بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247450 / تحميل: 8637
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

في ذمته أو كان له مال تجدد له بعد الحجر ـ ولو بالاستدانة أو قبول الهدية مثلاً ـ أو أذن له الغرماء بدفع الثمن من ماله المحجور عليه.

مسألة 333 : تثبت الشفعة للشريك وإن كان سفيهاً أو صبياً أو مجنوناً فيأخذ لهم الولي بها ، بل إذا أخذ السفيه بها بإذن الولي صح. نعم إذا كان الولي هو الوصي أو الحاكم ليس له ذلك إلا مع رعاية الغبطة والمصلحة بخلاف الأب والجد فإنه تكفي فيهما رعاية عدم المفسدة كما هو الحال في سائر التصرفات.

مسألة 334 : إذا أسقط الولي عن الصبي أو المجنون أو السفيه حق الشفعة ـ مع رعاية ما تقدم ـ لم يكن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل والرشد ، وكذا إذا لم يكن الأخذ بها مصلحة فلم يطالب. أما إذا ترك المطالبة بها مساهلة منه في حقهم فالظاهر أن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل والرشد.

مسألة 335 : إذا كان المبيع مشتركاً بين الولي والمولى عليه فباع الولي سهم المولىّ عليه جاز له أن يأخذ بالشفعة لنفسه على الأقوى.

مسألة 336 : إذا باع الولي سهم نفسه جاز له أن يأخذ بالشفعة للمولى عليه ، وكذا الحكم في الوكيل إذا كان شريكاً مع الموكل.

١٠١

فصل

في الأخذ بالشفعة

مسألة 337 : الأخذ بالشفعة من الإنشائيات المعتبر فيها الإيقاع ويتحقق ذلك بالقول مثل أن يقول : أخذت المبيع الكذائي بثمنه ، وبالفعل مثل أن يدفع الثمن إلى المشتري ويستقل بالمبيع.

مسألة 338 : لا يجوز للشفيع أخذ بعض المبيع وترك بعضه الآخر بل إما أن يأخذ الجميع أو يدع الجميع.

مسألة 339 : الشفيع يتملك المبيع بإعطاء قدر الثمن إلى المشتري لا بأكثر منه ولا بأقل سواء أكانت قيمة المبيع السوقية مساوية للثمن أم زائدة أم ناقصة ، ولا يلزم أن يعطي عين الثمن في فرض التمكن منها بل له أن يعطي مثله إن كان مثلياً.

مسألة 340 : إذا كان الثمن قيمياً ففي ثبوت الشفعة للشريك بأن يأخذ المبيع بقيمة الثمن حين البيع إشكال ، فالأحوط له عدم الأخذ بالشفعة إلا برضى المشتري كما أن الأحوط للمشتري إجابته إذا أخذ بها.

مسألة 341 : إذا غرم المشتري شيئاً من أجرة الدلال أو غيرها أو تبرع بشيء للبائع من خلعة ونحوها لم يلزم الشفيع تداركه.

مسألة 342 : إذا حط البائع شيئاً من الثمن للمشتري بعد البيع لم يكن للشفيع تنقيصه.

مسألة 343 : الأقوى لزوم المبادرة إلى الأخذ بالشفعة فيسقط مع المماطلة والتأخير بلا عذر ولا يسقط إذا كان التأخير عن عذر ـ ولو كان عرفياً ـ كجهله بالبيع أو جهله باستحقاق الشفعة ، أو توهمه كثرة الثمن فبان قليلا ،

١٠٢

أو كون المشتري زيداً فبان عمراً ، أو أنه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو العكس ، أو أنه واحد فبان اثنين أو العكس ، أوإن المبيع النصف بمائة فتبين أنه الربع بخمسين ، أو كون الثمن ذهباً فبان فضة ، أو لكونه محبوساً ظلماً أو بحق يعجز عن أدائه ، وكذا أمثال ذلك من الأعذار.

مسألة 344 : المبادرة اللازمة في استحقاق الأخذ بالشفعة يراد منها المبادرة على النحو المتعارف الذي جرت به العادة ، فإذا كان مشغولاً بعبادة واجبة أو مندوبة لم يجب عليه قطعها.

مسألة 345 : إذا كان مشغولاً بأكل أو شرب لم يجب قطعه ولا يجب عليه الإسراع في المشي.

مسألة 346 : يجوز له إن كان غائباً انتظار الرفقة إذا كان الطريق مخوفاً ، أو انتظار زوال الحر أو البرد إذا جرت العادة بانتظاره لمثله ، وقضاء وطره من الحمام إذا علم بالبيع وهو في الحمام وأمثال ذلك مما جرت العادة بفعله لمثله ، نعم يشكل مثل عيادة المريض وتشييع المؤمن ونحو ذلك إذا لم يكن تركه موجباً للطعن فيه وكذا الاشتغال بالنوافل ابتداءً ، والأظهر السقوط في كل مورد صدقت فيه المماطلة عرفاً.

مسألة 347 : إذا كان غائباً عن بلد البيع وعلم بوقوعه وكان يتمكن من الأخذ بالشفعة ولو بالتوكيل فلم يبادر إليه سقطت الشفعة.

مسألة 348 : لا ينتقل المبيع إلى الشفيع بمجرد قوله : ( أخذت بالشفعة ) مثلاً ، بل لابد من تعقبه بدفع الثمن إلا أن يرضى المشتري بالتأخير ، فإذا قال ذلك وهرب أو ماطل أو عجز عن دفع الثمن بقي المبيع على ملك المشتري لا أنه ينتقل بالقول إلى ملك الشفيع وبالعجز أو الهرب أو المماطلة يرجع إلى ملك المشتري.

مسألة 349 : إذا باع المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة لم تسقط بل

١٠٣

جاز للشفيع الأخذ من المشتري الأول بالثمن الأول فيبطل الثاني وتجزي الإجازة منه في صحته له ، وله الأخذ من المشتري الثاني بثمنه فيصح البيع الأول.

مسألة 350 : إذا زادت العقود على اثنين فإن أخذ بالأول بطل ما بعده ويصح مع إجازته ، وإن أخذ بالأخير صح ما قبله ، وإن أخذ بالمتوسط صح ما قبله وبطل ما بعده ويصح مع إجازته.

مسألة 351 : إذا تصرف المشتري في المبيع بوقف أو هبة غير معوضة أو بجعله صداقاً أو غير ذلك مما لا شفعة فيه كان للشفيع الأخذ بالشفعة بالنسبة إلى البيع فتبطل التصرفات اللاحقة له.

مسألة 352 : الشفعة من الحقوق فتسقط بالإسقاط ، ويجوز أخذ المال بإزاء إسقاطها وبإزاء عدم الأخذ بها ، لكن على الأول لا يسقط إلا بالإسقاط فإذا لم يسقطه وأخذ بالشفعة صح ولم يستحق المال المبذول ، بل الظاهر صحة الأخذ بالشفعة على الثاني أيضاً. ويصح الصلح على سقوطها فيسقط بذلك.

مسألة 353 : الظاهر أنه لا إشكال في أن حق الشفعة لا يقبل الانتقال إلى غير الشفيع.

مسألة 354 : إذا باع الشريك نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر سقوطها خصوصاً إذا كان بيعه بعد علمه بالشفعة.

مسألة 355 : المشهور اعتبار العلم بالثمن في جواز الأخذ بالشفعة ، فإذا أخذ بها وكان جاهلاً به لم يصح لكن الصحة لا تخلو من وجه.

مسألة 356 : إذا تلف تمام المبيع قبل الأخذ بالشفعة سقطت.

مسألة 357 : إذا تلف بعضه دون بعض لم تسقط وجاز له أخذ الباقي بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري.

١٠٤

مسألة 358 : إذا كان التلف بعد الأخذ بالشفعة فإن كان التلف بفعل المشتري ضمنه.

مسألة 359 : إذا كان التلف بغير فعل المشتري ضمنه المشتري أيضاً فيما إذا كان التلف بعد المطالبة ومسامحة المشتري في الإقباض.

مسألة 360 : في انتقال الشفعة إلى الوراث إشكال وعلى تقدير الانتقال ليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون.

مسألة 361 : إذا أسقط الشفيع حقه قبل البيع لم يسقط ، وكذا إذا شهد على البيع أو بارك للمشتري إلا أن تقوم القرينة على إرادة الإسقاط بالمباركة بعد البيع.

مسألة 362 : إذا كانت العين مشتركة بين حاضر وغائب وكانت حصة الغائب بيد ثالث فعرضها للبيع بدعوى الوكالة عن الغائب جاز الشراء منه والتصرف فيه ما لم يعلم كذبه في دعواه ، وهل يجوز للشريك الحاضر الأخذ بالشفعة بعد إطلاعه على البيع؟ إشكال ، وإن كان الجواز أقرب فإذا حضر الغائب وصدق فهو ، وإن أنكر كان القول قوله بيمينه ما لم يكن مخالفاً للظاهر فإذا حلف انتزع الحصة من يد الشفيع وكان له عليه الأجرة إن كانت ذات منفعة مستوفاة أو غيرها على تفصيل تقدم في المسألة (78) ، فإن دفعها إلى المالك رجع بها على مدعي الوكالة.

مسألة 363 : إذا كان الثمن مؤجلاً جاز للشفيع الأخذ بالشفعة بالثمن المؤجل ، والظاهر جواز إلزامه بالكفيل ، ويجوز أيضاً الأخذ بالثمن حالاً إن رضي المشتري به أو كان شرط التأجيل للمشتري على البائع.

مسألة 364 : إذا تقايل المتبايعان قبل أخذ الشريك بالشفعة فالمشهور عدم سقوطها بالإقالة ، بل لو أخذ الشفيع بها كشف ذلك عن بطلان الإقالة فيكون نماء المبيع بعدها للمشتري ونماء الثمن للبائع كما كان الحال قبلها

١٠٥

كذلك ، ولكن لا يبعد سقوطها حينئذ ، وأما لو كان التقايل بعد أخذ الشريك بالشفعة لم يمنع ذلك عن صحة الإقالة فيرجع البائع بعوض المبيع إلى المشتري.

مسألة 365 : إذا كان للبائع خيار رد العين فالظاهر أن الشفعة لا تسقط به لكن البائع إذا فسخ قبل أخذ الشريك بالشفعة يرجع المبيع إليه ولا شفعة وإن فسخ بعده رجع بالمثل أو القيمة ، وهكذا الحكم في سائر الخيارات الثابتة للبائع أو المشتري غير ما يسقط بخروج العين عن ملك المشتري كخيار العيب.

مسألة 366 : إذا كانت العين معيبة فإن علمه المشتري فلا خيار له ولا أرش ، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة فإن كان عالماً به فلا شيء له وإن كان جاهلاً كان له الخيار في الرد وليس له اختيار الأرش ، وأذا كان المشتري جاهلاً كان له الرد فإن لم يمكن ـ ولو لأخذ الشريك بالشفعة قبل ذلك ـ كان له الأرش ، وأما الشفيع الجاهل بالعيب حين أخذه بالشفعة فيتخير بين الرد إلى المشتري وبين مطالبته بالأرش حتى وإن كان قد أسقطه عن البائع على الأقرب.

مسألة 367 : إذا اتفق اطلاع المشتري على العيب بعد أخذ الشفيع فالظاهر أن له أخذ الأرش وعليه دفعه إلى الشفيع ، وأذا اطلع الشفيع عليه دون المشتري فليس له مطالبة البائع بالأرش بل له إعلام المشتري بالحال ويتخير بين رد العين المعيبة إليه وبين مطالبته بالأرش.

١٠٦

كتاب الإجارة

١٠٧
١٠٨

وهي المعاوضة على المنفعة عملاً كانت أو غيره ، فالأول مثل إجارة الخياط للخياطة ، والثاني مثل إجارة الدار.

وفيه فصول :

فصل في شروطها

مسألة 368 : لابد فيها من الإيجاب والقبول ، فالإيجاب مثل قول الخياط : آجرتك نفسي ، وقول صاحب الدار : آجرتك داري ، والقبول مثل قول المستأجر : قبلت ، ويجوز وقوع الإيجاب من المستأجر ، مثل : استأجرتك لتخيط ثوبي وأستأجرت دارك ، فيقول المؤجر : قبلت ، ويكفي في الأخرس الإشارة المفهمة للإيجار أو الاستئجار.

مسألة 369 : تجري المعاطاة في الإجارة ـ كما تجري في البيع ـ فلو سلّم المؤجر ماله للمستأجر بقصد الإيجار وقبضه المستأجر بقصد الاستئجار صحت الإجارة.

مسألة 370 : يشترط في صحة الإجارة أمور بعضها في المتعاقدين ، وبعضها في العين المستأجرة ، وبعضها في المنفعة المقصودة بالإجارة ، وبعضها في الأجرة.

١٠٩

( شرائط المتعاقدين )

يشترط في المؤجر والمستأجر أن يكون كل منهما بالغاً عاقلا مختارا ، كما يشترط في المؤجر أن يكون مالكا للمنفعة المقصودة بالإيجار وفي المستأجر أن يكون مالكاً للأجرة ، ويشترط فيهما أن لا يكونا محجورين لسفه أو تفليس ، فلا تصح إجارة الصبي والمجنون والمكره ـ إلا أن يكون الإكراه بحق ـ كما لا تصح إجارة الفضولي ، ولا إجارة السفيه أمواله مطلقاً ، ولا إجارة المفلس أمواله التي حجر عليها.

مسألة 371 : إذا أجر السفيه نفسه لعمل فالأظهر بطلان الإجارة ـ ما لم تتعقب بإجازة الولي ـ وأما إذا آجر المفلس نفسه فالأظهر صحتها.

مسألة 372 : إذا لم يكن المؤجر مالكاً للمنفعة ـ ولم يكن ولياً ولا وكيلاً ـ توقفت صحة الإجارة على إجازة المالك ، وأذا كان محجوراً عليه لسفه توقفت صحتها على إجازة الولي ، وإن كان محجوراً عليه لفلس توقفت صحتها على إجازة الغرماء ، وإن كان مكرهاً توقفت صحتها على الرضا لا بداعي الإكراه.

( شرائط العين المستأجرة )

وهي أمور :

1 ـ التعيين ، فلا يصح إجارة المبهم كما لو قال : ( آجرتك إحدى دوري ) نعم يصح إجارة الكلي في المعين كسيارة من عدة سيارات متماثلة.

2 ـ المعلومية ، فإن كانت عيناً معينة فإما بالمشاهدة وأما بذكر الأوصاف التي تختلف بها الرغبات في إجارتها لو كانت غائبة ، وكذا لو كانت كلية.

١١٠

3 ـ التمكن من التسليم ، فلا تصح الإجارة من دونه حتى مع الضميمة على الأحوط ، نعم يكفي تمكن المستأجر من الاستيلاء على العين المستأجرة فتصح إجارة الدابة الشاردة مثلاً إذا كان المستأجر قادراً على أخذها.

4 ـ إمكان الانتفاع بها مع بقاء عينها ، فلا تصح إجارة الخبز ونحوه من المأكولات للأكل.

5 ـ قابليتها للانتفاع المقصود من الإجارة ، فلا تصح إجارة الأرض للزراعة إذا لم يكن المطر وافياً ولم يمكن سقيها من النهر أو غيره.

( شرائط المنفعة المقصودة بالإجارة )

وهي أمور :

1 ـ أن تكون محللة ، فلو انحصرت منافع المال في الحرام أو اشترط الانتفاع بخصوص المحرم منها ، أو أوقع العقد مبنياً على ذلك بطلت الإجارة ، كما لو آجر الدكان بشرط أن يباع أو يحفظ فيه الخمر ، أو آجر الحيوان بشرط أن يحمل الخمر عليه.

2 ـ أن تكون لها مالية يبذل المال بإزائها عند العقلاء على الأحوط.

3 ـ تعيين نوع المنفعة إذا كانت للعين منافع متعددة ، فلو أجر حيواناً قابلاً للركوب ولحمل الأثقال وجب تعيين حق المستأجر من الركوب أو الحمل أو كليهما.

4 ـ معلومية المنفعة ، وهي أما بتعيين المدة مثل سكنى الدار سنة أو شهراً ، وأما بتعيين المسافة مثل ركوب السيارة فرسخاً أو فرسخين ، وأما بتعيين العمل كخياطة الثوب المعين على كيفية معينة أو سياقة السيارة إلى مكة أو غيرها من البلاد المعروفة من طريق معين.

١١١

ولابد في الأولين من تعيين الزمان ، فإذا استأجر الدار للسكنى سنة ، والسيارة للركوب فرسخا من دون تعيين الزمان ، بطلت الإجارة ، إلا أن تكون قرينة على التعيين كالإطلاق الذي هو قرينة على التعجيل.

مسألة 373 : لا يعتبر تعيين الزمان في الإجارة على الخياطة ونحوها من الأعمال ، فيجب الإتيان به متى طالب المستأجر ، هذا إذا لم تختلف الأغراض باختلاف الأزمنة التي يقع فيها العمل ، والا فلابد من تعيين الزمان فيه أيضاً.

( شرائط الأجرة )

يعتبر في الأجرة معلوميتها ، فإذا كانت من المكيل أو الموزون أو المعدود لابد من معرفتها بالكيل أو الوزن أو العد ، وما يعرف منها بالمشاهدة لابد من مشاهدته أو وصفه على نحو ترتفع الجهالة.

ويجوز أن تكون الأجرة عيناً خارجية أو كلياً في الذمة ، أو عملاً أو منفعة أو حقاً قابلاً للنقل والانتقال كحق التحجير.

مسألة 374 : إذا استأجر سيارة للحمل فلابد من تعيين الحمل ، وأذا استأجر دراجة للركوب فلابد من تعيين الراكب ، وأذا استأجر ماكنة لحرث جريب من الأرض فلابد من تعيين الأرض. نعم إذا كان اختلاف الراكب أو الحمل أو الأرض لا يوجب اختلافاً في الأغراض النوعية لم يجب التعيين.

مسألة 375 : إذا قال آجرتك الدار شهراً أو شهرين أو قال آجرتك كل شهر بدرهم مهما أقمت فيها بطلت الإجارة ، وأذا قال : آجرتك شهراً بدرهم فإن زدت فبحسابه صح في الشهر الأول وبطل في غيره ، هذا إذا كان بعنوان الإجارة ، أما إذا كان بعنوان الجعالة بأن يجعل المنفعة لمن يعطيه درهماً أو كان من قبيل الإباحة بالعوض بأن يبيح المنفعة لمن يعطيه درهما فلا

١١٢

بأس.

مسألة 376 : إذا قال : إن خطت هذا الثوب بدرز فلك درهم وإن خطته بدرزين فلك درهمان ، فإن قصد الجعالة كما هو الظاهر صح وإن قصد الإجارة بطل ، وكذا إن قال : إن خطته هذا اليوم فلك درهم وإن خطته غداً فلك نصف درهم. والفرق بين الإجارة والجعالة أن في الإجارة تشتغل ذمة العامل بالعمل للمستأجر حين العقد وكذا تشتغل ذمة المستأجر بالعوض ولأجل ذلك صارت عقداً وليس ذلك في الجعالة فإن اشتغال ذمة المالك بالعوض يكون بعد عمل العامل من دون اشتغال لذمة العامل بالعمل أبداً ، ولأجل ذلك صارت إيقاعا.

مسألة 377 : إذا استأجره على عمل مقيد بقيد خاص من زمان أو مكان أو آلة أو وصف فجاء به على خلاف القيد لم يستحق شيئاً على عمله ، فإن لم يمكن العمل ثانياً تخير المستأجر بين فسخ الإجارة وبين مطالبة الأجير بأجرة المثل للعمل المستأجر عليه فإن طالبه بها لزمه إعطاؤه أجرة المثل ، وإن أمكن العمل ثانياً وجب الإتيان به على النهج الذي وقعت عليه الإجارة.

مسألة 378 : إذا استأجره على عمل بشرط ، بأن كان إنشاء الشرط في ضمن عقد الإجارة أو وقع العقد مبنياً عليه فلم يتحقق الشرط ، كما إذا استأجره ليوصله إلى مكان معين وشرط عليه أن يوصله في وقت محدد فأوصله ولكن في غير ذلك الوقت أو استأجره على خياطة ثوبه وأشترط عليه قراءة سورة من القرآن فخاط الثوب ولم يقرأ السورة ـ كان له فسخ الإجارة وعليه حينئذ أجرة المثل وله إمضاؤها ودفع الأجرة المسماة ، والفرق بين القيد والشرط أن متعلق الإجارة في موارد التقييد حصة خاصة مغايرة لسائر الحصص وأما في موارد الاشتراط فمتعلق الإجارة هو طبيعي العمل ولكن العقد معلق على التزام الطرف بتحقق أمر كالإيصال في الوقت المحدد أو القراءة في المثالين ، ولازم

١١٣

ذلك أن يكون التزامه بالعقد مشروطاً بنفس تحقق الملتزم به ، ومعنى ذلك جعل الخيار لنفسه على تقدير عدم تحققه.

مسألة 379 : إذا استأجر سيارة إلى «كربلاء» مثلاً بدرهم وأشترط له على نفسه أنه إن أوصله المؤجر نهاراً أعطاه درهمين صح.

مسألة 380 : لو استأجر سيارة مثلاً إلى مسافة بدرهمين وأشترط على المؤجر أن يعطيه درهماً واحداً إن لم يوصله نهاراً صح ذلك.

مسألة 381 : إذا استأجر سيارة على أن يوصله المؤجر نهاراً بدرهمين أو ليلاً بدرهم بحيث تكون الإجارة على أحد الأمرين مردداً بينهما فالإجارة باطلة.

مسألة 382 : إذا استأجره على أن يوصله إلى «كربلاء» وكان من نيته زيارة ليلة النصف من شعبان ولكن لم يذكر ذلك في العقد ولم تكن قرينة على التعيين استحق الأجرة وإن لم يوصله ليلة النصف من شعبان.

١١٤

فصل

في مسائل تتعلق بلزوم الإجارة

مسألة 383 : الإجارة من العقود اللازمة لا تنفسخ إلا بالتراضي بين الطرفين أو يكون للفاسخ الخيار ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الإجارة منشأة باللفظ أو بالمعاطاة.

مسألة 384 : إذا باع المالك العين المستأجرة قبل تمام مدة الإجارة لم تنفسخ الإجارة بل تنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة وإذا كان المشتري جاهلاً بالإجارة أو معتقداً قلة المدة فتبين زيادتها كان له فسخ البيع وليس له المطالبة بالأرش ، وإذا فسخت الإجارة رجعت المنفعة إلى البائع.

مسألة 385 : لا فرق فيما ذكرناه من عدم انفساخ الإجارة بالبيع بين أن يكون البيع على المستأجر وغيره ، فلو استأجر داراً ثم اشتراها بقيت الإجارة على حالها ويكون ملكه للمنفعة في بقية المدة بسبب الإجارة لا من جهة تبعية العين فلو انفسخت الإجارة رجعت المنفعة في بقية المدة إلى البائع ، ولو فسخ البيع بأحد أسبابه بقي ملك المشتري المستأجر للمنفعة على حاله.

مسألة 386 : إذا باع المالك العين على شخص وأجرها وكيله مدة معينة على شخص آخر واقترن البيع والإجارة زماناً صحا جميعاً فيكون المبيع للمشتري مسلوب المنفعة مدة الإجارة ويثبت الخيار له حينئذ.

مسألة 387 : لا تبطل الإجارة بموت المؤجر ولا بموت المستأجر حتى فيما إذا استأجر داراً على أن يسكنها بنفسه فمات ، فإنه لا تبطل الإجارة بموته

١١٥

ولكن يثبت للمؤجر مع التخلف خيار الفسخ ، نعم إذا اعتبر سكناه على وجه القيدية تبطل بموته.

مسألة 388 : إذا أجر نفسه للعمل بنفسه فمات قبل إنجازه بطلت الإجارة ، نعم إذا تعمد ترك الإتيان به قبل موته لم تبطل الإجارة بل يتخير المستأجر بين الفسخ وبين المطالبة بأجرة مثل العمل.

مسألة 389 : إذا لم يكن المؤجر مالكا للعين المستأجرة بل مالكا لمنفعتها ما دام حياً ـ بوصية مثلاً ـ فمات أثناء مدة الأجارة بطلت حينئذ بالنسبة إلى المدة الباقية ، نعم لما كانت المنفعة في بقية المدة لورثة الموصي فلهم أن يجيزوها بالنسبة إلى تلك المدة فتقع لهم الإجارة وتكون لهم الأجرة.

مسألة 390 : إذا أجر البطن السابق من الموقوف عليهم العين الموقوفة فانقرضوا قبل انتهاء مدة الإجارة بطلت بالنسبة إلى بقية المدة إذا لم تجزها الطبقة المتأخرة ، وفي صورة أخذ الطبقة الأولى للأجرة كلها يكون للمستأجر استرجاع مقدار إجارة المدة الباقية منها من أموال الطبقة الأولى ، وأما إذا أجرها المتولي ـ سواء أكان هو البطن السابق أم غيره ـ ملاحظاً بذلك مصلحة الوقف لم تبطل بموته ، وكذا إذا أجرها لمصلحة البطون اللاحقة إذا كانت له ولاية على ذلك فأنها تصح ويكون للبطون اللاحقة حصتهم من الأجرة.

مسألة 391 : إذا أجر نفسه للعمل أما بالإتيان به مباشرة أو تسبيباً فمات قبل ذلك بطلت الإجارة على تفصيل تقدم في المسألة (388) ، وأما إذا تقبل العمل الكلي في ذمته من دون التقييد بذلك فمات قبل تحقيقه لم تبطل المعاملة بل يجب أداء العمل من تركته كسائر الديون.

مسألة 392 : إذا أجر الولي مال الطفل مدة ، وبلغ الطفل أثناءها كانت صحة الإجارة بالنسبة إلى ما بعد بلوغه موقوفة على إجازته حتى فيما إذا كان

١١٦

عدم جعل ما بعد البلوغ جزءاً من مدة الإيجار على خلاف مصلحة الطفل ، وهكذا الحكم فيما إذا أجر الولي الطفل نفسه إلى مدة فبلغ أثناءها ، نعم إذا كان امتداد مدة الإيجار إلى ما بعد البلوغ هو مقتضى مصلحة ملزمة شرعاً بحيث يعلم عدم رضا الشارع بتركها صح الإيجار كذلك بإذن الحاكم الشرعي ولم يكن للطفل أن يفسخه بعد بلوغه.

مسألة 393 : إذا أجرت المرأة نفسها للخدمة مدة معينة فتزوجت في أثنائها لم تبطل الإجارة وإن كانت الخدمة منافية لحق الزوج.

مسألة 394 : إذا أجرت نفسها بعد التزويج توقفت صحة الإجارة على إجازة الزوج فيما ينافي حقه ونفذت الإجارة فيما لا ينافي حقه.

مسألة 395 : إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيباً فإن كان عالما به حين العقد فلا أثر له وإن كان جاهلاً به فإن كان موجباً لفوات بعض المنفعة كخراب بعض بيوت الدار قسطت الأجرة ورجع على المالك بما يقابل المنفعة الفائتة وله فسخ العقد من أصله ، هذا إذا لم يكن الخراب قابلاً للانتفاع أصلاً ولو بغير السكنى وإلا لم يكن له إلا خيار العيب. وإن كان العيب موجباً لنقص في المنفعة كبطء سير السيارة كان له الخيار في الفسخ وليس له مطالبة الأرش ، وإن لم يوجب العيب شيئا من ذلك لكن يوجب نقص الأجرة ككون السيارة مخسوفة البدنة كان له الخيار أيضاً ، وإن لم يوجب ذلك أيضاً فلا خيار. هذا إذا كانت العين شخصية أما إذا كانت كلية وكان المقبوض معيباً كان له المطالبة بالصحيح ولا خيار في الفسخ ، وإذا تعذر الصحيح كان له الخيار في أصل العقد.

مسألة 396 : إذا وجد المؤجر عيباً في الأجرة وكان جاهلاً به كان له الفسخ وليس له المطالبة بالأرش وإذا كانت الأجرة كلية فقبض فرداً معيباً منها فليس له فسخ العقد بل له المطالبة بالصحيح فإن تعذر كان له الفسخ.

١١٧

مسألة 397 : يجري في الإجارة خيار الغبن ـ على تفصيل تقدم نظيره في البيع ـ كما يجري فيها خيار العيب وخيار الشرط ـ حتى للأجنبي ـ ومنه خيار شرط رد العوض نظير شرط رد الثمن ، وكذا خيار تخلف الشرط الصريح أو الارتكازي ومنه خيار تبعض الصفقة وتعذر التسليم والتفليس والتدليس والشركة ، ولا يجري فيها خيار المجلس ولا خيار الحيوان ولا خيار التأخير على النحو المتقدم في البيع ، نعم مع التأخير في تسليم أحد العوضين عن الحد المتعارف يثبت الخيار للطرف.

مسألة 398 : إذا حصل الفسخ في عقد الإيجار ابتداء المدة فلا إشكال وإذا حصل أثناء المدة فإن لم يكن الخيار مجعولاً للفاسخ على نحو يقتضي التبعيض وبطلان الإجارة بالنسبة إلى ما بقي خاصة ـ كما هو الحال في شرط الخيار غالباً ـ فالأقوى كونه موجباً لانفساخ العقد في جميع المدة فيرجع المستأجر بتمام المسمى ويكون للمؤجر أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى.

١١٨

فصل

في أحكام التسليم في الإجارة

مسألة 399 : إذا وقع عقد الإجارة ملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان والعمل في الإجارة على الأعمال بنفس العقد وكذا المؤجر والأجير يملكان الأجرة بنفس العقد ، لكن ليس للمستأجر المطالبة بالمنفعة والعمل مع تأجيل الأجرة وعدم تسليمها إلا إذا كان قد شرط ذلك صريحاً أو كانت العادة جارية عليه ، كما أنه ليس للأجير والمؤجر المطالبة بالأجرة مع عدم تسليم العمل والمنفعة إلا إذا كانا قد اشترطا تقديم الأجرة وإن كان لأجل جريان العادة.

مسألة 400 : يجب على كل منهما تسليم ما عليه تسليمه في الزمان الذي يقتضيه العقد ، ولكن وجوب التسليم على كل منهما مشروط بعدم امتناع الآخر ، ولو امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة مع بذل المستأجر الأجرة جاز للمستأجر إجباره على تسليم العين كما جاز له الفسخ وأخذ الأجرة إذا كان قد دفعها وله إبقاء الإجارة والمطالبة بقيمة المنفعة الفائتة ، وكذا إذا دفع المؤجر العين ثم أخذها من المستأجر بلا فصل أو في أثناء المدة ، ومع الفسخ في الأثناء يرجع بتمام الأجرة وعليه أجرة المثل لما مضى ، وكذا الحكم فيما إذا امتنع المستأجر من تسليم الأجرة مع بذل المؤجر للعين المستأجرة.

مسألة 401 : تسليم المنفعة يكون بتسليم العين ، وتسليم العمل فيما لا يتعلق بعين للمستأجر في يد الأجير يكون بإتمامه ، وفيما يتعلق بعين له في يد الأجير يكون بإتمام العمل فيها مع تسليمها ـ على تقدير عدم تلفها ـ

١١٩

إلى المستأجر.

مسألة 402 : إذا كان العمل المستأجر عليه في العين التي هي بيد الأجير فتلفت العين بعد تمام العمل قبل دفعها إلى المستأجر من غير تفريط استحق الأجير المطالبة بالأجرة ، فإذا كان أجيراً على خياطة ثوب فتلف بعد الخياطة وقبل دفعه إلى المستأجر استحق مطالبة الأجرة فإذا كان الثوب مضموناً على الأجير استحق عليه المالك قيمة الثوب مخيطاً وإلا لم يستحق عليه شيئا.

مسألة 403 : يجوز للأجير بعد إتمام العمل حبس العين إلى أن يستوفي الأجرة ، وإذا حبسها لذلك فتلفت من غير تفريط لم يضمن.

مسألة 404 : تبطل الإجارة بسقوط العين المستأجرة عن قابلية الانتفاع منها بالمنفعة الخاصة المملوكة ، فإذا استأجر داراً سنة ـ مثلاً ـ فانهدمت قبل دخول السنة أو بعد دخولها بلا فصل بطلت الإجارة ، وإذا انهدمت أثناء السنة تبطل الإجارة بالنسبة إلى المدة الباقية وكان للمستأجر الخيار في فسخ الإيجار ، فإن فسخ رجع على المؤجر بتمام الأجرة المسماة وعليه له أجرة المثل بالنسبة إلى المدة الماضية ، وإن لم يفسخ قسطت الأجرة بالنسبة وكان للمالك حصة من الأجرة بنسبة المدة الماضية.

مسألة 405 : إذا استأجر داراً فانهدم قسم منها ، فإن كانت بحيث لو أعيد بناء القسم المهدوم على الوجه المتعارف لعدت بعد التعمير مغايرة لما قبله في النظر العرفي كان حكمه ما تقدم في المسألة السابقة ، وإن لم تعد كذلك فإن أقدم المؤجر على تعميرها فوراً على وجه لا يتلف شيء من منفعتها عرفاً لم تبطل الإجارة ولم يكن للمستأجر حق الفسخ ، وإن لم يقدم على ذلك وكان قادراً عليه فللمستأجر الزامه به ـ فإن لم يفعل كان له مطالبته بأجرة مثل المنفعة الفائتة كما إن له الخيار في فسخ الإجارة رأساً ـ ولو مع

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

قد عادوا إلى المعصية فأعاد اللَّه عليهم النقمة بتسليط الأكاسرة و ضرب الأتاوة عليهم .

و عن الحسن عادوا فبعث اللَّه محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله فهم يعطون الجزية عن يد و هم صاغرون .

و عن قتادة : ثم كان آخر ذلك أن بعث اللَّه عليهم هذا الحيّ من العرب فهم منهم في عذاب إلى يوم القيامة(١) .

هذا ، و في ( غارات الثقفي ) في فتنة ابن الحضرمي بالبصرة من قبل معاوية و تعارض مخنف بن سليم و شبث بن ربعي في قومهما الأزد و تميم قال عليعليه‌السلام : مه تناهوا أيّها الناس و ليردعكم الإسلام و وقاره عن التباغي(٢) و التهاذي(٣) ، و لتجمع كلمتكم ، و الزموا دين اللَّه الذي لا يقبل من أحد غيره ، و كلمة الاخلاص التي هي قوام الدين و حجّة اللَّه على الكافرين ، و اذكروا إذ كنتم قليلا مشركين متفرقين متباغضين فألّف بينكم بالاسلام فكثّرتم و اجتمعتم و تحاببتم ، فلا تفرّقوا بعد إذ اجتمعتم و لا تباغضوا بعد إذ تحاببتم ، و إذا رأيتم الناس و بينهم النائرة قد تداعوا إلى العشائر و القبائل فاقصدوا لهامهم و وجوههم بالسّيف حتى يفزعوا إلى اللَّه تعالى و إلى كتابه و سنّة نبيّه ، فأمّا تلك الحميّة حين تكون في المسلمين ، من خطرات الشيطان فانتهوا عنها لا أبا لكم تفلحوا و تنجحوا(٤) .

____________________

( ١ ) الكشّاف للزمخشري ٢ : ٦٥٠ .

( ٢ ) التباغي : ظلم بعضهم بعضا .

( ٣ ) التهاذي : التكلّم بغير المعقول .

( ٤ ) الغارات للثقفي : ٢٧١ ٢٧٢ .

٤٠١

٣ الخطبة ( ٧ ) و من خطبة لهعليه‌السلام :

اِتَّخَذُوا اَلشَّيْطَانَ لِأَمْرِهِمْ مِلاَكاً وَ اِتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً فَبَاضَ وَ فَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ وَ دَبَّ وَ دَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ وَ نَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَرَكِبَ بِهِمُ اَلزَّلَلَ وَ زَيَّنَ لَهُمُ اَلْخَطَلَ فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ اَلشَّيْطَانُ فِي سُلْطَانِهِ وَ نَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِهِ أقول : أخذها منهعليه‌السلام الحجّاج فخطب بها بعد دير الجماجم فقال كما في ( بيان الجاحظ ) يا أهل العراق إنّ الشيطان قد استبطنكم فخالط اللّحم و الدّم و العصب و المسامع و الأطراف و الأعضاء و الشغاف ، ثم أفضى إلى الأمخاخ و الأصماخ ، ثم ارتفع فعشّش ثم باض و فرّخ ، فحشاكم نفاقا و شقاقا و أشعركم خلافا ، و اتخذتموه دليلا تتّبعونه و قائدا تطيعونه و مؤامرا تستشيرونه ، فكيف تنفعكم تجربة و تعظكم وقعة ، أو يحجزكم إسلام أو ينفعكم بيان ، ألستم أصحابي بالأهواز .(١) .

و كلامهعليه‌السلام كلّه استعارات و مجازات و كنايات ، و نظيره في ذلك كلامهعليه‌السلام في وصف التائبين و ان كان الموصوفون فيهما متضادّين ، فقالعليه‌السلام كما في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) غرسوا أشجار ذنوبهم نصب عيونهم و قلوبهم و سقوها بمياه الندم فأثمرت لهم السلامة و أعقبتهم الرضا و الكرامة(٢) .

« إتخذوا الشّيطان » قال الجوهري : نون الشيطان أصلية و يقال زائدة

____________________

( ١ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ١٣٨ .

( ٢ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ١٣٧ .

٤٠٢

فإن جعلته فيعالا من قولهم « تشيطن الرجل » صرفته ، و ان جعلته من « شيط » لم تصرفه لأنّه فعلان .

و قال أيضا : و كلّ عات متمرّد من الجنّ و الإنس و الدوابّ ، شيطان أيضا(١) ، و أمّا قوله تعالى :( طلعها كأَنّه رؤوس الشياطين ) (٢) فقال الفرّاء فيه أوجه : أحدها أن يشبه طلعها في قبحه برؤوس الشياطين لأنّها موصوفة بالقبح ، و ثانيها ان العرب تسمّي بعض الحيّات شيطانا و هو ذو العرف قبيح الوجه ، و الثالث أنّه نبت قبيح يسمّى رؤوس الشياطين(٣) .

« لأمرهم ملاكا » أي :( مالكا و قيّما و من يتَّخذ الشَّيطان وليّاً من دون اللَّه فقد خسر خُسراناً مبيناً ) (٤) .

في ( صفّين نصر بن مزاحم ) : حمل شمر الخثعمي من أهل الشام على أبي كعب رأس خثعم الكوفة فطعنه فقتله ، ثم انصرف يبكي فقال : و اللَّه ما أدري ما أقول ، و لا أرى الشيطان إلاّ قد فتننا ، و لا أرى قريشا إلاّ لعبت بنا(٥) .

و في ( تاريخ ابن الأثير ) : دخل قاضي قضاة الأندلس و هو منذر بن سعيد البلوطي المتوفى سنة ( ٣٦٦ ) يوما على عبد الرحمن الناصر صاحب الأندلس بعد أن فرغ من بناء « الزهراء » و قصورها ، و قد قعد في قبة مزخرفة بالذهب و البناء البديع الذي لم يسبق إليه و معه جماعة من الأعيان ، فقال عبد الرحمن : هل بلغكم أنّ أحدا بنى مثل هذا البناء فقال له الجماعة : لم نر و لم نسمع بمثله و أثنوا و بالغوا ، و القاضي مطرق ، فاستنطقه عبد الرحمن ، فبكى

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ٥ : ٢١٤٥ مادة ( شطن ) .

( ٢ ) الصافات : ٦٥ .

( ٣ ) معاني القرآن للفرّاء ٢ : ٣٨٧ .

( ٤ ) النساء : ١١٩ .

( ٥ ) وقعة صفّين لنصر بن مزاحم المنقري : ٢٥٧ .

٤٠٣

القاضي و انحدرت دموعه على لحيته و قال : و اللَّه ما كنت أظنّ أنّ الشيطان يبلغ منك هذا المبلغ و لا أن تمكّنه من قيادك هذا التمكين ، مع ما آتاك اللَّه و فضّلك به حتى أنزلك منازل الكافرين فقال له عبد الرحمن ، انظر ما تقول و كيف أنزلنى منزلة الكافرين ؟ فقال له : قال تعالى :( و لولا أَن يكُونَ الناسُ اُمّة واحِدَةً لجَعَلنا لمَن يكفُر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضةٍ و معارج عليها يظهرُون و لبيوتهم أبواباً و سرراً عليها يتّكئون و زخرفاً . و الآخرة عند ربك للمُتّقين ) (١) فوجم عبد الرحمن و بكى و قال : أكثر اللَّه في المسلمين مثلك(٢) .

« و اتّخذهم له أشراكا » أي : مصائد قال الفيّومى ، الشّرك للصائد معروف ، و الجمع أشراك مثل سبب و أسباب(٣) أو المعنى شركاء فقال الجوهري :

شريك يجمع على شركاء و أشراك(٤) .

في ( الكشّي ) في عنوان ( غلاة وقت الهادىعليه‌السلام ) علي بن حسكة و القاسم بن يقطين قال محمد بن عيسى : كتب إليّ أبو الحسنعليه‌السلام : لعن اللَّه القاسم اليقطيني ، و لعن اللَّه علي بن حسكة القمّي ، إن شيطانا تراءى للقاسم فيوحي إليه زخرف القول غرورا(٥) .

و في ( الكشي ) أيضا في عنوان ( السرّي ) عن الصادقعليه‌السلام : إنّ بيانا و السرّي و بزيعا لعنهم اللَّه ترآءى لهم الشيطان في أحسن ما يكون صورة

____________________

( ١ ) الزخرف : ٣٣ ٣٥ .

( ٢ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزرري ٨ : ٦٧٤ .

( ٣ ) المصباح المنير للفيّومي ١ : ٤٢٣ .

( ٤ ) الصحاح للجوهري ٤ : ١٥٩٣ ، مادة ( شرك ) .

( ٥ ) الكشي للطوسي : ٥١٨ ، و قد ؟ ؟ إلى ذلك في الصفحة ١٤١ .

٤٠٤

آدمى من قرنه إلى سرّته(١) .

و في ( المروج ) قال إسحاق الموصلي : بينا أنا ذات ليلة عند الرشيد اغنّيه إذ طرب لغنائى و قال لا تبرح ، و لم أزل اغنّيه حتى نام فأمسكت و وضعت العود من حجري و جلست مكاني ، فإذا شاب حسن القدّ عليه مقطّعات خزّ وهية جميلة ، فدخل و سلم و جلس ، فجعلت أعجب من دخوله في ذلك الوقت إلى ذلك الموضع بغير استيذان ، ثم قلت في نفسي : لعل بعض ولد الرشيد من لم نعرفه و لم نره فضرب بيده على العود فأخذه و وضعه في حجره و جسّه فرأيت أنّه جس أحسن خلق اللَّه ، ثم أصلحه إصلاحا ما أدري ما هو ثم ضرب ضربا ما سمعت اذني أجود منه ، ثم اندفع يغنّي :

ألا علّلانى قبل أن نتفرقا

و هات اسقني صرفا شرابا مروّقا

فقد كاذ ضوء الصبح أن يفضح الدجى

و كاد قميص الليل أن يمتزقا

ثم وضع العود من حجره و قال : يا عاض بظر أمّه إذا غنّيت فغنّ هكذا .

ثم خرج فقمت على أثره فقلت للحاجب : من الفتى الذي خرج الساعة ؟ فقال : ما دخل هنا أحد و لا خرج ، فقمت متعجّبا و رجعت إلى مجلسي و انتبه الرشيد فقال شأنك ، فحدثته بالقصة فبقي متعجّبا و قال لقد صادقت شيطانا ثم قال :

أعد علي الصوت ، فأعدته فطرب طربا شديدا و أمر لي بجائزة فانصرفت .

و في ( الاغاني ) : قال إبراهيم الموصلي : سألت الرشيد أن يهب لي يوما في الجمعة لا يبعث فيه إليّ بوجه و لا سبب لأخلو فيه بجواريّ و إخواني ، فأذن لي في يوم السبت و قال : هو يوم أستثقله ما له بما شئت فأقمت فيه بمنزلي

____________________

( ١ ) الكشي للطوسي : ٣٠٤ ، في ترجمة ( بيان ) رقم ٥٤٧ .

٤٠٥

و تقدّمت في إصلاح طعامي و شرابي بما احتجت إليه ، و أمرت بوّابي فأغلق الأبواب و تقدّمت ألاّ يأذن عليّ لأحد ، فبينا أنا في مجلسي و الحرم قد حفّوا بي و جواريّ يتردّدن بين يديّ ، إذا أنا بشيخ ذي هيئة و جمال عليه خفّان قصيران و قميصان ناعمان ، و على رأسه قلنسوة لاطية و بيده عكازة مقمّعة بفضة ، و روائح المسك تفوح منه حتى ملأ البيت و الدار ، فداخلني بدخوله عليّ مع ما تقدّمت فيه غيظ ما تداخلني قط مثله ، و هممت بطرد بوّابى ، فسلّم عليّ أحسن سلام فرددت عليه و أمرته بالجلوس ، فجلس ثم أخذ في أحاديث الناس و أيّام العرب و أشعارها حتى سلّى ما بي من الغضب ، و ظننت أنّ غلماني تحرّوا مسرّتي بإدخالهم مثله عليّ لأدبه و ظرفه ، فقلت : هل لك في الطعام ؟ فقال : لا حاجة لي فيه فقلت : هل لك في الشراب ؟ فقال : ذاك إليك .

فشربت رطلا و سقيته مثله : فقال لي : يا أبا إسحاق هل لك أن تغنّي لنا شيئا من صنعتك و ما قد نفقت به عند الخاص و العام ، فغاظني قوله ، ثم سهّلت على نفسي أمره ، فأخذت العود فجسسته ثم ضربت فغنّيت ، فقال : أحسنت يا إبراهيم فقلت : ما رضي بما فعله من دخوله عليّ بغير إذن ، و اقتراحه أن أغنّيه حتى سمّاني و لم يكنّني و لم يجمل مخاطبتي ، ثم قال : هل لك أن تزيدنا ، فتذمّمت فأخذت العود فغنّيت فقال : أجدت يا أبا إسحاق فأتمّ حتى نكافئك و نغنّيك ، فأخذت العود و تغنّيت و تحفّظت و قمت بما غنّيته إيّاه تامّا ما تحفّظت مثله و لا قمت بغناء كما قمت به له بين يدي خليفة قطّ ، لقوله : اكافئك ، فطرب و قال : أحسنت يا سيدي ثم قال : أتأذن بعدك بالغناء فقلت : شأنك و استضعفت عقله في أن يغنّي بحضرتي بعد ما سمعه منّي فأخذ العود و جسه فو اللَّه لخلته ينطق بلسان عربيّ لحسن ما سمعت من صوته ثم تغنّى :

و لي كبد مقروحة من يبيعنى

بها كبدا ليست بذات قروح

٤٠٦

أباها عليّ الناس لا يشترونها

و من يشتري ذا علّة بصحيح

أئنّ من الشوق الذي في جوانبي

أنين غصيص بالشّراب جريح

فو اللَّه لقد ظننت الحيطان و كل ما في البيت يجيبه و يغنّي معه من حسن غنائه حتى خلت و اللَّه أنّي و عظامي و ثيابي تجاوبه ، و بقيت مبهوتا لا أستطيع الكلام و لا الجواب و لا الحركة لمّا خالط قلبي ثم غنّى :

ألا يا حمامات اللّوى عدن عودة

فإنّي إلى أصواتكنّ حزين

فعدن فلما عدن كدن يمتننى

و كدت بأسراري لهنّ ابين

دعون بترداد الهدير كأنّما

سقين حميّا أو بهنّ جنون

فلم تر عيني مثلهنّ حمائما

بكين و لم تدمع لهنّ عيون

فكاد و اللَّه عقلي أن يذهب طربا ممّا سمعت ، ثم غنّى :

ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد

لقد زادنى مسراك وجدا على وجد

بكيت كما يبكي الحزين صبابة

و ذبت من الحزن المبرّح و الجهد

أأن هتفت و رقاء في رونق الضّحى

على غصن غضّ(١) النّبات من الرّند

و قد زعموا أنّ المحبّ إذا نأى(٢)

يملّ و أنّ النأي يشفي من الوجد

بكلّ تداوينا فلم يشف ما بنا

على أنّ قرب الدار خير من البعد

ثم قال : يا إبراهيم هذا الغناء الماخوري فخذه وانح نحوه في غنائك و علّمه جواريك فقلت : أعده عليّ فقال : ليس تحتاج قد أخذته و فرغت منه ثم غاب من بين يديّ ، فقمت إلى السيف فجرّدته و عدوت نحو أبواب الحرم فوجدتها مغلقة ، فقلت للجواري : اي شي‏ء سمعتنّ عندي فقلن : سمعنا احسن غناء سمع قط ، فخرجت متحيّرا إلى باب الدار فوجدته مغلقا ، فسألت البوّاب

____________________

( ١ ) نسخة التحقيق بلفظ ( فتن ) .

( ٢ ) نسخة التحقيق بلفظ ( دنا ) .

٤٠٧

عن الشيخ فقال : أيّ شيخ هو ، و اللَّه ما دخل إليك اليوم أحد فرجعت لأ تأمل أمري فإذا هو قد هتف من بعض جوانب البيت : لا بأس عليك يا أبا إسحاق ، أنا إبليس كنت نديمك اليوم فلا ترع فركبت إلى الرشيد و قلت : لا أطرفه بطرفة مثل هذه ، فدخلت عليه و حدثته بالحديث فقال : ويحك تأمّل هذه الابيات هل أخذتها ، فأخذت العود أمتحنها فإذا هي راسخة في صدري كأنّها لم تزل ، فطرب الرشيد و جلس يشرب و لم يكن عزم على الشراب و أمر لي بصلة و حملان و قال : كان الشيخ أعلم بما قال لك من أنك أخذتها و فرغت منها ، فليته أمتعنا بنفسه يوما واحدا كما أمتعك(١) .

قلت : عمره كان معه و هو يتمنّى يوما .

« فباض و فرّخ في صدورهم » و قال الجوهري : يقال : فرّخ الطائر و أفرخ(٢) .

في ( تفسير العياشي ) عن زرارة عن الباقرعليه‌السلام : كان الحجّاج ابن شيطان ، يباضع ذي الردهة ، إنّ يوسف دخل على امرأته ام الحجّاج فأراد أن يصيبها فقالت : أليس إنّما عهدك بذلك الساعة ، فأمسك عنها فولدت الحجّاج(٣) .

و روى مثله عن السجادعليه‌السلام و زاد : إنهعليه‌السلام أمر يوسف بالإمساك عن زوجته ( و فيه ) و هو ابن الشيطان ذي الردهة(٤) .

و في ( المروج ) : ولد الحجّاج مشوّها لا دبر له ، فثقب عن دبره و أبى أن يقبل ثدي امّه ، فيقال : إنّ الشيطان تصور لهم في صورة الحرث بن كلدة فقال :

ما خبركم ؟ فأخبروه فقال : إذبحوا جديا أسود و أولغوه دمه ، فإذا كان في اليوم الثاني فافعلوا به كذلك ، فإذا كان في اليوم الثالث فاذبحوا له تيسا أسود

____________________

( ١ ) الأغاني لأبي الفرج الاصفهاني ٥ : ٢٣١ ٢٣٤ .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ٢ : ٤٢٨ مادة ( فرخ ) .

( ٣ ) تفسير العياشي ٢ : ٣٠١ ، و ذكره البحراني في تفسير البرهان ٢ : ٤٢٧ و المجلسي في البحار ٨ : ٣٨٠ .

( ٤ ) المصدر نفسه ٢ : ٢٩٩ .

٤٠٨

و أولغوه دمه ، ثم إذبحوا له أسود سالخا أي : الأسود من الحيّات فأولغوا دمه و اطلوا به وجهه فإنّه يقبل الثدي في اليوم الرابع ، ففعلوا به ذلك فكان بعد لا يصبر عن سفك الدماء(١) .

و عن ابن خلّكان : قال الفارسي : أنشدني ابن دريد لنفسه :

و حمراء قبل المزج صفراء بعده

بدت في لباسي نرجس و شقائق

حكت و جنة المعشوق صرفا فسلّطوا

عليها مزاجا فاكتست لون عاشق

و قال : جاءني إبليس في المنام و قال : أغرت على أبي نؤاس فقلت : نعم .

فقال : أجدت إلاّ أنّك أسأت في شي‏ء ، قدّمت الحمراء فقلت : « و حمراء » ثم قلت « نرجس و شقائق » فقدّمت الصفراء(٢) .

و قريب من استعارتهعليه‌السلام هذه من بيض الشيطان و إفراخه في صدورهم استعارة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيته لامراء الجيش الذي بعثه إلى مؤتة على نقل المصنف في مجازاته « و ستجدون آخرين للشيطان في رؤوسهم مفاحص فاقلعوها بالسيوف » قال في شرحه : و هذه من الإستعارات العجيبة و المجازات اللطيفة ، و ذلك أنّ من كلام العرب أن يقول منهم إذا أراد ان يصف إنسانا بشدة الارتكاس في غيّه و الارتكاض في عنان بغيه : « قد فرخ الشيطان في رأسه » أو « قد عشّش الشيطان في قلبه » ، فذهبصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ذلك الوضع و بنى على ذلك الأصل فقال : « للشيطان في رؤوسهم مفاحص » ، و المفحص في الأصل الموضع الذي تبحثه القطاة لتجثم

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ١٢٥ .

( ٢ ) أوفيات الأعيان لابن خلكان ٤ : ٣٢٧ .

٤٠٩

عليه أو لتبيض فيه ، إنّما قيل له مفحص لأنّها لا تجثم فيه إلاّ بعد أن تفحص التراب عنه توطئة لمجثمها و تمهيدا لجسمها ، فيحتمل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحد معنيين :

أحدهما : أن يكون أراد أنّ الشيطان قد بدا يختدعهم و يغرّهم و يستوهنهم و يضلّهم و لم يبلغ بعد من ذلك غايته و لا استوعب خديعته كالقطاة التي بدأت باتخاذ المفحص لتبيض فيه و تربّي فرخها فيه .

و الثاني : أن يكون أراد أنّ الشيطان قد استوطن رؤوسهم فجعلها له مقيلا و مبركا و ملعبا و متمعّكا كما تتخذ القطاة مفحصا لتأوي إليه(١) .

هذا ، و في ( بلاغات نساء البغدادي ) قال إسحاق الموصلي : سألت أعرابية عن الأير ما هو ؟ فقالت : عصبة نفخ فيها الشيطان فلا يرد أمرها(٢) .

« و دب و درج في حجورهم » الاصل في الدبّ دبيب النمل ، و يطلق على مشي الصبيّ على بدنه و مشي الشيخ على العصا ، فيقال « أدببت الصبى » حملته على الدبيب و « دبّ الشيخ » و الدرج المشي المتعارف ، و من أمثالهم : « أكذب من دبّ و درج » و أيضا : « أعييتنى من شبّ إلى دبّ »(٣) أي : اكذب الصغار و الكبار و من شبابه إلى هرمه .

و في ( الإرشاد ) : روى زكريا بن يحيى القطّان عن فضيل بن الزبير عن أبي الحكم قال : سمعت مشيختنا و علماءنا يقولون : خطب عليّعليه‌السلام فقال في خطبته : سلوني قبل أن تفقدوني ، فو اللَّه لا تسألوني عن فئة تضل مائة و تهدي مائة إلاّ نبّأتكم بناعقها و سائقها إلى يوم القيامة فقام إليه رجل فقال : أخبرنى كم في رأسي و لحيتي طاقة شعر فقالعليه‌السلام : و اللَّه لقد حدثني خليلي رسول

____________________

( ١ ) المجازات النبوية للشريف الرضي : ٣٣ ٣٤ .

( ٢ ) بلاغات النساء لابن طيفور : ٢٢٣ .

( ٣ ) لسان العرب لابن منظور ١ : ٣٧٠ .

٤١٠

اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما سألت عنه و ان على كل طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك و على كل طاقة شعر من لحيتك شيطانا يستفزّك ، و ان في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول اللَّه ، و لو لا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به و كان ابنه في ذلك الوقت صغيرا يحبو ، فلمّا كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان تولّى قتله و كان الأمر كما قالعليه‌السلام (١) .

قلت : و في خبر ان السائل كان أبا سنان بن انس(٢) .

« فنظر بأعينهم و نطق بألسنتهم » في الاستيعاب في عامر بن عبدة ، روى عامر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان الشيطان يأتي القوم في صورة الرجل يعرفون وجهه و لا يعرفون نسبه فيحدثهم فيقولون حدثنا فلان ما اسمه ليس يعرفونه(٣) .

و في ( الأغاني ) عن حولا مولاة ابن جامع : انتبه مولاي يوما من قائلته فقال عليّ بهشام يعني ابنه ادعوه لي عجّلوه ، فجاء مسرعا فقال : خذ العود فإنّ رجلا من الجن ألقى عليّ في قائلتي صوتا فأخاف أن أنساه ، فأخذ هشام العود و تغنّى ابن جامع عليه رملا لم أسمع رملا أحسن منه و هو :

أمست رسوم الديار غيّرها

هوج الرّياح الزّعازع العصف

و كلّ حنّانة لها زجل

مثل حنين الروّائم الشّغف

فأخذه عنه هشام فكان بعد ذلك يتغناه و ينسبه إلى الجن(٤) .

قلت : لا بدّ أنّه استحى أن يقول : إنّ الشيطان ألقى عليّ فقال : إنّ رجلا من الجنّ ألقى عليّ .

و في ( الكشّي ) في محمد بن أبي زينب ، قال بريد العجلي : سألت أبا

____________________

( ١ ) الإرشاد للمفيد : ١٧٤ عن حديث الاصبغ ابن نباته .

( ٢ ) في البحار ٤٠ : ١٩٢ ، السائل هو أبو الحصين بتميم بن اسامة التميمي .

( ٣ ) الاستيعاب لابن عبد البر ٢ : ٧٩٥ .

( ٤ ) الأغاني للأصفهاني ٦ : ٢٩٤ .

٤١١

عبد اللَّهعليه‌السلام عن قوله تعالى :( هل اُنبّئكم على من تنزّل الشياطين تَنزَّلُ على كلِّ أفاكٍ أَثيم ) (١) قال : هم سبعة ، المغيرة بن سعيد و بنان(٢) و صائد(٣) النهدي و الحرث(٤) الشامي و عبد اللَّه بن الحارث و حمزة بن عمارة و أبو الخطاب(٥) .

و عن الصادقعليه‌السلام و ذكر الغلاة قال : إنّ فيهم من يكذب حتى أنّ الشيطان ليحتاج إلى كذبه .

و عن زرارة ، قال أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : أيزعم حمزة أن أبي يأتيه ؟ قلت : نعم .

قال : كذب و الله ما يأتيه إلاّ المتكون ، إنّ إبليس سلّط شيطانا يقال له المتكون يأتي الناس في أي صورة شاء ، و لا و اللَّه ما يستطيع ان يجي‏ء في صورة أبي(٦) .

و عن الصادقعليه‌السلام قال لأصحاب أبي الخطاب : إنّ شيطانا يقال له المذهب يأتي في كل صورة إلاّ أنّه لا يأتي في صورة نبيّ و لا وصيّ نبيّ ، و لا أحسبه إلاّ و قد ترأى لصاحبكم .(٧) .

و أظنّ أنّ الأصل في « المذهب » و « المتكون » في سابقه واحد .

« فركب بهم الزلل و زيّن لهم الخطل » أي : المنطق الفاسد المضطرب .

« فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه و نطق بالباطل على لسانه » في ( الكشّي ) عن الصادقعليه‌السلام : إبليس اتّخذ عرشا في ما بين السماء و الأرض ، فإذا

____________________

( ١ ) الشعراء : ٢٢١ ٢٢٢ .

( ٢ ) نسخة التحقيق ( بيان ) .

( ٣ ) نسخة التحقيق ( صايد ) .

( ٤ ) نسخة التحقيق ( الحارث ) .

( ٥ ) رجال الكشي للطوسي : ٢٩٠ ٢٩١ .

( ٦ ) المصدر نفسه : ٣٠٠ .

( ٧ ) المصدر نفسه : ٢٩٣ .

٤١٢

دعا رجلا فأجابه و وطى‏ء عقبه و تخطّت إليه الأقدام تراءى له إبليس و رفع إليه(١) .

و في ( الأغاني ) : أتى الفرزدق الحسن البصري فقال : إني هجوت إبليس فاسمع منّي قال : لا حاجة لنا بما تقول قال : لتسمعنّ أو لأخرجنّ فأقول للناس إنّ الحسن ينهى عن هجاء إبليس فقال : اسكت فإنّك بلسانه تنطق(٢) .

أيضا : ما زال بشّار يهجو حماد عجرد و لا يرفث في هجائه حتى قال حمّاد : من كان مثل أبيك يا أعمى أبوه فلا أبا له فقال بشّار : جزى اللَّه ابن نهبى خيرا لقد كنت أردّ على شيطاني أشياء من هجائه إبقاء على المودّة و لقد أطلق من لساني ما كان مقيدا عنه(٣) .

أيضا : كان يزيد بن أسد جد خالد بن عبد اللَّه القسري يلقب خطيب الشيطان ، و كان أكذب الناس في كل شي‏ء معروفا بذلك ، ثم نشأ ابنه عبد اللَّه فسلك منهاجه من الكذب ، ثم نشأ خالد ففاق الجماعة إلاّ أنّ رئاسة و سخاء كانا فيه سترا أمره(٤) .

أيضا : قالت أسماء بنت المهدي : قلت لأخي إبراهيم : أشتهي و اللَّه أن أسمع من غنائك شيئا فقال : إذن و اللَّه يا اختي لا تسمعين مثله عليّ و عليّ و غلّظ باليمين إن لم يكن إبليس ظهر لي و علّمني و صافحني و قال لي : إذهب فأنت منّي و أنا منك .

____________________

( ١ ) في نسخة التحقيق من رجال الكشي : إن إبليس اتخذ عرشا فيما بين السماء و الأرض و اتخذ زبانية كعدد الملائكة :

٣٠٣ ٣٠٤ .

( ٢ ) لفظ الأصفهاني في الأغاني ٢١ : ٣٥٧ ، أتى الفرزاق الحسن البصري فقال : إين قد هجوت إبليس ، فقال : كيف تهجوه و عن لسانه تنطق .

( ٣ ) الأغاني الأصفهاني ١٤ : ٣٤٦ ٣٤٧ .

( ٤ ) الأغاني الأصفهاني ٢٢ : ١١ .

٤١٣

أيضا : قال إبراهيم بن المهدي : غضب عليّ محمد الأمين في بعض هنات فسلّمني إلى كوثر فحبسني في سرداب و أغلق عليّ ، فمكثت فيه ليلتي فلمّا أصبحت إذا أنا بشيخ قد خرج عليّ من زاوية السرداب و دفع إليّ شيئا فقال :

كل فأكلت ثم أخرج قنّينة شراب فقال : إشرب فشربت ، ثم قال لي : غن

لي مدّة لا بدّ أبلغها

معلومة فإذا انقضت متّ

لو ساورتني الاسد ضارية

لغلبتها ما لم يجي الوقت

فغنّيته و سمع كوثر فصار إلى الامين و قال له : قد جنّ عمّك و هو جالس يغنّي بكيت و كيت ، فأمر بإحضاري فاحضرت و أخبرته بالقصة فأمر لي بسبعمائة الف درهم و رضي عنّي(١) .

و مرّ في فصل شكايتهعليه‌السلام من أهل عصره ما له ربط بما هنا .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : إنّ العبد يوقظ ثلاث مرات من اللّيل ، فإن لم يقم أتاه الشيطان فبال في اذنه(٢) .

و في ( غناء الكافي ) في أشربته عن إسحاق بن حريز عن الصادقعليه‌السلام أن شيطانا يقال له القفندر إذا ضرب في منزل رجل أربعين يوما بالبربط و دخل عليه الرجال ، وضع ذلك الشيطان كل عضو منه على مثله من صاحب البيت ثم نفخ فيه نفخة فلا يغار بعده حتى تؤتى نساؤه فلا يغار(٣) .

و في ( تقريب ابن حجر ) : كان محمد بن سعد بن أبي وقاص و هو أخو عمر ابن سعد يلقب ظل الشيطان لقصره(٤) .

و عن أبي داود المسترق : من ضرب في بيته بربط أربعين يوما سلط

____________________

( ١ ) الأغاني ١٠ : ١٠٤ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٣ : ٤٤٦ ح ١٨ عن محمّد بن مسلم .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٣٦ ح ٥ .

( ٤ ) تقريب التهذيب لابن حجر ٢ : ١٦٤ ، و قال عنه ثقة في الطبقة الثالثة قتله الحجّاج فيما بعد الثمانين .

٤١٤

اللَّه عليه شيطانا يقال له القفندر ، فلا يبقى عضو من أعضائه إلاّ قعد عليه ، فإذا كان كذلك نزع منه الحياء و لم يبال ما قال و لا ما قيل فيه(١) .

و عن الحسن بن علي بن يقطين عن أبي جعفرعليه‌السلام : من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق يروي عن اللَّه عز و جل فقد عبد اللَّه ، و إن كان الناطق يروي عن الشيطان فقد عبد الشيطان(٢) .

و في الخبر الثاني من أول صوم ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا أخبركم بشي‏ء ان أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب .

قالوا : بلى قال : الصوم يسوّد وجهه ، و الصدقة تكسر ظهره ، و الحبّ في اللَّه ، و المؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره ، و الاستغفار يقطع و تينه ، و لكل شي‏ء زكاة و زكاة الأبدان الصيام(٣) .

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٦ : ٤٣٤ ح ١٧ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٦ : ٤٣٤ ح ٢٤ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٤ : ٦٢ ح ٢ عن إسماعيل بن أبي زياد .

٤١٥

الفصل الستون في موضوعات مختلفة

٤١٦

١ الكتاب ( ٧٤ ) و من حلف لهعليه‌السلام

 كتبه بين ربيعة و اليمن و نقل من خط هشام الكلبىّ :

هَذَا مَا اِجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ ؟ اَلْيَمَنِ ؟ حَاضِرُهَا وَ بَادِيهَا وَ ؟ رَبِيعَةُ ؟ حَاضِرُهَا وَ بَادِيهَا أَنَّهُمْ عَلَى كِتَابِ اَللَّهِ يَدْعُونَ إِلَيْهِ وَ يَأْمُرُونَ بِهِ وَ يُجِيبُونَ مَنْ دَعَا إِلَيْهِ وَ أَمَرَ بِهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً وَ لاَ يَرْضَوْنَ بِهِ بَدَلاً وَ أَنَّهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ وَ تَرَكَهُ أَنْصَارٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ دَعْوَتُهُمْ وَاحِدَةٌ لاَ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ لِمَعْتَبَةِ عَاتِبٍ وَ لاَ لِغَضَبِ غَاضِبٍ وَ لاَ لاِسْتِذْلاَلِ قَوْمٍ قَوْماً عَلَى ذَلِكَ شَاهِدُهُمْ وَ غَائِبُهُمْ وَ سَفِيهُهُمْ وَ عَالِمُهُمْ وَ حَلِيمُهُمْ وَ جَاهِلُهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ عَهْدَ اَللَّهِ وَ مِيثَاقَهُ إِنَّ عَهْدَ اَللَّهِ كَانَ مَسْئُولاً وَ كَتَبَ ؟ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؟

٤١٧

أقول : قول المصنف ( و من حلف لهعليه‌السلام ) قال الجوهري : الحلف بالكسر العهد يكون بين القوم(١) ، و المراد بالأحلاف في شعر زهير :

تداركتما الأحلاف قد ثلّ عرشها

و ذبيان قد زلّت بأقدامها النّعل(٢)

أسد و غطفان لأنهم تناصروا على التحالف ، و الأحلاف أيضا قوم من ثقيف لأنّ ثقيفا فرقتان : بنو مالك و الأحلاف ، و يقال لبني أسد وطيّ : الحليفان ، و يقال ايضا لفزارة و أسد : حليفان لأنّ خزاعة لمّا أجلت بني أسد عن الحرم و خرجت حالفت طيئا ثم حالفت بني فزارة .

و في ( العقد ) بعد عدّ بني ضبّة و بني الحرب بن كعب في جمرات العرب :

و قال أبو عبيدة طفئت جمرتان : بنو ضبّة لأنها صارت إلى الرباب فحالفتها و بنو الحرث لأنّها صارت إلى مذحج فحالفتها(٣) .

« كتبه بين ربيعة و اليمن » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٤) و الصواب : ( بين اليمن و ربيعة ) كما في ( ابن أبي الحديد(٥) و ابن ميثم(٦) و الخطية )(٧) ثم المراد بربيعة هنا طائفته أي : بنوه .

و في ( الطبري ) و غيره : ذكر بعضهم أنّ نزار بن معد بن عدنان لمّا حضرته الوفاة قسّم ماله بين بنيه مضر و ربيعة و أياد و أنمار ، فقال : هذه القبة و كانت من آدم حمراء و ما أشبهها من مالي لمضر فسمّي مضر الحمراء

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ٤ : ١٣٤٦ مادة ( حلف ) .

( ٢ ) ديوان زهير بن أبى سلمان : ٦١ .

( ٣ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٣ : ٣٦٩ .

( ٤ ) جاء في النسخة المصرية : شرح محمّد عبده ( نقل عن خط هشام بن الكلبي ) انظر : ٦٤٩ .

( ٥ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد أورده كالنسخة المصرية انظر ١٨ : ٦٦ .

( ٦ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم أورده كالنسخة المصرية انظر ٥ : ٢٣١ .

( ٧ ) ورد في النسخة الخطية ( المرعشي ) ( بين اليمن و ربيعة ) انظر : ٣٠٣ .

٤١٨

و هذا الخباء الأسود و ما أشبهه من مالي و كان خلّف خيلا دهما لربيعة فسمّي ربيعة الفرس ، و هذه الخادم و كانت شمطاء و ما أشبهها من مالي لأياد ، و هذه البدرة و المجلس لأنمار ، فإن اختلفتم في شي‏ء فعليكم بالأفعى الجرهمي ، فاختلفوا في القسمة فتوجّهوا إلى الأفعى ، فبينا هم يسيرون في مسيرهم إذ رأى مضر كلأ و قد رعي ، فقال : إنّ البعير الذي رعاه لأعور ، و قال ربيعة هو أزور ، و قال أياد هو أبتر ، و قال أنمار هو شرود فلم يسيروا إلاّ قليلا حتى لقيهم رجل فسألهم عن بعير ، فقال مضر : هو أعور ؟ قال نعم ، قال ربيعة :

هو أزور ؟ قال نعم ، قال أياد : هو أبتر ؟ قال نعم ، قال أنمار : هو شرود ؟ قال نعم ، هذه صفة بعيري دلّوني عليه ، فحلفوا ما رأوه فلزمهم و قال : كيف اصدّقكم و أنتم تصفون بعيري بصفته ؟

فساروا جميعا حتى قدموا نجران فنزلوا بالأفعى الجرهمي ، فنادى صاحب البعير : هؤلاء أصحاب بعيري وصفوا لي صفته ثم قالوا : لم نره فقال الجرهمي كيف وصفتموه و لم تروه ؟ قال مضر : رأيته يرعى جانبا و يدع جانبا فعرفت أنّه أعور ، و قال ربيعة : رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر و الاخرى فاسدة فعرفت أنّه أفسده بشدّة وطئه لازوراره ، و قال أياد : عرفت أنّه أبتر باجتماع بعره و لو كان أذنب لمصع به ، و قال أنمار : عرفت أنّه شرود لأنّه يرعى المكان الملتف نبته ثم يجوزه إلى مكان آخر أرقّ منه نبتا و أخبث فقال الجرهمي : ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه ، ثم سألهم من هم فأخبروه ، فرحّب بهم و قال : أ تحتاجون إليّ و أنتم كما أرى فدعا لهم بطعام فأكلوا و أكل و شربوا و شرب ، فقال مضر : لم أر كاليوم خمرا لو لا أنّها نبتت على قبر ، و قال ربيعة : لم أر كاليوم لحما لو لا أنّه ربّي بلبن كلب ، و قال أياد : لم أر كاليوم رجلا لو لا أنّه لغير أبيه الذي يدعى إليه ، و قال أنمار : لم أر كاليوم شهدا لو لا كون

٤١٩

نحله في هامة جبار .

و سمع الجرهمي الكلام فتعجب و أتى امّه فسألها فأخبرته أنّها كانت تحت ملك لا يولد له فكرهت أن يذهب الملك فأمكنت رجلا كان نزل بها من نفسها فحملت به ، و سأل القهرمان عن الخمر فقال : من حبلة غرستها على قبر أبيك ، و سأل الراعي عن اللحم فقال : شاة أرضعتها بلبن كلبة و لم يكن ولد في الغنم و ماتت امها ، و سأل عن الشهد فقيل : هجموا على عظام نخرة فإذا النحل قد عسلت في جمجمة منها لم ير عسل مثله ، فقال الأفعى : إن هؤلاء إلاّ شياطين .

ثم أحضرهم فقصّوا عليه قصّتهم فقضى بالقبّة الحمراء و الدنانير و الإبل و هي حمر لمضر ، و قضى بالخباء الأسود و الخيل الأدهم لربيعة ، و قضى بالخادم و كانت شمطاء و الماشية البلق لأياد ، و قضى بالأرض و الدراهم لأنمار .

و المراد من اليمن أيضا أهلها ، و هم من قحطان و ربيعة من عدنان ، و كان من اليمن حمير بن سبأ و كهلان بن سبأ و عمرو بن سبأ و الأشعر بن سبأ و أنمار بن سبأ و عاملة بن سبأ و مرّ بن سبأ .

و كانت ربيعة و اليمن متحالفتين من الجاهلية ، و لمّا أراد الكرماني و هو من اليمانية الخروج على نصر بن سيّار عامل مروان بن محمد آخر الأموية و هو من المضرية و أراد معاضدة ربيعة له في ذلك ، كتب إلى عمر بن إبراهيم و هو من ولد أبرهة آخر ملوك حمير فبعث إليه بنسخة حلفهما في الجاهلية(١) .

و قال أبو حنيفة الدينوري في ( أخباره الطوال ) : جمع الكرماني إليه

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٢ : ٢٥ .

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639