بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 639
المشاهدات: 237815
تحميل: 8107


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 237815 / تحميل: 8107
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 14

مؤلف:
العربية

قد عادوا إلى المعصية فأعاد اللَّه عليهم النقمة بتسليط الأكاسرة و ضرب الأتاوة عليهم .

و عن الحسن عادوا فبعث اللَّه محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله فهم يعطون الجزية عن يد و هم صاغرون .

و عن قتادة : ثم كان آخر ذلك أن بعث اللَّه عليهم هذا الحيّ من العرب فهم منهم في عذاب إلى يوم القيامة(١) .

هذا ، و في ( غارات الثقفي ) في فتنة ابن الحضرمي بالبصرة من قبل معاوية و تعارض مخنف بن سليم و شبث بن ربعي في قومهما الأزد و تميم قال عليعليه‌السلام : مه تناهوا أيّها الناس و ليردعكم الإسلام و وقاره عن التباغي(٢) و التهاذي(٣) ، و لتجمع كلمتكم ، و الزموا دين اللَّه الذي لا يقبل من أحد غيره ، و كلمة الاخلاص التي هي قوام الدين و حجّة اللَّه على الكافرين ، و اذكروا إذ كنتم قليلا مشركين متفرقين متباغضين فألّف بينكم بالاسلام فكثّرتم و اجتمعتم و تحاببتم ، فلا تفرّقوا بعد إذ اجتمعتم و لا تباغضوا بعد إذ تحاببتم ، و إذا رأيتم الناس و بينهم النائرة قد تداعوا إلى العشائر و القبائل فاقصدوا لهامهم و وجوههم بالسّيف حتى يفزعوا إلى اللَّه تعالى و إلى كتابه و سنّة نبيّه ، فأمّا تلك الحميّة حين تكون في المسلمين ، من خطرات الشيطان فانتهوا عنها لا أبا لكم تفلحوا و تنجحوا(٤) .

____________________

( ١ ) الكشّاف للزمخشري ٢ : ٦٥٠ .

( ٢ ) التباغي : ظلم بعضهم بعضا .

( ٣ ) التهاذي : التكلّم بغير المعقول .

( ٤ ) الغارات للثقفي : ٢٧١ ٢٧٢ .

٤٠١

٣ الخطبة ( ٧ ) و من خطبة لهعليه‌السلام :

اِتَّخَذُوا اَلشَّيْطَانَ لِأَمْرِهِمْ مِلاَكاً وَ اِتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً فَبَاضَ وَ فَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ وَ دَبَّ وَ دَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ وَ نَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَرَكِبَ بِهِمُ اَلزَّلَلَ وَ زَيَّنَ لَهُمُ اَلْخَطَلَ فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ اَلشَّيْطَانُ فِي سُلْطَانِهِ وَ نَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِهِ أقول : أخذها منهعليه‌السلام الحجّاج فخطب بها بعد دير الجماجم فقال كما في ( بيان الجاحظ ) يا أهل العراق إنّ الشيطان قد استبطنكم فخالط اللّحم و الدّم و العصب و المسامع و الأطراف و الأعضاء و الشغاف ، ثم أفضى إلى الأمخاخ و الأصماخ ، ثم ارتفع فعشّش ثم باض و فرّخ ، فحشاكم نفاقا و شقاقا و أشعركم خلافا ، و اتخذتموه دليلا تتّبعونه و قائدا تطيعونه و مؤامرا تستشيرونه ، فكيف تنفعكم تجربة و تعظكم وقعة ، أو يحجزكم إسلام أو ينفعكم بيان ، ألستم أصحابي بالأهواز .(١) .

و كلامهعليه‌السلام كلّه استعارات و مجازات و كنايات ، و نظيره في ذلك كلامهعليه‌السلام في وصف التائبين و ان كان الموصوفون فيهما متضادّين ، فقالعليه‌السلام كما في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) غرسوا أشجار ذنوبهم نصب عيونهم و قلوبهم و سقوها بمياه الندم فأثمرت لهم السلامة و أعقبتهم الرضا و الكرامة(٢) .

« إتخذوا الشّيطان » قال الجوهري : نون الشيطان أصلية و يقال زائدة

____________________

( ١ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ١٣٨ .

( ٢ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ١٣٧ .

٤٠٢

فإن جعلته فيعالا من قولهم « تشيطن الرجل » صرفته ، و ان جعلته من « شيط » لم تصرفه لأنّه فعلان .

و قال أيضا : و كلّ عات متمرّد من الجنّ و الإنس و الدوابّ ، شيطان أيضا(١) ، و أمّا قوله تعالى :( طلعها كأَنّه رؤوس الشياطين ) (٢) فقال الفرّاء فيه أوجه : أحدها أن يشبه طلعها في قبحه برؤوس الشياطين لأنّها موصوفة بالقبح ، و ثانيها ان العرب تسمّي بعض الحيّات شيطانا و هو ذو العرف قبيح الوجه ، و الثالث أنّه نبت قبيح يسمّى رؤوس الشياطين(٣) .

« لأمرهم ملاكا » أي :( مالكا و قيّما و من يتَّخذ الشَّيطان وليّاً من دون اللَّه فقد خسر خُسراناً مبيناً ) (٤) .

في ( صفّين نصر بن مزاحم ) : حمل شمر الخثعمي من أهل الشام على أبي كعب رأس خثعم الكوفة فطعنه فقتله ، ثم انصرف يبكي فقال : و اللَّه ما أدري ما أقول ، و لا أرى الشيطان إلاّ قد فتننا ، و لا أرى قريشا إلاّ لعبت بنا(٥) .

و في ( تاريخ ابن الأثير ) : دخل قاضي قضاة الأندلس و هو منذر بن سعيد البلوطي المتوفى سنة ( ٣٦٦ ) يوما على عبد الرحمن الناصر صاحب الأندلس بعد أن فرغ من بناء « الزهراء » و قصورها ، و قد قعد في قبة مزخرفة بالذهب و البناء البديع الذي لم يسبق إليه و معه جماعة من الأعيان ، فقال عبد الرحمن : هل بلغكم أنّ أحدا بنى مثل هذا البناء فقال له الجماعة : لم نر و لم نسمع بمثله و أثنوا و بالغوا ، و القاضي مطرق ، فاستنطقه عبد الرحمن ، فبكى

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ٥ : ٢١٤٥ مادة ( شطن ) .

( ٢ ) الصافات : ٦٥ .

( ٣ ) معاني القرآن للفرّاء ٢ : ٣٨٧ .

( ٤ ) النساء : ١١٩ .

( ٥ ) وقعة صفّين لنصر بن مزاحم المنقري : ٢٥٧ .

٤٠٣

القاضي و انحدرت دموعه على لحيته و قال : و اللَّه ما كنت أظنّ أنّ الشيطان يبلغ منك هذا المبلغ و لا أن تمكّنه من قيادك هذا التمكين ، مع ما آتاك اللَّه و فضّلك به حتى أنزلك منازل الكافرين فقال له عبد الرحمن ، انظر ما تقول و كيف أنزلنى منزلة الكافرين ؟ فقال له : قال تعالى :( و لولا أَن يكُونَ الناسُ اُمّة واحِدَةً لجَعَلنا لمَن يكفُر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضةٍ و معارج عليها يظهرُون و لبيوتهم أبواباً و سرراً عليها يتّكئون و زخرفاً . و الآخرة عند ربك للمُتّقين ) (١) فوجم عبد الرحمن و بكى و قال : أكثر اللَّه في المسلمين مثلك(٢) .

« و اتّخذهم له أشراكا » أي : مصائد قال الفيّومى ، الشّرك للصائد معروف ، و الجمع أشراك مثل سبب و أسباب(٣) أو المعنى شركاء فقال الجوهري :

شريك يجمع على شركاء و أشراك(٤) .

في ( الكشّي ) في عنوان ( غلاة وقت الهادىعليه‌السلام ) علي بن حسكة و القاسم بن يقطين قال محمد بن عيسى : كتب إليّ أبو الحسنعليه‌السلام : لعن اللَّه القاسم اليقطيني ، و لعن اللَّه علي بن حسكة القمّي ، إن شيطانا تراءى للقاسم فيوحي إليه زخرف القول غرورا(٥) .

و في ( الكشي ) أيضا في عنوان ( السرّي ) عن الصادقعليه‌السلام : إنّ بيانا و السرّي و بزيعا لعنهم اللَّه ترآءى لهم الشيطان في أحسن ما يكون صورة

____________________

( ١ ) الزخرف : ٣٣ ٣٥ .

( ٢ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزرري ٨ : ٦٧٤ .

( ٣ ) المصباح المنير للفيّومي ١ : ٤٢٣ .

( ٤ ) الصحاح للجوهري ٤ : ١٥٩٣ ، مادة ( شرك ) .

( ٥ ) الكشي للطوسي : ٥١٨ ، و قد ؟ ؟ إلى ذلك في الصفحة ١٤١ .

٤٠٤

آدمى من قرنه إلى سرّته(١) .

و في ( المروج ) قال إسحاق الموصلي : بينا أنا ذات ليلة عند الرشيد اغنّيه إذ طرب لغنائى و قال لا تبرح ، و لم أزل اغنّيه حتى نام فأمسكت و وضعت العود من حجري و جلست مكاني ، فإذا شاب حسن القدّ عليه مقطّعات خزّ وهية جميلة ، فدخل و سلم و جلس ، فجعلت أعجب من دخوله في ذلك الوقت إلى ذلك الموضع بغير استيذان ، ثم قلت في نفسي : لعل بعض ولد الرشيد من لم نعرفه و لم نره فضرب بيده على العود فأخذه و وضعه في حجره و جسّه فرأيت أنّه جس أحسن خلق اللَّه ، ثم أصلحه إصلاحا ما أدري ما هو ثم ضرب ضربا ما سمعت اذني أجود منه ، ثم اندفع يغنّي :

ألا علّلانى قبل أن نتفرقا

و هات اسقني صرفا شرابا مروّقا

فقد كاذ ضوء الصبح أن يفضح الدجى

و كاد قميص الليل أن يمتزقا

ثم وضع العود من حجره و قال : يا عاض بظر أمّه إذا غنّيت فغنّ هكذا .

ثم خرج فقمت على أثره فقلت للحاجب : من الفتى الذي خرج الساعة ؟ فقال : ما دخل هنا أحد و لا خرج ، فقمت متعجّبا و رجعت إلى مجلسي و انتبه الرشيد فقال شأنك ، فحدثته بالقصة فبقي متعجّبا و قال لقد صادقت شيطانا ثم قال :

أعد علي الصوت ، فأعدته فطرب طربا شديدا و أمر لي بجائزة فانصرفت .

و في ( الاغاني ) : قال إبراهيم الموصلي : سألت الرشيد أن يهب لي يوما في الجمعة لا يبعث فيه إليّ بوجه و لا سبب لأخلو فيه بجواريّ و إخواني ، فأذن لي في يوم السبت و قال : هو يوم أستثقله ما له بما شئت فأقمت فيه بمنزلي

____________________

( ١ ) الكشي للطوسي : ٣٠٤ ، في ترجمة ( بيان ) رقم ٥٤٧ .

٤٠٥

و تقدّمت في إصلاح طعامي و شرابي بما احتجت إليه ، و أمرت بوّابي فأغلق الأبواب و تقدّمت ألاّ يأذن عليّ لأحد ، فبينا أنا في مجلسي و الحرم قد حفّوا بي و جواريّ يتردّدن بين يديّ ، إذا أنا بشيخ ذي هيئة و جمال عليه خفّان قصيران و قميصان ناعمان ، و على رأسه قلنسوة لاطية و بيده عكازة مقمّعة بفضة ، و روائح المسك تفوح منه حتى ملأ البيت و الدار ، فداخلني بدخوله عليّ مع ما تقدّمت فيه غيظ ما تداخلني قط مثله ، و هممت بطرد بوّابى ، فسلّم عليّ أحسن سلام فرددت عليه و أمرته بالجلوس ، فجلس ثم أخذ في أحاديث الناس و أيّام العرب و أشعارها حتى سلّى ما بي من الغضب ، و ظننت أنّ غلماني تحرّوا مسرّتي بإدخالهم مثله عليّ لأدبه و ظرفه ، فقلت : هل لك في الطعام ؟ فقال : لا حاجة لي فيه فقلت : هل لك في الشراب ؟ فقال : ذاك إليك .

فشربت رطلا و سقيته مثله : فقال لي : يا أبا إسحاق هل لك أن تغنّي لنا شيئا من صنعتك و ما قد نفقت به عند الخاص و العام ، فغاظني قوله ، ثم سهّلت على نفسي أمره ، فأخذت العود فجسسته ثم ضربت فغنّيت ، فقال : أحسنت يا إبراهيم فقلت : ما رضي بما فعله من دخوله عليّ بغير إذن ، و اقتراحه أن أغنّيه حتى سمّاني و لم يكنّني و لم يجمل مخاطبتي ، ثم قال : هل لك أن تزيدنا ، فتذمّمت فأخذت العود فغنّيت فقال : أجدت يا أبا إسحاق فأتمّ حتى نكافئك و نغنّيك ، فأخذت العود و تغنّيت و تحفّظت و قمت بما غنّيته إيّاه تامّا ما تحفّظت مثله و لا قمت بغناء كما قمت به له بين يدي خليفة قطّ ، لقوله : اكافئك ، فطرب و قال : أحسنت يا سيدي ثم قال : أتأذن بعدك بالغناء فقلت : شأنك و استضعفت عقله في أن يغنّي بحضرتي بعد ما سمعه منّي فأخذ العود و جسه فو اللَّه لخلته ينطق بلسان عربيّ لحسن ما سمعت من صوته ثم تغنّى :

و لي كبد مقروحة من يبيعنى

بها كبدا ليست بذات قروح

٤٠٦

أباها عليّ الناس لا يشترونها

و من يشتري ذا علّة بصحيح

أئنّ من الشوق الذي في جوانبي

أنين غصيص بالشّراب جريح

فو اللَّه لقد ظننت الحيطان و كل ما في البيت يجيبه و يغنّي معه من حسن غنائه حتى خلت و اللَّه أنّي و عظامي و ثيابي تجاوبه ، و بقيت مبهوتا لا أستطيع الكلام و لا الجواب و لا الحركة لمّا خالط قلبي ثم غنّى :

ألا يا حمامات اللّوى عدن عودة

فإنّي إلى أصواتكنّ حزين

فعدن فلما عدن كدن يمتننى

و كدت بأسراري لهنّ ابين

دعون بترداد الهدير كأنّما

سقين حميّا أو بهنّ جنون

فلم تر عيني مثلهنّ حمائما

بكين و لم تدمع لهنّ عيون

فكاد و اللَّه عقلي أن يذهب طربا ممّا سمعت ، ثم غنّى :

ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد

لقد زادنى مسراك وجدا على وجد

بكيت كما يبكي الحزين صبابة

و ذبت من الحزن المبرّح و الجهد

أأن هتفت و رقاء في رونق الضّحى

على غصن غضّ(١) النّبات من الرّند

و قد زعموا أنّ المحبّ إذا نأى(٢)

يملّ و أنّ النأي يشفي من الوجد

بكلّ تداوينا فلم يشف ما بنا

على أنّ قرب الدار خير من البعد

ثم قال : يا إبراهيم هذا الغناء الماخوري فخذه وانح نحوه في غنائك و علّمه جواريك فقلت : أعده عليّ فقال : ليس تحتاج قد أخذته و فرغت منه ثم غاب من بين يديّ ، فقمت إلى السيف فجرّدته و عدوت نحو أبواب الحرم فوجدتها مغلقة ، فقلت للجواري : اي شي‏ء سمعتنّ عندي فقلن : سمعنا احسن غناء سمع قط ، فخرجت متحيّرا إلى باب الدار فوجدته مغلقا ، فسألت البوّاب

____________________

( ١ ) نسخة التحقيق بلفظ ( فتن ) .

( ٢ ) نسخة التحقيق بلفظ ( دنا ) .

٤٠٧

عن الشيخ فقال : أيّ شيخ هو ، و اللَّه ما دخل إليك اليوم أحد فرجعت لأ تأمل أمري فإذا هو قد هتف من بعض جوانب البيت : لا بأس عليك يا أبا إسحاق ، أنا إبليس كنت نديمك اليوم فلا ترع فركبت إلى الرشيد و قلت : لا أطرفه بطرفة مثل هذه ، فدخلت عليه و حدثته بالحديث فقال : ويحك تأمّل هذه الابيات هل أخذتها ، فأخذت العود أمتحنها فإذا هي راسخة في صدري كأنّها لم تزل ، فطرب الرشيد و جلس يشرب و لم يكن عزم على الشراب و أمر لي بصلة و حملان و قال : كان الشيخ أعلم بما قال لك من أنك أخذتها و فرغت منها ، فليته أمتعنا بنفسه يوما واحدا كما أمتعك(١) .

قلت : عمره كان معه و هو يتمنّى يوما .

« فباض و فرّخ في صدورهم » و قال الجوهري : يقال : فرّخ الطائر و أفرخ(٢) .

في ( تفسير العياشي ) عن زرارة عن الباقرعليه‌السلام : كان الحجّاج ابن شيطان ، يباضع ذي الردهة ، إنّ يوسف دخل على امرأته ام الحجّاج فأراد أن يصيبها فقالت : أليس إنّما عهدك بذلك الساعة ، فأمسك عنها فولدت الحجّاج(٣) .

و روى مثله عن السجادعليه‌السلام و زاد : إنهعليه‌السلام أمر يوسف بالإمساك عن زوجته ( و فيه ) و هو ابن الشيطان ذي الردهة(٤) .

و في ( المروج ) : ولد الحجّاج مشوّها لا دبر له ، فثقب عن دبره و أبى أن يقبل ثدي امّه ، فيقال : إنّ الشيطان تصور لهم في صورة الحرث بن كلدة فقال :

ما خبركم ؟ فأخبروه فقال : إذبحوا جديا أسود و أولغوه دمه ، فإذا كان في اليوم الثاني فافعلوا به كذلك ، فإذا كان في اليوم الثالث فاذبحوا له تيسا أسود

____________________

( ١ ) الأغاني لأبي الفرج الاصفهاني ٥ : ٢٣١ ٢٣٤ .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ٢ : ٤٢٨ مادة ( فرخ ) .

( ٣ ) تفسير العياشي ٢ : ٣٠١ ، و ذكره البحراني في تفسير البرهان ٢ : ٤٢٧ و المجلسي في البحار ٨ : ٣٨٠ .

( ٤ ) المصدر نفسه ٢ : ٢٩٩ .

٤٠٨

و أولغوه دمه ، ثم إذبحوا له أسود سالخا أي : الأسود من الحيّات فأولغوا دمه و اطلوا به وجهه فإنّه يقبل الثدي في اليوم الرابع ، ففعلوا به ذلك فكان بعد لا يصبر عن سفك الدماء(١) .

و عن ابن خلّكان : قال الفارسي : أنشدني ابن دريد لنفسه :

و حمراء قبل المزج صفراء بعده

بدت في لباسي نرجس و شقائق

حكت و جنة المعشوق صرفا فسلّطوا

عليها مزاجا فاكتست لون عاشق

و قال : جاءني إبليس في المنام و قال : أغرت على أبي نؤاس فقلت : نعم .

فقال : أجدت إلاّ أنّك أسأت في شي‏ء ، قدّمت الحمراء فقلت : « و حمراء » ثم قلت « نرجس و شقائق » فقدّمت الصفراء(٢) .

و قريب من استعارتهعليه‌السلام هذه من بيض الشيطان و إفراخه في صدورهم استعارة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيته لامراء الجيش الذي بعثه إلى مؤتة على نقل المصنف في مجازاته « و ستجدون آخرين للشيطان في رؤوسهم مفاحص فاقلعوها بالسيوف » قال في شرحه : و هذه من الإستعارات العجيبة و المجازات اللطيفة ، و ذلك أنّ من كلام العرب أن يقول منهم إذا أراد ان يصف إنسانا بشدة الارتكاس في غيّه و الارتكاض في عنان بغيه : « قد فرخ الشيطان في رأسه » أو « قد عشّش الشيطان في قلبه » ، فذهبصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ذلك الوضع و بنى على ذلك الأصل فقال : « للشيطان في رؤوسهم مفاحص » ، و المفحص في الأصل الموضع الذي تبحثه القطاة لتجثم

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ١٢٥ .

( ٢ ) أوفيات الأعيان لابن خلكان ٤ : ٣٢٧ .

٤٠٩

عليه أو لتبيض فيه ، إنّما قيل له مفحص لأنّها لا تجثم فيه إلاّ بعد أن تفحص التراب عنه توطئة لمجثمها و تمهيدا لجسمها ، فيحتمل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحد معنيين :

أحدهما : أن يكون أراد أنّ الشيطان قد بدا يختدعهم و يغرّهم و يستوهنهم و يضلّهم و لم يبلغ بعد من ذلك غايته و لا استوعب خديعته كالقطاة التي بدأت باتخاذ المفحص لتبيض فيه و تربّي فرخها فيه .

و الثاني : أن يكون أراد أنّ الشيطان قد استوطن رؤوسهم فجعلها له مقيلا و مبركا و ملعبا و متمعّكا كما تتخذ القطاة مفحصا لتأوي إليه(١) .

هذا ، و في ( بلاغات نساء البغدادي ) قال إسحاق الموصلي : سألت أعرابية عن الأير ما هو ؟ فقالت : عصبة نفخ فيها الشيطان فلا يرد أمرها(٢) .

« و دب و درج في حجورهم » الاصل في الدبّ دبيب النمل ، و يطلق على مشي الصبيّ على بدنه و مشي الشيخ على العصا ، فيقال « أدببت الصبى » حملته على الدبيب و « دبّ الشيخ » و الدرج المشي المتعارف ، و من أمثالهم : « أكذب من دبّ و درج » و أيضا : « أعييتنى من شبّ إلى دبّ »(٣) أي : اكذب الصغار و الكبار و من شبابه إلى هرمه .

و في ( الإرشاد ) : روى زكريا بن يحيى القطّان عن فضيل بن الزبير عن أبي الحكم قال : سمعت مشيختنا و علماءنا يقولون : خطب عليّعليه‌السلام فقال في خطبته : سلوني قبل أن تفقدوني ، فو اللَّه لا تسألوني عن فئة تضل مائة و تهدي مائة إلاّ نبّأتكم بناعقها و سائقها إلى يوم القيامة فقام إليه رجل فقال : أخبرنى كم في رأسي و لحيتي طاقة شعر فقالعليه‌السلام : و اللَّه لقد حدثني خليلي رسول

____________________

( ١ ) المجازات النبوية للشريف الرضي : ٣٣ ٣٤ .

( ٢ ) بلاغات النساء لابن طيفور : ٢٢٣ .

( ٣ ) لسان العرب لابن منظور ١ : ٣٧٠ .

٤١٠

اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما سألت عنه و ان على كل طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك و على كل طاقة شعر من لحيتك شيطانا يستفزّك ، و ان في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول اللَّه ، و لو لا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به و كان ابنه في ذلك الوقت صغيرا يحبو ، فلمّا كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان تولّى قتله و كان الأمر كما قالعليه‌السلام (١) .

قلت : و في خبر ان السائل كان أبا سنان بن انس(٢) .

« فنظر بأعينهم و نطق بألسنتهم » في الاستيعاب في عامر بن عبدة ، روى عامر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان الشيطان يأتي القوم في صورة الرجل يعرفون وجهه و لا يعرفون نسبه فيحدثهم فيقولون حدثنا فلان ما اسمه ليس يعرفونه(٣) .

و في ( الأغاني ) عن حولا مولاة ابن جامع : انتبه مولاي يوما من قائلته فقال عليّ بهشام يعني ابنه ادعوه لي عجّلوه ، فجاء مسرعا فقال : خذ العود فإنّ رجلا من الجن ألقى عليّ في قائلتي صوتا فأخاف أن أنساه ، فأخذ هشام العود و تغنّى ابن جامع عليه رملا لم أسمع رملا أحسن منه و هو :

أمست رسوم الديار غيّرها

هوج الرّياح الزّعازع العصف

و كلّ حنّانة لها زجل

مثل حنين الروّائم الشّغف

فأخذه عنه هشام فكان بعد ذلك يتغناه و ينسبه إلى الجن(٤) .

قلت : لا بدّ أنّه استحى أن يقول : إنّ الشيطان ألقى عليّ فقال : إنّ رجلا من الجنّ ألقى عليّ .

و في ( الكشّي ) في محمد بن أبي زينب ، قال بريد العجلي : سألت أبا

____________________

( ١ ) الإرشاد للمفيد : ١٧٤ عن حديث الاصبغ ابن نباته .

( ٢ ) في البحار ٤٠ : ١٩٢ ، السائل هو أبو الحصين بتميم بن اسامة التميمي .

( ٣ ) الاستيعاب لابن عبد البر ٢ : ٧٩٥ .

( ٤ ) الأغاني للأصفهاني ٦ : ٢٩٤ .

٤١١

عبد اللَّهعليه‌السلام عن قوله تعالى :( هل اُنبّئكم على من تنزّل الشياطين تَنزَّلُ على كلِّ أفاكٍ أَثيم ) (١) قال : هم سبعة ، المغيرة بن سعيد و بنان(٢) و صائد(٣) النهدي و الحرث(٤) الشامي و عبد اللَّه بن الحارث و حمزة بن عمارة و أبو الخطاب(٥) .

و عن الصادقعليه‌السلام و ذكر الغلاة قال : إنّ فيهم من يكذب حتى أنّ الشيطان ليحتاج إلى كذبه .

و عن زرارة ، قال أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : أيزعم حمزة أن أبي يأتيه ؟ قلت : نعم .

قال : كذب و الله ما يأتيه إلاّ المتكون ، إنّ إبليس سلّط شيطانا يقال له المتكون يأتي الناس في أي صورة شاء ، و لا و اللَّه ما يستطيع ان يجي‏ء في صورة أبي(٦) .

و عن الصادقعليه‌السلام قال لأصحاب أبي الخطاب : إنّ شيطانا يقال له المذهب يأتي في كل صورة إلاّ أنّه لا يأتي في صورة نبيّ و لا وصيّ نبيّ ، و لا أحسبه إلاّ و قد ترأى لصاحبكم .(٧) .

و أظنّ أنّ الأصل في « المذهب » و « المتكون » في سابقه واحد .

« فركب بهم الزلل و زيّن لهم الخطل » أي : المنطق الفاسد المضطرب .

« فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه و نطق بالباطل على لسانه » في ( الكشّي ) عن الصادقعليه‌السلام : إبليس اتّخذ عرشا في ما بين السماء و الأرض ، فإذا

____________________

( ١ ) الشعراء : ٢٢١ ٢٢٢ .

( ٢ ) نسخة التحقيق ( بيان ) .

( ٣ ) نسخة التحقيق ( صايد ) .

( ٤ ) نسخة التحقيق ( الحارث ) .

( ٥ ) رجال الكشي للطوسي : ٢٩٠ ٢٩١ .

( ٦ ) المصدر نفسه : ٣٠٠ .

( ٧ ) المصدر نفسه : ٢٩٣ .

٤١٢

دعا رجلا فأجابه و وطى‏ء عقبه و تخطّت إليه الأقدام تراءى له إبليس و رفع إليه(١) .

و في ( الأغاني ) : أتى الفرزدق الحسن البصري فقال : إني هجوت إبليس فاسمع منّي قال : لا حاجة لنا بما تقول قال : لتسمعنّ أو لأخرجنّ فأقول للناس إنّ الحسن ينهى عن هجاء إبليس فقال : اسكت فإنّك بلسانه تنطق(٢) .

أيضا : ما زال بشّار يهجو حماد عجرد و لا يرفث في هجائه حتى قال حمّاد : من كان مثل أبيك يا أعمى أبوه فلا أبا له فقال بشّار : جزى اللَّه ابن نهبى خيرا لقد كنت أردّ على شيطاني أشياء من هجائه إبقاء على المودّة و لقد أطلق من لساني ما كان مقيدا عنه(٣) .

أيضا : كان يزيد بن أسد جد خالد بن عبد اللَّه القسري يلقب خطيب الشيطان ، و كان أكذب الناس في كل شي‏ء معروفا بذلك ، ثم نشأ ابنه عبد اللَّه فسلك منهاجه من الكذب ، ثم نشأ خالد ففاق الجماعة إلاّ أنّ رئاسة و سخاء كانا فيه سترا أمره(٤) .

أيضا : قالت أسماء بنت المهدي : قلت لأخي إبراهيم : أشتهي و اللَّه أن أسمع من غنائك شيئا فقال : إذن و اللَّه يا اختي لا تسمعين مثله عليّ و عليّ و غلّظ باليمين إن لم يكن إبليس ظهر لي و علّمني و صافحني و قال لي : إذهب فأنت منّي و أنا منك .

____________________

( ١ ) في نسخة التحقيق من رجال الكشي : إن إبليس اتخذ عرشا فيما بين السماء و الأرض و اتخذ زبانية كعدد الملائكة :

٣٠٣ ٣٠٤ .

( ٢ ) لفظ الأصفهاني في الأغاني ٢١ : ٣٥٧ ، أتى الفرزاق الحسن البصري فقال : إين قد هجوت إبليس ، فقال : كيف تهجوه و عن لسانه تنطق .

( ٣ ) الأغاني الأصفهاني ١٤ : ٣٤٦ ٣٤٧ .

( ٤ ) الأغاني الأصفهاني ٢٢ : ١١ .

٤١٣

أيضا : قال إبراهيم بن المهدي : غضب عليّ محمد الأمين في بعض هنات فسلّمني إلى كوثر فحبسني في سرداب و أغلق عليّ ، فمكثت فيه ليلتي فلمّا أصبحت إذا أنا بشيخ قد خرج عليّ من زاوية السرداب و دفع إليّ شيئا فقال :

كل فأكلت ثم أخرج قنّينة شراب فقال : إشرب فشربت ، ثم قال لي : غن

لي مدّة لا بدّ أبلغها

معلومة فإذا انقضت متّ

لو ساورتني الاسد ضارية

لغلبتها ما لم يجي الوقت

فغنّيته و سمع كوثر فصار إلى الامين و قال له : قد جنّ عمّك و هو جالس يغنّي بكيت و كيت ، فأمر بإحضاري فاحضرت و أخبرته بالقصة فأمر لي بسبعمائة الف درهم و رضي عنّي(١) .

و مرّ في فصل شكايتهعليه‌السلام من أهل عصره ما له ربط بما هنا .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : إنّ العبد يوقظ ثلاث مرات من اللّيل ، فإن لم يقم أتاه الشيطان فبال في اذنه(٢) .

و في ( غناء الكافي ) في أشربته عن إسحاق بن حريز عن الصادقعليه‌السلام أن شيطانا يقال له القفندر إذا ضرب في منزل رجل أربعين يوما بالبربط و دخل عليه الرجال ، وضع ذلك الشيطان كل عضو منه على مثله من صاحب البيت ثم نفخ فيه نفخة فلا يغار بعده حتى تؤتى نساؤه فلا يغار(٣) .

و في ( تقريب ابن حجر ) : كان محمد بن سعد بن أبي وقاص و هو أخو عمر ابن سعد يلقب ظل الشيطان لقصره(٤) .

و عن أبي داود المسترق : من ضرب في بيته بربط أربعين يوما سلط

____________________

( ١ ) الأغاني ١٠ : ١٠٤ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٣ : ٤٤٦ ح ١٨ عن محمّد بن مسلم .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٣٦ ح ٥ .

( ٤ ) تقريب التهذيب لابن حجر ٢ : ١٦٤ ، و قال عنه ثقة في الطبقة الثالثة قتله الحجّاج فيما بعد الثمانين .

٤١٤

اللَّه عليه شيطانا يقال له القفندر ، فلا يبقى عضو من أعضائه إلاّ قعد عليه ، فإذا كان كذلك نزع منه الحياء و لم يبال ما قال و لا ما قيل فيه(١) .

و عن الحسن بن علي بن يقطين عن أبي جعفرعليه‌السلام : من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق يروي عن اللَّه عز و جل فقد عبد اللَّه ، و إن كان الناطق يروي عن الشيطان فقد عبد الشيطان(٢) .

و في الخبر الثاني من أول صوم ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا أخبركم بشي‏ء ان أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب .

قالوا : بلى قال : الصوم يسوّد وجهه ، و الصدقة تكسر ظهره ، و الحبّ في اللَّه ، و المؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره ، و الاستغفار يقطع و تينه ، و لكل شي‏ء زكاة و زكاة الأبدان الصيام(٣) .

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٦ : ٤٣٤ ح ١٧ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٦ : ٤٣٤ ح ٢٤ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٤ : ٦٢ ح ٢ عن إسماعيل بن أبي زياد .

٤١٥

الفصل الستون في موضوعات مختلفة

٤١٦

١ الكتاب ( ٧٤ ) و من حلف لهعليه‌السلام

 كتبه بين ربيعة و اليمن و نقل من خط هشام الكلبىّ :

هَذَا مَا اِجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ ؟ اَلْيَمَنِ ؟ حَاضِرُهَا وَ بَادِيهَا وَ ؟ رَبِيعَةُ ؟ حَاضِرُهَا وَ بَادِيهَا أَنَّهُمْ عَلَى كِتَابِ اَللَّهِ يَدْعُونَ إِلَيْهِ وَ يَأْمُرُونَ بِهِ وَ يُجِيبُونَ مَنْ دَعَا إِلَيْهِ وَ أَمَرَ بِهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً وَ لاَ يَرْضَوْنَ بِهِ بَدَلاً وَ أَنَّهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ وَ تَرَكَهُ أَنْصَارٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ دَعْوَتُهُمْ وَاحِدَةٌ لاَ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ لِمَعْتَبَةِ عَاتِبٍ وَ لاَ لِغَضَبِ غَاضِبٍ وَ لاَ لاِسْتِذْلاَلِ قَوْمٍ قَوْماً عَلَى ذَلِكَ شَاهِدُهُمْ وَ غَائِبُهُمْ وَ سَفِيهُهُمْ وَ عَالِمُهُمْ وَ حَلِيمُهُمْ وَ جَاهِلُهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ عَهْدَ اَللَّهِ وَ مِيثَاقَهُ إِنَّ عَهْدَ اَللَّهِ كَانَ مَسْئُولاً وَ كَتَبَ ؟ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؟

٤١٧

أقول : قول المصنف ( و من حلف لهعليه‌السلام ) قال الجوهري : الحلف بالكسر العهد يكون بين القوم(١) ، و المراد بالأحلاف في شعر زهير :

تداركتما الأحلاف قد ثلّ عرشها

و ذبيان قد زلّت بأقدامها النّعل(٢)

أسد و غطفان لأنهم تناصروا على التحالف ، و الأحلاف أيضا قوم من ثقيف لأنّ ثقيفا فرقتان : بنو مالك و الأحلاف ، و يقال لبني أسد وطيّ : الحليفان ، و يقال ايضا لفزارة و أسد : حليفان لأنّ خزاعة لمّا أجلت بني أسد عن الحرم و خرجت حالفت طيئا ثم حالفت بني فزارة .

و في ( العقد ) بعد عدّ بني ضبّة و بني الحرب بن كعب في جمرات العرب :

و قال أبو عبيدة طفئت جمرتان : بنو ضبّة لأنها صارت إلى الرباب فحالفتها و بنو الحرث لأنّها صارت إلى مذحج فحالفتها(٣) .

« كتبه بين ربيعة و اليمن » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٤) و الصواب : ( بين اليمن و ربيعة ) كما في ( ابن أبي الحديد(٥) و ابن ميثم(٦) و الخطية )(٧) ثم المراد بربيعة هنا طائفته أي : بنوه .

و في ( الطبري ) و غيره : ذكر بعضهم أنّ نزار بن معد بن عدنان لمّا حضرته الوفاة قسّم ماله بين بنيه مضر و ربيعة و أياد و أنمار ، فقال : هذه القبة و كانت من آدم حمراء و ما أشبهها من مالي لمضر فسمّي مضر الحمراء

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ٤ : ١٣٤٦ مادة ( حلف ) .

( ٢ ) ديوان زهير بن أبى سلمان : ٦١ .

( ٣ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٣ : ٣٦٩ .

( ٤ ) جاء في النسخة المصرية : شرح محمّد عبده ( نقل عن خط هشام بن الكلبي ) انظر : ٦٤٩ .

( ٥ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد أورده كالنسخة المصرية انظر ١٨ : ٦٦ .

( ٦ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم أورده كالنسخة المصرية انظر ٥ : ٢٣١ .

( ٧ ) ورد في النسخة الخطية ( المرعشي ) ( بين اليمن و ربيعة ) انظر : ٣٠٣ .

٤١٨

و هذا الخباء الأسود و ما أشبهه من مالي و كان خلّف خيلا دهما لربيعة فسمّي ربيعة الفرس ، و هذه الخادم و كانت شمطاء و ما أشبهها من مالي لأياد ، و هذه البدرة و المجلس لأنمار ، فإن اختلفتم في شي‏ء فعليكم بالأفعى الجرهمي ، فاختلفوا في القسمة فتوجّهوا إلى الأفعى ، فبينا هم يسيرون في مسيرهم إذ رأى مضر كلأ و قد رعي ، فقال : إنّ البعير الذي رعاه لأعور ، و قال ربيعة هو أزور ، و قال أياد هو أبتر ، و قال أنمار هو شرود فلم يسيروا إلاّ قليلا حتى لقيهم رجل فسألهم عن بعير ، فقال مضر : هو أعور ؟ قال نعم ، قال ربيعة :

هو أزور ؟ قال نعم ، قال أياد : هو أبتر ؟ قال نعم ، قال أنمار : هو شرود ؟ قال نعم ، هذه صفة بعيري دلّوني عليه ، فحلفوا ما رأوه فلزمهم و قال : كيف اصدّقكم و أنتم تصفون بعيري بصفته ؟

فساروا جميعا حتى قدموا نجران فنزلوا بالأفعى الجرهمي ، فنادى صاحب البعير : هؤلاء أصحاب بعيري وصفوا لي صفته ثم قالوا : لم نره فقال الجرهمي كيف وصفتموه و لم تروه ؟ قال مضر : رأيته يرعى جانبا و يدع جانبا فعرفت أنّه أعور ، و قال ربيعة : رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر و الاخرى فاسدة فعرفت أنّه أفسده بشدّة وطئه لازوراره ، و قال أياد : عرفت أنّه أبتر باجتماع بعره و لو كان أذنب لمصع به ، و قال أنمار : عرفت أنّه شرود لأنّه يرعى المكان الملتف نبته ثم يجوزه إلى مكان آخر أرقّ منه نبتا و أخبث فقال الجرهمي : ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه ، ثم سألهم من هم فأخبروه ، فرحّب بهم و قال : أ تحتاجون إليّ و أنتم كما أرى فدعا لهم بطعام فأكلوا و أكل و شربوا و شرب ، فقال مضر : لم أر كاليوم خمرا لو لا أنّها نبتت على قبر ، و قال ربيعة : لم أر كاليوم لحما لو لا أنّه ربّي بلبن كلب ، و قال أياد : لم أر كاليوم رجلا لو لا أنّه لغير أبيه الذي يدعى إليه ، و قال أنمار : لم أر كاليوم شهدا لو لا كون

٤١٩

نحله في هامة جبار .

و سمع الجرهمي الكلام فتعجب و أتى امّه فسألها فأخبرته أنّها كانت تحت ملك لا يولد له فكرهت أن يذهب الملك فأمكنت رجلا كان نزل بها من نفسها فحملت به ، و سأل القهرمان عن الخمر فقال : من حبلة غرستها على قبر أبيك ، و سأل الراعي عن اللحم فقال : شاة أرضعتها بلبن كلبة و لم يكن ولد في الغنم و ماتت امها ، و سأل عن الشهد فقيل : هجموا على عظام نخرة فإذا النحل قد عسلت في جمجمة منها لم ير عسل مثله ، فقال الأفعى : إن هؤلاء إلاّ شياطين .

ثم أحضرهم فقصّوا عليه قصّتهم فقضى بالقبّة الحمراء و الدنانير و الإبل و هي حمر لمضر ، و قضى بالخباء الأسود و الخيل الأدهم لربيعة ، و قضى بالخادم و كانت شمطاء و الماشية البلق لأياد ، و قضى بالأرض و الدراهم لأنمار .

و المراد من اليمن أيضا أهلها ، و هم من قحطان و ربيعة من عدنان ، و كان من اليمن حمير بن سبأ و كهلان بن سبأ و عمرو بن سبأ و الأشعر بن سبأ و أنمار بن سبأ و عاملة بن سبأ و مرّ بن سبأ .

و كانت ربيعة و اليمن متحالفتين من الجاهلية ، و لمّا أراد الكرماني و هو من اليمانية الخروج على نصر بن سيّار عامل مروان بن محمد آخر الأموية و هو من المضرية و أراد معاضدة ربيعة له في ذلك ، كتب إلى عمر بن إبراهيم و هو من ولد أبرهة آخر ملوك حمير فبعث إليه بنسخة حلفهما في الجاهلية(١) .

و قال أبو حنيفة الدينوري في ( أخباره الطوال ) : جمع الكرماني إليه

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٢ : ٢٥ .

٤٢٠