بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247408 / تحميل: 8636
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الرماح و أسود الصباح ، يعتنقون الأقران و يقتلون الفرسان ، و اما بنو مالك فجمع غير مفلول و عزّ غير مجهول ليوث هرارة و خيول كرارة ، و اما بنو دارم فكرم لا يدانى و شرف لا يسامى و عزّ لا يوازى .

فقال لها معاوية : أنت أعلم الناس بتميم ، فما قولك في علي ؟ قالت : حاز و اللَّه الشرف حدّا لا يوصف و غاية لا تعرف ، و باللَّه أسأل إعفائي ممّا أتخوّف(١) .

و في ( كامل المبرد ) : وجّه الحجاج البراء بن قبيصة إلى المهلب يستحثه في مناجزة القوم ، و كتب إليه انّك لتحبّ بقاءهم لتأكل بهم فقال المهلب لأصحابه : حركوهم فخرج فرسان من أصحابه إليهم فخرج إليهم جمع فاقتتلوا إلى الليل ، فقال لهم الخوارج : أما تملّون فقالوا : لا حتى تملّوا قالوا :

فمن أنتم ؟ قالوا : تميم قالت الخوارج : و نحن بنو تميم فلما أمسوا افترقوا .

فلما كان من الغد خرج عشرة من أصحاب المهلب و خرج إليهم عشرة من الخوارج ، فاحتفر كلّ واحد منهم حفيرة و أثبت قدمه فيها ، فكلّما قتل رجل منهم جاء رجل من أصحابه فاجتره و وقف مكانه حتى اعتموا فقال لهم الخوارج : ارجعوا فقالوا : بل ارجعوا أنتم فقالوا : ويلكم من أنتم ؟ قالوا : تميم .

قالوا : و نحن تميم فرجع براء بن قبيصة إلى الحجاج فقال له : مه ؟ قال : رأيت قوما لا يعين عليهم إلاّ اللَّه(٢) .

و في ( الطبري ) : وفد الأحنف بن قيس و جارية بن قدامة من بني ربيعة بن كعب و الجون بن قتادة العبشمي و الحتات بن يزيد أبو منازل أحد بني حوى بن سفيان بن مجاشع إلى معاوية ، فأعطى كلّ رجل منهم مائة ألف

____________________

( ١ ) بلاغات النساء ، لابن طيفور : ٧٤ .

( ٢ ) الكامل للمبرّد ٣ : ١١٢٨ ١١٢٩ .

٤١

و أعطى الحتات سبعين ألفا ، فلما كانوا في الطريق سأل بعضهم بعضا فأخبروا بجوائزهم ، فكان الحتات أخذ سبعين ألفا ، فرجع إلى معاوية فقال : ما ردّك ؟ قال : فضحتني في بني تميم ، أما حسبي بصحيح ؟ أولست ذا سن ؟

أولست مطاعا في عشيرتي ؟ فقال معاوية بلى قال : فما بالك خسست بي دون القوم ؟ فقال : اني اشتريت من القوم دينهم و وكلتك إلى دينك و رأيك في عثمان و كان عثمانيا فقال : و أنا فاشتر مني ديني فأمر له بتمام جائزة القوم و طعن في جائزته(١) قلت أي طعن بالوباء في إقامته لتحصيل ما أمر به فحبسها معاوية فقال الفرزدق في ذلك :

أبوك و عمي يا معاوية أورثا

تراثا فيحتاز التراث أقاربه

فما بال ميراث الحتات أخذته

و ميراث حرب جامد لك ذائبه

فلو أنّ هذا الأمر في جاهلية

علمت من المرء القليل حلائبه

و لو كان في دين سوى ذا شنأتم

لنا حقّنا أو غصّ بالماء شاربه

و لو كان إذ كنّا و في الكفّ بسطة

لصمم عضب فيك مضاربه

و قد رمت شيئا يا معاوي دونه

خياطيف علود صعاب مراتبه

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ١٨٠ .

٤٢

و ما كنت أعطي النصف من غير قدرة

سواك و لو مالت عليّ كتائبه

ألست أعزّ الناس قوما و اسرة

و أمنعهم جارا إذا ضيم جانبه

و ما ولدت بعد النبي و آله

كمثلي حصان في الرجال يقاربه

أبي غالب و المرء ناجية الذي

إلى صعصع ينمي فمن ذا يناسبه

و بيتي إلى جنب الثريا فناؤه

و من دونه البدر المضي‏ء كواكبه

أنا بن الجبال الصم في عدد الحصى

و عرق الثرى عرقي فمن ذا يحاسبه

أنا بن الذي أحيى الوئيد و ضامن

على الدهر اذ عزت لدهر مكاسبه

و كم من أب لي يا معاوي لم يزل

أغرّ يباري الريح ما أزور جانبه

نمته فروغ المالكين و لم يكن

أبوك الذي من عبد شمس يقاربه

تراه كنصل السيف يهتزّ للندى

كريما يلاقي المجد ماطر شاربه

٤٣

طويل نجاد السيف مذ كان لم يكن

قصي و عبد الشمس ممّن يخاطبه(١)

فردّ ثلاثين ألفا على أهله .

و قال ابن أبي الحديد ذكر أبو عبيدة في ( تاجه ) أنّ لبني تميم مآثر لم يشركها فيها غيرهم ، أما بنو سعد بن زيد مناة فلها ثلاث خصال يعرفها العرب : إحداها كثرة العدد حتى ملأت السهل و الجبل ، عدلت مضر كثرة و عامة ، العدد منها في كعب بن سعد و لذلك قال سعد بن معزا :

كعبي من خير الكعاب كعبا

من خيرها فوارسا و عقبا

تعدل جنبا و تميم جنبا

و لذا كانت تسمى سعد الأكثرين و في المثل ( في كل واد بنو سعد ) .

و الثانية : الإفاضة في الجاهلية ، كان ذلك في بني عطارد و هم يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى قام الاسلام ، و كانوا إذا اجتمع الناس أيام الحج بمنى لم يبرح أحد حتى يجوز القائم بذلك من آل كرب بن صفوان ، قال أوس بن معزا :

و لا يريمون في التعريف موقفهم

حتى يقال أجيزوا آل صفوانا

و الثالثة : أنّ منهم أشرف بيت في العرب الذي شرفته ملوك لخم ، قال المنذر بن المنذر بن ماء السماء ذات يوم و عنده وفود العرب و دعا ببردي أبيه : ليلبس هذين أعزّ العرب و أكرمهم حسبا فأحجم الناس فقال أحيمر بن خلف بن بهدلة : أنا لهما قال الملك : بماذا ؟ قال : بأنّ مضر أكرم العرب و أعزّها و أكثرها عديدا ، و إنّ تميما كأهلها و أكثرها و ان بيتها و عددها في بني بهدلة و هو جدّي قال : هذا في أصلك و عشيرتك ، فكيف في عترتك و أدانيك ؟ قال : أنا

____________________

( ١ ) ديوان الفرزدق ١ : ٥٢ ٥٣ .

٤٤

أبو عشرة و أخو عشرة و عم عشرة فدفعهما إليه و إلى هذا أشار الزبرقان في قوله :

و بردا ابن ماء المزن عمي اكتساهما

بفضل معدّ حيث عدّت محاصله

و لهم في الاسلام خصلة قدم قيس بن عاصم المنقري على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في نفر من بني سعد ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا سيّد أهل الوبر فجعله سيد خندف و قيس ممّن يسكن الوبر .

و أمّا بنو حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم فلهم خصال كثيرة ، فمن ذلك بيت زرارة بن عدس بن زيد بن دارم بن مالك بن حنظلة ، يقال انّه أشرف البيوت في بني تميم و من ذلك قوس حاجب بن زرارة المرهونة عند كسرى عن مضر كلّها و في ذلك قيل :

أقسم كسرى لا يصالح واحدا

من الناس حتى يرهن القوس حاجب

و من ذلك في صعصعة بن ناجية من مجاشع بن دارم ، و هو أول من أحيى الوئيد قام الإسلام و قد اشترى ثلاثمائة موءودة فأعتقهن و ربّاهن ، و كانت العرب تئد البنات خوف الإملاق .

و من ذلك غالب بن صعصعة أبو الفرزدق ، قرى مائة ضيف و احتمل عشر ديات لقوم لا يعرفهم و كان من حديث ذلك ان بني كلب بن وبرة افتخرت بينها في أنديتها ، فقالت : نحن لباب العرب الذين لا ينازعون حسبا و كرما فقال شيخ منهم : ان العرب غير مقرّة لكم بذلك ، ان لها احسابا و ان لها لبابا و ان لها فعالا ، و لكن ابعثوا مائة منكم في أحسن هيئة و بزة ينفرون من مروا به من العرب و يسألونه عشر ديات و لا ينتسبون له ، فمن قراهم و بذل لهم الديات فهو الكريم الذي لا ينازع فضلا فخرجوا حتى قدموا أرض بني تميم و أسد ، فنفروا الأحياء حيّا حيّا و ماء فماء لا يجدون أحدا على ما يريدون ،

٤٥

حتى مروا على أكثم بن صيفي فسألوه ذلك فقال : من هؤلاء القتلى و من أنتم و ما قصّتكم ، فان لكم لشأنا باختلافكم في كلامكم ؟ فعدلوا عنه ثم مروا بعتيبة بن الحرث بن شهاب اليربوعي فسألوه ذلك ، فقال : من أنتم ؟ قالوا :

فقال : اني لأبغي كلبا بدم فان انسلخ الأشهر الحرم و أنتم بهذه الأرض و أدرككم الخيل نكلت بكم و أثكلتكم امهاتكم فخرجوا من عنده مرعوبين .

فمروا بعطارد بن حاجب بن زرارة فسألوه ذلك فقال : قولوا أبياتا و خذوها .

فقالوا : أما هذا فقد سألكم قبل أن يعطيكم فتركوه و مرّوا ببني مجاشع بن دارم فأتوا على واد قد امتلأ من البعير فيها غالب بن صعصعة يهنأها ، فسألوه القرى و الديات فقال لهم : هاكم البذل قبل النزول ، فابتزوها من البرك و خذوا دياتكم ثم انزلوا فنزلوا و أخبروه بالحال و قالوا : أرشدك اللَّه من سيد قوم لقد أرحتنا من طول النصب و لو علمنا لقصدنا إليك ، فذلك قول الفرزدق :

فللَّه عينا من رأى مثل غالب

قرى ماه ضيفا و لم يتكلّم

و اذ نبحت كلب على الناس أنّهم

أحقّ بتاج الماجد المتكرّم

فلم يجز عن أحسابها غير غالب

جرى بعناني كل أبلج خضرم(١)

و أما بنو يربوع بن حنظلة فمنهم عتاب بن هرمي بن رباح ، كانت له ردافة ملوك آل المنذر ، و الردافة أن يثنى به في الشرب و إذا غاب الملك خلفه في مجلسه و ورث ذلك بنوه كابرا عن كابر حتى قام الإسلام(٢) .

و دخل الفرزدق على سليمان و كان يشنأه لكثرة بأوه و أغلظ في خطابه حتى قال : من أنت لا ام لك ؟ قال : أو ما تعرفني ؟ أنا من حي هم أوفى العرب و أحلم العرب و أسود العرب و أجود العرب و أشجع العرب فقال سليمان : و اللَّه

____________________

( ١ ) ديوان الفرزدق ٢ : ١٩٩ ٢٠٠ و الأصل الا هل علمتم من رأى قبل غالب .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٢٦ ١٣٠ .

٤٦

لتحجن لما ذكرت أو لاوجعن ظهرك و لأبعدن دارك فقال : أما أوفى العرب فحاجب بن زرارة رهن قوسه عن العرب كلّها و أوفى ، و أمّا أحلم العرب فالأحنف يضرب به المثل حلما ، و أما أسود العرب فالحريش بن هلال السعدي ، و أما أجود العرب فخالد بن عتاب الرياحي ، و أما أشعر العرب فها أنا ذا عندك قال سليمان : فما جاء بك ؟ لا شي‏ء لك عندنا و غمّه ما سمع من عزّه و لم يستطع له ردا(١) .

قال ابن أبي الحديد : و لو ذكر الفرزدق عتيبة بن الحارث بن شهاب اليربوعي و قال انّه أشجع العرب لثقافته بالرمح ، و كان يقال له صيّاد الفوارس ، و سمّ الفوارس و هو الذي أسر بسطام بن قيس فارس ربيعة و شجاعها ، مكث عنده في القيد حتى استوفى فداه و جز ناصيته و خلّى سبيله على أن لا يغزو بني يربوع و لكن لم يذكره الفرزدق لأنّه كان تميميا ، لأن جريرا يفتخر به لأنّه من بني يربوع ، فحمله عداوة جرير على أن عدل عن ذكره(٢) .

قلت : لم يعلم كون وجهه ما ذكر ، لأن الانسان لا يفتخر بعمّه إذا كان في مقابل ابن عمه ، و أمّا إذا كان في مقابل أجنبي فيفتخر به و لو كان من أعدائه ، فهذا معاوية يفتخر ببني هاشم و هو أعدى عدوّهم في قبال ابن الزبير لكون امية و هاشم من عبد مناف .

ثم لم يذكر الفرزدق بدل الأحنف قيس بن عاصم المنقري ، فقيل للأحنف ممّن تعلمت الحلم ؟ قال : من قيس .

ثم ذكر قصّة عجيبة في حلمه و كيف كان ، فنقل ( أجواد التنوخي ) قصّة

____________________

( ١ ) ابن أبي الحديد ١٥ : ١٣٠ ١٣١ .

( ٢ ) ابن أبي الحديد ١٥ : ١٣١ .

٤٧

المنذر مع أحيمر و بدّل الأول بنعمان بن المنذر و الثاني بعامر بن أحيمر و زاد :

ان النعمان قال له : كيف أنت في نفسك ؟ فقال : و أما في نفسي فوضع قدمه في الأرض و قال : من أزالها عن مكانها فلم يقم إليه أحد .

ثم ما ذكره أبو عبيدة في فضائل تميم فضائل دنيوية التي كانت العرب تفتخر بها و لم يكن لهم فضائل دينية ، و كلامهعليه‌السلام لا يقتضي أكثر من فضائل دنيوية ، و كيف نقول بفضائل دينية لهم و قد نزل بذمّهم القرآن ، ففسّر قوله تعالى:( إنّ الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ) (١) بهم .

ففي ( الطبري ) : قدم في سنة ( ٩ ) وفد تميم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي في أشراف منهم ، منهم الأقرع بن حابس و الزبرقان بن بدر و عمر بن الأهتم و الحتات بن فلان و نعيم بن زيد و قيس بن عاصم و معهم عيينة بن حصين الفزاري ، فلما دخل وفد تميم المسجد نادوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من وراء الحجرات أن أخرج إلينا يا محمد فآذى صياحهم النبي فخرج إليهم ، فقالوا : جئناك لتفاخرنا فأذن لشاعرنا و خطيبنا ؟ قال : نعم قد أذنت فقام عطارد بن حاجب فقال : الحمد للَّه الذي له علينا الفضل و هو أهله الذي جعلنا ملوكا ، و وهب لنا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف ، و جعلنا أعزّ أهل المشرق و أكثره عددا و أيسره عدّة ، فمن مثلنا في الناس ، ألسنا برؤوس الناس و أولى فضلهم ، فمن يفاخرنا فليعدد مثل ما عددنا ، و انّا لو نشاء لأكثرنا الكلام و لكنّا نحيى من الاكثار فما أعطانا ، أقول هذا الان لتأتونا بمثل قولنا و بأمر أفضل من أمرنا .

إلى أن قال بعد ذكر أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثابت بن قيس الخزرجي أن يجيب خطيبهم ، ثم قالوا : يا محمّد ائذن لشاعرنا فقال : نعم فقام الزبرقان

____________________

( ١ ) الحجرات : ٤ .

٤٨

بن بدر فقال :

نحن الكرام فلا حيّ يعادلنا

منّا الملوك و فينا تنصب البيع

و كم قسرنا من الأحياء كلّها

عند النهاب و فضل العز يتبع

و نحن نطعم عند القحط مطعمنا

من الشواء إذا لم يؤنس القزع

ثم ترى الناس تأتينا سراتهم

من كلّ أرض هويا ثم نصطنع

فننحر الكوم غبطا في أرومتنا

للنازلين إذا ما انزلوا شبعوا

فلا ترانا إلى حيّ نفاخرهم

إلاّ استقادوا و كاد الرأس يقتطع

إنّا أبينا و لا يأبى لنا أحد

إنّا كذلك عند الفخر نرتفع

فمن يقادرنا في ذاك يعرفنا

فيرجع القول و الأخبار تستمع

إلى أن قال بعد ذكر أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حسانا أن يجيب شاعرهم و امتثاله ، فلما فرغ حسان قال الأقرع بن حابس و ابي : ان هذا الرجل لمؤتى له ، لخطيبه أخطب من خطيبنا و شاعره أشعر من شاعرنا و أصواتهم أعلى من أصواتنا .

فلما فرغ القوم أسلموا و جوّزهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأحسن جوائزهم(١) .

و كيف لا و كانوا من أتباع جمل عائشة كما كان ابن عباس يقول لهم .

و في ( الأغاني ) : قال ابن الزبير : ان بني تميم كانوا وثبوا على البيت قبل الاسلام بمائة و خمسين سنة فاستلبوه ، فاجتمعت العرب عليها لما انتهكت منه ما لم ينتهكه أحد قط فأجلتها من أرض تهامة(٢) .

هذا ، و في ( شعراء القتيبي ) : دسّ جرير رجلا إلى الأقيشر و قال له : اذهب إليه و قل له اني جئت لأهجو قومك و تهجو قومي فصار إليه بذلك فقال له الأقيشر : ممّن أنت ؟ قال : من بني تميم فقال الأقيشر :

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٣٧٧ .

( ٢ ) لم نعثر عليه في الأغاني .

٤٩

فلا أسدا نسبّ و لا تميما

و كيف يحلّ سبّ الأكرمينا

و لكن التقارض حلّ بيني

و بينك يابن مضرطة العجينا

فسمّى الرجل ابن مضرطة العجين(١) .

هذا ، و في ( المروج ) : كان سابور لما يقتل العرب أتى على بلاد البحرين و فيها يومئذ بنو تميم فأمعن في قتلهم ، ففروا و شيخهم يومئذ عمرو بن تميم و له يومئذ ثلاثمائة سنة و كان يعلق في عمود البيت في قفة قد اتخذت له فأرادوا حمله فأبى و قال : أنا هالك اليوم أو غدا و ماذا بقي لي من فسحة العمر و لعل اللَّه ينجيكم من صولة هذا الملك المسلّط على العرب فتركوه فصبحت خيل سابور الديار فنظروا ارتحل أهلها و نظروا إلى قفة في شجرة ، فأقبل عمرو لما سمع الصهيل يصيح بصوت ضعيف ، فأخذوه و جاؤوا به إلى سابور ، فنظر إلى دلائل الهرم عليه قيل له : من أنت أيّها الشيخ الفاني ؟ قال : أنا عمرو بن تميم بلغت من العمر ما ترى و قد هرب الناس لإسرافك في القتل و أنا سائلك عن أمر قال : قل قال : ما الذي يحملك على قتل رعيتك و رجال العرب ؟

فقال : أقتلهم لأنّا ملوك الفرس نجد في مخزون علمنا ان العرب ستدال علينا و يكون لهم الغلبة علينا فقال : ان كنت تعلم ذلك فلأن تحسن إليهم ليكافئوك عند ادالة الدولة لهم على قومك بإحسانك فهو أحزم في الرأي ، و ان كان باطلا فلم تستعجل الإثم و تسفك دماء رعيتك فقال : صدقت و نصحت فنادى مناديه بالأمان و رفع السيف(٢) .

« و إنّ لنا بهم رحما ماسة و قرابة خاصّة » الظاهر أنّهعليه‌السلام أشار إلى كون هند بن أبي هالة التميمي أخا فاطمة صلوات اللَّه عليها لامها و خال ابنيه

____________________

( ١ ) الشعراء للقتيبي : ١٣٤ .

( ٢ ) المروج ١ : ٢٨١ .

٥٠

الحسن و الحسينعليهما‌السلام لامّهما .

و قال ابن ميثم قيل تلك القرابة لاتصال هاشم و تميم عند الياس بن مضر و هو كما ترى ، فولد الياس مدركة و طابخة و قمعة ، و من كلّ منهم قبائل كثيرة ، و تميم من طابخة كالرباب و ضبة و مزينة(١) .

و في ( فتوح البلاذري ) : إنّ سياه الأسواري الذي كان على مقدّمة يزدجرد ثم دخل الاسلام و شهد مع أبي موسى حصار تستر لما صار هو و أصحابه إلى البصرة سألوا : أيّ الأحياء أقرب نسبا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقيل : بنو تميم و كانوا على أن يحالفوا الأزد ، فتركوهم و حالفوا بني تميم ، ثم خطت لهم خططهم فنزلوا و حفروا نهرهم المعروف بنهر الأساورة(٢) .

و في ( المعمرون ) لأبي حاتم : قال هشام : أخبرني عن واحد من بني تميم قالوا كانت الأتاوة أي الخراج من مضر في الكبر و القعدد في النسب ، فصارت إلى بني عمرو بن تميم فوليها ربيعة بن عزى بن بزى الأسيدي فطال عمره و هو أبو الحفاد و هو القائل : يا أبا الحفاد أفناك الكبر(٣) .

« نحن مأجورون على صلتها » في ( الكافي ) : عن أبي جعفرعليه‌السلام : ان الرحم متعلقة يوم القيامة بالعرش تقول : اللّهم صل من وصلني و اقطع من قطعني(٤) .

و عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : صلوا أرحامكم و لو بالتسليم ، يقول تعالى . .( اتقوا اللَّه الذي تساءلون به و الأرحام ان اللَّه كان عليكم رقيباً ) (٥) .

« و مأزورون » و أصله ( موزورون ) لأنّه من الوزر ، و انّما قالعليه‌السلام

____________________

( ١ ) ابن ميثم ٤ : ٣٩٧ .

( ٢ ) الفتوح للبلاذري : ٥١٩ .

( ٣ ) المعمرون لأبي حاتم : ١٠٣ .

( ٤ ) الكافي ٢ : ١٥١ ح ١٠ .

( ٥ ) النساء : ١ ، و قد أخرج الحديث الكليني ٢ : ١٥٥ ح ٢٢ .

٥١

« مأزورون » لمكان « مأجورون » .

« على قطيعتها » عنهعليه‌السلام : ان الرحم معلقة بالعرش تقول : اللّهم صل من وصلني و اقطع من قطعني .

« فأربع » أي : تحبس .

« أبا العباس » هو كنية ابن عباس .

« رحمك اللَّه » معترضة .

« فيما جرى على لسانك و يدك » هكذا في ( المصرية )(١) و الصواب : « على يدك و لسانك » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) .

« من خير و شر » فإن كان خيرا فاعمله ، و ان كان شرّا فاجتنبه .

« فإنّا شريكان في ذلك » لأنّه لو لا السلطان ما قدر الوالي(٢) .

« و كن عند صالح ظنّي بك » من إجراء الامور على مجاريها الصحيحة .

« و لا يفيلن رأيي فيك » أي : لا يخطى‏ء فراستي فيك يقال فال الرأي يفيل أي ضعف و مما قيل في ذمّهم :

إذا ما تميميّ أتاك مفاخرا

فقل عدّ عن ذا كيف أكلك للضب

و لما راجز أبو النجم العجلي العجاج بن رؤبة من زيد بن تميم قال له فيما قال :

عيشي تميم و اصغري فيمن صغر

و باشري الذل و أعطي من عشر

و أمّري الانثى عليك و الذكر

____________________

( ١ ) الطبعة المصرية : ٥٥٤ .

( ٢ ) ابن أبي الحديد ١٥ : ١٢٥ ، و ابن ميثم ٤ : ٣٩٥ ، كذلك النسخة الخطية : ٢٣٨ .

٥٢

٤ الحكمة ( ٤٥٥ ) و سئل عن أشعر الشعراء فقالعليه‌السلام :

إِنَّ اَلْقَوْمَ لَمْ يَجْرُوا فِي حَلْبَةٍ تُعْرَفُ اَلْغَايَةُ عِنْدَ قَصَبَتِهَا فَإِنْ كَانَ وَ لاَ بُدَّ فَالْمَلِكُ اَلضِّلِّيلُ ( يريد امرأ القيس ) .

أقول : قال ابن أبي الحديد في ( أمالي ابن دريد الحرموزي ) : عن ابن المهلبي عن ابن الكلبي عن شداد بن ابراهيم عن عبيد اللَّه بن الحسن العنبري عن ابن عرادة قال : كان عليعليه‌السلام يعشي الناس في شهر رمضان باللحم و لا يتعشى معهم فإذا فرغوا خطبهم و وعظهم ، فأفاضوا ليلة في الشعراء و هم على عشائهم ، فلما فرغوا خطبهم و قال في خطبته « ان ملاك أمركم الدين و عصمتكم التقوى و زينتكم الأدب و حصون أعراضكم الحلم » ثم قال : يا أبا الأسود قل فيما كنتم تفيضون فيه ، أيّ الشعراء أشعر فقال : الذي يقول :

و لقد اغتدى يدافع ركني

أعوجي ذو ميعة أضريج

مخلط مزيل معن مقن

مفنخ مطرح سيوح خروج

يعني أبا داود الإيادي فقالعليه‌السلام : ليس به قالوا : فمن ؟ فقالعليه‌السلام : لو رفعت للقوم غاية فجروا إليها معا علمنا من السابق منهم ، و لكن ان يكن فالذي لم يقل عن رغبة و لا رهبة قيل : من هو ؟ قال : هو الملك الضليل ذو القروح قيل :

امرؤ القيس ؟ قالعليه‌السلام : هو(١) .

قلت : و رواه أبو الفرج في ( أغانيه ) في ( أبي داود الإيادي ) بإسناده عن شداد لكن فيه « شداد بن عبيد اللَّه » لا « شداد بن إبراهيم » عن عبيد اللَّه بن الحر لا

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ، في أمالي ابن دريد ٢٠ : ١٥٣ .

٥٣

« ابن الحسن » عن أبي عرادة لا « ابن عرادة » و لا بد أن أحدهما تحريف كلاّ أو بعضا .

و متنه أيضا هكذا : كان علي صلوات اللَّه عليه يفطر الناس في شهر رمضان ، فإذا فرغ من العشاء تكلّم فأقلّ و أوجز فأبلغ ، فاختصم الناس ليلة حتى ارتفعت أصواتهم في أشعر الناس ، فقالعليه‌السلام لأبي الأسود : قل فقال و كان يتعصّب لأبي داود الإيادي أشعرهم الذي يقول :

و لقد اغتدى يدافع ركني

أحوذي ذو ميعة اضريج

مخلط مزيل مكر مفر

منفخ مطرح سبوح خروج

سلهب سرحب كأنّ رماحا

حملته و في السراة دموج

فأقبلعليه‌السلام على الناس و قال : كلّ شعرائكم محسن و لو جمعهم زمان واحد و غاية واحدة و مذهب واحد في القول لعلمنا أيّهم أسبق إلى ذلك ، و كلّهم قد أصاب الذي أراد و أحسن فيه ، و إن يكن أحد أفضلهم فالذي لم يقل رغبة و لا رهبة امرؤ القيس بن حجر فانّه كان أصحّهم بادرة و أجودهم نادرة(١) .

قول المصنّف : « و سئل من أشعر الشعراء » هكذا في ( المصرية )(٢) ، و الصواب : « و سئلعليه‌السلام عن أشعر الشعراء » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )(٣) .

و كيف كان فقال ابن أبي الحديد قال أبو الفرج في ( أغانيه ) : لا خلاف أنّ امرأ القيس و زهيرا و النابغة مقدّمون على الشعراء كلّهم ، و إنما اختلف في تقديم بعضهم على بعض ثم نقل عن ( الأغاني ) روايات عن جرير و الأحنف

____________________

( ١ ) الأغاني لأبي الفرج ١٦ : ٣٧٦ .

( ٢ ) الطبعة المصرى : ١٦٧ .

( ٣ ) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ٢٠ : ١٥٣ ، و شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٥ : ٤٥٨ ، و النسخة لا خطية ٣٣٠ .

٥٤

و الحطيئة في تقديم زهير ، و قال : روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا : أفضل شعرائكم القائل « و من و من » يعني زهيرا في قصيدته « أمن أم أوفى » ففيها :

و من يك ذا فضل فيبخل بفضله

على قومه يستغن عنه و يذمم

و من لم يذد عن حوضه بسلاحه

يهدم و من لم يظلم الناس يظلم

و من هاب أسباب المنايا ينلنه

و لو نال أسباب السماء بسلّم

و من لم يجعل المعروف من دون عرضه

يفره و من لا يتّق الشتم يشتم

ثم نقل عنه روايات عن عمر و عبد الملك و أبي الأسود و أبي عمرو و الشعبي في تقديم النابغة ، و نقل عن النقيب أيضا تفضيل النابغة في اعتذاره إلى النعمان(١) .

قلت : و بعدهم باقي السبعة صاحب السبع المعلّقات ، و هذا معنى بحث عنه في كلّ زمان عموما و خصوصا و كلّ قال بهواه ، ففي ( الأغاني ) : أنّ المأمون قال لعبد اللَّه بن طاهر : من أشعر من قال الشعر في خلافة بني هاشم ؟

قال : الذي يقول :

أيا قبر معن كنت أوّل حفرة

من الأرض خطّت للسماحة موضعا

فقال أحمد بن يوسف : بل أشعرهم الذي يقول :

وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي

متأخر عنه و لا متقدّم

فقال له المأمون : أبيت إلا غزلا أين أنتم عن الذي يقول :

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لبن أبي الحديد ٢٠ : ١٥٥ .

٥٥

يا شقيق النفس من حكم

نمت عن عيني و لم أنم(١)

و في ( تاريخ بغداد ) : قيل لأبي حاتم : من أشعر الناس ؟ قال : الذي يقول :

و لها مبتسم كثغر الأقاحي

و حديث كالوشي وشي البرود

نزلت في السواد من حبة القلب

و زادت زيادة المستزيد

عندها الصبر عن لقائي و عندي

زفرات يأكلن صبر الجليد(٢)

يعني بشارا و كان يقدمه على جميع الناس .

و فيه قال خالد الكاتب : بينا أنا مارّ بباب الطاق إذا براكب خلفي على بغلة ، فلما لحقني نخسني بسوطه فقال : أنت القائل « و ليل المحب بلا آخر » ؟

قلت : نعم قال : وصف امرؤ القيس الليل الطويل في ثلاث أبيات و وصفه النابغة في ثلاثة أبيات و وصفه بشّار في ثلاثة أبيات ، و برزت عليهم بشطر قلته ؟ قلت : و بم وصفه امرؤ القيس ؟ قال : بقوله :

و ليل كموج البحر أرخى سدوله

عليّ بأنواع الهموم ليبتلي

فقلت له لمّا تمطّى بصلبه

و أردف أعجازا و ناء بكلكل

ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي

بصبح و ما الإصباح منك بأمثل(٣)

قلت : و بم وصف النابغة ؟ فقال : بقوله :

كليني لهمّ يا اميمة ناصب

و ليل اقاسيه بطي‏ء الكواكب

و صدر أزاح الليل عازب همّه

فضاعف فيه الهمّ من كلّ جانب

تقاعس حتى قلت ليس بمنقض

و ليس الذي يهدي النجوم بآئب

قلت : و بم وصفه بشّار ؟ فقال : بقوله :

____________________

( ١ ) الاغاني ٢٦ : ٤٠٢ .

( ٢ ) تاريخ بغداد ٧ : ١١٧ .

( ٣ ) ديوان امرؤ القيس : ٤٨ ٤٩ .

٥٦

خليلي ما بال الدجى لا تزحزح

و ما بال ضوء الصبح لا يتوضح

أظن الدجى طالت و ما طالت الدجى

و لكن أطال الليل سقم مبرح

أضلّ النهار المستنير طريقه

أم الدهر ليل كلّه ليس يبرح

إلى أن قال : فلما مضى سألت عنه فقيل : هو أبو تمام الطائي .

و هذا مع كونه عن هوى لا يبعد حيث انّه هو راوي مدح بيته وضعه له لترويجه ، و إلا فأين المعاني العالية التي تضمّنها ثلاثة الثلاثة من شطره العامي(١) .

و فيه : قال مسلمة بن مهدي : قلت لأبي العتاهية : من أشعر الناس ؟ فقال :

جاهليا أم إسلاميا أم مولدا ؟ قلت : كل قال : الذي يقول في المديح :

إذا نحن أثنينا عليك بصالح

فأنت كما تثنى و فوق الذي تثنى

و ان جرت الألفاظ منّا بمدحة

لغيرك إنسانا فأنت الذي تعنى

و الذي يقول في الزهد :

و ما الناس إلاّ هالك و ابن هالك

و ذو نسب في الهالكين عريق

إذا امتحن الدّنيا لبيب تكشفت

له عدوّ في ثياب صديق

و لقيت العتابي فسألته عن ذلك ، فردّ علي مثل ذلك(٢) .

و فيه قال مسعود بن بشر : لقيت ابن مناذر بمكّة و كان عالما بالشعر زاهدا في الدنيا فقلت له : من أشعر الناس ؟ فقال : من إذا شبب لعب و إذا أخذ في ماجد قصد قلت : مثل من ؟ قال : مثل جرير إذ يقول :

ان الذين غدوا بلبك غادروا

و شلا بعينك لا يزال معينا

غيضن من عبراتهن و قلن لي

ماذا لقيت من الهوى و لقينا

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٨ : ٣١٢ .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٧ : ٣٤٤ ، و الأدبيات لأبي نؤاس .

٥٧

ثم قال حين جدّ :

ان الذي حرم الخلافة تغلبا

جعل الخلافة و النبوّة فينا

مضر أبي و أبو الملوك فهل لكم

يا جرو تغلب من أب كأبينا ؟

هذا ابن عمي في دمشق خليفة

لو شئت ساقكم إليّ قطينا(١)

و فيه : قال صدقة بن محمد : اجتمع عند المأمون ذات يوم عدّة من الشعراء ، فقال أيّكم القائل :

فلما تحساها وقفنا كأننا

نرى قمرا في الأرض يبلغ كوكبا(٢)

قالوا : أبو نؤاس قال فالقائل :

إذا نزلت دون اللهاة من الفتى

دعا همه عن صدره برحيل(٣)

قالوا : أبو نؤاس قال فالقائل :

فتمشت في مفاصلهم

كتمشي البرء في السقم(٤)

قالوا : أبو نؤاس قال هو إذن أشعركم(٥) .

و فيه : قال أبو العتاهية : قلت عشرين ألف بيت في الزهد و ودت أنّ لي مكانها أبياتا ثلاثة قالها أبو نؤاس هي :

يا نواسي توقّر

و تعزّ و تصبّر

ان يكن ساءك دهر

ان ما ساءك أكثر

يا كبير الذنب عفو اللَّه

من ذنبك أكبر(٦)

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٧ : ٤٤٤ .

( ٢ ) في الديوان ذكر بيت الشعر بشكل آخر راجع : ٣٧ .

( ٣ ) ديوان أبي نؤاس : ٤٠٩ .

( ٤ ) ديوان أبي نؤاس : ٤٥٧ .

( ٥ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٧ : ٤٤٥ .

( ٦ ) ديوان أبي نؤاس : ٢٨٨ مع تغيير في بعض الألفاظ .

٥٨

و كانت هذه الأبيات مكتوبة على قبر أبي نؤاس .

و عن المناقب : قيل للأصمعي من أشعر الناس ؟ قال : من قال :

و كأن أكفّهم و الهام تهوي

عن الأعناق تلعب بالكرينا

فقال : هو السيّد الحميري فقال : هو و اللَّه أبغضهم إليّ .

و بالجملة إذا أعجبهم شعر حكموا بأشعرية قائله ، و إنّما يحتاج الحكم إلى الاطلاع على أشعار جميعهم و المقايسة بينها و قالوا : إنّ لبيدا أنشد النابغة قوله :

ألم تلمم على الدمن الخوالي

لسلمى بالمذائب فالقفال

فقال له : أنت أشعر هوازن فأنشده قوله :

عفت الديار محلّها فمقامها

بمنى تأبّد غولها فرجامها

فقال له : اذهب فأنت أشعر العرب(١) .

و في ( الشعراء ) لابن قتيبة : أنشد العتبي مروان بن أبي حفصة لزهير .

فقال : هذا أشعر الناس ، ثم أنشده للأعشى فقال بل هذا أشعر الناس ، ثم أنشده لأمرى‏ء القيس فكأنما سمع غناء على الشراب فقال : امرؤ القيس و اللَّه أشعر الناس(٢) .

و القول الفصل ما قالهعليه‌السلام من كون امرى‏ء القيس أفضلهم على الجملة ، و أما ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أفضلهم زهير ، فإن صحّت الرواية فمحمول على أنّ المراد كونه أفضلهم من حيث بيان الكلمات الحكمية كما في قصيدته تلك ، و هو لا ينافي كون امرى‏ء القيس أفضل منه في التشبيهات و المعاني الشعرية ، مع أنّه يأتي أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل امرأ القيس سابق الشعراء و جعله

____________________

( ١ ) مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ٣ : ٢٢١ .

( ٢ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٩ .

٥٩

الفرزدق مع الحطيئة و اسمه جرول و المخبل السعدي و كنيته أبو يزيد من النوابغ فقال :

وهب القصائد للنوابغ إذ مضوا

و أبو يزيد و ذي القروح و جرول

و أمّا في ( المناقب ) : عن أبي محمد الفحام قال : سأل المتوكل ابن الجهم عن أشعر الناس ؟ فذكر شعراء الجاهلية و الإسلام ثم إنّه سأل الهاديعليه‌السلام فقال : الجماني حيث يقول :

لقد فاخرتنا من قريش عصابة

بمطّ خدود و امتداد أصابع

فلما تنازعنا المقال قضى لنا

عليهم بما يهوى نداء الصوامع

ترانا سكوتا و الشهيد بفضلنا

عليهم جهير الصوت في كلّ جامع

فإنّ رسول اللَّه أحمد جدّنا

و نحن بنوه كالنجوم الطوالع

ل المتوكل : أشهد أنّ محمّدا رسول اللَّه فقالعليه‌السلام : محمّد جدّي أم جدّك ؟ فضحك المتوكل و قال : هو جدّك لا ندفعك عنه(١) .

فلا ينافي كلام جدّهعليه‌السلام ، لأن كلامه في شعراء الجاهلية و كلام الهادي في شعراء الإسلام ، و كلامه من حيث العموم و كلام الهادي من حيث الخصوص .

ثم إنّه كما كان أبو الأسود يعتقد تقدّم أبي داود ، يعتقد ابن عباس تقدم زهير ، فروى الطبري في ذكر شي‏ء من سير عمر عن عكرمة عن ابن عباس قال : بينما عمر و بعض أصحابه يتذاكرون الشعر فقال بعضهم : فلان أشعر .

و قال بعضهم : بل فلان أشعر أقبلت فقال : قد جاءكم أعلم الناس بها فقال لي :

من شاعر الشعراء يابن عباس ؟ قلت : زهير بن أبي سلمى فقال : هلم من شعره ما نستدلّ به على ما ذكرت فقلت : امتدح قوما من بني عبد اللَّه بن غطفان فقال :

____________________

( ١ ) مناقب آل أبي طالب لبن شهر آشوب ٤ : ٤٠٦ .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

النقص الحادث في المبيع ، فكذلك عدم المشروط. ولأنّ الإعسار يثبت به فسخ البيع بغير شرطٍ ، ولا يثبت مثل ذلك في الحوالة ، فاختلفا(١) .

ونمنع كون الإعسار لا يردّ الحوالة إذا لم يشترط ، وقد سبق. ونمنع الملازمة بين ثبوته بالشرط وبعدمه ، ونحن لا ندّعي مساواة الحوالة للبيع في جميع أحكامه.

تذنيب : لو كان المحال عليه معسراً ولم يعلم المحتال ثمّ تجدّد اليسار وعلم سبق الفقر ، احتُمل ثبوت الخيار ؛ للاستصحاب‌. وعدمُه ؛ لزوال المقتضي.

مسألة ٦٠٢ : إذا حصلت الحوالة مستجمعة الشرائط ، انتقل المال إلى ذمّة المحال عليه ، وبرئ المحيل‌ ، سواء أبرأه المحتال أو لا - وهو قول عامّة الفقهاء(٢) - لأنّ الحوالة مأخوذة من التحويل للحقّ ، وإنّما يتحقّق هذا المعنى لو انتقل المال من ذمّةٍ إلى أُخرى ، وليس هنا إلّا ذمّة المحيل والمحال عليه ، فإذا تحوّل الحقّ من ذمّة أحدهما إلى الآخَر مع اليسار أو علم الإعسار ، لم يعد الحقّ إليه ؛ لعدم المقتضي.

وقال شيخنارحمه‌الله في النهاية : ومَنْ كان له على غيره مالٌ فأحال به على غيره ، وكان الـمُحال عليه مليّاً به في الحال وقَبِل الحوالة وأبرأه منه ، لم يكن له الرجوعُ عليه ، ضمن ذلك المـُحال به عليه أو لم يضمن بعد أن يكون قد قَبِل الحوالة ، فإن لم يقبل الحوالة إلاّ بعد ضمان المـُحال عليه ولم يضمن مَنْ أُحيل عليه ذلك ، كان له مطالبة الـمُحيل ، ولم تبرأ ذمّته بالحوالة ، فإن انكشف لصاحب المال أنّ الذي أُحيل به عليه غير ملي بالمال ، بطلت‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٣ ، المغني ٥ : ٦٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٦٢.

(٢) المغني ٥ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٥.

٤٤١

الحوالة ، وكان له الرجوعُ على المديون بحقّه عليه ، ومتى لم يُبرئ الـمُحال له بالمال الـمُحيل في حال ما يُحيله ، كان له أيضاً الرجوعُ عليه في أيّ وقت شاء(١) .

وكان الحسن البصري أيضاً لا يرى الحوالة مبرئةً إلّا أن يُبرئه(٢) .

واحتجّ الشيخرحمه‌الله بما رواه زرارة - في الحسن - عن الصادق أو الباقرعليهما‌السلام : في الرجل يحيل الرجل بمالٍ كان له على رجلٍ [ آخَر ] ، فيقول له الذي احتال : برئت ممّا لي عليك ، قال : « إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه ، وإن لم يُبرئه فله أن يرجع على الذي أحاله »(٣) .

وهذه الرواية لا بأس بها ؛ لصحّة السند ، لكنّ المشهور عند الأصحاب والعامّة البراءة بمجرّد الحوالة ، فلابدَّ من حمل الرواية على شي‌ء ، وليس ببعيدٍ من الصواب حملها على ما إذا شرط المحيل البراءة ، فإنّه يستفيد بذلك عدم الرجوع لو ظهر إفلاس المحال عليه ، أو نقول : إذا لم يُبرئه ، فله أن يرجع على الذي أحاله إذا تبيّن له إعساره وقت الحوالة.

النظر الثاني : في الرضا بالحوالة.

مسألة ٦٠٣ : يشترط في الحوالة رضا المحيل - وهو الذي عليه الحقّ - إجماعاً‌ ، فلو أُكره على أن يحيل فأحال بالإكراه ، لم تصحّ الحوالة ، ولا نعرف فيه خلافاً ؛ لأنّ مَنْ عليه الحقّ مخيَّر في جهات القضاء ، فله أن يقضي من أيّ جهة شاء ، فلا يُعيَّن عليه بعض الجهات قهراً ، فلا يلزمه‌

____________________

(١) النهاية : ٣١٦.

(٢) المغني ٥ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٠٤ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢١١ - ٢١٢ / ٤٩٦ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٤٤٢

أداؤه من جهة الدَّيْن الذي له على المحال عليه ، إلّا في صورةٍ واحدة لا يُعتبر فيها رضا المحيل ، وهي ما إذا جوّزنا الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه لو قال للمستحقّ : أحلت بالدَّيْن الذي لك على فلان على نفسي ، فقَبِل ، صحّت الحوالة ، فإذَنْ لا يشترط هنا رضا المحيل ، بل رضا المحتال والمحال عليه خاصّةً.

مسألة ٦٠٤ : يشترط رضا المحتال عند علمائنا أجمع‌ - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - لأنّ حقّه ثابت في ذمّة المحيل ، فلا يلزمه نقله إلى ذمّةٍ أُخرى ، إلّا برضاه ، كما أنّه لا يجوز أن يُجبر على أن يأخذ بالدَّيْن عوضاً ، وكما إذا ثبت حقّه في عينٍ ، لا يملك نقله إلى غيرها بغير رضاه. وقال داوُد وأحمد : لا يعتبر رضاه إذا كان المحال عليه مليّاً ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ أُحيل على ملي‌ء فليحتل »(٢) والأمر للوجوب(٣) .

ونحن نمنع الوجوب ، بل المراد به الإرشاد.

مسألة ٦٠٥ : يشترط عندنا رضا المحال عليه‌ ، فلو لم يرض المحال عليه أو لم يُعلم هل رضي أم لا؟ لم تصحّ الحوالة ، وبه قال أبو حنيفة والزهري والمزني(٤) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٦١.

(٢) مسند أحمد ٣ : ٢٢٥ ، ضمن ح ٩٦٥٥.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٩ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المعونة ٢ : ١٢٢٨ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٦١.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، الوسيط ٣ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، المغني ٥ : ٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٦١ - ٦٢.

٤٤٣

وقال أبو العبّاس ابن القاص : نصّ الشافعي في الإملاء على أنّها تفتقر إلى رضا المحال عليه - وإليه ذهب أبو سعيد الاصطخري من الشافعيّة - لأنّه أحد مَنْ تتمّ به الحوالة ، فأشبه المحتال والمحيل. ولأنّ الناس يختلفون في الاقتضاء والاستيفاء سهولةً وصعوبةً. ولأنّ الأصل بقاء الحقّ في ذمّة المحال عليه للمحيل ، فيستصحب إلى أن يظهر المعارض.

وأصحّ القولين عند الشافعي : أنّه لا يعتبر رضا المحال عليه إذا كانت الحوالة على مَنْ عليه دَيْنٌ للمحيل - وبه قال مالك وأحمد - لأنّ المحيل أقام المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة ، فلم يفتقر إلى رضا مَنْ عليه الحقّ ، كما لو كان وكيلاً في قبضه ، بخلاف المحتال ، فإنّه ينتقل حقّه ، وتبرأ ذمّته منه. ولأنّ المحال عليه محلّ الحقّ والتصرّف ، فلا يعتبر رضاه ، كما لو باع عبداً ، لا يعتبر رضاه(١) .

وبنوا الوجهين على أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء؟ إن قلنا بالأوّل ، فلا يشترط ؛ لأنّه حقٌّ للمحيل ، فلا يحتاج فيه إلى رضا الغير. وإن قلنا بالثاني ، يشترط ؛ لتعذّر إقراضه من غير رضاه(٢) .

وإن كانت الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه ، لم تصحّ عند الشافعي إلّا برضا المحال عليه ؛ لأنّا لو صحّحناه ، لألزمناه قضاء دَيْن الغير قهراً. وإن رضي ، ففي صحّة الحوالة وجهان بناهما الجمهور على الأصل المذكور(٣)

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، الوسيط ٣ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٩ ، التلقين ٢ : ٤٤٣ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المعونة ٢ : ١٢٢٩ ، المغني ٥ : ٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٦١ - ٦٢.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

٤٤٤

وسيأتي(١) .

فقد ظهر من هذا الإجماعُ على اعتبار رضا المحيل إلّا في الصورة التي ذكرناها في أوّل النظر ، وأنّ أصحابنا اشترطوا رضا الثلاثة : المحيل والمحتال والمحال عليه.

النظر الثالث : في الدَّيْن.

مسألة ٦٠٦ : إذا أحال زيد عمراً على بكر بألف ، فلا يخلو إمّا أن تكون ذمّة زيدٍ(٢) مشغولةً بالألف لعمرو ، أو لا‌ ، وعلى كلا التقديرين فإمّا أن يكون بكر بري‌ء الذمّة منها أو مشغولها ، فالأقسام أربعة :

أ - أن تكون ذمّة زيدٍ وبكرٍ مشغولتين ، ولا خلاف هنا في صحّة الحوالة.

ب - قسيم هذا ، وهو أن تكون ذمّتهما بريئةً ، فإذا أحال زيد - وهو بري‌ء الذمّة - عمراً - ولا دَيْن له عليه - على بكر ، وهو بري الذمّة ، لم يكن ذلك إحالةً صحيحة ؛ لأنّ الحوالة إنّما تكون بدَيْنٍ ، وهنا لم يوجد ، بل يكون ذلك وكالةً في اقتراضٍ ، وإنّما جازت الوكالة هنا بلفظ الحوالة ؛ لاشتراكهما في المعنى ، وهو استحقاق الوكيل أن يفعل ما أمره الموكّل من الاقتراض ، وأن يطالبه من المحال عليه ، كما يستحقّ المحتال مطالبة المحال عليه.

ج - أن يكون المحيلُ بري‌ءَ الذمّة والمحالُ عليه مشغولَها ، ( فيحيل‌

____________________

(١) في ص ٤٤٥ ، القسم « د » من الأقسام المذكورة في المسألة ٦٠٦.

(٢) في « ج » : « ذمّته » بدل « ذمّة زيد ».

٤٤٥

مَنْ لا دَيْن عليه مَنْ لا دَيْن له على مَنْ للمحيل عليه دَيْنٌ )(١) بقبضه ، فلا يكون ذلك أيضاً حوالةً ؛ لأنّ الحوالة مأخوذة من تحوّل الحقّ وانتقاله ، ولا حقّ [ هاهنا ](٢) ينتقل ويتحوّل ، بل يكون ذلك في الحقيقة وكالةً في الاستيفاء ؛ لاشتراكهما في استحقاق الوكيل مطالبة مَنْ عليه الدَّيْن ، كاستحقاق المحتال مطالبة المحال عليه ، وتحوّل ذلك إلى الوكيل كتحوّله إلى المحيل.

د - أن يكون المحيل مشغولَ الذمّة والمحالُ عليه برئَ الذمّة.

وفي صحّة هذه الحوالة إشكال أقربه : الصحّة - وبه قال أبو حنيفة وأصحابه(٣) - لأنّ المحال عليه إذا قَبِلها ، صار كأنّه قضى دَيْن غيره بذمّته ؛ لأنّ الحوالة بمنزلة الحقّ المقبوض ، وإذا قبض حقّاً من غيره ، صحّ وسقط عن غيره ، كذا هنا ، لكن يكون ذلك بالضمان أشبه.

وللشافعيّة وجهان مبنيّان على أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء؟ فإن قلنا : إنّها اعتياض ، لم تصحّ ؛ لأنّه ليس له على المحال عليه شي‌ء نجعله عوضاً عن حقّ المحتال. وإن قلنا : إنّها استيفاء حقٍّ ، صحّت(٤) ، كأنّه أخذ المحتال حقّه وأقرضه من المحال عليه(٥) .

قال الجويني : الصحيح عندي تخريج الخلاف على الخلاف في أنّه‌

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « فيحيل مَنْ لا دَيْن له عليه على مَنْ للمحيل عليه دَيْنٌ ». وكذا في « ر » بإسقاط « له » من « لا دَيْن له عليه ».

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) راجع : فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٧٣ و ٧٤ ، وبدائع الصنائع ٦ : ١٦.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « صحّ ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

٤٤٦

هل يصحّ الضمان بشرط براءة الأصيل؟ بل هذه(١) الصورة غير(٢) تلك الصورة ؛ فإنّ الحوالة تقتضي براءة المحيل ، فإذا قَبِل الحوالة ، فقد التزم على أن يُبرئ المحيل(٣) .

وهذا ذهابٌ منه إلى براءة المحيل وجَعْلها أصلاً مفروغاً عنه.

لكن للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يبرأ على قياس الحوالات.

والثاني - وبه قال أكثرهم - : أنّه لا يبرأ ، وقبول الحوالة ممّن لا دَيْن عليه ضمانٌ مجرّد(٤) .

ثمّ فرّعوا فقالوا : إن قلنا : لا تصحّ هذه الحوالة ، فلا شي‌ء على المحال عليه ، فإن تطوّع وأدّاه ، كان كما لو قضى دَيْنَ الغير. وإن قلنا : تصحّ ، فهو كما لو ضمنه ، فيرجع على المحيل إن أدّى بإذنه(٥) .

وكذا إن أدّى بغير إذنه عندنا وعلى أظهر الوجهين عند الشافعيّة(٦) ؛ لجريان الحوالة بإذنه.

وللمحال عليه الرجوع على المحيل هنا قبل الأداء - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٧) - لأنّ المحيل يبرأ ، فينتقل الحقّ إلى ذمّة المحال عليه بمجرّد الحوالة.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « هنا » بدل « هذه ». والمثبت كما في المصدر.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي المصدر « عين » بدل « غير ». وفي « ر » : « على غير ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ - ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٣.

٤٤٧

والثاني : ليس له ذلك بناءً على أنّ المحيل لا يبرأ ، كما أنّ الضامن لا يرجع على المضمون عنه قبل الأداء(١) .

وإذا طالبه المحتال بالأداء ، فله مطالبة المحيل بتخليصه.

وهل له ذلك قبل مطالبة المحتال؟ الأقوى عندي : ذلك.

وللشافعيّة وجهان كالوجهين في مطالبة الضامن(٢) .

ولو أبرأه المحتال ، لم يرجع على المحيل بشي‌ء.

ولو قبضه المحتال ثمّ وهبه منه ، فالأقوى : الرجوع ؛ لأنّه قد غرم عنه ، وإنّما عاد المال إليه بعقدٍ مستأنف.

وللشافعيّة وجهان يُنظر في أحدهما إلى أنّ الغُرْم لم يستقر عليه ، فلم يغرم عنه في الحقيقة شيئاً. وفي الثاني إلى أنّه عاد إليه بتصرّفٍ مبتدأ(٣) .

وهُما مأخوذان من القولين فيما إذا وهبت منه الصداق بعد القبض ثمّ طلّقها قبل الدخول.

ولو ضمن عنه ضامنٌ ، لم يرجع على المحيل حتى يأخذ المحتال المالَ منه أو من ضامنه.

ولو أحال المحتال على غيره ، نُظر إن أحاله على مَنْ عليه دَينٌ ، رجع على محيله بنفس الحوالة ؛ لحصول الأداء بها. وإن أحال على مَنْ لا دَيْن عليه ، لم يرجع عليه الذي أحاله عليه.

مسألة ٦٠٧ : الأقوى عندي أنّه لا يشترط في الدَّيْن المحال به اللزومُ‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٣.

٤٤٨

- وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - كما لو أحال بالثمن في مدّة الخيار بأن يحيل المشتري البائعَ على رجلٍ أو يحيل البائع رجلاً على المشتري. ولأنّه صائرٌ إلى اللزوم ، والخيار عارضٌ فيه ، فيعطى حكم اللازم.

والثاني لهم : المنع ؛ لأنّه ليس بلازم(٢) .

وهو مصادرة على المطلوب.

قال بعض الشافعيّة : هذا الخلاف مبنيّ على أنّ الحوالة معاوضة أو استيفاء؟ إن قلنا معاوضة ، فهي كالتصرّف في المبيع في زمان الخيار. وإن قلنا : استيفاء ، فتجوز(٣) .

قالوا : فإن قلنا بالمنع ، ففي انقطاع الخيار وجهان :

أحدهما : أنّه لا ينقطع ؛ لحكمنا ببطلانه ، وتنزيلنا إيّاه منزلة العدم.

والثاني : نعم ؛ لأنّ التصرّف في عوض العقد يتضمّن الرضا بإبطال الخيار(٤) .

وإن قلنا بالجواز ، لم يبطل الخيار عند بعضهم(٥) .

وقال آخَرون : يبطل ؛ لأنّ قضيّة الحوالة اللزوم ، ولو بقي الخيار لما صادفت الحوالة مقتضاها ، وكانت هذه الحوالة كالحوالة على النجوم(٦) .

والأقوى : بقاء الخيار.

مسألة ٦٠٨ : إذا وقعت الحوالة بالثمن المتزلزل بالخيار ثمّ انفسخ البيع‌

____________________

(١ و ٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، الوسيط ٣ : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩.

(٤ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

٤٤٩

بفسخ صاحب الخيار ، بطل الثمن ، وبطلت الحوالة المترتّبة عليه ، فلو أحال البائع على المشتري بالثمن رجلاً له عليه دَيْنٌ ثمّ فسخ المشتري بالخيار ، بطلت الحوالة ؛ لأنّها فرع البيع ، والبيع قد بطل.

وعندي فيه نظر ؛ لأنّ البيع لم يبطل من أصله ، وإنّما تجدّد له البطلان ، فلا يؤثّر في الحوالة التي جرت منهما.

ولو أحال المشتري البائعَ على غيره ثمّ فسخ البيع بالخيار ، بطلت الحوالة ؛ لترتّبها على البيع ، والبيع قد بطل.

ويُحتمل قويّاً عدم بطلان الحوالة.

وعلى قول الشافعيّة ببطلان الخيار لو أحال المشتري البائعَ على ثالثٍ ، يبطل خيارهما جميعاً ؛ لتراضيهما. ولو أحال البائع رجلاً على المشتري ، لم يبطل خيار المشتري ، إلاّ أن يقبل ويرضى بالحوالة(١) .

مسألة ٦٠٩ : لو أحال زيد على عمرو بكراً بمالٍ فأدّاه عمرو - بعد قبول الثلاثة الحوالة - إلى بكر‌ ، ثمّ جاء عمرو يطالب زيداً بما أدّاه بحوالته إلى بكر ، فادّعى زيد أنّه إنّما أحال بما لَه عليه ، وأنكر عمرو ذلك وأنّه احتال ولا شي‌ء لزيد عليه ، كان القولُ قولَ عمرو ؛ لأصالة براءة ذمّته.

ويُحتمل أن يقال : إن قلنا بصحّة الحوالة على مَنْ لا مال عليه ، كان القولُ قولَ المحال عليه قطعاً. وإن قلنا : إنّها لا تصحّ ، كان القولُ قولَ المحيل ؛ لاعترافهما بالحوالة ، وادّعاء المحال عليه بطلانها ، والأصل الصحّة.

مسألة ٦١٠ : لو أحال السيّد على مكاتَبه بمال النجوم‌ ، فإن كان بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

٤٥٠

حلوله ، صحّ ؛ لثبوته في ذمّة المكاتَب. وإن كان قبل الحلول ، فكذلك على الأقوى.

ويجي‌ء على قول الشيخرحمه‌الله المنع(١) ؛ لأنّ مال الكتابة غير واجبٍ - عنده(٢) - على المكاتَب ؛ إذ له أن يُعجّز نفسه ، فله أن يمتنع من أدائه.

وللشافعيّة وجهان فيما إذا أحال السيّد غيره على مكاتَبه بالنجوم.

أحدهما : الجواز - كما قلناه - لأنّ النجوم دَيْنٌ ثابت على المكاتَب ، فأشبه سائر الديون.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ النجوم غير لازمة على المكاتَب ، وله إسقاطها متى شاء ، فلا يمكن إلزامه الدفع إلى المحتال(٣) .

وعلى ما اخترناه - من صحّة الحوالة - لو أعتق السيّد عبده المكاتَب ، بطلت الكتابة ، ولم يسقط عن المكاتَب مال الحوالة ؛ لأنّ المال بقبوله الحوالة صار لازماً له للمحتال ، ولا يضمن السيّد ما يغرمه من مال الحوالة.

ولو كان للسيّد عليه دَيْنُ معاملةٍ غير مال الكتابة ، صحّت الحوالة به قطعاً ؛ لأنّ حكمه حكم الأحرار في المداينات.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه مبنيّ على أنّ المكاتَب لو عجّز نفسه ، هل يسقط ذلك الدَّيْن؟ إن قلنا : نعم ، لم تصح الحوالة ، وإلّا صحّت(٤) .

والمعتمد ما قلناه ، وهو قول أكثر الشافعيّة وقول أكثر العامّة(٥) .

ولو أحال المكاتَبُ السيّدَ على إنسانٍ بمال الكتابة ، صحّت الحوالة‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢١.

(٢) الخلاف ٦ : ٣٩٣ ، المسألة ١٧ ، المبسوط - للطوسي - ٦ : ٧٣ و ٨٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ - ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٥) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤ ، المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٧.

٤٥١

عندنا وعند أكثر الشافعيّة وأكثر المانعين من حوالة السيّد عليه بالنجوم(١) ، وتبرأ ذمّة المكاتَب من مال الكتابة ، ويتحرّر ، ويكون ذلك بمنزلة الأداء ، سواء أدّى المحال عليه أو مات مفلساً ؛ لأنّ ما أحاله عليه مستقرّ ، والكتابة لازمة من جهة السيّد ، فمتى أدّى المحال عليه وجب على السيّد القبول أو الإبراء.

وقال بعض الشافعيّة : لا تصحّ هذه الحوالة أيضاً(٢) .

فللشافعيّة إذَنْ ثلاثة أقوال في الجمع بين الصورتين :

أحدها : جواز إحالة المكاتَب بالنجوم ، وإحالة السيّد على النجوم ، وهو قول ابن سريج.

والثاني : منعهما جميعاً.

والثالث : أظهرها عندهم ، وهو : جواز إحالة المكاتَب بها ، ومنع إحالة السيّد عليها(٣) .

ولو أحال السيّد بأكثر مال الكتابة ثمّ أعتقه ، سقط عن المكاتَب الباقي ، ولم تبطل الحوالة.

مسألة ٦١١ : مال الجُعْل في الجُعالة إن استحقّ بالعمل ، صحّت الحوالة به إجماعاً.

وإن لم يشرع في العمل ، فالأقرب : الجواز ؛ لأنّا نجوّز الحوالة على بري‌ء الذمّة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤ ، المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) الوسيط ٣ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠.

٤٥٢

وقياس الشافعيّة أنّه يجي‌ء في الحوالة به وعليه الخلافُ المذكور في الرهن به وفي ضمانه(١) .

وقال بعض الشافعيّة : تجوز الحوالة به وعليه بعد العمل ، لا قبله(٢) .

ولو أحال مَنْ عليه الزكاة الساعيَ على إنسانٍ بالزكاة ، جاز ، سواء قلنا : إنّ الحوالة استيفاء أو اعتياض ؛ لأنّه دَيْنٌ ثابت في الذمّة ، فجازت الحوالة.

وعندنا يجوز دفع قيمة الزكاة عن عينها ، فجاز الاعتياض فيها.

أمّا الشافعيّة فإنّهم منعوا من دفع القيمة في الزكاة ومن الاعتياض عنها(٣) ، فهنا قالوا : إن قلنا : إنّ الحوالة استيفاء ، صحّت الحوالة هنا. وإن قلنا : إنّها اعتياض ، لم تجز ؛ لامتناع أخذ العوض عن الزكاة(٤) .

ولو أحال الفقير المديون صاحبَ دَيْنه بالزكاة على مَنْ وجبت عليه ، لم تصح ؛ لأنّها لم تتعيّن له إلّا بالدفع إليه.

ولو قَبِل مَنْ وجبت عليه ، صحّ ، ولزمه الدفع إلى المحتال.

مسألة ٦١٢ : تجوز الحوالة بكلّ مالٍ لازمٍ ثابتٍ في الذمّة معلومٍ‌ ؛ لأنّها إمّا اعتياض ، فلا تصحّ على المجهول ، كما لا يصحّ بيعه ، وإمّا استيفاء ، وإنّما يمكن استيفاء المعلوم ، أمّا المجهول فلا. ولاشتماله على الغرر.

فلو قال : أحلتك بكلّ ما لك عَلَيَّ ، فقَبِل ، لم تصح.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٢) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٥٧ ، المجموع ٥ : ٤٢٨ - ٤٢٩ ، و ٦ : ١٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٦٥ ، المغني ٢ : ٦٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

(٤) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

٤٥٣

ويحتمل الصحّة ، ويكون على المحال عليه للمحتال كلّ ما تقوم به البيّنة ، كما قلناه في الضمان.

ولا يشترط اتّفاق الدَّيْنين في سبب الوجوب ، فلو كان أحدهما ثمناً والآخَر أُجرةً أو قرضاً أو بدلَ متلفٍ أو أرشَ جنايةٍ وما أشبهه ، جازت الحوالة ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٦١٣ : تصحّ الحوالة بكلّ دَيْنٍ ثابتٍ في الذمّة‌ ، سواء كان مثليّاً ، كالذهب والفضّة والحبوب والأدهان ، أو من ذوات القِيَم ، كالثياب والحيوان وغيرهما - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - لأنّه حقٌّ لازمٌ ثابتٌ في الذمّة ، فأشبه ما لَه مِثْلٌ.

والثاني : المنع ؛ لأنّ الغرض من الحوالة إيصال الحقّ إلى مستحقّه من غير تفاوتٍ ، وهذا الغرض لا يتحقّق فيما لا مِثْل له ؛ لأنّ المثل لا يتحرّز(٢) ، ولهذا لا يضمن بمثله في الإتلاف(٣) .

والأوّل أصحّ. والوصول إلى الحقّ قد يكون بالمثل ، وقد يكون بالقيمة ، وكما يجوز إبراء المديون منه بالأداء ، كذا المحال عليه.

ولو كان المال ممّا لا يصحّ السَّلَم فيه ، ففي جواز الحوالة به إشكال أقربه : الجواز ؛ لأنّ الواجب في الذمّة حينئذٍ القيمة ، وتلك العين لا تثبت في الذمّة ، فلا تقع الحوالة بها ولا بمثلها ؛ لعدمه ، بل بالقيمة.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

(٢) في النسخ الخطّيّة : « لا يتحرّر » بالراءين المهملتين.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

٤٥٤

ولو كان عليه خمس من الإبل أرش الموضحة مثلاً ، وله على آخَر مثلها ، فأحاله بها ، فالأقرب : الصحّة ؛ لأنّها تنحصر بأقلّ ما يقع عليه الاسم في السنّ والقيمة وسائر الصفات ، وهو أحد قولَي الشافعي(١) .

والثاني : لا تجوز ؛ لأنّ صفاتها مجهولة(٢) .

وهو ممنوع.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أحال بإبل الدية وعليها وفرّعنا على جواز الحوالة في المتقوّمات ، فوجهان أو قولان مبنيّان على جواز المصالحة والاعتياض عنها.

والأصحّ عندهم : المنع ؛ للجهل بصفاتها(٣) .

ولو كان الحيوان صداقاً ودخل بها ، جازت الحوالة عند بعض الشافعيّة ؛ لأنّه لا يكون مجهولاً(٤) .

ومَنَعه بعضهم ؛ لأنّه لا تجوز المعاوضة معها(٥) .

النظر الرابع : في تساوي الجنسين.

مسألة ٦١٤ : من مشاهير الفقهاء(٦) وجوب تساوي الدَّيْنين‌ - أعني الدَّيْن الذي للمحتال على المحيل ، والذي للمحيل على المحال عليه - جنساً ووصفاً ، فلو كان له دنانير على شخصٍ فأحال عليه بدراهم ، لم تصحّ ؛ لأنّ الحوالة إن جعلناها استيفاءً ، فلأنّ مستحقّ الدراهم إذا‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، ولاحظ : حلية العلماء ٥ : ٣٣.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

(٤ و ٥) راجع : التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢.

(٦) بداية المجتهد ٢ : ٣٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦ ، المغني ٥ : ٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٩.

٤٥٥

استوفاها وأقرضها فمحال أن ينتقل حقّه إلى الدنانير.

وإن جعلناها معاوضةً ، فلأنّها وإن كانت معاوضةً فليست هي على حقيقة المعاوضات التي يقصد بها تحصيل ما ليس بحاصل من جنس مالٍ أو زيادة قدرٍ أو صفة ، وإنّما هي معاوضة إرفاقٍ ومسامحة للحاجة ، فاشترط فيها التجانس والتساوي في القدر والصفة ؛ لئلّا يتسلّط على المحال عليه ، كما في القرض.

ولأنّا نجبر المحال عليه عند مَنْ لا يشترط رضاه ، ولا يمكن إجباره مع الاختلاف.

ولأنّ الحوالة لا يُطلب بها الفضل ، ولهذا جازت دَيْناً بدَيْن ، ألا ترى أنّه لا يجوز بيع الدَّيْن بالدَّيْن ، فلو جوّزنا الإحالة مع الاختلاف في الجنس أو الوصف ، لكان بيعَ الدَّيْن بالدَّيْن.

ومع هذا فقد قال المشترطون للتساوي : إنّه تصحّ الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه ، والأحرى جواز الإحالة على مَنْ عليه دَيْن مخالف. لكنّ الغرض بقولهم : « إذا تغاير الدَّيْنان جنساً أو وصفاً أو قدراً ، لم تصحّ الحوالة » أنّ الحقّ لا يتحوّل بها من الدنانير إلى الدراهم وبالعكس ، لكنّها إذا جرت فهي حوالة على مَنْ لا دَيْن له عليه ، وحكمه ما تقدّم(١) .

مسألة ٦١٥ : لو كان عليه إبل من الدية وله على آخَر مثلها قرضاً ، فأحاله صاحب القرض على المقترض بإبل الدية‌ ، فإن قلنا : يردّ في القرض مثلها ، صحّت الحوالة ؛ لأنّه يمكن استيفاء الحقّ على صفته من المحال عليه. ولأنّ الخيرة في التسليم إلى مَنْ عليه الدَّيْن ، وقد رضي بتسليم ما لَه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٦

في ذمّة المقترض ، وهو مثل الحقّ ، فكانت الحوالة صحيحةً.

وإن قلنا : إنّه يردّ في القرض القيمة ، لم تصحّ الحوالة ؛ لاختلاف الجنس.

وكذا ما يثبت في الذمّة قيمته في القرض - كالجواهر واللآلئ وغيرهما ممّا لا يصحّ السَّلَم فيه - لا تصحّ الحوالة به.

ولو احتال المقرض بإبل الدية ، لم تصح ؛ لأنّا إن قلنا : تجب القيمة في القرض ، فقد اختلف الجنس. وإن قلنا : يجب المثل ، فللمقرض مثل ما أقرض في صفاته ، والذي عليه الدية لا يلزمه ذلك.

مسألة ٦١٦ : يجب تساوي الدَّيْنين في القدر‌ ، فلا يحال بخمسة على عشرة ، ولا بعشرة على خمسة ؛ لما قلنا من أنّ هذا العقد للإرفاق ، ولإيصال كلّ حقٍّ إلى مستحقّه ، ولم يوضع لتحصيل زيادة أو حطّ شي‌ء.

والمراد بذلك وقوع المعاوضة بالقليل عن الكثير وبالعكس ، وإلّا فلو كان له عشرة فأحال بخمسة منها ، أو كان له خمسة فأحال بها وبخمسةٍ أُخرى ، فإنّه تصحّ.

وللشافعيّة وجهٌ في الإحالة بالقليل على الكثير : أنّها جائزة ، وكأنّ المحيل تبرّع بالزيادة(١) .

وقال أبو العباس ابن سريج : الحوالة بيع إلّا أنّه غير مبنيّ على المكايسة والمغابنة وطلب الربح والفضل ، بل جُعل رفقاً ، كالقرض ، وإن كان نوعَ معاوضةٍ ، فلا تجوز إلّا مع اتّفاق الجنس جنساً وقدراً وصفةً ، وقد قال الشافعي في كتاب البيوع في باب الطعام قبل أن يستوفى : وإن حلّ عليه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٧

طعام فأحال به على رجل له عليه طعام أسلفه إيّاه ، لم تجز من قِبَل أنّ هذا الطعام لـمّا لم يجز بيعه لم تجز الحوالة به ؛ لأنّه بيع ، وهذا نصٌّ منه(١) .

وقيل : ليست بيعاً(٢) - وهو ما اخترناه نحن أوّلاً - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ندب إليها ، فقال : « مَنْ أُحيل على ملي‌ء فليحتل »(٣) . ولأنّها لا تصحّ بلفظ البيع ، ولا تجوز الزيادة فيها ولا النقصان ، ولما جازت في النقود إلّا مع التقابض في المجلس ، إلّا أنّ هذا القائل لا يجوّز الحوالة بالـمُسْلَم فيه ، وهذا تشمير(٤) لقول مَنْ قال : إنّه بيع.

لا يقال : لو كان بيعاً ، لكان على المحيل تسليمه إلى المحال عليه ؛ لأنّه عوض من جهته ، كما إذا باع شيئاً في يد غيره ، فإنّه يطالبهما به المشتري.

لأنّا نقول : أجاب مَنْ قال : « إنّه بيع » : بأنّه لـمّا استحقّ مطالبة المحال عليه به لم يستحقّ مطالبة المحيل ؛ لأنّه لو استحقّ مطالبتهما ، لكان قد حصل له بالحوالة زيادة في حقّ المطالبة ، وقد ثبت أنّ الحوالة مبنيّة على أنّه لا يستحقّ بها إلّا مثل ما كان يستحقّه ، بخلاف البيع ؛ لأنّه تجوز فيه الزيادة.

وفائدة الاختلاف : ثبوت خيار المجلس إن قلنا : إنّها بيع.

والحقّ ما تقدّم ، والاعتذار باطل ؛ لأنّ تخلّف لازم البيع يقضي بانتفائه.

____________________

(١) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٦ ، وراجع : الأُم ٣ : ٧٣.

(٢) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٦.

(٣) المصنّف - لابن أبي شيبة - ٧ : ٧٩ / ٢٤٤٥.

(٤) التشمير : التقليص والإرسال. لسان العرب ٤ : ٤٢٨ « شمر ».

٤٥٨

مسألة ٦١٧ : الأقرب : أنّه لا يشترط تساوي المالَيْن في الحلول والتأجيل‌ ، فيجوز أن يحيل بالمؤجَّل على الحالّ ؛ لأنّ للمحيل أن يُعجّل ما عليه ، فإذا أحال به على الحالّ فقد عجّل.

وكذا يجوز أن يحيل بالحالّ على المؤجَّل.

ثمّ إن رضي المحال عليه بالدفع معجَّلاً ، جاز ، وإلاّ لم يجز ، ووجب على المحتال الصبر ، كما لو احتال مؤجّلاً.

وللشافعيّة قولان :

أصحّهما عندهم : أنّه يشترط التساوي في الحلول والتأجيل ؛ إلحاقاً للوصف بالقدر.

والثاني : أنّه يجوز أن يحيل بالمؤجَّل على الحالّ ؛ لأنّه تعجيل ، ولا يجوز العكس ؛ لأنّ حقّ المحتال حالٌّ ، وتأجيل الحالّ لا يلزم(١) .

ونحن نمنع عدم اللزوم مطلقاً ، بل إذا تبرّع به ، لم يلزم ، أمّا إذا شرطه في عقدٍ لازم ، فإنّه يلزم ، والحوالة عقد لازم ، والمحيل إنّما أحال بالمؤجَّل ، والمحال عليه إنّما قَبِل على ذلك ، فلم يكن للمحتال الطلبُ معجَّلاً.

فروع :

أ - لو كان الدَّيْنان مؤجَّلين ، فإن تساويا في الأجل ، صحّت الحوالة قطعاً.

وإن اختلفا ، صحّت عندنا أيضاً.

وللشافعيّة وجهان بناءً على الوجهين في الحالّ والمؤجَّل ، فإن منعناه هناك ، منعناه هنا. وإن جوّزناه هناك ، جاز هنا على حدّ ما جاز هناك على معنى أنّه يجوز أن يحال بالأبعد على الأقرب ؛ لأنّه تعجيل ، ولا يجوز‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٩

العكس ؛ لأنّه تأجيل الحالّ(١) .

ب - لو كان أحدهما صحيحاً والآخَر مكسَّراً‌ ، قالت الشافعيّة : لم تجز الحوالة بينهما على الوجه الأوّل ، وعلى الثاني يحال بالمكسَّر على الصحيح ، ويكون المحيل متبرّعاً بصفة الصحّة ، ولا يحال بالصحيح على المكسَّر ، إلَّا إذا كان المحتال تاركاً لصفة الصحّة ، ويرضى بالمكسَّرة رشوةً ليحيله المحيل.

ج - يُخرّج على هذا الخلاف عندهم حوالة الأردأ على الأجود في كلّ جنسٍ ، وبالعكس‌(٢) .

والأقرب عندي : جواز ذلك كلّه.

د - لو أدّى المحال عليه الأجود إلى المحتال ، وجب القبول‌. وكذا الصحيح عوض المكسَّر.

أمّا تعجيل المؤجَّل فلا يُجبر عليه ، خلافاً للشافعيّة ، فإنّهم أوجبوه(٣) ، حيث يجبر المستحقّ على القبول(٤) .

وهذا يتفرّع على الصحيح في أنّ المديون إذا جاء بأجود ممّا عليه من ذلك النوع ، يُجبر المستحقّ على قبوله ، ولا يكون ذلك معاوضةً؟(٥) .

ه- لو كان الدَّيْنان حالَّيْن فشرط في الحوالة أنّ المحتال يقبض حقّه أو بعضه بعد شهرٍ ، صحّ عندنا‌ - خلافاً لأحمد(٦) - لعموم قولهعليه‌السلام :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ - ١٣٢.

(٣) في النسخ الخطّيّة : « جوّزوه » بدل « أوجبوه ».

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٢.

(٦) المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٩.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639