهه يقتضى الاجزاء في الجملة بلا شبهة، وقبل الخوض في تفصيل المقام وبيان النقض والابرام ينبغي تقديم أمور (أحدها) الظاهر ان المراد من (وجهه) في العنوان هو النهج الذى ينبغي أن يؤتى به على ذاك النهج شرعا

______________________________

فورا أيضا... وهكذا، ومبنى الاحتمال الاول ان الفورية في الزمان الاول مقومة لاصل المصلحة فتفوت بفوتها وهذا هو المراد من وحدة المطلوب، ومبنى الثاني ان يكون مصلحتان احداهما قائمة بذات الفعل مطلقا والاخرى قائمة بالفورية في الزمان الاول لا غير، ومبنى الثالث كذلك الا ان مصلحة الفورية ذات مراتب مختلفة يكون ترك الفورية في كل زمان مفوتا لمرتبة من مصلحتها لا لاصلها كما هو مبنى الثاني (قوله: أو تعدده) قد عرفت ان تعدده على نحوين يكونان مبنيين لاحتمالين (قوله: لو قيل بدلالتها على) اما لو كان الدليل على الفورية غير الصيغة فيختلف باختلاف تلك الادلة، وفي المعالم بنى القول بالسقوط على الاستناد لغير الآيتين والقول بعدمه على الاستناد اليهما، ولا يخلو من تأمل ليس هذا محل ذكره والله سبحانه اعلم، ثم انه حيث كان اطلاق يعتمد عليه في نفي الفور والتراخي فلا اشكال واما إذا لم يكن اطلاق كذلك فالمرجع الاصل فلو كان التردد بين الفور والتراخي فالواجب الجمع بين الوظيفتين للعلم الاجمالي بالتكليف باحدهما، ولو كان بين الفور والطبيعة فالمرجع اصل البراءة لو كان وجوب الفورية على نحو تعدد المطلوب ولو كان بنحو وحدة المطلوب فالحكم هو الحكم مع الشك بين الاقل والاكثر، وكذا الحكم لو كان التردد بين الطبيعة والتراخي والله سبحانه أعلم

١٩٠

وعقلا مثل أن يؤتى به بقصد التقرب في العبادة، لا خصوص الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعا فانه عليه يكون (على وجهه) قيدا - توضيحيا - وهو بعيد - مع أنه يلزم خروج التعبديات عن حريم النزاع بناء على المختار كما تقدم من ان قصد القربة من كيفيات الاطاعة عقلا لا من قيود المأمور به شرعا، ولا الوجه المعتبر عند بعض الاصحاب فانه - مع عدم اعتباره عند المعظم، وعدم اعتباره عند من اعتبره إلا في خصوص العبادات لا مطلق الواجبات، لا وجه لاختصاصه به بالذكر على تقدير الاعتبار فلا بد من ارادة ما يندرج فيه من المعنى وهو ما ذكرناه كما لا يخفى

______________________________

الكلام في الاجزاء

(قوله: مثل ان يؤتى به) بيان للنهج اللازم عقلا بناء على خروج قصد التقرب عن موضوع الامر (قوله: لا خصوص) معطوف على النهج وفيه تعريض بما قد يظهر من عبارة التقريرات فتأملها (قوله: قيدا توضيحيا) لان ذكر المأمور به يغني عنه ثم إن كون القيد توضيحيا لازم للقائلين بأن قصد التقرب داخل في المأمور به (قوله: مع انه يلزم خروج) إذ لا إشكال في عدم الاجزاء لو كان المأمور به في العبادات فاقدا لقصد التقرب وان كان واجدا لجميع ما يعتبر فيه شرعا (قوله: بناء على المختار) أما على القول بكون قصد التقرب قيدا للمأمور به فهي داخلة في محل النزاع لدخولها في العنوان ويكون عدم الاجزاء مع فقد التقرب لعدم الاتيان بالمأمور به شرعا (قوله: ولا الوجه المعتبر) يعني الوجوب والندب (قوله: عند المعظم) فلا وجه لذكره في العنوان في كلام المعظم إلا أن يكون المقصود من ذكره الاحتياط في ذكر القيود لكنه بعيد (قوله: لا مطلق الواجبات) فلا وجه لاخذه قيدا في دعوى الاجزاء مطلقا (قوله: لاختصاصه) يعني من دون سائر القيود المعتبرة في الاطاعة مثل التقرب والتمييز إلا أن يدعى الاكتفاء به عنهما على بعض

١٩١

(ثانيها) الظاهر ان المراد من الاقتضاء ههنا الاقتضاء بنحو العلية والتأثير لا بنحو الكشف والدلالة، ولذا نسب إلى الاتيان لا إلى الصيغة (ان قلت): هذا إنما يكون كذلك بالنسبة إلى أمره وأما بالنسبة إلى أمر آخر كالاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري أو الظاهرى بالنسبة إلى الامر الواقعي فالنزاع في الحقيقة في دلالة دليلهما على اعتباره بنحو يفيد الاجزاء أو بنحو آخر لا يفيده (قلت): نعم لكنه لا ينافى كون النزاع فيها كان في الاقتضاء بالمعنى المتقدم غايته ان العمدة في سبب الاختلاف فيهما انما هو الخلاف في دلالة دليلهما هل انه على نحو يستقل العقل بان الاتيان به موجب للاجزاء ويؤثر فيه وعدم دلالته، ويكون النزاع فيه صغرويا أيضا بخلافه في الاجزاء بالاضافة إلى أمره فانه لا يكون الا كبرويا لو كان هناك نزاع

______________________________

التقادير فتأمل (قوله: المراد من الاقتضاء ههنا) الواقع في القوانين والفصول وغيرهما في تحرير العنوان قولهم: الامر بالشئ هل يقتضي الاجزاء أولا ؟، وحيث أن ظاهر الاقتضاء فيه الكشف والدلالة كما في قولهم: الامر يقتضي الوجوب، والنهي يقتضي التحريم، نبه المصنف (ره) على ان الاقتضاء في العنوان المذكور في المتن ليس بمعنى الكشف والدلالة بل بمعنى العلية والتأثير كما في قولهم: الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده، والوجه في ذلك نسبة الاقتضاء في عنوان المتن إلى الاتيان وفي عنوان غيره إلى الامر وحيث أنه لا معنى لتأثير الامر في الاجزاء وجب حمله على الدلالة يعني يدل الامر على أن موضوعه واف بتمام المصلحة بخلاف الاتيان فان تأثيره في الاجزاء ظاهر إذ لولا كونه علة لحصول الغرض لما كان مامورا به (قوله: هذا إنما يكون) يعني أن حمل الاقتضاء على العلية إنما يصح بالاضافة إلى نفس الامر المتعلق بالماتي فان إجزاءه يلازم سقوط امره لا بالنسبة إلى الامر المتعلق بغيره إذ النزاع في الحقيقة يكون في دلالة الدليل فالاقتضاء فيه بمعنى الدلالة (قوله: نعم) يعني كما ذكرت من أن النزاع في دلالة الدليل (قوله: صغرويا) صورة القياس في المقام هكذا: المأمور به

١٩٢

كما نقل عن بعض (فافهم) (ثالثها) الظاهر ان الاجزاء ههنا بمعناه لغة وهو الكفاية وان كان يختلف ما يكفى عنه فان الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي يكفى فيسقط به التعبد به ثانيا، وبالامر الاضطراري أو الظاهرى الجعلي فيسقط به القضاء لا انه يكون ههنا اصطلاحا بمعنى اسقاط التعبد أو القضاء فانه بعيد جدا

______________________________

*

بالامر الاضطراري مأمور به بالامر الواقعي - ولو تنزيلا - والمامور به بالامر الواقعي يقتضي الاجزاء، ينتج: المأمور به بالامر الاضطراري يقتضي الاجزاء. والنزاع في هذه المسألة بالنسبة إلى الامر الواقعي في الكبرى وبالنسبة إلى الامر الاضطراري في الصغرى بالنسبة إلى الامر الواقعي، وفي الكبرى بالنسبة إلى أمر نفسه والمحكم في الكبرى مطلقا العقل والمحكم في الصغرى الدليل الشرعي فإذا كان الاقتضاء في الكبرى بمعنى العلية كان في النتيجة كذلك، ومنه يظهر أن إثبات الاجزاء في الفعل الاضطراري والظاهري بالنسبة إلى الامر الواقعي يتوقف على إثبات الصغرى والكبرى معا، وفي الفعل الواقعي على اثبات نفس الكبرى لانه عينها (قوله: فافهم) يمكن ان يكون اشارة إلى ان النزاع في مثل هذه الصغرى ليس نزاعا في المسألة الاصولية لان شأن المسائل الاصولية تنقيح الكبريات وأما الصغريات فوضيفة الفقيه، ولذا لم يتعرض في هذا المبحث لصغريات الافعال الاضطرارية والظاهرية تفصيلا فلاحظ (قوله: الظاهر ان الاجزاء) قد تضمنت جملة من العبارات كون الاجزاء له معنيان (احدهما) إسقاط التعبد بالفعل ثانيا (وثانيهما) إسقاط القضاء، وأن المراد هنا أي المعنيين ؟ وقد دفع المصنف (ره) ذلك - تبعا للتقريرات - بان لفظ الاجزاء لم يستعمل في المقام إلا بمعناه اللغوي وهو الكفاية غاية الامر أن ما يكفي عند الماتي به تارة يكون هو التعبد به ثانيا فيكون مسقطا للتعبد به واخرى الامر به قضاء فيكون مسقطا للقضاء لا أن له معنى اصطلاحيا ليتردد في أنه إسقاط التعبد أو إسقاط القضاء (قوله: يكفي فيسقط) يعنى يكفي في حصول الغرض فلا يحتاج إلى التعبد به ثانيا لتحصيله (قوله: فيسقط به) يعنى يكفي أيضا في حصول

١٩٣

(رابعها) الفرق بين هذه المسألة ومسألة المرة والتكرار لا يكاد يخفى، فان البحث ههنا في ان الاتيان بما هو المأمور به يجزئ عقلا بخلافه في تلك المسألة فانه في تعيين ما هو المأمور به شرعا بحسب دلالة الصيغة بنفسها أو بدلالة اخرى (نعم) كان التكرار عملا موافقا لعدم الاجزاء لكنه لا بملاكه، وهكذا الفرق بينها وبين مسألة تبعية القضاء للاداء فان البحث في تلك المسألة في دلالة الصيغة على التبعية وعدمها بخلاف هذه المسألة فانه كما عرفت في ان الاتيان بالمأمور يجزئ عقلا عن اتيانه ثانيا اداء أو

______________________________

*

الغرض فلا يثبت الامر بالقضاء ثم إن إجزاء المأمور به الواقعي لما كان بلحاظ الامر به ناسب التعبير باسقاط التعبد به ثانيا وإجزاء المأمور به بالامر الاضطراري والظاهري لما كان بلحاظ الامر به قضاء ناسب التعبير باسقاط القضاء (قوله: الفرق بين هذه) قد يتوهم أن القول بالمرة قول بالاجزاء والقول بالتكرار قول بعدم الاجزاء (قوله: بما هو المأمور به) يعني بعد الفراغ عن تعيين تمام المأمور به (قوله: فانه في تعيين) وحينئذ فيكون النزاع في الاجزاء مترتبا على النزاع في المرة والتكرار لا أن النزاع فيهما نزاع في الموضوع والنزاع فيه نزاع في الحكم (قوله: بحسب دلالة) يعني فيكون النزاع في أمر لفظي (قوله: عملا) متعلق بقوله: موافقا، يعني هما من حيث العمل سواء لكنه موقوف على أن المراد بالتكرار فعل كل فرد ممكن بعد آخر أما لو كان المراد ما يشمل تكرار الصلاة اليومية وصوم رمضان كما يقتضيه استدلال بعضهم فلا ملازمة بينهما عملا ثم إن هذا بالنسبة إلى أمره أما بالنسبة إلى أمر غيره فلا مجال للتوهم ولا للموافقة عملا (قوله: لا بملاكه) إذ ملاك عدم الاجزاء عدم وفاء المأمور به بالغرض المقصود منه وملاك التكرار عدم حصول تمام المأمور به (قوله: وهكذا الفرق) يعني قد يتوهم أن القول بعدم الاجزاء عين القول بتبعية القضاء للاداء، والقول بالاجزاء قول بعدم تبعية القضاء للاداء (قوله: فان البحث حينئذ) يعني أن البحث في تبعية القضاء للاداء بحث في ان الامر بشئ في وقت

١٩٤

قضاء أولا يجزئ فلا علقة بين المسألة والمسئلتين اصلا (إذا) عرفت هذه الامور فتحقيق المقام يستدعي البحث والكلام في موضعين (الاول) أن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي بل بالامر الاضطراري أو الظاهري أيضا يجزئ عن التعبد به ثانيا، لاستقلال العقل بانه لا مجال مع موافقة الامر باتيان المأمور به على وجهه لاقتضائه التعبد به ثانيا. نعم لا يبعد ان يقال بأنه يكون للعبد تبديل الامتثال والتعبد به ثانيا بدلا عن التعبد به أولا لا منضما إليه كما اشرنا إليه في المسألة السابقة، وذلك فيما علم ان مجرد امتثاله لا يكون علة تامة لحصول الغرض وان كان وافيا به لو اكتفى

______________________________

*

هل يدل على لزوم فعله في خارج الوقت على تقدير عدم الاتيان به في الوقت بحيث يرجع إلى الامر به مطلقا لكونه في الوقت أولا يدل ؟ فيكون النزاع في تعيين المأمور به من حيث دلالة الامر، وأين هو من النزاع في المسألة ؟ (قوله: فلا علقة بين) أولا من جهة أن إحداهما متضمنة لتعيين نفس المأمور به والاخرى متضمنة لتعيين مقتضاه (وثانيا) من جهة أن النزاع في إحداهما لفظي وفى الاخرى عقلي " وثالثا " من جهة ان القول بعدم الاجزاء انما في ظرف الاتيان بالمأمور به والقول بالتبعية انما هو في ظرف عدم الاتيان به (قوله: بالامر الاضطراري) يعني بالاضافة إلى أمره (قوله: أو الظاهري) يعني بالاضافة إلى أمره (قوله: لاستقلال العقل بأنه) قد عرفت أن الامر الحقيقي لابد ان يكون حاكيا عن الارادة وأن الارادة حدوثا وبقاء تتوقف على العلم بالمصلحة المعبر عنها بالداعي تارة وبالغرض أخرى فالماتي به في الخارج إما أن لا يترتب عليه الغرض فلا يكون مامورا به فهو خلف أو يترتب عليه الغرض فبقاء الامر حينئذ إن كان بلا غرض فهو مستحيل كما عرفت وان كان عن غرض آخر غير الغرض الحاصل من الماتي به أولا فيلزمه أن يكون المأمور به فردين في الخارج يترتب على كل منهما غرض خاص فيكون الامر منحلا إلى أمرين يسقط كل منهما بالاتيان بمتعلقه وهو عين الاجزاء المدعى غاية الامر أنه لا يكون فعل أحدهما مسقطا لامر الآخر ومجزئا عنه ولكنه غير محل الكلام إذ الكلام - كما عرفت - في أن فعل المأمور به مجزئ عن الامر به ثانيا (قوله: لا منضما إليه)

١٩٥

به كما إذا اتى بماء امر به مولاه ليشربه فلم يشربه بعد فان الامر بحقيقته وملاكه لم يسقط بعد ولذا لو اهرق الماء واطلع عليه العبد وجب عليه اتيانه ثانيا كما لم يأت به أولا ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي إليه والا لما اوجب حدوثه فحينئذ يكون له الاتيان بماء آخر موافق للامر كما كان له قبل اتيانه الاول بدلا عنه. نعم فيما كان الاتيان علة تامة لحصول الغرض فلا يبقى موقع التبديل كما إذا أمر باهراق الماء في فمه لرفع عطشه فاهرقه، بل لو لم يعلم أنه من أي القبيل فله التبديل باحتمال ان لا يكون علة فله إليه السبيل، ويؤيد ذلك بل يدل عليه ما ورد من الروايات في باب اعادة من صلى فرادى جماعة وان الله تعالى يختار احبهما إليه (الموضع الثاني) وفيه مقامان (المقام الاول) في ان الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري هل يجزئ عن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي ثانيا بعد رفع الاضطرار في الوقت اعادة وفى خارجه قضاء أولا يجزئ ؟ تحقيق الكلام فيه يستدعي التكلم فيه (تارة) في بيان ما يمكن ان يقع عليه الامر الاضطراري من الانحاء وبيان ما هو قضية كل منها من الاجزاء وعدمه (وأخرى) في تعيين ما وقع عليه فاعلم انه يمكن

______________________________

*

قد يمكن أن يكون منضما إليه كما في الافراد الدفعية التى تكون امتثالا واحدا لعدم المرجح. فتأمل (قوله: وجب عليه) يعني بعين وجوبه أولا كما تقدم الكلام فيه (قوله: بدلا عنه) قد عرفت أنه يمكن أن يكون منضما إليه (قوله: فلا يبقى موقع) إذ الثاني مما يعلم بعدم ترتب الاثر عليه (قوله: ما ورد من الروايات) كرواية أبي بصير قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أصلي ثم أدخل المسجد فتقام الصلاة وقد صليت فقال (عليه السلام): صل معهم يختار الله أحبهما إليه، ورواية هشام عنه (عليه السلام): في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة قال (عليه السلام): يصلي معهم ويجعلها الفريضة انشاء الله، ونحوها رواية حفص، وفي مرسلة الصدوق: يحسب له أفضلهما وأتمهما

١٩٦

ان يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار كالتكليف الاختياري في حال الاختيار وافيا بتمام المصلحة وكافيا فيما هو المهم والغرض ويمكن ان لا يكون وافيا به كذلك بل يبقى منه شئ امكن استيفاؤه أو لا يمكن، وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه أو يكون بمقدار يستحب، ولا يخفى انه ان كان وافيا به فيجزئ فلا يبقى مجال اصلا للتدارك لا قضاء ولا اعادة، وكذا لو لم يكن وافيا ولكن لا يمكن تداركه ولا يكاد يسوغ له البدار في هذه الصورة الا لمصلحة كانت فيه لما فيه من نقض الغرض وتفويت مقدار من المصلحة لولا مراعاة ما هو فيه من الاهم فافهم

______________________________

الامر الاضطراري

(قوله: ان يكون التكليف) يعني موضوعه (قوله: كالتكليف الاختياري) يعني كموضوعه (قوله: وما أمكن كان) يعني أن المقدار الباقي من المصلحة الذي يمكن استيفاؤه قسمان فانه تارة يكون واجب التدارك وأخرى يكون مستحب التدارك (أقول): ما لا يمكن استيفاؤه ايضا قسمان تارة يكون محرم التفويت وأخرى لا يكون كذلك فالاقسام خمسة وإنما لم يتعرض للقسمين المذكورين لعدم اختلافهما في الاجزاء وإن كانا يختلفان في جواز البدار وعدمه (قوله: ولا يخفى) شروع في حكم الاقسام من حيث الاجزاء (قوله: اصلا للتدارك) لان التدارك إنما يكون في ظرف الفوت والمفروض عدمه (قوله: ولا يكاد يسوغ) يعني حيث يكون الفائت مما يحرم تفويته أما إذا لم يكن فلا تحريم للبدار كما أن نسبة التحريم إلى البدار لا تخلو من مسامحة إذ المحرم هو تفويت ذلك المقدار والبدار ليس تفويتا ولا مقدمة له وإنما هو ملازم له فلا ينسب إليه التحريم إلا بالعرض والمجاز ولذا لم تفسد العبادة، ولعله إلى هذا اشار بقوله: فافهم (قوله: إلا لمصلحة) يعني إذا كانت مصلحة في البدار تصلح لمزاحمة المقدار الفائت لم يحرم التفويت الملازم للبدار حينئذ (قوله: لما فيه من)

١٩٧

(لا يقال): عليه فلا مجال لتشريعه ولو بشرط الانتظار لامكان استيفاء الغرض بالقضاء (فانه يقال): هذا كذلك لولا المزاحمة بمصلحة الوقت، وأما تسويغ البدار أو ايجاب الانتظار في الصورة الاولى فيدور مدار كون العمل بمجرد الاضطرار مطلقا أو بشرط الانتظار أو مع اليأس عن طرؤ الاختيار ذا مصلحة ووافيا بالغرض، وان لم يكن وافيا وقد امكن تدارك الباقي في الوقت أو مطلقا ولو بالقضاء خارج

______________________________

تعليل لعدم جواز البدار لكن عرفت أن البدار لا تفويت فيه لغرض المولى وإنما هو يلازم التفويت (قوله: فلا مجال لتشريعه) يعني إذا كان البدل الاضطراري غير واف بمصلحة المبدل الاختياري كيف جاز تشريعه ولو في آخر الوقت ؟ لان في تشريعه تفويتا للمصلحة (قوله: هذا كذلك) (أقول): تشريع الاضطراري إنما جاز لاشتماله على المصلحة مع عدم كونه مقدمة للتفويت فالمنع عن تشريعه غير ظاهر الوجه الا ان يكون المراد من تشريعه الامر بفعله في الوقت أو الاذن كذلك الملازمين للاذن في التفويت (قوله: لولا المزاحمة) يعنى انما يكون تفويت التشريع ممنوعا عنه حيث يؤدي إلى تفويت المصلحة مع عدم مزاحمتها بمصلحة أخرى وإلا فلو فرض كون خصوصية الفعل في الوقت مشتملة على مصلحة تزاحم المقدار الفائت لم يكن مانع عن تشريعه كما تقدم مثل ذلك في جواز البدار ثم إنه حيث كان في خصوصية الوقت مصلحة يتدارك بها ما يفوت جاز البدار أول الوقت إذا علم الاضطرار في تمام الوقت ولا موجب للانتظار فتأمل (قوله: في الصورة الاولى) وهي ما كان الاضطراري فيها وافيا بتمام المصلحة (قوله: الاضطرار مطلقا) وعليه يجوز البدار مطلقا (قوله: أو بشرط الانتظار) وعليه فلا يجوز البدار (قوله: أو مع اليأس) فلا يجوز البدار الا مع اليأس ثم إن هذه الاقسام لا تختص بالصورة الاولى بل تجري في الثانية أيضا إذ قد تكون خصوصية الوقت مطلقا ذات مصلحة تزاحم المقدار الفائت. وقد تكون بشرط الانتظار، وقد تكون بشرط اليأس وقد يكون بغير ذلك فيتبع كلا حكمه (قوله: وان لم يكن وافيا)

١٩٨

الوقت فان كان الباقي مما يجب تداركه فلا يجزئ فلا بد من ايجاب الاعادة أو القضاء وإلا فاستحبابه ولا مانع عن البدار في الصورتين غاية الامر يتخير في الصورة الاولى بين البدار والاتيان بعملين العمل الاضطراري في هذا الحال والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار أو الانتظار والاقتصار باتيان ما هو تكليف المختار، وفي الصورة الثانية يتعين عليه استحباب البدار واعادته بعد طروء الاختيار. هذا كله فيما يمكن أن يقع عليه الاضطراري من الانحاء، وأما ما وقع عليه فظاهر إطلاق دليله مثل قوله تعالى: (فان لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) وقوله (عليه السلام): (التراب أحد الطهورين ويكفيك عشر سنين) هو الاجزاء وعدم وجوب الاعادة أو القضاء ولا بد في ايجاب الاتيان به ثانيا من دلالة دليل بالخصوص (وبالجملة):

______________________________

*

معطوف على قوله: إن كان وافيا (قوله: فلا بد من ايجاب) لاجل تدارك الباقي (قوله: والا فاستحبابه) الظاهر أن أصل العبارة: والا فيجزئ، بمعنى عدم وجوب الاعادة والقضاء وان كان يستحب (قوله: ولا مانع عن) إذ لا تفويت فيهما (قوله: في الصورة الاولى) وهي ما يكون الباقي فيها مما يجب تداركه (قوله: وفى الصورة الثانية) وهي ما كان الباقي فيها مما يستحب تداركه (قوله: استحباب البدار) هذا الاستحباب بنحو الكلية غير ظاهر الوجه إلا أن يستند فيه إلى مثل آيتي المسارعة والاستباق فتأمل (قوله: وأما ما وقع عليه) التعرض لذلك ينبغي أن يكون في الفقه لا هنا إذ ليس لدليله ضابطة كلية فقد يختلف الدليل باختلاف قرينة الحال أو المقال من حيث الدلالة على الوفاء وعدمه وكأن مقصود المصنف (ره) الاشارة إلى ما يكون كالانموذج لادلة البدل الاضطراري (قوله: هو الاجزاء) أما اقصاء ما كان بلسان البدلية مثل: أحد الطهورين، ونحوه فظاهر، فان اطلاق البدلية يقتضي قيام البدل مقام المبدل منه بلحاظ جميع الآثار والخواص فلا بد من أن يفى بما يفي به المبدل من المصلحة بمرتبتها ويترتب عليه الاجزاء " فان قوله ": هذا الاطلاق

١٩٩

وان كان ثابتا الا انه معارض باطلاق دليل المبدل منه فانه يقتضي تعينه في جميع الاحوال ولازمه وجوب حفظ القدرة عليه الكاشف عن عدم وفاء البدل بمصلحته والا جاز تفويت القدرة عليه، وكما يمكن الجمع بينهما برفع اليد عن اطلاق دليل المبدل فيحمل على تعينه في ظرف القدرة عليه جاز رفع اليد عن اطلاق دليل البدل فيحمل على وفائه ببعض مراتب المصلحة التي يفي بها المبدل واذ لا مرجح يرجع إلى الاصل ويسقط الاطلاق عن المرجعية " قلت ": نسبة دليل البدل إلى دليل المبدل منه نسبة الحاكم إلى المحكوم لانه ناظر إليه موسع لموضوعه فيجب تقديمه عليه وجوب تقديم الحاكم على المحكوم. هذا كله بالنظر إلى طبع الكلام نفسه أما بملاحظة كون البدلية في حال الاضطرار فلا يبعد كون مقتضى الجمع العرفي كون البدل من قبيل الميسور للتام ولاجل ذلك نقول: لا يجوز تعجيز النفس اختيارا لانه تفويت للتام، فتأمل جيدا. وأما ما كان بلسان الامر فقد يشكل اطلاقه المقتضي للاجزاء إذ الامر انما يدل على وفاء موضوعه بمصلحة مصححة للامر به أما أنها عين مصلحة المبدل أو بعضها فلا يدل عليه الامر ولا يصلح لنفي وجوب الاعادة أو القضاء. نعم لو كان المتكلم في مقام بيان تمام ما له دخل في حصول الغرض المترتب على الاختياري مع عدم الامر بالاعادة أو القضاء أمكن الحكم بالاجزاء حينئذ اعتمادا على هذا الاطلاق المقامي المقدم على اطلاق دليل المبدل للحكومة، أو كون الامر واردا مورد جعل البدل فيجري فيه ما تقدم، اللهم إلا أن يقال: دليل المبدل ظاهر في التعيين في حال التمكن وعدمه ودليل البدل ظاهر في تعينه في حال عدم التمكن من المبدل وهما متنافيان للعلم بعدم تعينهما معا فيدور الامر (بين) رفع اليد عن ظهور دليل البدل في التعيين ودليل المبدل فيه بالاضافة إلى بعض مراتب المصلحة ولازمه الحكم بتعين المبدل في تحصيل تمام مرتبة الغرض والتخيير بينه وبين البدل في تحصيل بعضها ويترتب عليه عدم الاجزاء (وبين) رفع اليد عن اطلاق دليل المبدل بالاضافة إلى حالتي التمكن وعدمه وحيث أن الثاني أقرب يكون هو المتعين ولازم ذلك اشتراط وجوب المبدل بحال التمكن فيترتب

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

٤ الحكمة ( ٤٠٩ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْقَلْبُ مُصْحَفُ اَلْبَصَرِ أقول : قال ابن أبي الحديد : معنى كلامهعليه‌السلام هذا مثل قول الشاعر :

تخبّرني العينان ما القلب كاتم

و ما جنّ بالبغضاء و النظر الشّزر

أي : كما أن الانسان إذا نظر في المصحف قرأ ما فيه ، كذلك إذا أبصر الانسان صاحبه فإنّه يرى قلبه بوساطة رؤية وجهه ، ثم يعلم ما في قلبه من ودّ و بغض و غيرهما ، كما يعلم برؤية الخط الذي في المصحف ما يدلّ الخطّ عليه ، و قال الشاعر :

إنّ العيون لتبدي في تقلّبها

ما في الضّمائر من ودّ و من حنق(١)

و قال ابن ميثم : أرادعليه‌السلام بالقلب النفس أو الذهن ، و استعار له لفظ المصحف باعتبار أنّ كلّ تصوّر في الذهن اريد التعبير عنه ، فلا بدّ أن يتصوّر حروف العبارة عنه في لوح الخيال ، و الحس البصري يشاهدها من هناك و يقرأها ، فالقلب إذن كالمصحف الذي يشاهدون فيه الحروف و الألفاظ و يقرأونه بالبصر ، فلذلك أضافه إلى البصر(٢) .

و قال بعض المحشّين : أي : إن ما يتناوله البصر يحفظ في القلب كأنّه يكتب فيه .

قلت : و الأظهر كون مرادهعليه‌السلام أنّ البصر لا يبصر إلاّ بعد توجّه القلب ، فالإنسان قد ينظر إلى شي‏ء إلاّ أن قلبه متوجّه إلى غيره ، فلا ينطبع شبحه في

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ٢٠ : ٤٦ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ، شرح نهج البلاغة ٥ : ٤٤١ .

٢٢١

النفس كما يكون مع توجّه القلب ، و حينئذ فكما يحتاج الانسان غالبا لقراءته إلى مصحف كذلك تحتاج العين في إبصارها إلى القلب .

هذا ، و في خطبتهعليه‌السلام الموسومة بالوسيلة : « أيها الناس إنّ للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط فطنة الفهم للمواعظ ممّا يدعو النفس إلى الحذر من الخطأ ، و للنفوس خواط للهوى ، و العقول تزجر و تنهى ، و في التجارب علم مستأنف(١) .

و مرّ في فصل العبادات قولهعليه‌السلام : إنّ للقلوب اقبالا و إدبارا ، فإذا أقبلت فاحملها على النوافل ، و إذا أدبرت فاقتصر بها على الفرائض .

٥ الحكمة ( ٣٨٨ ) و قالعليه‌السلام :

أَلاَ وَ إِنَّ مِنَ اَلْبَلاَءِ اَلْفَاقَةَ وَ أَشَدُّ مِنَ اَلْفَاقَةِ مَرَضُ اَلْبَدَنِ وَ أَشَدُّ مِنْ مَرَضِ اَلْبَدَنِ مَرَضُ اَلْقَلْبِ أَلاَ وَ إِنَّ مِنَ اَلنِّعَمِ سَعَةَ اَلْمَالِ وَ أَفْضَلُ مِنْ سَعَةِ اَلْمَالِ صِحَّةُ اَلْبَدَنِ وَ أَفْضَلُ مِنْ صِحَّةِ اَلْبَدَنِ تَقْوَى اَلْقَلْبِ أقول : و رواه تحف عقول ابن أبي شعبة الحلبي(٢) .

« ألا و إنّ من البلاء الفاقة » عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : كادت الفاقة أن تكون كفرا(٣) .

و عن بزرجمهر : ان كان شي‏ء مثل الموت فالفقر ، بل قيل شرّ من الموت ما يتمنى الموت له(٤) .

____________________

( ١ ) تحف العقول : ٩٦ ط مؤسسة النشر الإسلامي قم .

( ٢ ) تحف العقول : ١٤٠ .

( ٣ ) في كنز العمال للمتقي الهندي ٦ : ٤٩٢ ح ٦٦٨٢ بلفظ : « كاد الفقر أن يكون كفرا » كما أورده السيوطي في الدر المنثور ٦ : ٤٢ .

( ٤ ) أدب الدنيا و الدين للماوردي : ٢١٤ .

٢٢٢

« و أشد من الفاقة مرض البدن » في ( كامل المبرد ) : قيل لخريم المرّي : ما النعمة ؟ قال : الأمن ، فليس لخائف عيش ، و الغنى ، فليس لفقير عيش ، و الصحة ، فليس لسقيم عيش قيل : ثم ما ذا ؟ قال : لا مزيد بعد هذا(١) .

و في ( الطبري ) : و في سنة ( ٢٨٧ ) إنصرف أبو أحمد بن المتوكل من الجبل إلى العراق و قد اشتدّ به وجع النقرس حتى لم يقدر على الركوب ، فاتّخذ له سرير عليه قبّة ، فكان يقعد عليه و معه خادم يبرد رجله بالأشياء الباردة حتى بلغ من أمره أنّه كان يضع عليها الثلج ، ثم صارت علّة رجله داء الفيل و كان يحمل سريره أربعون حمّالا يتناوب عليه عشرون عشرون ، و ربّما اشتدّ به أحيانا فيأمرهم أن يضعوه .

فذكر أنّه قال يوما للّذين يحملونه : قد ضجرت بحملي ، بودّي أنّي أكون كواحد منكم أحمل على رأسي و أنا آكل في عافية و قال في مرضه هذا : اطبق دفتري على مائة ألف مرتزق ما أصبح فيهم أسوأ حالا منّي(٢) .

قلت : و أبو أحمد هذا كان الخليفة بالمعنى و أخوه المعتمد الخليفة بالاسم .

« و أشد من مرض البدن مرض القلب » مرادهعليه‌السلام بالقلب ، القلب الباطني لقوله بعد : « و أفضل من صحّة البدن تقوى القلب » .

و أيضا القلب الظاهري و هو القلب الصنوبري محسوب من البدن ، و مرضه مرض البدن ، و أمّا القلب الحقيقي فمرضه التخلّق بالأخلاق الفاسدة المهلكة .

و إنّما كان مرضه أشد من مرض البدن لأنّ غاية أثر مرض البدن سلب

____________________

( ١ ) الكامل في الأدب للمبرّد ٥١٤ ط الحلبي بمصر .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٨ : ١٥٦ .

٢٢٣

الحياة الدنيوية ، فإن كان سعيدا لا يضرّه الموت ، و ما عند اللَّه خير للأبرار ، و أمّا إن كان قلبه الحقيقي مريضا ، يقول صاحبه : يا ليتني كنت ترابا .

و قد وصف تعالى تلك القلوب بقوله جل و علا :( فإنّها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور ) (١) و بقوله تعالى :( لهم قلوب لا يفقهون بها إلى اولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) (٢) .

« ألا و إنّ من النعم سعة المال » عن بزرجمهر : إن كان شي‏ء مثل الحياة فالغنى(٣) .

« و أفضل من سعة المال صحة البدن » عن بزرجمهر ان كان شي‏ء فوق الحياة فالصحة و قالوا : خير من الحياة ما لا تطيب الحياة إلاّ به(٤) .

و في ( البيان ) : خرج الحجّاج ذات يوم فأصحر و حضر غذاؤه ، فقال :

اطلبوا من يتغذّى معي ، فطلبوا فإذا أعرابي في شملة ، فاتي به فقال : السّلام عليكم : هلمّ أيّها الأعرابي قال : دعاني من هو أكرم منك فأجبته قال : و من هو .

قال : دعاني اللَّه ربّي إلى الصّوم فأنا صائم قال : و صوم في مثل هذا اليوم الحار قال : صمت ليوم هو أحرّ منه قال : فافطر اليوم و صم غدا قال : و يضمن لي الأمير أني أعيش إلى غد ؟ قال : ليس ذلك إليه قال : فكيف يسألني عاجلا بآجل ليس إليه قال : إنّه طعام طيّب قال : ما طيّبه خبّازك و لا طبّاخك قال : فمن طيبه ؟ قال : العافية قال الحجّاج : تاللَّه ما رأيت كاليوم أخرجوه(٥) .

« و أفضل من صحة البدن تقوى القلب » قال تعالى :( يا أيّها الناس إنّا

_ ___________________

( ١ ) الحج : ٤٦ .

( ٢ ) الأعراف : ١٧٩ .

( ٣ ) أدب الدنيا و الدين للماوردي : ٢١٤ .

( ٤ ) أدب الدنيا و الدين للماوردي : ٢١٤ .

( ٥ ) البيان و التبيين للجاحظ ٤ : ٩٨ ٩٩ .

٢٢٤

خلقناكم من ذكر و اُنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللَّه أتقاكم إنّ اللَّه عليم خبير ) (١) .

( و من يعظّم شعائر اللَّه فانّها من تقوى القلوب ) (٢) .

هذا ، و مرّ في فصل « نقص الناس » قولهعليه‌السلام : لقد علق بنياط هذا الانسان بضعة هي أعجب ما فيه ، و ذلك القلب » إلى آخر ما مر .

____________________

( ١ ) الحجرات : ١٣ .

( ٢ ) الحج : ٣٢ .

٢٢٥

الفصل السادس و الخمسون فيما ذكرهعليه‌السلام من الحقائق

٢٢٦

مرّ في الفصل ( ٤٢ ) في العنوان ( ٧ ) منه قولهعليه‌السلام : « كم من صائم ليس له من صيامه إلاّ الجوع و الظمأ . » .

و في ( ٢٨ ) منه قولهعليه‌السلام : « ليس الخير أن يكثر مالك و ولدك . » .

و في ( ٢٩ ) منه قولهعليه‌السلام : « ما خير بخير بعده النار . » .

١ الخطبة ( ١٨٥ ) منها :

 يَدَّعِي بِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَرْجُو اَللَّهَ كَذَبَ وَ اَلْعَظِيمِ مَا بَالُهُ لاَ يَتَبَيَّنُ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ فَكُلُّ مَنْ رَجَا عُرِفَ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ إِلاَّ رَجَاءَ اَللَّهِ فَإِنَّهُ مَدْخُولٌ وَ كُلُّ خَوْفٍ مُحَقَّقٌ إِلاَّ خَوْفَ اَللَّهِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ يَرْجُو اَللَّهَ فِي اَلْكَبِيرِ وَ يَرْجُو اَلْعِبَادَ فِي اَلصَّغِيرِ فَيُعْطِي اَلْعَبْدَ مَا لاَ يُعْطِي اَلرَّبَّ فَمَا بَالُ اَللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يُقَصَّرُ بِهِ عَمَّا يُصْنَعُ بِهِ لِعِبَادِهِ أَ تَخَافُ أَنْ تَكُونَ فِي رَجَائِكَ لَهُ كَاذِباً أَوْ تَكُونَ لاَ تَرَاهُ لِلرَّجَاءِ مَوْضِعاً وَ كَذَلِكَ إِنْ هُوَ خَافَ عَبْداً مِنْ عَبِيدِهِ أَعْطَاهُ مِنْ خَوْفِهِ مَا لاَ يُعْطِي رَبَّهُ فَجَعَلَ خَوْفَهُ مِنَ

٢٢٧

اَلْعِبَادِ نَقْداً وَ خَوْفَهُ مِنْ خَالِقِهِ ضِمَاراً وَ وَعْداً وَ كَذَلِكَ مَنْ عَظُمَتِ اَلدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ وَ كَبُرَ مَوْقِعُهَا مِنْ قَلْبِهِ آثَرَهَا عَلَى اَللَّهِ فَانْقَطَعَ إِلَيْهَا وَ صَارَ عَبْداً لَهَا « يدّعي بزعمه أنّه يرجو اللَّه ، كذب و العظيم » أي : قسما بالربّ العظيم .

« ما باله لا يتبيّن رجاؤه في عمله ، فكل من رجا عرف رجاؤه في عمله إلاّ رجاء اللَّه فإنّه مدخول » قيل للصادقعليه‌السلام : إنّ قوما من مواليك يلمون بالمعاصي و يقولون : نرجو فقالعليه‌السلام : كذبوا ، ليسوا لنا بموال ، أولئك قوم ترجحت بهم الأماني ، من رجا شيئا عمل له ، و من خاف شيئا هرب منه(١) .

و قال الصادقعليه‌السلام أيضا : ما أحب اللَّه تعالى من عصاه ثم تمثّل :

تعصي الإله و أنت تظهر حبّه

هذا محال في الفعال بديع

لو كان حبك صادقا لأطعته

انّ المحبّ لمن يحبّ مطيع(٢)

و في الخبر : يقول اللَّه تعالى كذب من زعم انّه يحبني ، فاذا جاء الليل نام إلى الصبح ، أليس كلّ حبيب يحبّ خلوة حبيبه(٣) .

و في ( الفقيه ) : شكا رجل إلى الصادقعليه‌السلام الحاجة فقال له : أ تصلّي بالليل قال نعم فالتفتعليه‌السلام إلى أصحابه و قال : كذب من زعم انّه يصلّي

____________________

( ١ ) أورده « الحراني » في تحف العقول : ٢٦٩ بهذا اللفظ : قيل لهعليه‌السلام قوم يعملون بالمعاصي و يقولون : نرجوا فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم الموت فقالعليه‌السلام : هؤلاء قوم يترجحون في الأحاديث كذبوا ليس يرجون ، ان خارجا شيئا طلبه ، و ؟ ؟ فإن من شي‏ء هرب منه .

( ٢ ) ذكره المجلسي في البحار ٤٧ : ٢٤ بلفظ : هذا لعمرك في الفعال .

( ٣ ) ورد الحديث بهذا اللفظ : كذب من زعم أنه ؟ ؟ فإذا جنّه الليل نام عين ، اليس كل محبّ يحب خلوة حبيبه ؟ ها أنا ذايا ابن عمران مطّلع على أحيائي ، فإذا جهنّم الليل حوّلت أبصارهم في قلوبهم ، و مثلت عقويتي بين أعينهم ، يخاطبوني عن المشاهدة ، و يكلموني عن الحضور انظر بحار الأنوار ١٣ : ٣٢٩ بتصرف .

٢٢٨

بالليل و يجوع بالنهار(١) .

و في ( تاريخ بغداد ) : في ( سمنون الصولي الذي صحب سري السقطي ) قال سمنون :

فليس لي في سواك حظ

فكيفما شئت فامتحنّي

فحصر بوله في ساعته ، فسمّى نفسه سمنون الكذّاب(٢) .

و في ( عيون القتيبي ) قال الحسن أي البصري : إنّ دين اللَّه ليس بالتحلّي و لا بالتمنّي ، و لكنه ما وقر في القلوب و صدّقته الأعمال(٣) .

و قال محمود الوراق :

يا ناظرا يرنو بعيني راقد

مشاهدا للأمر غير مشاهد

تصل الذنوب إلى الذنوب و ترتجى

درك الجنان بها و فوز العابد

و نسيت أنّ اللَّه أخرج آدما

منها إلى الدّنيا بذنب واحد(٤)

و أخذ مضمونه البهائي فقال بالفارسية :

جد تو آدم بهشتش جاى بود

قدسيان كردند بهر او سجود

يك كنه ناكرده گفتندش تمام

مذنبى مذنب برو بيرون خرام

تو طمع دارى كه با چندان گناه

داخل جنت شوى اى رو سياه(٥)

« و كل خوف محقّق إلاّ خوف اللَّه فإنّه معلول » و لو كان خوفه محققا لكان كما قال الصادقعليه‌السلام : المؤمن بين مخافتين : ذنب قد مضى لا يدري ما اللَّه صانع فيه ، و عمر قد بقي لا يدري ممّا يكتسب فيه من المهالك ، فهو لا يصبح إلاّ خائفا

____________________

( ١ ) الفقيه من لا يحضر الفقيه ١ : ٣٠٠ ح ١٣٧٤ بتصرف .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب ٩ : ٢٣٥ .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٣٤٤ .

( ٤ ) ابن قتيبة ، العيون ٢ : ٣٤٤ .

( ٥ ) البهائي ، الكشكول ١ : ٥٨ طبع في ايران ، ذكره الجزائري في الأنوار النعمانية ١ : ٢٣ .

٢٢٩

و لا يصلحه إلاّ الخوف(١) .

و كما قال الحسينعليه‌السلام لمّا كتب إليه بعد خروجه من مكة عمرو بن سعيد عاملها بطلب عبد اللَّه بن جعفر : إنّ لك الأمان عندي : « خير الأمان أمان اللَّه ، و لن يؤمن اللَّه يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا ، فنسأل اللَّه مخافة في الدّنيا توجب لنا أمانة يوم القيامة »(٢) .

« يرجو اللَّه في الكبير و يرجو العباد في الصغير ، فيعطي العبد ما لا يعطي الرب » قالت رابعة العدوية :

لك ألف معبود مطاع أمره

دون الإله و تدّعي التوحيدا(٣)

و قال زياد الأعجم :

و تشكر يشكر من ضامها

و يشكر اللَّه لا تشكر(٤)

و في الجمهرة يشكر بطن من بكر بن وائل(٥) .

« فما بال اللَّه جل ثناؤه يقصر به عمّا يصنع لعباده » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٦) و الصواب : ( بعباده ) كما في ( ابن أبي الحديد(٧)

___________________

( ١ ) أورده المجلسي عن طريقين : عن الصادقعليه‌السلام في البحار ٧ : ٣٦٥ ، و عن الكاظمعليه‌السلام في البحار ٧٨ : ٢٦٢ .

و البحار ٢ : ٧١ . .

( ٢ ) ذكر المجلسي « الحادثة في البحار ٤٤ : ٣٦٦ يشكل آخر ، قال : و كتب إليه عمرو بن سعيد كتابا يمتّيه فيه الصلة ، و يؤمنه على نفسه ، و أنفذه مع يحيى بن سعيد ، فلحقه يحيى و عبد اللَّه بن جعفر بعد نفوذ ابنيه ، و دفعا إليه الكتاب وجهوا به في الرجوع ، فقال : « إني رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في المنام و أمرني بما أنا ماض له » فقالوا له : ما تلك الرؤيا ؟ . .

( ٣ ) ترجم لها ابن الجوزي في صفوة الصفوة ٤ : ٢٣ .

( ٤ ) هو زياد بن سلمى ، ترجم له ياقوت الحموي في معجم الأدباء ١١ : ١٦٥ .

( ٥ ) جمهرة أنساب العرب ، ابن محمد الأندلسي : ٣٠٨ .

( ٦ ) انظر النسخة المصرية بشرح محمّد عبده : ٣٤٢ .

( ٧ ) ورد في شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد بتحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم لفظ ( العبادة ) خلافا لمّا ذكره المؤلف الذي اعتمد النسخة غير المحققة من شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٢٦ .

٢٣٠

و ابن ميثم(١) و الخطية )(٢) .

في ( المروج ) : دخل معن بن زائدة على الرشيد و كان قد وجد عليه فمشى فقارب الخطو ، فقال له الرشيد : كبرت يا معن قال : في طاعتك قال : و إنّ فيك على ذلك لبقية قال : لأوليائك قال : و إنك لجلد قال : على أعدائك فرضي عنه و ولاّه(٣) .

قال : و عرض كلامه هذا على عبد الرحمن بن زيد زاهد أهل البصرة ، فقال ويح هذا ما ترك لربه شيئا .

و في ( سير ملوك الأعاجم ) : ان شيرويه بن أبرويز بينا هو في منتزهاته بأرض العراق و كان لا يسايره أحد و أهل المراتب العالية خلف ظهره على مراتبهم ، فإن التفت يمينا دنا منه صاحب الجيش ، و إن التفت شمالا دنا منه الموبذان فيأمره باحضار من أراد مسايرته ، فالتفت يمينا فدنا منه صاحب الجيش فقال أين شدّاد بن خزيمة ، فأحضر فسايره فقال له : أفكرت في حديث حدّثنا به عن أردشير بن بابك حين واقع ملك الخزر حدّثني به إن كنت تحفظه و كان شدّاد قد سمع هذا الحديث في مكيدة أوقعها أردشير بملك الخزر فاستعجم عليه و أوهمه أنّه لا يعرفه ، فحدّثه شيرويه بالحديث ، فأصغى إليه الرجل بجوارحه كلّها و كان مسيره على شاطى‏ء نهر ، فترك الرجل لا قباله على شيرويه النظر إلى موطى‏ء حافر دابته ، فزلّت احدى قوائمها فوقع في الماء ، فابتدر حاشية الملك فأخرجوه فنزل شيرويه و دعا بثياب من خاصّ كسوته فألقيت عليه و قال له : غفلت عن موضع حافر دابتك ، فقال : على قدر

____________________

( ١ ) أورده شرح ابن ميثم بلفظ ( العبادة ) بخلاف ما ذكره العلاّمة التستري في النسخة المنقحة التي اعتمد عليها في التحقيق و لربّما اعتمد العلاّمة على نسخة غير منقحة انظر شرح ابن ميثم ٣ : ٢٧٨ .

( ٢ ) ورد في النسخة الخطية لفظ « بعباده » ، كما ذكر المؤلف انظر نسخة مكتبة المرعشي : ١٣٦ .

( ٣ ) مروج الذهب ٣ : ٣٤٩ .

٢٣١

النعم تكون المحن ، و ان اللَّه تعالى قد أنعم عليّ بنعمتين عظيمتين : إقبال الملك عليّ من بين هذا السواد الأعظم ، و فائدة تدبير الحرب التي حدث بها عن أردشير ، فلما اجتمعت نعمتان جليلتان قابلتهما هذه المحنة ، و لو لا اساورة الملك لكنت بمعرض هلكة ، و على ذلك لو كنت غرقت لكان أبقى لي الملك ذكرا مخلّدا ، فسرّ شيرويه بذلك و قال له : ما ظننتك بهذا المقدار الذي أنت فيه ، فحشا فاه جوهرا و استبطنه حتى غلب على أكثر أمره(١) .

و نقل نظير هذه القصة عن رجل مع معاوية ، و عن شخص مع السفاح(٢) .

« أتخاف أن تكون في رجائك له كاذبا » و قد قالوا :

ترجو النجاة و لم تسلك مسالكها

إنّ السفينة لا تجري على اليبس(٣)

« أو تكون لا تراه للرجاء موضعا » و قد قال تعالى لموسىعليه‌السلام : ما دمت لا ترى زوال ملكي فلا ترج أحدا غيري(٤) .

« و كذلك إن هو خاف عبدا من عبيده أعطاه من خوفه ما لا يعطي ربّه » و قالعليه‌السلام لرجل : كيف أنتم ؟ فقال : نرجو و نخاف فقالعليه‌السلام : من رجا شيئا طلبه ، و من خاف شيئا هرب منه ، ما أدري ما خوف رجل عرضت له شهوة فلم يدعها لمّا خاف منه ، و ما أدري ما رجاء رجل نزل به بلاء فلم يصبر عليه لمّا يرجو(٥) .

____________________

( ١ ) ذكره البيهقي في المحاسن و المساوى‏ء ٢ : ١٢٤ و نسب الحكاية إلى ( أنوشروان ) بخلاف ما ذكره المؤلف .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) إحياء علوم الدين للغزالي ٤ : ٢١٢ .

( ٤ ) الخصال للصدوق ١ : ١٠٣ و نقله عنه المجلسي في بحار الأنوار ١٣ : ٣٤٤ ، و نسب الكليني المقطع الأوّل منه إلى الصادقعليه‌السلام انظر الكافي ٢ : ٦٨ ح ٦ .

( ٥ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٨ : ٥١ .

٢٣٢

« فجعل خوفه من العباد نقدا و خوفه من خالقهم ضمارا و وعدا » قال الجوهري : « الضمار » ما لا يرجى من الدين ، و « الوعد » ما لا تكون منه على ثقة قال :

حمدن مزاره فأصبن منه

عطاء لم يكن عدة ضمارا(١)

قالوا : إنّ أعرابيا قال لابن الزبير : أعطني اقاتل عنك أهل الشام قال :

قاتل ، فإن أغنيت أعطيناك ، قال : أراك تجعل روحي نقدا و دراهمك وعدا .

و في ( الطبري ) : ان عبد الملك لمّا بعث خالدا الأسيدي إلى البصرة أيام ابن الزبير و كان قيس بن الهيثم السلمي من الزبيرية يستأجر الرجال يقاتلون معه ، فتقاضى منه رجل أجرته فقال : غدا أعطيكها و كان قيس يعلم في عنق فرسه جلاجل فقال بعضهم :

لبئس ما حكمت يا جلاجل

النقد دين و الطعان عاجل

و أنت بالباب سمير آجل(٢)

« و كذلك من عظمت الدّنيا في عينه و كبر موقعها في قلبه » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٣) و الصواب : ( من قلبه ) كما في ( ابن أبي الحديد(٤) و ابن ميثم(٥) و الخطية )(٦) .

« آثرها » أي : اختارها .

« على اللَّه فانقطع إليها و صار عبدا لها » فأمّا من طغى و آثر الحياة الدُّنيا

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ٢ : ٧٢٢ مادة ( ضمر ) و بيت الشعر إلى الداعي .

( ٢ ) تاريخ المملوك و الامم للطبري ٥ : ٣ .

( ٣ ) نسخة الطبعة المصرية بشرح محمّد عبده : ٣٤٣ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ٩ : ٢٢٦ .

( ٥ ) أورد ابن ميثم بلفظ « في قلبه » ٣ : ٢٧٩ .

( ٦ ) انظر النسخة الخطية : ١٢٦ .

٢٣٣

فإنّ الجحيم هي المأوى(١) .

٢ الحكمة ( ٤١٧ ) و قالعليه‌السلام

لقائل قال بحضرته « أستغفر اللَّه » :

ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَ تَدْرِي مَا اَلاِسْتِغْفَارُ اَلاِسْتِغْفَارُ دَرَجَةُ اَلْعِلِّيِّينَ وَ هُوَ اِسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ أَوَّلُهَا اَلنَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى وَ اَلثَّانِي اَلْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ اَلْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً وَ اَلثَّالِثُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى اَلْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اَللَّهَ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ وَ اَلرَّابِعُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا وَ اَلْخَامِسُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اَللَّحْمِ اَلَّذِي نَبَتَ عَلَى اَلسُّحْتِ فَتُذِيبَهُ بِالْأَحْزَانِ حَتَّى تُلْصِقَ اَلْجِلْدَ بِالْعَظْمِ وَ يَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ اَلسَّادِسُ أَنْ تُذِيقَ اَلْجِسْمَ أَلَمَ اَلطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاَوَةَ اَلْمَعْصِيَةِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ أقول : رواه تحف عقول ابن أبي شعبة الحلبي هكذا : قال كميل بن زياد قلت لأمير المؤمنينعليه‌السلام : العبد يصيب الذنب فيستغفر اللَّه فما حد الاستغفار ؟

قال : التوبة قلت : بس قال : لا قلت : فكيف قال : إنّ العبد إذا أصاب ذنبا يقول « أستغفر اللَّه » بالتحريك قلت : و ما التحريك ؟ قال : الشفتان و اللسان ، يريد أن يتبع ذلك بالحقيقة قلت : و ما الحقيقة ؟ قال : تصديق في القلب و إضمار أن لا يعود إلى الذنب الّذي استغفر منه قال كميل : فاذا فعلت ذلك فأنا من المستغفرين ؟ قال : لا قال : فكيف ذلك ؟ قال : لأنّك لم تبلغ الأصل بعد قال :

فأصل الاستغفار ما هو ؟ قال : الرجوع من الذنب الذي استغفرت منه ، و هي أول درجة العابدين ، و الاستغفار اسم واقع لمعان ست : أوّلها الندم على ما مضى ،

____________________

( ١ ) النازعات : ٣٧ ٣٩ .

٢٣٤

و الثاني العزم على ترك العود أبدا ، و الثالث أن تؤدي حقوق المخلوقين التي بينك و بينهم ، و الرابع أن تؤدي حق اللَّه في كلّ فرض ، و الخامس أن تذيب اللحم الذي نبت على السحت و الحرام حتى يرجع الجلد إلى عظمه ثم ينشأ في ما بينهما لحم جديدا ، و السادس ان تذيق البدن ألم الطاعات كما أذقته لذّات المعاصي(١) .

و عن ( مناقب ابن الجوزي ) : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : التوبة على أربعة دعائم : ندم بالقلب ، و استغفار باللسان ، و عمل بالجوارح ، و عزم على أن لا يعود(٢) .

و عنه و قالعليه‌السلام في وصف التائبين : غرسوا أشجار ذنوبهم نصب عيونهم في قلوبهم و سقوه بمياه الندم ، فأثمرت لهم السلامة و أعقبتهم الرضا و الكرامة(٣) .

« و قالعليه‌السلام لقائل قال بحضرته : أستغفر اللَّه » قلت : القائل كان رجل آخر غير كميل كما يشهد له تعبير خبره .

« ثكلتك امّك أ تدري ما الاستغفار » ؟ في ( تاريخ بغداد ) : قال أبو الحسن البصري : كنت في مجلس ابن عطا فبكى رجل فقال : ما هذا البكاء لا منفذ له ههنا ، أما سمعت قول الشاعر :

قال لي حين رمته

كل ذا قد علمته

لو بكى طول دهره

بدم ما رحمته(٤)

____________________

( ١ ) تحف العقول للبحراني : ١٣٤ ، و بلفظ آخر في البحار ٧٨ : ٦٨ ح ١٥ .

( ٢ ) سبط ابن الجوزي ، تذكرة الخواص : ١٤٦ ، و البحار ٧٨ : ٨١ .

( ٣ ) البحار ٧٨ : ٧٢ .

( ٤ ) لم نعثر عليه في تاريخ بغداد لا في فهرس القوافي و لا في فهرس الأعلام .

٢٣٥

« الاستغفار درجة العلّيّين » هكذا في ( الطبعة المصرية )(١) ، و الصواب : ( إنّ الاستغفار درجة العليين ) كما في ( ابن ميثم(٢) و الخطية(٣) و كذا ابن أبي الحديد )(٤) .

« و هو اسم واقع على ستة معان » أي : له شروط ستة : « أوّلها الندم على ما مضى » في ( تاريخ بغداد ) قال محمد بن علي الكتاني : لو لا ان ذكره علي فرض ما ذكرته إجلالا له ، مثلي يذكره و لم يغسل فمه بألف توبة متقبلة(٥) .

و قيل : من قدم الاستغفار على الندم كان مستهزئا باللَّه و هو لا يعلم ، قال :

أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزنا

عنه فإنّ جحود الذنب ذنبان

« و الثاني العزم على ترك العود إليه أبدا » في ( الحلية ) قال حذيفة : يحسب للرجل من الكذب أن يقول « استغفر اللَّه » ثم يعود(٦) .

و عن الربيع بن خثيم لا تقل : « أستغفر اللَّه و أتوب إليه » فيكون ذنبا و كذبا إن لم تفعل ، و لكن قل : « اللّهم اغفر لي و تب علي »(٧) .

« و الثالث أن يؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم » روي أنّ شيخا من النخع قال للباقرعليه‌السلام : لم أزل واليا منذ زمن الحجّاج إلى يومي هذا فهل لي من توبة ؟

فسكت عنه ، ثم أعاد ، فقالعليه‌السلام : لا ، حتى تؤدّي إلى كلّ ذي حقّ حقّه(٨) .

« حتى تلقى اللَّه أملس » في ( الصحاح ) : الملاسة ضد الخشونة ، و في المثل :

____________________

( ١ ) انظر شرح محمّد عبده : ٧٥٤ رقم ( ٤٠٣ ) .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٤٤ .

( ٣ ) انظر النسخة الخطية : ١٣٦ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ٢ : ٥٦ .

( ٥ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٣ : ٧٥ .

( ٦ ) حلية الأولياء لأبي نعيم الاصفهاني ١ : ٣٨١ .

( ٧ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٣٩ بتصرف .

( ٨ ) الأصول من الكافي للكليني ٢ : ٣٣١ ح ٣ .

٢٣٦

هان على الأملس ما لاقي الدبر(١) .

« ليس عليك تبعة »( يوم لا ينفع مال و لا بنون إلاّ من أتى اللَّه بقلبٍ سليم ) (٢) ( الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم اُولئك لهم الأمن ) (٣) .

« و الرابع أن تعمد » أي : تقصد .

« إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها » فكلّ صلاة لم يصلّها أو صلاّها باطلة يأتي بقضائها و في بعضها يأتي بقضائها و كفارتها .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام في رجل نام عن العتمة فلم يقم إلا بعد انتصاف الليل قال : يصلّيها و يصبح صائما(٤) .

و روى ( التهذيبان ) عن حريز عمّن أخبره عن الصادقعليه‌السلام : إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل أن يصلّي فليغتسل من غد و ليقض الصلاة ، و إن لم يستيقظ و لم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلاّ القضاء بغير غسل ، و حمل على انكسافه بتمامه .

و من أفطر يوما من شهر رمضان بغير عذر فعليه القضاء و الكفارة صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكينا(٥) .

« و الخامس أن تعمد » بالكسر أي تقصد .

« إلى اللحم الذي نبت على السحت » بالضم و الفتح أي : الحرام .

« فتذيبه » كذوب الحديد في النار .

« حتى يلصق الجلد بالعظم و ينشأ بينهما لحم جديد » من غير السحت .

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري مادة ( ملس ) ٢ : ٩٨٠ .

( ٢ ) الشعراء : ٨٨ ٨٩ .

( ٣ ) الأنعام : ٨٢ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٣ : ٣٩٥ ح ١١ .

( ٥ ) التهذيب للطوسي ٣ : ١٥٧ ح ٣٣٧ و الاستبصار ١ : ٤٥٣ ح ٤ .

٢٣٧

في ( الحلية ) : قال حذيفة : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس لحم ينبت من سحت فيدخل الجنّة(١) .

و عن بعضهم : حلقت امرأة رأسها و كانت من أحسن الناس شعرا ، فسئلت عن ذلك فقالت : أردت أن أغلق باب البيت ، فلمحني رجل و رأسي مكشوف فما كنت لأدع على رأسي شعرا رآه من ليس بمحرم(٢) .

« و السادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية » في ( تاريخ بغداد ) : كان سعيد بن وهب البصري شاعرا خليعا ماجنا ، أكثر القول في الغزل و الخمر ، ثم تاب و نسك و حج راجلا فبلغ منه و جهد فقال لنفسه :

قدميّ اعتورا رمل الكثيب

و اطرقا الآجن من ماء القليب

ربّ يوم رحتما فيه على

زهرة الدنيا و في واد خصيب

و سماع حسن من حسن

صخب المزهر كالضبي الربيب

فاحسبا ذاك بهذا و اصبرا

و خذا من كلّ فنّ بنصيب

إنّما أمشي لأنّي مذنب

فلعل اللَّه يعفو عن ذنوبي(٣)

و في ( المعجم ) : نقض ابن عبد ربه صاحب ( العقد الفريد ) كلّ قطعة قالها في الصب و الغزل بقطعة في المواعظ و الزهد سمّاها الممحّصات(٤) .

هذا ، و قيل وقفت امرأة تنظر إلى رجل قبيح الصورة ، فقيل لها في ذلك فقالت : أذنبت عيني بنظرها إلى أمرد جميل الصورة ، فأحببت أن اعاقبها

____________________

( ١ ) خطب حذيفة في المدائن و ذكر حديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله : « أنّه ليس لحم ينبت من سحت فيدخل الجنّة » و قد أخرجه أحمد في مسنده عن كعب بن عجر : أنّه لا يدخل الجنة لحم ينبت من سحت النار : أورده في مكانين ٣ :

٣٢١ ، و ٣ : ٣٩٩ من حلية الأولياء لأبي نعيم الإصفهاني .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٢٣٤ بتصرّف .

( ٣ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٧٤ .

( ٤ ) معجم الادباء لياقوت الحموي ٤ : ٢٢٣ .

٢٣٨

بالنظر إلى هذه الصورة القبيحة .

« فعند ذلك تقول : استغفر اللَّه » روى ( أمالي الصدوق ) في مجلسه ( ٥٣ ) عن أبي حمزة الثمالي عن السجادعليه‌السلام قال : كان في بني إسرائيل رجل ينبش القبور ، فاعتلّ جار له فخاف الموت ، فبعث إلى النبّاش فقال : كيف كان جواري لك ؟ قال : أحسن جوار قال : فإنّ لي إليك حاجة قال : قضيت حاجتك قال :

فأخرج إليه كفنين فقال : أحبّ أن تأخذ أحبهما إليك و إذا دفنت فلا تنبشني ، فامتنع النباش من ذلك و أبي أن يأخذه ، فقال له الرجل : أحبّ أن تأخذه ، فلم يزل به حتى أخذ أحبّهما إليه و مات الرجل ، فلما دفن قال النباش : هذا قد دفن فما علمه بأني تركت كفنه أو أخذته ، لآخذنّه فأتى قبره فنبشه فسمع صائحا يصيح به لا تفعل ، ففزع النبّاش من ذلك فتركه و ترك ما كان عليه و قال لولده :

أيّ أب كنت لكم ؟ قالوا : نعم الأب كنت لنا قال : فإنّ لي إليكم حاجة قالوا : قل ما شئت فإنّا سنصير إليه ان شاء اللَّه قال : أحبّ إذا أنا متّ أن تأخذوني فتحرقوني بالنار فإذا صرت رمادا فدقّوني ثم تعمدوا بي ريحا عاصفا فذروا نصفي في البر و نصفي في البحر قالوا : نفعل فلما مات فعل به ولده ما أوصاهم به ، فلما ذرّوه قال اللَّه جل جلاله للبر : إجمع ما فيك ، و قال للبحر : إجمع ما فيك ، فإذا الرجل قائم بين يدي اللَّه جل جلاله ، فقال اللَّه عز و جل له : ما حملك على ما أوصيت به ولدك أن يفعلوه بك ؟ قال : حملني على ذلك و عزّتك خوفك فقال اللَّه جل جلاله : فإنّي سارضي خصومك ، و قد أمنت خوفك و غفرت لك(١) .

هذا ، و روى ( أمالي ابن الشيخ ) في جزئه الثالث عشر عن أمير

____________________

( ١ ) أمالي الصدوق : ٣٢٧ .

٢٣٩

المؤمنينعليه‌السلام قال : تعطّروا بالاستغفار لا تفضحنّكم روائح الذنوب(١) .

٣ الحكمة ( ٤٥٢ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْغِنَى وَ اَلْفَقْرُ بَعْدَ اَلْعَرْضِ عَلَى اَللَّهِ أقول : عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قالت أمّ سليمان بن داود له : يا بنيّ إيّاك و كثرة النيام بالليل(٢) ، فإنّها تدع الرجل فقيرا يوم القيامة(٣) .

و في رجال الكشي عن الصادقعليه‌السلام : أرسل عثمان إلى أبي ذر موليين له و معهما مائتا دينار و قال لهما : قولا له : عثمان يقرؤك السّلام و يقول لك :

هذه مائتا دينار فاستعن بهما على ما نابك(٤) ، فقال لهما أبو ذر : هل أعطى أحدا من المسلمين مثل ما أعطاني ؟ قالا : لا قال : فإنّما أنا رجل من المسلمين فيسعني ما يسعهم قالا : إنّه يقول : هذا من صلب مالي ، و اللَّه الذي لا إله إلاّ هو ما خالطهما حرام فقال لهما : لا حاجة لي فيها ، و قد أصبحت يومي هذا و أنا من أغنى الناس فقالا له : ما نرى في بيتك قليلا و لا كثيرا فقال : بلى ، تحت هذا الآكاف الذي ترون رغيفا شعير قد أتى عليهما أيام ، فما أصنع بهذه الدنانير ، لا و اللَّه حتى يعلم أنّي لا أقدر على قليل و لا كثير و قد أصبحت غنيا بولاية علي بن أبي طالب و عترته الهادين المهديين ، الراضين المرضيين الذين يهدون بالحق و به يعدلون ، كذلك سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ، و إنّه لقبيح بالشيخ أن يكون

____________________

( ١ ) أمالي الشيخ الطوسي : ٢٧ ٢٨ أخرجه عن علي بن زرين .

( ٢ ) سقط منه « تعالى » كما في شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ١٥٢ .

( ٣ ) أخرجه ابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة ، كتاب ما جاء في قيام الليل ، رقم ( ١٣٣٢ ) قال في الزوائد : هذا أسناد فيه سنيد بن داود و شيخه يوسف بن محمّد ضعيفان و ذكره الهندي في كنز العمّال ٧ : ٧٨٢ ح ٢١٣٨٩ .

( ٤ ) نابك : أصابك .

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639