بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247519 / تحميل: 8640
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فترْك الواجبات: كترْك الصلاة والصيام والحجّ والزكاة ونحوها مِن الواجبات. وطريق التوبة منها بالاجتهاد في قضائها وتلافيها جُهدَ المستطاع.

وأمّا فعل المحرّمات: كالزنا وشرب الخمر والقمار وأمثالها مِن المحرّمات، وسبيل التوبة منها بالندم على اقترافها، والعزم الصادق على تركها.

ومِن الذنوب: ما تكون جرائرها بين المرء والناس، وهي أشدّها تبعةً ومسؤوليّة، وأعسرها تلافياً، كغصبِ الأموال، وقتل النفوس البريئة المحرّمة، وهتك المؤمنين بالسبِّ والضرب والنمّ والاغتياب.

والتوبة منها بإرضاء الخصوم، وأداء الظُّلامات إلى أهلها، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فإنْ عجَز عن ذلك فعليه بالاستغفار، وتوفير رصيد حسَنَاته، والتضرّع إلى الله عزَّ وجل أنْ يرضيهم عنه يوم الحساب.

قبول التوبة:

لا ريب أنّ التوبة الصادقة الجامعة الشرائط مقبولة بالإجماع، لدلالة القرآن والسنّة عليها:

قال تعالى:( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ) ( الشورى: ٢٥ ).

وقال تعالى:( غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ ) ( غافر: ٣ ).

وقد عرضنا في فضائل التوبة طرفاً مِن الآيات والأخبار الناطقة بقبول التوبة، وفوز التائبين بشرف رضوان اللّه تعالى، وكريم عفوه، وجزيل آلائه.

٢٦١

وأصدَقُ شاهدٍ على ذلك ما جاء في معرض حديث للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال: ( لولا أنّكم تذنبون فتستغفرون اللّه، لخلق اللّه خلقاً، حتّى يذنبوا ثمّ يستغفروا اللّه فيغفر لهم، إنّ المؤمن مفتنٌ توّاب، أما سمِعت قول اللّه:( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) )( البقرة: ٢٢٢ )(١) .

أشواق التوبة:

تََتلخّص النصائح الباعثة على التوبة والمشوّقة إليها فيما يلي:

١ - أنْ يتذكّر المُذنب ما صوَّرته الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، مِن غوائل الذنوب، ومآسيها الماديّة والروحيّة، في عاجل الحياة وآجلها، وما توعّد اللّه عليها مِن صنوف التأديب وألوان العِقاب.

٢ - أن يستعرض فضائل التوبة ومآثر التائبين، وما حباهم اللّه به من كريم العفو، وجزيل الأجر، وسمو العناية واللطف، وقد مرّ ذلك في بداية هذا البحث.

وكفى بهاتين النصيحتين تشويقاً إلى التوبة، وتحريضاً عليها، ولا يرغب عنها إلا أحمق بليد، أو ضعيف الايمان والبصيرة.

_____________________

(١) البحار م ٣ ص ١٠٣ عن الكافي.

٢٦٢

محاسبة النفس ومراقبتها

المحاسبة هي: محاسبة النفس كلّ يوم عمّا عمِلته مِن الطاعات والمبرّات، أو اقترفته من المعاصي والآثام، فإنْ رجُحت كفّة الطاعات على المعاصي، والحسَنات على السيّئات، فعلى المحاسِب أنْ يشكُر اللّه تعالى على ما وفّقه إليه وشرّفه به مِن جميل طاعته وشرف رضاه.

وإنْ رجُحت المعاصي، فعليه أنْ يؤدّب نفسه بالتأنيب والتقريع على شذوذها وانحرافها عن طاعة اللّه تعالى.

وأمّا المراقبة: فهي ضبطُ النفس وصيانتها عن الإخلال بالواجبات ومقارفة المحرّمات.

وجديرٌ بالعاقل المُستنير بالإيمان واليقين، أنْ يروّض نفسه على المحاسبة والمراقبة فإنّها ( أمّارة بالسوء ): متى أُهمِلَت زاغت عن الحقّ، وانجرفت في الآثام والشهَوات، وأودَت بصاحبها في مهاوي الشقاء والهلاك، ومتى أُخِذَت بالتوجيه والتهذيب، أشرقت بالفضائل، وازدهرت بالمكارم، وسمت بصاحبها نحو السعادة والهناء:( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) ( الشمس: ٧ - ١٠ ).

٢٦٣

هذا إلى أنّ للمحاسبة، والمراقبة أهميّة كُبرى في تأهّب المؤمن، واستعداده لمواجهة حساب الآخرة، وأهواله الرهيبة، ومِن ثمّ اهتمامه بالتزوّد مِن أعمال البِر والخير الباعثة على نجاته وسعادة مآبه.

لذلك طفِقَت النصوص تُشوّق، وتحرّض على المحاسبة والمراقبة بأساليبها الحكيمة البليغة:

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : ( إذا أراد أحدكم أنْ لا يسأل ربَّه شيئاً إلاّ أعطاه، فلِيَيأس مِن الناس كلّهم، ولا يكون له رجاء إلاّ مِن عند اللّه تعالى، فإذا علِم اللّه تعالى ذلك مِن قلبهِ لم يسأل شيئاً إلاّ أعطاه، فحاسبوا أنفسكم قبل أنْ تُحاسَبوا عليها، فإنّ للقيامة خمسين موقفاً، كلّ موقفٍ مقام ألف سنة، ثمّ تلا:( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) ( المعارج: ٤ )(١) .

وقال الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام : ( ليس منّا مَن لم يُحاسِب نفسه في كل ّيوم، فإنْ عمِل حسنةً استزاد اللّه تعالى، وإنْ عمِل سيّئةً استغفر اللّه تعالى منها وتاب إليه )(٢).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( إنّ رجُلاً أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له: يا رسول اللّه، أوصني.

فقال له رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فهل أنت مستوصٍ إنْ أنا أوصيتك ؟ حتّى قال له ذلك ثلاثاً، وفي كلّها يقول له الرجل: نعم

_____________________

(١) الوافي الجزء الثالث ص ٦٢ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٦٢ عن الكافي.

٢٦٤

يا رسول اللّه.

فقال له رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فإنّي أوصيك، إذا أنت همَمْتَ بأمرٍ فتدبّر عاقبته، فإنْ يكُ رُشداً فأمضِه، وإنْ يكُ غيّاً فانته عنه )(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام لرجلٍ: ( إنّك قد جُعلتَ طبيب نفسك، وبُيّن لك الدَّاء، وعُرّفت آية الصحّة، ودُلِلْتَ على الدواء، فانظر كيف قياسك على نفسك )(٢) .

وعن موسى بن جعفرعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام قال:

( قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث سريّة، فلمّا رجعوا قال: مرحباً بقومٍ قضوا الجهاد الأصغر، وبقيَ عليهم الجهاد الأكبر.

قيل: يا رسول اللّه، وما الجهاد الأكبر ؟ قال: جهاد النفس. ثمّ قال: أفضل الجهاد مَن جاهد نفسه التي بين جنبيه )(٣).

دستور المحاسبة:

لقد ذكر المعنيّون بدراسة الأخلاق دستور المحاسبة والمراقبة بأُسلوب مفصّل، ربّما يشقّ على البعض تنفيذه، بيد أنّي أعرضه مُجملاً ومُيسّراً في

_____________________

(١)، (٢) الوافي ج ٣ ص ٦٢ عن الكافي.

(٣) البحار م ١٥ ج ٢ ص ٤٠ عن معاني الأخبار وأمالي الصدوق.

٢٦٥

أمرين هامّين:

١ - أوّل ما يجدر محاسبةُ النفس عليه، أداء الفرائض التي أوجَبها اللّه تعالى على الناس، كالصلاة والصيام والحجِّ والزكاة ونحوها من الفرائض، فإنْ أدّاها المرء على الوجه المطلوب، شكَر اللّه تعالى على ذلك ورجّى نفسه فيما أعدَّ اللّه للمطيعين مِن كرَم الثواب وجزيل الأجر.

وإنْ أغفلها وفرّط في أدائها خوّف نفسه بما توعّد اللّه العُصاة والمتمرّدين عن عباده بالعقاب الأليم، وجدّ في قضائها وتلافيها.

٢ - محاسبة النفس على اقتراف الآثام واجتراح المنكرات، وذلك: بزجرها زجراً قاسياً، وتأنيبها على ما فرّط مِن سيّئاتها، ثمّ الاجتهاد بملافاة ذلك بالندم عليه، والتوبة الصادقة منه.

ولقد ضرب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أرفع مثَل لمحاسبة النفس، والتحذير مِن صغائر الذنوب ومحُقَّراتها:

قال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ رسول اللّه نزَل بأرضٍ قَرعاء، فقال لأصحابه: ائتونا بحطب. فقالوا: يا رسول اللّه، نحن بأرضٍ قَرعاء ما بها من حطب. قال: فليأت كلّ إنسانٍ بما قدَر عليه، فجاءوا به حتّى رموا بين يدَيه بعضه على بعض، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هكذا تجتمع الذنوب.

ثمّ قال: إيّاكم والمحقّرات مِن الذنوب، فإنّ لكلّ شيء طالباً، ألا وأنّ طالبها يكتب:

٢٦٦

(... مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) )( يس: ١٢ )(١) .

وكان بعض الأولياء يُحاسب نفسه بأُسلوبٍ يستثير الدهشة والإكبار:

من ذلك ما نُقِل عن توبة بن الصمّة، وكان مُحاسباً لنفسه في أكثر أوقات ليله ونهاره، فحسب يوماً ما مضى مِن عمره، فإذا هو ستّون سنة، فحسِب أيّامها فكانت إحدى وعشرين ألف يوم وخمسمِئة يوم، فقال: يا ويلتاه !!، ألقى مالكاً بإحدى وعشرين ألف ذنب، ثمّ صُعِق صَعقةً كانت فيها نفسه(٢).

وما أحلى هذا البيت:

إذا المرء أعطى نفسه كلَّ شهوةٍ

ولم ينهها تاقت إلى كلِّ باطلٍ

اغتنام فرصة العمر:

لو وازن الإنسان بين جميع مُتَع الحياة ومباهجها، وبين عمره وحياته لوَجد أنّ العمر أغلى وأنفس منها جميعاً، وأنّه لا يعدله شيء مِن نفائس الحياة وأشواقها الكُثر، إذ من المُمكن اكتسابها أو استرجاع ما نفَر منها.

أمّا العمر فإنّه الوقت المُحدّد الذي لا يستطيع الإنسان إطالة أمده، وتمديد أجلِه المقدّر المحتوم:( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) ( الأعراف: ٣٤ ).

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٦٨ عن الكافي.

(٢) سفينة البحار ج ١ ص ٤٨٨.

٢٦٧

كما يستحيل استرداد ما تصرّم مِن العمر، ولو بذَل المرء في سبيل ذلك جميع مقتنيات الحياة.

وحيث كان الإنسان غفولاً عن قِيَم العمر وجلالة قدره، فهو يُسرِف عابثاً في تَضييعه وإبادته، غير آبهٍ لما تصرّم منه، ولا مُغتنِم فرصته السانحة.

مِن أجل ذلك جاءت توجيهات آل البيتعليهم‌السلام موضّحة نفاسة العمر، وضرورة استغلاله وصرفه فيما يوجِب سعادة الإنسان ورخائه في حياته العاجلة والآجلة.

قال سيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيّته لأبي ذر: ( يا أبا ذر، كُن على عمرك أشحّ منك على درهمك ودينارك )(١) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( إنّما الدنيا ثلاثة أيّام: يومٌ مضى بما فيه فليس بعائد، ويومٌ أنت فيه فحقّ عليك اغتنامه، ويومٌ لا تدري أنت مِن أهله، ولعلك راحل فيه.

أمّا اليوم الماضي فحكيم مُؤدّب، وأمّا اليوم الذي أنت فيه فصديقٌ مودّع، وأمّا غد فإنّما في يديك منه الأمل ).

وقالعليه‌السلام : ( ما مِن يومٍ يمرُّ على ابن آدم، إلاّ قال له ذلك اليوم: أنا يومٌ جديد، وأنا عليك شهيد، فقل فيّ خيراً، واعمل

_____________________

(١) الوافي قسم المواعظ في وصيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذر.

٢٦٨

فيّ خيراً، أشهد لك به يوم القيامة، فإنّك لنْ تراني بعد هذا أبداً )(١).

وروي أنّه جاء رجلٌ إلى عليّ بن الحسينعليهما‌السلام يشكو إليه حاله، فقال: ( مسكينٌ ابن آدم، له في كلّ يومٍ ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدةٍ منهنّ، ولو اعتبَر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا:

فأمّا المصيبة الأُولى: فاليوم الذي ينقص من عمره. قال: وإنْ ناله نُقصان في ماله اغتمّ به، والدهر يخلف عنه والعمر لا يردّه شيء.

والثانية: أنّه يستوفي رزقه، فإنْ كان حلالاً حُوسِبَ عليه، وإنْ كان حراماً عوقِب.

قال: والثالثة أعظم من ذلك.

قيل: وما هي ؟ قال: ما مِن يومٍ يمسي إلاّ وقد دنا مِن الآخرة مرحلة، لا يدري على جنّةٍ أم على نار ).

وقال: ( أكبر ما يكون ابن آدم اليوم الذي يولد مِن أمّه ).

( قالت الحُكَماء ما سبَقه إلى هذا أحد )(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( اصبروا على طاعة اللّه، وتصبّروا عن معصية اللّه، فإنّما الدنيا ساعة، فما مضى فلستَ تجِد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأتِ فلستَ تعرفه، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنّك قد اغتبطت )(٣).

وقال الباقرعليه‌السلام : ( لا يغرّنك الناس من نفسك،

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٦٣ عن الفقيه.

(٢) عن كتاب الاختصاص المنسوب للشيخ المفيد.

(٣) الوافي ج ٣ ص ٦٣ عن الكافي.

٢٦٩

فإنّ الأمر يصل إليك دونهم، ولا تقطع نهارك بكذا وكذا، فإنّ معك مَن يحفِظ عليك عملك، فأحسن فإنّي لم أرَ شيئاً أحسن درَكاً، ولا أسرَع طلَباً، مِن حسنةٍ محدّثة لذنب قديم )(١) .

وعن جعفر بن محمّد، عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( بادر بأربَع قبل أربَع، بشبابك قبل هرَمك، وصحّتك قبل سقمك، وغِناك قَبل فقرك، وحياتك قَبل موتك )(٢).

وعن الباقرعليه‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ( لا يزولُ قدمَ ( قدما ) عبدٍ يوم القيامة مِن بين يدَي اللّه، حتّى يسأله عن أربَع خِصال: عمرك فيما أفنيته، وجسدك فيما أبليته، ومالك مِن أين اكتسبته وأين وضَعته، وعن حبّنا أهل البيت ؟)(٣).

وقال بعض الحكماء: إنّ الإنسان مسافر، ومنازله ستّة، وقد قطع منها ثلاثة وبقي ثلاثة:

فالتي قطعها: -

١ - مِن كتم العدَم إلى صُلب الأب وترائب الأُم.

٢ - رحِم الأُم.

٣ - مِن الرحم إلى فضاء الدنيا.

وأمّا التي لم يقطعها: -

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٦٢ عن الكافي.

(٢) البحار م ١٥ ص ١٦٥ عن كتاب كمال الدين للصدوق.

(٣) البحار م ٧ ص ٣٨٩ عن مجالس الشيخ المفيد.

٢٧٠

فأوّلها القبر. وثانيها فضاء المحشَر. وثالثها الجنّة أو النار.

ونحن الآن في قطع مرحلة المنزل الثالث، ومدّة قطعها مدّة عمرنا، فأيّامنا فراسخ، وساعاتنا أميال، وأنفاسنا خُطوات.

فكم مِن شخصٍ بقي له فراسخ، وآخر بقيَ له أميال، وآخر بقيَ له خُطوات.

وما أروع قول الشاعر:

دقّات قلبِ المرء قائلةٌ له

إنّ الحياةَ دقائقٌ وثَواني

٢٧١

العمل الصالح

لقد عرَفت في البحث السالِف نَفاسَة الوقت، وجلالة العُمر، وأنّه أعزَّ ذخائر الحياة وأنفسها.

وحيثُ كان الوقت كذلك، وجَب على العاقل أنْ يستغلّه فيما يليق به، ويكافئه عزةً ونفاسة مِن الأعمال الصالحة، والغايات السامية، الموجِبة لسعادته ورخائه المادّي والروحي، الدنيوي والأُخروي، كما قال سيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس ينبغي للعاقل أن يكون شاخصاً إلا في ثلاث: مرمّة لمعاش، أو تزوّد لمعاد، أو لذّة في غير محرم )(١) .

فهذه هي الأهداف السامية، والغايات الكريمة التي يجدر صَرْف العمر النفيس في طلبها وتحقيقها.

_____________________

(١) الوافي قسم المواعظ في وصيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام .

٢٧٢

وحيث كان الإنسان مدفوعاً بغرائزه وأهدافه وأهوائه إلى كسب المعاش، ونيل المُتَع واللذائذ الماديّة، والتهالك عليها، ممّا يصرفه ويُلهيه عن الأعمال الصالحة، والتأهّب للحياة الآخرة، وتوفير موجبات السعادة والهناء فيها. لذلك جاءت الآيات والأخبار مشوّقة إلى الاهتمام بالآخرة، والتزوّد لها مِن العمل الصالح.

قال تعالى:( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) ( الزلزلة: ٧ - ٨ ).

وقال تعالى:( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( النحل: ٩٧ ).

وقال تعالي:( وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ( غافر: ٤٠ ).

وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) ( الجاثية: ١٥ ).

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا أبا ذر، إنّك في ممرِّ الليل والنهار، في آجالٍ منقوصة، وأعمالٍ محفوظة، والموت يأتي بغتة، ومَن يزرع خيراً يوشَك أنْ يحصِد خيراً، ومَن يزرع شرَّاً يوشِك أنْ يحصدَ ندامة، ولكلّ زارعٍ مثل ما زرَع )(١).

وقال قيس بن عاصم: وفدت مع جماعة مِن بني تميم إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت: يا نبيّ اللّه، عِظنا موعظةً ننتفع بها، فإنّا قومٌ

_____________________

(١) الوافي في موعظة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذر.

٢٧٣

نعمّر في البرّية.

فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا قيس، إنّ مع العزِّ ذُلاًّ، وإنّ مع الحياة موتاً، وإنّ مع الدنيا آخرة، وإنّ لكلّ شيء حسيباً، وعلى كلِّ شيءٍ رقيباً، وإنّ لكلّ حسنة ثواباً، ولكلّ سيّئة عقاباً، ولكلِّ أجلٍ كتاباً. وإنّه لا بدَّ لك يا قيس من قرينٍ يُدفَن معك وهو حيّ، وتدفَنُ معه وأنت ميّت، فإنّ كان كريماً أكرمك، وإنْ كان لئيماً أسلمك، ثمّ لا يحشر إلاّ معك، ولا تُبعث إلاّ معه، ولا تُسأل إلاّ عنه، فلا تجعله إلاّ صالحاً، فإنّه إنْ صلُح أُنست به، وإنْ فسُد لم تستوحش إلاّ منه، وهو فعلك )(١).

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( إنّ العبد إذا كان في آخر يوم مِن أيّام الدنيا، وأوّل يوم مِن أيّام الآخرة، مُثّل له، ماله، وولده، وعمله، فيلتفت إلى ماله، فيقول: واللّه إنّي كنت عليك حريصاً شحيحاً فمالي عندك ؟ فيقول: خذ منّي كفنك.

قال: فيلتفت إلى ولده فيقول: واللّه إنّي كنت لكم محبّاً، وإنّي كنت عليكم محامياً، فمالي عندكم ؟ فيقولون: نؤدّيك إلى حفرتك فنواريك فيها

قال: فيلتفت إلى عمله فيقول: واللّه إنّي كنت فيك لزاهداً، وإنّك كنت عليّ لثقيلاً، فمالي عندك ؟ فيقول: أنا قرينك في قبرك، ويوم

_____________________

(١) البحار م ١٥ ج ٢ ص ١٦٣ عن معاني الأخبار والخِصال وأمالي الصدوق.

٢٧٤

نشرك، حتّى أُعرض أنا وأنت على ربّك )(١).

قال: ( فإنْ كان للّه وليّاً، أتاه أطيب الناس ريحاً، وأحسنهم منظراً وأحسنهم رياشاً، فقال: أبشر بروح وريحان، وجنّة نعيم، ومقدمك خير مقدم، فيقول له: مَن أنت ؟ فيقول: أنا عملُك الصالح، ارتحل مِن الدنيا إلى الجنّة...)(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إذا وضع الميت في قبره، مُثّل له شخص، فقال له: يا هذا، كنّا ثلاثة: كان رزقك فانقطع بانقطاع أجلك، وكان أهلك فخلّوك وانصرفوا عنك، وكنت عملك فبقيت معك أما إني كنت أهون الثلاثة عليك )(٣).

وعن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن أحسَن فيما بقي من عمره، لم يُؤخَذ بما مضى من ذنبه، ومن أساء فيما بقي من عمره أخذ بالأول والآخر ).

وقد أحسن الشاعر بقوله:

والناس همهم الحياة ولا أرى

طول الحياة يزيد غير خيال

وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد

ذخراً يدوم كصالح الأعمال

_____________________

(١) الوافي ج ١٣ ص ٩٢ عن الفقيه.

(٢) الوافي ج ١٣ ص ٩٢ عن الكافي.

(٣) الوافي ج ١٣ ص ٩٤ عن الكافي.

٢٧٥

طاعة اللّه وتقواه:

الإنسان عنصر أصيل مِن عناصر هذا الكون، ونمط مثالي رفيع بين أنماطه الكثُر، بل هو أجلّها قدراً، وأرفعها شأناً، وذلك بما حباه اللّه عزّ وجل، وشرّفه بصنوف الخصائص والهِبات التي ميّزته على سائر الخلق:( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) (الإسراء: ٧٠ ).

وكان مِن أبرز مظاهر العناية الإلهيّة بالإنسان، ودلائل تكريمه له: أنْ استخلفه في الأرض، واصطفى مِن عيون نوعه وخاصّتهم رُسُلاً وأنبياءً، بعثهم إلى العباد بالشرائع والمبادئ الموجِبة لتنظيم حياتهم، وإسعادهم في عاجل الدنيا وآجل الآخرة.

ولكنّ أغلب البشر، وا أسفاه ! تستعبدهم الأهواء والشهَوات، وتطفي عليهم نوازع التنكّر والتمرّد على النُظُم الإلهيّة، وتشريعها الهادف البنّاء، فيتيهون في مجاهل العصيان، ويتعسّفون طُرُق الغواية والضلال، ومِن ثمّ يعانون ضروب الحيرة والقلق والشقاء، ولو أنّهم استجابوا لطاعة اللّه تعالى، وساروا على هدي نظمه ودساتيره، لسعدوا وفازوا فوزاً عظيماً:( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ

٢٧٦

السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ).

أرأيت كيف انتظم الكون، واتّسقت عناصره، واستتبّ نظامه ملايين الأجيال والأحقاب ؟! بخضوعه للّه عزَّ وجل، وسيره على مقتضيات دساتيره وقوانينه ؟!

أرأيت كيف ازدهرت حياة الأحياء، واستقامت بجريها على وفق مشيئة اللّه تعالى، وحكمة نظامه وتدبيره ؟!!.

أرأيت كيف يُطبِّق الناس وصايا وتعاليم مخترعي الأجهزة الميكانيكيّة ليضمنوا صيانتها واستغلالها على أفضل وجه ؟!

أرأيت كيف يخضع الناس لنصائح الأطباء، ويعانون مشقّة العلاج ومرارة الحمية، توخّياً للبرء والشفاء ؟!.

فلِمَ لا يطيع الإنسان خالقه العظيم، ومدبّره الحكيم، الخبير بدخائله وأسراره، ومنافعه ومضارّه ؟!.

إنّه يستحيل على الإنسان أنْ ينال ما يَصبو إليه مِن سعادة وسلام، وطمأنينة ورخاء، إلاّ بطاعة اللّه تعالى، وانتهاج شريعته وقوانينه.

أنظر كيف يشوّق اللّه عزّ وجل، عباده إلى طاعته وتقواه، ويحذّرهم مغبّة التمرّد والعصيان، وهو الغنيّ المُطلق عنهم.

قال تعالى:( وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) ( الأحزاب: ٦١ ).

وقال سُبحانه:( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً ) ( الفتح: ١٧ ).

٢٧٧

وأمّا التقوى، فقد علّق اللّه خير الدنيا والآخرة، وأناط بها أعزَّ الأماني والآمال، وإليك بعضها:

١ - المحبّة مِن اللّه تعالى، فقال سُبحانه:( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) ( التوبة: ٤ ).

٢ - النجاة مِن الشدائد وتهيئة أسباب الارتزاق، فقال:( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) ( الطلاق: ٢ - ٣ ).

٣ - النصر والتأييد، قال تعالى:( إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ) ( النحل: ١٢٨ ).

٤ - صلاح الأعمال وقبولها، فقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ) ( الأحزاب: ٧٠ - ٧١ )

وقال:( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ).

٥ - البشارة عند الموت، قال تعالى:( الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ *، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ) ( يونس:٦٣ - ٦٤ ).

٦ - النجاة من النار، قال تعالى:( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا ) ( مريم: ٧٢ ).

٧ - الخلود في الجنّة، قال تعالى:( أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) ( آل عمران: ١٣٣).

فتجلّى مِن هذا العرض، أنّ التقوى هي الكنز العظيم، الحاوي لصنوف الأماني والآمال الماديّة والروحيّة، الدينيّة والدنيويّة.

٢٧٨

حقيقة الطاعة والتقوى:

والطاعة: هي الخضوع للّه عزّ وجل، وامتثال أوامره ونواهيه.

والتقوى: مِن الوقاية، وهي صيانة النفس عمّا يضرّها في الآخرة، وقصرها على ما ينفعها فيها.

وهكذا تواترت أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام حاثّة ومرغّبةً على طاعة اللّه تعالى وتقواه، ومحذّرة مِن عِصيانه ومخالفته.

قال الإمام الحسن الزكيعليه‌السلام في موعظته الشهيرة لجُنادة: ( اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً، وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة، وهيبةً بلا سلطان، فاخرج مِن ذُلّ معصية اللّه إلى عزِّ طاعة اللّه عزَّ وجل ).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( اصبروا على طاعة اللّه، وتصبّروا عن معصية اللّه، فإنّما الدنيا ساعة، فما مضى فلستَ تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأتِ فلستَ تعرفه، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها، فكأنّك قد اغتبطت )(١).

وقالعليه‌السلام : ( إذا كان يوم القيامة يقوم عنُقٌ مِن الناس، فيأتون باب الجنّة فيضربونه، فيُقال لهم: مَن أنتم ؟ فيقولون: نحن أهل الصبر، فيُقال لهم: على ما صبرتم ؟ فيقولون: كنّا نصبر على طاعة اللّه

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٦٣ عن الكافي.

٢٧٩

ونصبر عن معاصي اللّه. فيقول اللّه عزَّ وجل: صدقوا، أدخلوهم الجنّة، وهو قول اللّه عزّ وجل:( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) )( الزمر: ١٠)(١).

وقال الباقرعليه‌السلام : ( إذا أردت أنْ تعلم أنّ فيك خيراً، فانظر إلى قلبِك، فإنْ كان يُحبُّ أهل طاعة اللّه عزّ وجل، ويَبغض أهل معصيته ففيك خير، واللّه يُحبُّك.

وإنْ كان يَبغض أهل طاعة اللّه، ويُحِبّ أهل معصيته فليس فيك خير، واللّه يبغضك، والمرء مع مَن أحب )(٢).

وقالعليه‌السلام : ما عرَف اللّه مَن عصاه، وأنشد:

تَعصي الإله وأنتَ تُظهر حُبّه

هذا لعمرك في الفِعال بديعُ

لو كان حُبّك صادقاً لأطَعته

إنّ المحبّ لِمن أحبّ مطيع

وعن الحسن بن موسى الوّشا البغدادي قال: كنت بخُراسان مع عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام في مجلسه، وزيد بن موسى حاضر، وقد أقبل على جماعة في المجلس يفتخر عليهم ويقول: نحن ونحن، وأبو الحسن مُقبلٌ على قومٍ يحدّثهم، فسمِع مقالة زيد، فالتفت إليه.

فقال: ( يا زيد، أغرّك قولُ بقّاليّ الكوفة، إنّ فاطمة أحصنت فرجها، فحرّم اللّه ذرّيتها على النار، واللّه ما ذلك إلاّ للحسن والحسين، وولد بطنها خاصّة، فأمّا أنْ يكون موسى بن جعفر يطيع اللّه، ويصوم نهاره، ويقوم ليله،

_____________________

(١) البحار م ٥ ص ٢ ص ٤٩ عن الكافي.

(٢) البحار م ١٥ ج ١ ص ٢٨٣ عن علل الشرائع والمحاسن للبرقي والكافي.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

قال حاجز الأزدي :

إن قد نصصت بعد ما شبت سيدا

تقول و تهدي من كلامك ما تهدى

« فالعصبة أولى » و زاد في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) « و يروى نص الحقاق » و العصبة كما قال الجوهري : البنون و قرابة الأب ، ( سمّوا بذلك لأنّهم عصبوا به أي : أحاطوا فالأب طرف و الابن طرف و العم جانب و الأخ جانب )(١) .

في ( كامل المبرد ) : قال فلان بن السائب الأسدي من أسد بن عبد العزّى : زوّجت ابنتي عمرو بن عثمان ، فلمّا نصّت عليه طلقها على المنصّة ، فجئت إلى ابن الزبير فقلت له إنّ عمرا طلّق ابنتي على المنصّة و قد ظنّ الناس أنّ ذلك لعاهة و أنت عمّها فقم فادخل إليها فقال : أو خير من ذلك جيئوني بمصعب أي أخيه فخطب فزوجها منه و أقسم ليدخلن بها في ليلته ، فلا تعرف امرأة نصت على رجلين في ليلتين ولاء غيرها(٢) .

و في ( الأغاني ) : قال أبو الهيثم : إجتمع مالك بن الريب و أبو صردبة و شظاظ يوما فقالوا : تعالوا نتحدّث بأعجب ما عملناه في سرقتنا إلى أن قال فقال شظاظ : كان لرجل من أهل البصرة بنت عم ذات مال كثير و هو وليّها و كان له نسوة فأبت أن تتزوجه فحلف ألاّ يزوجها من أحد ضرارا لها ، و كان يخطبها رجل غني من أهل البصرة فحرصت عليه و أبى الولي ، ثم إنّه حجّ حتّى إذا كان بالدّو(٣) على مرحلة من البصرة مات فدفن برابية و شيّد على قبره ، فتزوجت بالرجل الذي كان يخطبها ، و خرجت رفقة من البصرة معهم بز و متاع فتبصّرتهم و ما معهم و اتّبعتهم حتى نزلوا فلمّا ناموا

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ١ : ١٨٣ مادة ( عصب ) .

( ٢ ) الكامل للمبرد ١ : ٤٣٣ .

( ٣ ) أرض ملساء بين مكة و البصرة .

٣٢١

بيّتّهم و أخذت من متاعهم .

ثم إنّ القوم لمّا انتبهوا أخذوني و ضربوني ضربا شديدا و جرّدوني ، و ذلك في ليلة قرة و سلبوني كلّ قليل و كثير فتركوني عريانا و تماوتّ لهم ، فارتحل القوم فقلت : كيف أصنع ؟ ثم ذكرت قبر الرجل فأتيته فنزعت لوحه ثم احتفرت فيه سربا فدخلت فيه ثم سددت عليّ باللوح و قلت لعلّي أدفأ فأتبعهم ، و مرّ الرجل الذي تزوج بالمرأة في الرفقة ، فمرّ بالقبر الذي أنا فيه فوقف عليه و قال لرفيقه : و اللَّه لأنزلنّ إلى قبر فلان حتى أنظر هل يحمي الآن بضع فلانة .

فعرفت صوته فقلعت اللوح ثم خرجت عليه من القبر و قلت : بلى و ربّ الكعبة لأحمينّها فوقع و اللَّه مغشيا عليه لا يتحرك و لا يعقل فجلست و أخذت كلّ أداة و ثياب عليه و مالا معه ، فكنت بعد ذلك أسمعه بالبصرة يحدّث الناس و يحلف لهم : إنّ الميت الذي كان منعه من تزويج المرأة خرج عليه من قبره بسلبه و كفنه فبقى يومه ثم هرب منه و الناس يعجبون منه ، فعاقلهم يكذبه و الأحمق منهم يصدقه و أنا أعرف القصة فأضحك منهم(١) .

هذا ، و في الكامل : كان ذو الأصبع العدواني رجلا غيورا و كانت له بنات أربع و كان لا يزوّجهنّ غيرة ، فاستمع عليهن يوما و قد خلون يتحدّثن ، فقالت قائلة منهنّ : لتقل كلّ واحدة منكن ما في نفسها و لتصدق ، ثم نقل أن إحداهنّ أنشدت أبياتا مشعرة بأنّها تريد زوجا شابّا غنيّا ، و الثانية عاقلا سخيّا ، و الثالثة ابن عمّ لها ، و سكتت الرابعة ، فقلن : لا ندعك حتى تقولين ، فقالت : زوج من عود خير من قعود فخطبن فزوّجهنّ(٢) .

و في ( تاريخ بغداد ) في محمد بن جعفر بن أحمد بن جعفر المعروف

____________________

( ١ ) الأغاني ٢٢ : ٢٩٨ ٢٩٩ .

( ٢ ) الكامل للمبرد ١ : ٤٢٧ ٤٤٩ .

٣٢٢

بزوج الحرة الذي روى عن الطبري و البغوي و غيرهما ، قال جعفر بن المكتفي العباسي كانت بنت بدر مولى المعتضد زوج المقتدر ، فأقامت عنده سنين و كان لها مكرما و عليها مفضلا الأفضال العظيم ، فتأثّلت حالها ، و انضاف ذلك إلى عظيم نعمتها الموروثة ، و قتل المقتدر و أفلتت من النكبة و سلم لها جميع أموالها و ذخائرها حتى لم يذهب لها شي‏ء و خرجت عن الدار .

قال : و كان يدخل إلى مطبخها حدث يحمل فيه على رأسه و كان حركا ، فنفق على القهارمة بخدمته فنقلوه إلى أن صار وكيل المطبخ و بلغها خبره و رأته فاستكاسته فردت إليه الوكالة في غير المطبخ و تراقى أمره حتى صار ينظر في ضياعها و عقارها و غلب عليها ، فصارت تكلّمه من وراء ستر و خلف باب أو ستارة ، و زاد اختصاصه بها حتى علق بقلبها فاستدعته إلى تزويجها فلم يجسر على ذلك ، فجسّرته و بذلت له مالا حتى تمّ لها ذلك و قد كانت حاله تأثلت بها و أعطته لمّا أرادت ذلك منه أموالا جعلها لنفسه نعمة ظاهرة لئلاّ يمنعها أولياؤها منه بالفقر و أنّه ليس بكف‏ء ، ثم هادت القضاة بهدايا جليلة حتى زوّجوها منه و اعترض الأولياء فغالبتهم بالحكم و الدراهم ، فتمّ له ذلك و لها ، فأقام معها سنين حتى ماتت فحصل له من مالها نحو ثلاثمائة ألف دينار قال : و هو الآن يعرف بزوج الحرّة ، و إنّما سمّيت الحرّة لأجل تزويج المقتدر بها و كذا عادة الخلفاء لغلبة المماليك عليهم إذا كانت لهم زوجة قيل لها : الحرّة(١) .

قلت : و المراد من قوله فيه « و أفلتت من النكبة » النكبة التي عرضت لزوجها المقتدر حتى قتل .

قول المصنف ( و النص منتهى الأشياء و مبلغ أقصاها كالنص في السير

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٢ : ١٥٣ ١٥٤ .

٣٢٣

لأنّه أقصى ما تقدر عليه الدابة ، و تقول نصصت الرجل عن الأمر ، إذا استقصيت مسألته عنه لتستخرج ما عنده فيه ، فنص الحقاق يريد به الإدراك لأنّه منتهى الصغر و الوقت الذي يخرج منه الصغير إلى حد الكبير ) .

ترى ان المصنف جعل الأصل في معنى النص الانتهاء و جعله الجامع بين قولهم « النص في السير » و قولهم « نصصت الرجل عن الأمر » ، و الأظهر كون الأصل فيه الإظهار كما صرّح به ابن دريد فقال : نصصت الحديث نصّا ، إذا أظهرته ، و نصصت العروس نصا ، إذا أظهرتها ، و نصصت البعير في السير نصّا ، إذا رفعته ، و نصصت الحديث ، إذا عزوته إلى محدثك به ، و نصصت العروس نصا ، إذا أقعدتها على المنصة ، و كلّ شي‏ء أظهرته فقد نصصته ، و نصة المرأة الشعر الذي يقع على وجهها من مقدّم رأسها .

( و هو من أفصح الكنايات عن هذا الأمر ) زاد ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم )(١) « و أغربها » فلا بدّ من سقوطه من نسخنا .

( فإذا بلغ النساء فالعصبة أولى بالمرأة إذا كانوا محرما مثل الإخوة و الأعمام ان أرادوا ذلك ) ما ذكره من أنّ الإخوة و الأعمام أولى بالمرأة ، مذهب العامة و الخبر من طريقهم ، و الأصل في نقله أبو عبيدة ، و عندنا إنّما الوليّ الأب و الجدّ بالإجماع إذا كانت صغيرة و على خلاف إذا كانت كبيرة باكرة ، و أمّا غيرهما فلا خلاف عندنا في عدم ولايتهما .

( و الحقاق محاقة الام للعصبة في المرأة و هو الجدال و الخصومة و قول كلّ واحد منهما للآخر أنا أحقّ منك بهذا ، يقال منه حاققته حقاقا مثل جادلته جدالا ) لا كلام في مجي‏ء الحقاق مصدر حاق بمعنى جادل كالمحاقة ، لكن (( الكلام )) في صحّة إضافة النص إليه بذاك المعنى فلم يذكر أحد أنه يقال

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٠٨ رقم ( ٢٦١ ) و شرح ابن ميثم ٥ : ٣٧٢ رقم ٤ .

٣٢٤

نصصت الجدال كما قالوا : نصصت الحديث و البعير و العروس كما مرّ .

( و قد قيل ان نص الحقاق بلوغ العقل و هو الإدراك ، لأنّهعليه‌السلام إنّما أراد منتهى الأمر الذي يجب فيه الحقوق و الأحكام ) هكذا في ( الطبعة المصرية )(١) و لكن في ( ابن أبي الحديد(٢) و ابن ميثم )(٣) « يجب به الحقوق و الأحكام » .

و كيف كان فقال الأول : لم ينقل أهل اللغة أن الحقاق استعملت في معنى الحقوق ( و من رواه نص الحقائق فإنّما أراد جمع حقيقة ) و في ( ابن أبي الحديد ) « و قال من رواه . » ، و الصواب ما في ( الطبعة المصرية ) لتصديق ( ابن ميثم ) له و لأنّه لا فاعل لقوله « و قال »(٤) .

( هذا معنى ما ذكره أبو عبيد ) زاد في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) « القاسم بن سلام » فلا بدّ من سقوطها من ( الطبعة المصرية )(٥) .

( و الذي عندي ان المراد بنصّ الحقاق هاهنا بلوغ المرأة إلى الحدّ الذي يجوز تزويجها و تصرّفها في حقوقها تشبيها بالحقاق من الإبل ) في ( اللسان )(٦) و الحقة نبز ام جرير بن الخطفي ، خطبها سويد بن كراع إلى أبيها فقال : إنّها لصغيرة صرعة ، فقال سويد : لقد رأيتها و هي حقة ، أي : كالحقة من الإبل في عظمها و إضافة النص إلى الإبل كثيرة ، فلما فقد زيد بن حارثة في طفوليته قال أبوه :

____________________

( ١ ) راجع شرح محمد عبده : ٧١٥ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ١٠٨ .

( ٣ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٥ : ٣٧٢ .

( ٤ ) راجع المصادر نفسها و الصفحات نفسها .

( ٥ ) راجع الطبعة المصرية : شرح محمّد عبده ٧١٦ و أيضا ابن أبي الحديد ٩ : ١٠٨ و أيضا ابن ميثم ٥ : ٣٧٣ .

( ٦ ) ابن منظور : لسان العرب ٣ : ٢٥٩ مادة ( حقق ) .

٣٢٥

سأعلم نص العيس في الأرض جاهدا

و لا أسأم التطواف أو تسأم الإبل

و قال زيد نفسه : لمّا حجّ ناس من قبيلته و رأوه عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

فكفوا من الوجد الذي قد شجاكم

و لا تعملوا في الأرض نص الأباعر(١)

( و هي جمع حقة و حق و هو الذي استكمل ثلاث سنين و دخل في الرابعة و عند ذلك يتمكن فيه من ركوب ظهره و نصه في السير )(٢) هكذا في الطبعة ( المصرية ) و الصواب ( في سيره ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) و الخطية(٣) ، و الجوهري جعل الحقق ايضا جمعهما(٤) .

( و الحقائق أيضا جمع حقة ، فالروايتان جميعا ترجعان إلى معنى واحد ) قال ( ابن أبي الحديد ) : الحقائق جمع حقاق ، و الحقاق جمع حق ، فالحقائق إذن جمع الجمع لحقّ لا لحِقة(٥) .

قلت : إذا كان الحقائق جمع الحقاق و الحقاق جمع حق و حقة بالاتفاق يصدق ان الحقائق جمع حقة كما قال المصنف .

هذا ، و قال ( ابن أبي الحديد ) : يمكن أن يقال الحقاق هاهنا الخصومة ، يقال : ما له فيه حق و لا حقاق ، أي : و لا خصومة ، و يقال لمن نازع : إنّه لنزق الحقاق أي : خصومة في الدنيّ من الأمر ، فيكون المعنى : إذا بلغت المرأة الحدّ

____________________

( ١ ) ذكر ابن حجر هذه الحكاية في الإصابة في تمييز الصحابة ٣ : ٢٥ .

( ٢ ) شرح محمد عبده : ٧١٦ .

( ٣ ) أورد شرح ابن ميثم لفظ « في السير » كما في الطبعة المصرية راجع شرح ابن ميثم ٥ : ٣٧٣ ، و أورد شرح ابن أبي الحديد لفظ « في سيره » ١٩ : ١٠٨ ، أما في النسخة الخطية فقد سقط النصّ في نسخة ( المرعشي ) .

( ٤ ) الصحاح للجوهري ٤ : ١٤٦ مادة ( حقق ) .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١١٠ .

٣٢٦

الذي يستطيع الإنسان فيه الخصومة و الجدال فعصبتها أولى بها من أمّها(١) .

قلت : ما ذكره تطويل بلا طائل و تكرار بلا حاصل ، فهو عين ما ذكره المصنف سابقا بقوله : « و الحقاق محاقّة الام للعصبة في امرأة و هو الجدال و الخصومة و قول كلّ واحد منهما للآخر أنا أحقّ منك » إلاّ أنّ ما عبّر به ( ابن أبي الحديد ) لفظ الصحاح و ما عبّر به المصنف لفظ الجمهرة و المعنى واحد .

و قال ( ابن ميثم ) : قيل يحتمل أن يراد بالنص الارتفاع ، يقال نصّت الضبيّة رأسها : إذا رفعته ، و منه منصة العروس لارتفاعها عليها ، و يكون قد استعار لفظ الحقاق لأثداء الصغيرة إذا نهدت و ارتفعت لشبهها بالحقة صورة ، أي : إذا بلغت المرأة حدّ ارتفاع أثدائهن كانت العصبة أولى(٢) .

قلت : لم يقل أحد : إن الحقاق جمع حقة بالضم ، بل اتّفقوا على أنّه جمع حق و حقّه بالكسر أي إبل دخل في الرابعة و استحق الحمل عليه ، فما ذكره ساقط و إن كان ما قاله من كون النص بمعنى الارتفاع صحيحا .

٧ من الخطبة ( ١٥١ ) اِعْقِلْ ذَلِكَ

 فَإِنَّ اَلْمِثْلَ دَلِيلٌ عَلَى شِبْهِهِ إِنَّ اَلْبَهَائِمَ هَمُّهَا بُطُونُهَا وَ إِنَّ اَلسِّبَاعَ هَمُّهَا اَلْعُدْوَانُ عَلَى غَيْرِهَا وَ إِنَّ اَلنِّسَاءَ هَمُّهُنَّ زِينَةُ اَلْحَيَاةِ اَلدُّنْيَا وَ اَلْفَسَادُ فِيهَا إِنَّ اَلْمُؤْمِنِينَ مُسْتَكِينُونَ إِنَّ اَلْمُؤْمِنِينَ مُشْفِقُونَ إِنَّ اَلْمُؤْمِنِينَ خَائِفُونَ أقول : رواه ( الكافي )(٣) في باب الاجمال من كتاب معيشته مسندا ، و رواه

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١١٠ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٧٢ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٨١ ح ٩ .

٣٢٧

 تحف العقول )(١) في باب حكمهعليه‌السلام مرفوعا .

« اعقل ذلك » قال ابن أبي الحديد : فيه رمز بباطن هذا الكلام إلى الرؤساء يوم الجمل(٢) .

« فإنّ المثل دليل على شبهه » في ( أمثال الميداني ) : قال المبرد المثل مأخوذ من المثال كقول كعب بن زهير :

كانت مواعيد عرقوب لها مثلا

و ما مواعيدها إلاّ الأباطيل(٣)

و قال ابن السّكّيت : المثل لفظ يخالف لفظ المضروب له و يوافق معناه معنى ذلك اللفظ ، شبّهوه بالمثال الذي يعمل عليه غيره .

و قال النظام : في المثل أربع لا تجتمع في غيره : ايجاز اللفظ ، و إصابة المعنى ، و حسن التشبيه ، و جودة الكناية فهو نهاية البلاغة(٤) .

و لكون المثل دليلا على شبهه ، أكثر تعالى من الأمثال ، و منها :( يا أيُّها النّاس ضرب مثل فاستمعوا له إن الّذين تدعون من دون اللَّه لن يخلقوا ذباباً و لو اجتمعوا له و إن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب و المطلوب ) (٥) .

« ان البهائم همّها بطونها » ذكر الصادقعليه‌السلام للمفضل من حكم عدم دوام النهار ان لا تفرط البهائم في الأكل فتموت كعدم إفراط الإنسان في العمل فيموت(٦) .

____________________

( ١ ) تحف العقول للحراني : ١٠٣ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٢ .

( ٣ ) مجمع الأمثال للميداني ١ : ٩ .

( ٤ ) مجمع الأمثال للميداني ١ : ٩ .

( ٥ ) الحج : ٧٣ .

( ٦ ) توحيد المفضل : ٨٧ بتصرف .

٣٢٨

ثم ان ما ذكره ( ابن أبي الحديد ) من كون كلامهعليه‌السلام رمزا إلى أصحاب الجمل و هو الظاهر أشارعليه‌السلام إلى كون طلحة و الزبير كالبهائم همّهما بطونهما ، فلذا خرجا عليهعليه‌السلام فهلكا(١) .

روى المفيد في ( جمله ) انّه لمّا خرج عثمان بن حنيف عاملهعليه‌السلام من البصرة عاد طلحة و الزبير إلى بيت المال فتأملا ما فيه من الذهب و الفضة قالا هذه الغنائم التي وعدنا اللَّه بها و أخبرنا انّه يعجلها لنا قال أبو الأسود : سمعت هذا منهما و رأيت عليّاعليه‌السلام بعد ذلك و قد دخل بيت مال البصرة ، فلما رأى ما فيه قال : يا صفراء يا بيضاء غرّي غيري ، المال يعسوب الظلمة و أنا يعسوب المؤمنين فلا و اللَّه ما التفت إلى ما فيه و لا فكّر فيما رآه و ما وجدته عنده إلاّ كالتراب هوانا ، فتعجبت من القوم و منه ، فقلت اولئك ممّن يريد الدنيا و هذا ممّن يريد الآخرة(٢) .

« و إنّ السباع همّها العدوان على غيرها » أشارعليه‌السلام في هذا الكلام أيضا إليهم و أنّهم كما كانوا في الشهوة كالبهائم يكونون كالسباع في الغضب ، فلمّا كتب طلحة و الزبير مع عثمان بن حنيف كتاب عهد بينهم بالمتاركة حتى يقدم أمير المؤمنينعليه‌السلام و فرّق ابن حنيف أصحابه غدر طلحة و الزبير به فأتياه في بيته و هو غافل و على باب الدار السبابجة يحرسون بيوت الأموال ، فوضعوا فيهم السيف فقتلوا أربعين رجلا منهم صبرا يتولى ذلك منهم الزبير خاصة ، ثم هجموا على عثمان فأوثقوه رباطا و عمدوا إلى لحيته فنتفوها و كان كث اللحية حتى لم يبق فيها شعرة ، و قال طلحة : عذّبوا الفاسق و انتفوا شعر

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٢ .

( ٢ ) الجمل للمفيد : ١٥٤ .

٣٢٩

حاجبيه و أشفار عينيه و أوثقوه بالحديد(١) ، ثم قال طلحة و الزبير لعائشة ماذا تأمرين فيه فقالت : اقتلوه قتله اللَّه .

« و إنّ النساء همّهنّ زينة الحياة الدّنيا و الفساد فيها » أشارعليه‌السلام على ما قال ( ابن أبي الحديد ) في هذا الكلام إلى عائشة(٢) .

و روى المفيد في ( جمله ) و ( ابن أبي الحديد ) في موضع آخر : ان عائشة لمّا بلغها نزول أمير المؤمنينعليه‌السلام بذي قار كتبت إلى حفصة : أمّا بعد ، فإنّا نزلنا البصرة و نزل عليّ بذي قار و اللَّه داق عنقه كدق البيضة ، إنّه بمنزلة الأشقر إن تقدّم نحر و إن تأخّر عقر فلما وصل الكتاب إليها استبشرت بذلك و دعت صبيان بني تميم و عدي و أعطت جواريها دفوفا و أمرتهن أن يضربن بالدفوف و يقلن : « الخبر ما الخبر ؟ عليّ الأشقر ، إن تقدّم نحر و إن تأخّر عقر » إلى أن قال : فدخلت عليها ام كلثوم و قالت لحفصة إن تظاهرت أنت و اختك على أمير المؤمنين فقد تظاهرتما على أخيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأنزل تعالى فيكما ما أنزل أي قوله تعالى : و إن تظاهرا عليه فإنّ اللَّه هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين و الملائكة بعد ذلك ظهير(٣) .

و كلامهعليه‌السلام عام و ان كانت هي المراد بالخصوص ، و قد ضرب تعالى فيها و في اختها المثل في قوله :( ضرب اللَّه مثلاً للذين كفروا امرأت نوح و امرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللَّه شيئا و قيل ادخلا النار مع الداخلين ) (٤) .

____________________

( ١ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير ٣ : ٢١٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

( ٣ ) الجمل للمفيد : ١٤٩ ، و ذكر ابن أبي الحديد ذلك في ٦ : ٢٢٥ و الآية ٤ من سورة التحريم .

( ٤ ) التحريم : ١٠ .

٣٣٠

و قد صرّح بكونهما المرادتين الزمخشري(١) ، و في اسد الغابة(٢) في معبد بن أكثم الخزاعي روى عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد اللَّه قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : عرضت عليّ النار و أكثر من رأيت فيها النساء اللاتي إن اؤتمنّ أفشين ، و إن سألن الحفن ، و إن اعطين لم يشكرن(٣) .

قلت : و كانتا ممّن أفشى سرّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( و إذ أسرّ النبيّ إلى بعض أزواجه حديثاً ) (٤) .

و قال ( ابن أبي الحديد ) : نظر حكيم إلى امرأة مصلوبة على شجرة فقال :

ليت كلّ شجرة تحمل مثل هذه الثمرة(٥) .

و رأى بعض الحكماء امرأة غريقة قد احتملها السيل فقال : زادت الكدر كدرا و الشر بالشر يهلك(٦) .

و رأى بعضهم جارية تحمل نارا فقال : نار على نار ، و الحامل شرّ من المحمول(٧) .

____________________

( ١ ) الزمخشري ٤ : ٥٧١ ، يذكر الزمخشري : و في طي هذين التمثيلين ( امرأة لوط و امرأة نوح ) تعريف بأمي المؤمنين المذكورتين في أوّل السورة و ما فرط منهما من التظاهر على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بما كرهه و تحذير لهما على أغلظ وجه و أشده . لما في التمثيل من ذكر الكفر و نحوه في التغليظ قوله تعالى : و من كفر فإن اللَّه غني عن العالمين و إشارة إلى أن في حقهما أن تكونا في الاخلاص و الكمال فيه كمثل هاتين المؤمنتين ثم يقول الزمخشري :

و التعريض بحفصة ارجح لأنّ امرأة لوط أفشت عليه كما أفشت حفصة على رسول اللَّه : راجع المصدر المذكور .

( ٢ ) اسد الغابة ٤ : ٣٨٩ .

( ٣ ) اخرجه أحمد في مسنده عن أبي بن كعب : مسنده أحمد ٣ : ٣٥٣ .

( ٤ ) التحريم : ٣ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

( ٧ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

٣٣١

و رأى حكيم امرأة تعلم الكتابة فقال : سهم يسقى سما ليرمى به يوما ما(١) .

و مرّت امرأة بسقراط و هو مشرق في الشمس فقالت : ما أقبحك أيها الشيخ فقال : لو لا أنّكنّ من المرائي الصديّة لغمّني ما بان فيكنّ من قبح صورتي(٢) .

قلت : و في ( اصلاح المنطق ) في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « إنّكنّ إذا شبعتنّ خجلتنّ ، و إذا جعتنّ دقعتنّ » الخجل سوء احتمال الغنى ، و الدقع سوء احتمال الفقر(٣) .

« إنّ المؤمنين مستكينون » ليس همّهم بطونهم كالبهائم .

« إنّ المؤمنين مشفقون » ليسوا مثل فرقة همّهم العدوان على العباد .

« إنّ المؤمنين خائفون » ليسوا كطائفة كالنساء همّهم زينة الحياة الدنيا و الفساد فيها و الإفساد .

و في الكلام اشارة ثانية إلى أن أصحاب الجمل لم يكونوا من الايمان في شي‏ء لخلّوهم من أوصافهم .

هذا ، و عن المغيرة : النساء أربع و الرجال أربعة : رجل مذكر و امرأة مؤنّثة فهو قوّام عليها ، و رجل مؤنّث و امرأة مذكّرة فهي قوّامة عليه ، و رجل مذكّر و امرأة مذكّرة فهما كالوعلين ينتطحان ، و رجل مؤنّث و امرأة مؤنّثة فهما لا يفلحان(٤) و للأخطل :

يمددن من هفواتهن إلى الصبا

سببا يصدن به الغواة طوالا

____________________

( ١ ) المصدر نفسه .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) ابن السكيت ، اصلاح المنطق : ١٤١ .

( ٤ ) الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ١٦ : ٨٧ .

٣٣٢

ما إن رأيت كمكرهن إذا جرى

فينا و لا كحبالهنّ حبالا

المهديات لمن هوين مسبّة

و المحسنات لمن قلين مقالا

يرعين عهدك ما رأينك شاهدا

و إذا مذلت يصرن عنك مذالا

إنّ الغواني إن رأينك طاويا

برد الشباب طوين عنك وصالا

و إذا وعدنك نائلا أخلفنه

و وجدت عند عداتهن مطالا

و إذا دعونك عمّهن فإنّه

نسب يزيدك عندهن خبالا(١)

و لعلقمة الفحل :

فإن تسألوني بالنساء فإنّني

بصير بأدواء النساء طبيب

إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله

فليس له في ودّهن نصيب

يردن ثراء المال حيث علمنه

و شرخ الشباب عندهن عجيب(٢)

و لطفيل الغنوي :

إنّ النساء كأشجار نبتن معا

منها المرار و بعض النبت مأكول

إنّ النساء و ان ينهين عن خلق

فإنّه واجب لا بدّ مفعول

لا يصرفنّ لرشد إن دعين له

و هنّ بعد ملائيم مخاذيل(٣)

و قال كعب بن زهير في قصيدته في مدح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التي أولها

« بانت

سعاد فقلبي اليوم متبول »

فيا لها خلة لو أنّها صدقت

بوعدها أو لو أنّ النصح مقبول

لكنّها خلّة قد سيط من دمها

فجع و ولع و أخلاف و تبديل

فما تدوم على حال تكون بها

كما تلوّن في أثوابها الغول

____________________

( ١ ) ديوان الأخطل : ٢٤٧ .

( ٢ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٣٤ .

( ٣ ) ديوان الغنوي : ٣٤ ، و ذكره النويري في نهاية الارب ٣ : ٦٨ .

٣٣٣

و ما تمسك بالعهد الذي زعمت

إلاّ كما يمسك الماء الغرابيل

فلا يغرّنك ما منّت و ما وعدت

إنّ الأماني و الأحلام تضليل

كانت مواعيد عرقوب لها مثلا

و ما مواعيدها إلاّ الأباطيل(١)

و في ( نوادر نكاح الفقيه ) عنهعليه‌السلام : لا تحملوا الفروج على السروج فتهيجوهن على الفجور(٢) .

و مر في ٤ ٤٢ « و جهاد المرأة حسن التبعّل »(٣) .

و روى ( حلية أبي نعيم ) إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إنصرف من الصبح يوما فأتى النساء فوقف عليهن فقال : اني قد رأيت انكن أكثر أهل النار فتقرّبن إلى اللَّه تعالى بما استطعتنّ و في خبر تصدقن و لو بحليّكنّ و كانت امرأة ابن مسعود فيهن ، فأخذت حليا لها فقال لها ابن مسعود : أين تذهبين به ؟ قالت :

أتقرّب به إلى اللَّه تعالى لعل اللَّه لا يجعلني من أهل النار فقال : هلمّي تصدّقي به عليّ و على ولدي فأنا له موضع قال : و سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك فقال : لها أجران أجر القرابة و أجر العلاقة(٤) .

و في ( المعمرون ) لأبي حاتم : عاش شرية الجعفي(٥) ثلاثمائة سنة ، و قيل له ما بال ابنك قد خرف و بك بقية قال : أما و اللَّه ما تزوّجت أمه حتى أتت عليّ سبعون سنة ، و تزوجتها ستيرة عفيفة إن رضيت رأيت ما تقرّبه عيني و إن

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٣٣ .

( ٢ ) الفقيه ٣ : ٤٦٨ ح ٤٦٢٦ .

( ٣ ) راجع الكتاب .

( ٤ ) و هي زينب الثقفية : انظر ترجمتها في حلية الأولياء ٢ : ٦٩ ، و أخرج الحديث « تصدقن و لو من حليكن » البخاري في الزكاة الحديث ٣٣ و ٤٨ و مسلم في صحيحة في العيدين الحديث ٤ و الزكاة الحديث ٤٦ و ٤٧ ، و الترمذي في الزكاة الحديث ١٢ ، و النسائي في الزكاة الحديث ١٩ و ٨٢ ، و الدارمي في كتاب الصلاة الحديث ٢٣٤ ، و الزكاة الحديث ٢٣ .

( ٥ ) هو شرية بن عبد اللَّه بن قليت بن خولي بن ربيعة بن عوف بن معاوية بن ذهل بن مالك بن مريم بن جعفي .

٣٣٤

سخطت تأتت لي حتى أرضى ، و انّ ابني تزوّج امرأة فاحشة بذيّة إن رأى ما تقربه عينه تعرضت له حتى يسخط و ان سخط تلغبّته(١) حتى يهلك(٢) .

____________________

( ١ ) اللغب هو التعب و الإعياء .

( ٢ ) المعمّرون لابن حاتم : ٤٩ .

٣٣٥

الفصل التاسع و الخمسون في إبليس

٣٣٦

١ الخطبة ( ٨١ ) في خطبة عجيبة :

أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اَللَّهِ اَلَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ وَ اِحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ وَ حَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي اَلصُّدُورِ خَفِيّاً وَ نَفَثَ فِي اَلْآذَانِ نَجِيّاً فَأَضَلَّ وَ أَرْدَى وَ وَعَدَ فَمَنَّى وَ زَيَّنَ سَيِّئَاتِ اَلْجَرَائِمِ وَ هَوَّنَ مُوبِقَاتِ اَلْعَظَائِمِ حَتَّى إِذَا اِسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ وَ اِسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ وَ اِسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ وَ حَذَّرَ مَا أَمَّنَ « اوصيكم بتقوى اللَّه الذي أعذر بما أنذر »( يا معشر الجن و الإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصّون عليكم آياتي و ينذورنكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا و غرّتهم الحياة الدُّنيا ) (١) .

____________________

( ١ ) الأنعام : ١٣٠ .

٣٣٧

قال الجوهري : كان ابن عباس يقرأ :( و جاء المعذرون ) (١) مخفّفة من أعذر و يقول : و اللَّه لهكذا انزلت كان الأمر عنده أنّ المعذّر بالتشديد هو المظهر للعذر اعتلالا من غير حقيقة له في العذر و المعذر الذي له العذر(٢) .

« و احتجّ بما نهج » أي : أوضح الطريق :( و أن هذا صراطي مستقيماً فاتَّبعوه و لا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ) (٣) .

« و حذّركم عدوّا نفذ في الصّدور خفيّا »( يا بني آدم لا يفتنَّنكم الشَّيطان كما أَخرج أبويكم ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو و قبيله من حيث لا ترونهم ) (٤) .

« و نفث في الآذان نجيّا » نفث من باب نصر و ضرب ، و النفث شبيه بالنفخ ، و النجيّ الذي تسارّه( و إنّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم ) (٥) .

هذا ، و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : إنّ العبد يوقظ ثلاث مرّات من الليل ، فإن لم يقم أتاه الشيطان فبال في أذنه(٦) .

و في الخبر : اوحي إلى موسىعليه‌السلام : ما لم تسمع بموت إبليس فلاتأ من مكره(٧) .

و في الخبر أيضا : أتى إبليس موسىعليه‌السلام و هو يناجي ربّه قال : أتطمع

____________________

( ١ ) التوبة : ٩٠ .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ٢ : ٧٤١ .

( ٣ ) الأنعام : ١٥٣ .

( ٤ ) الأعراف : ٢٧ .

( ٥ ) الأنعام : ١٢١ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٣ : ٤٤٦ ح ١٢ .

( ٧ ) في حديث مفصل عن أمير المؤمنين : و الرابعة : و ذكر ( النص ) . و قد ذكر في الخصال ١ : ١٠٣ ، و نقل عنه المجلسي في بحار الأنوار ١٣ : ٣٤٤ رواية ٢٦ .

٣٣٨

في هذه الحال قال : نعم كما طمعت في أبيك آدم(١) .

و في الخبر : أتى عيسىعليه‌السلام و قد اضطجع و جعل تحت رأسه لبنة فقال :

أتطمع فيّ و ليس لي شي‏ء من علائق الدنيا تخدعني به فقال : بلى ما دام لك علاقة بهذه اللّبنة أطمع فيك ، فأخذها و رماها(٢) .

« فأضلّ و أردى » أي : أهلك « و وعد فمنى » و قال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً( و لأضلّنّهم و لاُمنِّينَّهم ) (٣) .

« و زيّن سيئات الجرائم »( و زيّن لهم الشيطان ما كانوا يعملون ) (٤) ( لاُزيِّننَّ لهم في الأرض ) (٥) ( و زيَّن لهم الشيطان أعمالهم فصدَّهم عن السَّبيل فهم لا يهتدون ) (٦) .

« و هوّن موبقات العظائم » أي :( مهلكات الذنوب العظيمة و لآمرنَّهم فليغيّرنّ خلق اللَّه ) (٧) .

« حتى إذا استدرج قرينته » أي : أدنى على التدريج صاحبه الذي كان قرينه .

« و استغلق رهينته » أي : صارت الرهينة غلقة عنده لا يقدر صاحبها على فكّها ، أي : في حال الاحتضار و ما بعده .

« أنكر ما زيّن و استعظم ما هوّن و حذّر ما أمّن »( و قال الشّيطان لمّا قضي

_ ___________________

( ١ ) أورد الصدوق في الأمالي بهذا اللفظ : جاء إلبيس إلى موسى بن عمرانعليه‌السلام و هو يناجي ربه ، فقال له ملك من الملائكة : ما ترجو منه و هو في هذه الحال يناجي به ، فقال : أرجوا منه ما رجوت من أبيه آدم و هو في الجنّة : انظر الأمالي : ٣٩٥ ٣٩٦ ، طبع بنياد بعثت .

( ٢ ) لم نعثر عليه في كتب الحديث و قصص الأنبياء .

( ٣ ) النساء : ١١٨ ١١٩ .

( ٤ ) الأنعام : ٤٣ .

( ٥ ) الحجر : ٣٩ .

( ٦ ) النمل : ٢٤ .

( ٧ ) النساء : ١١٩ .

٣٣٩

 الأمر إنّ اللَّه وعدكم وعد الحق و وعدتكم فأخلفتكم و ما كان لي عليكم من سلطان إلاّ أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني و لوموا أَنفسكم ما أَنا بمصرخكم و ما أَنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أَشركتمون من قبل ) (١) و في سورة الحشر( كمثل الشَّيطان إذ قال للإنسان اكفر فلمّا كفر قال إنّي بري‏ءٌ منك إنّي أخاف اللَّه رَبَّ العالمين ) (٢) .

٢ من الخطبة القاصعة ( ١٩٠ )

 فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اَللَّهِ ؟ بِإِبْلِيسَ ؟ إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ اَلطَّوِيلَ وَ جَهْدَهُ اَلْجَهِيدَ وَ كَانَ قَدْ عَبَدَ اَللَّهَ سِتَّةَ آلاَفِ سَنَةٍ لاَ يُدْرَى أَ مِنْ سِنِي اَلدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي اَلْآخِرَةِ عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَنْ بَعْدَ ؟ إِبْلِيسَ ؟ يَسْلَمُ عَلَى اَللَّهِ بِمِثْلِ مَعْصِيَتِهِ كَلاَّ مَا كَانَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِيُدْخِلَ اَلْجَنَّةَ بَشَراً بِأَمْرٍ أَخْرَجَ مِنْهَا مَلَكاً إِنَّ حُكْمَهُ فِي أَهْلِ اَلسَّمَاءِ وَ أَهْلِ اَلْأَرْضِ لَوَاحِدٌ وَ مَا بَيْنَ اَللَّهِ وَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ هَوَادَةٌ فِي إِبَاحَةِ حِمًى حَرَّمَهُ عَلَى اَلْعَالَمِينَ فَاحْذَرُوا عِبَادَ اَللَّهِ أَنْ يُعْدِيَكُمْ بِدَائِهِ وَ أَنْ يَسْتَفِزَّكُمْ بِنِدَائِهِ وَ أَنْ يُجْلِبَ عَلَيْكُمْ بِخَيْلِهِ وَ رَجْلِهِ فَلَعَمْرِي لَقَدْ فَوَّقَ لَكُمْ سَهْمَ اَلْوَعِيدِ وَ أَغْرَقَ لَكُمْ بِالنَّزْعِ اَلشَّدِيدِ وَ رَمَاكُمْ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ( وَ قَالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ ) ( وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) ٢ ١١ ١٥ : ٣٩(٣) قَذْفاً بِغَيْبٍ بَعِيدٍ وَ رَجْماً بِظَنٍّ مُصِيبٍ صَدَّقَهُ بِهِ أَبْنَاءُ اَلْحَمِيَّةِ وَ إِخْوَانُ اَلْعَصَبِيَّةِ وَ فُرْسَانُ اَلْكِبْرِ وَ اَلْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى إِذَا اِنْقَادَتْ لَهُ اَلْجَامِحَةُ مِنْكُمْ وَ اِسْتَحْكَمَتِ

____________________

( ١ ) إبراهيم : ٢٢ .

( ٢ ) الحشر : ١٦ .

( ٣ ) الحجر : ٣٩ .

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639