بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247271 / تحميل: 8630
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) (1) .

5 - قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا أَدْعُواْ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ) (2) .

هذه الآيات المباركة لسانها واحد واستدلالهم بها قريب من الاستدلال بالآية الأولى، حيث إن هذه الآيات القرآنية تنهى عن أن يدعو الإنسان مع اللَّه أحداً، أي لا يعبد مع اللَّه مخلوقاً من المخلوقات، وإذا كان الدعاء روح العبادة وقوامها، فسوف يكون منهيّاً عنه بمقتضى صريح هذه الآيات الكريمة؛ لكونه من الشرك الصريح.

6 - قوله تعالى: ( وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم ) (3) .

7 - قوله تعالى: ( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِى يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ) (4) .

وهذا اللسان من الآيات القرآنية يؤكّد على أن التوجّه إلى الغير بغية الاستنصار به شرك ومغالاة يوجب الخذلان الإلهي.

8 - قوله تعالى: ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ) (5) .

9 - قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ

____________________

(1) الحج: 62.

(2) الجن: 20.

(3) آل عمران: 126.

(4) آل عمران: 160.

(5) يونس: 18.

٢٤١

زُلْفَى ) (1) .

فهاتان الآيتان دلّتا على وجوب نبذ مقالة المشركين الذين جعلوا أصنامهم شركاء في الدعاء والتوسّل والتقرّب والتشفّع والوساطة بينهم وبين اللَّه عزَّ وجل، والإسلام جاء لكسر مثل هذه الأصنام وإبطال عقيدة الصنمية والوثنية والمغالاة والتشفّع والتوسّل بغير اللَّه تعالى، وهو ما ابتُلى به مشركو العرب؛ إذ لم يكن شركهم في ذات اللَّه تعالى أو صفاته، بل كان شركهم شركاً في العبادة والدعاء والاستغاثة والتوسّل.

فيُعلم من هذه الآيات أن التوحيد في العبادة والدعاء والاستغاثة والتوسّل أساس الدين، وهدف الرسالة الإسلامية الخاتمة؛ وذلك لأن صحة الأعمال والنسك العبادية مشروطة بصحّة العقيدة، فمَن يعمل ويعبد وكان في معتقده الدينيّ شي‏ء من الغلو والصنمية للأشخاص يحبط عمله كلّه؛ ويستدلّون لذلك بقوله تعالى: ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (2) ، وقوله تعالى: ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (3) ، فصحّة العقيدة بالتوحيد شرطاً في صحة وقبول الأعمال، ولابدّ حينئذٍ من نبذ كلّ ما يوجب الشرك وبطلان العقيدة، كالتشفّع والتوسّل بغير اللَّه تعالى.

الجواب عن الشبهة الثالثة:

الشبهة الثالثة عبارة عن تمسّكهم ببعض الآيات القرآنية التي زعموا أنها

____________________

(1) الزمر: 3.

(2) الزمر: 65.

(3) الأنعام: 88.

٢٤٢

تنهى عن التوجّه والقصد إلى غير اللَّه عزَّ وجل، منها:

قوله تعالى: ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ) (1) ، فلا يجوز التوسّل والدعاء بغير الأسماء الحسنى التي جاءت في قوله تعالى: ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُواْ فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) (2) .

إذن لابدّ من التوحيد في الدعاء الذي هو مخّ العبادة ولا يجوز القصد والتوجّه في الدعاء إلى غير اللَّه عزَّ وجلَّ وأسمائه الحسنى؛ لأنه شرك وإلحاد بالأسماء الإلهية.

الجواب الأول: حقيقة الأسماء الإلهية مستند للتوسّل

في البدء لابدّ من الإجابة عن التساؤل التالي:

ما هو المراد من الأسماء الإلهية الواردة في الآيات المباركة؟

الاسم في اللغة عبارة عن السّمة والعلامة.

قال ابن منظور: (واسم الشي‏ء علامته).

(قال أبو العبَّاس: الاسم وسمة توضع على الشي‏ء يُعرف به، قال ابن سيده: والاسم اللفظ الموضوع على الجوهر أو العرض لتفصل به بعضه عن بعض، كقولك مبتدئاً: اسم هذا كذا).

(قال أبو إسحاق: إنما جعل الاسم تنويهاً بالدلالة على المعنى) (3) .

____________________

(1) الأعراف: 180.

(2) الإسراء: 110.

(3) لسان العرب، ج14، ص 403 - 401.

٢٤٣

إذن اسم الشي‏ء سمته وعلامته وصفته الدالّة عليه.

والأسماء والصفات تنقسم إلى ذاتية وفعلية، فللّه تعالى أسماء وصفات ذاتية هي عين ذاته غير زائدة عليها، وله عزَّ وجلَّ أسماء وصفات فعلية هي عين فعله. فالقدرة والعلم والحياة صفات ذاتية يُشتقّ منها القادر والعالم والحيّ، وهي أسماء ذاتية غير زائدة على الذات الإلهية المقدّسة، والخَلق والرِّزق والتدبير والربوبية والحُكم والعَدل وغيرها صفات فعلية يشتقّ منها أسماء فعلية، هي الخالق والرازق والمدبّر والربّ والحَكَم والعدَْل، ولا ريب أن الأسماء الفعلية غير الذات وليست عينها، بل مخلوقة لها مشتقّة من أفعاله عزَّ وجل.

ولا ريب أيضاً أن جملة وافرة من الأسماء الإلهية هي أسماء فعلية مشتقّة من أفعاله ومخلوقاته تعالى.

والمخلوق يكون اسماً للَّه عزَّ وجلَّ بملاحظة صدوره من خالقه وأنه فقير له متقوّم به ليس له من نفسه شي‏ء، دالّ بسبب افتقاره بما فيه من كمال على كمال خالقه وباريه، فهو سمة وعلامة على صانعه، وما فيه من عظمة وحكمة دالّة على عظمة وحكمة الخالق؛ إذ ليس له من ذاته إلّا الفقر والاحتياج.

الجواب الثاني: الكلمة والآية

إن الكلمة والآية مع الاسم متقاربة المعنى متّحدة المضمون، فهي وإن لم تكن ألفاظاً مترادفة، إلّا أن مضمونها والمراد منها في اللغة وفي القرآن الكريم واحد؛ وهو الدلالة على الشي‏ء والعلامّية والمرآتية له.

٢٤٤

ففي لسان العرب:

(الآية العلامة) (وأيّا آية: وضع علامة).

وفيه أيضاً: (وقال ابن حمزة: الآية في القرآن كأنها العلامة التي يفضى منها إلى غيرها كأعلام الطريق المنصوبة للهداية) (1) .

كذلك قال في اللسان:

(كلمات اللَّه أي كلامه وهو صفته وصفاته) (2) .

أضف إلى ذلك أن الكلمة في حقيقتها دالّة على مراد المتكلم وكاشفة عنه.

إذن الأسماء والآيات والكلمات في شطر وافر منها عبارة عن مخلوقات دالّة بوجودها على وجود صانعها، ودالّة بعظمتها واتقانها وهادفيتها على عظمة وقدرة وحكمة الباري عزَّ وجل، ومن ثمّ يكون كلّ مخلوق اسماً من أسماء اللَّه تعالى وآية من آياته وكلمة من كلماته، ولكن الأسماء والآيات والكلمات على درجات في الصغر والكبر، فكلّما كان الاسم أعظم والآية أكبر لِمَا أعطيت من المقامات والكرامات الإلهية، كلّما كانت آييَّة ذلك المخلوق واسميَّته أعظم، لا سيما المخلوق الأول وهو نور النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام .

وقد ورد هذا الاستعمال في القرآن الكريم في موارد كثيرة جدّاً، منها:

1 - قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) (3) .

2 - قوله تعالى: ( وَالتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا

____________________

(1) لسان العرب، ج4، ص 61 - 62.

(2) لسان العرب، ج12، ص522.

(3) المؤمنون: 50.

٢٤٥

آيَةً لِلْعَالَمِينَ ) (1) .

3 - قوله تعالى: ( إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجيِهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) (2) .

4 - قوله تعالى: ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) (3) .

5 - قوله تعالى: ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الِْمحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) (4) .

فقد أطلق في هذه الآيات المباركة على مريم عليها‌السلام أنها آية، وعلى عيسى عليه‌السلام أنه كلمة اللَّه وآيته للعالمين.

6 - قوله تعالى: ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلآءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (5) .

7 - قوله تعالى: ( فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (6) .

8 - قوله تعالى: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ

____________________

(1) الأنبياء: 91.

(2) آل عمران: 45.

(3) النساء: 171.

(4) آل عمران: 38 - 39.

(5) البقرة: 31.

(6) البقرة: 37.

٢٤٦

إ ِمَامًا ) (1) .

9 - ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) (2) .

فإن هذه المخلوقات العظيمة عند اللَّه عزَّ وجلَّ أسماء وآيات وكلمات وعلامات للَّه تعالى، وحينئذٍ تكون مشمولة لإطلاق قوله تعالى: ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ) (3) فهذه الآية المباركة وغيرها، التي ذكروها للتدليل على مدّعاهم لا تعني النهي عن التوجّه إلى اللَّه عزَّ وجلَّ بالوسائط، بل هي توجب وتعيّن التوجّه إلى اللَّه تعالى بأعاظم مخلوقاته وأسمائه الفعلية.

إذن؛ ليست الآية المباركة غير صالحة للاستدلال بها على مدّعاهم فحسب، بل هي تحكُّمهم وتديُّنهم بالإلحاد عن اسمائه، وتنصُّ على ضرورة توسيط الأسماء الإلهية والمخلوقات الوجيهة عند اللَّه تعالى، ولابدّ من عدم الإلحاد فيها والإعراض عنها في الدعاء.

لكن لابدّ من الالتفات إلى أن النظرة إلى الوسائط لابد أن لا تكون نظرة استقلالية وموضوعية وبما هي هي، بل لابدّ أن تكون نظرة آلية حرفية آيتيّة، أي بما هي يُنظر بها إلى اللَّه تعالى، فالتوجّه بها لا إليها بما هي هي.

وبناء على ذلك يكون التعاطي مع الأسماء والآيات والوسائط على ثلاثة مناهج:

الأول: منهج إبليس؛ وهو رفض وساطة الآيات والأسماء والمخلوقات

____________________

(1 ) البقرة: 124.

(2) الأنعام: 115.

(3) الأعراف: 180.

٢٤٧

الوجيهة عند اللَّه عزَّ وجلَّ وإنكارها والإلحاد بها والصدّ عنها، وهذا شرّ المناهج، وهو الكفر والحجاب الأعظم؛ إذ مع الإلحاد في تلك المخلوقات العظيمة والأسماء الإلهية لا يمكن التوجّه والزلفى إلى اللَّه عزَّ وجل؛ لأنه ليس بجسم، وهو حقيقة الحقائق والمقوّم لها، فلا يجابه ولا يقابل، فلابدّ من التوجّه إلى المظاهر والمجالي والآيات.

الثاني: وهو منهج المغالين الذين ينظرون إلى الأسماء الإلهية بالنظرة الاستقلالية وبما هي هي ويتوجّهون إليها لا بها، وهذا أيضاً من الشرك والحجاب الذي يمنع عن معرفة اللَّه تعالى، ولكنّه أهون من سابقه؛ إذ أصحابه على سبيل نجاة فيما إذا شملهم اللَّه عزَّ وجلَّ بلطفه ورأوا ما وراء الآية من الحقائق، بخلاف مَن أعرض عن الآية بالمرّة.

الثالث: التوجّه بالآيات وتوسيطها في الدعاء، وهذا هو التوحيد التام الذي يوصل إلى معرفة اللَّه تبارك وتعالى.

فالنظرة في هذا المنهج إلى الأسماء الإلهية الفعلية من حيث هي مخلوقة للباري تعالى ومرتبطة به ومفتقرة إليه ودالّة عليه، وأكرم المخلوقات وأعظم الآيات هم النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ؛ إذ حباهم اللَّه عزَّ وجلَّ بالكرامات والمقامات التكوينية، التي تفضل جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين، فهم عليهم‌السلام الأسماء التي تعلّمها آدم وفُضَّل بها على الملائكة كلّهم أجمعون، وذلك بنصّ سورة البقرة في قوله تعالى: ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلآءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )( 1 ) ، حيث

____________________

(1) البقرة: 31.

٢٤٨

جاء التعبير فيها بـ ( عَرَضَهُمْ ) ولم يقل: عرضها، وكذا التعبير بـ ( هؤُلآءِ ) ولم يقل: هذه، كلّ ذلك يدلّ على أن تلك الأسماء موجودات نورية مخلوقة حيّة شاعرة عاقلة، أفضل من جميع الملائكة، ولم يعلم بها الملائكة ولا يحيطون بها وهي تحيط بهم وهي أوّل ما خلق اللَّه تعالى، فهم عباد ليس على اللَّه أكرم منهم، أُسند إليهم ما لم يسند إلى غيرهم، ومكّنهم اللَّه عزَّ وجلَّ ما لم يمكّن به غيرهم بإرادته وإذنه وسلطانه.

والحاصل: إن تلك الآيات التي ذكروها لنفي التوسّل تدلّ على ضرورة التوجّه والتشفّع والتوسّل بالآيات الكبرى والأسماء الفعلية الحسنى والعظمى - وهم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام - إلى اللَّه عزَّ وجل، والباء في قوله تعالى: ( فَادْعُوهُ بِهَا ) للتوسيط وجعل الآيات والأسماء واسطة؛ ولذا ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنه قال:

(ياهشام، اللَّه مشتق من إله، وإله يقتضي مألوهاً، والاسم غير المسمّى، فمَن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً، ومَن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد الاثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد. أفهمت يا هشام؟) قال: قلت: زدني، قال: (للَّه تسعة وتسعون اسماً، فلو كان الاسم هو المسمَّى، لكان كل اسم منها إلهاً، ولكن اللَّه معنى يُدلّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره. ياهشام، الخبز اسم للمأكول والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحرق، أفهمت ياهشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا المتَّخذين مع اللَّه عزَّ وجلَّ غيره؟) قلت: نعم، فقال: (نفعك اللَّه به وثبّتك يا هشام)

٢٤٩

قال: فواللَّه ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا) (1) .

فبيّن عليه‌السلام أن الاسم غير المسمَّى وهو الذات الإلهية ومغاير لها، ولو كان الاسم هو عين الذات الإلهية، لكان كل اسم إلهاً ولتكثَّرت الآلهة، ولكن اللَّه ذات أحدية واحدة يُدلّ عليه وله علامات هي هذه الأسماء المتكثرة المتعدّدة، فالأسماء آيات وعلامات وكلمات دالّة ووسيلة إلى الذات، فظهر أن قوله تعالى: ( لِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) (2) برهان قرآني على ضرورة الوسيلة، وهي الكلمات والآيات الإلهية، بأن يدعى اللَّه بها، فلا يُدعى اللَّه بدونها، بل لابدّ من توسيطها في دعاء اللَّه، وذلك بالتوجّه بها إليه، فلابدّ من تعلّق التوجّه بها كي يتوجّه منها إلى اللَّه، ولابدّ من تعلّق الدعاء بها ليتحقّق دعاء اللَّه تعالى، وقد جعلت الآية الإعراض عن الأسماء والكلمات والآيات الإلهية إلحاداً ومجانبة وزيغاً عن الطريق إلى اللَّه. ومن ثمّ قد أُكّد في الآية أن الأسماء الإلهية بكثرتها الكاثرة هي برمّتها ملك للَّه تعالى مملوكة له، فالاستخفاف بها استخفاف بالعظمة الإلهية، وجحود وساطتها استكبار وتمرّد على الشأن الإلهي، ومنه يعرف اتحاد الاسم والوجه وأن الأسماء هي وجه اللَّه التي يتوجّه بها إليه، وأن مَن له وجاهة ووجيه عند اللَّه هو وجه للَّه يتوجّه به إليه تعالى، فيكون اسماً وآية وكلمة للَّه تعالى.

نعم، بين الأسماء والكلمات والآيات درجات وتفاضل في الدلالة عليه تعالى عظمة وكبراً؛ وذلك لأن الاسم إذا كان من أسماء الأفعال يكون مخلوقاً للَّه تعالى وآية من

____________________

(1) توحيد الصدوق، ص521، وأصول الكافي، ج1، ص89، باب معاني الاسماء واشتقاقها، ح2.

(2) سورة الأعراف: 180.

٢٥٠

آياته، فالعبادة ليست له، بل لباريه تعالى، ومن ثم يتوجّه إليه كمرآة وآية يُنظر بها ولا ينظر إليها؛ ولذا تكون اسماً وعلامة. وأمَّا إذا نُظر إلى الاسم بما هو هو، فيكون حينئذٍ صنماً موجباً للشرك والكفر، وهو الغلو المنهيّ عنه، ولكن هذا لا يعني رفض الأسماء والوسائط، فإن ذلك يحجب عن المسمّى أيضاً، فلا يلحد بها ولا ينظر إليها بالاستقلال، بل ينظر بها؛ وذلك لِمَا بيّناه سابقاً من أنه لا تعطيل ولا تشبيه، فالإلحاد في الأسماء تعطيل للباري بعد عدم كونه جسماً يُقابل أو يجابه أو يشابه مخلوقاته، وهو نفي الجسميّة، فلا محيص عن التوجّه بالأسماء، لا سيّما الاسم الأعظم وهو أوّل ما خلق اللَّه عزَّ وجل، نور النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، الذين بواسطتهم وصل آدم إلى ما وصل إليه من الخلافة، عندما علّمه اللَّه عزَّ وجلَّ تلك الأسماء الحيّة الشاعرة العاقلة المجرّدة النوريّة، التي هي أعظم آيات الباري تعالى وأفضل من جميع الملائكة.

الكلمات التامّات:

هناك آيات عديدة تدلّ - بمعونة الروايات الواردة فيها - على أن الكلمات التامّات والآيات الكبرى للَّه عزَّ وجلَّ هم النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، منها:

1 - ما تقدّم من قوله تعالى: ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلآءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (1) ، وقد سبق تقريب الاستدلال بهذه الآية المباركة، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنه قال: (إن اللَّه تبارك وتعالى كان ولا شي‏ء، فخلق خمسة من نور جلاله، وجعل لكلّ واحد منهم اسماً من أسمائه المنزلة، فهو الحميد وسمّى النبيّ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الأعلى وسمّى

____________________

(1) البقرة: 31.

٢٥١

أمير المؤمنين عليه‌السلام عليّاً، وله الأسماء الحسنى فاشتقّ منها حسناً وحسيناً، وهو فاطر فاشتقّ لفاطمة من أسمائه اسماً، فلمّا خلقهم، جعلهم في الميثاق، فإنهم عن يمين العرش، وخلق الملائكة من نور، فلمَّا نظروا إليهم، عظّموا أمرهم وشأنهم ولقّنوا التسبيح فذلك قوله: ( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) (1) فلمّا خلق اللَّه تعالى آدم(صلوات اللَّه وسلامه عليه) نظر إليهم عن يمين العرش، فقال: ياربّ مَنْ هؤلاء؟ قال: ياآدم، هؤلاء صفوتي وخاصّتي، خلقتهم من نور جلالي وشققت لهم اسماً من أسمائي، قال: ياربّ، فبحقّك عليهم علّمني أسماءهم، قال: ياآدم فهم عندك أمانة، سرّ من سرّي، لا يطّلع عليه غيرك إلّا بإذني، قال: نعم ياربّ، قال: ياآدم، أعطني على ذلك العهد، فأخذ عليه العهد، ثم علّمه أسماءهم، ثم عرضهم على الملائكة، ولم يكن علّمهم بأسمائهم، ( فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلآءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ ) (2) علمت الملائكة أنه مستودع وأنه مفضّل بالعلم، وأُمروا بالسجود إذ كانت سجدتهم لآدم تفضيلاً له وعبادة للَّه؛ إذ كان ذلك بحقّ له، وأبى إبليس الفاسق عن أمر ربّه) (3) .

2 - قوله تعالى: ( فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ) ، ويمكن تقريب دلالة الآية إجمالاً على كون الكلمات هي النبي وأهل بيته بما تقدّمت الإشارة من

____________________

(1) الصافات: 165 - 166.

(2) البقرة: 31 - 32 - 33.

(3) تفسير فرات الكوفي، ص56، وكمال الدين وتمام النعمة، ص14، والهداية الكبرى للخصيبي، ص428 (واللفظ للأوَّل).

٢٥٢

إطلاق الكلمة في القرآن الكريم على النبي عيسى عليه‌السلام بما هو حجّة للَّه اصطفاه على العباد، فمنه يعرف أن الكلمة في استعمال القرآن تطلق على حجج اللَّه وأصفيائه، ويشير إلى ذلك أيضاً قوله تعالى: ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ) (1) حيث تومئ الآية إلى كون كلمة اللَّه تعرف بالصدق والعدالة، وهو وصف لحجج اللَّه، وهذا الوصف أحرى بالصدق على سيد الأنبياء بعد صدقه على النبي عيسى عليه‌السلام .

وقد وردت بذلك الروايات من الفريقين كما سيأتي معتضداً ذلك بأن الأسماء التي تعلّمها آدم وشرّف بها على الملائكة قد مرّ أنها عرّفت بضمير الجمع للحي الشاعر العاقل وأُشير إليها باسم الإشارة للجمع الحي الشاعر العاقل، ممَّا يدلُّ على أنها موجودات وكائنات حيّة شاعرة عاقلة، نشأتها في غيب السماوات والأرض؛ لعدم علم ملائكة السماوات والأرض بها، كما أُشير إلى ذلك بقوله تعالى: ( أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ) (2) .

ولا ريب أن أشرف الكائنات بنصوصية الكثير من الآيات وروايات الفريقين هو سيد الأنبياء، كما قد تبيّن أن أوَّل وأسمى الكلمات التي بشرفها قُبلت توبة آدم هو سيد الأنبياء، وحينئذٍ تُبيّن الآيات أن تلك الأسماء والكلمات حيث عبّر عنها بلفظ الجمع يقتضي أن مع سيد الأنبياء حجج آخرين للَّه تعالى شُرّف بمعرفتهم آدم وتاب اللَّه بهم عليه.

ولا نجد القرآن الكريم يُنزّل منزلة نفس النبي أحداً من الأنبياء والرسل، بل نزَّل علي بن أبي طالب منزلة نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذه خصيصة اختصّ هو عليه‌السلام بها. كما لم يُشرك اللَّه تعالى في طهارة

____________________

(1) سورة الأنعام: 115.

(2) سورة البقرة: 33.

٢٥٣

النبي وعصمته ونمط حُجِّيَّته وعلمه بالكتاب كلّه مع العديد من المقامات الأخرى أحداً من أنبيائه ورسله، لكنَّه أشرك أهل بيته؛ وهم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، كما في آية التطهير والمباهلة ومسِّ الكتاب من المطهَّرين من هذه الأمة وغيرها من الآيات النازلة فيهم.

فتبيّن أن قرين سيد الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله في المراد من الكلمات والأسماء هم أهل بيته عليهم‌السلام .

وقد ورد في كتب الفريقين من السنّة والشيعة أن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه هم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، فدعا اللَّه عزَّ وجلَّ بواسطة الكلمات فتاب عليه.

منها: ما أخرجه الحاكم في المستدرك عن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لمَّا اقترف آدم الخطيئة، قال: يا ربّ، أسألك بحقّ محمّد لمّا غفرت لي، فقال: يا آدم، وكيف عرفت محمّداً ولم أخلقه؟، قال: يا ربّ؛ لأنك لمَّا خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه، فعلمت أنك لم تُضف إلى اسمك إلّا أحبّ الخلق إليك، فقال: صدقت يا آدم إنه لأحبّ الخلق إليّ، ادعني بحقّه فقد غفرت لك، ولولا محمّد ما خلقتك) (1) ، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ومنها: ما أخرجه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل عن ابن عبَّاس قال: سألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، قال:

____________________

(1) المستدرك، ج2، ص615.

٢٥٤

سأل بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت علي فتاب عليه) (1) . ومنها: ما أخرجه السيوطي عن الإمام علي عليه‌السلام أنه ذكر أن اللَّه عزَّ وجلَّ علّم آدم الكلمات التي تاب بها عليه وهي: (اللّهم إني أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد، سبحانك لا إله إلّا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي، فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم. اللّهم إني أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد، سبحانك لا إله إلّا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي، فتب عليّ إنك أنت التوَّاب الرحيم. فهؤلاء الكلمات التي تلقّى آدم) (2) .

3 - قوله تعالى: ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ ) (3) .

فالكلمة أُطلقت على عيسى عليه‌السلام ، وهذا الإطلاق غير خاص به عليه‌السلام ، بل هو شامل لكلّ الأنبياء لا سيما أولوا العزم منهم ولا سيما خاتم النبيِّين، فهو أفضل الأنبياء وسيّدهم وأعظمهم، فلا محالة يكون هو الكلمة الأتمّ، وكذا من هم نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم أهل بيته عليهم‌السلام .

4 - قوله تعالى: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) (4)

فلا شك أن إبراهيم عليه‌السلام كلمة وآية من آيات اللَّه تعالى؛ لأنه أفضل من عيسى عليه‌السلام ، ومع ذلك امتحنه اللَّه عزَّ وجلَّ بكلمات تفوقه في المقام والمنزلة، ولمَّا ثبت في الامتحان، فاز بمقام الإمامة بعد الخلّة والنبوّة والرسالة، فلا محالة

____________________

(1) شواهد التنزيل، ج1، ص101.

(2) الدر المنثور، ج1، ص60.

(3) النساء: 171.

(4) البقرة: 124.

٢٥٥

تكون الكلمات هم سيد الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله وآخرين غير النبي إبراهيم والنبي عيسى وموسى وآدم عليهم‌السلام .

والكلمات - كما جاء في الروايات - هم خمسة أصحاب الكساء، فإبراهيم نال مقام الخلافة في الأرض والزلفى عند اللَّه عزَّ وجلَّ بالكلمات، كما أن آدم فُضّل على الملائكة وأصبح مسجوداً لهم لتعلّمه الأسماء الحسنى والآيات العظمى، وهم أهل آية التطهير عليهم‌السلام .

وكذلك آدم تسنّم مقام الخلافة الإلهية بتوسّط علم الأسماء الحيّة العاقلة النوريّة، التي تحيط بجميع المخلوقات، ولا يحيط بها مخلوق من المخلوقات إلّا بما شاء اللَّه عزَّ وجل.

عن المفضّل بن عمر عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام ، قال: سألته عن قول اللَّه عزَّ وجل: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) ما هذه الكلمات؟

قال: (هي الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب اللَّه عليه، وهو أنه قال: أسألك بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت عليَّ، فتاب اللَّه عليه إنه هو التواب الرحيم) (1) .

5 - قوله تعالى: ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) (2) .

وقد كان المعصومون الأربعة عشر كلّهم عليهم‌السلام يقرأون هذه الآية عند ولادتهم، فهم الكلمات التَّامَّات التي تمّت صدقاً وعدلاً لا مبدِّل لكلماته، وقد مرّت الإشارة إلى أن نعت الكلمة بالصدق والعدالة يشير إلى حجج اللَّه فيما

____________________

(1) كمال الدين وتمام النعمة، ص358.

(2) الأنعام: 115.

٢٥٦

يؤدّونه عن اللَّه وما هي عليه سيرتهم من الصدق والعدل والعدالة، هذا كلّه بالنسبة إلى الجواب الأوّل وتفصيلاته.

الجواب الثالث: الآيات القرآنية

1 - وهو ما جاء في قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ) (1) . الاستكبار على الآيات الوارد في هذه الآية المباركة نظير ما فعله إبليس؛ حيث أبى واستكبر أن يسجد لآدم، فكذّب بآية من آيات اللَّه تعالى. وذلك عندما قال: ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) (2) وقد استند في تكذيبه هذا إلى القياس الباطل، وهو لا يعلم حقائق دين اللَّه تعالى، ولا يعلم أن جانباً آخر في آدم نوريّ يعلو على النار هو الذي أهّله لذلك المقام، وليس الطين إلّا وجوده النازل المادّي. ثم إن الآية المباركة ذكرت أثراً آخر من آثار التكذيب بالآيات الإلهية والاستكبار عليها، حيث قالت: ( لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ) ، ومن الواضح أن أبواب السماء إنما تفتّح حين الدعاء والعبادة والتوجّه إلى اللَّه عزَّ وجل، وحين إرادة الزلفى والقرب، وكذلك لتصاعد الإيمان والعقيدة، كما يشير إليه قوله تعالى: ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ) (3) ، فهذه الآية المباركة تقول: إن الذين يكذّبون بآيات اللَّه تعالى وأسمائه وكلماته ويستكبرون عنها - كما فعل إبليس - لا

____________________

(1) الأعراف: 40.

(2) الأعراف: 12.

(3) سورة فاطر: 10.

٢٥٧

تفتّح لهم أبواب السماء، فلا يمكنهم أن يدعوا اللَّه أو يتقرّبوا إليه، ولا يستجاب لهم دعاؤهم ولا عباداتهم كالصلاة والصوم والحجّ. والربط بين ترك الآية والإعراض عنها والاستكبار عليها وبين عدم القرب وعدم قبول الدعاء وعدم تفتّح الأبواب هو أن اللَّه عزَّ وجلَّ ليس بمادّي ولا بجسم، فلا يمكن أن يقابل أو يجابه، فلا زلفى إلّا بالآيات والإيمان بها والطاعة والخضوع لها والتوجّه بها إلى اللَّه عزَّ وجل: ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) ، وقد مرّ في هذا الفصل وفي الفصل الثالث أن الآيات هم الحجج المصطفون، فلابدّ عند إرادة التوجّه إلى سماء الحضرة الإلهية بالدعاء والعبادة والازدلاف من التوجّه بهم والتوسّل بهم؛ لأن ذلك مفتاح فتح أبواب السماء، فهذه الآية تتشاهد وتتطابق مع الآية المتقدمة من قوله تعالى: ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (1) وأن الأسماء التي يُدعى بها في مقام الدعاء والفوز على اللَّه هي الآيات التي لابدّ من الإيمان بها والخضوع والإقبال عليها والتوجّه بها إلى الحضرة السماوية. وهذا المضمون هو ما ورد في الروايات المتواترة من أن ولاية أهل البيت عليهم‌السلام شرط في قبول الأعمال والعقائد، فإمامتهم عليهم‌السلام مقام من مقامات التوحيد في الطاعة، وهي شرط التوحيد وكلمة لا إله إلّا اللَّه، فمَن لا ولاية ولا طاعة له لا يقبل اللَّه عزَّ وجلَّ له عملاً، كما هو الحال في إبليس، حيث لم يقبل اللَّه عزَّ وجلَّ أعماله، ولم يقم له وزناً وطُرد من جوار اللَّه وقربه.

____________________

(1) سورة الأعراف: 180.

٢٥٨

إذن؛ مَن لا يُذعِن بالواسطة والولاية لا يقبل له عمل، لأنه لا تفتّح له الأبواب، ولا يكون ناجياً يوم القيامة ( وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الُْمجْرِمِينَ ) .

2 - وهو قوله تعالى: ( وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ) (1) ، فهذه الآية جاءت في سياق واحد مع قوله تعالى: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا ِلآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ) (2) ، فالسياق الواحد في هذه الآيات دالّ على أن ما فعله إبليس كان إنكاراً وظلماً لآية من آيات اللَّه تعالى، ودالّ أيضاً على أن ثقل الميزان والقرب وقبول الأعمال إنما يتمّ بالخضوع للآيات والإيمان بها.

وليست الأصنام إلّا الوسائل والوسائط المقترحة.

3 - قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (3) ، وتقريب الاستدلال بهذه الآية كالتقريب الذي تقدّم في الآيات التي سبقتها، ولا يخفى ما في التعبير بـ(عنه) دون التعبير بـ(عليه) من دلالة على الإعراض والإنكار لوساطة الآيات الإلهية، وأنه موجب لبطلان الأعمال والخلود في النار.

____________________

(1) الأعراف: 9.

(2) الأعراف: 11 - 13.

(3) الأعراف: 36.

٢٥٩

الشبهة الرابعة: الأعمال الصالحة هي الوسيلة

التوسُّل والوسيلة حقيقة العقيدة بالنبوّة والرسالة

لقد قام أصحاب هذا الاتجاه المنكِر لمبدأ التوسّل بتوجيه قوله تعالى: ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (1) ، حيث فسّروا الوسيلة في هذه الآية بالطاعات والقربات والأعمال الصالحة التي يتقرّب بها العبد إلى ربّه.

وقد ورد في الأحاديث بأن العبد لا يتقرّب إلى اللَّه عزَّ وجلَّ إلّا بالطاعة والعمل الصالح، فطوعانية العبد لربّه هي وسيلته الوحيدة، وليس بين اللَّه وبين خلقه قرابة وقرب إلّا بالطاعة ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ، فالجنّة يدخلها المطيع ولو كان عبداً حبشياً، والنار يدخلها العاصي ولو كان سيّداً قرشيّاً.

الجواب عن الشبهة الرابعة:

كان حصيلة الشبهة الرابعة هو تمسّكهم بقوله تعالى: ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) حيث فسّروا الوسيلة بالأعمال الصالحة من البرّ والتقوى والورع وسائر العبادات، وأن طوعانية العبد لربّه هي الوسيلة الوحيدة للنجاة والفوز بالجنة.

وفي المقدّمة نحن لا ننفي كون الأعمال الصالحة وسيلة من وسائل القرب إلى اللَّه عزَّ وجل، ولكن نريد أن نقول هي أحد مصاديق الوسيلة وليست الوسيلة منحصرة بها، وذلك بمقتضى نفس زعمهم من أن الوسيلة هي الأعمال الصالحة والطاعات، حيث إن أعظم الأعمال الصالحة والطاعات هو الإيمان باللَّه ورسوله؛ إذ لا يقاس بالإيمان بقيّة الأعمال من الصلاة والصيام والحج وغيرها،

____________________

(1) المائدة: 35.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

و أجملوا في الطلب و لا يحملنّكم استبطاء شي‏ء من الرزق أن تطلبوه بمعصية اللَّه ، فإنّه لا ينال ما عند اللَّه إلاّ بطاعته(١) .

« قال الرضي » هكذا في ( الطبعة المصرية ) و ليست جملة « قال الرضي » من كلام المصنف بل من الشرّاح ، بدليل خلوّ الخطية عنها رأسا و قول ( ابن ميثم ) « قال السيد » و قول ابن أبي الحديد : « قال »(٢) .

« و قد مضى هذا الكلام » أشار إلى قوله في الحكمة ٢٦٧ الذي نقلناه أولا(٣) و قد ذكره بعد أيضا في الباب مع اختلاف في ( ٤٣١ ) هكذا « الرزق رزقان طالب و مطلوب ، فمن طلب الدنيا طلبه الموت حتى يخرجه عنها ، و من طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي رزقه منها » كما مر في فصل الدّنيا .

و قد رأيت رواية المبرد و غيره له بطريق آخر ، و يأتي في الآتي رواية المفيد له أيضا .

ثمّ في ابن أبي الحديد و الخطية في آخر كلام المصنف « في أول هذا الكتاب »(٤) .

١٩ الحكمة ( ١٩٢ ) و قالعليه‌السلام :

يَا اِبْنَ آدَمَ مَا كَسَبْتَ فِيهِ فَوْقَ قُوتِكَ فَأَنْتَ خَازِنٌ فِيهِ لِغَيْرِكَ

____________________

( ١ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٣٣٢ ح ٤ عن جابر رضوان اللَّه عليه .

( ٢ ) ورد لفظ ( قال الرضي ) في شرح شرح ابن ميثم ( النسخة المنقحة ) ٥ : ٤٣٢ .

( ٣ ) انظر الصفحة رقم : ٢٤٥ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٣٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣١٩ ، أمّا النسخة الخطية فقد سقط النصّ منها ( نسخة المرعشي ) .

٤٦١

أقول : قد عرفت في سابقه أن المبرد(١) و ابن قتيبة(٢) و المسعودي(٣) رووه ذيل الكلام الأول منه ، و كذا رواه المفيد في إرشاده مع زيادات ، فقد قالعليه‌السلام يا ابن آدم لا يكن أكبر همّك يومك الّذي إن فاتك لم يكن من أجلك ، فإنّ همّك يوم فإنّ كلّ يوم تحضره يأتي اللَّه فيه برزقك ، و اعلم أنّك لن تكتسب شيئا فوق قوتك إلاّ كنت فيه خازنا لغيرك يكثر فيها الدنيا نصبك و تحظي به وارثك و يطول معه يوم القيامة حسابك ، فاسعد بمالك في حياتك ، و قدّم ليوم معادك زادا يكون اماما ، فإنّ السفر بعيد و الموعد القيامة و المورد الجنة أو النار(٤) .

في الخبر ما معناه : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأصحابه : أيّكم يكون مال الناس أحبّ إليه من مال نفسه قالوا : ليس فينا من يكون كذلك قال : بل كلكم كذلك ، فكل مال لا تقدموه و لم تصرفوه في مصارفكم يكون مال وراثكم و إنّما مالكم ما قدّمتموه لآخرتكم(٥) .

و قال الشيرازي بالفارسية :

خزينة دارى ميراث خوارگان كفر است

بقول مطرب و ساقى بفتواى دف و نى(٦)

____________________

( ١ ) الكامل في الأدب للمبرد ١ : ٩٢ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٣٧١ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ٢٦٤ ، حيث ذكر . و أعلم أنك لن تكتسب شيئا فوق قوتك إلاّ كنت خازنا فيه لغيرك .

( ٤ ) إرشاد المفيد : ١٢٥ ح ١ .

( ٥ ) ورد الحديث في بحار الأنوار ١٣ : ١٣٨ باسناد المجاشقي عن الصادق عن أبائهعليه‌السلام قال : قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله :

أيّكم مال وارثه أحب إليه من ماله ، قالوا : ما فينا أحد يحب ذلك با نبي اللَّه ، قال : بل كلّكم يحب ذلك ، ثم قال : يقول ابن آدم : مالي : مالي : و هل لك من مالك إلاّ ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدّقت فأمضيت و ما عدا ذلك فهو مال الوارث .

( ٦ ) ديوان حافظ الشيرازي : ٢٤٥ قطعة ( ٤٧٤ ) بالفارسية .

٤٦٢

٢٠ الحكمة ( ٢٢ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ حَسَبُهُ أقول : نسبه المصنف في ( مجازاته ) إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، و من العجب أنّه لم يومى‏ء ثمة و لا هنا إلى اختلاف رواية ، كما ان ابن أبي الحديد تفرّد بنقله في ( ٣٨٩ ) من الباب و زاد : و في رواية اخرى(٢) « من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب آبائه » و أمّا نقل ( المصرية ) له « نسبه » بدل « حسبه » فغلط(٣) .

ثم الظاهر في معناه ما قاله المصنف في ( مجازاته ) ، فإنّه قال في شرحه له : و هذه استعارة ، و المراد أنّ من تأخر بسوء عمله عن غايات الفضل و مواقف الفخر لم يتقدّم إليها بشرف نسبه و كريم حسبه ، فجعلصلى‌الله‌عليه‌وآله الإبطاء و الإسراع مكان التأخّر و التقدّم ، لأن المبطى‏ء متأخّر و المسرع متقدّم ، و أضافهما إلى العمل و النسب و هما في الحقيقة لصاحبهما لا لهما ، و لكنّ العمل و النسب لمّا كانا سبب الإبطاء و الإسراع ، حسن أن يضاف ذلك إليهما على طريق المجاز و الاتّساع(٤) .

لا ما قاله ابن أبي الحديد من أن كلامهعليه‌السلام ذاك حث على العبادة(٥) مثل قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « يا فاطمة بنت محمد إنّي لا اغني عنك من اللَّه شيئا ، يا عباس

____________________

( ١ ) الشريف الرضي ، المجازات النبوية : ٢٥٩ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ٣٣١ .

( ٣ ) انظر النسخة المصرية : ٦٦٢ رقم ( ٢٢ ) .

( ٤ ) الشريف الرضي ، المجازات النبوية : ٢٥٩ .

( ٥ ) راجع ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ١٨ : ١٣٤ .

٤٦٣

بن عبد المطلّب إنّي لا اغني عنك من اللَّه شيئا ، إنّ أكرمكم عند اللَّه أتقاكم . »(١) ، فإنّه عنه بعيد .

كان بحر ولد الأحنف و به كان الأحنف يكنى مضعوفا ، قيل له : ما يمنعك أن تجري في بعض أخلاق أبيك ؟ فقال : الكسل(٢) و كان لا يرى جارية إلاّ قال لها يا فاعلة ، فتقول لو كنت كما تقول ، أتيت أباك بمثلك(٣) .

و كما لا يوجب الحسب الشبع و الكسوة كذلك لا يوجب رفع الدرجة ، فمن ادّعى لنفسه درجة بحسبه كان كالوحيدي الذي يختال في مشيته في إزار في يوم قرّ ، فقيل له : من أنت يا مقرور ؟ قال :

« أنا ابن الوحيد أمشي الخيزلي ، و يدفئني حسبي و نسبي » .

٢١ الحكمة ( ٢٥ ) و قالعليه‌السلام :

مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاَّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ وَ صَفَحَاتِ وَجْهِهِ أقول : قد أكثروا من المعنى في الشعر ، قال ابن داود الاصبهاني :

لا خير في عاشق يبدي صبابته

بالقول و الشوق في زفراته بادي

يخفي هواه و ما يخفى على أحد

حتى على العيس و الركبان و الحادي

و قال ابن المعتزّ :

تفقّد مساقط لحظ المريب

فإنّ العيون وجوه القلوب

و طالع بوادره في الكلام

فإنّك تجني ثمار العيوب(٤)

____________________

( ١ ) أخرجه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٢ : ٣١ و ٢٥ و ابن سعد في طبقاته ٢ : ٤٦ و لم يذكره علماء الشيعة .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٥٩ ، كذلك أورده الجاحظ في البيان و التبيين ٢ : ٢٥٢ .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٥٩ ، و كذلك أورده البهائي في الكشكول : ٣٧١ .

( ٤ ) نهاية الأرب في فنون الأدب ٣ : ٩٩ .

٤٦٤

و قال البحتري :

نمّت على ما في ضميري أدمعي

و تتابع الصعداء من أنفاسي(١)

و قال سويد :

تحدّثني العينان ما القلب كاتم

و ما جنّ بالبغضاء و النظر الشزر(٢)

أي لا خفاء و لا ستر بهما ، و قال آخر :

و مراقبين تكاتما بهواهما

جعلا القلوب لمّا تجنّ قبورا

يتلاحظان تلاحظا فكأنّما

يتناسخان من الجفون سطورا(٣)

أيضا :

إن كاتمونا القلى نمّت عيونهم

و العين تظهر ما في القلب أو تصف(٤)

أيضا :

إذا قلوب أظهرت غير ما

تضمره أنبتك عنها العيون(٥)

أبو العتاهية :

و للقلب على القلب دليل حين يلقاه

و للناس من الناس مقاييس و أشباه

يقاس المرء بالمرء إذا ما هو ما شاه

و في العين غنى أن تنطق أفواه(٦)

أعرابية :

____________________

( ١ ) ديوان البحتري ٢ : ٣٣٥ .

( ٢ ) الصداقة و الصديق للتوحيدي : ١٠٩ و ذكره شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٢٧ .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٩ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ١٨١ .

( ٥ ) المصدر نفسه .

( ٦ ) إحياء علوم الدين للغزالي ٢ : ٢٤٨ .

٤٦٥

و مودّع يوم الفراق بلحظه

شرق من العبرات ما يتكلم(١)

أعرابي :

و ما خاطبتها مقلتاي بنظرة

فتفهم نجوانا العيون النواظر

و لكن جعلت الوهم بيني و بينها

رسولا فأدّى ما تجنّ الضمائر(٢)

زهير :

و ما يك في عدوّ أو صديق

تخبّرك العيون عن القلوب(٣)

دريد :

و ما تخفي الضغينة حيث كانت

و لا النظر الصحيح من السقيم(٤)

آخر :

كتمت الهوى حتى إذا نطقت به

بوادر من دمع تسيل على الخدّ

و شاع الذي أضمرت من غير منطق

كأنّ ضمير القلب يرشح من جلدي(٥)

آخر :

العين تبدي الذي في نفس صاحبها

من المحبّة أو بغض إذا كانا

و العين تنطق و الأفواه صامتة

حتى ترى من ضمير القلب تبيانا

آخر :

و عين الفتى تبدي الذي في ضميره

و تعرف بالنجوى الحديث المغمّما

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ٨٦ .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) البيت في ديوان زهير بن أبي سلمي : ١٦ ، بلفظ آخر :

متى تك في صديق أو عدو

تخبّرك الوجوه عن القلوب

( ٤ ) ديوان دريد بن الصمّة : ١٠٥ .

( ٥ ) الكامل في الأدب للمبرّد ٢ : ٧٠٣ .

٤٦٦

و قالوا : « رب طرف أفصح من لسان »(١) و في المثل : « كاد المريب يقول خذوني »(٢) .

و في ( العقد ) عن بعضهم : إنّي لأعرف في العين إذا عرفت و إذا أنكرت ، و إذا لم تعرف و لم تنكر أمّا إذا عرفت فتخوص و إذا أنكرت فتجحظ و إذا لم تعرف و لم تنكر فتشجو(٣) .

و في ( موفقيات الزبير بن بكّار ) في خبر : قال المأمون للأصمعي :

هات بيتا أنظر في معناه ، فقال :

فلا غرو إلاّ جارتي و سؤالها

ألا هل لنا أهل سئلت كذلكا

فجعل يفكر فيه ، و همّ أن يقول فقال له الأصمعي : أعد نظرا فقال : و كيف علمت قلت : رأيت ناظريك يجولان و قد استقرتا كان أوضح لاصابتك .

فضحك حتى انثنى ثم قال فأصاب ، فقلت : أصبت و اللَّه و أحسنت(٤) .

و في ( الأغاني ) : أدرك النمر بن تولب العكلي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأسلم و حسن اسلامه و عمّر فطال عمره ، و كان جوادا واسع القرى كثير الأضياف وهّابا لماله ، فلمّا كبر خرف و اهتر فكان هجيراه « أصبحوا الرّاكب ، أغبقوا الراكب ، أقروا إنحروا للضيف ، أعطوا السائل ، تحمّلوا لهذا في حمالته كذا و كذا » لعادته بذلك في أيام استقامته ، فلم يزل مدّة خرفه يهذي بهذه حتى مات .

و خرفت امرأة من حيّ كرام عظيم خطرها فيهم ، فكان هجيرها « زوّجوني قولوا لزوجي يدخل ، مهّدوا لي إلى جانب زوجي » ، فبلغ خبرها عمر

____________________

( ١ ) فرائد الأدب من المنجد : ٩٩٨ .

( ٢ ) و هو من الأمثلة الجارية على الالسن لم نعثر له على مصدر .

( ٣ ) العقد الفريد لابن عبد ربّه ٢ : ٣٥٤ .

( ٤ ) الموفقيات للزبير بن بكّار : ٧٤ ٧٥ .

٤٦٧

فقال : ما لهج به أخو عكل في خرفه أجمل ممّا لهجت به صاحبتهم(١) .

هذا و في ( البيان ) دخل رجل على آخر يأكل اترجّة بعسل ، فأراد أن يقول السلام عليكم فقال عسليكم(٢) .

و دخلت جارية رومية على راشد البستي لتبلغه عن مولاتها ، فبصرت بحمار قد أدلى في الدار فقالت : قالت مولاتي كيف أير حماركم(٣) ؟

و من أمثالهم « لحظ أصدق من لفظ » يعني أثر الحب و البغض يظهر في العين فيفهم ان اللفظ الذي على خلافه كذب و مين(٤) .

٢٢ الحكمة ( ٢٦ ) و قالعليه‌السلام :

اِمْشِ بِدَائِكَ مَا مَشَى بِكَ أقول : روى ( الخصال ) عن الصادقعليه‌السلام قال : من ظهرت صحّته على سقمه فيعالج بشي‏ء فمات فأنا إلى اللَّه منه بري‏ء(٥) .

٢٣ الحكمة ( ٤٩ ) و قالعليه‌السلام :

اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ

____________________

( ١ ) الأغاني للأصفهاني ٢٢ : ٢٧٩ ٢٨٠ .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ١٧٨ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) مجمع الأمثال للميداني ٢ : ٢١٠ .

( ٥ ) الخصال للصدوق ١ : ٢٦ ح ٩١ .

٤٦٨

أقول : نسبه الجاحظ(١) إلى أردشير و ابن قتيبة(٢) إلى كسرى ، فان فرض صحة قولهما فكسرى لم يعبر باللفظ بل بمعناه .

و كيف كان فهو نظير كلامهعليه‌السلام الآخر « الكريم يلين إذا استعطف و اللّئيم يقسو إذا الطف » .

« احذروا صولة الكريم إذا جاع » قال الصولي في ابن الزيّات :

أسد ضار إذا مانعته

و أب برّ إذا ما قدرا

يعرف الأبعد إن أثرى و لا

يعرف الأدنى إذا ما افتقرا(٣)

و قال البحتري :

اراقب صول الوغد حين يهزّه

اقتدار وصول الحرّ حين يضام(٤)

و قال قرواش بن مقلد الحجازي

للَّه در النائبات فإنّها

صدأ اللئام و صيقل الأحرار

ما كنت إلاّ زبرة فطبعنني

سيفا و أطلق صرفهن غراري(٥)

و كان يحيى البرمكي يقول : مطلك الغريم أحسم من مطلك الكريم ، لأن الغريم لا يسلف إلاّ من فضل و الكريم لا يطلب إلاّ من جهد(٦) .

« و اللّئيم إذا شبع » ليس المراد اختصاص ذمّه بحال شبعه ، فاللّئيم مذموم في جميع أحواله و في حال شبعه أسوأ ، قال مسكين الدارمي :

إنّما الفحش و من يعتاده

كغراب السّوء ما شاء نعق

____________________

( ١ ) البيان و التبيين للجاحظ ٣ : ١٦٩ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٢٣٨ .

( ٣ ) الأغاني ١٠ : ٦٥ ( في أخبار إبراهيم بن العباس ، و هو بلفظ : « أسد ضار إذا هيّجته » ) .

( ٤ ) ديوان البحتري ١ : ٤٣٢ ( دار الكتب العلمية ) .

( ٥ ) وفيات الأعيان لابن خلكان ٥ ، و قد مرّ ذكر التبيين في ص ٢٣٢ في الفصل ٦٠ .

( ٦ ) تاريخ الوزراء و الكتاب للجهشياري : ٢٠٠ .

٤٦٩

أو حمار السوء إن أشبعته

رمح الناس و إن شاء نهق

أو غلام السوء إن جوّعته

سرق الجار و إن يشبع فسق(١)

و قال بعضهم لعبد : أشتريك من مولاك ؟ قال : لا قال : و لم ؟ قال : لأنّي إن أشبعت أحببت نوما ، و ان جعت أبغضت قوما أي : قياما .

و في ( الأغاني ) : اتي عثمان بعبد بني الحسحاس(٢) ليشتريه فأعجب به فقالوا : انّه شاعر و أرادوا أن يرغّبوه فيه فقال : لا حاجة لي به ، العبد الشاعر إن شبع تشبّب بنساء أهله و إن جاع هجاهم(٣) .

هذا ، و في ( الأغاني ) آلى امرؤ القيس أن لا يتزوّج امرأة حتى يسألها عن ثمانية و أربعة و ثنتين ، فجعل يخطب النساء فإذا سألهن عن هذا قلن : أربعة عشر ، فبينا هو يسير في جوف الليل إذا هو برجل يحمل ابنة صغيرة كأنّها البدر ، فأعجبته فقال لها : يا جارية ما ثمانية و أربعة و ثنتان ؟ فقالت : أمّا ثمانية فأطباء الكلبة ، و أمّا أربعة فأخلاف الناقة ، و أمّا ثنتان فثديا المرأة فخطبها إلى أبيها فزوّجه إيّاها و شرطت هي عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال فجعل لها ذلك و على أن يسوق إليها مائة من الإبل و عشرة أعبد و عشر و صائف و ثلاثة أفراس ففعل ذلك .

ثم إنّه بعث عبدا له إلى المرأة و أهدى إليها نحيا من سمن و نحيا من عسل و حلّة من قصب ، فنزل العبد ببعض المياه فنشر الحلة و لبسها فتعلقت بشجرة فانشقّت ، و فتح النحيين فطعم أهل الماء منهما فنقصا ثم قدم على حيّ المرأة و هم خلوف ، فسألها عن أبيها و امها و أخيها و دفع إليها هديّتها ، فقالت

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٣٢ .

( ٢ ) اسمه سحيم ، و كان عبدا أسود نوبيا أعجميا مطبوعا في الشعر ، فاشتراه بنو الحسحاس ، و هم بطن من بني أسد .

( ٣ ) الأغاني ٢٢ : ٣٠٦ .

٤٧٠

له : أعلم مولاك أنّ أبي ذهب يقرّب بعيدا و يبعد قريبا ، و أنّ امّي ذهبت تشقّ النفس نفسين ، و أنّ أخي يرعى الشمس ، و أن سماءكم انشقّت ، و أنّ وعاءيكم نضبا .

فقدم الغلام على مولاه فأخبره فقال : أمّا قولها : « ذهب أبي يقرّب بعيدا و يبعد قريبا » فإن أباها ذهب يحالف قوما على قومه ، و أمّا قولها : « ذهبت امّي تشق النفس نفسين » فإنّ امّها ذهبت تقبّل امرأة نفسا ، و أما قولها : « إنّ أخي يرعى الشمس » فإنّ أخاها في سرح له يرعاه فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به ، و أمّا قولها : « إن سماءكم انشقّت » فإن البرد الذي بعثت به انشقّ ، و أمّا قولها : « إنّ وعاءيكم نضبا » فإنّ النحيين اللّذين بعثت بهما نقصا فأصدقني فقال : نزلت بماء فسألوني عن نسبي فأخبرتهم أنّي ابن عمك و نشرت الحلة فانشقّت و فتحت النحيين و أطعمت منهما أهل الماء فقال : أولى لك .

ثم ساق مائة من الإبل و خرج نحوها و معه الغلام ، فنزلا منزلا فخرج الغلام يسقي الإبل فعجز فأعانه امرؤ القيس فرمى به الغلام في البئر و ذهب إلى المرأة بالإبل و أخبرهم أنّه زوجها ، فقالت : و اللَّه ما أدري أهو أم لا و لكن انحروا له جزورا و أطعموه من كرشها و ذنبها ، ففعلوا فقالت : اسقوه لبنا خازرا و هو الحامض فسقوه فشرب ، فقالت : افرشوا له عند الفرث و الدم ففرشوا له فنام ، فلمّا أصبحت أرسلت إليه إنّي اريد أن أسألك ، فقال : سلي عمّا شئت فقالت : ممّ تختلج شفتاك ؟ قال : لتقبيلي إيّاك قالت : فممّ تختلج كشحاك ؟

قال : لالتزامي إيّاك قالت : فممّ يختلج فخذاك ؟ قال : لتوريكي إيّاك قالت : عليكم العبد فشدوا أيديكم به ففعلوا .

قال : و مرّ قوم فاستخرجوا امرأ القيس من البئر ، فرجع إلى حيّه فاستاق

٤٧١

مائة من الابل و أقبل إلى امرأته ، فقيل لها قد جاء زوجك ، قالت ما أدري و لكن انحروا له جزورا و أطعموه من كرشها و ذنبها ، فلما أتوه بذلك قال : و أين الكبد و السّنام و الملحاء(١) فأبى أن يأكل ، فقالت : اسقوه لبنا خازرا فأبى أن يشربه و قال : فأين الصّريف(٢) و الرثيئة(٣) ، فقالت : افرشوا له عند الفرث و الدم فأبى أن ينام و قال : افرشوا لي فوق التلعة الحمراء و اضربوا عليها خباء ، ثم أرسلت إليه هلم شريطتي عليك في المسائل الثلاث ، فأرسل إليها أن سلي عمّا شئت ، فقالت : ممّ يختلج شفتاك ؟ قال : لشربي المشعشعات قالت : فكشحاك ؟ قال :

للبسي الحبرات قالت : ففخذاك ؟ قال : لركضي المطهّمات قالت : هذا زوجي لعمري فعليكم به و اقتلوا العبد(٤) .

٢٤ الحكمة ( ٥٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَالُ مَادَّةُ اَلشَّهَوَاتِ أقول : في ( عيون القتيبي ) كان يقال : عيب الغنى أنّه يورث البله ، و فضيلة الفقر أنّه يورث الفكرة(٥) .

و قال الحسن : عيّرت اليهود عيسىعليه‌السلام بالفقر فقال : من الغنى اوتيتم(٦) .

____________________

( ١ ) الملحاء : لحم في الصلب من الكاهل إلى العجز من البعير .

( ٢ ) الصريف : الحليب الحار ساعة يصرف عن الضرع .

( ٣ ) الرثيئة : اللبن الذي يصبح روبا .

( ٤ ) الأغاني للأصفهاني ٩ : ١٠١ ١٠٢ .

( ٥ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٢٤٦ .

( ٦ ) المصدر نفسه .

٤٧٢

و قيل : حسبك من شرف الفقر ، أنّك لا ترى أحدا يعصي اللَّه ليفتقر ، و العاصي لتحصيل الغنى كثير(١) و قال محمود الورّاق :

يا عائب الفقر ألا تزدجر

عيب الغنى أكثر لو تعتبر

من شرف الفقر و من فضله

على الغنى إن صحّ منك النظر

إنّك تعصي اللَّه تبغي الغنى

و لست تعصي اللَّه كي تفتقر(٢)

و في ( الخصال ) عن الصادقعليه‌السلام : يقول إبليس : ما أعياني من ابن آدم فلن يعيني منه واحدة من ثلاث : أخذ مال من غير حقّه ، أو منعه من حقه ، أو وضعه في غير وجهه(٣) .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام قال تعالى لموسىعليه‌السلام : إذا رأيت الفقر مقبلا فقل : مرحبا بشعار الصالحين ، و إذا رأيت الغنى مقبلا فقل : ذنب عجّلت عقوبته(٤) .

و عنهعليه‌السلام : جاء رجل موسر نقي الثوب إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فجلس إليه ، فجاء معسر درن الثوب فجلس إلى جنبه ، فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أخفت أن يمسّك من فقره شي‏ء ؟ قال : لا قال : فخفت أن يصيبه من غناك شي‏ء ؟ قال : لا قال : فخفت أن توسخ ثيابك ؟ قال : لا قال : فما حملك على ما صنعت ؟ قال : إنّ لي قرينا يزيّن لي كلّ قبيح و يقبّح لي كلّ حسن ، و قد جعلت له نصف مالي فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للمعسر : أتقبل ؟ قال : لا فقال له الرجل :

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٠ ، و عيون الأخبار ١ : ٢٤٧ و نسبه الماوردي إلى عمر بن الخطاب ( أدب الدنيا و الدين ) : ٢١٥ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٢٤٩ ، و شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٠ ، التبيين الأوّل و الأخير .

( ٣ ) الخصال للصدوق ١ : ١٣٢ ح ١٤١ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٣ ح ١٢ .

٤٧٣

و لم ؟ قال : أخاف أن يدخلني ما دخلك(١) .

و قال تعالى : أَيَحسَبُونَ أنَّما نُمِدُّهم بهِ مِن مالٍ و بنين نُسارِعُ لَهُم في الخيراتِ بل لا يشعُرون(٢) فلا تُعجبك أَموالُهُم و لا أَولادهم إِنَّما يريدُ اللَّه ليُعذبهُم بها في الحَياة الدُنيا و تَزهَق أَنفُسُهم و هُم كافرون(٣) و ما أَموالُكم و لا أَولادُكم بالَّتي تُقرّبُكم عندنا زُلفى إِلاَّ من آمن و عَمِلَ صالحاً فأُولئكَ لَهُم جَزاءُ الضِعفِ بما عملوا و هُم في الغُرفاتِ آمنُونَ(٤) .

٢٥ الحكمة ( ٤٠٦ ) و قالعليه‌السلام :

مَا أَحْسَنَ تَوَاضُعَ اَلْأَغْنِيَاءِ لِلْفُقَرَاءِ طَلَباً لِمَا عِنْدَ اَللَّهِ وَ أَحْسَنُ مِنْهُ تِيهُ اَلْفُقَرَاءِ عَلَى اَلْأَغْنِيَاءِ اِتِّكَالاً عَلَى اَللَّهِ أقول : إنّما روى المسعودي و الخطيب و ابن طاووس أنّهعليه‌السلام قال هذا الكلام في المنام ، قال الأول في ( مروجه ) بعد نقل خبر قال سمعته من إبراهيم بن جابر القاضي قبل ولايته القضاء و هو يومئذ ببغداد يعالج الفقر و يتلقّاه من خالقه بالرضا ناصرا للفقر على الغنى فما مضت أيام حتى لقيته بحلب في سنة تسع و ثلاثمائة و إذا هو بالضدّ عمّا عهدته ، متولّيا القضاء ، ناصرا للغنى على الفقر ، فقلت له : أيها القاضي تلك الحكاية التي كنت تحكيها عن الوالي بالريّ و أنّه قال لك : إعترضتني الخواطر بين منازل الفقراء و الأغنياء فرأيت في النوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال لي : يا

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٢ ح ١١ .

( ٢ ) المؤمنون : ٥٥ ٥٦ .

( ٣ ) التوبة : ٥٥ .

( ٤ ) سبأ : ٣٧ .

٤٧٤

فلان ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء شكرا للَّه تعالى ، و أحسن منه تعزّز الفقراء على الأغنياء ثقة باللَّه تعالى إلى أن قال و ركب بعد ذلك الهماليج من الخيل و قطع لزوجته أربعين ثوبا تستريا على مقراض واحد(١) .

و قال الثاني في ( تاريخه ) في عبد اللَّه بن بشران قال أبو الحسين القاضي : سمعت الفتح بن شخرف يقول : رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام في النوم فقلت له : أوصني فقال : ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء ، و أحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء فقلت له : زدني ، فأومى إليّ بكفّه فإذا فيه مكتوب :

قد كنت ميتا فصرت حيّا

و عن قليل تصير(٢) ميتا

أعيى بدار الفناء بيت

فابن بدار البقاء بيتا(٣)

و نقله في الفتح نفسه أيضا ، و في تشريف علي بن طاووس الذي جمع فيه ثلاث فتن من العامة و ينقل فيه من كتب أخرى .

و من ( المجموع ) الذي لمحمد بن الحسين المرزبان ذكر يسير بن الحرث أنّه رأى أمير المؤمنين في المنام فقال : تقول شيئا لعل اللَّه ينفعني به فقال : ما أحسن عطف الأغنياء على الفقراء ، و أحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء ثقة باللَّه فقلت : زدني ، فولّى و هو يقول :

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ٢٦٤ .

( ٢ ) و في نسخة التحقيق ( تعود ) بدلا من ( تصير ) .

( ٣ ) ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه هكذا : بينما أنا نائم إذا أنا بشخصين ، فقلت للذي يقرب منّي : من أنت يا هذا ؟

فقال : لي من ولد آدم ، قلت : كلّنا من ولد آدم ، قلت : له : أنت قريب منه و لا تسأله ، قال : أخشى أن يقول النّاس إنّي رافضي ، فتنحّى من مكانه ، و قعدت فيه ، فقلت : يا أمير المؤمنين كلمة خير شي‏ء فقال لي : نعم صدقة المؤمن بلا تكلّف و لا ملل ، قال قلت : زدني يا أمير المؤمنين ، قال : تواضع الغني للفقير رجاء ثواب اللَّه ، قلت : زدني يا أمير المؤمنين ، قال و أحسن من ذلك ترفع الفقير على الغني ثقة باللَّه ، قلت زدني يا أمير المؤمنين ، قال فبسط كفه ، فإذا فيها مكتوب ( و ذكر التبيين ) راجع تاريخ بغداد ٩ : ٤٢٦ .

٤٧٥

قد كنت ميتا فصرت حيا

و عن قليل تصير ميتا

عزّ بدار الفناء بيت

فأبن بدار البقاء بيتا(١)

« ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لمّا عند اللَّه » في ( الكافي ) عن إسحاق بن عمّار قال لي أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : كيف تصنع بزكاة مالك إذا حضرت ؟

فقلت : يأتوني إلى المنزل فاعطيهم فقال : أراك يا إسحاق قد أذللت المؤمنين ، فإيّاك إيّاك إنّ اللَّه تعالى يقول : من أذلّ لي وليّا فقد أرصد لي بالمحاربة(٢) .

و في ( تاريخ بغداد ) : كان عمارة بن حمزة أتيه النّاس حتى ضرب به المثل فقيل : « أتيه من عمارة » ، و استأذن عليه قوم ليشفعوا إليه في برّقوم أصابتهم حاجة و كان قام عن مجلسه فأخبره حاجبه بحاجتهم فأمر لهم بمائة ألف درهم ، فاجتمعوا إليه ليدخلوا عليه للشكر له فقال لحاجبه : إقرأهم سلامي و قل لهم إنّي رفعت عنكم ذل المسألة فلا أحمّلكم مؤونة الشكر(٣) .

« و أحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالا على اللَّه » في ( حلية أبي نعيم ) :

جاء ابن لسليمان بن عبد الملك فجلس إلى جنب طاووس اليماني ، فلم يلتفت إليه فقيل له : جلس إليك ابن الخليفة فلم تلتفت إليه ، فقال : أردت أن يعلم أنّ للَّه تعالى عبادا يزهدون في ما في يديه و قال عمر بن عبد العزيز له : إرفع حاجتك إلى الخليفة يعني سليمان فقال : مالي إليه حاجة(٤) .

و في ( تاريخ بغداد ) : قال عيسى بن يونس : ما رأيت الأغنياء و السلاطين

____________________

( ١ ) الملاحم و الفتن لابن طاووس : ١٥٢ .

( ٢ ) لم نعثر عليه في الكافي انما وجدناه في بحار الأنوار ٩٦ : ٧٧ رواية ٢ نقلا عن أمالي الطوسي ١ : ١٩٨ و مجالس المفيد : ١١٣ .

( ٣ ) تاريخ بغداد ١٢ : ٢٨٠ .

( ٤ ) حلية الأولياء ٤ : ١٦ ، و هو طاووس بن كيسان أبو عبد الرحمن من أهل اليمن أدرك خمسين رجلا من الصحابة و علمائهم و أعلامهم ، و أكثر روايته عن ابن عباس .

٤٧٦

عند أحد أحقر منهم عند الأعمش مع فقره و حاجته(١) .

و في ( المعجم ) : وجّه سليمان بن علي والي الأهواز إلى الخليل لتأديب ولده ، فأخرج لرسوله خبزا يابسا و قال : ما دمت أجده فلا حاجة لي إلى سليمان(٢) .

و في ( العيون ) : قال معاوية لحضين بن المنذر و كان يدخل عليه في أخريات الناس يا أبا ساسان كأنّه لا يحسن اذنك ، فأنشأ يقول :

كلّ خفيف الشأن يسعى مشمّرا

إذا فتح البوّاب بابك إصبعا

و نحن الجلوس الماكثون رزانة

و حلما إلى أن يفتح الباب أجمعا(٣)

٢٦ الحكمة ( ٣٠٧ ) و قالعليه‌السلام :

يَنَامُ اَلرَّجُلُ عَلَى اَلثُّكْلِ وَ لاَ يَنَامُ عَلَى اَلْحَرَبِ قال الرضي : و معنى ذلك أنه يصبر على قتل الأولاد و لا يصبر على سلب الأموال .

أقول : في ( كامل المبرد ) ان رجلا من قريش بعث إلى رجل منهم و كان أخذ غلاما له يا هذا إنّ الرجل ينام على الثكل و لا ينام على الحرب ، فإمّا رددته و إمّا عرضت اسمك على اللَّه كلّ يوم و ليلة خمس مرّات(٤) .

و في ( نسب قريش ابن بكار ) : كان عبد اللَّه بن عروة بن الزبير دخل على هشام عام حج بالمدينة ، فقال : إنّك أطعمت إبراهيم بن هشام ما بين منابت

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٩ : ٨ في ترجمة سليمان الأعمش .

( ٢ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ١١ : ٧٥ .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٨٨ .

( ٤ ) الكامل في الأدب للمبرد ١ ( طبع القاهرة ) : ٧٤ .

٤٧٧

الزيتون من الشام إلى منابت القرظ(١) من اليمن فلم يغنه كثيرا ما بيده عن قليل ما بأيدينا ، و إنّا و اللَّه ما طبنا أنفسا بفراق الأحبة إلاّ بما ترك بأيدينا من معايشنا ، و لو لا ذلك لاخترنا بطن الأرض على ظهرها ، و قد أعطيتمونا من الأمان ما قد علمتم ، فإمّا وفيتم لنا بعهدنا أو رددتم إلينا سيوفنا فأعجب قوله هشاما(٢) .

و في ( الاستيعاب ) أخذ أبو سفيان سعد بن النعمان الأنصاري أسيرا ففدا به ابنه عمرا و كان أسر يوم بدر فقيل له : ألا تفتديه ؟ فقال : قتل حنظلة و أفتدي عمرا بمالي فأصاب بمالي و ولدي لا أفعل و لكني أنتظر حتى أصيب منهم رجلا فأفديه به ، فأصاب سعدا هذا(٣) ، و قال ابن أبي الحديد قال الشاعر :

لنا إبل غرّ يضيق فضاؤها

و يغبرّ عنها أرضها و سماؤها

فمن دونها أن تستباح دماؤنا

و من دوننا أن تستباح دماؤها

حمى و قرى فالموت دون مرامها

و أيسر أمر يوم حق فناؤها(٤)

قلت : و ربطه بما نحن فيه كما ترى .

٢٧ الحكمة ( ٣١٥ ) وَ قَالَ ع لِكَاتِبِهِ ؟

 عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ رَافِعٍ ؟ : أَلِقْ دَوَاتَكَ وَ أَطِلْ جِلْفَةَ قَلَمِكَ وَ فَرِّجْ بَيْنَ اَلسُّطُورِ وَ قَرْمِطْ بَيْنَ اَلْحُرُوفِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَجْدَرُ بِصَبَاحَةِ اَلْخَطِّ أقول : روى ( الخصال ) عنهعليه‌السلام : كتب إلى عماله : أدقّوا أقلامكم و قاربوا

____________________

( ١ ) في الأصل « القرط » بدلا من ( القرظ ) .

( ٢ ) نسب قريش لابن بكار : ٢٤٦ بتصرف في النقل .

( ٣ ) الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر ٢ : ٦٠٦ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢١٣ .

٤٧٨

بين سطوركم و أحذفوا من فضولكم و اقصدوا قصد المعاني و إيّاكم و الإكثار فإنّ أموال المسلمين لا تحتمل الإضرار(١) .

قول المصنف « لكاتبه عبيد اللَّه بن رافع » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) و الصواب : ( عبيد اللَّه بن أبي رافع ) كما في ابن أبي الحديد(٣) ، و عنون ( الخطيب ) عبيد اللَّه بن أبي رافع و وثقه و روى عنه حديث ذي الثديّة(٤) .

و قال المبرد في ( كامله ) : كان لأبي رافع بنون أشراف منهم عبيد اللَّه بن أبي رافع و حديثه أثبت الحديث عن عليعليه‌السلام (٥) .

و قال الشيخ في ( فهرسته ) : له كتاب قضايا أمير المؤمنين و كتاب تسمية من شهد الجمل و صفّين و النهر من الصحابة(٦) .

و كتبوا في كتّابه غير عبيد اللَّه ، عبد اللَّه بن جعفر الطيار و سعيد بن عمران الهمداني .

و في ( المعجم ) : كان محمد بن علي بن مقلة أوحد الدنيا في كتبه قلم الرقاع و التوقيعات ، و كان أخوه أبو عبد اللَّه بن مقلة أكتب منه في قلم الدفاتر و النسخ(٧) .

و في ( كامل الجزري ) : الحسين بن علي بن خازن أبو الفوارس صاحب

____________________

( ١ ) الخصال للصدوق ١ : ٣١٠ ح ٨٥ .

( ٢ ) راجع الطبعة المصرية لشرح محمّد عبده ٧٤١ رقم ( ٣١٧ ) .

( ٣ ) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٢٣ .

( ٤ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١٠ : ٣٠٥ و عبيد اللَّه ابن أبي رافع هو فولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و اسم أبي رافع أسلم ، سمع أباه و علي بن أبي طالب ، و أبا هريره ، و كان كاتب علي بن أبي طالب ، و حضر معه وقعة الخوارج و النهروان ( تاريخ بغداد ١ : ٣٠٤ ) .

( ٥ ) الكامل في الأدب للمبرّد ٢ : ٢٩٥ .

( ٦ ) فهرست الشيخ : ١٠٧ .

( ٧ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ٩ : ٢٩ في ترجمة محمد بن علي بن مقلة .

٤٧٩

الخط الجيّد مات سنة ( ٤٩٩ ) قيل كتب خمسمائة ختمة(١) .

و قالوا : كان الأحدب المزور يكتب خط كلّ أحد فلا يشك المكتوب عنه أنّه خطه مات سنة ( ٣٧٠ )(٢) .

« ألق دواتك » قال ابن أبي الحديد : الاق لغة قليلة بها جاء كلامهعليه‌السلام و « لاق » هي الكثيرة .

قلت : بل ألاق أيضا كثيرة مثل لاق ، قال ابن دريد في ( جمهرته ) ( باب ما اتفق عليه أبو زيد و أبو عبيدة ممّا تكلمت به العرب من فعلت و أفعلت ) إلى أن قال : و لقت الدواة و القتها و نقل في بعض أمثلته خلاف الأصمعي في « فعل » أو « أفعل » و لم يذكر هنا شيئا فيعلم أنّه غير خلافي ، و قرّره حتى الأصمعي الذي يستشكل في كثير ممّا نقل عن العرب بعدم الثبوت(٣) ، و مثله الفيروز آبادي في قاموسه ذكر « لاق » و « الاق » بدون تفاضل(٤) ، إلاّ أنّ ابن أبي الحديد قلّد فيما قال الجوهري ، فإنه قال : لاقت الدواة تليق أي لصقت ، و لقتها أنا يتعدّى و لا يتعدّى ، و ألقتها لغة قليلة(٥) و هو خطأ منه لمّا عرفت .

بل المفهوم من ( الصولي ) كون ( لاق ) لغة قليلة بل غير محقّقة ، فقال في ( أدب كاتبه ) : ألقت الدواة إذا أردت كرسفها حتى تسود إلى أن قال

____________________

( ١ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري ١٠ : ٤١٥ س ٤٩٩ بتصرف .

( ٢ ) ذكر ابن الأثير فيمن توفى سنة ( ٣٧٠ ) و فيها توفى علي بن محمّد الأحدب المزور ، و كان يكتب على خط كل واحد فلا يشك المكتوب عنه انه خطه ، و كان عضد الدولة إذا أراد الايقاع بين الملوك امره ان يكتب على خط بعضهم إليه في الموافقة على من يريد فساد الحال بينه ، تم يتوصل ليصل المكتوب إليه ، فيفسد الحال ، و كان هذا الأحدب ربّما ختمت يده لهذا السبب ( الكامل في التاريخ ٩ : ٨ ) .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٣ : ٤٣٦ مادة ( لاق ) .

( ٤ ) القاموس المحيط للفيروز آبادي ٣ : ٢٨١ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٢٣ ، و الصحاح ٤ : ١٥٥٢ مادة ( ليق ) .

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639