بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247484 / تحميل: 8639
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وهذه الآيات ـ التي نبحثها ـ في الحقيقة تقف على نماذج للأمم السابقة ممّن شاهدوا أنواع المعاجز والأعمال غير العادية ، إلّا أنّهم استمروا في الإنكار وعدم الإيمان.

في البدء يقول تعالى :( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ ) . سنشير في نهاية هذا البحث إلى هذه الآيات التسع وماهيتها.

ولأجل التأكيد على الموضوع اسأل ـ والخطاب موّجه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بني إسرائيل (اليهود) أمام قومك المعارضين والمنكرين :( فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ ) .

إلّا أنّ الطاغية الجبار فرعون ـ برغم الآيات ـ لم يستسلم للحق ، بل أكثر من ذلك اتّهم موسى( فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً ) .

وفي بيان معنى «مسحور» ذكر المفسّرون تفسيرين ، فالبعض قالوا : إنّها تعني الساحر بشهادة آيات قرآنية أخرى ، تقول بأنّ فرعون وقومه اتّهموا موسى بالساحر ، ومثل هذا الاستخدام وارد وله نظائر في اللغة العربية ، حيث يكون اسم المفعول بمعنى الفاعل ، كما في (مشؤوم) التي يمكن أن تأتي بمعنى «شائم» و (ميمون) بمعنى «يامن».

ولكن قسم آخر من المفسّرين أبقى كلمة «مسحور» بمعناها المفعولي والتي تعني الشخص الذي أثّر فيه الساحر ، كما يستفاد من الآية (39) من سورة الذاريات التي نسبت السحر إليه ، والجنون أيضا ،( فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) .

على أي حال ، فإنّ التعبير القرآني يكشف عن الأسلوب الدعائي التحريضي الذي يستخدمه المستكبرون ويتهمون فيه الرجال الإلهيين بسبب حركتهم الإصلاحية الربانية ضدّ الفساد والظلم ، إذ يصف الظالمون والطغاة معجزاتهم بالسحر أو ينعتونهم بالجنون كي يؤثروا من هذا الطريق في قلوب الناس

١٦١

ويفرّقوهم عن الأنبياء.

ولكن موسىعليه‌السلام لم يسكت أمام اتّهام فرعون له ، بل أجابه بلغة قاطعة يعرف فرعون مغزاها الدقيق ، إذ قال له :( قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ ) .

لذا فإنّك ـ يا فرعون ـ تعلم بوضوح أنّك تتنكر للحقائق ، برغم علمك بأنّها من الله! فهذه «بصائر» أي أدلة واضحة للناس كي يتعرفوا بواسطتها على طريق الحق. وعند ما سيسلكون طريق السعادة. وبما أنّك ـ يا فرعون ـ تعرف الحق وتنكره ، لذا :( وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً ) .

(مثبور) من (ثبور) وتعني الهلاك.

ولأنّ فرعون لم يستطع أن يقف بوجه استدلالات موسى القوية ، فإنّه سلك طريقا يسلكه جميع الطواغيت عديمي المنطق في جميع القرون وكافة الأعصار ، وذاك قوله تعالى:( فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً ) .

«يستفز» من «استفزاز» وتعني الإخراج بقوة وعنف.

ومن بعد هذا النصر العظيم :( وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ) . فتأتون مجموعات يوم القيامة للحساب.

«لفيف» من مادة «لفّ» وهنا تعني المجموعة المتداخلة المعقّدة بحيث لا يعرف الأشخاص ، ولا من أي قبيلة هم!

* * *

بحوث

1 ـ المقصود من الآيات التسع

لقد ذكر القرآن الكريم آيات ومعجزات كثيرة لموسىعليه‌السلام منها ما يلي :

1 ـ تحوّل العصا إلى ثعبان عظيم يلقف أدوات الساحرين ، كما في الآية

١٦٢

(20) من سورة طه :( فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى ) .

2 ـ اليد البيضاء لموسىعليه‌السلام والتي تشع نورا :( وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى ) (1) .

3 ـ الطوفان :( فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ ) (2) .

4 ـ الجراد الذي أباد زراعتهم وأشجارهم( وَالْجَرادَ ) (3) .

5 ـ والقمل الذي هو نوع من الأمراض والآفات التي تصيب النبات : و( الْقُمَّلَ ) (4) .

6 ـ (الضفادع) التي جاءت من النيل وتكاثرت وأصبحت وبالا على حياتهم:( وَالضَّفادِعَ ) (5) .

7 ـ الدم ، أو الابتلاء العام بالرعاف ، أو تبدّل نهر النيل إلى لون الدم ، بحيث أصبح ماؤه غير صالح لا للشرب ولا للزراعة :( وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ ) (6) .

8 ـ فتح طريق في البحر بحيث استطاع بنو إسرائيل العبور منه :( وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ ) (7) .

9 ـ نزول ال (منّ) و (السلوى) من السماء ، وقد شرحنا ذلك في نهاية الآية (57) من سورة البقرة( وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى ) (8) .

10 ـ انفجار العيون من الأحجار :( فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً ) (9) .

11 ـ انفصال جزء من الجبل ليظلّلهم :( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ

__________________

(1) طه ، 22.

(2) و (3) و (4) و (5) و (6) ـ الأعراف ، 133.

(7) البقرة ، 50.

(8) البقرة ، 57.

(9) البقرة ، 60.

١٦٣

ظُلَّةٌ ) (1) .

12 ـ الجفاف ونقص الثمرات :( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ ) (2) .

13 ـ عودة الحياة إلى المقتول والذي أصبح قتله سببا للاختلاف بين بني إسرائيل:( فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى ) (3) .

14 ـ الاستفادة من ظل الغمام في الاحتماء من حرارة الصحراء بشكل إعجازي :( وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ ) (4) .

ولكن الكلام هنا هو : ما هو المقصود من (الآيات التسع) المذكورة في الآيات التي نبحثها؟

يظهر من خلال التعابير المستخدمة في هذه الآيات أنّ المقصود هو المعاجز المرتبطة بفرعون وأصحابه ، وليست تلك المتعلقة ببني إسرائيل من قبيل نزول المنّ والسلوى وتفجّر العيون من الصخور وأمثال ذلك.

لذا يمكن القول أنّ الآية (133) من سورة الأعراف تتعرض إلى خمسة مواضيع من الآيات التسع وهي : (الطوفان ، القمّل ، الجراد ، الضفادع ، والدم).

كذلك اليد البيضاء والعصا تدخل في الآيات التسع ، يؤيد ذلك ورود تعبير (الآيات التسع) في الآيات (10 ـ 12) من سورة النمل بعد ذكر هاتين المعجزتين الكبيرتين.

وبذلك يصبح مجموع هذه المعاجز ـ الآيات ـ سبعا ، فما هي الآيتان الأخيرتان؟

بلا شك إنّنا لا نستطيع اعتبار غرق فرعون وقومه في عداد الآيات التسع ،

__________________

(1) الأعراف ، 171.

(2) الأعراف ، 130.

(3) البقرة ، 73.

(4) البقرة ، 57.

١٦٤

لأنّ الهدف من الآيات أن تكون دافعا لهدايتهم وسببا لقبولهم بنبوة موسىعليه‌السلام ، لا أن تقوم بهلاك فرعون وقومه.

عند التدقيق في آيات سورة الأعراف التي جاء فيها ذكر العديد من هذه الآيات يظهر أنّ الآيتين الأخريتين هما : (الجفاف) و (نقص الثمرات) حيث أننا نقرأ بعد معجزة العصا واليد البيضاء وقبل تبيان الآيات الخمس (الجراد ، والقمل ...) قوله تعالى :( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) .

وبالرغم من أنّ البعض يتصوّر أنّ الجفاف لا يمكن فصله عن نقص الثمرات وبذا تعتبر الآيتان آية واحدة ، إلّا أنّ الجفاف المؤقت والمحدود ـ كما قلنا في تفسير الآية (130) من سورة الأعراف ـ لا يؤثّر تأثيرا كبيرا في الأشجار ، أمّا عند ما يكون جفافا طويلا فإنّه سيؤدي إلى إبادة الأشجار ، لذا فإنّ الجفاف لوحده لا يؤدي دائما إلى نقص الثمرات.

إضافة إلى ما سبق يمكن أن يكون السبب في نقص الثمرات هو الأمراض والآفات وليس الجفاف.

والنتيجة أنّ الآيات التسع التي وردت الإشارة إليها في الآيات التي نبحثها هي:العصا، اليد البيضاء ، الطوفان ، الجراد ، القمل ، الضفادع ، الدم ، الجفاف ، ونقص الثمرات.

ومن نفس سورة الأعراف نعرف أنّ هؤلاء ـ برغم الآيات التسع هذه ـ لم يؤمنوا ، لذلك انتقمنا منهم وأغرقناهم في اليم بسبب تكذيبهم(1) .

هناك روايات عديدة وردت في مصادرنا حول تفسير هذه الآية ، ولاختلافها فيما بينها لا يمكن الاعتماد عليها في إصدار الحكم.

__________________

(1) الأعراف ، 136.

١٦٥

2 ـ هل أنّ السائل هو الرّسول نفسه؟

ظاهر الآيات أعلاه يدل على أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد أمر بسؤال بني إسرائيل حول الآيات التسع التي نزلت على موسى ، وكيف أنّ فرعون وقومه صدّوا عن حقانية موسىعليه‌السلام بمختلف الذرائع رغم الآيات.

ولكن بما أنّ لدى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العلم والعقل بحيث أنّه لا يحتاج إلى السؤال ، لذا فإنّ بعض المفسّرين ذهب الى أن المأمور بالسؤال هم المخاطبون الآخرون.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ سؤال الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكن لنفسه ، بل للمشركين ، لذلك فما المانع من أن يكون شخص الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي يسأل حتى يعلم المشركون أنّه عند ما لم يوافق على اقتراحاتهم ، فذلك لأنّها اقتراحات باطلة قائمة على التعصّب والعناد ، كما قرأنا في قصّة موسى وفرعون ونظير ذلك.

3 ـ ما المراد ب (الأرض) المذكورة في الآيات؟

قرأنا في الآيات أعلاه أنّ الله أمر بني إسرائيل بعد أن انتصروا على فرعون وجنوده أن يسكنوا الأرض ، فهل الغرض من الأرض هي مصر (نفس الكلمة وردت في الآية السابقة والتي بيّنت أنّ فرعون أراد أن يخرجهم من تلك الأرض.

وبنفس المعنى أشارت آيات أخرى إلى أنّ بني إسرائيل ورثوا فرعون وقومه) أو أنّها إشارة إلى الأرض المقدّسة فلسطين ، لأنّ بني إسرائيل بعد هذه الحادثة اتجهوا نحو أرض فلسطين وأمروا أن يدخلوها.

بالنسبة لنا فإنّنا لا نستبعد أيّا من الاحتمالين ، لأنّ بني إسرائيل ـ بشهادة الآيات القرآنية ـ ورثوا أراضي فرعون وقومه ، وامتلكوا أرض فلسطين أيضا.

١٦٦

4 ـ هل تعني كلمة (وعد الآخرة) يوم البعث والآخرة؟

ظاهرا إنّ الإجابة بالإيجاب ، حيث أنّ جملة( جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ) قرينة على هذا الموضوع ، ومؤيّدة لهذا الرأي. إلّا أنّ بعض المفسّرين احتملوا أنّ (وعد الآخرة) إشارة إلى ما أشرنا إليه في بداية هذه السورة ، من أنّ الله تبارك وتعالى قد توعّد بني إسرائيل بالنصر والهزيمة مرّتين ، وقد سمى الأولى بـ «وعد الأولى» والثّانية بـ «وعد الآخرة» ، إلّا أنّ هذا الاحتمال ضعيف مع وجود قوله تعالى :( جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ) (فدقق في ذلك).

* * *

١٦٧

الآيات

( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) )

التّفسير

عشاق الحق

مرّة أخرى يشير القرآن العظيم إلى أهمية وعظمة هذا الكتاب السماوي ويجيب على بعض ذرائع المعارضين.

في البداية تقول الآيات :( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ ) ، ثمّ تضيف بلا أدنى فاصلة( وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ) .

ثمّ تقول :( وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً ) إذ ليس لك الحق في تغيير محتوى القرآن.

١٦٨

لقد ذكر المفسّرون آراء مختلفة في الفرق بين الجملة الأولى :( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ ) والجملة الثّانية :( وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ) منها :

1 ـ المراد من الجملة الأولى : إنّنا قدّرنا أن ينزل القرآن بالحق. بينما تضيف الجملة الثّانية أنّ هذا الأمر أو التقدير قد تحقق ، لذا فإنّ التعبير الأوّل يشير إلى التقدير ، بينما يشير الثّاني إلى مرحلة الفعل والتحقق(1) .

2 ـ الجملة الأولى تشير إلى أنّ مادة القرآن ومحتواه هو الحق ، أمّا التعبير الثّاني فانّه يبيّن أن نتيجته وثمرته هي الحق أيضا(2) .

3 ـ الرأي الثّالث يرى أنّ الجملة الأولى تقول : إنّنا نزّلنا هذا القرآن بالحق بينما الثّانية تقول : إنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتدخل في الحق ولم يتصرف به ، لذا فقد نزل الحقّ.

وثمّة احتمال آخر قد يكون أوضح من هذه التّفاسير ، وهو أنّ الإنسان قد يبدأ في بعض الأحيان بعمل ما ، ولكنّه لا يستطيع إتمامه بشكل صحيح وذلك بسبب من ضعفه ، أمّا بالنسبة للشخص الذي يعلم بكل شيء ويقدر على كل شيء ، فإنّه يبدأ بداية صحيحة ، وينهي العمل نهاية صحيحة. وكمثال على ذلك الشخص الذي يخرج ماء صافيا من أحد العيون ، ولكن خلال مسير هذا الماء لا يستطيع ذلك الشخص أن يحافظ على صفاء هذا الماء ونظافته أو يمنعه من التلوث ، فيصل الماء في هذه الحالة إلى الآخرين وهو ملوّث. إلّا أنّ الشخص القادر والمحيط بالأمور ، يحافظ على بقاء الماء صافيا وبعيدا عن عوامل التلوث حتى يصل إلى العطاشى والمحتاجين له.

القرآن كتاب نزل بالحق من قبل الخالق ، وهو محفوظ في جميع مراحله سواء في المرحلة التي كان الوسيط فيها جبرائيل الأمين ، أو المرحلة التي كان

__________________

(1) يراجع تفسير القرطبي ، ج 6 ، ص 3955.

(2) في ظلال القرآن ، أننا تفسير الآية.

١٦٩

الرّسول فيها هو المتلقي ، وبمرور الزمن له تستطيع يد التحريف والتزوير أن تمتد إليه بمقتضى قوله تعالى :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) فالله هو الذي يتكفل حمايته وحراسته.

لذا فإنّ هذا الماء النقي الصافي الوحي الإلهي القويم لم تناله يد التحريف والتبديل منذ عصر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحتى نهاية العالم.

الآية التي تليها ترد على واحدة من ذرائع المعارضين وحججهم ، إذ كانوا يقولون: لماذا لم ينزل القرآن دفعة واحدة على الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولماذا كان نزوله تدريجيا؟ كما تشير إلى ذلك الآية (32) من سورة الفرقان التي تقول :( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ، كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً ) فيقول الله في جواب هؤلاء:( وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ ) (1) حتى يدخل القلوب والأفكار ويترجم عمليا بشكل كامل.

ومن أجل التأكيد أكثر تبيّن الآية ـ بشكل قاطع ـ أنّ جميع هذا القرآن أنزلناه نحن:( وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً ) .

إنّ القرآن كتاب السماء إلى الأرض ، وهو أساس الإسلام ودليل لجميع البشر ، والقاعدة المتينة لجميع الشرائع القانونية والاجتماعية والسياسية والعبادية لدنيا المسلمين ، لذلك فإنّ شبهة هؤلاء في عدم نزوله دفعة واحدة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجاب عليها من خلال النقاط الآتية :

أوّلا : بالرغم من أنّ القرآن هو كتاب ، إلّا أنّه ليس ككتب الإنسان المؤلّفة حيث يجلس المؤلّف ويفكّر ويكتب موضوعا ، ثمّ ينظّم فصول الكتاب وأبوابه لينتهي من تحرير الكتاب ، بل القرآن له ارتباط دقيق بعصره ، أي ارتباط ب (23) سنة ، هي عصر نبوة نبي الإسلام بكل ما كانت تتمخض به من حوادث وقضايا.

__________________

(1) مجيء كلمة (قرآن) منصوبة في الآية أعلاه يفسّره المفسّرين بأنّه مفعول لفعل مقدّر تقديره (فرقناه) ، وبذلك تصبح الجملة هكذا : (وفرقناه قرآنا).

١٧٠

لذا كيف يمكن لكتاب يتحدث عن حوادث (23) سنة متزامنا لها أن ينزل في يوم واحد؟

هل يمكن جمع حوادث (23) سنة نفسها في يوم واحد ، حتى ينزل القرآن في يوم واحد؟

إنّ في القرآن آيات تتعلق بالغزوات الإسلامية ، وآيات تختص بالمنافقين ، وأخرى ترتبط بالوفود التي كانت تفد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فهل يمكن أن يكتب مجموع كل ذلك منذ اليوم الأوّل؟

ثانيا : ليس القرآن كتابا ذا طابع تعليمي وحسب ، بل ينبغي لكل آية فيه أن تنفّذ بعد نزولها ، فإذا كان القرآن قد نزل مرّة واحدة ، فينبغي أن يتمّ العمل به مرّة واحدة أيضا ، ونعلم بأنّ هذا محال ، لأنّ إصلاح مجتمع مليء بالفساد لا يتمّ في يوم واحد ، إذ لا يمكن إرسال الطفل الأمي دفعة واحدة من الصف الأوّل إلى الصفوف المتقدمة في الجامعة في يوم واحد. لهذا السبب نزل القرآن نجوما ـ أي بشكل تدريجي ـ كي ينفذ بشكل جيّد ويستوعبه الجميع وكي يكون للمجتمع قابلية قبوله واستيعابه وتمثله عمليا.

ثالثا : بدون شك ، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقائد هذه النهضة العظيمة سيكون ذا قدرات وإمكانيات أكبر عند ما يقوم بتطبيق القرآن جزءا جزءا ، بدلا من تنفيذه دفعة واحدة. صحيح أنّه مرسل من الخالق وذو عقل واستعداد كبيرين ليس لهما مثيل ، إلّا أنّه برغم ذلك فإنّ تقبّل الناس للقرآن وتنفيذ تعاليمه بصورة تدريجية سيكون أكمل وأفضل ممّا لو نزل دفعة واحدة.

رابعا : النّزول التدريجي يعني الارتباط الدائمي للرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع مصدر الوحي ، إلّا أنّ النّزول الدفعي يتمّ بمرحلة واحدة لا يتسنى للرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الارتباط بمصدر الوحي لأكثر من مرّة واحدة.

آخر الآية (32) من سورة الفرقان تقول :( كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ

١٧١

تَرْتِيلاً ) وهي إشارة إلى السبب الثّالث ، بينما الآية التي نبحثها تشير إلى السبب الثّاني من مجموع الأسباب الأربعة التي أوردناها. ولكن الحصيلة أنّ مجموع هذه العوامل تكشف بشكل حي وواضح أسباب وثمار النّزول التدريجي للقرآن.

الآية التي تليها استهدفت غرور المعارضين الجهلة حيث تقول :( قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) .

* * *

ملاحظات

في هذه الآية ينبغي الالتفات إلى الملاحظات الآتية :

أوّلا : يعتقد المفسّرون أنّ جملة( آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا ) يتبعها جملة محذوفة قدّروها بأوجه متعدّدة ، إذ قال بعضهم : إن المعنى هو : سواء آمنتم أم لم تؤمنوا فلا يضر ذلك بإعجاز القرآن ونسبته إلى الخالق.

بينما قال البعض : إنّ التقدير يكون : سواء آمنتم به أو لم تؤمنوا فإنّ نفع ذلك وضرره سيقع عليكم.

لكن يحتمل أن تكون الجملة التي بعدها مكمّلة لها ، وهي كناية عن أنّ عدم الإيمان هو سبب عدم العلم والمعرفة ، فلو كنتم تعلمون لآمنتم به. وبعبارة أخرى : يكون المعنى : إذا لم تؤمنوا به فإنّ الأفراد الواعين وذوي العلم يؤمنون به.

ثانيا : إنّ المقصود من( الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ ) هم مجموعة من علماء اليهود والنصارى من الذين آمنوا بعد أن سمعوا آيات القرآن ، وشاهدوا العلائم التي قرءوها في التوراة والإنجيل ، والتحقوا بصف المؤمنين الحقيقيين ، وأصبحوا من علماء الإسلام.

وفي آيات أخرى من القرآن تمت الإشارة إلى هذا الموضوع ، كما في قوله

١٧٢

تعالى في الآية (113) من سورة آل عمران :( لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ) .

ثالثا : «يخرّون» بمعنى يسقطون على الأرض بدون إرادتهم ، واستخدام هذه الكلمة بدلا من السجود ينطوي على إشارة لطيفة ، هي أنّ الواعين وذوي القلوب اليقظة عند ما يسمعون آيات القرآن وكلام الخالقعزوجل ينجذبون إليه ويولهون به الى درجة أنّهم يسقطون على الأرض ويسجدون خشية بدون وعي واختيار(1) .

رابعا : (أذقان) جمع (ذقن) ومن المعلوم أن ذقن الإنسان عند السجود لا يلمس الأرض ، إلّا أن تعبير الآية إشارة إلى أنّ هؤلاء يضعون كامل وجههم على الأرض قبال خالقهم حتى أنّ ذقنهم قد يلمس الأرض عند السجود.

بعض المفسّرين احتمل أنّ الإنسان عند سجوده يضع أوّلا جبهته على الأرض ، ولكن الشخص المدهوش عند ما يسقط على الأرض يضع ذقنه أولا ، فيكون استخدام هذا التعبير في الآية تأكيدا لمعنى (يخرون)(2) .

الاية التي بعدها توضح قولهم عند ما يسجدون :( وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً ) (3) . هؤلاء يعبرون بهذا الكلام عن عمق إيمانهم واعتقادهم بالله وبصفاته وبوعده. فهذا الكلام يشمل الإيمان بالتوحيد والصفات الحقة والإيمان بنبوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالمعاد. والكلام على هذا الأساس يجمع أصول الدين في جملة واحدة.

وللتأكيد ـ أكثر ـ على تأثّر هؤلاء بآيات ربّهم ، وعلى سجدة الحب التي

__________________

(1) يقول الراغب في (المفردات) : «يخرون» من مادة «خرير» ويقال لصوت الماء والريح وغير ذلك ممّا يسقط من علّو. وقوله تعالى :( خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) تنبيه على اجتماع أمرين : السقوط وحصول الصوت منهم بالتسبيح ، والتنبيه أنّ ذلك الخرير كان صوت تسبيحهم بحمد الله لا بشيء آخر. ودليله قوله تعالى فيما بعد:( وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) .

(2) تفسير المعاني ، ج 15 ، ص 175.

(3) (إنّ) في قوله :( إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا ) غير شرطية ، بل هي تأكيدية ، وهي مخففة من الثقيلة.

١٧٣

يسجدونها تقول الآية التي بعدها :( وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) .

إنّ تكرار جملة( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ ) دليل على التأكيد ، وعلى الاستمرار أيضا.

الفعل المضارع (يبكون) دليل على استمرار البكاء بسبب حبّهم وعشقهم لخالقهم.

واستخدام الفعل المضارع في جملة( يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) دليل على أنّهم لا يتوقفون أبدا على حالة واحدة ، بل يتوجهون باستمرار نحو ذروة التكامل ، وخشوعهم دائما في زيادة (الخشوع هو حالة من التواضع والأدب الجسدي والروحي للإنسان في مقابل شخصية معينة أو حقيقة معينة).

* * *

بحثان :

1 ـ التخطيط للتربية والتعلم

من الدروس المهمّة التي نستفيدها من الآيات أعلاه ، هو ضرورة التخطيط لأي ثورة أو نهضة ثقافية أو فكرية أو اجتماعية أو تربوية ، فإذا لم يتمّ تنظيم مثل هذا البرنامج فالفشل سيكون النتيجة الحتمية لمثل هذه الجهود. إنّ القرآن الكريم لم ينزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة واحدة بالرغم من أنّه كان موجودا في مخزون علم الله كاملا ، وقد تمّ عرضه في ليلة القدر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفعة واحدة ، إلّا أنّ النّزول التدريجي استمرّ طوال (23) سنة ، وضمن مراحل زمنية مختلفة وفي إطار برنامج عملي دقيق.

وعند ما يقوم الخالق جلّ وعلا بهذا العمل بالرغم من عمله وقدرته المطلقة وغير المتناهية عند ذلك سيتّضح دورنا وتكليفنا نحن إزاء هذا المبدأ. وعادة ما يكون هذا قانونا وتكليفا إلهيا ، حيث أنّ وجوده العيني لا يختص بعالم التشريع

١٧٤

وحسب ، بل في عالم التكوين أيضا. إنّه من غير المتوقع أن تنصلح أمور مجتمع في مرحلة البناء خلال ليلة واحدة لأنّ البناء الحضاري الفكري والثقافي والاقتصادي والسياسي يحتاج إلى المزيد من الوقت.

وهذا الكلام يعني أنّنا إذا لم نصل إلى النتيجة المطلوبة في وقت قصير فعلينا أن لا نيأس ونترك بذل الجهد أو المثابرة. وينبغي أن نلتفت إلى أنّ الانتصارات النهائية والكاملة تكون عادة لأصحاب النفس الطويل.

2 ـ علاقة العلم بالإيمان

الموضوع الآخر الذي يمكن أن نستفيده من الآيات أعلاه هو علاقة العلم بالإيمان، إذ تقول الآيات : إنّكم سواء آمنتم بالله أو لم تؤمنوا فإنّ العلماء سيؤمنون بالله إلى درجة أنّهم يعشقون الخالق ويسقطون أرضا ساجدين من شدّة الوله والحبّ ، وتجري الدّموع من أعينهم، وإنّ هذا الخشوع والتأدّب يتصف بالاستمرار في كل عصر وزمان.

إنّ الجهلة ـ فقط ـ هم الذين لا يعيرون أهمية للحقائق ويواجهونها بالاستهزاء والسخرية ، وإذا أثّر فيهم الإيمان في بعض الأحيان فإنّه سيكون تأثيرا ضعيفا خاليا من الحبّ والحرارة.

إضافة إلى ذلك ، فإنّ في الآية ما يؤكّد خطأ وخطل النظرية التي تربط بين الدين والجهل أو الخوف من المجهول. أمّا القرآن فإنّه يؤكّد على عكس ذلك تماما ، إذ يقول في مواقع متعدّدة : إنّ العلم والإيمان توأمان ، إذ لا يمكن أن يكون هناك إيمان عميق ثابت من دون علم ، والعلم في مراحلة المتقدمة يحتاج إلى الإيمان. (فدقق في ذلك).

* * *

١٧٥

الآيتان

( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111) )

سبب النّزول

وردت آراء متعدّدة في سبب نزول هاتين الآيتين منها ما نقله صاحب مجمع البيان عن ابن عباس الذي قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساجدا ذات ليلة بمكّة يدعو : يا رحمن يا رحيم ، فقال المشركون متهمين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه يدعونا إلى إله واحد ، بينما يدعو هو مثنى مثنى. يقصدون بذلك قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رحمن يا رحيم. فنزلت الآية الكريمة أعلاه(1) .

__________________

(1) يراجع مجمع البيان أثناء تفسير الآية.

١٧٦

التّفسير

آخر الذرائع والأغذار

بعد سلسلة من الذرائع التي تشبث بها المشركون امام دعوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نصل مع الآيات التي بين أيدينا إلى آخر ذريعة لهم ، وهي قولهم : لماذا يذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخالق بأسماء متعدّدة بالرغم من أنّه يدّعي التوحيد. القرآن ردّ على هؤلاء بقوله :( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ) . إنّ هؤلاء عميان البصيرة والقلب ، غافلون عن أحداث ووقائع حياتهم اليومية حيث كانوا يذكرون أسماء مختلفة لشخص واحد أو لمكان واحد ، وكل اسم من هذه الأسماء كان يعرّف بشطر أو بصفة من صفات ذلك الشخص أو المكان.

بعد ذلك ، هل من العجيب أن تكون للخالق أسماء متعدّدة تتناسب مع أفعاله وكمالاته وهو المطلق في وجوده وفي صفاته والمنبع لكل صفات الكمال وجميع النعم ، وهو وحدهعزوجل الذي يدير دفة هذا العالم والوجود؟

أساسا ، فانّ الله تعالى لا يمكن معرفته ومناجاته باسم واحد إذ ينبغي أن تكون أسماؤه مثل صفاته غير محدودة حتى تعبّر عن ذاته ، ولكن لمحدودية ألفاظنا ـ كما هي أشياؤنا الأخرى أيضا ـ لا نستطيع سوى ذكر أسماء محدودة له ، وإنّ معرفتنا مهما بلغت فهي محدودة أيضا ، حتى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو من هو في منزلته وروحه وعلو شأنه ، نراه يقول : «ما عرفناك حق معرفتك».

إنّ الله تعالى في قضية معرفتنا إيّاه لم يتركنا في أفق عقولنا ودرايتنا الخاصّة ، بل ساعدنا كثيرا في معرفة ذاته ، وذكر نفسه بأسماء متعدّدة في كتابه العظيم ، ومن خلال كلمات أوليائه تصل أسماؤه ـ تقدس وتعالى ـ إلى ألف اسم.

وطبيعي أنّ كل هذه أسماء الله ، وأحد معاني الأسماء العلّامة ، لذا فإنّ هذه علامات على ذاته الطاهرة ، وجميع هذه الخطوط والعلامات تنتهي إلى نقطة

١٧٧

واحدة ، وهي لا تقلّل من شأن توحيد الذات والصفات.

وهناك قسم من هذه الأسماء ذو أهمية وعظمة أكثر ، حيث تعطينا معرفة ووعيا أعظم، تسمى في القرآن الكريم وفي الرّوايات الإسلامية ، بالأسماء الحسنى ، وهناك رواية معروفة عن رسول الهدىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما مضمونها : «إن الله تسعا وتسعين اسما ، من أحصاها دخل الجنّة».

وهناك شرح مفصل للأسماء الحسنى ، والأسماء التسعة والتسعين بالذات ، أوردناه في نهاية الحديث عن الآية (180) من سورة الأعراف ، في قوله تعالى :( وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ) .

لكن علينا أن نفهم أنّ الغرض من عد الأسماء الحسنى ليس ذكرها على اللسان وحسب ، حتى يصبح الإنسان من أهل الجنّة ومستجاب الدعوة ، بل إنّ الهدف هو التخلّق بهذه الأسماء وتطبيق شذرات من هذه الأسماء ، مثل (العالم ، والرحمن ، والرحيم ، والجواد،والكريم) في وجودنا حتى نصبح من أهل الجنّة ومستجابي الدعوة.

وهناك كلام ينقله الشيخ الصدوقرحمه‌الله في كتاب التوحيد عن هشام بن الحكم جاء فيه :

يقول هشام بن الحكم : سألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن أسماء الله عزّ ذكره واشتقاقها فقلت : الله ممّا هو مشتق؟

قالعليه‌السلام : «يا هشام ، الله مشتق من إله ، وإله يقتضي مألوها ، والاسم غير المسمّى ، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد الاثنين ، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد.

أفهمت يا هشام؟».

قال هشام : قلت : زدني.

قالعليه‌السلام : «للهعزوجل تسعة وتسعون اسما ، فلو كان الاسم هو المسمى لكان

١٧٨

كلّ اسم منها هو إلها ، ولكن اللهعزوجل معنى يدلّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره.

يا هشام ، الخبز اسم للمأكول ، والماء اسم للمشروب ، والثوب اسم للملبوس ، والنار اسم للمحرق»(1) .

والآن لنعد إلى الآيات. ففي نهاية الآية التي نبحثها نرى المشركين يتحدّثون عن صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولون : إنّه يؤذينا بصوته المرتفع في صلاته وعبادته ، فما هذه العبادة؟ فجاءت التعليمات لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر قوله تعالى :( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) .

لذلك فإنّ الآية أعلاه لا علاقة لها بالصلوات الجهرية والإخفاتية في اصطلاح الفقهاء، بل إنّ المقصود منها يتعلق بالإفراط والتفريط في الجهر والإخفات ، فهي تقول : لا تقرأ بصوت مرتفع بحيث يشبه الصراخ ، ولا أقل من الحد الطبيعي بحيث تكون حركة شفاه وحسب ولا صوت فيها.

أسباب النّزول الواردة ـ حول الآية ـ التي يرويها الكثير من المفسّرين نقلا عن ابن عباس تؤيّد هذا المعنى.(2)

وهناك آيات عديدة من طرق أهل البيت نقلا عن الإمام الباقر والصادقعليهما‌السلام وتؤيد هذا المعنى وتشير إليه(3) .

لذا فإنا نستبعد التفاسير الأخرى الواردة حول الآية.

أمّا ما هو حد الاعتدال ، وما هو الجهر والإخفات المنهي عنهما؟ الظاهر أنّ الجهر هو بمعنى (الصراخ) ، و (الإخفات) هو من السكون بحيث لا يسمعه حتى فاعله.

وفي تفسير علي بن إبراهيم عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال في تفسير الآية :

__________________

(1) توحيد الصدوق نقلا عن تفسير الميزان أثناء تفسير الآية.

(2) ـ يمكن مراجعة نور الثقلين ، ج 3 ، ص 233 فما بعد.

١٧٩

«الجهر بها رفع الصوت ، والتخافت بها ما لم تسع نفسك ، واقرأ بين ذلك»(1) .

أمّا الإخفات والجهر في الصلوات اليومية ، فهو ـ كما أشرنا لذلك ـ له حكم آخر، أو مفهوم آخر ، أي له أدلة منفصلة ، حيث ذكرها فقهاؤنا رضوان الله عليهم في (كتاب الصلاة) وبحثوا عنها.

* * *

ملاحظة

هذا الحكم الإسلامي في الدعوة إلى الاعتدال بين الجهر والإخفات يعطينا فهما وإدراكا من جهتين :

الأولى : لا تؤدوا العبادات بشكل تكون فيه ذريعة بيد الأعداء ، فيقومون بالاستهزاء والتحجج ضدكم ، إذ الأفضل أن تكون مقرونة بالوقار والهدوء والأدب ، كي تعكس بذلك نموذجا لعظمة الأدب الإسلامي ومنهج العبادة في الإسلام.

فالذين يقومون في أوقات استراحة الناس بإلقاء المحاضرات الدينية بواسطة مكبرات الصوت ، ويعتقدون أنّهم بذلك يوصلون صوتهم إلى الآخرين ، هم على خطأ ، وعملهم هذا لا يعكس أدب الإسلام في العبادات ، وستكون النتيجة عكسية على قضية التبليغ الديني.

الثّانية : يجب أن يكون هذ التوجيه مبدأ لنا في جميع أعمالنا وبرامجنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وتكون جميع هذه الأمور بعيدة عن الإفراط والتفريط ، إذ الأساس هو :( وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) .

أخيرا نصل إلى الآية الأخيرة من سورة الإسراء ، هذه الآية تنهي السورة المباركة بحمد الله ، كما افتتحت بتسبيحه وتنزيه ذاتهعزوجل . إنّ هذه الآية ـ في

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 3 ، ص 234.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

و قال آخر :

لعمرك ما المكروه إلاّ ارتقابه

و أعظم ممّا حلّ ما يتوقع(١)

أيضا :

صعوبة الرزء تلقى في توقعه

مستقبلا و انقضاء الرزء أن يقعا(٢)

و كان يقال « توسط الخوف تأمن »(٣) .

و من الأمثال العامية : أم المقتول تنام و ام المهدّد لا تنام(٤) .

و كان يقال : كلّ أمر من خير أو شر فسماعه أعظم من عيانه(٥) .

١٠ الحكمة ( ١٧٦ ) و قالعليه‌السلام :

آلَةُ اَلرِّيَاسَةِ سَعَةُ اَلصَّدْرِ أقول : في ( الاستيعاب ) قال معاوية لخير بن أوس الطائي : من سيّدكم اليوم ؟ قال : من أعطى سائلنا ، و أغضى عن جاهلنا ، و اغتفر زلتنا(٦) .

و قيل للأحنف بن قيس : ممّن تعلمت الحلم ؟ قال : من قيس بن عاصم المنقري ، رأيته يوما قاعدا بفناء داره محتبيا بحمائل سيفه يحدث قومه ، إذ اتى برجل مكتوف و آخر مقتول فقيل له : هذا ابن أخيك قد قتل ابنك فو اللَّه ما حلّ حبوته و لا قطع كلامه ، فلمّا أتمّه التفت إلى ابن أخيه فقال : يا ابن أخي بئس ما

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٤٠٦ .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) المصدر نفسه .

( ٥ ) المصدر نفسه .

( ٦ ) لم يأت في الاستيعاب على ترجمة خير بن أوس الطائي و لم يذكر في ترجمة معاوية .

٤٤١

فعلت ، أثمت بربّك و قطعت رحمك و قتلت ابن عمك و رميت نفسك بسهمك ، ثم قال لابن له آخر : قم يا بنيّ فوار أخاك و حلّ كتاف ابن عمك و سق إلى امك مائة ناقة دية ابنها فإنّها غريبة .

و قال الحسن أي البصري لمّا حضرت قيس بن عاصم الوفاة دعا بنيه فقال : يا بنيّ احفظوا عنّي فلا أجد أنصح لكم مني ، إذا مت فسوّدوا كباركم و لا تسوّدوا صغاركم فيسفه الناس كباركم و تهونون عليهم ، و عليكم بإصلاح المال فإنّه منبهة للكريم و يستغنى به عن اللئيم ، و إيّاكم و مسألة الناس فإنّه أخزى كسب الرجل .

و قدم في وفد بني تميم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما رأه قال : هذا سيد أهل الوبر(١) .

و في ( كتب العامة ) : قيل سأل عليّعليه‌السلام يوما الحسنعليه‌السلام : يا بنيّ ما السداد ؟ فقال : دفع المنكر بالمعروف قال : فما الشرف ؟ قال : إصطناع العشيرة و الاحتمال للجريرة قال : فما السّماح ؟ قال : البذل في العسر و اليسر قال : فما اللّؤم ؟ قال : إحراز المرء ماله و بذل عرضه قال : فما الجبن ؟ قال : الجرأة على الصديق و النكول عن العدو قال : فما الغنى ؟ قال : رضى النفس بما قسم اللَّه لها و إن قلّ قال : فما الحلم ؟ قال : كظم الغيظ و ملك النفس قال : فما النعمة ؟ قال :

شدّة البأس و منازعة أعزّ الناس قال : فما الذلّ ؟ قال : الفزع عند الصدمة قال :

فما الكلفة ؟ قال : كلامك في ما لا يعنيك قال : فما المجد ؟ قال : أن تعطي في الغرم و تعفو في الجرم قال : فما السّفه ؟ قال : اتّباع الدّناءة و محبة الغواية قال :

فما الغفلة ؟ قال : ترك المسجد و طاعة المفسد قال : فما السّؤدد ؟ قال : إتيان

____________________

( ١ ) مرّ ذكره في الفصل التاسع و الخمسين ( في إبليس ) : ١٧٧ ١٧٨ من هذا الكتاب نقلا عن الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ : ١٢٩٥ ، في ترجمة قيس بن عاصم رقم الترجمة ( ١٢٤٠ ) .

٤٤٢

الجميل و ترك القبيح(١) .

و في ( أخلاق الوزيرين ) قال أبو الأسود : لن تسود حتى تصبر على سرار الشيوخ البخر ، و قال الشاعر :

لا تحسب المجد تمرا أنت آكله

لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا(٢)

و قيل لعدي بن حاتم : من السيّد ؟ قال : الأحمق في ماله ، الذّليل في عرضه المطرح لحقده المعنيّ بأمر جماعته ، فليس يسود المرء إلاّ بعد أن يسهر من أول ليله إلى آخره فكرا في قضاء الحقوق و كفّ السفاه(٣) و ازدراع المحبّة في القلوب و بعث الألسنة على الشكر(٤) .

١١ الحكمة ( ٢١٧ ) و قالعليه‌السلام :

فِي تَقَلُّبِ اَلْأَحْوَالِ عِلْمُ جَوَاهِرِ اَلرِّجَالِ أقول : هو جزء خطبة الوسيلة رواه ( الروضة ) و بعده : و الأيام توضح لك السرائر الكامنة ، و ليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة ، و من عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار و الهيبة(٥) .

و قريب منه كلامهعليه‌السلام الآخر المذكور في الحكمة « ٤٤١ » من الباب « الولايات مضامير الرجال » ، و المراد منه أنّ في بعض الناس غرائز كامنة لا تظهر إلاّ بالحوادث المتجدّدة و الأحوال المختلفة ، لا ما قال ابن أبي الحديد : أنّه

____________________

( ١ ) حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ٢ : ٣٦ .

( ٢ ) أخلاق الوزيرين للتوحيدي : ٩٢ .

( ٣ ) السفاه : السفه و الجهل .

( ٤ ) أخلاق الوزيرين للتوحيدي : ٩٢ .

( ٥ ) روضة الكافي : ٢٣ ح ٤ .

٤٤٣

لا تعلم أخلاق الناس إلاّ بالتجربة ثم ذكر أبياتا :

لا تحمدنّ امرأ حتى تجرّبه

و لا تذمنّه إلاّ بتجريب

و قديما قيل :

ترى الفتيان كالنخل

و ما يدريك ما الدخل

و قال الشاعر يمدح :

ما زال يحلب هذا الدهر أشطره

يكون متّبعا طورا و متّبعا

حتى استمرت على شزر مريرته

مستحكم الرأي لا قحما و لا ضرعا(١)

فإنّه كما ترى لا ربط بكلامهعليه‌السلام و بعيد عن مرامه .

و إنّما يناسب كلامهعليه‌السلام قول أمير العرب قرواش الحجازي :

للَّه در النائبات فإنّها

صدأ اللئام و صيقل الأحرار

ما كنت إلاّ زبرة فطبعنني

سيفا و أطلق صرفهن غراري(٢)

و في ( الأغاني ) : دخل عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب ملاعب الأسنة و إخوته طفيل و معاوية و عبيدة و معهم لبيد و هو غلام على النعمان بن المنذر ، فوجدوا عنده الربيع بن زياد العبسي و كان إذا خلا بالنعمان طعن فيهم فصدّه عنهم فدخلوا عليه يوما فرأوا منه جفاء و كان يكرمهم قبل ذلك ، فخرجوا من عنده غضابا و لبيد في رحالهم يحفظ أمتعتهم و يغدو بإبلهم كلّ صباح فيرعاها فإذا أمسى انصرف بإبلهم ، فأتاهم ذات ليلة فألفاهم يتذاكرون أمر الربيع و ما يلقون منه ، فسألهم فكتموه فقال لهم : و اللَّه لا أحفظ لكم متاعا و لا أرعى لكم بعيرا أو تخبروني و كانت ام لبيد يتيمة من عبس في حجر الربيع فقالوا : خالك غلبنا على الملك و صدّ عنا وجهه فقال لهم : هل تقدرون

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٨ ، في شرح الحكمة ( ٢١٣ ) .

( ٢ ) وفيات الأعيان لابن خلّكان ٥ : ٢٦٤ .

٤٤٤

أن تجمعوا بيني و بينه فأزجره عنكم بقول ممضّ لا يلتفت النعمان إليه أبدا .

قالوا : و هل عندك من ذلك شي‏ء ؟ قال : نعم قالوا : فإنّا نبلوك بشتم هذه البقلة لبقلة قدامهم دقيقة القضبان قليلة الورق لا صقة فروعها بالأرض تدعى التربة فقال : هذه التربة التي لا تذكي نارا و لا تؤهل دارا و لا تسرّ جارا ، عودها ضئيل و فرعها كليل و خيرها قليل ، بلدها شاسع و نبتها خاشع و آكلها جائع و المقيم عليها ضائع ، أقصر البقول فرعا و أخبثها مرعى و أشدها قلعا ، فتعسا لها و جدعا ، القوابي أخا بني عبس ارجعه عنكم بتعس و نكس و أتركه من أمره في لبس .

فقالوا : نصبح و نرى فيك رأينا فقال لهم عامر : ارعوا غلامكم فإن رأيتموه نائما فليس أمره بشي‏ء و إنّما يتكلّم بما جاء على لسانه ، و إذا رأيتموه ساهرا فهو صاحبكم ، فرمقوه بأبصارهم فوجدوه قد ركب رحلا و هو يكدم بأوسطه حتى أصبح ، فقالوا له : أنت و اللَّه صاحبنا فحلقوا رأسه و تركوا له ذؤابتين و ألبسوه حلّة ثم غدوا به معهم على النعمان فوجدوه يتغدّى مع الربيع ، و الدّار مملوة من الوفود ، فلما فرغ من الغداء أذن لهم فدخلوا عليه و ذكروا له حاجتهم فاعترض الربيع في كلامهم فقام لبيد يرتجز و يقول :

يا ربّ هيجا هي خير من دعه

أكلّ يوم هامتي مقزّعه

نحن بنو امّ البنين الأربعة

و من خيار عامر بن صعصعه

المطعمون الجفنة المذعذعه

و الضاربون الهام تحت الخيضعه

يا واهب الخير الكثير من سعه

إليك جاوزنا بلادا مسبعه

مخبرا(١) عن هذا خبيرا(٢) فاسمعه

مهلا أبيت اللّعن لا تأكلّ معه

____________________

( ١ ) نسخة التحقيق يخبر ، بدلا من خبرا .

( ٢ ) نسخة التحقيق خبير ، بدلا من خبيرا .

٤٤٥

إنّ استه من برص ملمّعه

و إنه يدخل فيها إصبعه

يدخلها حتى يواري أشجعه

كأنّما يطلب شيئا أطمعه

فالتفت النعمان إلى الربيع شزرا يرمقه فقال : أكذا أنت ؟ قال : لا و اللَّه لقد كذب عليّ فقال النعمان : افّ لهذا الغلام لقد خبث عليّ طعامي ، فأمر النعمان الربيع بالانصراف إلى أهله ، فقال الربيع : إني قد تخوّفت أن يكون قد وقر في صدرك ما قاله لبيد ، و لست برائم حتى تبعث من يجردني فيعلم من حضرك من الناس أنّي لست كما قال ، فأرسل إليه : إنّك لست صانعا بانتفائك ممّا قال لبيد شيئا و لا قادرا على ما زلّت به الألسن فالحق بأهلك(١) .

١٢ الحكمة ( ٢١٣ ) و قالعليه‌السلام :

أَغْضِ عَلَى اَلْقَذَى وَ اَلْأَلَمِ تَرْضَ أَبَداً أقول : قال الجوهري : الإغضاء إدناء الجفون ، و القذى ما يسقط في الشراب و في العين(٢) ، و قال بشار :

إذا كنت في كلّ الأمور معاتبا

صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

فعش واحدا أو صل أخاك فإنّه

مقارف ذنب مرة و مجانبه

إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى

ظمئت و أي الناس تصفوا مشاربه(٣)

و في ( الأغاني ) قال محمد بن الحجّاج : قلت لبشار : إنّي أنشد قولك :

إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى

ضمئت و أيّ النسا تصفو مشاربه

____________________

( ١ ) الأغاني للأصفهاني ١٧ : ١٨٣ ١٨٦ .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ٦ : ٢٤٦٠ مادة ( قذى ) .

( ٣ ) ديوان بشار بن برد ١ : ٣٠٩ .

٤٤٦

لفلان ، فقال ما أظنه إلاّ لرجل كبير ، فقال بشّار : ويلك أفلا قلت له : هو لأكبر الجن و الانس(١) .

و قال ابن أبي الحديد : قال شاعر :

و من لم يغمّض عينه عن صديقه

و عن بعض ما فيه يمت و هو عاتب

و من يتتبّع جاهدا كلّ عثرة

يجدها و لا يسلم له الدهر صاحب(٢)

١٣ الحكمة ( ١٩٦ ) و قالعليه‌السلام :

لَمْ يَذْهَبْ مِنْ مَالِكَ مَا وَعَظَكَ أقول : و في وصيتهعليه‌السلام إلى ابنه : « و خير ما جرّبت ما وعظك »(٣) و قال ابن جبلة :

و أرى الليالي ما طوت من قوّتي

ردّته في عظتي و في إفهامي(٤)

هذا ، و في ( العيون ) دخل رجل على زياد فقال له : إنّ أبينا قد هلك ، و إنّ أخينا غصبنا ميراثنا من أبانا فقال له زياد : ما ضيّعت من نفسك أكثر ممّا ضاع من مالك(٥) .

____________________

( ١ ) الأغاني للأصفهاني ٣ : ١٥٤ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٤ .

( ٣ ) من وصيته لولده الحسن برقم ٣١ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٣ : ٨٩ .

( ٥ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ١٥٨ ، و ذكره الجاحظ في البيان و التبيين ٢ : ١١٥ بلفظ : « الذي أضعت من لسانك أضرّ عليك ممّا أضعت من مالك » .

٤٤٧

١٤ الحكمة ( ٢١٤ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ لاَنَ عُودُهُ كَثُفَتْ أَغْصَانُهُ أقول : هو نظير قولهعليه‌السلام المذكور في ( ١٢٢ ) « و من تلن حاشيته يستدم من قومه المودة » .

و قال ابن أبي الحديد : يكاد أن يكون كلامهعليه‌السلام إيماء إلى قوله تعالى :

و البَلَدُ الطيّبُ يَخرُج نَباتُه بإذن ربِّه(١) .

قلت : الآية من حيث استعداد التراب و جنسه ، و كلامهعليه‌السلام من حيث طبيعة الشجرة و جنسها .

١٥ الحكمة ( ٢٢٠ ) و قالعليه‌السلام :

لَيْسَ مِنَ اَلْعَدْلِ اَلْقَضَاءُ عَلَى اَلثِّقَةِ بِالظَّنِّ أقول : قال ابن أبي الحديد : الثقة هنا مرادف العلم ، فكأنّه قالعليه‌السلام لا يجوز أن يزال ما علم بطريق قطعية لأمر ظنّيّ(٢) .

و قال ابن ميثم : المعنى من كان عندك ثقة معروفا بالأمانة فحكمك عليه بالخيانة عن ظن خروج عن العدل(٣) .

قلت : هما جعلا قوله : « بالظن » متعلقا بقوله : « القضاء » بتقديم و تأخير في

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ٣٥ و الآية ٥٨ من سورة الأعراف .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ٤٢ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ، شرح نهج البلاغة ٥ : ٣٥٤ .

٤٤٨

الكلام ، و الأصل « القضاء بالظن على الثقة » .

و يمكن أن يكون الكلام على أصله ، بأن يكون « بالظن » متعلقا بقوله « على الثقة » فيصير المعنى قضاؤك على وثوقك بظنّك كما هو شأن كثير من الناس ليس من العدل و الحق ، و قد قال تعالى :( و ما يتّبعُ أَكثرهم إِلاّ ظنّاً إِنّ الظنّ لا يُغني من الحقِ شيئاً إِن اللَّه عليم بما يفعلُون ) (١) ( إِن الَّذينَ لا يؤمنون بالأَخرة ليسمُّون الملائكة تسميةَ الاُنثى و ما لهم به من علمٍ إِن يتبعُون إِلاّ الظنَّ و إِنّ الظنَّ لا يُغني من الحق شيئاً ) (٢) .

هذا و قال البحتري :

و ما هو غير خوض الشك ترمي

إليه حيث لا تجد اليقينا(٣)

١٦ الحكمة ( ٢٦٣ ) و قالعليه‌السلام :

صَاحِبُ اَلسُّلْطَانِ كَرَاكِبِ اَلْأَسَدِ يُغْبَطُ بِمَوْقِعِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَوْضِعِهِ أقول : أخذه ابن المقفع مع تصرّف في لفظه فقال : مثل صاحب السلطان مثل راكب الأسد يهابه الناس و هو لمركبه أهيب(٤) .

و من ( فصول ابن المعتز ) : أشقى الناس بالسلطان صاحبه ، كما أنّ

____________________

( ١ ) يونس : ٣٦ .

( ٢ ) النجم : ٢٧ ٢٨ .

( ٣ ) ديوان البحتري ٢ : ١٠٦ .

( ٤ ) لفظ ابن المقفع كما جاء في الأدب الصغير و الكبير أما النصّ الذي أورده العلاّمة التستري فهو الذي أورده ابن قتيبة في عيون الأخبار ١ : ٢٠ و قد نقله العلاّمة دون ان يشير إلى الواسطة : « و إنّما أنت في ذلك كراكب الأسد الذي يهابه من نظر إليه ، و هو لمركبه أهيب » .

٤٤٩

أقرب الأشياء إلى النّار أشدّ احتراقا(١) .

و قال بعض الحكماء : إيّاك و السلطان فإنّه يغضب غضب الصبيّ و يأخذ أخذ السبع .

أيضا : خاطر من ولج البحر ، و أشدّ مخاطرة منه خادم السلطان(٢) .

أيضا : إن الملوك إذا خدمتهم ملّوك و إن لم تخدمهم أذلّوك ، و إنّهم يستعظمون في الثواب رد الجواب ، و يستقلون في العقاب ضرب الرقاب ، و إنهم ليعثرون على العثرة من خدمهم فيبنون لهم منارا ثم يوقدون نارا و يعتقدونها ثارا .

أيضا : كن مكانك من الملوك مكانك من الشمس ، إنّها لتؤذيك و السماء لها مدار و الأرض لك دار ، فكيف لو أسفت لك قليلا و تدانت يسيرا ، و إنّ العاقل ليطلب منها مزيد بعد فيتخذ سربا لواذا منها و هربا ، و يبتغي في الأرض نفقا فرارا منها و فرقا(٣) .

و في ( البيان ) : كان ابن عمّار الطائي خطيب مذحج كلّها ، فبلغ النعمان بن المنذر حسن حديثه فحمله على منادمته و كان النعمان أحمر العينين أحمر الجلد أحمر الشعر ، و كان شديد العربدة قتّالا للندماء فنهاه أبو قردودة الطائي عن منادمته فلم يسمع منه ، فصار نديما للنعمان فقتله فقال أبو قردودة :

إنّي نهيت ابن عمّار و قلت له

لا تأمنن أحمر العينين و الشعره

إنّ الملوك متى تنزل بساحتهم

تطر بنارك من نيرانهم شرره

____________________

( ١ ) لم نعثر على النصّ في كتاب فصول التماثيل لابن المعتز ، و قد وقع ذلك سهوا من العلاّمة أو ممّن نقل عنه فالنصّ موجود في رسائل ابن المتز : ٦٧ .

( ٢ ) ذكر النويري في نهاية الارب ٦ : ١٥٠ .

( ٣ ) نهاية الأرب ٦ : ١٥٠ .

٤٥٠

يا جفنة كأزاء الحوض قد هدموا

و منطقا مثل و شي‏ء اليمنة الحبره(١)

و في ( الأغاني ) : كان علوية يغنّي بين يدي الأمين ، فغنّى في بعض غنائه :

ليت هندا أنجزتنا ما تعد

و شفت أنفسنا ممّا تجد(٢)

و كان الفضل بن الربيع يطعن عليه فقال للأمين إنّما يعرّض بك و يستبطى‏ء المأمون في محاربته ، فأمر به فضرب خمسين سوطا و جرّ برجله و جفاه مدّة حتى ألقى نفسه على كوثر فترضّاه له و ردّه إلى خدمته ، فلمّا قدم المأمون تقرّب علوية إليه بذلك فلم يقع له بحيث يحب و قال له المأمون : إن الملك بمنزلة الأسد أو النار فلا تتعرّض لمّا يغضبه فإنّه ربما جرى منه ما يتلفك ثم لا تقدر بعد على تلافي ما فرط منك و لم يعطه شيئا(٣) .

قلت : لم يقع له من المأمون ، لأنّ إنشاد البيت في مجلس الأمين لا يناسب ما قاله الفضل عنادا و قبله الأمين سفها و حمقا .

و من حمقه الذي نظير ذلك ما عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال :

دخلت على الأمين فرأيته مغضبا ، فقلت له : ما للخليفة تم اللَّه سروره ؟ قال :

غاظني أبوك الساعة لا رحمه اللَّه ، و اللَّه لو كان حيّا لضربته خمسمائة سوط و لولاك انبشت الساعة قبره و أحرقت عظامه فقمت على رجلي و قلت : و من أبي و ما مقداره حتى تغتاظ منه و ما الذي غاظك فلعلّ فيه عذرا ؟ فقال : شدّة محبته للمأمون و تقديمه إيّاه عليّ حتى قال في الرشيد شعرا قدّمه عليّ و غنّاه فيه و غنّيته الساعة فأورثني هذا الغيظ فقلت : و اللَّه ما سمعت بهذا قطّ و لا لأبي غناء إلاّ و أنا أرويه ، ما هو ؟ فقال قوله :

____________________

( ١ ) البيان و التبيين للجاحظ ١ : ٣٤٩ .

( ٢ ) ديوان عمر بن أبي ربيعة : ٣٢٠ ، مرّ في الصفحة ١٨٤ .

( ٣ ) الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ٥ : ١٩٩ .

٤٥١

أبو المأمون فينا و الأمين

له كنفان من كرم و لين

فقلت له : لم يقدم المأمون في الشعر لتقديمه إيّاه في الموالاة و لكن الشعر لم يصح وزنه إلاّ هكذا فقال : كان ينبغي له إذا لم يصح الشعر إلاّ هكذا أن يدعه إلى لعنة اللَّه ، فلم أزل اداريه و أرفق به حتى سكن ، فلمّا قدم المأمون سألني عن هذا الحديث فحدثته به فجعل يعجب و يضحك منه(١) .

و قيل : من تحسّى مرقة السلطان احترقت شفتاه و لو بعد حين .

و كان إبراهيم بن العباس يقول : أصحاب السلطان كقوم رقوا جبلا ثم وقعوا منه ، فكان أقربهم إلى الردى أبعدهم في المرقى(٢) .

و كان إبراهيم بن المدبر(٣) إذا عرضت عليه الوزارة أنشد قول العتابي في هارون و البرامكة :

تلوم على ترك الغنى باهليّة

لوى الدهر عنها كلّ طرف و تالد

رأت حولها النسوان يرفلن كالدمى

مقلّدة أجيادها بالقلائد

فقلت لها لمّا رأيت دموعها

يحدّرن فوق الخدّ مثل الفرائد

أسرّك أنّي نلت ما نال جعفر

من المال أو ما نال يحيى بن خالد

و ان أمير المؤمنين أعضّني

معضّهما بالمرهفات البوارد

ذريني تجئني منيتي مطمئنّة

و لم أتجشّم هول تلك الموارد

فإنّ عليّات الأمور مشوبة

بمستودعات في بطون الأساود(٤)

و قال البستي :

____________________

( ١ ) أبو الفرج الاصفهاني ، الأغاني ١١ : ٣٤٠ .

( ٢ ) ربيع الأبرار للزمخشري ٥ : ٢١٥ .

( ٣ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ١ : ٢٢٦ ، يلاحظ لم يوجد هامش لإبراهيم في ملزمة الهامش إلاّ انه أشار المستخرج في حاشية الأصل ١٩٧ إليه .

( ٤ ) ذكرها باختلاف ابن عبد ربه في العقد الفريد ٣ : ٢٠٥ ٢٠٦ .

٤٥٢

حرّضوني على وزارة بست

و رأوها من أعظم الدرجات

قلت لا أشتهي وزارة بست

إنّني لم أملّ بعد حياتي(١)

و قالوا : أوّل من وقع عليه اسم الوزارة في دولة بني العباس أبو سلمة الخلاّل ، كان يقال له : وزير آل محمّد ، فقتله أبو مسلمة غيلة في زمن السفاح ، فقال بعضهم :

إنّ الوزير وزير آل محمد

أودى فمن يشناك كان وزيرا(٢)

و قتل من الوزراء أبو أيوب المورياني(٣) و أبو مسلم الخراساني(٤) أيام المنصور ، و يعقوب بن داود(٥) زمن المهدي ، و البرامكة زمان هارون ، و الفضل بن سهل(٦) زمن المأمون ، و الفضل بن مروان(٧) زمن المعتصم ، و الكتاب زمن الواثق ، و محمد بن عبد الملك الزيات(٨) زمان المتوكل و من العجب وزراء المتوكل ، فإنّه كلّ يوم ينكّل بواحد و يختار آخر ، و لربما نكّل بكثير منهم مرتين أو ثلاثا كابن الفرات .

و في ( أخبار حكماء القفطي ) في الحسن بن هيثم المهندسي البصري نزيل مصر ، ولاّه الحاكم بمصر بعض الدواوين و كان الحاكم مريقا للدماء بغير سبب أو بأضعف سبب فأجال فكره في أمر يتخلص به فلم يجد طريقا إلاّ إظهار الجنون ، فاعتمد ذلك و شاع فأحيط بموجوداته على يد الحاكم و قيد

____________________

( ١ ) لم نعثر على الأبيات في التراجم .

( ٢ ) وفيات الأعيان لابن خلكان ٢ : ١٩٦ .

( ٣ ) ترجم له ابن خلكان في وفيات الأعيان ٢ : ٤١٠ .

( ٤ ) ترجم له ابن خلكان في وفيات الأعيان ٣ : ١٤٥ .

( ٥ ) ترجم له ابن خلكان في وفيات الأعيان ٧ : ٢٩ .

( ٦ ) راجع ترجمة الفضل بن سهل ذو الرئاستين في وفيات الأعيان لابن خلكان ٣ : ٤١ .

( ٧ ) ترجم له ابن خلكان في وفيات الأعيان ٤ : ٤٤٥ .

( ٨ ) ترجم له ابن خلكان في وفيات الأعيان ٥ : ٩٤ .

٤٥٣

و ترك في موضع من منزله إلى أن مات الحاكم ، فأظهر بعد ذلك بيسير العقل و أقام متنسّكا متقنعا و اشتغل بالتصنيف و النسخ و اعيد ماله إليه(١) .

و في ( الحلية ) عن سفيان الثوري : لم أر للسلطان إلاّ مثلا ضرب على لسان الثعلب ، قال الثعلب : عرفت للكلب نيّفا و سبعين دستانا ليس منها دستان خيرا من أن لا أرى الكلب و لا يراني(٢) .

و في ( الطبري ) : ان أبا مسلم لمّا توحش من المنصور كتب إليه : لم يبق لك عدوّ إلاّ أمكنت منه و قد كنّا نروي عن ملوك آل ساسان أنّ أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهماء فنحن نافرون من قربك .

( فيه ) أيضا : دخل إسماعيل بن علي على المنصور ، فقال : إنّي رأيت في ليلتي هذه كأنّك ذبحت كبشا و إنّي توطأته برجلي فقال : قم فصدّق رؤياك قد قتل الفاسق ، فقام اسماعيل إلى الموضع الذي قتل فيه أبو مسلم فتوطأه(٣) .

و لمّا حاصر طاهر من قبل المأمون بغداد كتب إليه الأمين بخطّه :

إعلم أنّه ما قام لنا مذ قمنا قائم بحقنا و كان جزاؤه إلاّ السيف ، فانظر لنفسك أو دع(٤) .

في ( الطبري ) : اختلف في الذي قتل به ابن الزيّات ، فقيل بطح فضرب على بطنه خمسين مقرعة ثم قلب فضرب على استه مثلها فمات و هو يضرب و هم لا يعلمون إلى أن قال : قال مبارك العرني ما أظنّه أكل طول حبسه إلاّ رغيفا واحدا ، و كان يأكل العنبة و العنبتين ، و كان يقول لنفسه : يا محمد بن عبد الملك

____________________

( ١ ) أخبار العلماء بأخبار الحكماء ، لجمال الدين القفطي : ١١٥ .

( ٢ ) حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ٧ : ٤٤ ، في ترجمة سفيان الثوري ، و دستان أصلها داستان و هي فارسية و معناها :

قصة أو حكاية .

( ٣ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٦ : ١٣٠ .

( ٤ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٤٠٤ .

٤٥٤

لم يقنعك النعمة و الدواب الفره و الدار النظيفة و الكسوة الفاخرة و أنت في عافية حتى طلبت الوزارة ذق ما عملت بنفسك كان يكرّر ذلك على نفسه(١) .

و في ( وزراء الجهشياري ) : قال خلاّد بن يزيد : كنّا يوما جلوسا عند أبي أيوب في مجلسه فأتاه رسول المنصور ، فامتقع لونه و تغيّر و مضى إليه ثم رجع ، فقال له بعض أصحابه في ذلك فقال : سأضرب لكم مثلا : تقوله العامة ، و هو أن البازي قال للديك : ما شي‏ء أقلّ وفاء منك لأن أهلك أخذوك في بيضة فحضنوك و خرجت على أيديهم فأطعموك في أكفّهم و نشأت بينهم حتى إذا كبرت جعلت لا يدنو واحد منهم منك إلاّ طرت يمنة و يسرة و صحت و صوّت ، و أنا اخذت من الجبال كبيرا فعلّموني و ألّفوني ، ثم يخلّون عني فآخذ صيدي و أجي‏ء إلى صاحبي فقال له الديك : لو رأيت في سفائدهم(٢) من البزاة مثل الذي رأيت فيها من الديكة كنت شرّا منّي ، و لكنّكم لو كنتم تعلمون ما أعلمه أي : من الملوك و وزرائهم لم تتعجّبوا من خوفي مع ما ترون من تمكّني(٣) .

( فيه أيضا ) : لمّا غضب المنصور على أبي أيّوب ذكر صالح بن سليمان انّه سيقتله و جميع أسبابه ، لأنّه سمع المنصور يتحدّث أنّ ملكا من الملوك كان يساير وزيرا له ، فضربت دابة الوزير رجل الملك فغضب و أمر بقطع رجل الوزير فقطعت ثم ندم فأمر بمعالجته حتى برأ ثم قال الملك في نفسه :

هذا لا يحبّني أبدا و قد قطعت رجله فقتله ، ثم قال : و أهل هذا الوزير لا يحبّونني أبدا و قد قتلته ، فقتلهم جميعا فعلمت أنّه سيفعل ذلك في المورياني ، ففعله و ما عدا ظنّي(٤) ، فأخذه و أخذ أخاه و بني أخيه و قتلهم .

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٧ : ٣٤٢ .

( ٢ ) « سفائد » في الأصل و هو محرّف و بدله « السفافيد » جمع سفود و هو ما يشوى به اللحم .

( ٣ ) الوزراء للجهشياري : ١٢٣ .

( ٤ ) الوزراء للجهشياري : ١٠١ ١٠٢ .

٤٥٥

هذا ، و في الأمثال « فرج في جبهة الأسد » و ان غفلوا عنه في كتب الأمثال(١) .

هذا ، و روى الشيخ عن ميسرة بن شريح قال : تقدّمت إلى شريح امرأة فقالت : إنّي امرأة لي إحليل و لي فرج تزوجها ابن عم لي و أخذ مني خادما فوطئتها فأولدتها ، و إنّما جئتك لمّا ولد لي لتفرّق بيني و بين زوجي فقام من مجلس القضاء فدخل على عليعليه‌السلام فأخبره بما قالت ، فأمر بها فأدخلت و سألها فقالت : هو الذي أخبرك فأحضرعليه‌السلام زوجها ابن عمّها فقال له هذه امرأتك و ابنة عمك ؟ قال : نعم قال : قد علمت ما كان قال : قد أخدمتها خادما فوطأتها فأولدتها قالعليه‌السلام : ثم وطأتها بعد ذلك ؟ قال : نعم قالعليه‌السلام له : لأنت أجرأ من خاصي الأسد(٢) . .

و في آخر انهعليه‌السلام أمر بتعداد أضلاع جنبيها فكانت أضلاع الأيسر أقل فألحقها بالرجال ، فقال الرجل : ألحقت ابنة عمي بالرجال ، ممّن أخذت هذه القضية ؟ فقالعليه‌السلام : ورثتها من أبي آدم خلقت حواء من ضلعه و أضلاع الرجال أقل .

١٧ الحكمة ( ٢٦٤ ) و قالعليه‌السلام :

أَحْسِنُوا فِي عَقِبِ غَيْرِكُمْ تُحْفَظُوا فِي عَقِبِكُمْ أقول : العقب بكسر القاف و في لغة بالسكون الولد و ولد الولد ، و الأصل فيها مؤخر القدم .

____________________

( ١ ) لم نعثر عليه في كتب الأمثال و اللغة و الأدب .

( ٢ ) وسائل الشيعة للحرّ العاملي ٢٦ : ٢٨٧ ، رواية ( ٣٣٠١٦ ) كذا ٢٧ : ١٧٣ ، رواية ( ٣٣٥٣٥ ) .

٤٥٦

و الأصل في كلامهعليه‌السلام قوله تعالى :( وَ ليَخشَ الَّذين لو تَركوا من خلفهم ذُريّة ضعافاً خافوا عليهم فليتَّقُوا اللَّه و ليقولوا قولاً سديداً ) (١) .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : من ظلم سلّط اللَّه عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه قيل لهعليه‌السلام : يظلم فيسلّط على عقبه أو على عقب عقبه ؟

فقالعليه‌السلام : إنّ اللَّه تعالى يقول : و ليخش الَّذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتَّقوا اللَّه و ليقولوا قولاً سديداً(٢) .

بل الإحسان مطلقا يوجب الحفظ في العقب ، قال تعالى( في قصّة موسى عليه‌السلام ) ( و صاحبه فانطَلقا حتَّى إِذا أتَيا أَهل قريةٍ استطعما أَهلَها فأَبوا أَن يُضيِّفُوهما فَوَجدا فيها جداراً يُريد أَن ينقضَّ فأَقامهُ قال لو شِئتَ لاتَّخذت علَيه أَجراً . و أَما الجدارُ فكان لغُلامين يتيمين في المدينة و كانَ تحتهُ كنزٌ لهما و كانَ أَبُوهُما صالحاً فأراد رَبُّكَ أَن يَبلُغا أَشدَّهما و يستَخرجا كنزَهما رَحمةً من ربَّك و ما فعلتهُ عن أَمري ذلك تأويلُ مَا لَم تسطِع عليه صَبرا ) (٣) .

و في آخر رسالة أبي غالب إلى ابن ابنه أبي طاهر الزراري : و إيّاه أسأل أن يحفظني فيك و يحفظ صالح أجدادك من بكير إليّ كما حفظ الغلامين بصلاح أبويهما ، فقد مرّ في بعض الحديث أنّه كان بين أبيهما الذي حفظا له و بينهما سبعمائة سنة(٤) .

هذا و في الخبر : برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم ، و عفّوا عن الناس يعفّ عن نسائكم(٥) .

____________________

( ١ ) النساء : ٩ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٣٢ ح ١٣ و الآية ٩ من سورة النساء .

( ٣ ) الكهف : ٧٧ ٨٢ .

( ٤ ) رسالة أبي غالب : ١٥٥ .

( ٥ ) عن الصادقعليه‌السلام من حديث أبي بكر الحضرمي ، الصدوق ، الأمالي : ٢٣٨ ح ٦ .

٤٥٧

١٨ الحكمة ( ٢٦٧ ) و قالعليه‌السلام :

يَا اِبْنَ آدَمَ لاَ تَحْمِلْ هَمَّ يَوْمِكَ اَلَّذِي لَمْ يَأْتِكَ عَلَى يَوْمِكَ اَلَّذِي قَدْ أَتَاكَ فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ مِنْ عُمُرِكَ يَأْتِ اَللَّهُ فِيهِ بِرِزْقِكَ ( ٣٧٩ ) :

و قالعليه‌السلام :

اَلرِّزْقُ رِزْقَانِ رِزْقٌ تَطْلُبُهُ وَ رِزْقٌ يَطْلُبُكَ فَإِنْ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاكَ فَلاَ تَحْمِلْ هَمَّ سَنَتِكَ عَلَى هَمِّ يَوْمِكَ كَفَاكَ كُلَّ يَوْمٍ مَا فِيهِ فَإِنْ تَكُنِ اَلسَّنَةُ مِنْ عُمُرِكَ فَإِنَّ اَللَّهَ سَيُؤْتِيكَ فِي كُلِّ غَدٍ جَدِيدٍ مَا قَسَمَ لَكَ وَ إِنْ لَمْ تَكُنِ اَلسَّنَةُ مِنْ عُمُرِكَ فَمَا تَصْنَعُ بِالْهَمِّ لِمَا لَيْسَ لَكَ وَ لَنْ يَسْبِقَكَ إِلَى رِزْقِكَ طَالِبٌ وَ لَنْ يَغْلِبَكَ عَلَيْهِ غَالِبٌ وَ لَنْ يُبْطِئَ عَنْكَ مَا قَدَرَ لَكَ قال الرضي : و قد مضى هذا الكلام فيما تقدّم من هذا الباب إلاّ انّه هاهنا أوضح و أشرح ، فلذلك كررناه على القاعدة المقررة في أوّل الكتاب « يا ابن آدم » قال المبرد في ( كامله )(١) و ابن قتيبة(٢) في ( عيونه )(٣) و المسعودي في مروجه قال عليعليه‌السلام : يا ابن آدم لا تحمل همّ يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه ، فإن يك من أجلك يأت فيه رزقك ،

____________________

( ١ ) الكامل للمبرد ١ : ٩٢ مع تغير طفيف عند المبرد بدل ( فان يك من أجلك ) .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٣٧١ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ٢٦٤ ، عن إبراهيم بن جابر القاضي قبل ولايته القضاء : هذا الكلام عن الإمام عليعليه‌السلام ابن آدم ، الا تحمل همّ يومك الّذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه ، فإنّه إن يكن من أجلك يأتي اللَّه فيه برزقك ، و اعلم أنّك لن تكتسب شيئا فوق قوتك إلاّ كنت خازنا فيه لغيرك .

٤٥٨

و اعلم أنّك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلاّ كنت فيه خازنا لغيرك .

« الرزق رزقان : رزق تطلبه و رزق يطلبك فإن لم تأته أتاك » كان بعض الشعراء وصف نفسه في أشعاره بأنّه لا يطلب رزقه بل رزقه يأتيه ، فمدح بعض الملوك فلم يعطه شيئا و قال له : أما وصفت نفسك بما وصفت فرجع ثم ندم الملك و بعث إليه بعطية فلم يلحقه الرسول إلاّ على بابه ، فقال للرسول : قل للملك ألم يكن الأمر كما قلت ؟

« فلا تحمل همّ سنتك على همّ يومك ، كفاك كلّ يوم على » هكذا في ( الطبعة المصرية ) و كلمة « على » زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) و الخطية(١) .

« ما فيه » إنّما نهىعليه‌السلام عن حمل همّ السّنة على همّ اليوم إذا لم يتيسر له إحراز قوت سنته ، لأنّ مورد كلامهعليه‌السلام من كان همّه تحصيل قوت يومه ، و معلوم أنّ من لم يكن عنده قوت يوم كيف يمكنه تحصيل قوت سنته ، و أمّا من تمكّن فإحرازه حسن .

روى ( الكافي ) أن الصادقعليه‌السلام قال لسفيان الثوري و من معه من الصوفية الذين كانوا يأمرون الناس بإلقاء أمتعتهم بعد الاستدلال على ضلال طريقتهم بالكتاب و السنة ثم من قد علمتم من فضله و زهده سلمان و أبو ذر ، فأمّا سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته حتى يحضر عطاؤه من قابل ، فقيل له : أنت في زهدك تصنع هذا و أنت لا تدري لعلّك تموت اليوم أو غدا ؟ فكان جوابه أن قال : ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم عليّ الفناء أما علمتم يا جهلة أنّ النفس قد تلتاث

____________________

( ١ ) في النسخة المصرية المنقحة « على » محذوفة : ٧٤٧ رقم ٣٧٨ .

٤٥٩

على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنّت(١) . .

و روى ( الكافي ) أيضا عن الرضاعليه‌السلام : إن الانسان إذا أدّخر طعام سنته خفّ ظهره و استراح(٢) .

و كان أبو جعفر و أبو عبد اللَّهعليهما‌السلام لا يشتريان عقدة حتى يحرزا طعام سنتهما(٣) .

« فإن تكن السّنة من عمرك فإنّ اللَّه تعالى » ليس كلمة « تعالى » في نسخة ( ابن أبي الحديد ) و لكن في ( ابن ميثم ) و الخطية : « تعالى جده »(٤) .

« سيؤتيك في كلّ غد جديد ما قسم لك ، و إن لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بالهمّ لمّا ليس لك » روي أنّ محمد بن الفرج كتب إلى الهاديعليه‌السلام يسأله الدعاء لرد ضياعه عليه و قد كان السلطان أخذها منه فكتبعليه‌السلام إليه : سوف تردّ عليك ضياعك و ما يضرّك ألاّ تردّ عليك ، فكتب السلطان بردّ ضياعه و مات و لم يتصرّف فيها(٥) .

« و لن يسبقك إلى رزقك طالب و لن يغلبك عليه غالب و لن يبطى‏ء عنك ما قدر لك » روى ( الكافي ) أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أيّها الناس إنّي لم ادع شيئا يقرّبكم إلى الجنّة و يباعدكم من النار إلاّ و قد أنبأتكم به ، ألا و إنّ الروح القدس نفث في روعي و أخبرني أن لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها ، فاتّقوا اللَّه عزّ و جل

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ، من حديث طويل ٥ : ٦٨ ح ١ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٥ : ٨٩ ح ١ من حديث الحسن بن الجهم .

( ٣ ) الكافي ٥ : ٨٩ رواية ١ .

( ٤ ) لا وجود للفظ « تعالى جده » في شرح ابن ميثم انظر ٥ : ٤٣٢ ( نسخة محققة ) أما الخطية فقد سقطت منها هذه ( الحكمة ) .

( ٥ ) بحار الأنوار ٥٠ : ١٤٠ رواية ٢٥ .

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639