بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247488 / تحميل: 8639
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

و عن الباقرعليه‌السلام : قال تعالى : و عزّتي و جلالي لا يؤثر عبد مؤمن هواي على هواه في شي‏ء من أمر الدّنيا إلاّ جعلت غناه في نفسه و همّه في آخرته ، و ضمنت السماوات و الأرض رزقه ، و كنت له من وراء تجارة كلّ تاجر(١) .

و في ( المروج ) كان إسحاق بن إبراهيم بن مصعب على بغداد أي : في خلافة المتوكل فرأى في منامه كأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له « أطلق القاتل » ، فارتاع لذلك روعا عظيما و نظر في الكتب الواردة لأصحاب الحبوس فلم يجد فيها ذكر قاتل ، فأمر باحضار السندي و عباس فسألهما هل رفع إليهما أحد ادّعي عليه بالقتل فقال له العباس : نعم و قد كتبنا بخبره ، فأعاد النظر فوجد الكتاب في أضعاف القراطيس و اذا الرجل قد شهد عليه بالقتل و أقر به ، فأمر باحضاره و قال له : إن صدقتني أطلقتك ، فذكر أنّه كان هو وعدّة من أصحابه يرتكبون كلّ عظيمة و يستحلّون كلّ محرم و أنّه كان اجتماعهم في منزل بمدينة المنصور يعكفون فيه على كلّ بلية ، فلمّا كان في هذا اليوم جاءتهم عجوز تختلف إليهم للفساد و معها جارية بارعة الجمال ، فلمّا توسط الجارية الدار صرخت صرخة ، فبادرت إليها من بين أصحابي فأدخلتها بيتا و سكّنت روعتها و سألتها عن قصتها فقالت : اللَّه اللَّه فيّ فإنّ هذه العجوز خدعتني و أعلمتني أنّ في خزانتها حقا لم ير مثله ، فشوّقتني إلى النظر إليه فخرجت معها واثقة بقولها فهجمت بي عليكم ، و جدّي رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله و امّي فاطمةعليها‌السلام و أبي الحسن بن عليعليهما‌السلام فاحفظوهم فيّ ، فضمنت خلاصها و خرجت إلى أصحابي فعرّفتهم ، فكأنّي أغريتهم بها و قالوا : لمّا قضيت حاجتك منها أردت صرفنا عنها ، و بادروا إليها و قمت دونها أمنع عنها ، فتفاقم الأمر بيننا إلى أن نالتني جراح ، فعمدت إلى أشدّهم في أمرها و أكلبهم على هتكها فقتلته ، و لم

____________________

( ١ ) بحار الأنوار ٧٠ : ٧٥ رواية ٢ .

٥٢١

أزل أمنع عنها إلى أن خلّصتها و أخرجتها من الدار فقالت : سترك اللَّه كما سترتني و كان لك كما كنت لي و سمع الجيران الضجّة فتبادروا إلينا و السكين في يدي و الرجل يتشحّط في دمه ، فرفعت على هذه الحالة فقال له إسحاق : قد عرفت لك ما كان من حفظك للمرأة و وهبتك للَّه و لرسوله قال :

فوحق من وهبتني له لا عاودت معصية و لا دخلت في ريبة حتى ألقى اللَّه تعالى ، فأخبره إسحاق بالرؤيا التي رآها و أنّ اللَّه لم يضيّع له ذلك ، و عرض عليه برّا واسعا فأبى قبول شي‏ء(١) .

و في ( المعجم ) عن المبرد أنّ يهوديا بذل للمازني مائة دينار ليقرئه كتاب سيبويه ، فامتنع من ذلك فقيل : لم امتنعت مع حاجتك و عيلتك ؟ فقال : إنّ في كتاب سيبويه كذا و كذا آية من كتاب اللَّه فكرهت أن أقرى‏ء كتاب اللَّه للذمة ، فلم يمض على ذلك إلاّ مديدة حتى أرسل الواثق في طلبه و أخلف اللَّه عليه أضعاف ما تركه للَّه ، فبعث إليه يسأله عن قول الشاعر :

أظليم إن مصابكم رجلا

أهدى السّلام تحية ظلم(٢)

هل يصحّ رفع « رجل » ؟ فأجابه : لا لأنّه ليس بخبر و إنّما الخبر « ظلم » لأن به يتمّ الكلام ، فأمر له بألف دينار و في كل شهر مائة(٣) .

و في الأول : « و من كان له من نفسه واعظ كان عليه من اللَّه حافظ » قال تعالى :

( و الَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنهديَنَّهُم سُبلنا ) (٤) و في الثاني : « من أصلح سريرته

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ١٢ .

( ٢ ) ذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان ١ : ٢٨٤ و نسبه إلى العرجي ، و نسبه البغدادي في خزانة الأدب ١ : ٣١٧ ، إلى الحارث بن خالد المخزومي .

( ٣ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ٧ : ١١١ ١١٢ ، و ذكرها البيهقي في المحاسن و المساوى : ٤٠ ، ( طبع بيروت ) .

( ٤ ) العنكبوت : ٦٩ .

٥٢٢

أصلح اللَّه علانيته » نقل كشكول البهائي(١) عن تفسير القاضي(٢) قال : روى الحارث الهمداني عن أمير المؤمنين كرّم اللَّه وجهه قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ما من عبد إلاّ و له جوّاني و برّاني يعني سريرة و علانية فمن أصلح جوانيه أصلح اللَّه برّانيه ، و من أفسد جوانيه أفسد اللَّه برانيه ، و ما من أحد إلاّ و له صيت في أهل السماء ، فإذا حسن وضع اللَّه له ذلك في أهل الأرض ، و إذا ساء صيته في السماء وضع له ذلك في الأرض ، فسئل عن صيته ما هو ، قال : ذكره .

و أقول : الصيت يقال له بالفارسية : « آوازه » .

٤٥ الحكمة ( ١٠٦ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ يَتْرُكُ اَلنَّاسُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ لاِسْتِصْلاَحِ دُنْيَاهُمْ إِلاَّ فَتَحَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام ، ما من عبد يمنع درهما في حقّه إلاّ أنفق اثنين في غير حقّه ، و ما من رجل يمنع حقّا من ماله إلاّ طوقه اللَّه تعالى به حيّة من نار يوم القيامة(٣) .

و في ( الفقيه ) عن الباقرعليه‌السلام : ما من عبد يؤثر على الحجّ حاجة من حوائج الدنيا إلاّ نظر إلى المحلّقين قد انصرفوا قبل أن يقضى له تلك الحاجة(٤) .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام قال لسماعة : مالك لا تحجّ العام ؟ قال :

معاملة كانت بيني و بين أقوام و أشغال و عسى أن يكون ذلك خيره فقال : لا

____________________

( ١ ) كشكول البهائي : ١٠٢ طبع القاهرة .

( ٢ ) تفسير البيضاوي للقاضي : لم يرد هذا النص في تفسير البيضاوي ، و قد وقع ذلك سهوا من العلاّمة التستري أنظر الكشكول .

( ٣ ) الكافي للكليني ٣ : ٥٠٤ من حديث عبيد بن زراره .

( ٤ ) من لا يحضره الفقيه ٢ : ٢٢٠ ح ٢٢٢٦ .

٥٢٣

و اللَّه ما فعل اللَّه لك في ذلك من خيره ثم قال : ما حبس عبد عن هذا البيت إلاّ بذنب و ما يعفو أكثر(١) .

و عنهعليه‌السلام : إذا قام العبد في الصلاة فخفّف صلاته قال تعالى لملائكته :

أما ترون إلى عبدي كأنّه يرى ان قضاء حوائجه بيد غيري ، أما يعلم أن قضاء حوائجه بيدي(٢) .

٤٦ الحكمة ( ١١٤ ) و قالعليه‌السلام :

إِذَا اِسْتَوْلَى اَلصَّلاَحُ عَلَى اَلزَّمَانِ وَ أَهْلِهِ ثُمَّ أَسَاءَ رَجُلٌ اَلظَّنَّ بِرَجُلٍ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ خَزْيَةٌ فَقَدْ ظَلَمَ هكذا في ( الطبعة المصرية )(٣) و يصدقها ابن ميثم(٤) و في ابن أبي الحديد بدل « خزية » حوبة(٥) ، و المعنى واحد لكن ما هنا أجود .

قال ابن أبي الحديد : روى جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى الكعبة فقال : ما أعظم حرمتك ، و إنّ المؤمن أعظم حرمة منك ، لأنّ اللَّه تعالى حرّم منك واحدة و من المؤمن ثلاثة : دمه و ماله و أنّ يظنّ به الظنّ السّوء(٦) .

« و إذا استولى الفساد على الزمان و أهله فأحسن رجل الظن برجل فقد غرّر » قال ابن أبي الحديد : قال شاعر :

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٣ : ٢٦٩ ح ٦٠ من حديث هشام بن سالم .

( ٢ ) الكافي للكليني ٣ : ٢٦٩ ح ٦٠ من حديث هشام بن سالم .

( ٣ ) هناك اضافة في الطبعة المصرية هي و إذا ( استولى الفساد . ) : ٦٨٢ رقم ١١٥١ .

( ٤ ) في شرح ابن ميثم بلفظ « خزية » ٥ : ٣٠٢ .

( ٥ ) راجع ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٧٨ بلفظ « حوية » أيضا .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٧٨ .

٥٢٤

و قد كان حسن الظن بعض مذاهبي

فأدّبني هذا الزمان و أهله(١)

و قيل لصوفي : ما صناعتك ؟ قال حسن الظن باللَّه و سوء الظن بالناس(٢) .

قلت : كلامهعليه‌السلام هنا من حيث الزمان ، و أمّا من حيث الشخص فقد قالعليه‌السلام كما في ( ١٥٩ ) من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومنّ من أساء به الظنّ .

٤٧ الحكمة ( ١٢١ ) و قالعليه‌السلام :

شَتَّانَ مَا بَيْنَ عَمَلَيْنِ عَمَلٍ تَذْهَبُ لَذَّتُهُ وَ تَبْقَى تَبِعَتُهُ وَ عَمَلٍ تَذْهَبُ مَئُونَتُهُ وَ يَبْقَى أَجْرُهُ أقول : هكذا في ( الطبعة المصرية ) « ما بين » و الصواب : ( بين ) بدون « ما » كما في ابن أبي الحديد و ابن ميثم و النسخة الخطية(٣) .

و روي انّهعليه‌السلام كان أيام إقامته بالكوفة يبكّر كلّ يوم إلى السوق و يعظهم صنفا صنفا و يقول : قدّموا الاستخارة ، و تبرّكوا بالسهولة ، و اقتربوا من المبتاعين ، و تزيّنوا بالحلم ، و تناهوا عن اليمين ، و جانبوا الكذب ، و تجافوا عن الظلم ، و أنصفوا المظلومين ،( و لا تبخسوا النّاسَ أشياءهُم و لا تَعثَوا في الأرض مُفسِدِينَ ) (٤) ثم ينادي :

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٧٩ .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) ورد في النسخة المصرية : ٦٨٤ رقم ( ١٢٢ ) و شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٠ رقم ( ١١٧ ) و شرح ابن ميثم ٥ : ٣٠٦ رقم ( ١١٢ ) بلفظ « ما بين » ، و النسخة الخطية بين ( بدون ما ) : ٣١٩ .

( ٤ ) هود : ٨٥ .

٥٢٥

تفنى اللّذاذة ممّن نال صفوتها

من الحرام و يبقى الإثم و العار

تبقى عواقب سوء في مغبّتّها

لا خير في لذّة من بعدها النار(١)

٤٨ الحكمة ( ٤٣٣ ) و قالعليه‌السلام :

اُذْكُرُوا اِنْقِطَاعَ اَللَّذَّاتِ وَ بَقَاءَ اَلتَّبِعَاتِ فِي الذُّنُوبِ و المَعَاصِي حَتَّى يَسْهُلَ عَلَيْكُمْ تَرْكُهَا وَ يَكْبُرَ عَلَيْكُمُ ارْتِكَابُهَا و في ( دعاء التوبة ) : من ذنوب أدبرت لذاتها فذهبت و أقامت تبعاتها فلزمت ، و قال الشاعر :

ما كان ذاك العيش إلاّ سكرة

رحلت لذاذتها و حلّ خمارها

٤٩ الحكمة ( ١٢٦ ) و قالعليه‌السلام :

عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ اَلْفَقْرَ اَلَّذِي مِنْهُ هَرَبَ وَ يَفُوتُهُ اَلْغِنَى اَلَّذِي إِيَّاهُ طَلَبَ فَيَعِيشُ فِي اَلدُّنْيَا عَيْشَ اَلْفُقَرَاءِ وَ يُحَاسَبُ فِي اَلْآخِرَةِ حِسَابَ اَلْأَغْنِيَاءِ وَ عَجِبْتُ لِلْمُتَكَبِّرِ اَلَّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ نُطْفَةً وَ يَكُونُ غَداً جِيفَةً وَ عَجِبْتُ لِمَنْ شَكَّ فِي اَللَّهِ وَ هُوَ يَرَى خَلْقَ اَللَّهِ وَ عَجِبْتُ لِمَنْ نَسِيَ اَلْمَوْتَ وَ هُوَ يَرَى اَلْمَوْتَى وَ عَجِبْتُ لِمَنْ أَنْكَرَ اَلنَّشْأَةَ اَلْأُخْرَى وَ هُوَ يَرَى اَلنَّشْأَةَ اَلْأُولَى وَ عَجِبْتُ لِعَامِرٍ دَارَ اَلْفَنَاءِ وَ تَارِكٍ دَارَ اَلْبَقَاءِ في ( الطبري ) قيل لجعفر بن محمدعليه‌السلام : إنّ المنصور يعرف بلباس جبّة هروية مرقوعة و انه يرقع قميصه ، فقالعليه‌السلام : الحمد للَّه الذي لطف له حتى ابتلاه بفقر نفسه أو قال بالفقر في ملكه .

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ٤١ : ١٠٤ رواية ٥ و قد وردت الأبيات الشعرية في ديوان أمير المؤمنين : ٤٨ .

٥٢٦

و قال محمد بن سليمان الهاشمي : بلغني أنّ المنصور أخذ الدواء في يوم شائت شديد البرد ، فأتيته أسأله عن موافقة الدواء ، فادخلت مدخلا من القصر لم أدخله قط ، ثم صرت إلى حجرة صغيرة و فيها بيت واحد و رواق بين يديه في عرض البيت و عرض الصحن على أسطوانة ساج و قد سدل على وجه الرواق بواري كما يصنع بالمساجد ، فدخلت فإذا في البيت مسح ليس فيه شي‏ء غيره إلاّ فراشه و مرافقه و دثاره ، فقلت له : هذا بيت أربأبك عنه فقال : يا عم هذا بيت مبيتي قلت له : ليس هنا غير الذي أرى قال : ما هو إلاّ ما ترى .

و مثل البخيل مثل الطائر الذي لا يروى من البحر لئلاّ ييبس ، و الدود الذي لا يشبع من التراب لئلاّ يفنى .

و قال واضع مولى المنصور : قال لي المنصور : انظر ما عندك من الثياب الخلقان فاجمعها و جئني بها و ليكن معها رقاع ، ففعلت و دخل عليه المهدي و هو يقدّر الرقاع فضحك و قال : من هاهنا يقول الناس : نظروا في الدينار و الدرهم و ما دون ذلك و لم يقل دانق فقال المنصور : إنّه لا جديد لمن لا يصلح خلقه ، و هذا الشتاء قد حضر و نحتاج إلى كسوة للعيال و الولد فقال المهدي : فعليّ كسوتك و كسوة عيالك و ولدك فقال له : دونك فافعل .(١) .

كان عمله هكذا مع انّه قال لابنه : قد جمعت لك من الأموال ما ان كسر عليك الخراج عشر سنين كان عندك كفاية لأرزاق الجند و النفقات و عطاء الذرية و مصلحة الثغور .

« فيعيش في الدنيا عيش الفقراء و يحاسب في الآخرة حساب الأغنياء » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : إنّ فقراء المؤمنين يتقلّبون في رياض الجنّة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا و قال : سأضرب لك مثل ذلك ، إنّما مثله مثل سفينتين

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٦ : ٣٢٤ .

٥٢٧

مرّ بهما على عاشر ، فنظر في إحداهما فلم ير فيها شيئا فقال : أسربوها ، و نظر في الاخرى فإذا هي موقرة فقال : إحبسوها .

و عنهعليه‌السلام : إذا كان يوم القيامة قام عنق من الناس حتى يأتوا باب الجنّة فيقولون : من أنتم ؟ فيقولون : نحن الفقراء فيقال لهم : أقبل الحساب فيقولون :

ما أعطيتمونا شيئا تحاسبونا عليه فيقول اللَّه تعالى : صدقوا ، ادخلوا الجنّة(١) .

« و عجبت للمتكبّر الذي كان بالأمس نطفة و يكون غدا جيفة » و خرج من مبال إلى مبال ثم يخرج منه ، فإن لم يخرج من الثاني فمن الأول لا محالة .

فقالوا : كان أحمد بن سهل و هو من ولد يزدجرد ماتت امّه و هو في بطنها ، فشق عنه فكان يتيه على الناس ، و إذا شتم أحدا قال له : ابن البضع ، و كان يفخر على أبناء الملوك بأنّه لم يخرج من بضع(٢) .

« و عجبت لمن شكّ في اللَّه و هو يرى خلق اللَّه » مع عدم تجويز عقل حصول بناء محقّر بدون بان ، و قال تعالى :( أَلم يأتِكُم نَبأُ الّذين من قَبلكم قوم نُوحٍ و عادٍ و ثَمودَ و الّذين من بَعدِهم لا يَعلمُهُم إِلاّ اللَّه جَاءَتهُم رُسُلهم بالبيّنات فردُّوا أيديهم في أَفواهِهِم و قالوا إِنّا كفرنا بما اُرسلتُم بِهِ و إِنّا لَفي شك ممّا تدعوننا إِليه مُريب قالت رُسُلهم أَفي اللَّه شكّ فاطِر السّماوات و الأرض ) (٣) .

« و عجبت لمن نسي الموت و هو يرى الموتى » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٤) ، و الصواب ما في ( ابن أبي الحديد(٥) و ابن ميثم )(٦) و النسخة

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٤ ح ١٨ ، من حديث هشام بن الحكم .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٠٤ .

( ٣ ) إبراهيم : ٩ ١٠ .

( ٤ ) انظر النسخة المصرية : ٦٨٦ رقم ( ١٢٧ ) .

( ٥ ) في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٥ بلفظ « من يموت » .

( ٦ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٣٠٩ رقم ( ١١٦ ) بلفظ « الموتى » .

٥٢٨

الخطية(١) ( و هو يرى من يموت ) لصحّة تلك النسخ دون الطبعة المصرية ، و لأنّ العجب في رؤية أحياء مثله يموتون و ينساه دون مجرّد رؤية موتى لاحتمال حكم وهمه بكونهم أمواتا أبدا ، و أما الذين رآهم ماتوا فلا مجال لحكم و هم فيهم .

ثمّ العجب أنّه يرى أنّ أكثرهم كان منه أشدّ قوّة و أصحّ مزاجا و أسمن بدنا و أكثر أملا و ينسى .

و في الخبر : ما خلق اللَّه يقينا أشبه بالشكّ من الموت(٢) .

« و عجبت لمن أنكر النشأة الاخرى و هو يرى النشأة الأولى » أَوَ لَم يرَ الإنسانُ أَنّا خَلقناهُ مِن نُطفَةٍ فإذا هُو خَصيمٌ مبين و ضَرَبَ لَنا مَثلاً وَ نَسي خَلقَه قالَ مَن يُحيي العِظامَ و هي رَميم( قُل يُحييها الّذي أَنشأها أَوّلَ مرّةٍ وَ هو بِكُلِّ خَلقٍ عَليم ) (٣) أَو لَيسَ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ و الأرض بقادرٍ عَلى أَن يَخلقَ مِثلَهم بَلى وَ هُو الخَلاّقُ العليم إِنّما أَمرُهُ إِذا أَرادَ شَيئاً أَن يَقولَ لَهُ كُن فيكون( فَسُبحانَ الّذي بِيَده مَلكُوتُ كُلِّ شَي‏ءٍ و إِليهِ تُرجَعُون ) (٤) .

« و عجبت لعامر دار الفناء و تارك دار البقاء »( انّما هذه الحياة الدُّنيا متاع و إنَّ الآخرة هي دار القرار ) (٥) .

هذا ، و في الخبر : عجبت لأقوام يحتمون من الطعام مخافة الأذى كيف لا يحتمون من الذنوب مخافة النار ، عجبت لمن يشتري المماليك بماله كيف لا

____________________

( ١ ) النسخة الخطية ( المرعشي ) : ٣٢٠ .

( ٢ ) أورده ( من لا يحضره الفقيه ) هكذا : لم يخلق اللَّه عزّ و جلّ يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت و نسبه إلى الإمام الصادقعليه‌السلام ١ : ١٢٤ ، نقله المجلسي في البحار ٦ : ١٢٧ .

( ٣ ) يس : ٧٧ ٧٩ .

( ٤ ) يس : ٨١ ٨٣ .

( ٥ ) غافر : ٣٩ .

٥٢٩

يشتري الأحرار بمعروفه(١) .

٥٠ الحكمة ( ١٢٧ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ قَصَّرَ فِي اَلْعَمَلِ اُبْتُلِيَ بِالْهَمِّ وَ لاَ حَاجَةَ لِلَّهِ فِيمَنْ لَيْسَ لِلَّهِ فِي مَالِهِ وَ نَفْسِهِ نَصِيبٌ أقول : هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) من كون الجميع عنوانا واحدا ، لكن ابن أبي الحديد(٣) جعل قوله « و لا حاجة . » عنوانا آخر ، و الأصحّ ما هنا لتصديق ابن ميثم(٤) له و نسخته من النهج بخط المصنف .

( من قصّر في العمل ابتلي بالهم ) و المراد أنّ من قصّر في عمل من الدنيا أو الآخرة كان الإتيان به واجبا و قصّر فيه يبتلى بالهمّ و الحسرة لم قصّر ، قال تعالى في الثاني( و اتَّبعُوا أَحسَنَ ما اُنزلَ إِليكم من ربِّكم من قَبل أَن يأتيكم العذابُ بَغتةً و أَنتُم لا تَشعُرون أن تقول نفسٌ يا حَسرتى على ما فَرَّطتُ في جَنبِ اللَّه و إن كُنتُ لَمِنَ الساخرين ) (٥) .

« و لا حاجة للَّه في من ليس للَّه في ماله و نفسه نصيب » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٦) و الصواب ما في ابن أبي الحديد و ابن ميثم ( و لا حاجة للَّه في من

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٨ : ٤٠ نسبه للإمام عليعليه‌السلام .

( ٢ ) انظر النسخة المصرية : ٦٨٦ رقم ( ١٢٨ ) الموافقة لنسخة شرح ابن ميثم ٥ : ٣١٠ رقم ( ١١٧ ) .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٦ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣١٠ .

( ٥ ) الزمر : ٥٥ ٥٦ .

( ٦ ) النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ٦٨٦ رقم ( ١٢٨ ) نسخة شرح ابن ميثم المنقحة مطابقة للنسخة المصرية شرح محمّد عبده ٥ : ٣١٠ ، و راجع ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٧ .

٥٣٠

ليس في نفسه و ماله نصيب ) فوقع في ( الطبعة المصرية ) زيادة و تقديم و تأخير .

أراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نكاح امرأة كلبية أو سلمية ، فقال أبوها : من صفتها كذا و كذا و كفاك من صحّة بدنها أنّها لم تمرض قط و لم تصدع فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا حاجة لنا فيها(١) .

قال البلاذري : قال بعضهم : عرض الضحّاك الكلابي ابنته على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و قال : إنها لم تمرض و لم تصدع فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا حاجة لنا فيها و قال الكلبي : التي قال أبوها انها لم تصدع قط و عرضها على النبي فقال لا حاجة لنا بها سلمية و أما الكلابية فاختارت قومها فذهبت عقلها فكانت تقول : أنا الشقية(٢) .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : دعي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى طعام فنظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت فتقع البيضة على وتد في حائط فتثبت عليه ، فتعجب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له الرجل : أعجبت من هذه البيضة فو الذي بعثك بالحق ما رزئت شيئا قط فنهض النبي و لم يأكل شيئا من طعامه و قال : من لم يرزأ فما للَّه فيه من حاجة(٣) .

و قال ابن أبي الحديد بروي أنّه دخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أعرابي ذو جثمان عظيم ، فقال له متى عهدك بالحمّى قال : ما أعرفها قال : بالصداع ؟ قال : ما أدري ما هو قال : فاصبت بمالك ؟ قال : لا قال : فرزئت بولدك ؟ قال : لا فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ اللَّه تعالى ليكره العفريت النفريت الذي لا يرزأ في ولده و لا يصاب بماله(٤) .

____________________

( ١ ) أنساب الأشراف للبلاذري ١ : ٤٥٥ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١ : ٤٥٥ و هي فاطمة الكلابية .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٥٦ ح ٢٠ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٧ .

٥٣١

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأصحابه : أيّكم يحبّ أن يصح فلا يسقم ؟ قالوا :

كلّنا قال : أتحبّون أن تكونوا كالحمر الصائلة ، ألا تحبّون أن تكونوا أصحاب بلايا و أصحاب كفّارات ، و الذي بعثني بالحق إنّ الرجل ليكون له الدرجة في الجنّة و لا يبلغها بشي‏ء من عمله فيبتليه اللَّه ليبلغه تلك الدرجة(١) .

و في الخبر : مرّ موسىعليه‌السلام برجل كان يعرفه مطيعا للَّه تعالى قد مزقت السباع لحمه ، فوقف متعجّبا فاوحي إليه : إنّه سألني درجة لم يبلغها بعمله فجعلت له سبيلا بذلك(٢) .

و عن جابر رفعه : يود أهل العافية يوم القيامة أنّ لحومهم كانت تقرض بالمقاريض لمّا يرون من ثواب أهل البلاء(٣) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان اللَّه ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الوالد ولده بالطعام ، و اللَّه يحمي عبده المؤمن كما يحمي أحدكم المريض من الطعام(٤) .

٥١ الحكمة ( ١٢٨ ) و قالعليه‌السلام :

تَوَقَّوُا اَلْبَرْدَ فِي أَوَّلِهِ وَ تَلَقَّوْهُ فِي آخِرِهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ فِي اَلْأَبْدَانِ كَفِعْلِهِ فِي اَلْأَشْجَارِ أَوَّلُهُ يُحْرِقُ وَ آخِرُهُ يُورِقُ قال ابن ميثم إنّما وجب اتّقاء البرد في أوّله لأنّ الصيف و الخريف يشتركان في اليبس ، فإذا ورد البرد ورد على أبدان استعدت بحرارة الصيف

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٧ ، في حديث عبد اللَّه بن انس .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٨ .

( ٣ ) المصدر نفسه ١٨ : ٣١٨ في حديث جابر بن عبد اللَّه .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٥٩ ح ٢٨ نسبه إلى الصادقعليه‌السلام و نسبه ابن أبي الحديد إلى الرسول الأكرم صلّى اللَّه عليه و آله ١٨ : ٣١٨ .

٥٣٢

و يبسه للتخلخل و تفتح المسام ، فاشتد انفعال البدن عنه و أسرع في قهر الحرارة الغريزية فيقوى في البدن البرد و اليبس و هما طبيعة الموت ، فيكون بذلك يبس الأشجار و ضمور الأبدان ، و وجب تلقّيه في آخره لأن الشتاء و الربيع يشتركان في الرطوبة و يفترقان بأنّ الشتاء بارد و الربيع حار ، فالبرد المتأخّر إذا امتزج بحرارة الربيع و انكسرت سورتها بها لم يكن له بعد ذلك نكاية في الأبدان ، فقويت الحرارة الغريزية و كان منه النمو و قوّة الأبدان و بروز الأوراق و الثمار(١) .

٥٢ الحكمة ( ١٤١ ) و قالعليه‌السلام :

قِلَّةُ اَلْعِيَالِ أَحَدُ اَلْيَسَارَيْنِ أقول : هو من حديثهعليه‌السلام في الأربعمائة ، و نظيره قولهم : « العيال سوس المال » و قيل : « لا مال لكثير العيال » .

هذا ، و في ( الطبري ) قال الوضين بن عطاء : استزارني المنصور و كانت بيني و بينه خلالة قبل الخلافة ، فصرت إلى بغداد فخلونا يوما فقال لي : ما مالك ؟ قلت : القدر الذي يعرفه الخليفة قال : و ما عيالك ؟ قلت : ثلاث بنات و المرأة و خادم لهن فقال : أربع في بيتك ؟ قلت : نعم فو اللَّه لردد ذلك عليّ حتى ظننت انّه سيموّلني ثم رفع رأسه الي فقال لي : أنت أيسر العرب أربع مغازل يدرن في بيتك(٢) .

____________________

( ١ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣١١ رقم ١١٨ .

( ٢ ) تاريخ الامم و الطبري للطبري ٦ : ٣٢٠ .

٥٣٣

٥٣ الحكمة ( ١٤٢ ) و قالعليه‌السلام :

اَلتَّوَدُّدُ نِصْفُ اَلْعَقْلِ و الحكمة ( ١٤٣ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْهَمُّ نِصْفُ اَلْهَرَمِ أقول : هكذا في ابن أبي الحديد جعلهما عنوانين(١) ، و أخذ منه ( الطبعة المصرية الثانية ) و اما الأولى فليس الأول فيه رأسا(٢) ، و الصواب كون الكلامين عنوانا واحدا كما في ابن ميثم لأن نسخته بخط المصنّف(٣) ، و لأنّهما في سياق واحد ، و لأن في مستندهما هما معا ، فرواه مناقب ابن الجوزي كذلك(٤) ، بل هما جزء العنوان السابق « قلّة العيال أحد اليسارين » كما في ابن أبي الحديد و النسخة الخطية(٥) و إنّ جعله ابن أبي الحديد أيضا مستقلا .

ثم قال ابن أبي الحديد في شرح عنوانه الأول : كأن يقال : قلّ من تودّد إلاّ صار محبوبا و المحبوب مستور العيوب و قال في الثاني : قال الشاعر :

هموم قد أبت إلاّ التباسا

تبتّ الشّيب في رأس الوليد

و تقعد قائما بشجا حشاه

و تطلق للقيام جثى القعود

و أضحت خشّعا منها نزار

مركّبة الرواجب في الخدود

____________________

( ١ ) انظر ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٤٠ ٣٤١ .

( ٢ ) في الطبعة المصرية المنقحة هي « قلّة العيال أحد اليسارين » : ٦٩٠ رقم ( ١٤٢ ) .

( ٣ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٥ : ٣١٩ رقم ( ١٣٠ ) .

( ٤ ) لم نعثر على كتاب المناقب لابن الجوزي .

( ٥ ) في النسخة الخطية : ٣٢٢ هما جزء العنوان السابق « قلة العيال أحد اليسارين » .

٥٣٤

و قال أبو تمام :

شاب رأسي و ما رأيت مشيب

الرأس إلاّ من فضل شيب الفؤاد

كذلك(١) القلوب في كلّ بؤس

و نعيم طلايع الأجساد

طال انكاري البياض و لو عمّر

ت شيئا أنكرت لون السّواد(٢)

قلت : و في ( الطبري ) قال ابن هبيرة : ما رأيت رجلا قط في حرب و لا سمعت به في سلم أمكر و لا أبدع و لا أشد تيقّظا من المنصور ، لقد حصرني في مدينتي تسعة أشهر و معي فرسان العرب ، فجهدنا كلّ الجهد أن ننال من عسكره شيئا نكسره به و ما تهيّا ، و لقد حصرني و ما في رأسي بيضاء فخرجت إليه و ما في رأسي سوداء(٣) .

٥٤ الحكمة ( ١٥٧ ) و قالعليه‌السلام :

قَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ وَ قَدْ هُدِيتُمْ إِنِ اِهْتَدَيْتُمْ وَ أُسْمِعْتُمْ إِنِ اِسْتَمَعْتُمْ التبصير التعريف و الايضاح ، و أمّا الأبصار فقد يجي‏ء بمعنى التبصير كما في قوله تعالى( فلَمّا جاءَتهُم آياتُنا مبصِرَةً ) (٤) و قد يجي‏ء بمعنى الرؤية كما في قولهعليه‌السلام هذا .

و الأصل في كلامهعليه‌السلام قوله تعالى( قَد جاءَكُم بصائِرُ من ربِّكم فمَن أَبصَرَ فَلِنَفسِه و من عَمي فَعَليها و ما أَنا عليكُم بِحفيظٍ ) (٥) .

____________________

( ١ ) كذاك في الديوان : ٧٥ ، و أظنه خطأ طباعي و الأوفق : و كذاك كما في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٤١ .

( ٢ ) ديوان أبي تمام : ٧٥ كذا ذكره شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٤١ .

( ٣ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٦ : ٣٢١ .

( ٤ ) النمل : ١٣ .

( ٥ ) الأنعام : ١٠٤ .

٥٣٥

« و قد هديتم ان اهديتم »( فمن تبع هداي فلا خَوفٌ عليهم و لا هم يحزَنون ) (١) ( قُل يا أيُّها الناسُ قد جاءَكم الحقُّ من ربّكُم فَمَن اهتَدى فإنّما يهتدي لِنَفسه و من ضَلَّ فإنّما يَضلُّ عليها و ما أَنا عليكُم بوَكيلٍ ) (٢) .

« و اسمعتم إن استمعتم »( فَبَشِّر عِباد الذين يستَمِعُون القَولَ فيتَّبِعُون أَحسنه أولئك الذين هداهُم اللَّه و أولئكَ هُم اُولوا الأَلبابِ ) (٣) ( و ما أنت بمسمع من في القبور ) (٤) ( و لو ترى إذ المُجرمون ناكسوا رؤُوسهم عندَ ربهم ربَّنا أَبصرنا و سَمعنا فأرجعنا نعمَل صالحاً إِنّا موقنون ) (٥) .

٥٥ الحكمة ( ١٦٤ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ قَضَى حَقَّ مَنْ لاَ يَقْضِي حَقَّهُ فَقَدْ عَبَدَهُ قرأ ابن أبي الحديد « عبده » بالتشديد ، فجعل مدحا(٦) ، و قرأه ابن ميثم بالتخفيف(٧) فجعله ذمّا .

قال الأول : المعنى مدح من يقضي حق من لا يقضي حقّه لأنّه استعبده ، لأنّه ما فعل به ما فعل مكافأة بل انعاما مبتدئا .

و قال الثاني : أي قضاء حق من كان كذلك في صورة عبادة له .

____________________

( ١ ) البقرة : ٣٨ .

( ٢ ) يونس : ١٠٨ .

( ٣ ) الزمر : ١٧ ١٨ .

( ٤ ) فاطر : ٢٢ .

( ٥ ) السجدة : ١٢ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٨٨ رقم ( ١٦٦ ) .

( ٧ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٣٥ رقم ( ١٥٠ ) .

٥٣٦

قلت : و الأظهر الثاني ، لأن في خط الرضي لا بد أنّه كان بلا تشديد ، لأن نسخة ابن ميثم(١) من النهج كانت بخطه ، و لأن المعنى الذي ذكر ابن أبي الحديد(٢) ليس بصحيح ، فليس كل من تقضي حقّه و هو ما قضى حقك تستعبده كما هو مقتضى عموم « من » ، لاحتمال كون صاحبك رذلا غير أهل ، مع عدم مناسبة « لا يقضي » الظاهر في الاستمرار مع تعبيده ، فإذا صار عبده لا بدّ أن يقضي حقه كاملا ، و إنّما كان مناسبا لو كان بلفظ « لم يقض » و بالجملة ما ذكره ابن أبي الحديد غير جيّد لفظا و معنى .

٥٦ الحكمة ( ١٦٩ ) و قالعليه‌السلام :

قَدْ أَضَاءَ اَلصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ أقول : قد ذكره العسكري(٣) و الميداني(٤) في كتابيهما في الأمثال بدون أن يبيّنا أصله .

و قد ذكره الجرجاني في كنايته مع ذكر أصل له ، فقال : قرأت في كتاب الأمثال عن مؤرّج بن عمرو السدوسي قال : حدّث أبو خالد الكلابي أنّ الأحوص بن جعفر اتي فقيل له : أتانا رجل لا نعرفه ، فلمّا دنا من القوم حيث يرونه نزل عن راحلته فعلّق و طبا من لبن و وضع في بعض أغصان شجرة حنظلة و وضع صرّة من تراب و صرّة شوك ، ثم استوى على راحلته فنظر القوم و الأحوص من أمره ، فقال الأحوص : أرسلوا إلى قيس بن زهير ،

____________________

( ١ ) راجع شرح ابن ميثم ٥ : ٣٣٩ .

( ٢ ) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٨٨ .

( ٣ ) جمهرة الأمثال للعسكري ٢ : ١٢٥ بهامش مجمع الأمثال : يضرب مثلا للأمر ينكشف و يظهر .

( ٤ ) مجمع الأمثال للميداني ٢ : ٣١ ، و قال يضرب للأمر يظهر كل الظهور .

٥٣٧

فأرسلوا إليه فأتى فقال له الأحوص : ألم تخبرني أنّه لا يرد عليك أمر إلاّ عرفت مأتاه ما لم ترم بنواصي الخيل فقال : ما الخبر ؟ فأعلمه فقال : « قد تبيّن الصبح لذي عينين » فصار مثلا يضرب لوضوح الشي‏ء قال : أمّا صرّة التراب فإنّه يزعم أنّه قد أتاكم عدد كثير ، و أمّا الحنظلة فإنّ حنظلة أتاكم و قد أدركتكم ، و أمّا الشوك فإنّ لهم شوكة ، و أمّا اللبن فدليل على مقدار قرب القوم و بعدهم ، فإن كان حلوا فقد أتتكم الخيل و ان كان لا حلوا و لا حامضا فعلى قدر ذلك ، و إنّما ترك الكلام لأنّه اخذت عليه العهود ، و قال : أنذرتكم(١) .

فإن كان الأصل في المثل قيس بن زهير كما روى فلا بدّ أنّهعليه‌السلام تمثّل به لا أنّهعليه‌السلام الأصل كما فعل المصنّف .

٥٧ الحكمة ( ١٧١ ) و قالعليه‌السلام :

كَمْ مِنْ أَكْلَةٍ مَنَعَتْ أَكَلاَتٍ هكذا في ( الطبعة المصرية ) بلفظ « منعت »(٢) و يصدقها ابن ميثم(٣) و لكن في ابن أبي الحديد(٤) و الخطية(٥) بدله « تمنع » و ما هنا أنسب و أصحّ حيث إنّ نسخة ابن ميثم بخط مصنفه .

في بخلاء الجاحظ : كان الحكم بن أيوب الثقفي عاملا للحجّاج على البصرة و استعمل على العراق جرير بن بيهس المازني و لقب جرير العطرّق

____________________

( ١ ) الكنايات للجرجاني : ٧٩ ٨٠ .

( ٢ ) النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ٦٩٨ رقم ( ١٧١ ) .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٣٦ رقم ١٥٧ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٣٩٧ رقم ( ٢٧٣ ) .

( ٥ ) سقط النصّ من النسخة الخطية ( المرعشي ) .

٥٣٨

فخرج الحكم يتنزه و هو باليمامة ، فدعا العطرّق إلى غذائه ، فأكل معه فتناول درّاجة كانت بين يديه ، فعزله و ولّى مكانه نويرة المازني ابن عمه ، فقال نويرة :

قد كان في العرق صيد لو قنعت به

غنى لك عن درّاجة(١) الحكم

و في عوارض لا تنفكّ تأكلها

لو كان يشفيك لحم الجزر من قرم(٢)

و بلغ الحكم ان نويرة ابن عم جرير العطرق فعزله فقال نويرة :

أبا يوسف لو كنت تعرف طاعتي

و نصحي إذا ما بعتني بالمحلّق(٣)

و لا انهلّ سرّاق العراقة صالح

عليّ و لا كلّفت ذنب العطرّق(٤)

و تناول رجل من قدام أمير كان لنا ضخم بيضة ، فقال خذها فانّها بيضة القروء فلم يزل محجوبا حتى مات(٥) .

و قال ابن أبي الحديد كان الطعام الذي مات منه سليمان أنّه قال لديرانيّ كان صديقه قبل الخلافة : ويحك لا تقطعني ألطافك التي كنت تلطفني بها قال :

فأتيته بزنبيلين كبيرين أحدهما بيض مسلوق و الآخرتين قال : ألقمنيها فكنت أقشر البيضة و أقرنها بالتينة و القمه حتى أتى على الزنبيلين ، فأصابته تخمة عظيمة و مات(٦) .

هذا ، و قد كان ابن عيّاش المنتوف يمازح المنصور فيحتمله على انّه كان جدّا كله فقدم المنصور يوما لجلسائه ببطة كثيرة الدهن ، فأكلوا و جعل

____________________

( ١ ) الدراج : طائر من طير العراق .

( ٢ ) العوارض : الناقة الشابة أو الشاة يصيبها دائر أو كسر فتخر قرم : شهوة اللحم .

( ٣ ) أبو يوسف : كنية الحكم المحلق : لقب الّذي حل مكانه بعد عزله .

( ٤ ) العراقة : العظم عليه لحم .

( ٥ ) البخلاء للجاحظ : ٢١٦ ٢١٧ .

( ٦ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٣٩٩ .

٥٣٩

يأمرهم بالازدياد من الأكل لطيبها ، فقال له ابن عياش علمت غرضك انما تريد أن ترميهم منها بالهيضة فلا يأكلوا إلاّ عشرة أيام(١) .

و في المثل : « أكلة أبي خارجة » ، قال أعرابي بباب الكعبة : « اللّهم ميتة كميتة أبي خارجة » فسألوه فقال : أكل حملا و شرب وطبا من اللبن و تروّى من النبيذ و نام في الشمس فمات ، فلقي اللَّه شبعان ريّان دفئان(٢) .

و ورد أعرابيّ على الحجّاج فقدّم له الطعام و كان مع الطعام حلواء ، فقعد الأعرابي يأكل و ينظر إلى الحجّاج نظرة و إلى الحلواء أخرى ، فقال الحجّاج : كلّ من أكل من هذا الحلواء ضربت عنقه ، ففكّر الأعرابي ساعة و قبض على لحيته ساعة ثم قال للحجّاج : أوصيك في الأولاد خيرا ، و أخذ يأكل فضحك الحجّاج و الحاضرون .

٥٨ الحكمة ( ٢٠٤ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ يُزَهِّدَنَّكَ فِي اَلْمَعْرُوفِ مَنْ لاَ يَشْكُرُهُ لَكَ فَقَدْ يَشْكُرُكَ عَلَيْهِ مَنْ لاَ يَسْتَمْتِعُ بِشَيْ‏ءٍ مِنْهُ وَ قَدْ تُدْرِكُ مِنْ شُكْرِ اَلشَّاكِرِ أَكْثَرَ مِمَّا أَضَاعَ اَلْكَافِرُ وَ اَللَّهُ يُحِبُّ اَلْمُحْسِنِينَ ١٤ ١٧ ٣ : ١٣٤ أقول : و عن الباقرعليه‌السلام إنّ اللَّه عز و جل جعل للمعروف أهلا من خلقه حبّب إليهم فعاله ، و وجّه لطلاّب المعروف الطلب إليهم ، و يسّر لهم قضاءه كما يسّر الغيث للأرض المجدبة ليحييها و يحيي به أهلها ، و إنّ اللَّه تعالى جعل للمعروف أعداء من خلقه بغّض إليهم المعروف و بغّض إليهم أفعاله ، و حظر على طلاّب

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ١٨ : ٣٩٧ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١٨ : ٣٩٨ .

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

أدّاه زاده و من قصّر عنه خاطر بزوال النعمة ، فليركم اللَّه .(١) » .

و حينئذ فليكونوا وجلين من تقصيرهم في شكر النعمة كما ينبغي فيستحقوا سلبها و اخذهم بعقوبة كفرانها .

« انه من وسع عليه في ذات يده فلم ير ذلك استدراجا فقد أمن مخوفا » جعل ( التحف ) هذا الكلام . خبرا مستقلا ، و هو الوجه لأن التوسعة أعمّ من النعمة ، و إذا كانت استدراجا فهي نقمة ، قال تعالى( فَلمّا نَسُوا ما ذُكّرُوا بِه فَتَحنا عَليهم أَبوابَ كُلِّ شي‏ءٍ حَتّى إذا فَرحوا بما اُوتُوا أخذناهُم بَغتةً فإذا هم مُبلِسون ) (٢) ( و الَّذينَ كَذّبُوا بآياتنا سَنَستَدرجُهم مِن حيثُ لا يَعلَمون ) .

( و اُملي لَهُم إِنّ كَيدي متين ) (٣) ( فَذَرني و من يُكَذّب بهذا الحَديث سنَستَدرجُهم من حَيثُ لا يَعلَمُون و اُملي لَهُم إِنَ كَيدي مَتينٌ ) (٤) .

« و من ضيّق عليه فلم ير ذلك اختبارا فقد ضيّع مأمولا » بدل ( التحف ) قوله « فلم ير ذلك اختبارا » بقوله « فلم يظن ان ذلك حسن نظر من اللَّه » و هو المناسب لقوله « فقد ضيّع مأمولا » ، فإنّما المأمول حسن نظره تعالى لعبده لا اختباره له ، و لعلّ اختباره سبب ضلاله .

و أما كون التضييق حسن نظر منه تعالى لعبده ففي ما ناجى موسى كما روى ( الكافي ) يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل : مرحبا بشعار الصالحين ، و إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجّلت عقوبته(٥) .

و عن الصادقعليه‌السلام : إن اللَّه تعالى ليعتذر إلى عبده المؤمن المحوج في

____________________

( ١ ) تحف العقول : ١٤٢ .

( ٢ ) الأنعام : ٤٤ .

( ٣ ) الأعراف : ١٨٢ ١٨٣ .

( ٤ ) القلم : ٤٤ ٤٥ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٣ ح ١٢ .

٥٨١

الدّنيا كما يعتذر الأخ إلى أخيه ، فيقول : و عزتي و جلالي ما أحوجتك في الدّنيا من هو ان كان بك عليّ فارفع هذا السجف فانظر إلى ما عوّضتك من الدنيا ، فيرفع فيقول ما ضرّني ما منعتني مع ما عوّضتني(١) .

و في خبر آخر : فمن زود أحدكم في دار الدّنيا معروفا فخذوا بيده و ادخلوه الجنة ، و لكلّ عبد منكم مثل ما أعطيت أهل الدّنيا منذ كانت إلى أن انقضت سبعون ضعفا(٢) .

و عنهعليه‌السلام : إنّ فقراء المؤمنين(٣) يتقلّبون في رياض الجنّة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا ، و مثل ذلك كسفينتين مرّ بهما على عاشر فنظر في إحداهما فلم ير شيئا فقال : أسربوها ، و نظر في الاخرى فإذا هي موقرة فقال : إحبسوها(٤) .

و عنهعليه‌السلام : لو لا إلحاح هذه الشيعة على اللَّه في طلب الرزق لنقلهم من الحال التي هم فيها إلى ما هو أضيق(٥) .

٨٢ الحكمة ( ٣٦٥ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ وَ اَلاِعْتِبَارُ مُنْذِرٌ نَاصِحٌ وَ كَفَى أَدَباً لِنَفْسِكَ تَجَنُّبُكَ مَا كَرِهْتَهُ لِغَيْرِكَ أقول : كرّر المصنف الفقرة الأخيرة مستقلة في ( ٤١٢ ) سهوا بلفظ

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٤ ح ١٨ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦١ ( ٩ ) ، بحار الأنوار ٧ : ٢٠٠ .

( ٣ ) في بعض النسخ « المسلمين » .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٠ ح ١ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٤ ح ١٦ .

٥٨٢

« كفاك أدبا لنفسك اجتنابك ما تكرهه لغيرك » .

« الفكر مرآة صافية » في ( الكافي ) سئل الصادقعليه‌السلام عمّا يروى أنّ تفكّر ساعة خير من قيام ليلة كيف يتفكّر ؟ قال : يمرّ بالخربة أو الدار فيقول : أين ساكنوك ؟ أين بانوك ؟ مالك لا تتكلّمين(١) ؟

« و الاعتبار منذر ناصح »( أَلم تَر أَن اللَّه يُزجي سَحاباً ثم يُؤلّفُ بَينهُ ثُم يَجعَلُه رُكاماً فتَرى الودقَ يَخرُجُ مِن خلاله و يُنَزِّلُ من السّماء من جبال فيها من بردٍ فيُصيب به مَن يشاءُ و يصرفهُ عمّنَ يشاء يَكادُ سَنابرقهِ يذهبُ بالأَبصارِ يُقلِّبُ اللَّه الليلَ و النهارَ إِن في ذلكَ لعبرةً لاُولي الأبصار ) (٢) .

« و كفى أدبا لنفسك تجنّبك ما كرهته من غيرك »( و ما اُريد أن اُخالفكم إلى ما أَنهاكُم عَنهُ ) (٣) .

و مرّ قولهعليه‌السلام « و من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه » و قولهعليه‌السلام « أكبر العيب أن تعيب ما فيك مثله » .

و قيل كتب بعض الكتّاب إلى بعض الملوك :

تضرب الناس بالمهندة البيض

على غدرهم و تنسى الوفاء(٤)

٨٣ الحكمة ( ٣٧١ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ شَرَفَ أَعْلَى مِنَ اَلْإِسْلاَمِ وَ لاَ عِزَّ أَعَزُّ مِنَ اَلتَّقْوَى وَ لاَ مَعْقِلَ أَحْسَنُ مِنَ اَلْوَرَعِ وَ لاَ شَفِيعَ أَنْجَحُ مِنَ اَلتَّوْبَةِ وَ لاَ كَنْزَ أَغْنَى مِنَ اَلْقَنَاعَةِ وَ لاَ

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٥٤ أخرجه عن علي بن إبراهيم عن السكوني .

( ٢ ) النور : ٤٦ ٤٤ .

( ٣ ) هود : ٨٨ .

( ٤ )

٥٨٣

مَالَ أَذْهَبُ لِلْفَاقَةِ مِنَ اَلرِّضَى بِالْقُوتِ وَ مَنِ اِقْتَصَرَ عَلَى بُلْغَةِ اَلْكَفَافِ فَقَدِ اِنْتَظَمَ اَلرَّاحَةَ وَ تَبَوَّأَ خَفْضَ اَلدَّعَةِ وَ اَلرَّغْبَةُ مِفْتَاحُ اَلنَّصَبِ وَ مَطِيَّةُ اَلتَّعَبِ وَ اَلْحِرْصُ وَ اَلْكِبْرُ وَ اَلْحَسَدُ دَوَاعٍ إِلَى اَلتَّقَحُّمِ فِي اَلذُّنُوبِ وَ اَلشَّرُّ جَامِعُ مَسَاوِئِ اَلْعُيُوبِ أقول : هذا العنوان جزء خطبة الوسيلة رواها ( روضة الكافي ) « لا شرف أعلى من الإسلام » روى ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى :( صبغَةَ اللَّه وَ مَن أحسنُ من اللَّه صبغَة ) (١) : إنّ الصبغة هي الإسلام(٢) .

و في الخبر : الإسلام يعلو و لا يعلى عليه(٣) .

و عنهعليه‌السلام في مجوسية أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها و أبي أن يسلم :

لها عليه نصف الصداق و لم يزدها الإسلام إلاّ عزّا(٤) ، و قال تعالى( اليوم أكملتُ لكُم دينَكُم و أَتمَمتُ عليكم نعمتي و رَضيتُ لكُم الإسلام ديناً ) (٥) ( وَ مَن يَبتَغ غَير الإسلام ديناً فَلن يُقبل منه ) (٦) .

« و لا عز أعز من التقوى »( يا أيُّها الناس إِنّا خلقناكم من ذكرٍ و اُنثى و جَعلناكُم شُعُوباً و قبائِلَ لتعارَفوا إِن أكرمكُم عندَ اللَّه أتقاكم ) (٧) .

« و لا معقل أحسن من الورع »( و مَن يتّق اللَّه يَجعَل لُهُ مَخرَجاً و يَرزُقه من حيثُ لا يَحتَسِبُ ) (٨) .

____________________

( ١ ) البقرة : ١٣٨ .

( ٢ ) روضة الكافي للكليني : ١٨ .

( ٣ ) ٣٩ : ٤٧ رواية ١ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٥ : ٤٣٦ رواية ٦ .

( ٥ ) المائدة : ٣ .

( ٦ ) آل عمران : ٨٥ .

( ٧ ) الحجرات : ١٣ .

( ٨ ) الطلاق : ٢ ٣ .

٥٨٤

« و لا شفيع أنجح من التوبة »( و هو الذي يَقبلُ التوبةَ عن عبادهِ و يعفو عن السيئات ) (١) ( إِن اللَّه يحبُّ التّوابينَ و يُحبُّ المُتَطهرين ) (٢) و قال هود لقومه :

( و يا قوم استغفروا ربَّكُم ثُمَ توبُوا إِليه يُرسِل السَّماءَ عليكم مدراراً و يزدكُم قُوّةً إلى قوتكم ) (٣) ( و أَن استَغفروا ربَّكُم ثم توبوا إليه يُمتِّعكم متاعاً حسناً إِلى أجلٍ مُسمّى و يؤتِ كُلّ ذي فضلٍ فَضلُه ) (٤) .

« و لا كنز أغنى من القناعة » في ( الكافي ) عنهعليه‌السلام من رضي من الدّنيا بما يجزيه كان أيسر ما فيها يكفيه ، و من لم يرض من الدّنيا بما يجزيه لم يكن فيها شي‏ء يكفيه(٥) .

« و لا مال أذهب للفاقة من الرضى بالقوت » في ( الروضة ) بعد هذه الفقرات « و لا لباس أجمل من العافية ، و لا غائبا أقرب من الموت ، أيّها الناس إنّه من مشى على وجه الأرض فإنّه يصير إلى بطنها ، و الليل و النهار مسرعان في هدم الأعمار ، و لكلّ ذي رمق قوت و أنت قوت الموت ، و ان من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد ، و لن ينجو من الموت غني بماله و لا فقير لإقلاله »(٦) .

« و من اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة و تبوّأ خفض الدعة » أي :

السكون و الاستراحة ، من « ودع » بالضم .

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللّهم ارزق محمّدا و آل محمّد الكفاف ، و ارزق من أحبّ

____________________

( ١ ) الشورى : ٢٥ .

( ٢ ) البقرة : ٢٢٢ .

( ٣ ) هود : ٥٢ .

( ٤ ) هود : ٣ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ١٤٠ ح ١١ .

( ٦ ) روضة الكافي للكليني : ١٩ .

٥٨٥

محمدا و آل محمّد العفاف و الكفاف ، و ارزق من أبغضهم المال و الولد(١) .

و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال تعالى : إنّ من أغبط أوليائي رجلا خفيف الحال ذا حفظ من الصلاة أحسن عبادة ربّه بالغيب ، و كان غامضا في الناس جعل رزقه كفافا فصبر عليه عجلت منيته فقلّ تراثه و قلّت بواكيه(٢) .

« و الرغبة » أي : الحرص .

« مفتاح النصب » جعلعليه‌السلام النصب كقفل مفتاحه الرغبة .

« و مطية التعب » المطية ، المركب ، جعلعليه‌السلام التعب كمقصد لا تصل إليه إلاّ بمطيّة الرغبة .

« و الحرص و الكبر و الحسد دواع إلى التقحم » أي : رمي النفس .

« في الذنوب » الحرص كان داعي آدمعليه‌السلام إلى الشجرة المنهية و الكبر كان داعي إبليس إلى ترك السجود لآدم ، و الحسد كان داعي قابيل إلى قتل أخيه هابيل ، و الكبر أول ذنب أهل السماء ، و الحسد أول ذنب أهل الأرض .

« و الشر جامع مساوي » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٣) و الصواب :

( لمساوي ) كما في ابن أبي الحديد(٤) و ابن ميثم(٥) و النسخة الخطية(٦) .

« العيوب » الحرص و الكبر و الحسد و غيرها من البخل و الجبن و العجب و غيرها ، لكن كون الشر أعم أمر واضح ، و الظاهر وقوع تصحيف ، و كون

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ١٤٠ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ١٤٠ .

( ٣ )

( ٤ )

( ٥ )

( ٦ ) النسخة المصرية ٧٤٤ رقم ( ٣٧٠ ) مطابقة لنسخة شرح ابن ميثم المنقحة ٥ : ٤٢٥ رقم ٣٥٢ ، و في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٠١ قمم ( ٣٧٧ ) « لمساوي » .

٥٨٦

الشر محرّف البخل ، ففي ( ٣٧٨ ) و قالعليه‌السلام : « البخل جامع لمساوى‏ء العيوب ، و هو زمام يقاد به إلى كلّ سوء » و عليه ففي الثاني تكرار بعض الأول .

٨٤ الحكمة ( ٣٧٦ ) إِنَّ اَلْحَقَّ

ثَقِيلٌ مَرِي‏ءٌ وَ إِنَّ اَلْبَاطِلَ خَفِيفٌ وَبِي‏ءٌ أقول : قالعليه‌السلام : هذا الكلام لعثمان مع زيادة « و أنت رجل إن صدقت سخطت و ان كذبت رضيت » كما رواه ابن أبي الحديد في موضع آخر و نقل مثله عن لقمان و ورد : الحقّ أوسع الأشياء في التواصف و أضيقها في التناصف(١) .

و في ( الكافي ) قيل للصادقعليه‌السلام : يزعمون أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص في أن نقول : « جئناكم جئناكم جيئونا جيئونا نجئكم نجئكم » فقال : كذبوا إنّ اللَّه تعالى يقول :( و ما خلقنا السماءَ و الأرضَ و ما بينَهُما لاَعِبينَ لو أردنا أن نتَّخِذَ لَهواً لاتخذناهُ من لدُنّا إِن كُنّا فاعلين بل نَقذِفُ بالحقِّ عَلى الباطل فَيَدمَغُهُ فإذا هُو زاهِق و لَكُم الوَيل مِمّا تَصِفُون ) (٢) .

و سئل الباقرعليه‌السلام عن الغناء(٣) فقالعليه‌السلام : إذا ميّز اللَّه بين الحق و الباطل فأين يكون الغناء ؟ قال : مع الباطل فقال : قد حكمت و كذلك سئل عن النرد و الشطرنج فأجاب بكونهما مع الباطل إذا ميّز بينه و بين الحق(٤) .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٨٨ .

( ٢ ) الأنبياء : ١٦ ١٨ .

( ٣ )

( ٤ ) الكافي للكليني ٦ : ٤٣٦ ح ٩ .

٥٨٧

٨٥ الحكمة ( ٣٨١ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْكَلاَمُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ فَإِذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ وَ وَرِقَكَ فَرُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً وَ جَلَبَتْ نِقْمَةً و « صرت وثاقه » في ( الطبعة المصرية )(١) تصحيف ، أي : هو في شدك ابتداء و تصير في شدّه انتهاء .

« فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك و ورقك ، فربّ كلمة سلبت نعمة و جلبت نقمة » فقرة « و جلبت نقمة » ليست في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) و إنّما هي في ( الطبعة المصرية )(٢) .

و في السير : نزل النعمان بن المنذر برابية ، فقال له رجل من أصحابه :

أبيت اللعن لو ذبح رجل على رأس هذه الرابية إلى أين كان يبلغ دمه فقال النعمان : المذبوح و اللَّه أنت و لأنظرن أين يبلغ دمك فذبحه(٣) .

و في ( العيون ) : قال ابن إسحاق : النّسناس خلق باليمن لأحدهم عين و يد و رجل يقفز بها و أهل اليمن يصطادونهم ، فخرج قوم في صيدهم فرأوا ثلاثة منهم ، فأدركوا واحدا منهم فعقروه و ذبحوه و توارى اثنان في الشّجر ، فقال الذي ذبح الأول انّه لسمين ، فقال الثاني انّه أكل ضروا فأخذوه و ذبحوه ، فقال الذي ذبحه ما انفع الصمت فقال الثالث فها أنا الصمت فأخذوه و ذبحوه(٤) .

____________________

( ١ ) صححت في الطبعة الثانية المنقحة : ٧٤٨ رقم ( ٣٨١ ) .

( ٢ ) النسخة المصرية : ٧٤٨ و شرح ابن ميثم ٥ : ٤٣٣ متطابقان و الحذف في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٢٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٩٢ .

( ٤ ) العيون ٢ : ١٧٦ و ذكره الدميري .

٥٨٨

و في ( الأغاني ) : صلب الحجّاج رجلا من الشّراة بالبصرة و راح عشيّا لينظر إليه ، فإذا برجل بازائه مقبل بوجهه عليه ، فدنا منه فسمعه يقول للمصلوب « طال ما ركبت فأعقب »(١) فقال الحجّاج : من هذا ؟ فقالوا : شظاظ اللص قال : لا جرم و اللَّه ليعقبنّك ، ثم وقف و أمر بالمصلوب فأنزل و صلب شظاظا مكانه(٢) .

٨٦ الحكمة ( ٣٨٤ ) و قالعليه‌السلام :

اَلرُّكُونُ إِلَى اَلدُّنْيَا مَعَ مَا تُعَايِنُ جَهْلٌ وَ اَلتَّقْصِيرُ فِي حُسْنِ اَلْعَمَلِ إِذَا وَثِقْتَ بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ غَبْنٌ وَ اَلطُّمَأْنِينَةُ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ قَبْلَ اَلاِخْتِبَارِ لَهُ عَجْزٌ في ( الجهشياري ) قيل لعتابة أمّ جعفر بن يحيى بعد نكبتهم و هي بالكوفة في يوم أضحى ما أعجب ما رأيت ؟ فقالت : لقد رأيتني في مثل هذا اليوم و على رأسي مائة و صيفة لبوس كلّ واحدة منهنّ و حليها خلاف لبوس الاخرى و حليها ، و أنا يومي هذا اشتهي لحما فما أقدر عليه(٣) .

و في ( المروج ) : لمّا دخل عمرو بن ليث إلى بغداد من المصلّى العتيق رافعا يديه يدعو و هو على جمل فالح و هو ذو السنامين و كان أنفذه إلى المعتضد في هدايا تقدّمت له قبل أسره قال ابن فهم :

ألم تر هذا الدهر كيف صروفه

يكون عسيرا مرّة و يسيرا

____________________

( ١ ) معناه : اترك عقبك و من يخلفك .

( ٢ ) الأغاني ٢٢ : ٣٠٠ نقله عن أبي ميثم .

( ٣ ) الجهشياري ، الوزراء و الكتّاب : ٢٤١ .

٥٨٩

و حسبك بالصفّار نبلا و عزّة

يروح و يغدو في الجيوش أميرا

حباهم جمالا و هو لم يدر أنّه

على جمل منها يقاد أسيرا

و قال ابن بسام :

أيّها المغتر بالدنيا

أما أبصرت عمرا

مقبلا قد أركب الفالح

بعد الملك قهرا

و عليه برنس السّخطة

إذلالا و قهرا

رافعا كفّيه يدعو اللّه

إسرارا و جهرا

أن ينجّيه من القت

ل و ان يعمل صفرا(١)

و في ( المعجم ) : كان أبو الفتح بن العميد قد دبّر على الصاحب بن عبّاد حتّى أزاله عن كتابة مؤيّد الدولة و أبعده عن حضرته بالريّ إلى اصفهان ، و انفرد هو بتدبير الأمور له كما كان يدبّرها لأبيه ركن الدولة ، و استدعى يوما ندماءه و عبأ لهم مجلسا عظيما و أظهر من الزينة و آلات الذهب و الفضة و الصيني و ما شاكله ما يفوت الحصر ، و شرب و استفزّه الطرب و كان قد شرب يومه و ليلته و عمل شعرا غني به :

دعوت المنى و دعوت العلا

فلمّا أجابا دعوت القدح

و شرب عليه إلى أن سكر و قال لغلمانه : غطوا المجلس و لا تسقطوا منه شيئا لأصطبح في غد عليه ، و قال لندمائه : باكروني ، و قام إلى بيت منامه و انصرف عنه الندماء ، فدعاه مؤيّد الدولة في السحر فلم يشك أنّه لمهم فقبض عليه و أنفذ إلى داره من استولى على جميع ما فيها و أعاد ابن عبّاد إلى وزارته و تطاول بابن العميد النكبة حتى مات فيها(٢) .

____________________

( ١ )

( ٢ ) الحموي ، معجم الأدباء ٦ : ٢٥١ .

٥٩٠

و لبعضهم في الفضل بن مروان وزير المعتصم و كان قبله الفضل بن يحيى البرمكي و الفضل بن الربيع الحاجب وزيري الرشيد و الفضل بن سهل وزير المأمون :

تجبرت(١) يا فضل بن مروان فاعتبر

فقبلك كان الفضل و الفضل و الفضل

ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم

أبادهم الموت المشتت و القتل

فإنّك قد أصبحت في النّاس ظالما

ستودي كما أودى الثلاثة من قبل(٢)

« و التقصير في حسن العمل إذا وثقت بالثواب عليه غبن » فقد قال تعالى :

( مَثَلُ الذين يُنفقونَ أَموالَهم في سَبيل اللَّه كَمَثَلِ حَبةٍ أنبتت سَبعَ سنابِلَ في كلّ سُنبلةٍ مائة حبّةٍ و اللَّه يُضاعف لِمن يشاء ) (٣) و قال تعالى :( تتجافى جُنوبهم عن المضاجِع يدعون رَبّهم خوفاً و طمعاً و ممّا رزقناهم يُنفقون فلا تَعلَمُ نَفسٌ ما اُخفي لَهُم مِن قُرّةِ أَعيُنٍ جَزاءً بما كانوا يَعمَلون ) (٤) فإذا كان واثقا بذلك و قصر كان مغبونا ألبتّة .

« و الطمأنينة إلى كلّ أحد قبل الاختبار له عجز » فليس كلّ أحد صادقا .

٨٧ الحكمة ( ٣٨٦ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ طَلَبَ شَيْئاً نَالَهُ أَوْ بَعْضَهُ قيل : هو نظير قولهم : « من طلب شيئا وجدّ وجد »(٥) و قولهم « من قرع

____________________

( ١ ) عند ابن خلفكان بلفظ « تفرعنت » .

( ٢ ) ابن خلكان ٤ : ٤٥ .

( ٣ ) البقرة : ٢٦١ .

( ٤ ) السجدة : ١٦ ١٧ .

( ٥ ) المثل بلفظ من طلب شيئا وجده ٢ : ٣٥٧ ، مجمع الأمثال للميداني .

٥٩١

قرع بابا و لجّ ولج » و قال تعالى( و الَّذين جاهدوا فينا لنَهديَّنهم سُبُلنا ) .(١) .

و في ( الأمثال ) : إن عامر بن الطرف لمّا كبر قال له قومه : إجعل لنا قائدا بعدك ، فقال : من طلب شيئا وجده و ان لم يجده يوشك أن يوقع قريبا منه(٢) .

٨٨ الحكمة ( ٣٩٢ ) و قالعليه‌السلام :

تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا فَإِنَّ اَلْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ أقول : الفقرة الثانية تكرار من المصنف لعنوانه ( ١٤٨ ) « المرء مخبوء تحت لسانه » .

و كيف كان فمرّ في الديباجة قول الشعبي إنّهعليه‌السلام تكلّم بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا فقأن عيون البلاغة و أيتمن جواهر الحكمة و قطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن ، ثلاث منهن في المناجاة و ثلاث منهن في الحكمة إلى أن قال و أمّا اللاتي في الحكمة فقال : قيمة كلّ امرى‏ء ما يحسنه ، و ما هلك امرؤ عرف قدره ، و المرء مخبوّ تحت لسانه(٣) .

هذا ، و قد غيّروا كلامهعليه‌السلام « المرء مخبوّ تحت لسانه » فقالوا « المرء مخبو تحت طي لسانه لا طيلسانه » .

« تكلموا تعرفوا » قال تعالى :( فلمّا كَلَّمهُ قال إنَّكَ اليوم لدينا

___________________

( ١ ) العنكبوت : ٦٩ .

( ٢ ) الأمثال ، ذكره الميداني في ٢ : ١٨٣ .

( ٣ ) الصدوق ، الخصال : ٤٢٠ ح ١٤ ، و ذكره المؤلف في صفحة ٥٧ من الجزء الأول .

٥٩٢

مَكينٌ أَمين ) (١) .

و في ( تاريخ بغداد ) : دخل عبد العزيز بن يحيى المكي و كانت خلقته شنعة على المأمون و عنده المعتصم ، فضحك منه فأقبل على المأمون و قال :

لم ضحك هذا ؟ لم يصطف اللَّه يوسف لجماله و إنّما اصطفاه لدينه و بيانه ، و لم يقل الملك لمّا رأى جماله إنّك اليوم لدينا مكين أمين بل لمّا كلّمه ، بياني أحسن من وجه هذا فأعجب المأمون قوله(٢) .

و في ( العيون ) عن ربيعة الرأي : الساكت بين النائم و الأخرس و ذكروا أفضلية الكلام و الصمت فقال أبو مسهّر : كلاّ إنّ النجم ليس كالقمر ، إنّك تصف الصمت بالكلام و لا تصف الكلام بالصمت و قال يونس : ليس لعييّ مروّة ، و لا لمنقوص البيان بهاء و لو بلغ يافوخه أعنان السماء(٣) .

و في ( تاريخ بغداد ) : قال ابن عمّار : كنت إذا نظرت إلى يحيى بن سعيد القطان ظننت انّه رجل لا يحسن شيئا فإذا تكلّم أنصت له الفقهاء(٤) .

و في ( الطبري ) في قدوم الحجّاج الكوفة و صعوده المنبر فطال سكوته فتناول محمد بن عمير حصى أراد أن يحصبه بها و قال : قاتله اللَّه ما أعياه و اللَّه إنّي لأحسب خبره كروائه ، فلمّا تكلّم الحجّاج جعل الحصى ينتثر من يده و لا يعقل به(٥) .

و في ( البلاذري ) : سعى عبد اللَّه بن الأهتم خليفة قتيبة على مرو بقتيبة إلى الحجّاج ، فأرسل الحجّاج كتابه إلى قتيبة فأحس بالشرّ ، فهرب إلى الشام

____________________

( ١ ) يوسف : ٥٤ .

( ٢ ) تاريخ بغداد ، ١٠ : ٤٥٠ في ترجمة عبد الزيز بن يحيى .

( ٣ ) ابن قتيبة ، عيون الأخبار ٢ : ١٧٥ .

( ٤ ) تاريخ بغداد ١٤ : ١٤٠ في ترجمة يحيى بن سعيد ( رقم ٧٤٦١ ) .

( ٥ )

٥٩٣

و وضع قطنة على احدى عينيه ثم عصبها و اكتنى بأبي قطنة ، و كان يبيع الزيت حتى إذا هلك الوليد و قام سليمان ألقى عنه ذاك الدنس و قام بخطبة تهنئة لسليمان و وقوعا في الحجّاج و قتيبة و كانا خلعا سليمان فتفرّق الناس و هم يقولون أبو قطنة الزيّات أبلغ الناس(١) .

هذا ، و عنهعليه‌السلام : اللسان معيار أطاشه الجهل و أرجحه العقل(٢) .

و روي أنّهعليه‌السلام سئل أيّ شي‏ء أحسن ؟ فقال : الكلام فقال : أيّ شي‏ء أقبح ؟ فقال : الكلام ثم قال : بالكلام ابيضّت الوجوه و بالكلام اسودّت الوجوه(٣) .

« المرء مخبوء تحت لسانه » و قال شاعر :

و النّار في أحجارها مخبوءة

ليست ترى إن لم يثرها الازند

و في ( العيون ) ذكر أعرابي رجلا فقال : رأيت عورات الناس بين أرجلهم و عورة فلان بين فكّيه(٤) .

و عاب آخر رجلا فقال : ذاك من يتامى المجلس ، أبلغ ما يكون في نفسه و أعيى ما يكون عند جلسائه(٥) .

و في ( تاريخ بغداد ) : كان رجل يجلس إلى أبي يوسف فيطيل الصمت ، فقال له : ألا تتكلّم ؟ فقال : بلى متى يفطر الصائم قال : إذا غابت الشمس قال :

فإن لم تغب إلى نصف الليل ، فضحك أبو يوسف و قال : أصبت في صمتك و أخطأت أنا في استدعاء نطقك ، ثم تمثّل :

____________________

( ١ ) البلاذري ، فتوح البلدان : ٥٩٧ ٧٩٨ .

( ٢ ) تحف العقول : ١٤٧ .

( ٣ ) تحف العقول : ١٥٤ ، و بحار الأنوار ٧٨ : ٥٥ .

( ٤ )

( ٥ )

٥٩٤

عجبت لأزراء العييّ بنفسه

و صمت الذي قد كان للقول أعلما

و في الصمت ستر للعييّ و إنّما

صحيفة لب المرء أن يتكلما(١)

و في ( كامل المبرد ) : إنّ الحجّاج بعث برأس ابن الأشعث بعد ظفره به مع عرّار بن عمرو بن شاس الأسدي و كان أسود دميما إلى عبد الملك فلمّا ورد به عليه جعل عبد الملك لا يسأل عن شي‏ء من أمر الوقيعة إلاّ أنبأه به عرّار في أصح لفظ و أشبع قول و أجزأ اختصار و كان عبد الملك اقتحمه عينه حيث رآه فقال متمثلا :

أرادت عرارا بالهوان و من يرد

لعمري عرارا بالهوان فقد ظلم

و إنّ عرارا إن يكن غير واضح

فإنّي احبّ الجون ذا المنكب العمم

فقال له عرّار : أتعرفني أيها الخليفة ؟ قال : لا قال : فأنا و اللَّه عرّار فزاد في سروره و زاد في جائزته(٢) .

و في ( الخلفاء ) : لمّا بنى الحجّاج خضراء واسط قال لجلسائه : كيف ترون هذه القبة ؟ قالوا : ما رأينا مثلها قال : و لها عيب ما هو ؟ قالوا : ما نرى قال :

سأبعث إلى من يخبرني ، فبعث إلى الغضبان الشيباني و كان في سجنه لأنّه كان قال لابن الأشعث تغدّ بالحجّاج قبل أن يتعشاك فأقبل به و هو يرسف في القيود فقال له : كيف قبتي هذه ؟ قال : نعمت حسنة مستوية قال : أخبرني بعيبها قال : بنيتها في غير بلدك لا يسكنها ولدك قال : صدق ردوه إلى السجن .

فقال : قد أكلني الحديد و أوهن ساقي القيود فما اطيق المشي قال : احملوه ، فلمّا حمل على الأيدي قال :( سُبحان الذي سَخّرَ لنا هذا و ما كُنا لهُ مُقرنين ) (٣) قال :

____________________

( ١ )

( ٢ ) كامل المبرد ١ : ١٦٠ .

( ٣ ) الزخرف : ١٣ .

٥٩٥

أنزلوه فقال :( ربّ أَنزلني مُنزلاً مُباركاً و أنتَ خَيرُ المُنزِلينَ ) (١) قال : جرّوه .

فقال و هو يجر( بسم اللَّه مجراها و مُرساها إنّ ربّي لغفورٌ رحيم ) (٢) قال :

اضربوا به الأرض فقال :( منها خلقناكم و فيها نُعيدُكم و منها نُخرجكم تارة اُخرى ) (٣) فضحك الحجّاج حتى استلقى على قفاه ثم قال : و يحكم قد غلبني هذا الخبيث ، أطلقوه إلى صفحي عنه فقال الغضبان :( فاصفح عنهُم و قُل سلام ) (٤) فنجا من شرّه بلسانه(٥) و كان قال له لأقطعن يديك و رجليك و لأضربن بلسانك عينيك(٦) .

و في ( البيان ) : خرج صعصعة(٧) إلى مكة ، فلقيه رجل فقال : يا عبد اللَّه كيف تركت الأرض قال : عريضة أريضة(٨) قال : إنّما عنيت السماء قال : فوق البشر و مد البصر قال : سبحان اللَّه إنّما أردت السحاب قال : تحت الخضراء و فوق الغبراء قال : إنّما أعني المطر قال : قد عفّي الأثر و ملأ القتر(٩) و بلّ الوبر و مطرنا أحيا المطر قال : إنسيّ أنت أم جني ؟ قال : بل إنسي من امّة رجل مهديّ(١٠) .

و في ( شعراء ابن قتيبة ) : كان الحارث بن حلزة اليشكري ارتجل بين

____________________

( ١ ) المؤمنون : ٢٩ .

( ٢ ) هود : ٤١ .

( ٣ ) طه : ٥٥ .

( ٤ ) الزخرف : ٨٩ .

( ٥ )

( ٦ ) ابن قتيبة ، الامامة و السياسة : ٣٦ و هو المعروف بتاريخ الخلفاء .

( ٧ )

( ٨ )

( ٩ )

( ١٠ )

٥٩٦

يدي عمرو بن هند في شي‏ء كان بين بكر و تغلب بعد الصلح قصيدته « آذنتنا ببنيها اسماء » و كان ينشده من وراء سبع ستور ، فأمر برفع الستور عنه استحسانا لها(١) .

و نظر النعمان بن المنذر إلى ضمرة بن ضمرة ، فلمّا رأى دمامته قال :

تسمع بالمعيدي لا أن تراه فقال ضمرة : إنّ الرجال لا تكال بالقفزان ، و إنّما المرء بأصغريه لسانه و قلبه(٢) .

و في ( المعجم ) قال خلف الأحمر : كنت أسمع ببشار بسرعة جوابه و جودة شعره ، فأنشدوني شيئا من شعره لم أحمده فقلت : لآتينّه و لاطأطأنّ منه ، فأتيته و هو جالس على باب بيته ، فرأيته أعمى قبيح المنظر عظيم الجثّة ، فقلت : لعن اللَّه من يبالي بهذا ، إذ جاء رجل فقال : إنّ فلانا سبّك عند الأمير و جاء قوم فسلّموا عليه فلم يردد عليهم فجعلوا ينظرون إليه و قد ورمت أوداجه فلم يلبث أن أنشدنا بأعلى صوته :

نبّئت نائك امّه يغتابني

عند الأمير و هل عليّ أمير

فارتعدت فرائصي و عظم في عيني فقلت : الحمد للَّه الذي أبعدني من شرّك(٣) .

و همّ الفرزدق بهجاء عبد القيس فأرسل إليه زياد الأعجم :

فما ترك الهاجون لي إن هجوته مصحّا أراه في أديم الفرزدق .

فقال الفرزدق : مالي إلى هجاء هؤلاء سبيل ما عاش هذا العبد(٤) .

و في ( العيون ) : قال عبد الملك بن عمير : قدم علينا الأحنف الكوفة مع

____________________

( ١ ) ابن قتيبة ، الشعر و الشعراء : ٥٣ .

( ٢ ) الأمثال ، الميداني ١ : ٨٦ .

( ٣ )

( ٤ )

٥٩٧

مصعب بن الزبير ، فما رأيت خصلة تذم إلاّ و رأيتها فيه ، كان أصغر(١) الرأس متراكب الأسنان في خدّه ميل(٢) مائل الذّقن ناتى‏ء الوجه ، غائر العين خفيف العارض أحنف الرّجل ، و لكنّه إذا تكلّم جلّى عن نفسه(٣) و قال الشاعر :

و ما حسن الرجال لهم بحسن

إذا لم يسعد الحسن البيان

كفى بالمرء عيبا أن تراه

له وجه و ليس له بيان

و في ( الطبقات ) في وفد عبد القيس قال لهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّكم عبد اللَّه الأشجّ ؟ فقال أحدهم : أنا و كان رجلا دميما فنظر إليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : لا يستسقى في مسوك الرجال ، و إنّما يحتاج من الرجل إلى أصغريه لسانه و قلبه(٤) و في ( العقد ) :

و ما المرء إلاّ الأصغران لسانه

و معقوله و الجسم خلق مصوّر

فإن تر منه ما يروق فربّما

أمرّ مذاق العود و العود أخضر(٥)

و قال زهير :

و كائن ترى من معجب لك صامت

زيادته أو نقصه في التّكلم

لسان الفتى نصف و نصف فؤاده

فلم يبق الا صورة اللحم و الدم(٦)

هذا ، و في أخبار حكماء القفطي : كان في مصر يهوديّ يرتزق بصناعة مداواة الجراح في غاية الخمول ، فاتفق أن عرض لرجل الحاكم عقر زمن عجز أطباؤه الخواص عنه ، فأحضر له الرجل فطرح عليه دواء يابسا فنشفه و شفاه

____________________

( ١ ) نسخة التحقيق صعل : صغير .

( ٢ )

( ٣ ) العيون ، ابن قتيبة ٤ : ٣٥ .

( ٤ ) الطبقات ١ : ٣١٤ .

( ٥ )

( ٦ ) ابن عبد ربه ، العقد الفريد ٤ : ١٧٩ .

٥٩٨

في ثلاثة أيام ، فأطلق له ألف دينار و خلع عليه و لقبه بالحقير النافع و جعله من أطبائه الخواصّ(١) .

٨٩ الحكمة ( ٣٩٤ ) و قالعليه‌السلام :

رُبَّ قَوْلٍ أَنْفَذُ مِنْ صَوْلٍ في ( الأغاني ) : وفد أبو براء ملاعب الأسنة و إخوته طفيل و معاوية و عبيدة بنو مالك بن جعفر بن كلاب و معهم لبيد بن ربيعة بن مالك و هو غلام على النعمان بن المنذر ، فوجدوا عنده الربيع بن زياد العبسي و كان ينادم النعمان فاذا خلا به يطعن في الجعفريين ، فرأوا من الملك جفاء و قد كان يكرمهم قبل ذلك فخرجوا من عنده غضابا و لبيد في رحالهم يحفظ أمتعتهم فألفاهم الليلة يتذاكرون أمر الربيع فسألهم فكتموه ، فقال : و اللَّه لا أحفظ لكم متاعا أو تخبروني و كانت أم لبيد امرأة من عبس فقالوا : خالك قد غلبنا على الملك فقال لهم : هل تقدرون على أن تجمعوا بيني و بينه فأزجره عنكم بقول ممضّ ثم لا يلتفت النعمان إليه أبدا إلى أن قال : ثم غدوا به معهم على النعمان فوجدوه يتغدّى و معه الربيع و هما يأكلان ليس معه غيره ، فلمّا فرغ أذن لهم فذكروا له حاجتهم ، فاعترض الربيع في كلامهم ، فقام لبيد و قال :

يا ربّ هيجا هي خير من دعه

أكلّ يوم هامتي مقرّعة

يخبرك عن هذا خبير فاسمعه

مهلا أبيت اللّعن لا تأكل معه

إنّ استه من برص ملمّعه

و إنّه يدخل فيها إصبعه

____________________

( ١ ) أخبار الحكماء ، القطفي : ١٢٢ .

٥٩٩

يدخلها حتى يواري أشجعه

كأنّما يطلب شيئا ضيّعه(١)

فلمّا فرغ التفت النعمان إلى الربيع شزرا يرمقه قال : لا و اللَّه لقد كذب عليّ ، و انصرف إلى منزله و كتب إلى النعمان : إنّي قد تخوّفت أن يكون قد وقر في صدرك ما قاله لبيد ، و لست برائم حتى تبعث من يجرّدني فيعلم من حضرك أنّي لست كما قال ، فأرسل النعمان إليه : إنّك لست بانتفائك ممّا قال لبيد شيئا و لا قادرا على ما زلّت به الألسن و كتب إليه :

شرّد برحلك عنّي حيث شئت و لا

تكثر عليّ و دع عنك الأباطيلا

فقد ذكرت به و الركب حامله

وردا يعلّل أهل الشام و النّيلا

فما انتفاؤك منه بعد ما جزعت

هوج المطيّ به إبراق شمليلا(٢)

قد قيل ذلك إن حقا و إن كذبا

فما اعتذارك من شي‏ء إذا قيلا(٣)

و في ( العيون ) : اسر معاوية يوم صفّين رجلا من أصحاب عليعليه‌السلام ، فلمّا اقيم بين يديه قال : الحمد للَّه الذي أمكن منك قال : لا تقل ذلك ، فإنّها مصيبة .

قال : و أيّة نعمة أعظم من أن يكون اللَّه أظفرني برجل قتل في ساعة واحدة جماعة من أصحابي اضربا عنقه فقال : اللّهم اشهد ان معاوية لم يقتلني فيك و لا لأنّك ترضى قتلي و لكن قتلني في الغلبة على حطام الدّنيا ، فإن فعل فافعل به ما هو أهله و إن لم يفعل فافعل به ما أنت أهله فقال له معاوية : قاتلك اللَّه لقد سببت فأوجعت في السبّ و دعوت فأبلغت في الدّعاء ، خلّيا سبيله(٤) .

و كان قول الفرزدق و علم قومه أكل الخبيص و قول أبي العتاهية « وضع سيفك خلخالا » في هجو الفزاري و ابن معن أنفذ من صول .

____________________

( ١ )

( ٢ ) شمليل : بلد .

( ٣ ) الاصفهاني ، الأغاني ١٧ : ١٨٧ ، و قد مرّ ذكر هذه الحكاية في الصفحات السابقة .

( ٤ ) العيون ١ : ٩٩ .

٦٠٠

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639