بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 639
المشاهدات: 237737
تحميل: 8107


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 237737 / تحميل: 8107
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 14

مؤلف:
العربية

و أجملوا في الطلب و لا يحملنّكم استبطاء شي‏ء من الرزق أن تطلبوه بمعصية اللَّه ، فإنّه لا ينال ما عند اللَّه إلاّ بطاعته(١) .

« قال الرضي » هكذا في ( الطبعة المصرية ) و ليست جملة « قال الرضي » من كلام المصنف بل من الشرّاح ، بدليل خلوّ الخطية عنها رأسا و قول ( ابن ميثم ) « قال السيد » و قول ابن أبي الحديد : « قال »(٢) .

« و قد مضى هذا الكلام » أشار إلى قوله في الحكمة ٢٦٧ الذي نقلناه أولا(٣) و قد ذكره بعد أيضا في الباب مع اختلاف في ( ٤٣١ ) هكذا « الرزق رزقان طالب و مطلوب ، فمن طلب الدنيا طلبه الموت حتى يخرجه عنها ، و من طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي رزقه منها » كما مر في فصل الدّنيا .

و قد رأيت رواية المبرد و غيره له بطريق آخر ، و يأتي في الآتي رواية المفيد له أيضا .

ثمّ في ابن أبي الحديد و الخطية في آخر كلام المصنف « في أول هذا الكتاب »(٤) .

١٩ الحكمة ( ١٩٢ ) و قالعليه‌السلام :

يَا اِبْنَ آدَمَ مَا كَسَبْتَ فِيهِ فَوْقَ قُوتِكَ فَأَنْتَ خَازِنٌ فِيهِ لِغَيْرِكَ

____________________

( ١ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٣٣٢ ح ٤ عن جابر رضوان اللَّه عليه .

( ٢ ) ورد لفظ ( قال الرضي ) في شرح شرح ابن ميثم ( النسخة المنقحة ) ٥ : ٤٣٢ .

( ٣ ) انظر الصفحة رقم : ٢٤٥ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٣٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣١٩ ، أمّا النسخة الخطية فقد سقط النصّ منها ( نسخة المرعشي ) .

٤٦١

أقول : قد عرفت في سابقه أن المبرد(١) و ابن قتيبة(٢) و المسعودي(٣) رووه ذيل الكلام الأول منه ، و كذا رواه المفيد في إرشاده مع زيادات ، فقد قالعليه‌السلام يا ابن آدم لا يكن أكبر همّك يومك الّذي إن فاتك لم يكن من أجلك ، فإنّ همّك يوم فإنّ كلّ يوم تحضره يأتي اللَّه فيه برزقك ، و اعلم أنّك لن تكتسب شيئا فوق قوتك إلاّ كنت فيه خازنا لغيرك يكثر فيها الدنيا نصبك و تحظي به وارثك و يطول معه يوم القيامة حسابك ، فاسعد بمالك في حياتك ، و قدّم ليوم معادك زادا يكون اماما ، فإنّ السفر بعيد و الموعد القيامة و المورد الجنة أو النار(٤) .

في الخبر ما معناه : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأصحابه : أيّكم يكون مال الناس أحبّ إليه من مال نفسه قالوا : ليس فينا من يكون كذلك قال : بل كلكم كذلك ، فكل مال لا تقدموه و لم تصرفوه في مصارفكم يكون مال وراثكم و إنّما مالكم ما قدّمتموه لآخرتكم(٥) .

و قال الشيرازي بالفارسية :

خزينة دارى ميراث خوارگان كفر است

بقول مطرب و ساقى بفتواى دف و نى(٦)

____________________

( ١ ) الكامل في الأدب للمبرد ١ : ٩٢ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٣٧١ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ٢٦٤ ، حيث ذكر . و أعلم أنك لن تكتسب شيئا فوق قوتك إلاّ كنت خازنا فيه لغيرك .

( ٤ ) إرشاد المفيد : ١٢٥ ح ١ .

( ٥ ) ورد الحديث في بحار الأنوار ١٣ : ١٣٨ باسناد المجاشقي عن الصادق عن أبائهعليه‌السلام قال : قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله :

أيّكم مال وارثه أحب إليه من ماله ، قالوا : ما فينا أحد يحب ذلك با نبي اللَّه ، قال : بل كلّكم يحب ذلك ، ثم قال : يقول ابن آدم : مالي : مالي : و هل لك من مالك إلاّ ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدّقت فأمضيت و ما عدا ذلك فهو مال الوارث .

( ٦ ) ديوان حافظ الشيرازي : ٢٤٥ قطعة ( ٤٧٤ ) بالفارسية .

٤٦٢

٢٠ الحكمة ( ٢٢ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ حَسَبُهُ أقول : نسبه المصنف في ( مجازاته ) إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، و من العجب أنّه لم يومى‏ء ثمة و لا هنا إلى اختلاف رواية ، كما ان ابن أبي الحديد تفرّد بنقله في ( ٣٨٩ ) من الباب و زاد : و في رواية اخرى(٢) « من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب آبائه » و أمّا نقل ( المصرية ) له « نسبه » بدل « حسبه » فغلط(٣) .

ثم الظاهر في معناه ما قاله المصنف في ( مجازاته ) ، فإنّه قال في شرحه له : و هذه استعارة ، و المراد أنّ من تأخر بسوء عمله عن غايات الفضل و مواقف الفخر لم يتقدّم إليها بشرف نسبه و كريم حسبه ، فجعلصلى‌الله‌عليه‌وآله الإبطاء و الإسراع مكان التأخّر و التقدّم ، لأن المبطى‏ء متأخّر و المسرع متقدّم ، و أضافهما إلى العمل و النسب و هما في الحقيقة لصاحبهما لا لهما ، و لكنّ العمل و النسب لمّا كانا سبب الإبطاء و الإسراع ، حسن أن يضاف ذلك إليهما على طريق المجاز و الاتّساع(٤) .

لا ما قاله ابن أبي الحديد من أن كلامهعليه‌السلام ذاك حث على العبادة(٥) مثل قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « يا فاطمة بنت محمد إنّي لا اغني عنك من اللَّه شيئا ، يا عباس

____________________

( ١ ) الشريف الرضي ، المجازات النبوية : ٢٥٩ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ٣٣١ .

( ٣ ) انظر النسخة المصرية : ٦٦٢ رقم ( ٢٢ ) .

( ٤ ) الشريف الرضي ، المجازات النبوية : ٢٥٩ .

( ٥ ) راجع ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ١٨ : ١٣٤ .

٤٦٣

بن عبد المطلّب إنّي لا اغني عنك من اللَّه شيئا ، إنّ أكرمكم عند اللَّه أتقاكم . »(١) ، فإنّه عنه بعيد .

كان بحر ولد الأحنف و به كان الأحنف يكنى مضعوفا ، قيل له : ما يمنعك أن تجري في بعض أخلاق أبيك ؟ فقال : الكسل(٢) و كان لا يرى جارية إلاّ قال لها يا فاعلة ، فتقول لو كنت كما تقول ، أتيت أباك بمثلك(٣) .

و كما لا يوجب الحسب الشبع و الكسوة كذلك لا يوجب رفع الدرجة ، فمن ادّعى لنفسه درجة بحسبه كان كالوحيدي الذي يختال في مشيته في إزار في يوم قرّ ، فقيل له : من أنت يا مقرور ؟ قال :

« أنا ابن الوحيد أمشي الخيزلي ، و يدفئني حسبي و نسبي » .

٢١ الحكمة ( ٢٥ ) و قالعليه‌السلام :

مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاَّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ وَ صَفَحَاتِ وَجْهِهِ أقول : قد أكثروا من المعنى في الشعر ، قال ابن داود الاصبهاني :

لا خير في عاشق يبدي صبابته

بالقول و الشوق في زفراته بادي

يخفي هواه و ما يخفى على أحد

حتى على العيس و الركبان و الحادي

و قال ابن المعتزّ :

تفقّد مساقط لحظ المريب

فإنّ العيون وجوه القلوب

و طالع بوادره في الكلام

فإنّك تجني ثمار العيوب(٤)

____________________

( ١ ) أخرجه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٢ : ٣١ و ٢٥ و ابن سعد في طبقاته ٢ : ٤٦ و لم يذكره علماء الشيعة .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٥٩ ، كذلك أورده الجاحظ في البيان و التبيين ٢ : ٢٥٢ .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٥٩ ، و كذلك أورده البهائي في الكشكول : ٣٧١ .

( ٤ ) نهاية الأرب في فنون الأدب ٣ : ٩٩ .

٤٦٤

و قال البحتري :

نمّت على ما في ضميري أدمعي

و تتابع الصعداء من أنفاسي(١)

و قال سويد :

تحدّثني العينان ما القلب كاتم

و ما جنّ بالبغضاء و النظر الشزر(٢)

أي لا خفاء و لا ستر بهما ، و قال آخر :

و مراقبين تكاتما بهواهما

جعلا القلوب لمّا تجنّ قبورا

يتلاحظان تلاحظا فكأنّما

يتناسخان من الجفون سطورا(٣)

أيضا :

إن كاتمونا القلى نمّت عيونهم

و العين تظهر ما في القلب أو تصف(٤)

أيضا :

إذا قلوب أظهرت غير ما

تضمره أنبتك عنها العيون(٥)

أبو العتاهية :

و للقلب على القلب دليل حين يلقاه

و للناس من الناس مقاييس و أشباه

يقاس المرء بالمرء إذا ما هو ما شاه

و في العين غنى أن تنطق أفواه(٦)

أعرابية :

____________________

( ١ ) ديوان البحتري ٢ : ٣٣٥ .

( ٢ ) الصداقة و الصديق للتوحيدي : ١٠٩ و ذكره شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٢٧ .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٩ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ١٨١ .

( ٥ ) المصدر نفسه .

( ٦ ) إحياء علوم الدين للغزالي ٢ : ٢٤٨ .

٤٦٥

و مودّع يوم الفراق بلحظه

شرق من العبرات ما يتكلم(١)

أعرابي :

و ما خاطبتها مقلتاي بنظرة

فتفهم نجوانا العيون النواظر

و لكن جعلت الوهم بيني و بينها

رسولا فأدّى ما تجنّ الضمائر(٢)

زهير :

و ما يك في عدوّ أو صديق

تخبّرك العيون عن القلوب(٣)

دريد :

و ما تخفي الضغينة حيث كانت

و لا النظر الصحيح من السقيم(٤)

آخر :

كتمت الهوى حتى إذا نطقت به

بوادر من دمع تسيل على الخدّ

و شاع الذي أضمرت من غير منطق

كأنّ ضمير القلب يرشح من جلدي(٥)

آخر :

العين تبدي الذي في نفس صاحبها

من المحبّة أو بغض إذا كانا

و العين تنطق و الأفواه صامتة

حتى ترى من ضمير القلب تبيانا

آخر :

و عين الفتى تبدي الذي في ضميره

و تعرف بالنجوى الحديث المغمّما

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ٨٦ .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) البيت في ديوان زهير بن أبي سلمي : ١٦ ، بلفظ آخر :

متى تك في صديق أو عدو

تخبّرك الوجوه عن القلوب

( ٤ ) ديوان دريد بن الصمّة : ١٠٥ .

( ٥ ) الكامل في الأدب للمبرّد ٢ : ٧٠٣ .

٤٦٦

و قالوا : « رب طرف أفصح من لسان »(١) و في المثل : « كاد المريب يقول خذوني »(٢) .

و في ( العقد ) عن بعضهم : إنّي لأعرف في العين إذا عرفت و إذا أنكرت ، و إذا لم تعرف و لم تنكر أمّا إذا عرفت فتخوص و إذا أنكرت فتجحظ و إذا لم تعرف و لم تنكر فتشجو(٣) .

و في ( موفقيات الزبير بن بكّار ) في خبر : قال المأمون للأصمعي :

هات بيتا أنظر في معناه ، فقال :

فلا غرو إلاّ جارتي و سؤالها

ألا هل لنا أهل سئلت كذلكا

فجعل يفكر فيه ، و همّ أن يقول فقال له الأصمعي : أعد نظرا فقال : و كيف علمت قلت : رأيت ناظريك يجولان و قد استقرتا كان أوضح لاصابتك .

فضحك حتى انثنى ثم قال فأصاب ، فقلت : أصبت و اللَّه و أحسنت(٤) .

و في ( الأغاني ) : أدرك النمر بن تولب العكلي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأسلم و حسن اسلامه و عمّر فطال عمره ، و كان جوادا واسع القرى كثير الأضياف وهّابا لماله ، فلمّا كبر خرف و اهتر فكان هجيراه « أصبحوا الرّاكب ، أغبقوا الراكب ، أقروا إنحروا للضيف ، أعطوا السائل ، تحمّلوا لهذا في حمالته كذا و كذا » لعادته بذلك في أيام استقامته ، فلم يزل مدّة خرفه يهذي بهذه حتى مات .

و خرفت امرأة من حيّ كرام عظيم خطرها فيهم ، فكان هجيرها « زوّجوني قولوا لزوجي يدخل ، مهّدوا لي إلى جانب زوجي » ، فبلغ خبرها عمر

____________________

( ١ ) فرائد الأدب من المنجد : ٩٩٨ .

( ٢ ) و هو من الأمثلة الجارية على الالسن لم نعثر له على مصدر .

( ٣ ) العقد الفريد لابن عبد ربّه ٢ : ٣٥٤ .

( ٤ ) الموفقيات للزبير بن بكّار : ٧٤ ٧٥ .

٤٦٧

فقال : ما لهج به أخو عكل في خرفه أجمل ممّا لهجت به صاحبتهم(١) .

هذا و في ( البيان ) دخل رجل على آخر يأكل اترجّة بعسل ، فأراد أن يقول السلام عليكم فقال عسليكم(٢) .

و دخلت جارية رومية على راشد البستي لتبلغه عن مولاتها ، فبصرت بحمار قد أدلى في الدار فقالت : قالت مولاتي كيف أير حماركم(٣) ؟

و من أمثالهم « لحظ أصدق من لفظ » يعني أثر الحب و البغض يظهر في العين فيفهم ان اللفظ الذي على خلافه كذب و مين(٤) .

٢٢ الحكمة ( ٢٦ ) و قالعليه‌السلام :

اِمْشِ بِدَائِكَ مَا مَشَى بِكَ أقول : روى ( الخصال ) عن الصادقعليه‌السلام قال : من ظهرت صحّته على سقمه فيعالج بشي‏ء فمات فأنا إلى اللَّه منه بري‏ء(٥) .

٢٣ الحكمة ( ٤٩ ) و قالعليه‌السلام :

اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ

____________________

( ١ ) الأغاني للأصفهاني ٢٢ : ٢٧٩ ٢٨٠ .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ١٧٨ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) مجمع الأمثال للميداني ٢ : ٢١٠ .

( ٥ ) الخصال للصدوق ١ : ٢٦ ح ٩١ .

٤٦٨

أقول : نسبه الجاحظ(١) إلى أردشير و ابن قتيبة(٢) إلى كسرى ، فان فرض صحة قولهما فكسرى لم يعبر باللفظ بل بمعناه .

و كيف كان فهو نظير كلامهعليه‌السلام الآخر « الكريم يلين إذا استعطف و اللّئيم يقسو إذا الطف » .

« احذروا صولة الكريم إذا جاع » قال الصولي في ابن الزيّات :

أسد ضار إذا مانعته

و أب برّ إذا ما قدرا

يعرف الأبعد إن أثرى و لا

يعرف الأدنى إذا ما افتقرا(٣)

و قال البحتري :

اراقب صول الوغد حين يهزّه

اقتدار وصول الحرّ حين يضام(٤)

و قال قرواش بن مقلد الحجازي

للَّه در النائبات فإنّها

صدأ اللئام و صيقل الأحرار

ما كنت إلاّ زبرة فطبعنني

سيفا و أطلق صرفهن غراري(٥)

و كان يحيى البرمكي يقول : مطلك الغريم أحسم من مطلك الكريم ، لأن الغريم لا يسلف إلاّ من فضل و الكريم لا يطلب إلاّ من جهد(٦) .

« و اللّئيم إذا شبع » ليس المراد اختصاص ذمّه بحال شبعه ، فاللّئيم مذموم في جميع أحواله و في حال شبعه أسوأ ، قال مسكين الدارمي :

إنّما الفحش و من يعتاده

كغراب السّوء ما شاء نعق

____________________

( ١ ) البيان و التبيين للجاحظ ٣ : ١٦٩ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٢٣٨ .

( ٣ ) الأغاني ١٠ : ٦٥ ( في أخبار إبراهيم بن العباس ، و هو بلفظ : « أسد ضار إذا هيّجته » ) .

( ٤ ) ديوان البحتري ١ : ٤٣٢ ( دار الكتب العلمية ) .

( ٥ ) وفيات الأعيان لابن خلكان ٥ ، و قد مرّ ذكر التبيين في ص ٢٣٢ في الفصل ٦٠ .

( ٦ ) تاريخ الوزراء و الكتاب للجهشياري : ٢٠٠ .

٤٦٩

أو حمار السوء إن أشبعته

رمح الناس و إن شاء نهق

أو غلام السوء إن جوّعته

سرق الجار و إن يشبع فسق(١)

و قال بعضهم لعبد : أشتريك من مولاك ؟ قال : لا قال : و لم ؟ قال : لأنّي إن أشبعت أحببت نوما ، و ان جعت أبغضت قوما أي : قياما .

و في ( الأغاني ) : اتي عثمان بعبد بني الحسحاس(٢) ليشتريه فأعجب به فقالوا : انّه شاعر و أرادوا أن يرغّبوه فيه فقال : لا حاجة لي به ، العبد الشاعر إن شبع تشبّب بنساء أهله و إن جاع هجاهم(٣) .

هذا ، و في ( الأغاني ) آلى امرؤ القيس أن لا يتزوّج امرأة حتى يسألها عن ثمانية و أربعة و ثنتين ، فجعل يخطب النساء فإذا سألهن عن هذا قلن : أربعة عشر ، فبينا هو يسير في جوف الليل إذا هو برجل يحمل ابنة صغيرة كأنّها البدر ، فأعجبته فقال لها : يا جارية ما ثمانية و أربعة و ثنتان ؟ فقالت : أمّا ثمانية فأطباء الكلبة ، و أمّا أربعة فأخلاف الناقة ، و أمّا ثنتان فثديا المرأة فخطبها إلى أبيها فزوّجه إيّاها و شرطت هي عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال فجعل لها ذلك و على أن يسوق إليها مائة من الإبل و عشرة أعبد و عشر و صائف و ثلاثة أفراس ففعل ذلك .

ثم إنّه بعث عبدا له إلى المرأة و أهدى إليها نحيا من سمن و نحيا من عسل و حلّة من قصب ، فنزل العبد ببعض المياه فنشر الحلة و لبسها فتعلقت بشجرة فانشقّت ، و فتح النحيين فطعم أهل الماء منهما فنقصا ثم قدم على حيّ المرأة و هم خلوف ، فسألها عن أبيها و امها و أخيها و دفع إليها هديّتها ، فقالت

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٣٢ .

( ٢ ) اسمه سحيم ، و كان عبدا أسود نوبيا أعجميا مطبوعا في الشعر ، فاشتراه بنو الحسحاس ، و هم بطن من بني أسد .

( ٣ ) الأغاني ٢٢ : ٣٠٦ .

٤٧٠

له : أعلم مولاك أنّ أبي ذهب يقرّب بعيدا و يبعد قريبا ، و أنّ امّي ذهبت تشقّ النفس نفسين ، و أنّ أخي يرعى الشمس ، و أن سماءكم انشقّت ، و أنّ وعاءيكم نضبا .

فقدم الغلام على مولاه فأخبره فقال : أمّا قولها : « ذهب أبي يقرّب بعيدا و يبعد قريبا » فإن أباها ذهب يحالف قوما على قومه ، و أمّا قولها : « ذهبت امّي تشق النفس نفسين » فإنّ امّها ذهبت تقبّل امرأة نفسا ، و أما قولها : « إنّ أخي يرعى الشمس » فإنّ أخاها في سرح له يرعاه فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به ، و أمّا قولها : « إن سماءكم انشقّت » فإن البرد الذي بعثت به انشقّ ، و أمّا قولها : « إنّ وعاءيكم نضبا » فإنّ النحيين اللّذين بعثت بهما نقصا فأصدقني فقال : نزلت بماء فسألوني عن نسبي فأخبرتهم أنّي ابن عمك و نشرت الحلة فانشقّت و فتحت النحيين و أطعمت منهما أهل الماء فقال : أولى لك .

ثم ساق مائة من الإبل و خرج نحوها و معه الغلام ، فنزلا منزلا فخرج الغلام يسقي الإبل فعجز فأعانه امرؤ القيس فرمى به الغلام في البئر و ذهب إلى المرأة بالإبل و أخبرهم أنّه زوجها ، فقالت : و اللَّه ما أدري أهو أم لا و لكن انحروا له جزورا و أطعموه من كرشها و ذنبها ، ففعلوا فقالت : اسقوه لبنا خازرا و هو الحامض فسقوه فشرب ، فقالت : افرشوا له عند الفرث و الدم ففرشوا له فنام ، فلمّا أصبحت أرسلت إليه إنّي اريد أن أسألك ، فقال : سلي عمّا شئت فقالت : ممّ تختلج شفتاك ؟ قال : لتقبيلي إيّاك قالت : فممّ تختلج كشحاك ؟

قال : لالتزامي إيّاك قالت : فممّ يختلج فخذاك ؟ قال : لتوريكي إيّاك قالت : عليكم العبد فشدوا أيديكم به ففعلوا .

قال : و مرّ قوم فاستخرجوا امرأ القيس من البئر ، فرجع إلى حيّه فاستاق

٤٧١

مائة من الابل و أقبل إلى امرأته ، فقيل لها قد جاء زوجك ، قالت ما أدري و لكن انحروا له جزورا و أطعموه من كرشها و ذنبها ، فلما أتوه بذلك قال : و أين الكبد و السّنام و الملحاء(١) فأبى أن يأكل ، فقالت : اسقوه لبنا خازرا فأبى أن يشربه و قال : فأين الصّريف(٢) و الرثيئة(٣) ، فقالت : افرشوا له عند الفرث و الدم فأبى أن ينام و قال : افرشوا لي فوق التلعة الحمراء و اضربوا عليها خباء ، ثم أرسلت إليه هلم شريطتي عليك في المسائل الثلاث ، فأرسل إليها أن سلي عمّا شئت ، فقالت : ممّ يختلج شفتاك ؟ قال : لشربي المشعشعات قالت : فكشحاك ؟ قال :

للبسي الحبرات قالت : ففخذاك ؟ قال : لركضي المطهّمات قالت : هذا زوجي لعمري فعليكم به و اقتلوا العبد(٤) .

٢٤ الحكمة ( ٥٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَالُ مَادَّةُ اَلشَّهَوَاتِ أقول : في ( عيون القتيبي ) كان يقال : عيب الغنى أنّه يورث البله ، و فضيلة الفقر أنّه يورث الفكرة(٥) .

و قال الحسن : عيّرت اليهود عيسىعليه‌السلام بالفقر فقال : من الغنى اوتيتم(٦) .

____________________

( ١ ) الملحاء : لحم في الصلب من الكاهل إلى العجز من البعير .

( ٢ ) الصريف : الحليب الحار ساعة يصرف عن الضرع .

( ٣ ) الرثيئة : اللبن الذي يصبح روبا .

( ٤ ) الأغاني للأصفهاني ٩ : ١٠١ ١٠٢ .

( ٥ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٢٤٦ .

( ٦ ) المصدر نفسه .

٤٧٢

و قيل : حسبك من شرف الفقر ، أنّك لا ترى أحدا يعصي اللَّه ليفتقر ، و العاصي لتحصيل الغنى كثير(١) و قال محمود الورّاق :

يا عائب الفقر ألا تزدجر

عيب الغنى أكثر لو تعتبر

من شرف الفقر و من فضله

على الغنى إن صحّ منك النظر

إنّك تعصي اللَّه تبغي الغنى

و لست تعصي اللَّه كي تفتقر(٢)

و في ( الخصال ) عن الصادقعليه‌السلام : يقول إبليس : ما أعياني من ابن آدم فلن يعيني منه واحدة من ثلاث : أخذ مال من غير حقّه ، أو منعه من حقه ، أو وضعه في غير وجهه(٣) .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام قال تعالى لموسىعليه‌السلام : إذا رأيت الفقر مقبلا فقل : مرحبا بشعار الصالحين ، و إذا رأيت الغنى مقبلا فقل : ذنب عجّلت عقوبته(٤) .

و عنهعليه‌السلام : جاء رجل موسر نقي الثوب إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فجلس إليه ، فجاء معسر درن الثوب فجلس إلى جنبه ، فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أخفت أن يمسّك من فقره شي‏ء ؟ قال : لا قال : فخفت أن يصيبه من غناك شي‏ء ؟ قال : لا قال : فخفت أن توسخ ثيابك ؟ قال : لا قال : فما حملك على ما صنعت ؟ قال : إنّ لي قرينا يزيّن لي كلّ قبيح و يقبّح لي كلّ حسن ، و قد جعلت له نصف مالي فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للمعسر : أتقبل ؟ قال : لا فقال له الرجل :

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٠ ، و عيون الأخبار ١ : ٢٤٧ و نسبه الماوردي إلى عمر بن الخطاب ( أدب الدنيا و الدين ) : ٢١٥ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٢٤٩ ، و شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٠ ، التبيين الأوّل و الأخير .

( ٣ ) الخصال للصدوق ١ : ١٣٢ ح ١٤١ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٣ ح ١٢ .

٤٧٣

و لم ؟ قال : أخاف أن يدخلني ما دخلك(١) .

و قال تعالى : أَيَحسَبُونَ أنَّما نُمِدُّهم بهِ مِن مالٍ و بنين نُسارِعُ لَهُم في الخيراتِ بل لا يشعُرون(٢) فلا تُعجبك أَموالُهُم و لا أَولادهم إِنَّما يريدُ اللَّه ليُعذبهُم بها في الحَياة الدُنيا و تَزهَق أَنفُسُهم و هُم كافرون(٣) و ما أَموالُكم و لا أَولادُكم بالَّتي تُقرّبُكم عندنا زُلفى إِلاَّ من آمن و عَمِلَ صالحاً فأُولئكَ لَهُم جَزاءُ الضِعفِ بما عملوا و هُم في الغُرفاتِ آمنُونَ(٤) .

٢٥ الحكمة ( ٤٠٦ ) و قالعليه‌السلام :

مَا أَحْسَنَ تَوَاضُعَ اَلْأَغْنِيَاءِ لِلْفُقَرَاءِ طَلَباً لِمَا عِنْدَ اَللَّهِ وَ أَحْسَنُ مِنْهُ تِيهُ اَلْفُقَرَاءِ عَلَى اَلْأَغْنِيَاءِ اِتِّكَالاً عَلَى اَللَّهِ أقول : إنّما روى المسعودي و الخطيب و ابن طاووس أنّهعليه‌السلام قال هذا الكلام في المنام ، قال الأول في ( مروجه ) بعد نقل خبر قال سمعته من إبراهيم بن جابر القاضي قبل ولايته القضاء و هو يومئذ ببغداد يعالج الفقر و يتلقّاه من خالقه بالرضا ناصرا للفقر على الغنى فما مضت أيام حتى لقيته بحلب في سنة تسع و ثلاثمائة و إذا هو بالضدّ عمّا عهدته ، متولّيا القضاء ، ناصرا للغنى على الفقر ، فقلت له : أيها القاضي تلك الحكاية التي كنت تحكيها عن الوالي بالريّ و أنّه قال لك : إعترضتني الخواطر بين منازل الفقراء و الأغنياء فرأيت في النوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال لي : يا

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٢ ح ١١ .

( ٢ ) المؤمنون : ٥٥ ٥٦ .

( ٣ ) التوبة : ٥٥ .

( ٤ ) سبأ : ٣٧ .

٤٧٤

فلان ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء شكرا للَّه تعالى ، و أحسن منه تعزّز الفقراء على الأغنياء ثقة باللَّه تعالى إلى أن قال و ركب بعد ذلك الهماليج من الخيل و قطع لزوجته أربعين ثوبا تستريا على مقراض واحد(١) .

و قال الثاني في ( تاريخه ) في عبد اللَّه بن بشران قال أبو الحسين القاضي : سمعت الفتح بن شخرف يقول : رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام في النوم فقلت له : أوصني فقال : ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء ، و أحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء فقلت له : زدني ، فأومى إليّ بكفّه فإذا فيه مكتوب :

قد كنت ميتا فصرت حيّا

و عن قليل تصير(٢) ميتا

أعيى بدار الفناء بيت

فابن بدار البقاء بيتا(٣)

و نقله في الفتح نفسه أيضا ، و في تشريف علي بن طاووس الذي جمع فيه ثلاث فتن من العامة و ينقل فيه من كتب أخرى .

و من ( المجموع ) الذي لمحمد بن الحسين المرزبان ذكر يسير بن الحرث أنّه رأى أمير المؤمنين في المنام فقال : تقول شيئا لعل اللَّه ينفعني به فقال : ما أحسن عطف الأغنياء على الفقراء ، و أحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء ثقة باللَّه فقلت : زدني ، فولّى و هو يقول :

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ٢٦٤ .

( ٢ ) و في نسخة التحقيق ( تعود ) بدلا من ( تصير ) .

( ٣ ) ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه هكذا : بينما أنا نائم إذا أنا بشخصين ، فقلت للذي يقرب منّي : من أنت يا هذا ؟

فقال : لي من ولد آدم ، قلت : كلّنا من ولد آدم ، قلت : له : أنت قريب منه و لا تسأله ، قال : أخشى أن يقول النّاس إنّي رافضي ، فتنحّى من مكانه ، و قعدت فيه ، فقلت : يا أمير المؤمنين كلمة خير شي‏ء فقال لي : نعم صدقة المؤمن بلا تكلّف و لا ملل ، قال قلت : زدني يا أمير المؤمنين ، قال : تواضع الغني للفقير رجاء ثواب اللَّه ، قلت : زدني يا أمير المؤمنين ، قال و أحسن من ذلك ترفع الفقير على الغني ثقة باللَّه ، قلت زدني يا أمير المؤمنين ، قال فبسط كفه ، فإذا فيها مكتوب ( و ذكر التبيين ) راجع تاريخ بغداد ٩ : ٤٢٦ .

٤٧٥

قد كنت ميتا فصرت حيا

و عن قليل تصير ميتا

عزّ بدار الفناء بيت

فأبن بدار البقاء بيتا(١)

« ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لمّا عند اللَّه » في ( الكافي ) عن إسحاق بن عمّار قال لي أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : كيف تصنع بزكاة مالك إذا حضرت ؟

فقلت : يأتوني إلى المنزل فاعطيهم فقال : أراك يا إسحاق قد أذللت المؤمنين ، فإيّاك إيّاك إنّ اللَّه تعالى يقول : من أذلّ لي وليّا فقد أرصد لي بالمحاربة(٢) .

و في ( تاريخ بغداد ) : كان عمارة بن حمزة أتيه النّاس حتى ضرب به المثل فقيل : « أتيه من عمارة » ، و استأذن عليه قوم ليشفعوا إليه في برّقوم أصابتهم حاجة و كان قام عن مجلسه فأخبره حاجبه بحاجتهم فأمر لهم بمائة ألف درهم ، فاجتمعوا إليه ليدخلوا عليه للشكر له فقال لحاجبه : إقرأهم سلامي و قل لهم إنّي رفعت عنكم ذل المسألة فلا أحمّلكم مؤونة الشكر(٣) .

« و أحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالا على اللَّه » في ( حلية أبي نعيم ) :

جاء ابن لسليمان بن عبد الملك فجلس إلى جنب طاووس اليماني ، فلم يلتفت إليه فقيل له : جلس إليك ابن الخليفة فلم تلتفت إليه ، فقال : أردت أن يعلم أنّ للَّه تعالى عبادا يزهدون في ما في يديه و قال عمر بن عبد العزيز له : إرفع حاجتك إلى الخليفة يعني سليمان فقال : مالي إليه حاجة(٤) .

و في ( تاريخ بغداد ) : قال عيسى بن يونس : ما رأيت الأغنياء و السلاطين

____________________

( ١ ) الملاحم و الفتن لابن طاووس : ١٥٢ .

( ٢ ) لم نعثر عليه في الكافي انما وجدناه في بحار الأنوار ٩٦ : ٧٧ رواية ٢ نقلا عن أمالي الطوسي ١ : ١٩٨ و مجالس المفيد : ١١٣ .

( ٣ ) تاريخ بغداد ١٢ : ٢٨٠ .

( ٤ ) حلية الأولياء ٤ : ١٦ ، و هو طاووس بن كيسان أبو عبد الرحمن من أهل اليمن أدرك خمسين رجلا من الصحابة و علمائهم و أعلامهم ، و أكثر روايته عن ابن عباس .

٤٧٦

عند أحد أحقر منهم عند الأعمش مع فقره و حاجته(١) .

و في ( المعجم ) : وجّه سليمان بن علي والي الأهواز إلى الخليل لتأديب ولده ، فأخرج لرسوله خبزا يابسا و قال : ما دمت أجده فلا حاجة لي إلى سليمان(٢) .

و في ( العيون ) : قال معاوية لحضين بن المنذر و كان يدخل عليه في أخريات الناس يا أبا ساسان كأنّه لا يحسن اذنك ، فأنشأ يقول :

كلّ خفيف الشأن يسعى مشمّرا

إذا فتح البوّاب بابك إصبعا

و نحن الجلوس الماكثون رزانة

و حلما إلى أن يفتح الباب أجمعا(٣)

٢٦ الحكمة ( ٣٠٧ ) و قالعليه‌السلام :

يَنَامُ اَلرَّجُلُ عَلَى اَلثُّكْلِ وَ لاَ يَنَامُ عَلَى اَلْحَرَبِ قال الرضي : و معنى ذلك أنه يصبر على قتل الأولاد و لا يصبر على سلب الأموال .

أقول : في ( كامل المبرد ) ان رجلا من قريش بعث إلى رجل منهم و كان أخذ غلاما له يا هذا إنّ الرجل ينام على الثكل و لا ينام على الحرب ، فإمّا رددته و إمّا عرضت اسمك على اللَّه كلّ يوم و ليلة خمس مرّات(٤) .

و في ( نسب قريش ابن بكار ) : كان عبد اللَّه بن عروة بن الزبير دخل على هشام عام حج بالمدينة ، فقال : إنّك أطعمت إبراهيم بن هشام ما بين منابت

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٩ : ٨ في ترجمة سليمان الأعمش .

( ٢ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ١١ : ٧٥ .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٨٨ .

( ٤ ) الكامل في الأدب للمبرد ١ ( طبع القاهرة ) : ٧٤ .

٤٧٧

الزيتون من الشام إلى منابت القرظ(١) من اليمن فلم يغنه كثيرا ما بيده عن قليل ما بأيدينا ، و إنّا و اللَّه ما طبنا أنفسا بفراق الأحبة إلاّ بما ترك بأيدينا من معايشنا ، و لو لا ذلك لاخترنا بطن الأرض على ظهرها ، و قد أعطيتمونا من الأمان ما قد علمتم ، فإمّا وفيتم لنا بعهدنا أو رددتم إلينا سيوفنا فأعجب قوله هشاما(٢) .

و في ( الاستيعاب ) أخذ أبو سفيان سعد بن النعمان الأنصاري أسيرا ففدا به ابنه عمرا و كان أسر يوم بدر فقيل له : ألا تفتديه ؟ فقال : قتل حنظلة و أفتدي عمرا بمالي فأصاب بمالي و ولدي لا أفعل و لكني أنتظر حتى أصيب منهم رجلا فأفديه به ، فأصاب سعدا هذا(٣) ، و قال ابن أبي الحديد قال الشاعر :

لنا إبل غرّ يضيق فضاؤها

و يغبرّ عنها أرضها و سماؤها

فمن دونها أن تستباح دماؤنا

و من دوننا أن تستباح دماؤها

حمى و قرى فالموت دون مرامها

و أيسر أمر يوم حق فناؤها(٤)

قلت : و ربطه بما نحن فيه كما ترى .

٢٧ الحكمة ( ٣١٥ ) وَ قَالَ ع لِكَاتِبِهِ ؟

 عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ رَافِعٍ ؟ : أَلِقْ دَوَاتَكَ وَ أَطِلْ جِلْفَةَ قَلَمِكَ وَ فَرِّجْ بَيْنَ اَلسُّطُورِ وَ قَرْمِطْ بَيْنَ اَلْحُرُوفِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَجْدَرُ بِصَبَاحَةِ اَلْخَطِّ أقول : روى ( الخصال ) عنهعليه‌السلام : كتب إلى عماله : أدقّوا أقلامكم و قاربوا

____________________

( ١ ) في الأصل « القرط » بدلا من ( القرظ ) .

( ٢ ) نسب قريش لابن بكار : ٢٤٦ بتصرف في النقل .

( ٣ ) الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر ٢ : ٦٠٦ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢١٣ .

٤٧٨

بين سطوركم و أحذفوا من فضولكم و اقصدوا قصد المعاني و إيّاكم و الإكثار فإنّ أموال المسلمين لا تحتمل الإضرار(١) .

قول المصنف « لكاتبه عبيد اللَّه بن رافع » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) و الصواب : ( عبيد اللَّه بن أبي رافع ) كما في ابن أبي الحديد(٣) ، و عنون ( الخطيب ) عبيد اللَّه بن أبي رافع و وثقه و روى عنه حديث ذي الثديّة(٤) .

و قال المبرد في ( كامله ) : كان لأبي رافع بنون أشراف منهم عبيد اللَّه بن أبي رافع و حديثه أثبت الحديث عن عليعليه‌السلام (٥) .

و قال الشيخ في ( فهرسته ) : له كتاب قضايا أمير المؤمنين و كتاب تسمية من شهد الجمل و صفّين و النهر من الصحابة(٦) .

و كتبوا في كتّابه غير عبيد اللَّه ، عبد اللَّه بن جعفر الطيار و سعيد بن عمران الهمداني .

و في ( المعجم ) : كان محمد بن علي بن مقلة أوحد الدنيا في كتبه قلم الرقاع و التوقيعات ، و كان أخوه أبو عبد اللَّه بن مقلة أكتب منه في قلم الدفاتر و النسخ(٧) .

و في ( كامل الجزري ) : الحسين بن علي بن خازن أبو الفوارس صاحب

____________________

( ١ ) الخصال للصدوق ١ : ٣١٠ ح ٨٥ .

( ٢ ) راجع الطبعة المصرية لشرح محمّد عبده ٧٤١ رقم ( ٣١٧ ) .

( ٣ ) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٢٣ .

( ٤ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١٠ : ٣٠٥ و عبيد اللَّه ابن أبي رافع هو فولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و اسم أبي رافع أسلم ، سمع أباه و علي بن أبي طالب ، و أبا هريره ، و كان كاتب علي بن أبي طالب ، و حضر معه وقعة الخوارج و النهروان ( تاريخ بغداد ١ : ٣٠٤ ) .

( ٥ ) الكامل في الأدب للمبرّد ٢ : ٢٩٥ .

( ٦ ) فهرست الشيخ : ١٠٧ .

( ٧ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ٩ : ٢٩ في ترجمة محمد بن علي بن مقلة .

٤٧٩

الخط الجيّد مات سنة ( ٤٩٩ ) قيل كتب خمسمائة ختمة(١) .

و قالوا : كان الأحدب المزور يكتب خط كلّ أحد فلا يشك المكتوب عنه أنّه خطه مات سنة ( ٣٧٠ )(٢) .

« ألق دواتك » قال ابن أبي الحديد : الاق لغة قليلة بها جاء كلامهعليه‌السلام و « لاق » هي الكثيرة .

قلت : بل ألاق أيضا كثيرة مثل لاق ، قال ابن دريد في ( جمهرته ) ( باب ما اتفق عليه أبو زيد و أبو عبيدة ممّا تكلمت به العرب من فعلت و أفعلت ) إلى أن قال : و لقت الدواة و القتها و نقل في بعض أمثلته خلاف الأصمعي في « فعل » أو « أفعل » و لم يذكر هنا شيئا فيعلم أنّه غير خلافي ، و قرّره حتى الأصمعي الذي يستشكل في كثير ممّا نقل عن العرب بعدم الثبوت(٣) ، و مثله الفيروز آبادي في قاموسه ذكر « لاق » و « الاق » بدون تفاضل(٤) ، إلاّ أنّ ابن أبي الحديد قلّد فيما قال الجوهري ، فإنه قال : لاقت الدواة تليق أي لصقت ، و لقتها أنا يتعدّى و لا يتعدّى ، و ألقتها لغة قليلة(٥) و هو خطأ منه لمّا عرفت .

بل المفهوم من ( الصولي ) كون ( لاق ) لغة قليلة بل غير محقّقة ، فقال في ( أدب كاتبه ) : ألقت الدواة إذا أردت كرسفها حتى تسود إلى أن قال

____________________

( ١ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري ١٠ : ٤١٥ س ٤٩٩ بتصرف .

( ٢ ) ذكر ابن الأثير فيمن توفى سنة ( ٣٧٠ ) و فيها توفى علي بن محمّد الأحدب المزور ، و كان يكتب على خط كل واحد فلا يشك المكتوب عنه انه خطه ، و كان عضد الدولة إذا أراد الايقاع بين الملوك امره ان يكتب على خط بعضهم إليه في الموافقة على من يريد فساد الحال بينه ، تم يتوصل ليصل المكتوب إليه ، فيفسد الحال ، و كان هذا الأحدب ربّما ختمت يده لهذا السبب ( الكامل في التاريخ ٩ : ٨ ) .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٣ : ٤٣٦ مادة ( لاق ) .

( ٤ ) القاموس المحيط للفيروز آبادي ٣ : ٢٨١ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٢٣ ، و الصحاح ٤ : ١٥٥٢ مادة ( ليق ) .

٤٨٠