بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 249775 / تحميل: 8793
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

سمعك و بصرك و باقي جوارحك حتى شعرك(١) .

هذا ، و قال الصابي في بعض امراء عصره في شهر رمضان(٢) :

يا ذا الذي صام عن الطعم

ليتك قد صمت عن الظّلم

هل ينفع الصوم امرءا ظالما

أحشاؤه ملأى من الإثم

« و شكر قيامه » أي : قبل صلاته ، و لا تقبل الصلاة إلاّ بالإقبال فيها على اللَّه ، إن كلا فكل و إن جزءا فجزء .

« و كل يوم لا يعصى اللَّه فيه فهو عيد » قالعليه‌السلام : لا تأمن البيات و قد عملت السيئات(٣) .

و قال أيضا : و لا تبدينّ عن واضحة و قد عملت الأعمال الفاضحة(٤) .

و قالوا : ليس العيد لمن لبس الجديد ، إنّما العيد لمن سلم من الوعيد ، و ليس العيد لمن ركب المطايا ، إنّما العيد لمن ترك الخطايا ، و ليس العيد لمن حضر المصلّى ، إنّما العيد لمن صام و صلّى .

و في ( الفقيه ) : نظر الحسن بن عليعليهما‌السلام إلى ناس في يوم فطر يلعبون و يضحكون ، فقالعليه‌السلام لأصحابه : إنّ اللَّه عز و جل خلق شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى رضوانه ، فسبق فيه قوم ففازوا و تخلّف

____________________

( ١ ) الكافي ٤ : ٨٧ ح ٣ و أورد أيضا مسندا إلى محمد بن مسلم عن أبي عبد اللَّهعليه‌السلام : إذا صمت فليصم سمعك و بصرك و شعرك و جلدك و عدّد أشياء غير هذا و قال : لا يكون يوم صومك كيوم فطرك الكافي ٤ : ٨٧ و ذكره الفيض الكاشاني في المحجّة البيضاء ٢ : ١٣١ ، كذا ذكره الأشعري في النوادر : ٢٢ ٢٣ .

( ٢ ) هو أبو إسحاق إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون بن حبّون الحرّاني الصابي‏ء ، صاحب الرسائل المشهورة و النظم البديع ، كان كاتب الإنشاء ببغداد عن الخليفة و عن عز الدولة بختيار بن معز الدولة ابن بويه الديلمي ، ترجم له ياقوت الحموي في معجم الادباء ٢ : ٢٠ و الثعالبي في اليتيمة ٢ : ٢٤٣ ٣١٢ ، و ابن خلّكان في وفيات الأعيان ١ : ٥٢ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٧٣ ح ٢١ .

( ٤ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٣ : ٣٣٤ ح علي بن اسباط .

٢٦١

آخرون فخابوا ، فالعجب كلّ العجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون و يخيب فيه المقصّرون ، و أيم اللَّه لو كشف الغطاء لشغل كلّ محسن بإحسانه و مسي‏ء بإساءته(١) .

و في الخبر : إنّ الملائكة ينادون الناس في أول أوقات الصلاة و يقولون لهم : قوموا و أطفئوا بالصلاة في أوّل الوقت النيران التي أوقدتموها على ظهوركم(٢) .

و كما أنّ من أصيب بمصيبة في يوم عيد ليس له فيه سرور كباقي الناس في العيد ، حتى ورد عن الباقرعليه‌السلام : ما عيد للمسلمين أضحى و لا فطر إلاّ و يجدّد لآل محمّدعليهم‌السلام فيه حزن : قيل : و لم ذاك ؟ قال : لأنّهم يرون حقّهم في يد غيرهم كذلك من اصيب بخطيئة فيه استحقت العقوبة به(٣) .

و في ( عيون ابن قتيبة ) قال زيد الحميري : قلت لثوبان الراهب : أخبرني عن لبس النصارى هذا السواد ما المعنى فيه ؟ قال : هو أشبه بلبس أهل المصائب قلت : كلّكم معشر الرهبان اصيب بمصيبة قال : و أي مصيبة أعظم من مصيبة الذنوب قال : فلا أذكر قوله ذاك إلاّ أبكاني(٤) .

هذا و قال الصابي يهنّى‏ء عضد الدولة بعيد الفطر :

يا ماجدا يده بالجود مفطرة

و فوه من كل هجر صائم أبدا

أسعد بصومك إذ قضّيت واجبه

نسكا و وفّيته من شهره العددا

و اسحب بذا العيد أذيالا مجدّدة

و استقبل العيش في إفطاره رغدا(٥)

____________________

( ١ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ١ : ٣٢٤ ح ٨٣ انتشارات إمام الهدى قم .

( ٢ ) التهذيب للطوسي ١ : ٢٠٣ و من لا يحضره الفقيه ١ : ٦٧ ، و ثواب الأعمال : ٢٠ ، و المحاسن : ٢٧ ، و الوسائل ٢ : ٨٨ .

( ٣ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ١ : ٣٢٤ رواية ١٤٨٤ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٢٩٧ بتصرف .

( ٥ ) يتيمة الدهر للثعلبي ٢ : ٢٧٦ .

٢٦٢

و قال الصابي أيضا في بعض الوزراء :

يصوم الوزير الدهر عن كلّ منكر

و ليس لهذا الصوم عيد و لا فطر

و يفطر بالمعروف و الجود و الندى

و ليس لهذا الفطر صوم و لا حظر(١)

١١ الحكمة ( ٥٣ ) و قالعليه‌السلام :

اَلسَّخَاءُ مَا كَانَ اِبْتِدَاءً فَأَمَّا مَا كَانَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَحَيَاءٌ وَ تَذَمُّمٌ في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام قال : بعث أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى رجل يرجو نوافله و لا يسأله بخمسة أو ساق تمر فقال لهعليه‌السلام رجل : و اللَّه ما سألك فلان و لقد كان يجزيه من الخمسة أو ساق وسق واحد فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام له : لا كثّر اللَّه في المؤمنين ضربك ، اعطي أنا و تبخل أنت إذا أنا لم اعط الذي يرجوني إلاّ من بعد المسألة فلم أعطه ثمن ما أخذت منه ، و ذلك لأني عرّضته أن يبذل لي وجهه الذي يعفّره في التراب لربي و ربّه عند تعبّده له و طلب حوائجه إليه ، فمن فعل هذا بأخيه المسلم و قد عرف أنّه موضع لصلته و معروفه فلم يصدّق اللَّه تعالى دعاءه له في قوله : « اللّهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات » ، فإذا دعا لهم بالمغفرة فقد طلب لهم الجنة فما أنصف من فعل هذا بالقول و لم يحققه بالفعل(٢) .

و قال الأحنف : إذا لم أصل مجتدي حتى ينتح جبينه عرقا كما ينتح الحمّيت فو اللَّه ما وصلته و الحمّيت الزق الذي لا شعر فيه .

و في ( تاريخ بغداد ) : لمّا خرج عبد اللَّه بن طاهر إلى المغرب كان معه

____________________

( ١ ) يتيمة الدهر للثعلبي ٢ : ٢٧٧ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٤ : ٢٢ ح ١ .

٢٦٣

كاتبه أحمد بن نهيك ، فلما نزل دمشق اهديت إلى أحمد هدايا كثيرة في طريقه و بدمشق و كان يثبت كلّ ما يهدى إليه في قرطاس و يدفعه إلى خازن له ، فلمّا نزل عبد اللَّه بن طاهر دمشق أمر أحمد أن يعود عليه بعمل كان أمره أن يعمله ، فأمر أحمد خازنه أن يخرج إليه قرطاسا فيه العمل الذي أمر بإخراجه و يضعه في المحراب بين يديه لئلاّ ينساه وقت ركوبه في السحر ، فغلط الخازن فأخرج إليه القرطاس الذي فيه ثبت ما أهدي إليه فوضعه في المحراب ، فلما صلّى أحمد الفجر أخذ القرطاس و وضعه في خفّه ، فلما دخل على عبد اللَّه سأله عمّا أمره به ، فأخرج الدرج من خفه فدفعه إليه ، فقرأه عبد اللَّه من أوله إلى آخره و تأمّله ثم أدرجه و دفعه إلى أحمد و قال له : ليس هذا الذي أردت فلما نظر أحمد فيه اسقط في يديه ، فلمّا انصرف إلى مضربه وجّه إليه عبد اللَّه يعلمه أنّي قد وقفت على ما في القرطاس فوجدته سبعين ألف دينار ، و اعلم أنّك لزمتك مؤونة عظيمة في خروجك و معك زوّار و غيرهم ، و أنّك تحتاج إلى برّهم و ليس مقدار ما صار إليك يفي‏ء بمؤونتك ، و قد وجّهت إليك بمائة ألف دينار لتصرفها في الوجوه التي قلت(١) .

١٢ الحكمة ( ٥٦ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْغِنَى فِي اَلْغُرْبَةِ وَطَنٌ وَ اَلْفَقْرُ فِي اَلْوَطَنِ غُرْبَةٌ أقول : نظم معنى قولهعليه‌السلام « الغنى في الغربة وطن » بالفارسية من قال :

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٤٨٤ ٤٨٥ و هو عبد اللَّه بن طاهر بن الحسين بن مصعب ، ولاّه المأمون الشام ثم ولاّه إمارة خراسان ، فأقام بها حتى مات .

٢٦٤

منعم بكوه و دشت و بيابان غريب نيست

هر جا كه رفت خيمه زد و بارگاه كرد(١)

و نظم معنى « و الفقر في الوطن غربة » بالعربية مع تصرف فيه من قال :

فلو أنّي جعلت أمير جيش

لمّا قاتلت إلاّ بالسّؤال

فإنّ النّاس ينهزمون منه

و قد ثبتوا لأطراف العوالي(٢)

و نظم معنى الجملتين من قال :

ألم تر أنّ الفقر يهجر بيته

و بيت الغنى يهدى له و يزار(٣)

١٣ الحكمة ( ٥٩ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ حَذَّرَكَ كَمَنْ بَشَّرَكَ أقول : وجه كون المحذّر كالمبشّر أنّ المبشّر يبشّر بوقوع محبوب و نجاة و المحذّر يحذّر من الوقوع في المهالك .

و كما كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بشيرا بالثواب للمطيعين كان نذيرا بالعقاب للعاصين .

و في ( الكافي ) قال محمد بن عذافر : قال أبو عبد اللَّهعليه‌السلام لأبي : نبّئت أنّك تعامل أبا أيوب و الربيع ، فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة قال : فوجم

____________________

( ١ ) دهخدا ، حكم و أمثال ٤ : ١٧٤٦ .

( ٢ ) البيتان بعيتدان عن فحوى النصّ ، و هناك من نظم أبياتا موافقة المعنى النصّ منها :

ان الدراهم في الوطن كلها

تكو الرجال مهاية و جمالا

فهي اللسان لمن أراد فصاحة

و هي السلاح لمن أراد قتالا

( الأبشيهي ، المستطرف ٢ : ٩٧ ) .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٢٤٢ .

٢٦٥

أبي فقالعليه‌السلام له : إنّما خوّفتك بما خوّفني اللَّه تعالى به قال : فلم يزل أبي مغموما مكروبا حتى مات(١) .

١٤ الحكمة ( ٢٨١ ) و قالعليه‌السلام :

لَيْسَتِ اَلرَّوِيَّةُ مَعَ اَلْإِبْصَارِ فَقَدْ تَكْذِبُ اَلْعُيُونُ أَهْلَهَا وَ لاَ يَغُشُّ اَلْعَقْلُ مَنِ اِسْتَنْصَحَهُ « ليست الرؤية مع الابصار » هكذا في ( ابن أبي الحديد(٢) و ابن ميثم )(٣) و نسختهما الصحيحة لا سيما الثاني الذي نسخته بخط مصنفه ، و امّا ما في الطبعة المصرية « ليست الرؤية كالمعاينة مع الابصار » فالظاهر أن « كالمعاينة » كان حاشية لبيان المعنى فخلط بالمتن كما هو كثير في الطبعة المصرية .

و حينئذ فالمعنى ليست الرؤية الحقيقية برؤية البصر بل برؤية العقل و النظر ، و حينئذ « فالأبصار » بالفتح جمع البصر بمعنى العيون .

« فقد تكذب العيون أهلها » كذب العين كناية فصيحة عن عدم كون ما رأته العين بالظاهر موجودا في الواقع ، قال الشاعر :

كذبتك عينك أم رأيت بواسط

غلس الظلام من الرباب خيالا(٤)

و الشاهد لوقوع الكذب من العين أحيانا أنّها ترى الكبير من بعيد صغيرا و قد ترى الصغير كبيرا ، و ترى القمر كبيرا ، و ترى القمر تحت السحاب

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ١٠٥ ح ١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٧٣ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ، أورده بلفظ « كالمعاينة » انظر ٥ : ٣٨٦ .

( ٤ ) البيت للأخطل ، لسان العرب ١ : ٢٢٢ .

٢٦٦

المتحرّك سائرا و انما السير للسحاب ، و ترى عند الوقوف على نهر جار الساحل جاريا و الجري للنهر .

« و لا يغش العقل من استنصحه » بخلاف باقي المستنصحين ، فقد يغشون و لا يبيّنون لك الرأي الصحيح ، و حينئذ فالرؤية الحقيقية إنّما هي لرؤية العقل الذي لا يكذب أصلا .

٢٦٧

الفصل السابع و الخمسون في الفقر

٢٦٨

١ الحكمة ( ١٦٣ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْفَقْرُ اَلْمَوْتُ اَلْأَكْبَرُ أقول : هو من حديث الأربعمائة الذي رواه الخصال عن أبيه عن سعد عن اليقطيني عن القاسم بن يحيى عن جدّه الحسن بن راشد عن أبي بصير و محمد ابن مسلم عن الصادقعليه‌السلام عن آبائه عنهعليهم‌السلام تحت عنوان ( علّم أمير المؤمنينعليه‌السلام أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه و دنياه )(١) .

و في ( المعاني ) قال الحرث الأعور لأمير المؤمنينعليه‌السلام : ما الفقر ؟ قال :

الحرص و الشره(٢) .

____________________

( ١ ) الخصال للصدوق ٢ : ٦٢٠ .

( ٢ ) معاني الأخبار للصدوق : ٢ ، أخرجه الأصبغ بن نباتة عن الحارث بن الأعور قال : كان فيما سأل عنه علي بن أبي

٢٦٩

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : قيل له قولهم الفقر الموت الأحمر هو من الدينار و الدرهم ؟ قال : لا ، و لكن من الدين(١) .

و روي عن لقمان ، قال لقمان لابنه : حملت الجندل و الحديد و كلّ حمل ثقيل فلم أحمل شيئا أثقل من جار السوء ، و ذقت المرارات فلم أذق شيئا أمرّ من الفقر(٢) .

قلت : و أصل الفقير في اللغة من كسر فقار ظهره .

٢ الحكمة ( ٣١٩ ) و قالعليه‌السلام لابنه محمّد بن الحنفية :

يَا بُنَيَّ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ اَلْفَقْرَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْهُ فَإِنَّ اَلْفَقْرَ مَنْقَصَةٌ لِلدِّينِ مَدْهَشَةٌ لِلْعَقْلِ دَاعِيَةٌ لِلْمَقْتِ قول المصنف « و قالعليه‌السلام لابنه محمد بن الحنفية » هو أكبر أولاده بعد الحسنينعليهم‌السلام اشتهر بالنسبة إلى امّه خولة الحنفية قال المدائني : إنّ زبيدا سبتها من بني حنيفة ، ثم ارتدّت زبيد مع عمرو بن معد يكرب باليمن ، فبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنينعليه‌السلام فأصابها فصارت في سهمه و قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله له : إن ولدت منك غلاما فسمّه باسمي و كنّه بكنيتي(٣) قال ابن قتيبة : مات بالطائف هاربا من ابن الزبير(٤) .

و قالعليه‌السلام له أيضا على ما روى الخصال في باب الثلاثة : إيّاك و العجب طالبعليه‌السلام ابنه الحسنعليه‌السلام إن قال : ما الفقر قال : الحرص و الشره .

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٦ ح ٢ .

( ٢ ) ذكره المجلسي عن الصادقعليه‌السلام ١٣ : ٤٢١ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ١٩ : ٢٤٤ .

( ٤ ) المسعودي ، مروج الذهب ٣ : ١٢٣ .

٢٧٠

و سوء الخلق و قلّة الصبر ، فانّه لا يستقيم لك على هذه الخصال الثلاث صاحب و لا يزال لك عليها من الناس مجانب ، و ألزم نفسك التودّد و صبّر على مؤونات الناس نفسك ، و ابذل لصديقك نفسك و مالك ، و لعرفتك رفدك و محضرك ، و للعامة بشرك و محبتك ، و لعدوّك عدلك و إنصافك ، و اضنن بدينك و عرضك عن كلّ أحد(١) .

قولهعليه‌السلام « يا بنيّ إنّي أخاف عليك الفقر فاستعذ باللَّه منه » في دعاء أبي حمزة للسجّادعليه‌السلام « أعوذ بك من الفقر و الفاقة و كلّ بلية ، و الفواحش كلّها ما ظهر منها و ما بطن »(٢) .

« فان الفقر منقصة للدّين » كون الفقر سببا لنقص الدين أنّ الفقير يتواضع غالبا للغنيّ ، و من تواضع لغنيّ ذهب ثلثا دينه .

و عنهمعليهم‌السلام : كاد الفقر أن يكون كفرا(٣) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم العون على التقوى المال(٤) .

« مدهشة للعقل » قال شاعر :

إذا قلّ مال المرء قلّ حياؤه

و ضاقت عليه أرضه و سماؤه

و أصبح لا يدري و إن كان حازما

أقدّامه خير له أم وراؤه(٥)

« داعية للمقت » أي : انّه سبب لبغض الناس له ، فقالوا : المفلس عند الناس أكذب من لمعان السراب و من سحاب تموز ، لا يسأل عنه إن غاب و لا يسلّم عليه إذا قدم ، إن غاب شتموه و إن حضر طردوه ، مصافحته تنقض الطهارة

____________________

( ١ ) الخصال للصدوق ١ : ١٤٧ ح ١٧٨ .

( ٢ ) مفاتيح الجنان للقمي ، دعاء أبي حمزة الثمالي : ٣٥٦ .

( ٣ ) أخرجه الصدوق عن هشام بن سالم عن الصادقعليه‌السلام الأمالي : ٢٤٣ ح ٦ .

( ٤ ) تحف العقول : ٣٥ .

( ٥ ) المحاسن و المساوى‏ء للبيهقي ١ : ٢١٥ .

٢٧١

و قراءته تقطع الصلاة .

و في ( تاريخ بغداد ) : سئل أبو محمد الجريري عن الفقر و الغنى أيّهما أفضل ؟ فقال : لو لم يكن من فضل الفقر إلاّ ثلاث : إسقاط المطالبة ، و قطع عن المعصية ، و تقديم الدخول إلى الجنّة ، لكفى فقال أبو العباس بن عطا : يا سبحان اللَّه و أيّ فضل يكون أفضل ممّا أضافه اللَّه تعالى إلى نفسه ؟ و أيّ شي‏ء يكون أعجز من شي‏ء تنافى اللَّه تعالى عنه ؟ فانّه تعالى أضاف الغنى إلى نفسه و تنافى عن الفقر و اعتدّ على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :( و وجدك عائلا فأغنى ) (١) فإن احتجّ محتجّ بأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله عرض عليه مفاتيح الدنيا و لم يقبلها ، فيقال له :

تركها اختيارا و التارك لا يكون إلاّ غنيا(٢) .

٣ الحكمة ( ٣٤٦ ) و قالعليه‌السلام :

مَاءُ وَجْهِكَ جَامِدٌ يُقْطِرُهُ اَلسُّؤَالُ فَانْظُرْ عِنْدَ مَنْ تُقْطِرُهُ أقول : هكذا في الطبعة ( المصرية )(٣) ، و لكن في ( ابن أبي الحديد(٤) و الخطية(٥) بدل « ماء وجهك جامد » « وجهك ماء جامد » و الصواب هنا ما في الطبعة المصرية لتصديق ( ابن ميثم )(٦) الذي نسخته بخط المصنف لمّا فيها .

____________________

( ١ ) الضحى : ٨ .

( ٢ ) لم يرد ذلك في تاريخ بغداد في ترجمة أحمد بن محمّد ( أبو محمّد الجريري ) ٤ : ٤٣٠ رقم ( ٢٣٣٣ ) كما أن الخطيب البغدادي لم يترجم لحياة عبد اللَّه بن عطاء ( أبي العباس بن عطاء ) .

( ٣ ) الطبعة المصرية : ٧٣٧ رقم ( ٣٤٥ ) .

( ٤ ) نسخة التحقيق لشرح بن أبي الحديد بهذا اللفظ ماء وجهك جامد ١٩ : ٢٦١ .

( ٥ ) النسخة الخطية سقط النصّ منها ( نسخة مكتبة المرعشي ) .

( ٦ ) شرح ابن ميثم ، شرح نهج البلاغة ٥ : ٤١١ .

٢٧٢

و كيف كان فيجوز في « يقطر » و « تقطر » التخفيف مجردا و التشديد ، ففي الصحاح « قطر الماء و قطرته » يتعدّى و لا يتعدّى ، و تقطير الشي‏ء إسالته قطرة قطرة(١) .

و لا يجوز أن يكونا بضم المضارعة من باب الافعال ، فمعنى « اقطر » حان له أن يقطر ، و لا مناسبة له هنا .

دخل محمد بن واسع على بعض الامراء فقال : أتيتك في حاجة فإن شئت قضيتها فكنّا كريمين ، و إن شئت لم تقضها و كنّا لئيمين ، أراد انّه إذا لم يقضها كان طالب الحاجة أيضا لئيما حيث طلب حاجته من غير أهلها(٢) .

و قال الطائي :

أعياش انّك لئيم و إنّني

مذ صرت موضع مطلبي للئيم(٣)

و قال أبو العيناء لمن طلب إليه حاجة فلم يقضها : سألتك حاجة فرددت بأقبح من وجهك و قال الطائي :

رددت رونق وجهي في صحيفته

ردّ الصقال بهاء الصارم الخذم

و ما ابالي و خير القول أصدقه

حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمي(٤)

و قال أبو الأسود :

و إنّ أحقّ الناس إن كنت مادحا(٥)

بمدحك من أعطاك و الوجه وافر(٦)

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ٢ : ٧٩٦ مادة ( قطر ) .

( ٢ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ١ : ٢٦١ .

( ٣ ) أورده ابن عبد ربه بلفظ آخر فيه اختلاف قليل ١ : ٢٦٢ .

( ٤ ) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ١٩ : ٢٦١ .

( ٥ ) في ديوانه حامدا .

( ٦ ) ديوان أبي الأسود الدؤلي : ١٩٣ .

٢٧٣

لآخر :

إذا أظمأتك أكفّ الرجال

كفتك القناعة شبعا و ريّا

فكن رجلا رجله في الثرى

و هامة همّته في الثريّا

فإنّ إراقة ماء الحياة

دون إراقة ماء المحيّا(١)

و قال بشار في عمر بن العلاء :

دعاني إلى عمر جوده

و قول العشيرة بحر خضم

و لو لا الذي زعموا لم أكن

لأمدح ريحانة قبل شم(٢)

و في ( الكافي ) عن الحارث الهمداني قال : سامرت أمير المؤمنينعليه‌السلام فقلت : عرضت لي حاجة قال : رأيتني لها أهلا ؟ قلت : نعم قال : جزاك اللَّه عنّي خيرا ، ثم قام إلى السراج فأغشاها و جلس ثم قال : انّما أغشيت السراج لئلا أرى ذلّ حاجتك في وجهك فتكلّم فإنّي سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الحوائج أمانة من اللَّه في صدور العباد ، فمن كتمها كتبت له عبادة و من أفشاها كان حقّا على من سمعها أن يعينه(٣) .

و عن الصادقعليه‌السلام قال : ما توسّل أحد إليّ بوسيلة و لا تذرّع بذريعة أقرب له إلى ما يريده منّي من رجل سلف إليه منّي يد اتبعها اختها و أحسنت ربّها أي تربيتها فإنّي رأيت منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل ، و لا سخت نفسي بردّ بكر الحوائج و قد قال الشاعر :

و إذا بليت ببذل وجهك سائلا

فابذله للمتكرّم المفضال

إنّ الجواد إذا حباك بموعد

أعطاكه سلسا بغير مطال

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ١٩ : ٢٦١ .

( ٢ ) ابن قتيبة ، الشعر و الشعراء : ١٧٧ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٤ : ٢٤ ح ٤ .

٢٧٤

و إذا السّؤال مع النوال و زنته رجح السّؤال و خفّ كل نوال(١) و عن الرضاعليه‌السلام : سأله رجل أن يعطيه ما يصل إلى بلده ، فدخل و ردّ الباب و أعطاه من أعلى الباب ، فقيل لهعليه‌السلام في ذلك ، فقال : أما سمعت قول الأول :

متى آته يوما لأطلب حاجة رجعت إلى أهلي و وجهي بمائه(٢) هذا ، و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ما من عبد يسأل من غير حاجة فيموت حتى يحوجه اللَّه إليها و يثبت اللَّه له بها النار(٣) و عنهعليه‌السلام أيضا : رحم اللَّه عبدا عفّ و تعفّف و كفّ عن المسألة ، فإنّه يتعجّل الدنيّة في الدّنيا و لا يغني الناس عنه شيئا ثم تمثّل ببيت حاتم :

إذا ما عرفت اليأس ألفيته الغنى إذا عرفته النفس و الطمع الفقر(٤) و عنهعليه‌السلام : جاءت فخذ من الأنصار إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : لنا حاجة .

قال : هاتوا قالوا : إنّها عظيمة فقال : هاتوها ما هي ؟ قالوا : تضمن لنا على ربّك الجنّة فنكس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رأسه ثم نكت في الأرض ثم رفع رأسه فقال : أفعل ذلك بكم على أن لا تسألوا أحدا شيئا فكان الرجل منهم يكون في السفر فيسقط سوطه فيكره أن يقول لإنسان : ناولنيه فرارا من المسألة و ينزل فيأخذه ، و يكون على المائدة فيكون بعض الجلساء أقرب إلى الماء منه فلا يقول : ناولني ، حتى يقوم فيشرب(٥) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان اللَّه تعالى أحبّ شيئا لنفسه و أبغضه لخلقه ، أبغض

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٤ : ٢٥ ح ٥ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٤ : ٢٥ ح ٣ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٤ : ١٩ ح ٣ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٤ : ٢١ ح ٦ .

( ٥ ) أورده المجلسي في بحار الأنوار ٩٦ : ١٥٧ .

٢٧٥

لخلقه المسألة و أحبّ لنفسه أن يسأل ، و لا يستحي أحدكم أن يسأل اللَّه من فضله و لو شسع نعل(١) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا : و الذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبلا ثم يدخل عرض هذا الوادي فيحتطب حتى لا يلتقي طرفاه ثم يدخل به إلى السوق فيبيعه بمدّ من تمر و يأخذ ثلثيه و يتصدّق بثلثه خير له من أن يسأل الناس ، أعطوه أو حرموه(٢) .

و عن الباقرعليه‌السلام : لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا ، و لو يعلم المعطي ما في العطية ما ردّ أحد أحدا(٣) .

٤ الحكمة ( ٤٢٧ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ شَكَا اَلْحَاجَةَ إِلَى مُؤْمِنٍ فَكَأَنَّمَا شَكَاهَا إِلَى اَللَّهِ وَ مَنْ شَكَاهَا إِلَى كَافِرٍ فَكَأَنَّمَا شَكَا اَللَّهَ هكذا في ( ابن أبي الحديد(٤) و ابن ميثم )(٥) و الخطية و ما في الطبعة المصرية(٦) غلط .

أقول : في ( روضة الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام قال لبعض شيعته : إذا نزلت بك نازلة فلا تشكها إلى أحد من أهل الخلاف ، و لكن اذكرها لبعض إخوانك

____________________

( ١ ) الكافي ٤ : ٢٠ ح ٤ .

( ٢ ) أخرجه البخاري عن أبي هريرة بلفظ مشابه ١ : ٢٥٧ باب الزكاة و ذكره الهندي في كنز العمّال ٦ : ٤٩٧ ح ١٦٧٠٠ .

( ٣ ) الكافي ٤ : ٢٠ ح ٢ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ٢٠ : ٧٢ .

( ٥ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٤٩ و انظر النسخة الخطية : ٣٢٧ .

( ٦ ) راجع الطبعة المصرية : ٧٥٦ شرح محمّد عبده .

٢٧٦

فانّك لن تعدم خصلة من أربع : إمّا كفاية بمال ، أو معونة بجاه ، أو دعوة فتستجاب ، أو مشورة برأي(١) .

هذا ، و في ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال اللَّه تعالى : من مرض ثلاثا فلم يشك إلى أحد من عوّاده أبدلته لحما خيرا من لحمه و دما خيرا من دمه ، فإن عافيته عافيته و لا ذنب له ، و إن قبضته قبضته إلى رحمتي(٢) .

و في خبر : إن قال حممت اليوم أو سهرت البارحة ليس بشكاة ، إنّما الشكوى أن يقول : لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد ، و أصبت ما لم يصب أحدا(٣) .

____________________

( ١ ) الروضة في الكافي للكليني ٨ : ١٧٠ الرواية ١٩٢ عن الحسن بن راشد .

( ٢ ) الكافي للكليني ٣ : ١١٥ حديث ١ مسند عن جابر عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام .

( ٣ ) الكافي للكليني ٣ : ١١٦ ، حديث ١ أسنده إلى جميل بن صالح عن أبي عبد اللَّهعليه‌السلام .

٢٧٧

الفصل الثامن و الخمسون كلامهعليه‌السلام في النساء

٢٧٨

١ الحكمة ( ١٢٤ ) و قالعليه‌السلام :

غَيْرَةُ اَلْمَرْأَةِ كُفْرٌ وَ غَيْرَةُ اَلرَّجُلِ إِيمَانٌ أقول : « الغيرة » بالفتح صرح به ابن السّكّيت(١) ، روى ( الكافي ) عنهعليه‌السلام قال : كتب اللَّه الجهاد على الرجال و النساء ، و جهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها و غيرته(٢) و في خبر آخر و جهاد المرأة حسن التبعل .

و روى ( الطبري ) عن ابن عباس قال : إنّ ليلى بنت الخطيم الخزرجية أقبلت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و هو مولّ ظهره الشمس ، فضربت على منكبه فقال : من هذه ؟ قالت : أنا ابنة مباري الريح ، جئتك أعرض عليك نفسي فتزوّجني قال : قد فعلت فرجعت إلى قومها فقالت : قد تزوّجني النبيّ فقالوا : بئس ما صنعت ، أنت امرأة غيرى و النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صاحب نساء ، إستقيليه نفسك ، فرجعت إلى

____________________

( ١ ) اصلاح المنطق لابن السّكّيت : ٢٨٣ ، و ذكره ابن سيده في الصحاح ٢ : ٧٧٦ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٥ : ٩ ح ١ .

٢٧٩

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : أقلني قال : قد أقلتك(١) .

قلت : لو صح الخبر لدلّ على اختصاص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالإقالة بدل الطلاق .

و في ( ذيل الطبري ) : قال أبو معشر تزوّج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مليكة بنت كعب الليثي و كانت تذكر بجمال بارع ، فدخلت عليها عائشة فقالت : أما تستحين أن تنكحي قاتل أبيك فاستعاذت من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فطلقها ، فجاء قومها إلى النبي فقالوا : إنّها صغيرة و لا رأي لها و خدعت فارتجعها ، فأبى ، و كان أبوها قد قتل يوم فتح مكّة قتله خالد بن الوليد بالخندمة .

و ( فيه ) أيضا قال أبو اسيد الساعدي : تزوّج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أسماء ابنة النعمان الجونية و أرسلني فجئت بها فقالت حفصة لعائشة أو عائشة لحفصة إخضبيها أنت و أمشطها أنا ، ففعلت ثم قالت إحداهما لها : إن النبيّ يعجبه من المرأة إذا ادخلت عليه أن تقول : « أعوذ باللَّه منك » ، فلما دخلت عليه و اغلق الباب و أرخى الستر مدّ يده إليها فقالت : أعوذ باللَّه منك فقال بكمه على وجهه فاستتر به و قال : عذت معاذا ثلاث مرّات قال أبو أسيد : ثم خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ و قال ألحقها بأهلها و متّعها برازقيتين يعني كرباسين فكانت تقول : ادعوني الشّقسّة ، فلما طلعت بها على القوم تصايحوا و قالوا : إنّك لغير مباركة ما دهاك ؟ فقالت : خدعت ، فقيل لي كيت و كيت فقال أهلها : لقد جعلتنا في العرب شهرة فنادت أبا أسيد و قالت : قد كان ما كان فالذي أصنع ما هو ؟ قال : أقيمي في بيتك فاحتجبي إلاّ من ذي محرم و لا يطمع فيك طامع بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّك من امّهات المؤمنين .

فأقامت حتى توفّيت في خلافة عثمان قال زهير بن معاوية ماتت كمدا(٢) .

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٢ : ٤١٧ .

( ٢ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٨ : ٨٩ .

٢٨٠

و في ( عيون ابن قتيبة ) قالت عائشة : خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة من كلب ، فبعثني أنظر إليها فقال لي : كيف رأيت ؟ فقلت : ما رأيت طائلا فقال : لقد رأيت خالا بخدّها أقشعر كلّ شعرة منك على حدها فقالت : ما دونك ستر(١) .

و روى ( سنن أبي داود ) عن أنس أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى امهات المؤمنين مع خادمها قصعة فيها طعام ، فضربت بيدها فكسرت القصعة ، فأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الكسرتين فضمّ إحداهما إلى الاخرى فجعل يجمع فيها الطعام و يقول : غارت امّكم(٢) .

قلت : و المرسلة للطعام في قصعة كانت صفية بن حيّ بن أخطب و الكاسرة لها عائشة كما صرّح به في خبر رواه بعد و في ذاك الخبر : أخذ عائشة أفكل فكسرت الإناء .

و في ( اسد الغابة ) في عنوان خديجة ، قالت عائشة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوما فأدركتني الغيرة فقلت : هل كانت إلاّ عجوزا فقد أبدلك اللَّه خيرا منها فغضب حتى اهتزّ مقدّم شعره من الغضب ، ثم قال : لا و اللَّه ما أبدلني اللَّه خيرا منها ، آمنت بي إذ كفر الناس ، و صدّقتني إذ كذّبني الناس ، و واستني في مالها إذ حرمني الناس ، و رزقني اللَّه منها أولادا إذ حرمني أولاد النساء(٣) .

قلت : و مغزى كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أباها كان كافرا فيمن كفر و مكذّبا فيمن كذب حين اسلام خديجة ، كما أنّها هي من نسائه اللاتي حرم الولد منهن ، فكيف يدّعون لأبيها تقدم اسلامه .

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ١٩ كذا أخبار النساء لابن قيم الجوزية : ٩ .

( ٢ ) سنن أبي داود ٣ : ٢٩٧ ح ٣٥٦٧ .

( ٣ ) اسد الغابة لابن الأثير ٥ : ٤٣٨ .

٢٨١

و في ( تفسير القمّي ) في قوله تعالى :( و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ) (١) كان سبب نزولها أنّ امرأة من الأنصار أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و قد تهيّأت و تزيّنت ، فقالت : يا رسول اللَّه هل لك فيّ حاجة فقد وهبت نفسي لك فقالت لها عائشة : قبّحك اللَّه ما أنهمك للرجال فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مه يا عائشة فإنّها رغبت في رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ زهدتنّ فيه ثم قال : رحمك اللَّه و رحمكم يا معشر الأنصار ، نصرني رجالكم و رغبت فيّ نساؤكم ، إرجعي رحمك اللَّه فإنّي أنتظر أمر اللَّه فأنزل اللَّه تعالى( و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبيّ أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ) (٢) فلا تحلّ الهبة إلاّ لرسول اللَّه(٣) .

ثم من المضحك أنّ النووي في شرحه على صحيح مسلم قال بعد ذكر رواية مسلم عن عائشة قالت : قال لي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي لأعلم إذا كنت عنّي راضية و إذا كنت عليّ غضبى قلت : و من أين تعرف ذلك ؟ قال : أمّا إذ كنت عني راضية تقولين : « لا و ربّ محمّد » و إذ كنت غضبى تقولين : « لا و ربّ إبراهيم » .

قلت : أجل و اللَّه لا أهجر إلاّ اسمك .

مغاضبة عائشة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هي ممّا سبق من الغيرة التي عفي عنها للنساء في كثير من الأحكام كما سبق لعدم انفكاكهن منها ، حتى قال مالك و غيره من علماء المدينة : يسقط عنها الحد إذا قذفت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة ، قال و احتج بما روي ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله و لو لا ذلك لكان على عائشة في ذلك من الحرج ما فيه ، لأن الغضب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و هجره كبيرة عظيمة(٤) .

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٢ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ١٩٥ .

( ٤ ) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ٢٠٣ .

٢٨٢

فإنّ إخواننا إنّما عرفوا الحق بالأشخاص ، فاعتقدوا بحسب مذهبهم المتناقض أنّ عائشة صدّيقة ابنة صدّيق .

فاشتروا بذلك قول اللَّه جل و علا :( يا نساء النبي من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين و كان ذلك على اللَّه يسيرا ) (١) و قوله تعالى فيها و في صاحبتها :( و إن تظاهرا عليه فإنّ اللَّه هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين ) (٢) .

و قوله عزّ اسمه تعريضا بهما كما صرّح به ( الزمخشري )(٣) و رواه ( صحيح مسلم )(٤) :( ضرب اللَّه مثلا للّذين كفروا امرأت نوح و امرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللَّه شيئا و قيل ادخلا النّار مع الدّاخلين ) (٥) بثمن قليل ، فكان ضعف العذاب عليها لإتيانها بتلك الفواحش المبيّنة عليهم عسيرا ، و تظاهرها هي و صاحبتها على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله نسيا منسيا ، و أنّها مع خيانتها تلك الخيانات التي أثبتها التاريخ في الجمل و غير الجمل كان كونها تحت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يغني عنها شيئا .

كما أغمضوا عمّا شاهدوا من أبيها و صاحبه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتخلّف عن جيش اسامة الذي لعن المتخلف عنه و منعه من الوصية و نسبة الهجر إليه ، مع قوله تعالى :( و ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ) (٦) و مع أهل بيته بإحراقهم لو لم يبايعوا مع قوله تعالى فيهم( إنّما يريد اللَّه ليذهب

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٣٠ .

( ٢ ) التحريم : ٤ .

( ٣ ) الكاشف للزمخشري ٤ : ٥٧١ .

( ٤ ) صحيح مسلم ١٥ : ٢٠٣ .

( ٥ ) التحريم : ١٠ .

( ٦ ) النجم : ٣ ٤ .

٢٨٣

 عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ) (١) .

و لمّا قال بعضهم لأمير المؤمنينعليه‌السلام : إني أعتزلك لاعتزال سعد و ابن عمر لك قالعليه‌السلام له : إنّك تعرف الحقّ بالرجال و الواجب أن تعرف الرجال بالحقّ(٢) .

و كيف تكون غيرتهن عفوا و قد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام « غيرتهن كفر » و قال الباقرعليه‌السلام : غيرة النساء الحسد ، و الحسد أصل الكفر ، إنّ النساء إذا غرن غضبن ، و إذا غضبن كفرن إلاّ المسلمات منهنّ(٣) .

و قال الصادقعليه‌السلام : إن اللَّه تعالى لم يجعل الغيرة للنساء ، و إنّما تغار المنكرات منهن ، فأمّا المؤمنات فلا ، إنّما جعل اللَّه الغيرة للرجال(٤) .

فأمّا قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « الغيراء لا تدري أعلى الوادي من أسفله » فبيان حالهن لا دليل جواز عملهن .

و ورد من طريقنا(٥) أيضا هكذا : بينا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قاعدا إذ جاءت امرأة عريانة حتى قامت بين يديه فقالت : إنّي قد فجرت فطهّرني ، و جاء رجل يعدو في أثرها و ألقى عليها ثوبا ، فقال : ما هي منك ؟ قال : صاحبتي خلوت بجاريتي فصنعت ما ترى فقال : ضمّها إليك ثم قال : ان الغيراء لا تبصر أعلى الوادي من أسفله(٦) .

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) ذكره المفيد في أماليه : ٣ بلفظ : « فإنّك امرؤ ملبوس عليك ، إنّ دين اللَّه لا يعرف بالرجال بل بآية الحق ، فأعرف الحق تعرف أهله .

( ٣ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ، و ذكره الطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٢٤ .

( ٤ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ح ٢ .

( ٥ ) من حديث مطول أسنده الطبرسي إلى جابر . لم يأت المؤلف على ذكره بالتفصيل انظر مكارم الأخلاق : ١٢٤ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ح ٣ ، و فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٩ : ٣٢٥ .

٢٨٤

و كيف يعفى عنهنّ مع ترتب مفاسد كثيرة على غيرتهن ، فقد روى الكافي أنّ عمر اتي بجارية قد شهدوا عليها أنّها بغت و كان من قصتها أنّها كانت يتيمة عند رجل و كان الرجل كثيرا ما يغيب عن أهله ، فشبّت اليتيمة فتخوّفت المرأة أن يتزوجها زوجها ، فدعت بنسوة حتى أمسكنها فأخذت عذرتها بأصبعها ، فلما قدم زوجها من غيبته رمت المرأة اليتيمة بالفاحشة و أقامت البيّنة من جاراتها اللاّتي ساعدنها على ذلك ، فرفع ذلك إلى عمر فلم يدر كيف يقضي فيها ، ثم قال للرجل : إئت عليّ بن أبي طالب و إذهب بنا إليه .

فأتوهعليه‌السلام و قصوا عليه القصة ، فقالعليه‌السلام لامرأة الرجل : ألك بيّنة أو برهان ؟

قالت : هؤلاء جاراتي يشهدن عليها بما أقول ، و أحضرتهن فأخرج عليعليه‌السلام سيفه من غمده فطرحه بين يديه و أمر بكلّ واحدة منهن فأدخلت بيتا ، ثم دعا امرأة الرجل فأدارها بكل وجه فأبت أن تزول عن قولها ، فردّها إلى البيت الذي كانت فيه و دعا إحدى الشهود و جثا على ركبتيه ثم قال : تعرفيني أنا علي بن أبي طالب و هذا سيفي و قد قالت امرأة الرجل ما قالت و رجعت إلى الحق و أعطيتها الأمان و إن لم تصدقيني لأمكّننّ السيف منك فالتفتت المرأة إلى عمر و قالت : الأمان على الصدق فقال لها علي فاصدقي ، فقالت لا و اللَّه إلاّ أنّها رأت جمالا و هيئة فخافت فساد زوجها فسقتها المسكر و دعتنا فأمسكناها فافتضّتها بأصبعها فقال عليعليه‌السلام : اللَّه أكبر أنا أوّل من فرق بين الشهود إلاّ دانيال النبيعليه‌السلام ، و الزمهن حدّ القاذف و الزمهن جميعا العقر و جعل عقرها أربعمائة درهم ، و أمر بالمرأة أن تنفى من الرجل و يطلقها زوجها ، و زوّجهعليه‌السلام الجارية و ساق المهر عنه .(١) .

و روى أيضا أنّه كان على عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام رجلان متؤاخيان

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٤٢٥ ح ٩ .

٢٨٥

في اللَّه عز و جل ، فمات أحدهما و أوصى إلى الآخر في حفظ بنية كانت له ، فحفظها الرجل و أنزلها منزلة ولده في اللطف و الإكرام ، ثم حضره سفر فخرج و أوصى امرأته في الصبية ، فأطال السفر حتى إذا أدركت الصبيّة و كان لها جمال و كان الرجل يكتب في حفظها و التعاهد لها ، فلما رأت ذلك امرأته خافت أن يقدم فيراها قد بلغت مبلغ النساء فيعجبه جمالها فيتزوجها ، فعمدت إليها هي و نسوة معها قد كانت أعدّتهن ، فأمسكنّها لها ثم افترعتها بأصبعها ، فلما قدم الرجل من سفره دعا الجارية ، فأبت أن تجيبه استحياء ممّا صارت إليه ، فألحّ عليها في الدعاء ، كلّ ذلك و هي تأبى أن تجيبه ، فلما أكثر عليها قالت له امرأته : دعها فانّها تستحي أن تأتيك من ذنب أتته ، و رمتها بالفجور ، فاسترجع الرجل ثم قام إلى الجارية فوبّخها و قال لها : ويحك أما علمت ما كنت أصنع بك من الألطاف ، و اللَّه ما كنت أعدّك إلاّ كبعض ولدي أو إخوتي و إن كنت لابنتي ، فما دعاك إلى ما صنعت ؟ فقالت له الجارية : أمّا إذ قيل لك ما قيل فو اللَّه ما فعلت الذي رمتني به امرأتك و لقد كذبت عليّ ، فإنّ القصة لكذا و كذا و وصفت له ما صنعت امرأته بها فأخذ الرجل بيد امرأته و يد الجارية فمضى بهما حتى أجلسهما بين يدي أمير المؤمنينعليه‌السلام و أخبره بالقصة كلّها و أقرّت المرأة بذلك ، و كان الحسنعليه‌السلام بين يدي أبيه فقال له : إقض فيها فقال الحسنعليه‌السلام :

نعم على المرأة الحد لقذفها الجارية و عليها القيامة لافتراعها فقالعليه‌السلام له :

صدقت(١) .

و في ( مناقب السروي ) عن تميم بن خزام الأسدي قال : صبّت امرأة بياض البيض على فراش ضرّتها و قالت لزوجها : قد بات عندها رجل ، ففتّش ثيابها فأصاب ذلك البيض ، فقص ذلك على عمر فهمّ أن يعاقبها فقال أمير

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٢٠٧ ح ١٢ .

٢٨٦

المؤمنينعليه‌السلام : إيتوني بماء حار قد اغلي غليانا شديدا ، فلما اتي به أمرهم فصبّوا على الموضع فاشتوى ذلك الموضع ، فرمى به إليها و قال :( إنّه من كيدكن إنّ كيدكن عظيم ) (١) و قالعليه‌السلام لزوجها : أمسك عليك زوجك فإنّها حيلة تلك التي قذفتها ، فضربها الحدّ(٢) .

و في ( معجم أدباء الحموي ) نقلا عن كتاب شعراء ابن المعتزّ : كان الخليل منقطعا إلى الليث بن رافع بن نصر بن سيّار ، و كان الليث من أكتب أهل زمانه بارع الأدب بصيرا بالشعر و الغريب و النحو ، و كان كاتبا للبرامكة و كانوا معجبين به ، فارتحل إليه الخليل و عاشره فوجده بحرا فأغناه ، و أحبّ الخليل أن يهدي إليه هدية تشبهه ، فاجتهد في تصنيف كتاب العين فصنّفه له و خصّه به دون الناس و حبّره و أهداه إليه ، فوقع منه موقعا عظيما و سرّ به و عوّضه عنه مائة ألف درهم و اعتذر إليه ، و أقبل الليث ينظر فيه ليلا و نهارا لا يملّ النظر فيه حتى حفظ نصفه و كانت ابنة عمّه تحته فاشترى عليها جارية نفيسة بمال جليل ، فبلغها ذلك فغارت غيرة شديدة ، فقالت و اللَّه لأغيظنّه و لا ابقي غاية فقالت : إن غظته في المال فذاك ما لا يبالي و لكني أراه مكبّا ليله و نهاره على هذا الدفتر و اللَّه لأفجعنه به ، فأخذت الكتاب و أضرمت نارا و ألقته فيها ، و أقبل الليث إلى منزله و دخل إلى البيت الذي كان فيه الكتاب ، فصاح بخدمه و سألهم عن الكتاب فقالوا : أخذته الحرة ، فبادر إليها و قد علم من أين اتي ، فلما دخل عليها ضحك في وجهها و قال لها : ردّي الكتاب فقد وهبت لك الجارية و حرّمتها على نفسي ، و كانت غضبى فأخذت بيده و أرته رماده ، فسقط في يد الليث فكتب نصفه من حفظه و جمع على الباقي أدباء زمانه و قال

____________________

( ١ ) يوسف : ٢٨ .

( ٢ ) المناقب للسروي ٢ : ٣٦٧ .

٢٨٧

لهم : مثلوا عليه و اجتهدوا ، فعملوا هذا النصف الذي بأيدي الناس ، فهو ليس من تصنيف الخليل و لا يشقّ غباره(١) .

هذا ، و في السير : ضرب البعث على كوفي إلى آذربيجان ، فاقتاد جارية و فرسا و كان مملكا بابنة عمه ، فكتب إليها ليغيرها :

ألا بلغوا ام البنين بأننا

غنينا و أغنتنا الغطارفة المرد

بعيد مناط المنكبين إذا جرى

و بيضاء كالتمثال زيّنها العقد

فهذا لأيّام العدو و هذه

لحاجة نفسي حين ينصرف الجند

فكبت إليه امرأته :

ألا فاقره منّي السّلام و قل له

غنينا و أغنتنا غطارفة المرد

إذا شئت أغناني غلام مرجّل

و نازعته في ماء معتصر الورد

و ان شاء منهم ناشى‏ء مدّ كفّه

إلى عكن ملساء أو كفل نهد

فما كنتم تقضون حاجة أهلكم

شهودا قضيناها على النأي و البعد

فعجّل علينا بالسراح فإنّه

منانا و لا ندعو لك اللَّه بالرد

فلا قفل الجند الذي أنت فيهم

و زادك رب الناس بعدا على بعد

فلما ورد عليه الكتاب لم يزد ان ركب فرسه و أردف الجارية و لحق بها ، فكان أوّل شي‏ء قال لها : تاللَّه هل كنت فاعلة قالت : أنت أحقر من أن أعصي اللَّه فيك ، كيف ذقت طعم الغيرة ، فوهب لها الجارية و انصرف إلى بعثه(٢) .

و في المناقب عن غريب حديث أبي عبيد : جاءت امرأة إلى عليعليه‌السلام و قالت : ان زوجها يأتي جاريتها فقالعليه‌السلام : ان كنت صادقة رجمناه و ان كنت كاذبة جلدناك فقالت : ردوني إلى أهلي غيري نقزة قال أبو عبيد : تعني ان

____________________

( ١ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ١٧ : ٤٥ ، عقلا عن طبقات الشعراء لعبد اللَّه بن المعتز : ٩٧ .

( ٢ ) الابشيهي ، المستطرف في كل فن مستظرف ٢ : ٤٨٧ ٤٨٨ .

٢٨٨

جوفها يغلي من الغيظ و الغيرة(١) .

و في ( المروج ) : ذكر مصعب الزبيري أنّ امّ سلمة بنت يعقوب المخزومي كانت بعد هشام بن عبد الملك عند السفاح ، و كان حلف لها أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرّى ، و غلبت عليه غلبة شديدة حتى ما كان يقطع أمرا إلاّ بمشورتها ، حتى أفضت الخلافة إليه فوفى لها بما حلف لها ، فلما كان ذات يوم خلا به خالد ابن صفوان فقال له : إني فكّرت في أمرك و سعة ملكك ، و قد ملكت نفسك امرأة واحدة ، فإن مرضت مرضت و ان غابت غبت و حرمت نفسك التلذّذ باستطراف الجواري و معرفة أخبار حالاتهن و التمتّع بما تشتهي منهنّ ، فإنّ منهن الطويلة الغيداء و منهن الفضة البيضاء ، و منهن العتيقة الأدماء و الدقيقة السمراء و البربرية العجزاء ، من مولدات المدينة تفتن بمحادثتها و تلذّ بخلوتها ، و أين أنت من بنات الأحرار و النظر إلى ما عندهن و حسن الحديث منهن ، و لو رأيت الطويلة البيضاء و السمراء اللعساء و الصفراء العجزاء و المولّدات من البصريات و الكوفيات ، ذوات الألسن العذبة و القدود المهفهفة و الأوساط المخصّرة و الأصداغ المزرفنة ، و العيون المكحلة و الثدي المحقة ، و حسن زيّهن و زينتهن و شكلهن ، لرأيت شيئا حسنا و جعل يجيد في الوصف و يجدّ في الاطناب بحلاوة لفظه وجودة صفته .

فلما فرغ قال له السفاح : و يحك يا خالد ما صكّ مسامعي و اللَّه قطّ كلام أحسن من كلامك ، فأعده علي فقد وقع منّي موقعا ، فأعاد عليه خالد أحسن ممّا ابتدأ ، ثم انصرف و بقي السفاح مفكّرا فيما سمع من خالد ، فدخلت عليه ام سلمة فلما رأته متفكّرا قالت : إنّي لأنكرك ، هل حدث أمر أو أتاك خبر ؟ قال : لم يكن من ذلك شي‏ء قالت : فما قصّتك ؟ فجعل يزوي عنها فلم تزل به حتى

____________________

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ٣٨١ .

٢٨٩

أخبرها بمقالة خالد ، فقالت : فما قلت لابن الفاعلة قال : سبحان اللَّه ينصحني و تشتمينه ، فخرجت من عنده مغضبة و أرسلت إلى خالد من البخارية و معهم من الكافر كوبات ، و أمرتهم أن لا يتركوا منه عضوا صحيحا .

قال خالد : فانصرفت إلى منزلي و أنا على السرور بما رأيت من السفاح و إعجابه بما ألقيته إليه ، و لم أشكّ أنّ صلته تأتيني ، فلم ألبث حتى صار إليّ اولئك البخارية و أنا قاعد على باب داري ، فلما رأيتهم أيقنت بالجائزة واصلة ، حتى وقفوا عليّ فسألوا عني فقلت : ها أنا ذا خالد ، فسبق اليّ أحدهم بهراوة كانت معه ، فلما أهوى بها اليّ و ثبت الى منزلي و أغلقت الباب و استترت ، و مكثت أيّاما على تلك الحال لا أخرج من منزلي ، و وقع في خلدي أنّي أوتيت من قبل امّ سلمة ، و طلبني السفاح طلبا شديدا فلم أشعر ذات يوم إلاّ بقوم هجموا عليّ و قالوا : أجب الخليفة فأيقنت بالموت ، فركبت و ليس عليّ لحم و لا دم ، فلما وصلت إلى الدار أومى اليّ بالجلوس و نظرت فإذا خلف ظهري باب عليه ستور قد ارخيت و حركة خلفها ، فقال السفاح : لم أرك يا خالد منذ ثلاث .

قلت : كنت عليلا قال : ويحك إنّك وصفت لي في آخر دخلة من أمر الناس و الجواري ما لم يخرق مسامعي قط كلام أحسن منه فأعده علي قلت : نعم .

أعلمتك أنّ العرب اشتقت اسم الضرّة من الضر ، و ان أحدهم ما تزوج من النساء أكثر من واحدة إلاّ كان في جهد فقال : ويحك لم يكن هذا في الحديث .

قلت : بلى ، و أخبرتك أنّ الثلاث من النساء كأثافي القدر يغلي عليهن قال : برئت من قرابتي من النبي إن كنت سمعت هذا منك في حديثك قلت : و أخبرتك أنّ الأربعة من النساء شرّ صيح بصاحبه يشنه و يهرمنه و يسقمنه قال : ويلك ما سمعت هذا منك و لا من غيرك قبل هذا قال خالد : بلى قال : ويلك تكذّبني .

قلت : و تريد أن تقتلني قال : مر في حديثك قلت : و أخبرتك ان أبكار الجواري

٢٩٠

رجال و لكن لا خصي لهن .

قال خالد : و سمعت الضحك من وراء الستر قلت : و نعم و أخبرتك أيضا ان بني مخزوم ريحانة قريش و أنت عندك ريحانة من الرياحين و أنت تطمح بعينك إلى حرائر النساء و غيرهن من الاماء .

قال خالد : فقيل لي من وراء الستر صدقت يا عمّاه و برّرت بهذا حديث الخليفة و لكنه بدل و غيّر و نطق عن لسانك بغيره فقال لي السفاح : قاتلك اللَّه و أخزاك و فعل بك و فعل ، فتركته و خرجت و قد أيقنت بالحياة قال : فما شعرت إلاّ برسل ام سلمة قد صاروا إليّ و معهم عشرة آلاف درهم و تخت و برذون و غلام(١) .

و غيرة الرجل التي هي إيمان ، غيرته على ميل امرأته إلى رجل أجنبي ، و أمّا ميلها إلى زوج لها قبل بمعنى مدحها له بصفات ليست في الأخير فيغيّر زوجها فليس بايمان بل من الكفر ، ففي السير كانت مع سعد بن أبي وقاص بالقادسية زوجة له كانت قبل تحت المثنى بن حارثة ، فلما لم تر من سعد إقداما مثل المثنى قالت : و امثنياه و لا مثنى للمسلمين اليوم فلطمها سعد فقالت المرأة : أ غيرة و جبنا فذهبت مثلا(٢) .

٢ الحكمة ( ٢٣٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَرْأَةُ شَرٌّ كُلُّهَا وَ شَرُّ مَا فِيهَا أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهَا « المرأة شرّ كلّها » قالوا : كتب بعض الحكماء على باب داره « لا يدخل داري

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٢٦٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

٢٩١

شرّ » فقال بعض آخر منهم : من أين تدخل امرأتك(١) ؟

و قالوا : تزوّج بعضهم امرأة نحيفة فقيل له في ذلك فقال : اخترت من الشرّ أقلّه(٢) .

و قالوا : رأى بعض الحكماء امرأة غريقة قد احتملها السيل فقال : زادت الكدر كدرا ، و الشر بالشر يهلك(٣) .

و في ( الملل ) : رأى ديو جانس امرأة تحملها الماء فقال : على هذا المعنى جرى المثل « دع الشر يغسله الشر »(٤) .

و رأى نساء يتشاورن فقال : على هذا جرى المثل : « هو ذا الثعبان يستقرض من الأفاعي سمّا » .

و رأى امرأة متزينة في ملعب فقال : هذه لم تخرج لترى و لكن لترى و قالوا : رأى بعضهم جارية تحمل نارا فقال : نار على نار ، و الحامل شر من المحمول و قالوا : رأى حكيم جارية تتعلّم الكتابة ، فقال : يسقى هذا السهم سمّا ليرمي به يوما ما(٥) .

و قالوا : و نظر حكيم إلى امرأة مصلوبة على شجرة ، فقال : ليت كلّ شجرة تحمل مثل هذه الثمرة(٦) .

و قال بعضهم :

ان النساء شياطين خلقن لنا

نعوذ باللَّه من شرّ الشياطين(٧)

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٢٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ و ١٨ : ١٩٨ ١٩٩ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٥٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ .

( ٥ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٥٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

( ٦ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ و ١٨ : ١٩٨ .

( ٧ ) نسبوا هذا البيت إلى عمر بن الخطاب ، قاله عند ما سمع امرأة تقول : ان النساء رياحين خلقن لكم و كلكم يشتهي

٢٩٢

و قال بعضهم في قولهم « بعد الّتي و اللّتيّا » : إن رجلا تزوج امرأة قصيرة و امرأة طويلة ، فلقي منهما شدّة ، فطلّقهما و قال : بعد اللتيا يعني القصيرة و الّتي أي الطويلة لا أتزوج أبدا(١) .

و في ( شعراء ابن قتيبة ) : كان جران العود و الرحال خدنين ، فتزوج كلّ واحد منهما امرأتين ، فلقيا منهما مكروها فقال الأول :

ألا لا تغرنّ امرأ نوفلية

على الرأس بعدي أو ترائب وضّح

و لا فاحم يسقي الدهان كأنّه

أساود يزهاها لعينك أبطح

و أذناب خيل علقت في عقيصة

ترى قرطها من تحتها يتطوّح

جرت يوم جئنا بالركاب نزفّها

عقاب و تشحاج من الطير متيح

فأمّا العقاب فهي منّا عقوبة

و أمّا الغراب فالغريب المطوّح

هي الغول و السعلاة حلقي منهما

مكدّح ما بين التراقي مجرّح

خذا نصف مالي و اتركا لي نصفه

و بينا بذم فالتعزّب أروح

و سمّي جران العود بقوله لامرأتيه :

خذا حذرا يا جارتيّ فإنّني

رأيت جران العود قد كان يصلح

فخوفهما بسير قدّ من صدر جمل مسن ، قال و يتمثل من شعره بقوله :

و لا تأمنوا مكر النساء و أمسكوا

عرى المال عن أبنائهن الأصاغر

فإنّك لم ينذرك أمر تخافه

إذا كنت منه خائفا مثل خابر(٢)

و في القاموس هو عامر بن الحرث و قول الصحاح اسمه المستورد غلط .

شم الرياحين ، راجع أدب الدنيا و الدين للماوردي : ١٥٦ .

____________________

( ١ ) مجمع الأمثال للميداني ١ : ١٢٥ .

( ٢ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٢٧٥ ٢٧٧ .

٢٩٣

و قال الثاني :

فلا بارك الرحمن في عود أهلها

عشية زفّوها و لا فيك من بكر

و لا الزعفران حين مسّحنها به

و لا الحلي منها حين نيط من النحر

و لا فرش طوهرن من كلّ جانب

كأنّي أطوي فوقهن من الجمر

فيا ليت أنّ الذئب خلّل درعها

و إن كان ذا ناب حديد و ذا ظفر

و جاءوا بها قبل المحاق بليلة

و كان محاقا كلّه آخر الشهر

لقد أصبح الرحّال عنهن صادفا

إلى يوم يلقى اللَّه في آخر العمر(١)

و في ( الاستيعاب ) : كانت عند الأعشى المازني امرأة يقال لها معاذة ، فخرج يمير أهله من هجر ، فهربت امرأته بعده ناشزة عليه ، فعاذت برجل منهم يقال له مطرف ، فجعلها خلف ظهره ، فلما قدم الأعشى لم يجدها في بيته و اخبر أنّها نشزت و عاذت بمطرف ، فأتاه فقال له : يا ابن عم عندك امرأتي فادفعها اليّ فقال : ليست عندي و لو كانت عندي لم أدفعها إليك و كان مطرف أعزّ منه ، فخرج حتى أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و أنشأ يقول :

يا سسّد الناس و ديّان العرب

أشكو إليك ذربة من الذرب(٢)

خرجت أبغيها الطعام في رجب

فخلفتني بنزاع و هرب

اخلفت العهد و ألظت بالذنب

و هنّ شر غالب لمن غلب(٣)

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « و هنّ شر غالب لمن غلب » و كتب إلى مطرف : إدفع إليه امرأته ، فلما قرأ الكتاب قال لمعاذة : هذا كتاب النبي فيك و أنا دافعك إليه فقالت :

خذ لي العهد أن لا يعاقبني فيما صنعت ، فأنشأ يقول :

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٧٠ .

( ٢ ) الذرب : حدّة اللسان .

( ٣ ) حياة الحيوان للدميري ١ : ٥١٢ .

٢٩٤

لعمرك ما حبّي معاذة بالذي

يغيّره الواشي و لا قدم العهد

و لا سوء ما جاءت به إذ أزلّها

غواة رجال إذ ينادونها بعدي(١)

و في ( الملل ) : قيل للاسكندر : إنّ روشنك امرأتك بنت دارا الملك و هي من أجمل النساء فلو قربتها إلى نفسك قال : أكره أن يقال : غلب الاسكندر دارا ، و غلبت روشنك الاسكندر(٢) .

و قالوا : كان أحمد بن يوسف كاتب المأمون إذا دخل عليه حيّاه بتحية أبرويز الملك : « عشت الدهر ، و نلت المنى ، و حبيت طاعة النساء »(٣) .

و في ( الكافي ) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : إتّقوا من شرار النساء و كونوا من خيارهن على حذر ، و إن أمرنكم بالمعروف فخالفوهنّ كيلا يطمعن في المنكر(٤) .

و عنهعليه‌السلام : في خلاف النساء البركة(٥) .

____________________

( ١ ) ذكر الحكاية ( ابن الأثير ) في اسد الغابة ١ : ١٢٣ ، و لم يذكر ( ابن عبد البر ) في الإستيعاب ١ : ١٤٤ ( المصدر الّذي اعتمده المؤلف ) إلاّ جزءا من الحكاية ، فقد ذكر أبيات الأعشى المازني إمام النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و قول النبي له فقط ، مع تغيير عمّا ذكره المؤلف و الأبيات هي:

يا مالك الناس و ديان العرب

إنّي لقيتف دربة من الذّرب

ذهبت ابضيها الطعام في رجب

فخالفتني بنزاع و هرب

أخلفت العهد و الطّت بالذنب

و هن شر غالب لمن غلب

( ٢ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٤٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٩٥ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٥ : ٥١٧ ح ٥ .

( ٥ ) لفظ الحديث كما رود في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٦٢ ، و جامع أحاديث الشيعة ١٦ : ٨٦ ، عن هارون بن موسى عن محمّد بن علي بن محمّد بن الحسين عن علي بن اسباط عن أبي فضال عن الصادق عن ايائه عن رسول اللَّه أنه قال : شاوروا النساء و خالفوهن فأن خلافهن بركة و قد أورد جمع من المتأخرين هذا الحديث و نسبوه إلى الإمام عليّعليه‌السلام أو إلى الرسول صلّى اللَّه عليه و آله بينما لم يرد في المصادر من نسب هذا القول إلى الإمام عليّعليه‌السلام أمّا نسبته إلى الرسول صلّى اللَّه عليه و آله فقد عجّت و صادر الحديث بذكره في الموضوعات ، من هذه الكتب : ١ السخاوي في المقاصد

٢٩٥

و كل أمر تدبرته امرأة فهو ملعون(١) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ النساء لا يشاورن في النجوى و لا يطعن في ذوي القربى ، إنّ المرأة إذا أسنّت ذهب خير شطريها و بقي شرهما ، يعقم رحمها و يسوء خلقها و يحتدّ لسانها ، و إن الرّجل إذا أسنّ ذهب شرّ شطريه و بقي خيرهما يؤوب عقله و يستحكم رأيه و يحسن خلقه(٢) .

و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كان إذا أراد الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن(٣) .

و قال طفيل الغنوي :

إنّ النّساء متى ينهين عن خلق

فإنّه واجب لا بدّ مفعول(٤)

و قالوا : قيل لسقراط أيّ السباع أجسر ؟ قال : المرأة(٥) .

قالوا : و مرّت به امرأة فقالت له : ما أقبحك فقال لها : لو لا أنّك من المرايا الحسنة ، و قال عنه : لم أره مرفوعا ، و لكن عن العسكري من احديث حفص بن عثمان بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر قال : قال عمر : خالفوا النساء فإنّ خلافهن لبركة ( راجع المقاصد الحسنة : ٢٤٨ ح ٥٨٥ ) ٢ أورده المنقي الهندي في كنز العمّال عن ( عمر ) أنه قال : خالفوا النساء فإن خلافهن بركة ( كنز العمّال ٣ : ٤٥١ ) ٣ الزبيري في إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين ٥ : ٣٥٦ ، يقول عنه هكذا اشتهر على الألسنه و ليس بحديث .

٤ ابن عراق الشافعي في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشيعة الموضوعة ٢ : ٢١٠ ، نسبه إلى عمر بن الخطاب ٥ ( ملا علي القالي في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ، المعروف بالموضوعات الكبرى : ٢٢٢ ) ذكر قائلا : حديث شاورهن و خالفوهن لم يثبت بهذا المعنى و إن كان له وجه من حيث المعنى .

____________________

( ١ ) في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٢٨ « كل امرى‏ء تدبره امرأة فهو ملعون » .

( ٢ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ٣ : ٤٦٨ ح ٤٦٢١ .

( ٣ ) ذكره المجلسي في مكانين ٩١ : ٢٥٥ و ١٠٣ : ٢٢٨ إلاّ ان أرباب السير ذكروا ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله استشار ( امّ سلمة ) في صاح الحديبيه ، فقد قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٥ : ٢٦٥ ٢٦٦ : فلمّا لم يقم منهم ( الأصحاب ) أحد دخل على امّ سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت امّ سلمة : يا نبي اللَّه ، اتحب ذلك ؟ أخرج و لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بذلك و تدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنة ، و دعا حالقه فحلقه ، فلمّا رأوا قاموا فنحروا ، و جعل بعضهم بحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ .

( ٥ ) المصدر نفسه .

٢٩٦

الصديّة لغمّني ما بان من قبح صورتي فيك(١) .

هذا ، و عن ( ملح النوادر ) كان ذئب ينتاب بعض القرى و يعبث فيها ، فترصّدوه حتى أخذوه ، ثم تشاوروا فيه فقال بعضهم : تقطع يداه و رجلاه و تدقّ أسنانه و يخلع لسانه ، و قال آخر بل يصلب و يرمى بالنبال ، و قال آخر :

توقد نار عظيمة و يلقى فيها ، و قال بعض الممتحنين بالنساء : بل يزوّج و كفى بالتزويج تعذيبا و في هذه القصة قال الشاعر :

رب ذئب أخذوه

و تماروا في عقاب

ثم قالوا زوّجوه

و ذروه في عذاب(٢)

« و شر ما فيها أنّه لا بدّ منها » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان إبراهيمعليه‌السلام شكا إلى اللَّه ما يلقى من سوء خلق سارة ، فأوحى إليه : إنّما مثل المرأة مثل الضلع المعوجّ ، إن أقمته كسرته و إن تركته استمتعت فاصبر عليها(٣) و نظم مضمونه من قال :

هي الضلع العوجاء لست تقيمها

ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها(٤)

و في ( البيان ) : سمع أعرابي يقول « اللّهم اغفر لامّ أوفى » قيل له : من امّ أوفى ؟ قال : إمرأتي ، إنّها لحمقاء مرغامة(٥) أكول قامّة(٦) لا تبقي خامّة(٧) ، غير

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٢٠٠ .

( ٢ ) لم نعثر على الكتاب لا في المطبوعات و لا في المخطوطات ، و يبدو ان المؤلف لم ير الكتاب حيث ذكر ( و عن ) ، و قد ذكر حاجي خليفة الكتاب في كشف الظنون ٢ : ١٨١٧ ، و نسبه إلى الشيخ أبي عبد اللَّه الكاتب .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥١٣ ح ٢ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٩ .

( ٥ ) المرغامة : المبغضة ليعلها .

( ٦ ) قمّ : أكولة .

( ٧ ) الخامّ : ما تغيّر ريحه من لحم أو لبن .

٢٩٧

أنّها حسناء فلا تفرك و امّ غلمان فلا تترك(١) .

و نظير المرأة في مطلوبيتها مع شدائدها لعدم بدّ منها ، الشيب فرارا من الموت قال الشاعر :

الشيب كره و كره أن يفارقني

فأعجب لشي‏ء على البغضاء مودود(٢)

٣ الحكمة ( ٦١ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اَللَّبْسِةِ « المرأة عقرب » في ( اللّسان ) العقرب يكون للذّكر و الانثى ، و الغالب عليه التأنيث ، و يقال للانثى : عقربة و عقرباء ، و العقربان : الذكر منها ، قال إياس بن الأرتّ :

كأنّ مرعى امكم إذ غدت

عقربة يكومها عقربان(٣)

و عقرب بن أبي عقرب كان من تجّار المدينة مشهورا بالمطل ، قال الزبير ابن بكار : عامله الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب فلزم الفضل بيته زمانا فلم يعطه شيئا ، فقال الفضل :

قد تجرت في سوقنا عقرب

لا مرحبا بالعقرب التاجره

كلّ عدو يتّقى مقبلا

و عقرب تخشى من الدابره

إن عادت العقرب عدنا لها

و كانت النعل لها حاضره

____________________

( ١ ) البيان و التبيان للجاحظ ٢ : ٩٥ .

( ٢ ) هو مسلم بن الوليد ذكره النويري ، في نهاية الارب ٢ : ٣٧ .

( ٣ ) لسان العرب لابن منظور ٩ : ٣١٨ .

٢٩٨

كلّ عدوّ كيده في استه

فغير مخشي و لا ضائره(١)

« حلوة اللبسة » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) ، و الصواب : ( اللسبة ) كما نقله ( ابن أبي الحديد(٣) و اللسبة من لسب بالفتح ، قال ابن السكيت يقال لسبته العقرب إذا لسعته ، و اما لسب بالكسر فبمعنى لعق ، يقال لسبت العسل أي لعقته(٤) .

و لكون المرأة عقربا حلوة اللسبة قال كثيّر في صاحبته عزّة :

هنيئا مريئا غير داء مخامر

لعزّة من أعراضنا ما استحلّت(٥)

و عن مجنون في صاحبته ليلى :

حلال لليلى شتمنا و انتقاصنا

هنيئا و مغفور لليلى ذنوبها(٦)

و في ( الأغاني ) : قدم الوليد بن عبد الملك مكة فأراد أن يأتي الطائف فقال :

هل من رجل عالم يخبرني عنها قالوا : عمر بن أبي ربيعة قال : لا حاجة لي به ، ثم عاد فسأل فذكروه فقال : هاتوه فأتى و ركب معه ، فجعل يحدّثه ثم حوّل رداءه ليصلحه على نفسه ، فرأى الوليد على ظهره أثرا فقال : ما هذا ؟ قال : كنت عند جارية لي إذ جاءتني جارية برسالة من عند جارية اخرى و جعلت تسارّني بها ، فغارت التي كنت عندها فعضّت منكبي ، فما وجدت ألم عضتها من لذة ما كانت تلك تنفث في اذني حتى بلغت ما ترى و الوليد يضحك(٧) .

____________________

( ١ ) حياة الحيوان للدميري ٢ : ٦١ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية : ٦٧١ رقم ٦٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ رقم ٥٩ .

( ٤ ) ترتيب اصلاح المنطق لابن السكّيت : ٣٣٤ .

( ٥ ) ديوان كثير عزة : ٥٦ .

( ٦ ) ديوان مجنون ليلى : ٣٤ .

( ٧ ) الأغاني للأصفهاني ١ : ١١٢ .

٢٩٩

و قال حجر آكل المرار في هند امرأته :

حلوة العين و الحديث و مرّ

كل شي‏ء أجنّ منها الضمير(١)

و قال أبو العتاهية :

رأيت الهوى جمر الغضا غير أنّه

على جمره في صدر صاحبه حلو(٢)

و في ( الجمهرة ) ( زينب ) اشتقاقه من زنابة العقرب و هي ابرته التي تلذع بها ، فأما زبانيا العقرب فهما قرناها(٣) .

٤ الحكمة ( ٢٣٤ ) و قالعليه‌السلام :

خِيَارُ خِصَالِ اَلنِّسَاءِ شَرُّ خِصَالِ اَلرِّجَالِ اَلزَّهْوُ وَ اَلْجُبْنُ وَ اَلْبُخْلُ فَإِذَا كَانَتِ اَلْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا وَ إِذَا كَانَتْ بَخِيلَةً حَفِظَتْ مَالَهَا وَ مَالَ بَعْلِهَا وَ إِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ يَعْرِضُ لَهَا « خيار خصال النساء شرّ خصال الرجال » و ممّا قيل في اختلافهن مع الرجال في غير ما قالعليه‌السلام قول ابن شبرمة : ما رأيت لباسا على رجل أزين من فصاحته ، و لا رأيت لباسا على امرأة أزين من شحم(٤) و لشاعر :

الخال يقبح بالفتى في خدّه

و الخال في خد الفتاة مليح

و الشيب يحسن بالفتى في رأسه

و الشيب في رأس الفتاة قبيح(٥)

الزهو : أي : الكبر و الفخر و كونه من شرار خصال الرجال واضح .

____________________

( ١ ) الأغاني للأصفهاني ١٦ : ٣٥٨ ، كذا ابن قيم الجوزية : ١٤٤ و نسب البيت إلى عمرو الملك .

( ٢ ) الأغاني للأصفهاني ٤ : ٤١ و في نسخة التحقيق ورد العجز بلفظ « على كل حال عند صاحبه حلو » .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٣ : ٣٦٥ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ٣٠ .

( ٥ ) المصدر نفسة ٤ : ٢٢ .

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639