بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة12%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247296 / تحميل: 8631
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الفصل الثالث :

توطئة في أهل البيتعليهم‌السلام وفضائلهم

مقدمة الفصل :

نبدأ الفصل ببحث قيّم حول معنى (أهل البيت) والألفاظ المختلفة التي تطلق عليهم ، مثل : آل الرسول ـ عترة النبي ـ ذوو القربى. فهم بالمعنى الضيّق الخمسة أصحاب الكساء. وبالمعنى الموسّع المعصومون الأربعة عشر ؛ وهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة والأئمة الاثنا عشرعليهم‌السلام . وبالمعنى الأوسع كل أقرباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعشيرته الذين حرموا الصدقة من بعده.

ويلجئنا هذا إلى الحديث حول ثبوت إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام الذين أولهم عليعليه‌السلام وآخرهم المهديعليه‌السلام .

وبعد هذه المقدمة نشرع في ذكر فضائل أهل البيتعليهم‌السلام مبتدئين بالإمام عليعليه‌السلام وزوجته فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ثم بفضائل الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام والذين من ضمنهم الفرقدان الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ثم بفضائل الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام . ومن أبرز هذه الفضائل توصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمحبة أهل البيتعليهم‌السلام ومودتهم وموالاتهم ونصرتهم والمحافظة عليهم. والفرق بين المحبة والمودة ، أن المحبة شيء قلبي ، بينما المودة فشيء تطبيقي ، يقول تعالى على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣].

١ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟

٣١ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

نستخدم عبارة (أهل البيت) كثيرا في كتاباتنا وخطبنا. كما نطلق عبارات أخرى على أهل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل (آل الرسول)و (عترة النبي).

و (ذوي القربى). فلنحدد مدلول هذه العبارات والمصطلحات ، التي يحتلّ الحسينعليه‌السلام ذروة سنام المجد منها.

١٢١

ولم أجد لهذه الغاية أفضل من فضل عقده محبّ أهل البيتعليهم‌السلام كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي في أول كتابه :

(مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول)

هذا الكتاب الّذي فتّشت عنه كثيرا حتّى وجدت نسخة حجرية منه في مكتبة الأسد ، مطبوعة في ذيل كتاب لسبط ابن الجوزي هو :

(تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة)

وهي طبعة حجرية قديمة طبعت في إيران سنة ١٢٨٧ ه‍.

يقول ابن طلحة الشافعي في سبب تأليفه لكتابه الجليل (مطالب السّؤول) : كنت في شبابي ألّفت كتابا باسم (زبدة المقال في فضائل الآل) ثم وسّعته وألّفت كتاب (مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول).

وفي مقدمة الكتاب (ص ٣ ـ ٥) يقولرحمه‌الله :

هناك أربعة ألفاظ يوصف بها (أهل النبي) وتطلق عليهم ، هي :

١ ـ آل الرسول

٢ ـ أهل البيت

٣ ـ العترة

٤ ـ ذوو القربى.

ثم يشرع في شرح مضمون هذه الألفاظ ، فيقول :

٣٢ ـ من هم آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ :

قد تعددت أقوال الناس في تفسير (الآل). فذهب قوم إلى أن آل الشخص أهل بيته. وقال آخرون : إن آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الذين حرّمت عليهم الزكاة ، وعوّضوا عنها خمس الخمس. وقال آخرون : آل الشخص من دان بدينه وتبعه فيه. فهذه الأقوال الثلاثة أشهر ما قيل.

واستدل من قال بالقول الأول بما أورده القاضي الحسين بن مسعود البغوي في كتابه الموسوم «بشرح سنة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأحاديث المتفق على صحتها «يرفعه بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي إليك هدية سمعتها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. فقلت : بلى ، فاهدها إليّ. فقال : سألنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟. قال : قولوا :«اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم ؛

١٢٢

وبارك على محمّد وآل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم. إنك حميد مجيد». فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسّر أحدهما (أي الأهل والآل) بالآخر ، فالمفسّر والمفسّر به سواء في المعنى ، فقد بدّل لفظا بلفظ مع اتحاد المعنى ، فيكون آله أهل بيته ، وأهل بيته آله. فيتحدا به في المعنى على هذا القول. ويكشف حقيقة ذلك أن أصل (آل) أهل ، فأبدلت الهاء همزة. ويدل عليه أن الهاء ترد في التصغير ، فيقال في تصغير (آل) أهيل ، والتصغير يردّ الأسماء إلى أصولها.

واستدل من قال بالتفسير الثاني بما خرّجه الأئمة في أسانيدهم المتفق على صحتها : الإمام مسلم وأبو داود والنسائي ، يرفعه كل واحد منهم بسنده في صحيحه ، إلى عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ، قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ ، وإنها لا تحلّ لمحمد ولا لآل محمّد. وبما نقل إمام دار الهجرة مالك بن أنس في موطئه بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا تحل الصدقة لآل محمّد ، إنما هي أوساخ الناس. فجعل حرمة الصدقات من خصائص آلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد قيل لزيد بن أرقم : من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين حرّمت عليهم الصدقات؟ قال : آل علي وآل جعفر وآل عباس وآل عقيل. وهذا التفسير قريب من الأول.

واستدل من قال بالتفسير الثالث بقوله تعالى :( إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ ) (٥٩) [الحجر : ٥٩]. وأجمع المفسرون على أن المراد ب (آله) من آمن به وتبعه في دينه.

وإذا ظهر ما قيل في تفسير (الآل) ، فالمعاني كلها مجتمعة فيهمعليهم‌السلام :فهم أهل بيته ، وتحرم عليهم الزكاة ، وهم دائنون بدينه ومتّبعون منهاجه وسبيله ، فإطلاق اسم الآل عليهم حقيقة فيهم بالاتفاق.

٣٣ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

وأما اللفظة الثانية وهي (أهل البيت) فقد قيل هم من ناسبه إلى جده الأدنى ، وقيل من اجتمع معه في رحم ، وقيل من اتصل به بنسب أو سبب.

وهذه المعاني كلها موجودة فيهمعليهم‌السلام . فإنهم يرجعون بنسبهم إلى جده عبد المطلب ، ويجتمعون معه في رحم ، ويتصلون به بنسبهم وسببهم ، فهم أهل بيته حقيقة. فالآل وأهل البيت سواء ، اتحد معناهما على ما شرح أولا ، واختلف على ما ذكر ثانيا ، فحقيقتهما ثابتة لهمعليهم‌السلام .

١٢٣

وقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن حيان ، قال : انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ؛ رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه ، لقد لقيت خيرا كثيرا. حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال :يابن أخي لقد كبر سني وقدم عهدي ، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما أحدثكم فاقبلوه وما لا فلا تكلّفونيه.

ثم قال : قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما خطيبا بماء يدعى (خما) بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وعظ وذكّر ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس إنما أنا بشر ، يوشك أن يأتيني رسول ربي (أي ملك الموت) فأجيب ، وأنا تارك فيكم الثّقلين :أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي.

فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ، أليس نساؤه بأهل بيته؟. قال : لا ، أهل بيته من حرموا الصدقة بعده.

٣٤ ـ من هم العترة؟ :

وأما اللفظة الثالثة وهي (العترة) ، فقد قيل : العترة هي العشيرة ، وقيل العترة هم الذرية ، وقد وجد الأمران فيهم ؛ فإنهم عترته وذريته. وأما العشيرة فالأهل الأدنون ، وهم كذلك. وأما الذرية ، فإن أولاد بنت الرجل ذريته. ويدل عليه قوله تعالى عن إبراهيمعليه‌السلام :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥]. فجعل الله سبحانه وتعالى هؤلاء المذكورين ، من ذرية إبراهيم ، ومن جملتهم عيسىعليه‌السلام ، ولم يتصل بإبراهيم إلا من جهة أمه مريمعليها‌السلام .

قصة الشعبي مع الحجاج :

وقد نقل أن الشعبي كان يميل إلى عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان لا يذكرهم إلا ويقول : هم أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته. فنقل ذلك عنه إلى الحجاج بن يوسف الثقفي وتكرر ذلك ، وكثر نقله عنه إليه ، فأغضبه ذلك منه ونقمه عليه.

فاستدعاه الحجاج يوما إلى مجلسه ، وقد اجتمع لديه أعيان المصرين الكوفة

١٢٤

والبصرة وعلماؤهما وقراؤهما. فلما دخل الشعبي عليه وسلّم ، فلم يبشّ به ، ولا وفّاه حقه من الرد عليه. فلما جلس قال له : يا شعبي ما أمر تبلّغني عنك يشهد عليك بجهلك؟. قال : ما هو يا أمير؟. قال : ألم تعلم أن أبناء الرجل من ينسبون إليه ، وأن الأنساب لا تكون إلا للآباء؟ فما بالك تقول عن أبناء علي أنهم أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته ، وهل لهم اتصال برسول الله إلا بأمهم فاطمةعليها‌السلام ؟ ، والنسب لا يكون بالبنات ، وإنما يكون بالآباء. فأطرق الشعبي ساعة ، حتّى بالغ الحجاج في الإنكار عليه ، وقرّع إنكاره مسامع الحاضرين ، والشعبي ساكت.

فلما رأى الحجاج سكوته أطمعه ذلك في زيادة تعنيفه. فرفع الشعبي صوته وقال : يا أمير ، ما أراك إلا متكلما كلام من يجهل كتاب الله وسنة رسوله ، ومن يعرض عنهما. فازداد الحجاج غيظا منه ، وقال : ألمثلي تقول هذا ، يا ويلك!. قال الشعبي : نعم ، هؤلاء قرّاء المصرين حملة الكتاب العزيز ، فكلّ منهم يعلم ما أقول.أليس قد قال الله تعالى حين خاطب عباده بأجمعهم بقوله( يا بَنِي آدَمَ ) [وقال( يا بَنِي إِسْرائِيلَ ) [المائدة : ٧٢]. وقال عن إبراهيم :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ) [الأنعام : ٨٤] إلى أن قال :( وَيَحْيى وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥] أفترى يا حجاج اتصال عيسى بآدم وباسرائيل الله.

(أي يعقوب) وبإبراهيم خليل الله ، بأي آبائه كان؟. أو بأي أجداد أبيه؟ هل كان إلا بأمه مريمعليها‌السلام . وقد صحّ النقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال للحسن : «إنّ ابني هذا سيّد ...».

فلما سمع الحجاج ذلك منه أطرق خجلا. ثم عاد يلطف بالشعبي ، واشتدّ حياؤه من الحاضرين.

وإذا وضح ذلك ، فالعترة الطاهرة هم ذريتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبناؤه وعشيرته ، فقد اجتمعت فيهم المعاني بأسرها.

٣٥ ـ من هم ذوو القربى؟ :

وأما اللفظة الرابعة وهي (ذوو القربى) فمستندها ما رواه الإمام أبو الحسن علي ابن أحمد الواحدي في تفسيره ، يرفعه بسنده إلى ابن عباس ، قال :

لما نزل قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣] قالوا :يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمرنا الله تعالى بمودتهم؟. قال : علي وفاطمة وأبناؤهماعليهم‌السلام .

١٢٥

٢ ـ أهل البيتعليهم‌السلام هم الأئمة الاثنا عشر

ثم يخصص ابن طلحة الشافعي القسم الثاني من مقدمته الرائقة (ص ٥) لذكر المعاني التي ذكر اختصاصهم بها ، وهي الإمامة الثابتة لكل واحد منهم ، وكون عددهم منحصرا في اثني عشر إماما.

٣٦ ـ ثبوت الإمامة لأئمة أهل البيتعليهم‌السلام :

يقول ابن طلحة الشافعي في (مطالب السّؤول) ص ٥ :

أما ثبوت الإمامة لكل واحد منهم ، فإنه حصل ذلك لكل واحد بمن قبله.فحصلت للحسن النقي من أبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام . وحصلت بعده لأخيه الحسين الزكي منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الحسين لابنه زين العابدين منهعليه‌السلام .وحصلت بعد زين العابدين لولده محمّد الباقر منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الباقر لولده جعفر الصادق منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الصادق لولده موسى الكاظم منهعليه‌السلام .وحصلت بعد الكاظم لولده علي الرضا منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الرضا لولده محمّد القانع منهعليه‌السلام . وحصلت بعد القانع لولده علي المتوكل منهعليه‌السلام .وحصلت بعد المتوكل لولده الحسن الخالص منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الخالص لولده محمّد الحجة المهدي منهعليه‌السلام .

وأما ثبوتها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فمستقصى على أكمل الوجوه في كتب الأصول. انتهى كلامه.

٣٧ ـ الخلفاء بعدي اثنا عشر :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي)

أخرج ابن حنبل في مسنده عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في حجة الوداع : لا يزال هذا الدين ظاهرا على من ناواه ، ولا يضرّه مخالف ولا مطارق ، حتّى يمضي من أمتي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش.

وذكر القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة) باب ٧٧ ، عن كتاب (مودة القربى) بسنده عن جابر بن سمرة ، قال : كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «بعدي اثنا عشر خليفة». ثم أخفى صوته. فقلت لأبي : ما الّذي أخفى صوته؟.(قال) قال :«كلهم من بني هاشم».

١٢٦

وروى أيضا في ينابيعه عن جابر (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا سيد النبيين ، وعليّ سيد الوصيين ، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر ، أولهم علي وآخرهم المهدي».

٣٨ ـ من هم الاثنا عشر خليفة غير أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي)

وروي عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود ، أنه عهد إلينا نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة ، بعدد نقباء بني إسرائيل.

وقال القندوزي في (ينابيع المودة) أيضا : ذكر يحيى بن الحسن في كتاب

(العمدة) من عشرين طريقا ، أن الخلفاء بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ؛ في البخاري من ثلاثة طرق ، وفي مسلم من تسعة طرق ، وفي أبي داود من ثلاثة طرق

ثم قال : ذكر بعض المحققين أن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر ، قد اشتهرت من طرق كثيرة. فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان ، علم أن مراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حديثه هذا ، الاثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر ، ولا يمكن حمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ، ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبد العزيز ، ولكونهم غير بني هاشم ، لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «كلهم من بني هاشم». وفي رواية عبد الملك عن جابر ، وإخفاء صوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا القول ، يرجّح هذه الرواية ، لأنهم لا يحبون خلافة بني هاشم. ولا يمكن أن يحمله على الملوك العباسية لزيادتهم عن العدد المذكور ، ولقلة رعايتهم للقربى.

٣٩ ـ إمامة أهل البيتعليهم‌السلام منصوصة في كتب السنّة :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٩)

يقول الفاضل الدربندي : فيا ليتهم قد تأملوا في الأخبار المتكاثرة المتضافرة المتواترة المفيدة القطع واليقين ، والمروية عن طرقهم عن سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في باب أن الخلفاء والأئمة من قريش ، بعد تأملهم في قصة يوم الطف ، وما جرى على آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يزيد الطاغي الكافر الزنديق وجنوده. فلو كانوا متأملين في ذلك لعلموا أن إمامة أهل بيت العصمة آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منصوصة في طرقهم ، بالنصوص المتضافرة المتواترة. فإنكار قطعيات الشرع وضرورياته كفر ، وحمل

١٢٧

ما في تلك الأخبار المتضافرة على غير آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفر وجهل ، واستيقنتها أنفسهم ، وعتوا عتوّا كبيرا.

وبيان ذلك أنه قد روى البخاري ومسلم والترمذي والنّسائي وابن ماجة وابو داود والسجستاني في صحاحهم الستة ، ومالك في موطّئه ، وصاحب المصابيح ، وصاحب المشكاة ، وصاحب كتاب الفردوس ، وأحمد بن حنبل في مسنده ، والفقيه ابن المغازلي في مناقبه ، والحافظ أبو نعيم في حليته ، وغيرهم من حذقة الحديث من العامة ، بأسانيدهم المصححة عندهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن الخلفاء والأئمة بعده اثنا عشر ، لا يزال الدين بهم مستقيما إلى أن تقوم الساعة.

ففي صحيح مسلم مسندا إلى عامر بن سعيد بن أبي العاص ، قال : كتبت إلى ابن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فكتب إليّ :سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم جمعة ـ عشية رجم الأسلمي ـ يقول : «لا يزال هذا الدين قائما حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة».

وفي (مصباح البغوي) عن الصحاح عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، كلهم من قريش».

وأورد شيخ العامة جلال الدين السيوطي في (جامعه الصغير) في حرف الهمزة :إن عدة الخلفاء بعدي عدد نقباء موسىعليه‌السلام .

ثم يقول الفاضل الدربندي : ولا يخفى عليك أن علماء العامة لا بدّ أن يتدبروا ويتبصروا ويعطوا الإنصاف من أنفسهم. لأنهم لو حملوا هذه الأخبار المتضافرة على ما عندهم ، من كون أول السلسلة في باب الخلافة والإمامة ، الخلفاء الأربعة وهكذا ، لزم أن يكون يزيد الطاغي الكافر الزنديق هو سابع الخلفاء عندهم والأئمة المنصوصين بنصّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأي مسلم يرضى من نفسه أن ينسب أبغض خلق الله تعالى إلى الله وملائكته ورسله ، وأكفر الناس وأشرّهم ، إلى كونه منصوصا بالخلافة والإمامة ، متّصفا بالأوصاف الحسنة الموجودة في هذه الأخبار.

إذن فما عليه العامة من حمل هذه الأخبار ، لا يمكن أن يستصحّ بوجه من الوجوه. فإذا وجب بحكم الضرورة العقلية طرح هذا الحمل ، لزم حملها على ما عليها الإمامية الاثني عشرية ، مما قد استفاضت به كتب العامة.

١٢٨

٤٠ ـ الأئمة هم أهل البيتعليهم‌السلام :

(المصدر السابق)

ثم يقول الفاضل الدربندي : ومن أعجب العجاب غفلتهم وذهولهم وطيّهم الكشح عن الأخبار المستفيضة في طرقهم ، المفسرة لهذه الأخبار ، المذكورة بغاية التفسير والبيان.

فقد روى فخر خوارزم في مقتله بإسناده (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«فاطمة بهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها أمناء ربي ؛ حبل ممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلفّ عنه هوى».

٤١ ـ رواية حذيفة بن اليمان :

(المصدر السابق)

ومن رواية حذيفة بن اليمان ، قال : صلى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أقبل بوجهه الكريم علينا ، فقال : معاشر أصحابي أوصيكم بتقوى الله كأني أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ، من تمسّك بعترتي بعدي كان من الفائزين ، ومن تخلّف عنهم كان من الهالكين.

فقلت : يا رسول الله على من تخلّفنا؟. قال : على من خلّف موسى بن عمران قومه. قلت : على وصيّه يوشع؟. قال : وصيي وخليفتي من بعدي علي ابن أبي طالب ، قائد البررة ، قاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله.

قلت : يا رسول الله ، كم تكون الأئمة من بعدك؟. قال : عدد نقباء بني إسرائيل (أي اثنا عشر) ، التسعة من صلب الحسينعليه‌السلام ، أعطاهم الله تعالى علمي وفهمي ، خزّان علم الله ومعادن وحيه. قلت : يا رسول الله ، فما لأولاد الحسن؟قال : إن الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسينعليه‌السلام وذلك قولهعزوجل :( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) [الزخرف : ٢٨].

٤٢ ـ رواية سلمان الفارسي :

(المصدر السابق ، ص ٣٠)

ومن رواية سلمان الفارسي ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : معاشر الناس ،

١٢٩

إني راحل عن قريب ، ومنطلق إلى الغيب. أوصيكم في عترتي خيرا ، وإياكم والبدع ، فإن كل بدعة ضلالة ، والضلالة وأهلها في النار.

معاشر الناس ، من افتقد الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، فإذا فقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزّهر بعدي.

قال : فلم يزل حتّى دخل بيت عائشة ، فدخلت إليه. فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، سمعتك تقول : إذا فقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر فما الشمس وما القمر ، وما الفرقدان ، وما النجوم الزهر؟. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا الشمس ، وعلي القمر ، فإذا فقدتموني فتمسّكوا به بعدي. وأما الفرقدان فالحسن والحسينعليهما‌السلام ، فإذا فقدتم القمر فتمسكوا بهما. وأما النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسينعليه‌السلام والتاسع مهديّهم.

ثم يقول الفاضل الدربندي : وبالجملة فإن روايات التنصيص على الأئمة الاثنا عشر وتسميتهم بأسمائهم ، وذكر أن أولهم عليعليه‌السلام وآخرهم المهدي (عج) يصلي خلفه المسيح بن مريمعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متواترة. وحديث جابر ابن عبد الله الأنصاري في ذلك مستفيض مشهور ، وكذلك غيره من الأحاديث.

(أقول) : وإليك رواية أخرى ، ذكرها الخوارزمي في مقتله ، فيها شفاء لما في الصدور ، وهدى ورحمة للمؤمنين.

٤٣ ـ رؤية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام حين أسري به :

(مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ، ج ١ ص ٩٤)

ذكر ابن شاذان عن أبي سلمى ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ليلة أسري بي إلى السماء ، قال لي الجليل جلّ وعلا :( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) ، قلت :( وَالْمُؤْمِنُونَ ) [البقرة : ٢٨٥]. قال : صدقت يا محمّد. ومن خلّفت في أمّتك؟. قلت : خيرها. قال : علي بن أبي طالب؟. قلت : نعم يا ربّ.

قال : يا محمّد ، إني اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها ، فشققت لك اسما من أسمائي ، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم اطّلعت الثانية فاخترت عليا ، وشققت له اسما من أسمائي ، فأنا الأعلى وهو عليعليه‌السلام . يا محمّد ، إني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن

١٣٠

والحسين والأئمة من ولدهعليهم‌السلام من سنخ نور من نوري ، وعرضت ولايتكم على أهل الأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان عندي من الكافرين. يا محمّد ، لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشّنّ (أي الجلد اليابس المتجعد) البالي ، ثم أتاني جاحدا لولايتكم ، ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم.

يا محمّد أتريد أن تراهم؟. قلت : نعم يا رب. فقال لي : التفت عن يمين العرش ، فالتفتّ فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام وعلي بن الحسين (زين العابدين) ومحمد بن علي (الباقر) وجعفر بن محمّد (الصادق) وموسى بن جعفر (الكاظم) وعلي بن موسى (الرضا) ومحمد بن علي (الجواد) وعلي بن محمّد (الهادي) والحسن بن علي (العسكري) والمهديعليهم‌السلام ، في ضحضاح من نور ، قياما يصلّون ، وهو وسطهم (يعني المهدي) كأنه كوكب درّي. قال : يا محمّد هؤلاء الحجج ، وهو الثائر من عترتك. وعزتي وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي ، والمنتقم من أعدائي.

٤٤ ـ الإمام عليعليه‌السلام يؤكد كون الأئمة من بني هاشم :

وجاء عليعليه‌السلام يفسر حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويوضح إبهامه في نهج البلاغة ، فقال : إن الأئمة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم (نهج البلاغة ، الخطبة ١٤٢).

٤٥ ـ الإنجيل يتنبّأ بالأئمة الاثني عشر :

جاء في الإصحاح الحادي عشر عن تنبؤات يوحنا اللاهوتي ما نصه :

«وظهرت آية عظيمة في السماء ، امرأة متسربلة بالشمس ، وتحت رجليها القمر ، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبا».

فكأنه يتكلم عن مولاتنا فاطمة الزهراءعليها‌السلام وقد تسربلت بالشمس يعني أبيها محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتزوجت بالقمر وهو علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وعلى رأسها إكليل من أبنائها المعصومين الاثني عشر ، الذين أولهم الحسن والحسين وآخرهم المهديعليه‌السلام . وليس هناك فيما تنبّأ به يوحنا اللاهوتي فيما سيحصل من أمور ، شيء شبيه بالذي ذكر ، غير فاطمة وأبيها وبعلها وبنيهاعليهم‌السلام .

١٣١

٤٦ ـ الحجة المهديعليه‌السلام هو الإمام الثاني عشر :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٤١)

قال الشيخ محمّد الصبان : يكون ظهور المهديعليه‌السلام في يوم عاشوراء. وقال سيدي عبد الوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر) : المهديعليه‌السلام من ولد الإمام الحسن العسكري ، ومولده ليلة النصف من شعبان سنة ٢٥٥ ه‍ ، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريمعليه‌السلام .

وقال الشيخ محيي الدين بن العربي في (الفتوحات المكية) : اعلموا أنه لا بدّ من خروج المهديعليه‌السلام ، لكن لا يخرج حتّى تمتلئ الأرض جورا وظلما ، فيملؤها قسطا وعدلا. وهو من عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ولد فاطمةعليها‌السلام ، جده الحسين بن عليعليهم‌السلام ووالده الإمام حسن العسكري ابن الإمام علي النقي ، ابن الإمام محمّد التقي ، ابن الإمام علي الرضا ، ابن الإمام جعفر الصادق يواطئ اسمه اسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . يبايعه المسلمون بين الركن والمقام ، يشبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخلق ، وينزل عنه في الخلق ، إذ لا يكون أحد مثل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أخلاقه.

٣ ـ أهل البيتعليهم‌السلام هم الخمسة أصحاب الكساء

٤٧ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام المقصودون في آية التطهير؟ :

(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١١٠)

يقول الشيخ مؤمن الشبلنجي : اختلف في المراد من (أهل البيت) فقيل :

١) ـ هم نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنهن في بيته.

٢) ـ هم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

٣) ـ هم من تحرم عليهم الصدقة بعده ، وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.

وقال الفخر الرازي : والأولى أن يقال : هم أولاده وأزواجه ، والحسن والحسين. وعليعليهم‌السلام منهم ، لأنه كان من أهل بيته ، لمعاشرته فاطمة بنته وملازمته له.

١٣٢

تعليق المؤلف :

إن تعبير (أهل البيت) كما شرحنا سابقا يطلق على عدة أشياء ، فيقصد به الخمسة الذين ضمهم الكساء ، وقد يقصد به الأئمة الاثنا عشر ، وقد يقصد به ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم السادة الأشراف. وقد يقصد به نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . لكن إذا كنا نبحث بالمقصود بهم في آية التطهير ، وهي قوله تعالى :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣] فهم حصرا الخمسة أصحاب الكساء ، الذين نزلت فيهم الآية على وجه الخصوص كما سترى. أما الزوجات فهن مختلفات في الفضل فيما بينهن ، لكنهن لا يرقين إلى درجة هؤلاء الخمسة الذين طهّرهم الله وعصمهم من كل رجس ، منذ ولادتهم وحتى وفاتهم.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ثم يقول الشبلنجي : هذا ويشهد للقول بأن (أهل البيت) هم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام عدة آيات ودلالات ، منها : حديث الكساء ، وآية المباهلة ، وآية المودة.

٤٨ ـ حديث الكساء :

(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١١١)

ثم يقول الشبلنجي : وروي من طرق عديدة صحيحة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء ومعه علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، ثم أخذ كلّ واحد منهما على فخذه ، ثم لفّ عليهم كساء ، ثم تلا هذه الآية :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

(وفي رواية) : الله م هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد ، كما جعلتها على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد.

١٣٣

(وفي رواية أم سلمة) قالت : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يدي. فقلت : وأنا معكم يا رسول الله. فقال : إنك من أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خير.

وروى أحمد بن حنبل والطبراني عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنزلت هذه الآية في خمسة : فيّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمةعليهم‌السلام .

وروى سبط ابن الجوزي الحنفي المذهب في كتابه (تذكرة الخواص ، ص ٦٥٤ ط نجف) حديث الكساء بسنده عن واثلة بن الأسقع قال : أتيت فاطمة أسألها عن عليعليه‌السلام فقالت : توجّه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فجلست أنتظره ، فإذا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أقبل ومعه علي والحسن والحسين قد أخذ بيد كل واحد منهم ، حتّى دخل الحجرة ، فأجلس الحسن على فخذه اليمنى ، والحسين على فخذه اليسرى ، وأجلس عليا وفاطمة بين يديه ، ثم لفّ عليهم كساه (أي ثوبه) ، ثم قرأ :( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). ثم قال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي حقا».

وقد أخرج العلامة الفقيه محب الدين الطبري الشافعي في كتابه (ذخائر العقبى ، ص ٢١ ـ ٢٤) أحاديث متعددة في قصة الكساء. منها حديث عن عائشة قالت :خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات غداة وعليه مرط (كساء) مرجّل من شعر. فجاء الحسن بن علي فأدخله فيه ، ثم جاء الحسين فأدخله فيه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها فيه ، ثم جاء عليعليه‌السلام فأدخله فيه ، ثم قال :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). أخرجه مسلم. وأخرج أحمد معناه عن واثلة ، وزاد في آخره : «اللهم هؤلاء أهل بيتي ، وأهل بيتي أحقّ».

ومنها حديث عن أم سلمة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة : ائتني بزوجك وابنيك. فجاءت بهم ، وأكفأ عليهم كساء فدكيا ، ثم وضع يده عليهم ، ثم قال :«اللهم إن هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد ، إنك حميد مجيد».

قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال :«إنك على خير».(أخرجه الدولابي في كتاب الذرية الطاهرة).

١٣٤

وروى ابن شيبة وأحمد والترمذي وحسّنه ، وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصحّحه ، عن أنس ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول هذه الآية (كما في رواية الترمذي) كان يمرّ ببيت فاطمةعليها‌السلام إذا خرج إلى صلاة الفجر ، ويقول :الصلاة أهل البيت( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وفي رواية ابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري ، أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء أربعين صباحا إلى دار فاطمة ، يقول : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، الصلاة رحمكم الله( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وفي رواية له عن ابن عباس : سبعة أشهر. وفي رواية لابن جرير وابن المنذر والطبراني : ثمانية أشهر.

وذكر ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) آية التطهير ، ثم قال : ذكر الترمذي في صحيحه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من وقت نزول هذه الآية إلى قريب من ستة أشهر إذا خرج إلى الصلاة يمر بباب فاطمة ، ثم يقول :( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وذكر ابن حجر أحاديث غير ما تقدم ، وقال : وأشار المحب الطبري إلى أن هذا الفعل (أي وضع الكساء عليهم) تكرر منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت أم سلمة وبيت فاطمة وغيرهما. وهذا يفسّر لنا تعدد الروايات بأشكال مختلفة ، في هيئة اجتماعهم وما جللهم به وما دعا به لهم.

وقال الشيخ كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي الشامي في كتابه (مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول ، ص ٨ ط إيران) بعد أن ذكر حديث الكساء : فهؤلاء أهل بيته المرتقون بتطهيرهم إلى ذروة أوج الكمال ، المستحقون لتوقيرهم مراتب الإعظام والإجلال ، الموفّقون لتأييدهم لانتهاج مناهج الاستقامة والاعتدال ، المستبقون لتسديدهم إلى مدارج الفضائل والافضال.

٤٩ ـ حديث المباهلة يؤيد حديث الكساء :

(محمّد وعلي وبنوه الأوصياء للشريف العسكري ، ص ٣٢٣ ـ ٣٢٦)

ومما يؤكد أن أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الخمسة على وجه التحديد دون غيرهم ، ما وقع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أراد المباهلة مع وفد نجران.

١٣٥

خرّج جماعة من علماء الجمهور حديث المباهلة بعبارات مختلفة في أحاديث مختلفة. وقصة المباهلة المشهورة حدثت في السنة العاشرة للهجرة. وهي أن وفدا من آل نجران وهم من النصارى ، جاؤوا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجادلونه في المسيحعليه‌السلام ، فلما تعنّتوا في غلوائهم ، دعاهم الرسول إلى المباهلة ، وهي أن يجتمع فريق من كل طرف ، فيدعو الواحد على الآخر ، فتكون الغلبة لمن يستجيب الله دعاءه. فطلبوا منه الإنظار إلى صبيحة الغد. فقال لهم الأسقف : انظروا محمدا في غد ، فإن جاء بولده وأهله فاحذروا مباهلته ، وإن غدا بأصحابه فباهلوه ، فإنه على غير شيء. فلما جاء الغد جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخذا بيد علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين بين يديه ، وفاطمة خلفه. وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم ، فلما رآهم قال الأسقف : يا معشر النصارى ، إني لأرى وجوها لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها ، فلا تباهلوهم فتهلكوا. فامتنعوا عن المباهلة وفي ذلك نزلت الآية :( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠)فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٦١)[آل عمران : ٥٩ ـ ٦١].

ذكر الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه (ينابيع المودة ، ص ٥٢) حديث المباهلة وقال : أخرج صاحب المناقب عن جعفر الصادقعليه‌السلام عن أبيه عن جده علي بن الحسينعليهم‌السلام ، أن الحسن بن عليعليهما‌السلام قال في خطبته : قال الله تعالى لجديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين جحده كفرة أهل نجران وحاجّوه :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٦١) [آل عمران : ٦١]. فأخرج جديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه من الأنفس أبي ، ومن البنين أنا وأخي ، ومن النساء فاطمة أمي. فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه ، ونحن منه وهو منا.

(وفيه أيضا ، ص ٥٣) : قال الإمام الرضا رضي الله عنه (في تفسير آية المباهلة) : عنى الله تعالى من( أَنْفُسَنا ) نفس عليعليه‌السلام . ومما يدل على ذلك قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوفد ثقيف : «لتنتهنّ بني وليعة ، أو لأبعثنّ إليكم رجلا كنفسي «يعني علي بن أبي طالب. فهذه خصوصية لا يلحقه فيها بشر.

(وفي ينابيع المودة أيضا ، ص ٢٦٦) قال : أخرج الدارقطني بسنده عن واثلة

١٣٦

(قال) قال الإمام عليعليه‌السلام يوم الشورى : والله لأحتجّنّ عليهم بما لا يستطيع قرشيّهم ولا عربيّهم ولا عجميّهم ردّه. ثم قال لهم خصالا صدّقوها.

(إلى أن قالعليه‌السلام ) : أنشدتكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مني؟. وهل فيكم من جعل الله نفس نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ، وأبناءه أبناءه ، ونساءه نساءه ، غيري؟. قالوا : لا. قال : فأنشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت أبو ولدي ، غيري؟. قالوا : لا.

٥٠ ـ آية المودّة :

ويقول الشبلنجي في (نور الأبصار) : ما قدّمناه من أن أهل البيتعليهم‌السلام هم :علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام هو ما جنح إليه الفخر الرازي في تفسيره والزمخشري في كشافه. وعبارته عند تفسير قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) : روي أنها لما نزلت ، قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟. قال : علي وفاطمة وابناهماعليهم‌السلام . وسوف نتناول تفسير هذه الآية فيما بعد ، عند حديثنا عن محبة أهل البيتعليهم‌السلام ومودتهم.

٥١ ـ آية السلام :

قال الموفق بن أحمد الحنفي الخوارزمي في مناقبه : ومن الآيات التي نزلت في أهل البيتعليهم‌السلام ، آية السلام ، وهي قوله تعالى :( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) (١٣٠) [الصافات : ١٣٠]. وقد عدّ ابن حجر في صواعقه هذه الآية من الآيات النازلة بحقهم.ونقل أن جماعة من المفسرين رووا عن ابن عباس أنه قال : المراد بها السلام على آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . إلى أن قال :

(وذكر الفخر الرازي) أن أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يساوونه في خمسة أشياء :

في السلام ، قال تعالى (السلام عليك أيها النبي) ، وقال :( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) (١٣٠). وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهد في الصلاة. وفي الطهارة ، قال تعالى( طه ) (١) [طه : ١] أي يا طاهر ، وقال :( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). وفي تحريم الصدقة. وفي المحبّة ، قال تعالى( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) [آل عمران : ٣١] ، وقال :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) . ا ه.

٥٢ ـ الصلاة على محمّد وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

وقد أخرج البخاري في كتاب تفسير القرآن ، من الجزء الثالث من صحيحه ، في

١٣٧

تفسير قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٥٦) [الأحزاب : ٥٦]. فقال الصحابة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله ، أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك؟. فقال :

«قولوا : اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد». وقد أخرج هذا الحديث مسلم في باب الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتاب الصلاة ، في الجزء الأول من صحيحه ، وأخرجه سائر المحدّثين فعلم أن الصلاة على آل محمّد جزء من الصلاة المأمور بها في هذه الآية. ولذا عدّها العلماء من الآيات النازلة بحقهم ، حتّى عدّها ابن حجر في صواعقه من آياتهم الخاصةعليهم‌السلام .

وحسبنا في إيثارهم على من سواهم ، إيثار اللهعزوجل إياهم ، حتّى جعل الصلاة عليهم جزءا من الصلاة المفروضة على جميع عباده ، فلا تصحّ بدونها صلاة أحد من العالمين أيا كان شأنه. بل لابدّ لكل من امتثل أمر الله بفرائضه ، أن يمتثل أمره في أثنائها بالصلاة عليهم ، كما يمتثل أمره بالشهادتين. ولذلك أثر عن جابر أنه كان يقول : لو صلّيت صلاة لم أصلّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ، ما رأيت أنها تقبل. وهذه منزلة عنت لها وجوه الأمة ، وخشعت أمامها أبصار العلماء الأئمة ، لذلك قال الشافعي إمام المذهب :

يا آل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفضل أنّكم

من لا يصلّي عليكم لا صلاة له

٤ ـ فضائل أهل البيتعليهم‌السلام

٥٣ ـ منزلة أهل البيتعليهم‌السلام :

(الاتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٥٨)

قال بعض أهل العلم : إن آل البيتعليهم‌السلام حازوا الفضائل كلها ؛ علما وحلما ، وفصاحة وصباحة ، وذكاء وبديهة ، وجودا وشجاعة. فعلومهم لا تتوقف على تكرار درس ، ولا يزيد يومهم فيها على ما كان بالأمس ، بل هي مواهب من مولاهم ، من أنكرها وأراد سترها كان كمن أراد ستر وجه الشمس. فما سألهم في العلوم مستفيد ووقفوا ، ولا جرى معهم في مضمار الفضل قوم إلا عجزوا وتخلّفوا.

٥٤ ـ بعض فضائل أهل البيتعليهم‌السلام :

وحسب أئمة العترة الطاهرة أن يكونوا عند الله ورسوله بمنزلة الكتاب الكريم ، لا

١٣٨

يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهم أعدال القرآن ، وشجرة النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومعدن العلم ، وأهل بيت الوحي.

فيهم نزلت آية التطهير في قوله تعالى :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣] وفيهم نزلت آية الرحمة والبركة في قوله تعالى :( رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) (٧٣) [هود : ٧٣].

وفيهم نزلت آية المباهلة في قوله تعالى :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) (٦١) [آل عمران : ٦١]. وفيهم نزلت آية الإطعام في قوله تعالى :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨)إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ) (٩) [الإنسان : ٨ ـ ٩]. وفيهم نزلت آية المودة في قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) (٣٣) [الشورى : ٢٣]. وفيهم نزلت آية النور في قوله تعالى:( اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ) (٣٥) [النور : ٣٥]. وفيهم نزلت آية الهداية في قوله تعالى :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) (٨٢) [طه : ٨٢]. وفيهم نزلت آية الولاية في قوله تعالى :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (٥٥) [المائدة : ٥٥]. وفيهم نزلت آية الطاعة في قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) [النساء : ٥٩]. وفيهم نزلت آية النعمة في قوله جلّ من قائل :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) [المائدة : ٣]. وفيهم نزلت آية الميثاق في قوله :( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ) [المائدة : ٧]. يشير تعالى في هذه الآية إلى حادثة الغدير في حجة الوداع.

بعض فضائل الإمام عليعليه‌السلام

٥٥ ـ فضائل الإمام عليعليه‌السلام لا تحصى :

فضائل الإمام عليعليه‌السلام جمّة لا تحصى ، فهي بعدد ذرات الثرى. وكما قال ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدمة شرحه لنهج البلاغة (ج ١ ص ١٧ ط مصر ، تحقيق أبي الفضل إبراهيم) :

وما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل ، ولم يمكنهم جحد مناقبه ، ولا كتمان فضائله. فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق

١٣٩

الأرض وغربها ، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره والتحريض عليه ، ووضع المعائب والمثالب له ، ولعنوه على جميع المنابر ، وتوعّدوا مادحيه ، بل حبسوهم وقتلوهم ، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة ، أو يرفع له ذكرا ، حتّى حظّروا أن يسمى أحد باسمه ، فما زاده ذلك إلا رفعة وسموا ، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه ، وكلما كتم تضوّع نشره ، وكالشمس لا تستر بالراح ، وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة ، أدركته عيون كثيرة.

وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة ، وتنتهي إليه كل فرقة ، وتتجاذبه كل طائفة ؛ فهو رئيس الفضائل وينبوعها ، وأبو عذرها ، وسابق مضمارها ، ومجليّ حلبتها ، كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى. اه.

(أقول) : وإنما أحببت أن أسوق في هذه الموسوعة بعض مناقبه وفضائلهعليه‌السلام للتبرك بذكره وتعطير الكتاب بأريج عطره.

٥٦ ـ بعض الروايات في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٣ ط نجف)

عن الإمام الرضاعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا علي إن الله قد غفر لك ولأهلك وشيعتك ، ومحبّي شيعتك ومحبّي محبّي شيعتك ، فأبشر فإنك الأنزع البطين ؛ منزوع من الشرك ، بطين من العلم.

وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليهما‌السلام عن آبائه عن الحسينعليه‌السلام قال :سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من أحبّ أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ، ويدخل الجنّة التي وعدني ربي ، فليتولّ علي بن أبي طالب وذريته ، فإنهم لن يخرجوك من باب الهدى إلى باب الضلالة.

وروى الحمويني في (فرائد السمطين) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من أحبّ أن يتمسّك بديني ، ويركب سفينة النجاة بعدي ، فليقتد بعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وليعاد عدوّه ، وليوال وليّه ، فإنه وصيي وخليفتي على أمتي ، في حياتي وبعد وفاتي ، وهو إمام كل مسلم وأمير كل مؤمن بعدي. قوله قولي وأمره أمري ونهيه نهيي ، وتابعه تابعي وناصره ناصري وخاذله خاذلي.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ سيّد العرب. فقيل : ألست سيد العرب؟. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أنا سيد العالمين (فضائل الخمسة ، ج ٢ ص ٩٧).

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

و عن الباقرعليه‌السلام : قال تعالى : و عزّتي و جلالي لا يؤثر عبد مؤمن هواي على هواه في شي‏ء من أمر الدّنيا إلاّ جعلت غناه في نفسه و همّه في آخرته ، و ضمنت السماوات و الأرض رزقه ، و كنت له من وراء تجارة كلّ تاجر(١) .

و في ( المروج ) كان إسحاق بن إبراهيم بن مصعب على بغداد أي : في خلافة المتوكل فرأى في منامه كأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له « أطلق القاتل » ، فارتاع لذلك روعا عظيما و نظر في الكتب الواردة لأصحاب الحبوس فلم يجد فيها ذكر قاتل ، فأمر باحضار السندي و عباس فسألهما هل رفع إليهما أحد ادّعي عليه بالقتل فقال له العباس : نعم و قد كتبنا بخبره ، فأعاد النظر فوجد الكتاب في أضعاف القراطيس و اذا الرجل قد شهد عليه بالقتل و أقر به ، فأمر باحضاره و قال له : إن صدقتني أطلقتك ، فذكر أنّه كان هو وعدّة من أصحابه يرتكبون كلّ عظيمة و يستحلّون كلّ محرم و أنّه كان اجتماعهم في منزل بمدينة المنصور يعكفون فيه على كلّ بلية ، فلمّا كان في هذا اليوم جاءتهم عجوز تختلف إليهم للفساد و معها جارية بارعة الجمال ، فلمّا توسط الجارية الدار صرخت صرخة ، فبادرت إليها من بين أصحابي فأدخلتها بيتا و سكّنت روعتها و سألتها عن قصتها فقالت : اللَّه اللَّه فيّ فإنّ هذه العجوز خدعتني و أعلمتني أنّ في خزانتها حقا لم ير مثله ، فشوّقتني إلى النظر إليه فخرجت معها واثقة بقولها فهجمت بي عليكم ، و جدّي رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله و امّي فاطمةعليها‌السلام و أبي الحسن بن عليعليهما‌السلام فاحفظوهم فيّ ، فضمنت خلاصها و خرجت إلى أصحابي فعرّفتهم ، فكأنّي أغريتهم بها و قالوا : لمّا قضيت حاجتك منها أردت صرفنا عنها ، و بادروا إليها و قمت دونها أمنع عنها ، فتفاقم الأمر بيننا إلى أن نالتني جراح ، فعمدت إلى أشدّهم في أمرها و أكلبهم على هتكها فقتلته ، و لم

____________________

( ١ ) بحار الأنوار ٧٠ : ٧٥ رواية ٢ .

٥٢١

أزل أمنع عنها إلى أن خلّصتها و أخرجتها من الدار فقالت : سترك اللَّه كما سترتني و كان لك كما كنت لي و سمع الجيران الضجّة فتبادروا إلينا و السكين في يدي و الرجل يتشحّط في دمه ، فرفعت على هذه الحالة فقال له إسحاق : قد عرفت لك ما كان من حفظك للمرأة و وهبتك للَّه و لرسوله قال :

فوحق من وهبتني له لا عاودت معصية و لا دخلت في ريبة حتى ألقى اللَّه تعالى ، فأخبره إسحاق بالرؤيا التي رآها و أنّ اللَّه لم يضيّع له ذلك ، و عرض عليه برّا واسعا فأبى قبول شي‏ء(١) .

و في ( المعجم ) عن المبرد أنّ يهوديا بذل للمازني مائة دينار ليقرئه كتاب سيبويه ، فامتنع من ذلك فقيل : لم امتنعت مع حاجتك و عيلتك ؟ فقال : إنّ في كتاب سيبويه كذا و كذا آية من كتاب اللَّه فكرهت أن أقرى‏ء كتاب اللَّه للذمة ، فلم يمض على ذلك إلاّ مديدة حتى أرسل الواثق في طلبه و أخلف اللَّه عليه أضعاف ما تركه للَّه ، فبعث إليه يسأله عن قول الشاعر :

أظليم إن مصابكم رجلا

أهدى السّلام تحية ظلم(٢)

هل يصحّ رفع « رجل » ؟ فأجابه : لا لأنّه ليس بخبر و إنّما الخبر « ظلم » لأن به يتمّ الكلام ، فأمر له بألف دينار و في كل شهر مائة(٣) .

و في الأول : « و من كان له من نفسه واعظ كان عليه من اللَّه حافظ » قال تعالى :

( و الَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنهديَنَّهُم سُبلنا ) (٤) و في الثاني : « من أصلح سريرته

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ١٢ .

( ٢ ) ذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان ١ : ٢٨٤ و نسبه إلى العرجي ، و نسبه البغدادي في خزانة الأدب ١ : ٣١٧ ، إلى الحارث بن خالد المخزومي .

( ٣ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ٧ : ١١١ ١١٢ ، و ذكرها البيهقي في المحاسن و المساوى : ٤٠ ، ( طبع بيروت ) .

( ٤ ) العنكبوت : ٦٩ .

٥٢٢

أصلح اللَّه علانيته » نقل كشكول البهائي(١) عن تفسير القاضي(٢) قال : روى الحارث الهمداني عن أمير المؤمنين كرّم اللَّه وجهه قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ما من عبد إلاّ و له جوّاني و برّاني يعني سريرة و علانية فمن أصلح جوانيه أصلح اللَّه برّانيه ، و من أفسد جوانيه أفسد اللَّه برانيه ، و ما من أحد إلاّ و له صيت في أهل السماء ، فإذا حسن وضع اللَّه له ذلك في أهل الأرض ، و إذا ساء صيته في السماء وضع له ذلك في الأرض ، فسئل عن صيته ما هو ، قال : ذكره .

و أقول : الصيت يقال له بالفارسية : « آوازه » .

٤٥ الحكمة ( ١٠٦ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ يَتْرُكُ اَلنَّاسُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ لاِسْتِصْلاَحِ دُنْيَاهُمْ إِلاَّ فَتَحَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام ، ما من عبد يمنع درهما في حقّه إلاّ أنفق اثنين في غير حقّه ، و ما من رجل يمنع حقّا من ماله إلاّ طوقه اللَّه تعالى به حيّة من نار يوم القيامة(٣) .

و في ( الفقيه ) عن الباقرعليه‌السلام : ما من عبد يؤثر على الحجّ حاجة من حوائج الدنيا إلاّ نظر إلى المحلّقين قد انصرفوا قبل أن يقضى له تلك الحاجة(٤) .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام قال لسماعة : مالك لا تحجّ العام ؟ قال :

معاملة كانت بيني و بين أقوام و أشغال و عسى أن يكون ذلك خيره فقال : لا

____________________

( ١ ) كشكول البهائي : ١٠٢ طبع القاهرة .

( ٢ ) تفسير البيضاوي للقاضي : لم يرد هذا النص في تفسير البيضاوي ، و قد وقع ذلك سهوا من العلاّمة التستري أنظر الكشكول .

( ٣ ) الكافي للكليني ٣ : ٥٠٤ من حديث عبيد بن زراره .

( ٤ ) من لا يحضره الفقيه ٢ : ٢٢٠ ح ٢٢٢٦ .

٥٢٣

و اللَّه ما فعل اللَّه لك في ذلك من خيره ثم قال : ما حبس عبد عن هذا البيت إلاّ بذنب و ما يعفو أكثر(١) .

و عنهعليه‌السلام : إذا قام العبد في الصلاة فخفّف صلاته قال تعالى لملائكته :

أما ترون إلى عبدي كأنّه يرى ان قضاء حوائجه بيد غيري ، أما يعلم أن قضاء حوائجه بيدي(٢) .

٤٦ الحكمة ( ١١٤ ) و قالعليه‌السلام :

إِذَا اِسْتَوْلَى اَلصَّلاَحُ عَلَى اَلزَّمَانِ وَ أَهْلِهِ ثُمَّ أَسَاءَ رَجُلٌ اَلظَّنَّ بِرَجُلٍ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ خَزْيَةٌ فَقَدْ ظَلَمَ هكذا في ( الطبعة المصرية )(٣) و يصدقها ابن ميثم(٤) و في ابن أبي الحديد بدل « خزية » حوبة(٥) ، و المعنى واحد لكن ما هنا أجود .

قال ابن أبي الحديد : روى جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى الكعبة فقال : ما أعظم حرمتك ، و إنّ المؤمن أعظم حرمة منك ، لأنّ اللَّه تعالى حرّم منك واحدة و من المؤمن ثلاثة : دمه و ماله و أنّ يظنّ به الظنّ السّوء(٦) .

« و إذا استولى الفساد على الزمان و أهله فأحسن رجل الظن برجل فقد غرّر » قال ابن أبي الحديد : قال شاعر :

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٣ : ٢٦٩ ح ٦٠ من حديث هشام بن سالم .

( ٢ ) الكافي للكليني ٣ : ٢٦٩ ح ٦٠ من حديث هشام بن سالم .

( ٣ ) هناك اضافة في الطبعة المصرية هي و إذا ( استولى الفساد . ) : ٦٨٢ رقم ١١٥١ .

( ٤ ) في شرح ابن ميثم بلفظ « خزية » ٥ : ٣٠٢ .

( ٥ ) راجع ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٧٨ بلفظ « حوية » أيضا .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٧٨ .

٥٢٤

و قد كان حسن الظن بعض مذاهبي

فأدّبني هذا الزمان و أهله(١)

و قيل لصوفي : ما صناعتك ؟ قال حسن الظن باللَّه و سوء الظن بالناس(٢) .

قلت : كلامهعليه‌السلام هنا من حيث الزمان ، و أمّا من حيث الشخص فقد قالعليه‌السلام كما في ( ١٥٩ ) من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومنّ من أساء به الظنّ .

٤٧ الحكمة ( ١٢١ ) و قالعليه‌السلام :

شَتَّانَ مَا بَيْنَ عَمَلَيْنِ عَمَلٍ تَذْهَبُ لَذَّتُهُ وَ تَبْقَى تَبِعَتُهُ وَ عَمَلٍ تَذْهَبُ مَئُونَتُهُ وَ يَبْقَى أَجْرُهُ أقول : هكذا في ( الطبعة المصرية ) « ما بين » و الصواب : ( بين ) بدون « ما » كما في ابن أبي الحديد و ابن ميثم و النسخة الخطية(٣) .

و روي انّهعليه‌السلام كان أيام إقامته بالكوفة يبكّر كلّ يوم إلى السوق و يعظهم صنفا صنفا و يقول : قدّموا الاستخارة ، و تبرّكوا بالسهولة ، و اقتربوا من المبتاعين ، و تزيّنوا بالحلم ، و تناهوا عن اليمين ، و جانبوا الكذب ، و تجافوا عن الظلم ، و أنصفوا المظلومين ،( و لا تبخسوا النّاسَ أشياءهُم و لا تَعثَوا في الأرض مُفسِدِينَ ) (٤) ثم ينادي :

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٧٩ .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) ورد في النسخة المصرية : ٦٨٤ رقم ( ١٢٢ ) و شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٠ رقم ( ١١٧ ) و شرح ابن ميثم ٥ : ٣٠٦ رقم ( ١١٢ ) بلفظ « ما بين » ، و النسخة الخطية بين ( بدون ما ) : ٣١٩ .

( ٤ ) هود : ٨٥ .

٥٢٥

تفنى اللّذاذة ممّن نال صفوتها

من الحرام و يبقى الإثم و العار

تبقى عواقب سوء في مغبّتّها

لا خير في لذّة من بعدها النار(١)

٤٨ الحكمة ( ٤٣٣ ) و قالعليه‌السلام :

اُذْكُرُوا اِنْقِطَاعَ اَللَّذَّاتِ وَ بَقَاءَ اَلتَّبِعَاتِ فِي الذُّنُوبِ و المَعَاصِي حَتَّى يَسْهُلَ عَلَيْكُمْ تَرْكُهَا وَ يَكْبُرَ عَلَيْكُمُ ارْتِكَابُهَا و في ( دعاء التوبة ) : من ذنوب أدبرت لذاتها فذهبت و أقامت تبعاتها فلزمت ، و قال الشاعر :

ما كان ذاك العيش إلاّ سكرة

رحلت لذاذتها و حلّ خمارها

٤٩ الحكمة ( ١٢٦ ) و قالعليه‌السلام :

عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ اَلْفَقْرَ اَلَّذِي مِنْهُ هَرَبَ وَ يَفُوتُهُ اَلْغِنَى اَلَّذِي إِيَّاهُ طَلَبَ فَيَعِيشُ فِي اَلدُّنْيَا عَيْشَ اَلْفُقَرَاءِ وَ يُحَاسَبُ فِي اَلْآخِرَةِ حِسَابَ اَلْأَغْنِيَاءِ وَ عَجِبْتُ لِلْمُتَكَبِّرِ اَلَّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ نُطْفَةً وَ يَكُونُ غَداً جِيفَةً وَ عَجِبْتُ لِمَنْ شَكَّ فِي اَللَّهِ وَ هُوَ يَرَى خَلْقَ اَللَّهِ وَ عَجِبْتُ لِمَنْ نَسِيَ اَلْمَوْتَ وَ هُوَ يَرَى اَلْمَوْتَى وَ عَجِبْتُ لِمَنْ أَنْكَرَ اَلنَّشْأَةَ اَلْأُخْرَى وَ هُوَ يَرَى اَلنَّشْأَةَ اَلْأُولَى وَ عَجِبْتُ لِعَامِرٍ دَارَ اَلْفَنَاءِ وَ تَارِكٍ دَارَ اَلْبَقَاءِ في ( الطبري ) قيل لجعفر بن محمدعليه‌السلام : إنّ المنصور يعرف بلباس جبّة هروية مرقوعة و انه يرقع قميصه ، فقالعليه‌السلام : الحمد للَّه الذي لطف له حتى ابتلاه بفقر نفسه أو قال بالفقر في ملكه .

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ٤١ : ١٠٤ رواية ٥ و قد وردت الأبيات الشعرية في ديوان أمير المؤمنين : ٤٨ .

٥٢٦

و قال محمد بن سليمان الهاشمي : بلغني أنّ المنصور أخذ الدواء في يوم شائت شديد البرد ، فأتيته أسأله عن موافقة الدواء ، فادخلت مدخلا من القصر لم أدخله قط ، ثم صرت إلى حجرة صغيرة و فيها بيت واحد و رواق بين يديه في عرض البيت و عرض الصحن على أسطوانة ساج و قد سدل على وجه الرواق بواري كما يصنع بالمساجد ، فدخلت فإذا في البيت مسح ليس فيه شي‏ء غيره إلاّ فراشه و مرافقه و دثاره ، فقلت له : هذا بيت أربأبك عنه فقال : يا عم هذا بيت مبيتي قلت له : ليس هنا غير الذي أرى قال : ما هو إلاّ ما ترى .

و مثل البخيل مثل الطائر الذي لا يروى من البحر لئلاّ ييبس ، و الدود الذي لا يشبع من التراب لئلاّ يفنى .

و قال واضع مولى المنصور : قال لي المنصور : انظر ما عندك من الثياب الخلقان فاجمعها و جئني بها و ليكن معها رقاع ، ففعلت و دخل عليه المهدي و هو يقدّر الرقاع فضحك و قال : من هاهنا يقول الناس : نظروا في الدينار و الدرهم و ما دون ذلك و لم يقل دانق فقال المنصور : إنّه لا جديد لمن لا يصلح خلقه ، و هذا الشتاء قد حضر و نحتاج إلى كسوة للعيال و الولد فقال المهدي : فعليّ كسوتك و كسوة عيالك و ولدك فقال له : دونك فافعل .(١) .

كان عمله هكذا مع انّه قال لابنه : قد جمعت لك من الأموال ما ان كسر عليك الخراج عشر سنين كان عندك كفاية لأرزاق الجند و النفقات و عطاء الذرية و مصلحة الثغور .

« فيعيش في الدنيا عيش الفقراء و يحاسب في الآخرة حساب الأغنياء » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : إنّ فقراء المؤمنين يتقلّبون في رياض الجنّة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا و قال : سأضرب لك مثل ذلك ، إنّما مثله مثل سفينتين

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٦ : ٣٢٤ .

٥٢٧

مرّ بهما على عاشر ، فنظر في إحداهما فلم ير فيها شيئا فقال : أسربوها ، و نظر في الاخرى فإذا هي موقرة فقال : إحبسوها .

و عنهعليه‌السلام : إذا كان يوم القيامة قام عنق من الناس حتى يأتوا باب الجنّة فيقولون : من أنتم ؟ فيقولون : نحن الفقراء فيقال لهم : أقبل الحساب فيقولون :

ما أعطيتمونا شيئا تحاسبونا عليه فيقول اللَّه تعالى : صدقوا ، ادخلوا الجنّة(١) .

« و عجبت للمتكبّر الذي كان بالأمس نطفة و يكون غدا جيفة » و خرج من مبال إلى مبال ثم يخرج منه ، فإن لم يخرج من الثاني فمن الأول لا محالة .

فقالوا : كان أحمد بن سهل و هو من ولد يزدجرد ماتت امّه و هو في بطنها ، فشق عنه فكان يتيه على الناس ، و إذا شتم أحدا قال له : ابن البضع ، و كان يفخر على أبناء الملوك بأنّه لم يخرج من بضع(٢) .

« و عجبت لمن شكّ في اللَّه و هو يرى خلق اللَّه » مع عدم تجويز عقل حصول بناء محقّر بدون بان ، و قال تعالى :( أَلم يأتِكُم نَبأُ الّذين من قَبلكم قوم نُوحٍ و عادٍ و ثَمودَ و الّذين من بَعدِهم لا يَعلمُهُم إِلاّ اللَّه جَاءَتهُم رُسُلهم بالبيّنات فردُّوا أيديهم في أَفواهِهِم و قالوا إِنّا كفرنا بما اُرسلتُم بِهِ و إِنّا لَفي شك ممّا تدعوننا إِليه مُريب قالت رُسُلهم أَفي اللَّه شكّ فاطِر السّماوات و الأرض ) (٣) .

« و عجبت لمن نسي الموت و هو يرى الموتى » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٤) ، و الصواب ما في ( ابن أبي الحديد(٥) و ابن ميثم )(٦) و النسخة

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٤ ح ١٨ ، من حديث هشام بن الحكم .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٠٤ .

( ٣ ) إبراهيم : ٩ ١٠ .

( ٤ ) انظر النسخة المصرية : ٦٨٦ رقم ( ١٢٧ ) .

( ٥ ) في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٥ بلفظ « من يموت » .

( ٦ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٣٠٩ رقم ( ١١٦ ) بلفظ « الموتى » .

٥٢٨

الخطية(١) ( و هو يرى من يموت ) لصحّة تلك النسخ دون الطبعة المصرية ، و لأنّ العجب في رؤية أحياء مثله يموتون و ينساه دون مجرّد رؤية موتى لاحتمال حكم وهمه بكونهم أمواتا أبدا ، و أما الذين رآهم ماتوا فلا مجال لحكم و هم فيهم .

ثمّ العجب أنّه يرى أنّ أكثرهم كان منه أشدّ قوّة و أصحّ مزاجا و أسمن بدنا و أكثر أملا و ينسى .

و في الخبر : ما خلق اللَّه يقينا أشبه بالشكّ من الموت(٢) .

« و عجبت لمن أنكر النشأة الاخرى و هو يرى النشأة الأولى » أَوَ لَم يرَ الإنسانُ أَنّا خَلقناهُ مِن نُطفَةٍ فإذا هُو خَصيمٌ مبين و ضَرَبَ لَنا مَثلاً وَ نَسي خَلقَه قالَ مَن يُحيي العِظامَ و هي رَميم( قُل يُحييها الّذي أَنشأها أَوّلَ مرّةٍ وَ هو بِكُلِّ خَلقٍ عَليم ) (٣) أَو لَيسَ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ و الأرض بقادرٍ عَلى أَن يَخلقَ مِثلَهم بَلى وَ هُو الخَلاّقُ العليم إِنّما أَمرُهُ إِذا أَرادَ شَيئاً أَن يَقولَ لَهُ كُن فيكون( فَسُبحانَ الّذي بِيَده مَلكُوتُ كُلِّ شَي‏ءٍ و إِليهِ تُرجَعُون ) (٤) .

« و عجبت لعامر دار الفناء و تارك دار البقاء »( انّما هذه الحياة الدُّنيا متاع و إنَّ الآخرة هي دار القرار ) (٥) .

هذا ، و في الخبر : عجبت لأقوام يحتمون من الطعام مخافة الأذى كيف لا يحتمون من الذنوب مخافة النار ، عجبت لمن يشتري المماليك بماله كيف لا

____________________

( ١ ) النسخة الخطية ( المرعشي ) : ٣٢٠ .

( ٢ ) أورده ( من لا يحضره الفقيه ) هكذا : لم يخلق اللَّه عزّ و جلّ يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت و نسبه إلى الإمام الصادقعليه‌السلام ١ : ١٢٤ ، نقله المجلسي في البحار ٦ : ١٢٧ .

( ٣ ) يس : ٧٧ ٧٩ .

( ٤ ) يس : ٨١ ٨٣ .

( ٥ ) غافر : ٣٩ .

٥٢٩

يشتري الأحرار بمعروفه(١) .

٥٠ الحكمة ( ١٢٧ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ قَصَّرَ فِي اَلْعَمَلِ اُبْتُلِيَ بِالْهَمِّ وَ لاَ حَاجَةَ لِلَّهِ فِيمَنْ لَيْسَ لِلَّهِ فِي مَالِهِ وَ نَفْسِهِ نَصِيبٌ أقول : هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) من كون الجميع عنوانا واحدا ، لكن ابن أبي الحديد(٣) جعل قوله « و لا حاجة . » عنوانا آخر ، و الأصحّ ما هنا لتصديق ابن ميثم(٤) له و نسخته من النهج بخط المصنف .

( من قصّر في العمل ابتلي بالهم ) و المراد أنّ من قصّر في عمل من الدنيا أو الآخرة كان الإتيان به واجبا و قصّر فيه يبتلى بالهمّ و الحسرة لم قصّر ، قال تعالى في الثاني( و اتَّبعُوا أَحسَنَ ما اُنزلَ إِليكم من ربِّكم من قَبل أَن يأتيكم العذابُ بَغتةً و أَنتُم لا تَشعُرون أن تقول نفسٌ يا حَسرتى على ما فَرَّطتُ في جَنبِ اللَّه و إن كُنتُ لَمِنَ الساخرين ) (٥) .

« و لا حاجة للَّه في من ليس للَّه في ماله و نفسه نصيب » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٦) و الصواب ما في ابن أبي الحديد و ابن ميثم ( و لا حاجة للَّه في من

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٨ : ٤٠ نسبه للإمام عليعليه‌السلام .

( ٢ ) انظر النسخة المصرية : ٦٨٦ رقم ( ١٢٨ ) الموافقة لنسخة شرح ابن ميثم ٥ : ٣١٠ رقم ( ١١٧ ) .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٦ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣١٠ .

( ٥ ) الزمر : ٥٥ ٥٦ .

( ٦ ) النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ٦٨٦ رقم ( ١٢٨ ) نسخة شرح ابن ميثم المنقحة مطابقة للنسخة المصرية شرح محمّد عبده ٥ : ٣١٠ ، و راجع ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٧ .

٥٣٠

ليس في نفسه و ماله نصيب ) فوقع في ( الطبعة المصرية ) زيادة و تقديم و تأخير .

أراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نكاح امرأة كلبية أو سلمية ، فقال أبوها : من صفتها كذا و كذا و كفاك من صحّة بدنها أنّها لم تمرض قط و لم تصدع فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا حاجة لنا فيها(١) .

قال البلاذري : قال بعضهم : عرض الضحّاك الكلابي ابنته على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و قال : إنها لم تمرض و لم تصدع فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا حاجة لنا فيها و قال الكلبي : التي قال أبوها انها لم تصدع قط و عرضها على النبي فقال لا حاجة لنا بها سلمية و أما الكلابية فاختارت قومها فذهبت عقلها فكانت تقول : أنا الشقية(٢) .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : دعي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى طعام فنظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت فتقع البيضة على وتد في حائط فتثبت عليه ، فتعجب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له الرجل : أعجبت من هذه البيضة فو الذي بعثك بالحق ما رزئت شيئا قط فنهض النبي و لم يأكل شيئا من طعامه و قال : من لم يرزأ فما للَّه فيه من حاجة(٣) .

و قال ابن أبي الحديد بروي أنّه دخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أعرابي ذو جثمان عظيم ، فقال له متى عهدك بالحمّى قال : ما أعرفها قال : بالصداع ؟ قال : ما أدري ما هو قال : فاصبت بمالك ؟ قال : لا قال : فرزئت بولدك ؟ قال : لا فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ اللَّه تعالى ليكره العفريت النفريت الذي لا يرزأ في ولده و لا يصاب بماله(٤) .

____________________

( ١ ) أنساب الأشراف للبلاذري ١ : ٤٥٥ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١ : ٤٥٥ و هي فاطمة الكلابية .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٥٦ ح ٢٠ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٧ .

٥٣١

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأصحابه : أيّكم يحبّ أن يصح فلا يسقم ؟ قالوا :

كلّنا قال : أتحبّون أن تكونوا كالحمر الصائلة ، ألا تحبّون أن تكونوا أصحاب بلايا و أصحاب كفّارات ، و الذي بعثني بالحق إنّ الرجل ليكون له الدرجة في الجنّة و لا يبلغها بشي‏ء من عمله فيبتليه اللَّه ليبلغه تلك الدرجة(١) .

و في الخبر : مرّ موسىعليه‌السلام برجل كان يعرفه مطيعا للَّه تعالى قد مزقت السباع لحمه ، فوقف متعجّبا فاوحي إليه : إنّه سألني درجة لم يبلغها بعمله فجعلت له سبيلا بذلك(٢) .

و عن جابر رفعه : يود أهل العافية يوم القيامة أنّ لحومهم كانت تقرض بالمقاريض لمّا يرون من ثواب أهل البلاء(٣) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان اللَّه ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الوالد ولده بالطعام ، و اللَّه يحمي عبده المؤمن كما يحمي أحدكم المريض من الطعام(٤) .

٥١ الحكمة ( ١٢٨ ) و قالعليه‌السلام :

تَوَقَّوُا اَلْبَرْدَ فِي أَوَّلِهِ وَ تَلَقَّوْهُ فِي آخِرِهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ فِي اَلْأَبْدَانِ كَفِعْلِهِ فِي اَلْأَشْجَارِ أَوَّلُهُ يُحْرِقُ وَ آخِرُهُ يُورِقُ قال ابن ميثم إنّما وجب اتّقاء البرد في أوّله لأنّ الصيف و الخريف يشتركان في اليبس ، فإذا ورد البرد ورد على أبدان استعدت بحرارة الصيف

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٧ ، في حديث عبد اللَّه بن انس .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٨ .

( ٣ ) المصدر نفسه ١٨ : ٣١٨ في حديث جابر بن عبد اللَّه .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٥٩ ح ٢٨ نسبه إلى الصادقعليه‌السلام و نسبه ابن أبي الحديد إلى الرسول الأكرم صلّى اللَّه عليه و آله ١٨ : ٣١٨ .

٥٣٢

و يبسه للتخلخل و تفتح المسام ، فاشتد انفعال البدن عنه و أسرع في قهر الحرارة الغريزية فيقوى في البدن البرد و اليبس و هما طبيعة الموت ، فيكون بذلك يبس الأشجار و ضمور الأبدان ، و وجب تلقّيه في آخره لأن الشتاء و الربيع يشتركان في الرطوبة و يفترقان بأنّ الشتاء بارد و الربيع حار ، فالبرد المتأخّر إذا امتزج بحرارة الربيع و انكسرت سورتها بها لم يكن له بعد ذلك نكاية في الأبدان ، فقويت الحرارة الغريزية و كان منه النمو و قوّة الأبدان و بروز الأوراق و الثمار(١) .

٥٢ الحكمة ( ١٤١ ) و قالعليه‌السلام :

قِلَّةُ اَلْعِيَالِ أَحَدُ اَلْيَسَارَيْنِ أقول : هو من حديثهعليه‌السلام في الأربعمائة ، و نظيره قولهم : « العيال سوس المال » و قيل : « لا مال لكثير العيال » .

هذا ، و في ( الطبري ) قال الوضين بن عطاء : استزارني المنصور و كانت بيني و بينه خلالة قبل الخلافة ، فصرت إلى بغداد فخلونا يوما فقال لي : ما مالك ؟ قلت : القدر الذي يعرفه الخليفة قال : و ما عيالك ؟ قلت : ثلاث بنات و المرأة و خادم لهن فقال : أربع في بيتك ؟ قلت : نعم فو اللَّه لردد ذلك عليّ حتى ظننت انّه سيموّلني ثم رفع رأسه الي فقال لي : أنت أيسر العرب أربع مغازل يدرن في بيتك(٢) .

____________________

( ١ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣١١ رقم ١١٨ .

( ٢ ) تاريخ الامم و الطبري للطبري ٦ : ٣٢٠ .

٥٣٣

٥٣ الحكمة ( ١٤٢ ) و قالعليه‌السلام :

اَلتَّوَدُّدُ نِصْفُ اَلْعَقْلِ و الحكمة ( ١٤٣ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْهَمُّ نِصْفُ اَلْهَرَمِ أقول : هكذا في ابن أبي الحديد جعلهما عنوانين(١) ، و أخذ منه ( الطبعة المصرية الثانية ) و اما الأولى فليس الأول فيه رأسا(٢) ، و الصواب كون الكلامين عنوانا واحدا كما في ابن ميثم لأن نسخته بخط المصنّف(٣) ، و لأنّهما في سياق واحد ، و لأن في مستندهما هما معا ، فرواه مناقب ابن الجوزي كذلك(٤) ، بل هما جزء العنوان السابق « قلّة العيال أحد اليسارين » كما في ابن أبي الحديد و النسخة الخطية(٥) و إنّ جعله ابن أبي الحديد أيضا مستقلا .

ثم قال ابن أبي الحديد في شرح عنوانه الأول : كأن يقال : قلّ من تودّد إلاّ صار محبوبا و المحبوب مستور العيوب و قال في الثاني : قال الشاعر :

هموم قد أبت إلاّ التباسا

تبتّ الشّيب في رأس الوليد

و تقعد قائما بشجا حشاه

و تطلق للقيام جثى القعود

و أضحت خشّعا منها نزار

مركّبة الرواجب في الخدود

____________________

( ١ ) انظر ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٤٠ ٣٤١ .

( ٢ ) في الطبعة المصرية المنقحة هي « قلّة العيال أحد اليسارين » : ٦٩٠ رقم ( ١٤٢ ) .

( ٣ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٥ : ٣١٩ رقم ( ١٣٠ ) .

( ٤ ) لم نعثر على كتاب المناقب لابن الجوزي .

( ٥ ) في النسخة الخطية : ٣٢٢ هما جزء العنوان السابق « قلة العيال أحد اليسارين » .

٥٣٤

و قال أبو تمام :

شاب رأسي و ما رأيت مشيب

الرأس إلاّ من فضل شيب الفؤاد

كذلك(١) القلوب في كلّ بؤس

و نعيم طلايع الأجساد

طال انكاري البياض و لو عمّر

ت شيئا أنكرت لون السّواد(٢)

قلت : و في ( الطبري ) قال ابن هبيرة : ما رأيت رجلا قط في حرب و لا سمعت به في سلم أمكر و لا أبدع و لا أشد تيقّظا من المنصور ، لقد حصرني في مدينتي تسعة أشهر و معي فرسان العرب ، فجهدنا كلّ الجهد أن ننال من عسكره شيئا نكسره به و ما تهيّا ، و لقد حصرني و ما في رأسي بيضاء فخرجت إليه و ما في رأسي سوداء(٣) .

٥٤ الحكمة ( ١٥٧ ) و قالعليه‌السلام :

قَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ وَ قَدْ هُدِيتُمْ إِنِ اِهْتَدَيْتُمْ وَ أُسْمِعْتُمْ إِنِ اِسْتَمَعْتُمْ التبصير التعريف و الايضاح ، و أمّا الأبصار فقد يجي‏ء بمعنى التبصير كما في قوله تعالى( فلَمّا جاءَتهُم آياتُنا مبصِرَةً ) (٤) و قد يجي‏ء بمعنى الرؤية كما في قولهعليه‌السلام هذا .

و الأصل في كلامهعليه‌السلام قوله تعالى( قَد جاءَكُم بصائِرُ من ربِّكم فمَن أَبصَرَ فَلِنَفسِه و من عَمي فَعَليها و ما أَنا عليكُم بِحفيظٍ ) (٥) .

____________________

( ١ ) كذاك في الديوان : ٧٥ ، و أظنه خطأ طباعي و الأوفق : و كذاك كما في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٤١ .

( ٢ ) ديوان أبي تمام : ٧٥ كذا ذكره شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٤١ .

( ٣ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٦ : ٣٢١ .

( ٤ ) النمل : ١٣ .

( ٥ ) الأنعام : ١٠٤ .

٥٣٥

« و قد هديتم ان اهديتم »( فمن تبع هداي فلا خَوفٌ عليهم و لا هم يحزَنون ) (١) ( قُل يا أيُّها الناسُ قد جاءَكم الحقُّ من ربّكُم فَمَن اهتَدى فإنّما يهتدي لِنَفسه و من ضَلَّ فإنّما يَضلُّ عليها و ما أَنا عليكُم بوَكيلٍ ) (٢) .

« و اسمعتم إن استمعتم »( فَبَشِّر عِباد الذين يستَمِعُون القَولَ فيتَّبِعُون أَحسنه أولئك الذين هداهُم اللَّه و أولئكَ هُم اُولوا الأَلبابِ ) (٣) ( و ما أنت بمسمع من في القبور ) (٤) ( و لو ترى إذ المُجرمون ناكسوا رؤُوسهم عندَ ربهم ربَّنا أَبصرنا و سَمعنا فأرجعنا نعمَل صالحاً إِنّا موقنون ) (٥) .

٥٥ الحكمة ( ١٦٤ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ قَضَى حَقَّ مَنْ لاَ يَقْضِي حَقَّهُ فَقَدْ عَبَدَهُ قرأ ابن أبي الحديد « عبده » بالتشديد ، فجعل مدحا(٦) ، و قرأه ابن ميثم بالتخفيف(٧) فجعله ذمّا .

قال الأول : المعنى مدح من يقضي حق من لا يقضي حقّه لأنّه استعبده ، لأنّه ما فعل به ما فعل مكافأة بل انعاما مبتدئا .

و قال الثاني : أي قضاء حق من كان كذلك في صورة عبادة له .

____________________

( ١ ) البقرة : ٣٨ .

( ٢ ) يونس : ١٠٨ .

( ٣ ) الزمر : ١٧ ١٨ .

( ٤ ) فاطر : ٢٢ .

( ٥ ) السجدة : ١٢ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٨٨ رقم ( ١٦٦ ) .

( ٧ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٣٥ رقم ( ١٥٠ ) .

٥٣٦

قلت : و الأظهر الثاني ، لأن في خط الرضي لا بد أنّه كان بلا تشديد ، لأن نسخة ابن ميثم(١) من النهج كانت بخطه ، و لأن المعنى الذي ذكر ابن أبي الحديد(٢) ليس بصحيح ، فليس كل من تقضي حقّه و هو ما قضى حقك تستعبده كما هو مقتضى عموم « من » ، لاحتمال كون صاحبك رذلا غير أهل ، مع عدم مناسبة « لا يقضي » الظاهر في الاستمرار مع تعبيده ، فإذا صار عبده لا بدّ أن يقضي حقه كاملا ، و إنّما كان مناسبا لو كان بلفظ « لم يقض » و بالجملة ما ذكره ابن أبي الحديد غير جيّد لفظا و معنى .

٥٦ الحكمة ( ١٦٩ ) و قالعليه‌السلام :

قَدْ أَضَاءَ اَلصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ أقول : قد ذكره العسكري(٣) و الميداني(٤) في كتابيهما في الأمثال بدون أن يبيّنا أصله .

و قد ذكره الجرجاني في كنايته مع ذكر أصل له ، فقال : قرأت في كتاب الأمثال عن مؤرّج بن عمرو السدوسي قال : حدّث أبو خالد الكلابي أنّ الأحوص بن جعفر اتي فقيل له : أتانا رجل لا نعرفه ، فلمّا دنا من القوم حيث يرونه نزل عن راحلته فعلّق و طبا من لبن و وضع في بعض أغصان شجرة حنظلة و وضع صرّة من تراب و صرّة شوك ، ثم استوى على راحلته فنظر القوم و الأحوص من أمره ، فقال الأحوص : أرسلوا إلى قيس بن زهير ،

____________________

( ١ ) راجع شرح ابن ميثم ٥ : ٣٣٩ .

( ٢ ) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٨٨ .

( ٣ ) جمهرة الأمثال للعسكري ٢ : ١٢٥ بهامش مجمع الأمثال : يضرب مثلا للأمر ينكشف و يظهر .

( ٤ ) مجمع الأمثال للميداني ٢ : ٣١ ، و قال يضرب للأمر يظهر كل الظهور .

٥٣٧

فأرسلوا إليه فأتى فقال له الأحوص : ألم تخبرني أنّه لا يرد عليك أمر إلاّ عرفت مأتاه ما لم ترم بنواصي الخيل فقال : ما الخبر ؟ فأعلمه فقال : « قد تبيّن الصبح لذي عينين » فصار مثلا يضرب لوضوح الشي‏ء قال : أمّا صرّة التراب فإنّه يزعم أنّه قد أتاكم عدد كثير ، و أمّا الحنظلة فإنّ حنظلة أتاكم و قد أدركتكم ، و أمّا الشوك فإنّ لهم شوكة ، و أمّا اللبن فدليل على مقدار قرب القوم و بعدهم ، فإن كان حلوا فقد أتتكم الخيل و ان كان لا حلوا و لا حامضا فعلى قدر ذلك ، و إنّما ترك الكلام لأنّه اخذت عليه العهود ، و قال : أنذرتكم(١) .

فإن كان الأصل في المثل قيس بن زهير كما روى فلا بدّ أنّهعليه‌السلام تمثّل به لا أنّهعليه‌السلام الأصل كما فعل المصنّف .

٥٧ الحكمة ( ١٧١ ) و قالعليه‌السلام :

كَمْ مِنْ أَكْلَةٍ مَنَعَتْ أَكَلاَتٍ هكذا في ( الطبعة المصرية ) بلفظ « منعت »(٢) و يصدقها ابن ميثم(٣) و لكن في ابن أبي الحديد(٤) و الخطية(٥) بدله « تمنع » و ما هنا أنسب و أصحّ حيث إنّ نسخة ابن ميثم بخط مصنفه .

في بخلاء الجاحظ : كان الحكم بن أيوب الثقفي عاملا للحجّاج على البصرة و استعمل على العراق جرير بن بيهس المازني و لقب جرير العطرّق

____________________

( ١ ) الكنايات للجرجاني : ٧٩ ٨٠ .

( ٢ ) النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ٦٩٨ رقم ( ١٧١ ) .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٣٦ رقم ١٥٧ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٣٩٧ رقم ( ٢٧٣ ) .

( ٥ ) سقط النصّ من النسخة الخطية ( المرعشي ) .

٥٣٨

فخرج الحكم يتنزه و هو باليمامة ، فدعا العطرّق إلى غذائه ، فأكل معه فتناول درّاجة كانت بين يديه ، فعزله و ولّى مكانه نويرة المازني ابن عمه ، فقال نويرة :

قد كان في العرق صيد لو قنعت به

غنى لك عن درّاجة(١) الحكم

و في عوارض لا تنفكّ تأكلها

لو كان يشفيك لحم الجزر من قرم(٢)

و بلغ الحكم ان نويرة ابن عم جرير العطرق فعزله فقال نويرة :

أبا يوسف لو كنت تعرف طاعتي

و نصحي إذا ما بعتني بالمحلّق(٣)

و لا انهلّ سرّاق العراقة صالح

عليّ و لا كلّفت ذنب العطرّق(٤)

و تناول رجل من قدام أمير كان لنا ضخم بيضة ، فقال خذها فانّها بيضة القروء فلم يزل محجوبا حتى مات(٥) .

و قال ابن أبي الحديد كان الطعام الذي مات منه سليمان أنّه قال لديرانيّ كان صديقه قبل الخلافة : ويحك لا تقطعني ألطافك التي كنت تلطفني بها قال :

فأتيته بزنبيلين كبيرين أحدهما بيض مسلوق و الآخرتين قال : ألقمنيها فكنت أقشر البيضة و أقرنها بالتينة و القمه حتى أتى على الزنبيلين ، فأصابته تخمة عظيمة و مات(٦) .

هذا ، و قد كان ابن عيّاش المنتوف يمازح المنصور فيحتمله على انّه كان جدّا كله فقدم المنصور يوما لجلسائه ببطة كثيرة الدهن ، فأكلوا و جعل

____________________

( ١ ) الدراج : طائر من طير العراق .

( ٢ ) العوارض : الناقة الشابة أو الشاة يصيبها دائر أو كسر فتخر قرم : شهوة اللحم .

( ٣ ) أبو يوسف : كنية الحكم المحلق : لقب الّذي حل مكانه بعد عزله .

( ٤ ) العراقة : العظم عليه لحم .

( ٥ ) البخلاء للجاحظ : ٢١٦ ٢١٧ .

( ٦ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٣٩٩ .

٥٣٩

يأمرهم بالازدياد من الأكل لطيبها ، فقال له ابن عياش علمت غرضك انما تريد أن ترميهم منها بالهيضة فلا يأكلوا إلاّ عشرة أيام(١) .

و في المثل : « أكلة أبي خارجة » ، قال أعرابي بباب الكعبة : « اللّهم ميتة كميتة أبي خارجة » فسألوه فقال : أكل حملا و شرب وطبا من اللبن و تروّى من النبيذ و نام في الشمس فمات ، فلقي اللَّه شبعان ريّان دفئان(٢) .

و ورد أعرابيّ على الحجّاج فقدّم له الطعام و كان مع الطعام حلواء ، فقعد الأعرابي يأكل و ينظر إلى الحجّاج نظرة و إلى الحلواء أخرى ، فقال الحجّاج : كلّ من أكل من هذا الحلواء ضربت عنقه ، ففكّر الأعرابي ساعة و قبض على لحيته ساعة ثم قال للحجّاج : أوصيك في الأولاد خيرا ، و أخذ يأكل فضحك الحجّاج و الحاضرون .

٥٨ الحكمة ( ٢٠٤ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ يُزَهِّدَنَّكَ فِي اَلْمَعْرُوفِ مَنْ لاَ يَشْكُرُهُ لَكَ فَقَدْ يَشْكُرُكَ عَلَيْهِ مَنْ لاَ يَسْتَمْتِعُ بِشَيْ‏ءٍ مِنْهُ وَ قَدْ تُدْرِكُ مِنْ شُكْرِ اَلشَّاكِرِ أَكْثَرَ مِمَّا أَضَاعَ اَلْكَافِرُ وَ اَللَّهُ يُحِبُّ اَلْمُحْسِنِينَ ١٤ ١٧ ٣ : ١٣٤ أقول : و عن الباقرعليه‌السلام إنّ اللَّه عز و جل جعل للمعروف أهلا من خلقه حبّب إليهم فعاله ، و وجّه لطلاّب المعروف الطلب إليهم ، و يسّر لهم قضاءه كما يسّر الغيث للأرض المجدبة ليحييها و يحيي به أهلها ، و إنّ اللَّه تعالى جعل للمعروف أعداء من خلقه بغّض إليهم المعروف و بغّض إليهم أفعاله ، و حظر على طلاّب

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ١٨ : ٣٩٧ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١٨ : ٣٩٨ .

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639