بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247276 / تحميل: 8630
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

في هذا القِسم يخرج القارئ بحصيلة معرفيّة معطاءة عن أُولئك الرادة الذين تربّوا في كنَف عليّ، وتخرّجوا من مدرسته، وفى الوقت ذاته تتكشّف له معالم الحُكم العلَوي وما كان يعانيه من قلّة الطاقات الرياديّة الملتزمة الرشيدة، وما يكابده الحكم من نقص في القوى الفاعلة المطيعة المسؤولة. وهذا الواقع يُسهم إلى حدٍّ في الإفصاح عن السِرّ الكامن وراء بعض النواقص التي بدَت في الحُكم العلَوي، ويُعين القارئ على إدراك ذلك، كما تمنحه معطيات هذا القسم موقعاً أفضل للتوفّر على تحليل واقعي لحكومة الإمام.

من الجليّ أنّ أصحاب الإمام لم يكونوا على مستوىً واحد، كما لم يكن عمّاله كذلك. لقد كانت ضرورات الحكم ومتطلّبات الإدارة العامّة تُملي على الإمام أنْ يلجأ أحياناً إلى استعمال أُناس ثابتين في العقيدة بيدَ أنّهم غير منضبطين في العمل. لكن الإمام لم يكن يغفل لحظة عن تنبيه هؤلاء وتحذيرهم المرّة تِلْو الأُخرى، كما لم يُطق مطلقاً انحرافاتهم وما يصدر عنهم، واضطراب سلوكهم مع الناس.

إنّ عليّاً الذي أمضى عُمراً مديداً يضرب بسيفه دفاعاً عن الحقّ، وعليّاً الذي اختار الصمت سنَوات طويلة من أجل الحقّ ( وفي العين قذى، وفي الحلْق شجا)، عليٌّ هذا لا يُطيق المداهنة - وحاشاه - في تنفيذ الحقّ، ولا يعرف المجاملة في إحقاقه، ولا يتحمّل المساومة أبداً.

تتضاعف أهميّة هذا القسم من الموسوعة، وهو حريّ بالقراءة أكثر، ونحن نبصر - فيه - مواقف الإمام من الأصحاب والعمّال مملوءة دروساً

٤١

وعِبراً.

ومع القسم السادس عشر يشرف الكتاب على نهايته؛ ليكون القارئ قد خرج من الموسوعة بسَيلٍ متدفّق من المعرفة، وبفيض من التحاليل والرؤى والأفكار والأخبار، تستحوذ عليها جميعاً شخصيّة الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

خصائص الموسوعة

انتهى للتوّ استعراض وجيز قدّمناه لأقسام (الموسوعة) الستّة عشر دون خوض لِما احتوَته فصولها من تفاصيل، وما ضمّته من مداخل صغيرة كانت أمْ كبيرة، وقد آنَ الأوان للحديث عمّا تحظى به من خصائص.

بَيد أنّا نعتقد أنّ السبيل إلى معرفة خصائص الموسوعة - وربّما ما تحمله من مزايا ونقاط بارزة - يُملي علينا أنْ نُلقي نظرة إلى ما كُتب عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى الآن؛ كي تتّضح من جهة ضرورات التعاطي مع هذه المجموعة، وتستبين من جهة أُخرى نقاط قوّتها، وما قد تكون حقّقته من مكاسب ومعطيات على هذا الصعيد.

غزارة المدوّنات وكثرتها عن الإمام

يحظى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بشخصيّة هي في المدى الأقصى من الجاذبيّة، ومن ثَمّ فتَملّي سيرة هذا العظيم، والتطلّع إلى حياته العبِقة الفوّاحة هو ممّا لا يختصّ باتّجاه دون آخر. فها هم الجميع من كافّة

٤٢

الاتّجاهات والأفكار يكتبون عن الإمام، وها هي ذي شخصيّته المتوهّجة تجذب كلّ المسالك والميول، وتستقطب لدائرتها كافّة القرائح والأقلام.

هكذا تمثّلت واحدة من خصائص عليّ بن أبي طالب بغزارة ما كُتب عنه، وكثافة التآليف التي أطلّت على حياته وسيرته، وتناولت بالبحث إمامته وخلافته، واندفعت تُعنى بحِكَمه وتعاليمه، وبآثاره ومآثره.

فتاريخ الإسلام بدون اسم عليّ بن أبي طالب ومن دون مآثره وبطولاته التي بلغت أعلى ذروة، هو تاريخ أجوف مشوّه، وكتلة هامدة بلا حراك ولا روح، وهو بعد ذلك لا يمتّ إلى حقيقة التاريخ الإسلامي بصِلة.

فها هي ذي قمَم تاريخ صدْر الإسلام تتضوّع باسم عليّ، وتفوح بذِكراه، وها هو ذا ظلُّه يمتدّ ويطول فلا يغيب عن واقعة قطّ.

وما خطّته الأقلام عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يفوق الحصر عَدّاً، فهذا رصْدٌ واحد قدّم خمسة آلاف عنوان كتاب بعضها في عدّة مجلّدات، دون أنْ يستوفي الجميع.

تصنيف الكتابات

ما جادت به القرائح والأقلام عن عليّ بن أبي طالب يقع في جهات متعدّدة، ويمتدّ محتواه على مواضيع مختلفة. مع ذلك يمكن تصنيف الحصيلة في رؤوس العناوين التالية:

أ - تاريخ حياة الإمام.

٤٣

ب - خلافة الإمام.

ج - خصائص الإمام وفضائله.

د - مواضيع لها صلة بالإمام أو تدور حوله مثل الغدير، وآية التطهير، والولاية، وما إلى ذلك.

هـ - تفسير الآيات النازلة بشأن الإمام.

و - أقضية الإمام.

ز - أدعية الإمام.

ح - الأحاديث والنصوص النبويّة عن الإمام.

ط - كلام الإمام، ولهذا صِيَغ مختلفة كالأحاديث ذات الصيغة البلاغيّة، والأخرى رُتّبت على أساس الحروف الهجائيّة.

ى - الشروح: وتشمل شرح خطبة واحدة، أو كتاب واحد أو رسالة واحدة، وإلى غير ذلك من الصيَغ.

ك - ما جادت به القرائح والأقلام نَظْماً ونثراً عن فضائل الإمام ومناقبه ومراثيه.

ل - كرامات الإمام ومعاجزه في حياته وبعد استشهاده.

يفصح هذا التصنيف بموضوعاته المختلفة أنّ الأقلام قد تبارت متحدّثة عن الإمام عليّ (عليه السلام) من زوايا مختلفة، كلّ واحد يعزف على حياته وآثار عظمته من بُعده الخاص.

٤٤

أمّا وقد اتّضح ذلك على وجه الإجمال، تعالوا ننعطف إلى خصائص هذه (الموسوعة) وما قد تحظى به من مزايا، نُجملها من خلال العناوين التالية:

1 - الشمول ومبدأ الانتخاب

في الوقت الذي حرصت (الموسوعة) على تجنّب التكرار (1) ، والإحالة إلى النصوص المتشابهة، فقد سعَت إلى الجمع بين الشمول والاختصار معاً، متحاشية الزوائد والفضول، من خلال التأكيد على مبدأ الانتخاب.

لقد انطلقت (الموسوعة) تجمع النصوص والأحاديث والنقول من مصادر الفريقين، مع التركيز على ما له مساس بالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).

هكذا تطمئنّ نفس الباحث الذي يراجع هذه المجموعة إلى أنّه قد اطّلع على حصيلة ما جادت به الأقلام حيال الإمام عليّ (عليه السلام)، كما ينفتح أمامه الطريق ممهّداً لاختيار الموضوع أو المواضيع التي يصبو إلى دراستها، عِبر الكثافة المعلوماتيّة التي يوفّرها له حشد كبير من المصادر والهوامش والإيضاحات التي جاء ذكرها في الهوامش.

2 - الاستناد الواسع إلي مصادر الفريقَين

حقّقت (الموسوعة) لأوّل مرّة أوسع عمليّة استعراض لمصادر الفريقين

____________________

(1) باستثناء النصوص التي يقع بينها اختلاف أساسي، أو أنْ يكون النصّ المكرّر حاوياً لنقطة مهمّة، أو متضمّناً فكرة جديرة بالذكر.

٤٥

التاريخيّة والحديثيّة، حيث استنطقت ما حوَته صفحاتها من ذِكر لمختلف جوانب شخصيّة الإمام عليّ (عليه السلام).

بِلُغة الأرقام، لم تبلغ هذه (الموسوعة) نهايتها، ولم تكتسب هذه الصيغة إلاّ بعد مراجعة ما ينوف على الأربعمِئة وخمسين كتاباً أربَت مجلّداتها على الألفَين، منها مئتا كتاب من مصادر الشيعة، ومئتان وخمسون كتاباً من مصادر أهل السنّة.

ثمّ لكي ترتاد بالباحثين صوب آفاق معرفيّة ممتدّة، وحتى تفتح لهم السبيل واسعاً للدراسة والتحليل، فقد أحالت في هوامشها إلى ما يناهز الثلاثين ألف موضع من مصادر الفريقين، ويكفي هذا وحده للكشف عن المدى الأقصى الذي بلَغَه البحث.

3 - وثاقة المصادر

في تدوين هذه الموسوعة عمَدْنا في البدء إلى جمع المعطيات على جذاذات (بطاقات) مستقلّة من المصادر مباشرة، مع الاستعانة بأنظمة الحاسوب الآلي وأقراص الخزن باللُغَتين الفارسيّة والعربيّة على قدر ما تسمح به الإمكانات، ثمّ جمعنا النصوص المتشابهة حيال الموضوع الواحد، وسعَينا بعدئذ إلى انتخاب أكثر هذه النصوص وثاقة، وفرْز ما هو أقدمها وأكثرها شمولاً.

لقد حرصنا على أنْ تأتي النصوص المنتخبة من أوثق الكتب الحديثيّة والتاريخيّة وأهمّها. لكن ينبغي أنْ نسجّل أنّ وثاقة النصوص والنقول في

٤٦

البحث التاريخي تختلف اختلافاً بيّناً عمّا هي عليه في النصوص والنقول الفقهيّة، فمِن الواضح أنّ ذلك التمحيص الذي ينصبّ على سند الرواية الفقهيّة، لا يجرى بنفسه على البحوث التاريخيّة.

فما يستدعيه البحث التاريخي أكثر، هو طبيعة النصّ (الوثيقة) ومدى ثباته وسلامته، وهذه غاية يبلغها الباحث باستخدام قرائن متعدّدة.

في رؤيتنا أنّ النصّ أو النقل الموثّق - فقهيّاً كان أم تاريخيّاً - هو الذي يكون موثوقاً يبعث على الاطمئنان، حتى لو لم يحظَ بسند ثابت وصحيح. نسجّل ذلك رغم انتباهنا لأهميّة السند الصحيح والموثّق في إيجاد الاطمئنان.

وينبغي أنْ نُضيف أيضاً إلى أنّ الوثوق السنَدي في النصوص التي تستند إلي المصادر الحديثيّة والتاريخيّة للفريقين (الشيعة والسنّة)، لا يمكن أنْ يكون مِلاكاً كاملاً وتامّاً؛ إذ من الواضح أنّ لكلّ فريق رؤيته الخاصّة في تعيين (الثقة) و(غير الثقة)، كما له مساره الخاصّ ونهْجه الذي يميّزه في الأصول الرجاليّة.

الكلمة الأخيرة على هذا الصعيد تتّجه إلى طبيعة المِلاك الذي انتخبناه، ففي عمليّة جمع النصوص وفرزها عمدنا بالإضافة إلى ما بذلناه من جهد في توثيق المصدر والاهتمام بالسند، إلى مسألة نقد النصّ؛ كي يكون هو الملاك الأهمّ في عملنا. وفي هذا الاتّجاه سعينا إلى بلوغ ضرب من الاطمئنان، من خلال تأييد مضمون النصّ بالقرائن النقليّة والعقليّة، كي يتحوّل ذلك إلى أساس نطمئنّ إليه في ثبات النصّ.

٤٧

على هذا لم نلجأ إلى الأحاديث المنكرة، حتى لو كان لها أسانيد صحيحة. وإذا ما اضطرّتنا مواضع خاصّة لذِكر نصّ غير معتبر؛ فإنّنا نعطف ذلك بإيضاح ملابسات الموضوع.

4 - التحليل والتصنيف

يلتقي الباحثون على صفحات هذه الموسوعة، والمتشوّفون إلى سيرة عليّ (عليه السلام) ومعارفه مع سبعة آلاف نصّ تاريخي وحديثي تدور كلّها حول الإمام.

لقد سعى هذا المشروع إلى أنْ يقدّم عِبر الأقسام والفصول مجموعة من التحليلات والنظريّات التي تتناسب مع المادّة، وأنْ يخرج من خلال تقويم النصوص بإلماعات مهمّة في مضمار التاريخ والحديث.

إنّ القارئ سيواجه على هذا الصعيد نقولاً مكثّفة تصحب فقه الحديث، نأمل أنْ تأتي نافعة مفيدة.

5 - رعاية متطلّبات العصْر وفاعليّة المحتوى

ليست (موسوعة الإمام عليّ) كتاباً تاريخيّاً محضاً يُعنى بالنصوص والوثائق التاريخيّة، التي ترتبط بحياة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما لم نكن نهدف أنْ نقدّم ترجمة صِرفة نزيد بها رقماً جديداً على التراجم الكثيرة الموجودة، بل أمعنّا النظر إلى الواقع المُعاش، وركّزنا على المتطلّبات المعاصرة ونحن ننتخب العناوين ونملأ النصوص التي جاءت تحتها.

٤٨

وحرصنا على أنْ تأتي هذه (الموسوعة) مجموعة متكاملة موحية، تهَب الدروس، وتبثّ العِبَر من حولها، وتلامس حاجات العالم الإسلامي، وتؤثّر في عقول الباحثين، وتُعين الشباب، وتمنح أُولئك الذين يرغبون أنْ تكون لهم في سيرة عليّ (عليه السلام) أُسوة في واقع الحياة، تمنحهم المثال المنشود.

كما أردنا لـ (الموسوعة) من خلال سيرة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنْ تفتح أمام البصر الإنساني مغالق الطريق، وأن تُعين في تذليل العُقَد الفكريّة والعقيديّة والسياسيّة.

على أنّ أكثر أقسام هذا المشروع نفعاً وتأثيراً هي تلك التي أضاءت النهج العلَوي، وأسفرت عن مرتكزاته في مختلف مجالات إدارة الاجتماع السياسي، وتسيير الحُكم والتعامل مع المجتمع. فهذه الأقسام هي في صميم حاجة قادة البلدان الإسلاميّة، بالأخصّ العاملين في نطاق نظام الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران.

فهذه الأقسام جسّدت على منصّة الواقع الحياةَ السياسيّة والاجتماعيّة للإمام، وأومأت ببَنان لا تخطِّئه عين إلى الواقع الحقيقي لكفاءة ذلك السياسي الواقعي، الذي ليس له مأرب من تنفيذ السياسة غير الحقّ.

فـ (الموسوعة) إذاً ليست صفحات في بطون الكتُب، بل هي من الحاضر في الجوهر، ومن الواقع اليومي في الصميم. من هذه الزاوية هي

٤٩

خليقة بالقراءة والتفكير والتأمّل، وجديرة بالعمل.

6 - الإبداع في التدوين والتنظيم

لقد صُمّمت مطالب (الموسوعة) وموضوعاتها في إطار هيكليّة هندسيّة خاصّة، بحيث يكون بمقدور الباحث أنْ يكون في صميم السياق العام للكتاب بمجرّد إلقاء نظرة عابرة، وبشيء من التأمّل يعثر على ما يريد.

فقد اختيرت العناوين بحيث تُسفِر عن محتوى الأقسام والفصول، وتستوعب جميع النصوص الموجودة. بَيد أنّ الأهمّ من ذلك أنّها حرصت على أنْ تجيء تلك العناوين حول السيرة العلَويّة البنّاءة، وهي تعبّر عن مثالٍ يُحتذى، وتعكس أسوة يمكن الاقتداء بها.

بهذا جاءت العناوين واقعيّة وليست انتزاعيّة محضة، كما لم تأتِ مغلقة مبهمة.

7 - إيضاحات الهوامش ومزايا أخرى

لكي يستغني الباحث الذي يراود هذه (الموسوعة) عن العودة إلى المصادر الأخرى في المسائل الفرعيّة، وحتّى يشقّ طريقه إلى مبتغاه بيُسر؛ جاءت إيضاحات الهوامش تضمّ ترجمة للأشخاص، وتعريفاً بالأماكن وبياناً للنقاط الغامضة التي تكتنف النصوص، مع شرح موجز للمفردات الصعبة. وقد تمّ تعزيز ذلك كلّه بخرائط مؤدّية تعكس الأمكنة والمواقع التاريخيّة بدقّة، عكَف على تصميمها متخصّصون.

٥٠

8 - أدب التكريم

عند نقل النصوص، إذا ما كانت تلك النصوص مسندة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) يُذكَر الاسم مع النقل، وعند ذِكر النبي يُشفع بصيغة (صلّى الله عليه وآله)، في حين يشفع ذِكر كلّ واحد من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بصيغة (عليهم السلام) تكريماً لهذه الأسماء المقدّسة والذوات المعصومة، حتى لو لم تحوِ النصوص في مصادرها الأصليّة هذا التكريم.

أمّا إذا كانت النصوص عن غير النبي (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، فعندئذٍ نكتفي بذِكر المصدر فقط في بدْء النصّ.

9 - أخلاقيّة الكتابة

حرصت (الموسوعة) على أنْ تلتزم في كتاباتها الأدب العلمي بدقّة، وتراعي أُصول البحث في مداها الأقصى.

إنّ من يتأمّل تاريخ الإسلام بعُمق، ويرمي ببصره تلقاء مصنّفات مختلف علماء النِحَل في دائرة الثقافة الإسلاميّة، يلمس كم احتوى ميراث أولئك - قدماء ومحدّثين - من ظُلمٍ للتشيّع، وأيَّ حَيفٍ أصاب قمّته العلياء الشاهقة!.

كما يدرك الصدود الذي أحاط إمام المجاهدين، وما نزل بصَحْبه الأبرار الذين أخلصوا له الولاء، سَواء عن طريق كتمان الحقائق، أمْ من خلال قلب وقائع التاريخ.

هذه أُمور جليّة لم تخفَ على أحد، يعرفها جميع باحثي التاريخ

٥١

الإسلامي، كما نعرفها نحن أيضاً، وقد تبدّت أمامنا بأبعاد مهولة عند كتابة (الموسوعة).

بَيد أنّ ذلك كلّه لم يجرّنا إلى موقف مماثل عند تدوين (الموسوعة) لا بدءاً، وتأسيساً، ولا بصيغة الردّ بالمِثل. فها هي ذي التحليلات والإيضاحات ووجْهات النظر والمداخل نقيّة لم يشبْها لَوث، وها هو ذا القلم عفّ ولم يهبط قطّ إلى الشتيمة ولُغة التجريح والكلام النابي وكَيْل التُهَم والمطاعن.

وفي الحقيقة جعلنا المشروع يفي بجميع أجزائه في ظلال (الأدب العلَوي)، هذا الأدب الذي يأخذ مثاله الرفيع ممّا علّمه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) صاحبَيه حِجْر بن عَدِي وعمرو بن الحمق. فهذان الحواريّان يتوقّدان عزماً، ويفيضان رسوخاً، وهما مملوءان حماساً وغيرة، فأنّى لهما أنْ يصبرا على أباطيل العدوّ وزُخرفه، وما صار يستجيشه من ضوضاء هائجة؟.

لقد راحا يُدَمدِمان بألسنتهما ضدَّ العدوّ، فما كان من أمير المؤمنين (عليه السلام) إلاّ أنْ علّمهما أدَب المواجهة، فقال لهما بعد أنْ ذكّرهما بأنّهم على الحقّ وأنْ عدوّهم على الباطل:

(كرهتُ لكم أنْ تكونوا لعّانين، تشتمون وتتبرّؤون، ولكن لو وصَفتم مساوئ أعمالِهم فقلتم: مِن سيرتهم كذا وكذا، ومِن عملهم كذا وكذا، كان

٥٢

أصوَب في القول، وأبلغ في العُذر) (1) .

واضح إذن أنّ ذِكر شخص وفِعاله وتحليل سلوكه، أو تسليط أضواء كاشفة على ما يلفّ فِعال بعض مَن تنكَّب عن الحقّ والصواب، وما صدر عنه من سلوك شائن - لا يمكن أنْ يُعدّ إساءة نابية، بل هو من الوعي التاريخي والدفاع عن الحقّ بالصميم. ومن ثَمّ إذا ما احتوت (الموسوعة) شيئاً من هذا، فهو تعبير عن واقع لا أنّه ينمّ عن إساءة جارحة.

ومع ذاك سعَينا أنْ ننظر إلى المسائل برؤية الأُسلوب التحليلي والبحث العلمي، وليس من خلال العناد والتعصّب الأعمى المقيت. ومِن ثَمّ لم يتمّ التوهين بمقدّسات أيّ نِحلة، ولم نطعن بشخصٍ قطّ.

على هذا نأمل أنْ تجيء (الموسوعة) خطوة على طريق التقريب بين المذاهب، وأنْ يكون شخوص (الأدَب العلَوي)، وتبلوره فيها سبباً لانتفاع الجميع، ويهيّئ الأجواء لوحدة كلمة المؤمنين.

شُكر وتقدير

حيث شارف هذا المدخل على نهايته، ولمّا يُمسِك القلم بعدُ نبتهل - مرّة أُخرى - إلى الله سبحانه ضارعِين بقلوب مفعمة، بالشكر والثناء على ما أنعم به من تيسير كريم وفضلٍ جسيم، وما امتنّ به من توفيق عظيم

____________________

(1) وقعة صفّين: 103.

٥٣

لهذه الخدمة العَلَويّة الجليلة.

كما نوجّه شكرنا وثناءنا إلى كلّ جهدٍ كريم شارك في هذا المشروع في إطار مختلف المجاميع، وكان له سهم في التأليف والتحقيق والتخريج، وفي الطباعة والتصحيح والتدقيق، ونخصّ بالذِكر الباحثَين الكريمَين الجليلين السيّد محمّد كاظم الطباطبائى والسيّد محمود الطباطبائى نژاد ، اللذَين بذَلا جهوداً مخلصة مشكورة في تدوين هذه المجموعة، وكانا معنا رفيقَي درب في هذه الرحلة الممتدّة من عام 1413 هـ. كما نشكر الأستاذ الفاضل الشيخ محمّد علي مهدوي راد الذي أعاننا على تهيئة البيانات والتحليلات.

وأتقدّم بشكري الخالص وثنائي الجزيل أيضاً إلى مسؤول قسم تدوين الموسوعة في مركز دراسات دار الحديث المحقّق العزيز الشيخ عبد الهادي المسعودي، الذي بذل جهداً محموداً في تنظيم الصيغة الأخيرة وإعداد العمل وإنجازه في الموعد المقرّر.

إلهي..

اجعلنا في حزب عليّ (عليه السلام) الذي هو حزب رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، واكتبنا في المفلحين الفائزين.

واجعلنا في صفّ جنودك المحبّين لك الوالهين بك، وفي عِداد حُماة دينك، المنافحين عن نقاء الفكر الإسلامي، وصُن ألسنتنا وأقلامنا من الزلَل، وأقِلْها من العثرات والباطل، واجعل ما نكتب ونقول خدمةً لغايات

٥٤

الحُكم العلَويّ، وأرضاً صلبة توطئ إلى الحكومة العالميّة لوليّ الله الأعظم الإمام المهدي (عليه السلام).

وآخِر دعوانا أنْ الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطاهرين.

محمد محمّدي الرَّيشَهري

ربيع الثاني 1421 هـ

٥٥

٥٦

القسم الأوّل

أُسرة الإمام عليّ

وفيه فصول:

الفصل الأوّل: الولادة

الفصل الثاني: النشأة

الفصل الثالث: الزواج

الفصل الرابع: الأولاد

٥٧

٥٨

الفصل الأوّل

الولادة

1 / 1

النَسَب

إنّ أُرومة الناس دليلٌ على شخصيّتهم وفكرهم وثقافتهم. فأُولوا النزاهة والصلاح والعقل والحكمة ينحدرون - في الغالب - من أُسَر كريمة طيّبة مهذّبة، وذووا السوء والقبح والشرّ غالباً هم ممّن نشأ في أحضان غير سليمة، وانحدر من أُصول لئيمة. ويتجلّى القسم الأوّل في الأنبياء - الذين هم عِلْية وجوه التاريخ، وقِمم الشرف والكرامة والعزّة - ومَنْ تفرّع من دوحاتهم، ورسخت جذوره في بيوتاتهم الرفيعة.

وكانت لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) جذور ضاربة في سلالة طاهرة كريمة، هي سلالة إبراهيم (عليه السلام)، فهو كرسول الله (صلّى الله عليه وآله) في ذلك، وإبراهيم (عليه السلام) هو بطل التوحيد، الراغب إلى الله، المُغرم بحبّه، وهو الواضع سنّة الحجّ، رمز العبودية ومقارعة الشِرك. وهكذا فالحديث عن جُدود النبي (صلّى الله عليه وآله) حديث عن جدود

٥٩

عليّ (عليه السلام)، والكلام عن سلالته (صلّى الله عليه وآله) هو بعينه الكلام عن سلالة أخيه ووصيّه (عليه السلام)، قال (صلّى الله عليه وآله) في أسلافه:

(إنّ الله اصطفى من وِلد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من وِلد إسماعيل بني كِنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) (1) .

وهكذا فبنو هاشم هم صفوةٌ اختيرت من بين صفوة الأُسَر، ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعليّ (عليه السلام) هما صفوة هذه الصفوة، قال الإمام (عليه السلام) واصفاً سلالة النبيّ (صلّى الله عليه وآله):

(أُسرَتُه خير الأُسَر، وشجَرته خير الشجَر؛ نَبَتت في حرَم، وبَسَقت في كَرَم، لها فروعٌ طِوال، وثمَرٌ لا يُنال) (2) .

وهذا الثناء - بحقّ - هو ثناء على سلالته (عليه السلام) أيضاً، حيث قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):

(أنا وعليّ من شجرة واحدة) (3) .

وقال: (لحمُه لحمي، ودمُه دمي) (4) .

وعلى هذا يكون بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبيت عليّ هو بيت النبوّة، وأُرومتهما أُرومة النور والكرامة، وهما المصطَفَيان من نَسل إبراهيم وبني هاشم، مع خصائص ومزايا سامقة: كالطهارة، والفصاحة، والسماحة، والشجاعة، والذكاء، والحياء، والعفّة، والحِلم، والصبر وأمثالها (5) . ناهيك عن منزلتهما المرموقة

____________________

(1) سنن الترمذي: 5 / 583 / 3605، كفاية الطالب: 410.

(2) نهج البلاغة: الخطبة 94 والخطبة 161 نحوه وراجع الخطبة 96.

(3) و (4) راجع: القسم التاسع / عليّ عن لسان النبي / الخِلْقة / أنا وعليّ من نور واحد.

(5) راجع: كتاب (أهل البيت في الكتاب والسنّة) / جوامع خصائصهم.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

سمعك و بصرك و باقي جوارحك حتى شعرك(١) .

هذا ، و قال الصابي في بعض امراء عصره في شهر رمضان(٢) :

يا ذا الذي صام عن الطعم

ليتك قد صمت عن الظّلم

هل ينفع الصوم امرءا ظالما

أحشاؤه ملأى من الإثم

« و شكر قيامه » أي : قبل صلاته ، و لا تقبل الصلاة إلاّ بالإقبال فيها على اللَّه ، إن كلا فكل و إن جزءا فجزء .

« و كل يوم لا يعصى اللَّه فيه فهو عيد » قالعليه‌السلام : لا تأمن البيات و قد عملت السيئات(٣) .

و قال أيضا : و لا تبدينّ عن واضحة و قد عملت الأعمال الفاضحة(٤) .

و قالوا : ليس العيد لمن لبس الجديد ، إنّما العيد لمن سلم من الوعيد ، و ليس العيد لمن ركب المطايا ، إنّما العيد لمن ترك الخطايا ، و ليس العيد لمن حضر المصلّى ، إنّما العيد لمن صام و صلّى .

و في ( الفقيه ) : نظر الحسن بن عليعليهما‌السلام إلى ناس في يوم فطر يلعبون و يضحكون ، فقالعليه‌السلام لأصحابه : إنّ اللَّه عز و جل خلق شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى رضوانه ، فسبق فيه قوم ففازوا و تخلّف

____________________

( ١ ) الكافي ٤ : ٨٧ ح ٣ و أورد أيضا مسندا إلى محمد بن مسلم عن أبي عبد اللَّهعليه‌السلام : إذا صمت فليصم سمعك و بصرك و شعرك و جلدك و عدّد أشياء غير هذا و قال : لا يكون يوم صومك كيوم فطرك الكافي ٤ : ٨٧ و ذكره الفيض الكاشاني في المحجّة البيضاء ٢ : ١٣١ ، كذا ذكره الأشعري في النوادر : ٢٢ ٢٣ .

( ٢ ) هو أبو إسحاق إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون بن حبّون الحرّاني الصابي‏ء ، صاحب الرسائل المشهورة و النظم البديع ، كان كاتب الإنشاء ببغداد عن الخليفة و عن عز الدولة بختيار بن معز الدولة ابن بويه الديلمي ، ترجم له ياقوت الحموي في معجم الادباء ٢ : ٢٠ و الثعالبي في اليتيمة ٢ : ٢٤٣ ٣١٢ ، و ابن خلّكان في وفيات الأعيان ١ : ٥٢ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٧٣ ح ٢١ .

( ٤ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٣ : ٣٣٤ ح علي بن اسباط .

٢٦١

آخرون فخابوا ، فالعجب كلّ العجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون و يخيب فيه المقصّرون ، و أيم اللَّه لو كشف الغطاء لشغل كلّ محسن بإحسانه و مسي‏ء بإساءته(١) .

و في الخبر : إنّ الملائكة ينادون الناس في أول أوقات الصلاة و يقولون لهم : قوموا و أطفئوا بالصلاة في أوّل الوقت النيران التي أوقدتموها على ظهوركم(٢) .

و كما أنّ من أصيب بمصيبة في يوم عيد ليس له فيه سرور كباقي الناس في العيد ، حتى ورد عن الباقرعليه‌السلام : ما عيد للمسلمين أضحى و لا فطر إلاّ و يجدّد لآل محمّدعليهم‌السلام فيه حزن : قيل : و لم ذاك ؟ قال : لأنّهم يرون حقّهم في يد غيرهم كذلك من اصيب بخطيئة فيه استحقت العقوبة به(٣) .

و في ( عيون ابن قتيبة ) قال زيد الحميري : قلت لثوبان الراهب : أخبرني عن لبس النصارى هذا السواد ما المعنى فيه ؟ قال : هو أشبه بلبس أهل المصائب قلت : كلّكم معشر الرهبان اصيب بمصيبة قال : و أي مصيبة أعظم من مصيبة الذنوب قال : فلا أذكر قوله ذاك إلاّ أبكاني(٤) .

هذا و قال الصابي يهنّى‏ء عضد الدولة بعيد الفطر :

يا ماجدا يده بالجود مفطرة

و فوه من كل هجر صائم أبدا

أسعد بصومك إذ قضّيت واجبه

نسكا و وفّيته من شهره العددا

و اسحب بذا العيد أذيالا مجدّدة

و استقبل العيش في إفطاره رغدا(٥)

____________________

( ١ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ١ : ٣٢٤ ح ٨٣ انتشارات إمام الهدى قم .

( ٢ ) التهذيب للطوسي ١ : ٢٠٣ و من لا يحضره الفقيه ١ : ٦٧ ، و ثواب الأعمال : ٢٠ ، و المحاسن : ٢٧ ، و الوسائل ٢ : ٨٨ .

( ٣ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ١ : ٣٢٤ رواية ١٤٨٤ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٢٩٧ بتصرف .

( ٥ ) يتيمة الدهر للثعلبي ٢ : ٢٧٦ .

٢٦٢

و قال الصابي أيضا في بعض الوزراء :

يصوم الوزير الدهر عن كلّ منكر

و ليس لهذا الصوم عيد و لا فطر

و يفطر بالمعروف و الجود و الندى

و ليس لهذا الفطر صوم و لا حظر(١)

١١ الحكمة ( ٥٣ ) و قالعليه‌السلام :

اَلسَّخَاءُ مَا كَانَ اِبْتِدَاءً فَأَمَّا مَا كَانَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَحَيَاءٌ وَ تَذَمُّمٌ في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام قال : بعث أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى رجل يرجو نوافله و لا يسأله بخمسة أو ساق تمر فقال لهعليه‌السلام رجل : و اللَّه ما سألك فلان و لقد كان يجزيه من الخمسة أو ساق وسق واحد فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام له : لا كثّر اللَّه في المؤمنين ضربك ، اعطي أنا و تبخل أنت إذا أنا لم اعط الذي يرجوني إلاّ من بعد المسألة فلم أعطه ثمن ما أخذت منه ، و ذلك لأني عرّضته أن يبذل لي وجهه الذي يعفّره في التراب لربي و ربّه عند تعبّده له و طلب حوائجه إليه ، فمن فعل هذا بأخيه المسلم و قد عرف أنّه موضع لصلته و معروفه فلم يصدّق اللَّه تعالى دعاءه له في قوله : « اللّهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات » ، فإذا دعا لهم بالمغفرة فقد طلب لهم الجنة فما أنصف من فعل هذا بالقول و لم يحققه بالفعل(٢) .

و قال الأحنف : إذا لم أصل مجتدي حتى ينتح جبينه عرقا كما ينتح الحمّيت فو اللَّه ما وصلته و الحمّيت الزق الذي لا شعر فيه .

و في ( تاريخ بغداد ) : لمّا خرج عبد اللَّه بن طاهر إلى المغرب كان معه

____________________

( ١ ) يتيمة الدهر للثعلبي ٢ : ٢٧٧ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٤ : ٢٢ ح ١ .

٢٦٣

كاتبه أحمد بن نهيك ، فلما نزل دمشق اهديت إلى أحمد هدايا كثيرة في طريقه و بدمشق و كان يثبت كلّ ما يهدى إليه في قرطاس و يدفعه إلى خازن له ، فلمّا نزل عبد اللَّه بن طاهر دمشق أمر أحمد أن يعود عليه بعمل كان أمره أن يعمله ، فأمر أحمد خازنه أن يخرج إليه قرطاسا فيه العمل الذي أمر بإخراجه و يضعه في المحراب بين يديه لئلاّ ينساه وقت ركوبه في السحر ، فغلط الخازن فأخرج إليه القرطاس الذي فيه ثبت ما أهدي إليه فوضعه في المحراب ، فلما صلّى أحمد الفجر أخذ القرطاس و وضعه في خفّه ، فلما دخل على عبد اللَّه سأله عمّا أمره به ، فأخرج الدرج من خفه فدفعه إليه ، فقرأه عبد اللَّه من أوله إلى آخره و تأمّله ثم أدرجه و دفعه إلى أحمد و قال له : ليس هذا الذي أردت فلما نظر أحمد فيه اسقط في يديه ، فلمّا انصرف إلى مضربه وجّه إليه عبد اللَّه يعلمه أنّي قد وقفت على ما في القرطاس فوجدته سبعين ألف دينار ، و اعلم أنّك لزمتك مؤونة عظيمة في خروجك و معك زوّار و غيرهم ، و أنّك تحتاج إلى برّهم و ليس مقدار ما صار إليك يفي‏ء بمؤونتك ، و قد وجّهت إليك بمائة ألف دينار لتصرفها في الوجوه التي قلت(١) .

١٢ الحكمة ( ٥٦ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْغِنَى فِي اَلْغُرْبَةِ وَطَنٌ وَ اَلْفَقْرُ فِي اَلْوَطَنِ غُرْبَةٌ أقول : نظم معنى قولهعليه‌السلام « الغنى في الغربة وطن » بالفارسية من قال :

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٤٨٤ ٤٨٥ و هو عبد اللَّه بن طاهر بن الحسين بن مصعب ، ولاّه المأمون الشام ثم ولاّه إمارة خراسان ، فأقام بها حتى مات .

٢٦٤

منعم بكوه و دشت و بيابان غريب نيست

هر جا كه رفت خيمه زد و بارگاه كرد(١)

و نظم معنى « و الفقر في الوطن غربة » بالعربية مع تصرف فيه من قال :

فلو أنّي جعلت أمير جيش

لمّا قاتلت إلاّ بالسّؤال

فإنّ النّاس ينهزمون منه

و قد ثبتوا لأطراف العوالي(٢)

و نظم معنى الجملتين من قال :

ألم تر أنّ الفقر يهجر بيته

و بيت الغنى يهدى له و يزار(٣)

١٣ الحكمة ( ٥٩ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ حَذَّرَكَ كَمَنْ بَشَّرَكَ أقول : وجه كون المحذّر كالمبشّر أنّ المبشّر يبشّر بوقوع محبوب و نجاة و المحذّر يحذّر من الوقوع في المهالك .

و كما كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بشيرا بالثواب للمطيعين كان نذيرا بالعقاب للعاصين .

و في ( الكافي ) قال محمد بن عذافر : قال أبو عبد اللَّهعليه‌السلام لأبي : نبّئت أنّك تعامل أبا أيوب و الربيع ، فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة قال : فوجم

____________________

( ١ ) دهخدا ، حكم و أمثال ٤ : ١٧٤٦ .

( ٢ ) البيتان بعيتدان عن فحوى النصّ ، و هناك من نظم أبياتا موافقة المعنى النصّ منها :

ان الدراهم في الوطن كلها

تكو الرجال مهاية و جمالا

فهي اللسان لمن أراد فصاحة

و هي السلاح لمن أراد قتالا

( الأبشيهي ، المستطرف ٢ : ٩٧ ) .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٢٤٢ .

٢٦٥

أبي فقالعليه‌السلام له : إنّما خوّفتك بما خوّفني اللَّه تعالى به قال : فلم يزل أبي مغموما مكروبا حتى مات(١) .

١٤ الحكمة ( ٢٨١ ) و قالعليه‌السلام :

لَيْسَتِ اَلرَّوِيَّةُ مَعَ اَلْإِبْصَارِ فَقَدْ تَكْذِبُ اَلْعُيُونُ أَهْلَهَا وَ لاَ يَغُشُّ اَلْعَقْلُ مَنِ اِسْتَنْصَحَهُ « ليست الرؤية مع الابصار » هكذا في ( ابن أبي الحديد(٢) و ابن ميثم )(٣) و نسختهما الصحيحة لا سيما الثاني الذي نسخته بخط مصنفه ، و امّا ما في الطبعة المصرية « ليست الرؤية كالمعاينة مع الابصار » فالظاهر أن « كالمعاينة » كان حاشية لبيان المعنى فخلط بالمتن كما هو كثير في الطبعة المصرية .

و حينئذ فالمعنى ليست الرؤية الحقيقية برؤية البصر بل برؤية العقل و النظر ، و حينئذ « فالأبصار » بالفتح جمع البصر بمعنى العيون .

« فقد تكذب العيون أهلها » كذب العين كناية فصيحة عن عدم كون ما رأته العين بالظاهر موجودا في الواقع ، قال الشاعر :

كذبتك عينك أم رأيت بواسط

غلس الظلام من الرباب خيالا(٤)

و الشاهد لوقوع الكذب من العين أحيانا أنّها ترى الكبير من بعيد صغيرا و قد ترى الصغير كبيرا ، و ترى القمر كبيرا ، و ترى القمر تحت السحاب

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ١٠٥ ح ١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٧٣ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ، أورده بلفظ « كالمعاينة » انظر ٥ : ٣٨٦ .

( ٤ ) البيت للأخطل ، لسان العرب ١ : ٢٢٢ .

٢٦٦

المتحرّك سائرا و انما السير للسحاب ، و ترى عند الوقوف على نهر جار الساحل جاريا و الجري للنهر .

« و لا يغش العقل من استنصحه » بخلاف باقي المستنصحين ، فقد يغشون و لا يبيّنون لك الرأي الصحيح ، و حينئذ فالرؤية الحقيقية إنّما هي لرؤية العقل الذي لا يكذب أصلا .

٢٦٧

الفصل السابع و الخمسون في الفقر

٢٦٨

١ الحكمة ( ١٦٣ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْفَقْرُ اَلْمَوْتُ اَلْأَكْبَرُ أقول : هو من حديث الأربعمائة الذي رواه الخصال عن أبيه عن سعد عن اليقطيني عن القاسم بن يحيى عن جدّه الحسن بن راشد عن أبي بصير و محمد ابن مسلم عن الصادقعليه‌السلام عن آبائه عنهعليهم‌السلام تحت عنوان ( علّم أمير المؤمنينعليه‌السلام أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه و دنياه )(١) .

و في ( المعاني ) قال الحرث الأعور لأمير المؤمنينعليه‌السلام : ما الفقر ؟ قال :

الحرص و الشره(٢) .

____________________

( ١ ) الخصال للصدوق ٢ : ٦٢٠ .

( ٢ ) معاني الأخبار للصدوق : ٢ ، أخرجه الأصبغ بن نباتة عن الحارث بن الأعور قال : كان فيما سأل عنه علي بن أبي

٢٦٩

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : قيل له قولهم الفقر الموت الأحمر هو من الدينار و الدرهم ؟ قال : لا ، و لكن من الدين(١) .

و روي عن لقمان ، قال لقمان لابنه : حملت الجندل و الحديد و كلّ حمل ثقيل فلم أحمل شيئا أثقل من جار السوء ، و ذقت المرارات فلم أذق شيئا أمرّ من الفقر(٢) .

قلت : و أصل الفقير في اللغة من كسر فقار ظهره .

٢ الحكمة ( ٣١٩ ) و قالعليه‌السلام لابنه محمّد بن الحنفية :

يَا بُنَيَّ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ اَلْفَقْرَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْهُ فَإِنَّ اَلْفَقْرَ مَنْقَصَةٌ لِلدِّينِ مَدْهَشَةٌ لِلْعَقْلِ دَاعِيَةٌ لِلْمَقْتِ قول المصنف « و قالعليه‌السلام لابنه محمد بن الحنفية » هو أكبر أولاده بعد الحسنينعليهم‌السلام اشتهر بالنسبة إلى امّه خولة الحنفية قال المدائني : إنّ زبيدا سبتها من بني حنيفة ، ثم ارتدّت زبيد مع عمرو بن معد يكرب باليمن ، فبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنينعليه‌السلام فأصابها فصارت في سهمه و قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله له : إن ولدت منك غلاما فسمّه باسمي و كنّه بكنيتي(٣) قال ابن قتيبة : مات بالطائف هاربا من ابن الزبير(٤) .

و قالعليه‌السلام له أيضا على ما روى الخصال في باب الثلاثة : إيّاك و العجب طالبعليه‌السلام ابنه الحسنعليه‌السلام إن قال : ما الفقر قال : الحرص و الشره .

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٦ ح ٢ .

( ٢ ) ذكره المجلسي عن الصادقعليه‌السلام ١٣ : ٤٢١ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ١٩ : ٢٤٤ .

( ٤ ) المسعودي ، مروج الذهب ٣ : ١٢٣ .

٢٧٠

و سوء الخلق و قلّة الصبر ، فانّه لا يستقيم لك على هذه الخصال الثلاث صاحب و لا يزال لك عليها من الناس مجانب ، و ألزم نفسك التودّد و صبّر على مؤونات الناس نفسك ، و ابذل لصديقك نفسك و مالك ، و لعرفتك رفدك و محضرك ، و للعامة بشرك و محبتك ، و لعدوّك عدلك و إنصافك ، و اضنن بدينك و عرضك عن كلّ أحد(١) .

قولهعليه‌السلام « يا بنيّ إنّي أخاف عليك الفقر فاستعذ باللَّه منه » في دعاء أبي حمزة للسجّادعليه‌السلام « أعوذ بك من الفقر و الفاقة و كلّ بلية ، و الفواحش كلّها ما ظهر منها و ما بطن »(٢) .

« فان الفقر منقصة للدّين » كون الفقر سببا لنقص الدين أنّ الفقير يتواضع غالبا للغنيّ ، و من تواضع لغنيّ ذهب ثلثا دينه .

و عنهمعليهم‌السلام : كاد الفقر أن يكون كفرا(٣) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم العون على التقوى المال(٤) .

« مدهشة للعقل » قال شاعر :

إذا قلّ مال المرء قلّ حياؤه

و ضاقت عليه أرضه و سماؤه

و أصبح لا يدري و إن كان حازما

أقدّامه خير له أم وراؤه(٥)

« داعية للمقت » أي : انّه سبب لبغض الناس له ، فقالوا : المفلس عند الناس أكذب من لمعان السراب و من سحاب تموز ، لا يسأل عنه إن غاب و لا يسلّم عليه إذا قدم ، إن غاب شتموه و إن حضر طردوه ، مصافحته تنقض الطهارة

____________________

( ١ ) الخصال للصدوق ١ : ١٤٧ ح ١٧٨ .

( ٢ ) مفاتيح الجنان للقمي ، دعاء أبي حمزة الثمالي : ٣٥٦ .

( ٣ ) أخرجه الصدوق عن هشام بن سالم عن الصادقعليه‌السلام الأمالي : ٢٤٣ ح ٦ .

( ٤ ) تحف العقول : ٣٥ .

( ٥ ) المحاسن و المساوى‏ء للبيهقي ١ : ٢١٥ .

٢٧١

و قراءته تقطع الصلاة .

و في ( تاريخ بغداد ) : سئل أبو محمد الجريري عن الفقر و الغنى أيّهما أفضل ؟ فقال : لو لم يكن من فضل الفقر إلاّ ثلاث : إسقاط المطالبة ، و قطع عن المعصية ، و تقديم الدخول إلى الجنّة ، لكفى فقال أبو العباس بن عطا : يا سبحان اللَّه و أيّ فضل يكون أفضل ممّا أضافه اللَّه تعالى إلى نفسه ؟ و أيّ شي‏ء يكون أعجز من شي‏ء تنافى اللَّه تعالى عنه ؟ فانّه تعالى أضاف الغنى إلى نفسه و تنافى عن الفقر و اعتدّ على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :( و وجدك عائلا فأغنى ) (١) فإن احتجّ محتجّ بأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله عرض عليه مفاتيح الدنيا و لم يقبلها ، فيقال له :

تركها اختيارا و التارك لا يكون إلاّ غنيا(٢) .

٣ الحكمة ( ٣٤٦ ) و قالعليه‌السلام :

مَاءُ وَجْهِكَ جَامِدٌ يُقْطِرُهُ اَلسُّؤَالُ فَانْظُرْ عِنْدَ مَنْ تُقْطِرُهُ أقول : هكذا في الطبعة ( المصرية )(٣) ، و لكن في ( ابن أبي الحديد(٤) و الخطية(٥) بدل « ماء وجهك جامد » « وجهك ماء جامد » و الصواب هنا ما في الطبعة المصرية لتصديق ( ابن ميثم )(٦) الذي نسخته بخط المصنف لمّا فيها .

____________________

( ١ ) الضحى : ٨ .

( ٢ ) لم يرد ذلك في تاريخ بغداد في ترجمة أحمد بن محمّد ( أبو محمّد الجريري ) ٤ : ٤٣٠ رقم ( ٢٣٣٣ ) كما أن الخطيب البغدادي لم يترجم لحياة عبد اللَّه بن عطاء ( أبي العباس بن عطاء ) .

( ٣ ) الطبعة المصرية : ٧٣٧ رقم ( ٣٤٥ ) .

( ٤ ) نسخة التحقيق لشرح بن أبي الحديد بهذا اللفظ ماء وجهك جامد ١٩ : ٢٦١ .

( ٥ ) النسخة الخطية سقط النصّ منها ( نسخة مكتبة المرعشي ) .

( ٦ ) شرح ابن ميثم ، شرح نهج البلاغة ٥ : ٤١١ .

٢٧٢

و كيف كان فيجوز في « يقطر » و « تقطر » التخفيف مجردا و التشديد ، ففي الصحاح « قطر الماء و قطرته » يتعدّى و لا يتعدّى ، و تقطير الشي‏ء إسالته قطرة قطرة(١) .

و لا يجوز أن يكونا بضم المضارعة من باب الافعال ، فمعنى « اقطر » حان له أن يقطر ، و لا مناسبة له هنا .

دخل محمد بن واسع على بعض الامراء فقال : أتيتك في حاجة فإن شئت قضيتها فكنّا كريمين ، و إن شئت لم تقضها و كنّا لئيمين ، أراد انّه إذا لم يقضها كان طالب الحاجة أيضا لئيما حيث طلب حاجته من غير أهلها(٢) .

و قال الطائي :

أعياش انّك لئيم و إنّني

مذ صرت موضع مطلبي للئيم(٣)

و قال أبو العيناء لمن طلب إليه حاجة فلم يقضها : سألتك حاجة فرددت بأقبح من وجهك و قال الطائي :

رددت رونق وجهي في صحيفته

ردّ الصقال بهاء الصارم الخذم

و ما ابالي و خير القول أصدقه

حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمي(٤)

و قال أبو الأسود :

و إنّ أحقّ الناس إن كنت مادحا(٥)

بمدحك من أعطاك و الوجه وافر(٦)

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ٢ : ٧٩٦ مادة ( قطر ) .

( ٢ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ١ : ٢٦١ .

( ٣ ) أورده ابن عبد ربه بلفظ آخر فيه اختلاف قليل ١ : ٢٦٢ .

( ٤ ) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ١٩ : ٢٦١ .

( ٥ ) في ديوانه حامدا .

( ٦ ) ديوان أبي الأسود الدؤلي : ١٩٣ .

٢٧٣

لآخر :

إذا أظمأتك أكفّ الرجال

كفتك القناعة شبعا و ريّا

فكن رجلا رجله في الثرى

و هامة همّته في الثريّا

فإنّ إراقة ماء الحياة

دون إراقة ماء المحيّا(١)

و قال بشار في عمر بن العلاء :

دعاني إلى عمر جوده

و قول العشيرة بحر خضم

و لو لا الذي زعموا لم أكن

لأمدح ريحانة قبل شم(٢)

و في ( الكافي ) عن الحارث الهمداني قال : سامرت أمير المؤمنينعليه‌السلام فقلت : عرضت لي حاجة قال : رأيتني لها أهلا ؟ قلت : نعم قال : جزاك اللَّه عنّي خيرا ، ثم قام إلى السراج فأغشاها و جلس ثم قال : انّما أغشيت السراج لئلا أرى ذلّ حاجتك في وجهك فتكلّم فإنّي سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الحوائج أمانة من اللَّه في صدور العباد ، فمن كتمها كتبت له عبادة و من أفشاها كان حقّا على من سمعها أن يعينه(٣) .

و عن الصادقعليه‌السلام قال : ما توسّل أحد إليّ بوسيلة و لا تذرّع بذريعة أقرب له إلى ما يريده منّي من رجل سلف إليه منّي يد اتبعها اختها و أحسنت ربّها أي تربيتها فإنّي رأيت منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل ، و لا سخت نفسي بردّ بكر الحوائج و قد قال الشاعر :

و إذا بليت ببذل وجهك سائلا

فابذله للمتكرّم المفضال

إنّ الجواد إذا حباك بموعد

أعطاكه سلسا بغير مطال

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ١٩ : ٢٦١ .

( ٢ ) ابن قتيبة ، الشعر و الشعراء : ١٧٧ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٤ : ٢٤ ح ٤ .

٢٧٤

و إذا السّؤال مع النوال و زنته رجح السّؤال و خفّ كل نوال(١) و عن الرضاعليه‌السلام : سأله رجل أن يعطيه ما يصل إلى بلده ، فدخل و ردّ الباب و أعطاه من أعلى الباب ، فقيل لهعليه‌السلام في ذلك ، فقال : أما سمعت قول الأول :

متى آته يوما لأطلب حاجة رجعت إلى أهلي و وجهي بمائه(٢) هذا ، و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ما من عبد يسأل من غير حاجة فيموت حتى يحوجه اللَّه إليها و يثبت اللَّه له بها النار(٣) و عنهعليه‌السلام أيضا : رحم اللَّه عبدا عفّ و تعفّف و كفّ عن المسألة ، فإنّه يتعجّل الدنيّة في الدّنيا و لا يغني الناس عنه شيئا ثم تمثّل ببيت حاتم :

إذا ما عرفت اليأس ألفيته الغنى إذا عرفته النفس و الطمع الفقر(٤) و عنهعليه‌السلام : جاءت فخذ من الأنصار إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : لنا حاجة .

قال : هاتوا قالوا : إنّها عظيمة فقال : هاتوها ما هي ؟ قالوا : تضمن لنا على ربّك الجنّة فنكس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رأسه ثم نكت في الأرض ثم رفع رأسه فقال : أفعل ذلك بكم على أن لا تسألوا أحدا شيئا فكان الرجل منهم يكون في السفر فيسقط سوطه فيكره أن يقول لإنسان : ناولنيه فرارا من المسألة و ينزل فيأخذه ، و يكون على المائدة فيكون بعض الجلساء أقرب إلى الماء منه فلا يقول : ناولني ، حتى يقوم فيشرب(٥) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان اللَّه تعالى أحبّ شيئا لنفسه و أبغضه لخلقه ، أبغض

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٤ : ٢٥ ح ٥ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٤ : ٢٥ ح ٣ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٤ : ١٩ ح ٣ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٤ : ٢١ ح ٦ .

( ٥ ) أورده المجلسي في بحار الأنوار ٩٦ : ١٥٧ .

٢٧٥

لخلقه المسألة و أحبّ لنفسه أن يسأل ، و لا يستحي أحدكم أن يسأل اللَّه من فضله و لو شسع نعل(١) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا : و الذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبلا ثم يدخل عرض هذا الوادي فيحتطب حتى لا يلتقي طرفاه ثم يدخل به إلى السوق فيبيعه بمدّ من تمر و يأخذ ثلثيه و يتصدّق بثلثه خير له من أن يسأل الناس ، أعطوه أو حرموه(٢) .

و عن الباقرعليه‌السلام : لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا ، و لو يعلم المعطي ما في العطية ما ردّ أحد أحدا(٣) .

٤ الحكمة ( ٤٢٧ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ شَكَا اَلْحَاجَةَ إِلَى مُؤْمِنٍ فَكَأَنَّمَا شَكَاهَا إِلَى اَللَّهِ وَ مَنْ شَكَاهَا إِلَى كَافِرٍ فَكَأَنَّمَا شَكَا اَللَّهَ هكذا في ( ابن أبي الحديد(٤) و ابن ميثم )(٥) و الخطية و ما في الطبعة المصرية(٦) غلط .

أقول : في ( روضة الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام قال لبعض شيعته : إذا نزلت بك نازلة فلا تشكها إلى أحد من أهل الخلاف ، و لكن اذكرها لبعض إخوانك

____________________

( ١ ) الكافي ٤ : ٢٠ ح ٤ .

( ٢ ) أخرجه البخاري عن أبي هريرة بلفظ مشابه ١ : ٢٥٧ باب الزكاة و ذكره الهندي في كنز العمّال ٦ : ٤٩٧ ح ١٦٧٠٠ .

( ٣ ) الكافي ٤ : ٢٠ ح ٢ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ٢٠ : ٧٢ .

( ٥ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٤٩ و انظر النسخة الخطية : ٣٢٧ .

( ٦ ) راجع الطبعة المصرية : ٧٥٦ شرح محمّد عبده .

٢٧٦

فانّك لن تعدم خصلة من أربع : إمّا كفاية بمال ، أو معونة بجاه ، أو دعوة فتستجاب ، أو مشورة برأي(١) .

هذا ، و في ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال اللَّه تعالى : من مرض ثلاثا فلم يشك إلى أحد من عوّاده أبدلته لحما خيرا من لحمه و دما خيرا من دمه ، فإن عافيته عافيته و لا ذنب له ، و إن قبضته قبضته إلى رحمتي(٢) .

و في خبر : إن قال حممت اليوم أو سهرت البارحة ليس بشكاة ، إنّما الشكوى أن يقول : لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد ، و أصبت ما لم يصب أحدا(٣) .

____________________

( ١ ) الروضة في الكافي للكليني ٨ : ١٧٠ الرواية ١٩٢ عن الحسن بن راشد .

( ٢ ) الكافي للكليني ٣ : ١١٥ حديث ١ مسند عن جابر عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام .

( ٣ ) الكافي للكليني ٣ : ١١٦ ، حديث ١ أسنده إلى جميل بن صالح عن أبي عبد اللَّهعليه‌السلام .

٢٧٧

الفصل الثامن و الخمسون كلامهعليه‌السلام في النساء

٢٧٨

١ الحكمة ( ١٢٤ ) و قالعليه‌السلام :

غَيْرَةُ اَلْمَرْأَةِ كُفْرٌ وَ غَيْرَةُ اَلرَّجُلِ إِيمَانٌ أقول : « الغيرة » بالفتح صرح به ابن السّكّيت(١) ، روى ( الكافي ) عنهعليه‌السلام قال : كتب اللَّه الجهاد على الرجال و النساء ، و جهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها و غيرته(٢) و في خبر آخر و جهاد المرأة حسن التبعل .

و روى ( الطبري ) عن ابن عباس قال : إنّ ليلى بنت الخطيم الخزرجية أقبلت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و هو مولّ ظهره الشمس ، فضربت على منكبه فقال : من هذه ؟ قالت : أنا ابنة مباري الريح ، جئتك أعرض عليك نفسي فتزوّجني قال : قد فعلت فرجعت إلى قومها فقالت : قد تزوّجني النبيّ فقالوا : بئس ما صنعت ، أنت امرأة غيرى و النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صاحب نساء ، إستقيليه نفسك ، فرجعت إلى

____________________

( ١ ) اصلاح المنطق لابن السّكّيت : ٢٨٣ ، و ذكره ابن سيده في الصحاح ٢ : ٧٧٦ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٥ : ٩ ح ١ .

٢٧٩

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : أقلني قال : قد أقلتك(١) .

قلت : لو صح الخبر لدلّ على اختصاص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالإقالة بدل الطلاق .

و في ( ذيل الطبري ) : قال أبو معشر تزوّج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مليكة بنت كعب الليثي و كانت تذكر بجمال بارع ، فدخلت عليها عائشة فقالت : أما تستحين أن تنكحي قاتل أبيك فاستعاذت من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فطلقها ، فجاء قومها إلى النبي فقالوا : إنّها صغيرة و لا رأي لها و خدعت فارتجعها ، فأبى ، و كان أبوها قد قتل يوم فتح مكّة قتله خالد بن الوليد بالخندمة .

و ( فيه ) أيضا قال أبو اسيد الساعدي : تزوّج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أسماء ابنة النعمان الجونية و أرسلني فجئت بها فقالت حفصة لعائشة أو عائشة لحفصة إخضبيها أنت و أمشطها أنا ، ففعلت ثم قالت إحداهما لها : إن النبيّ يعجبه من المرأة إذا ادخلت عليه أن تقول : « أعوذ باللَّه منك » ، فلما دخلت عليه و اغلق الباب و أرخى الستر مدّ يده إليها فقالت : أعوذ باللَّه منك فقال بكمه على وجهه فاستتر به و قال : عذت معاذا ثلاث مرّات قال أبو أسيد : ثم خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ و قال ألحقها بأهلها و متّعها برازقيتين يعني كرباسين فكانت تقول : ادعوني الشّقسّة ، فلما طلعت بها على القوم تصايحوا و قالوا : إنّك لغير مباركة ما دهاك ؟ فقالت : خدعت ، فقيل لي كيت و كيت فقال أهلها : لقد جعلتنا في العرب شهرة فنادت أبا أسيد و قالت : قد كان ما كان فالذي أصنع ما هو ؟ قال : أقيمي في بيتك فاحتجبي إلاّ من ذي محرم و لا يطمع فيك طامع بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّك من امّهات المؤمنين .

فأقامت حتى توفّيت في خلافة عثمان قال زهير بن معاوية ماتت كمدا(٢) .

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٢ : ٤١٧ .

( ٢ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٨ : ٨٩ .

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639