بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247383 / تحميل: 8636
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

المعروف له الطلب إليهم و حظر عليهم قضاءه كما يحرّم الغيث على الأرض المجدبة ليهلكها و يهلك أهلها(١) .

و قال ابن أبي الحديد رأى العباس بن مأمون يوما بحضرة المعتصم خاتما في يد إبراهيم بن المهدي ، فاستحسنه فقال له : ما فص هذا الخاتم و من أين حصلته ؟ قال : هذا خاتم رهنته في دولة أبيك و افتككته في دولة الخليفة .

فقال له العباس : إن لم تشكر أبي على حقنه دمك ، فأنت لا تشكر الخليفة على فكّه خاتمك و قال الشاعر :

لعمرك ما المعروف في غير أهله

و في أهله إلاّ كبعض الودائع

فمستودع ضاع الذي كان عنده

و مستودع ما عنده غير ضائع

و ما النّاس في شكر الصنيعة عندهم

و في كفرها إلاّ كبعض المزارع

فمزرعة طابت و أضعف نبتها

و مزرعة أكدت على كلّ زارع(٢)

٥٩ الحكمة ( ٢٠٨ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ وَ مَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ وَ مَنْ خَافَ أَمِنَ وَ مَنِ اِعْتَبَرَ أَبْصَرَ وَ مَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ وَ مَنْ فَهِمَ عَلِمَ « من حاسب نفسه ربح » في ( الكافي ) عن الكاظمعليه‌السلام : ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم ، فإن عمل حسنة استزاد اللَّه تعالى ، و إن عمل سيّئة استغفر اللَّه منها و تاب إليه(٣) .

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٤ : ٢٥ ح ٢ ، عن أبي حمزة الثمالي .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٤ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٥٣ .

٥٤١

« و من غفل عنها خسر » عن الباقرعليه‌السلام : لا يغرّنّك الناس من نفسك ، فإنّ الأمر يصل إليك دونهم ، و لا تقطع نهارك بكذا و كذا ، فإنّ معك من يحفظ عليك عملك .(١) .

« و من خاف أمن » و أمّا من خافَ مقامَ ربِّه و نهى النّفس عن الهوى .

( فإنّ الجنَّةَ هي المأوى ) (٢) .

« و من اعتبر أبصر » الاعتبار سبب لابصار جديد ، و إن كان هو بإبصار تليد ، قال تعالى :( فاعتبروا يا اُولي الأَبصار ) (٣) .

« و من أبصر فهم و من فهم علم » حمل الفهم على معرفة المقدّمات ، و العلم على معرفة النتيجة الّتي هي الثمرة الشريفة .

٦٠ الحكمة ( ٢٤٠ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْحَجَرُ اَلْغَصِيبُ فِي اَلدَّارِ رَهْنٌ عَلَى خَرَابِهَا أقول هكذا في ( الطبعة المصرية ) بلفظ « الغصيب »(٤) و الصواب :

( الغصب ) كما في ابن أبي الحديد(٥) و ابن ميثم(٦) و النسخة الخطية(٧) ، و الغصب هنا بمعنى المغصوب كما في قولهم : « شي‏ء غصب » .

____________________

( ١ ) الاختصاص للمفيد : ٢٣١ .

( ٢ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

( ٣ ) الحشر : ٢ .

( ٤ ) النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ٧١٠ رقم ( ٢٤٢ ) .

( ٥ ) في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٧٢ رقم ( ٢٣٧ ) بلفظ « الغصب » .

( ٦ ) شرح ابن ميثم النسخة المنقحة ٥ : ٣٦١ رقم ( ٢٢٦ ) بلفظ « الغصيب » .

( ٧ ) سقط النصّ من النسخة الخطية ( المرعشي ) .

٥٤٢

في ( كامل الجزري ) : و في سنة ( ٥٠٠ ) عزل الوزير أبو القاسم عليّ بن جهير و أمر الخليفة بنقض داره التي بباب العامّة و فيها عبرة ، فإنّ أباه أبا نصر بن جهير بناها بأنقاض أملاك الناس و أخذ بسببها أكثر ما دخل فيها فخربت عن قريب(١) .

و قال ابن أبي الحديد : قال ابن بسّام لابن مقلة لمّا بنى داره بالزاهر ببغداد من الغصب و ظلم الرعية :

بجنبك داران مهدومتان

و دارك ثالثة تهدم

و أشار بالدارين المهدومتين إلى دار ابن الفرات و دار ابن الجرّاح أي :

الوزيرين و قال أيضا :

قل لابن مقلة مهلا لا تكن عجلا

فإنّما أنت في أضغاث أحلام

تبني بأنقاض دور النّاس مجتهدا

دارا ستنقض أيضا بعد أيّام

و صار كما قال ، فنقضت داره في أيام الراضي حتى سوّيت بالأرض(٢) .

« قال الرضي و يروى هذا الكلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٣) لكن في ابن أبي الحديد « قال الرضي : و قد روي ما يناسب هذا الكلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٤) و في ابن ميثم : « و نحو هذا الكلام قول الرسول : اتقوا الحرام في البنيان فإنّه أسباب الخراب »(٥) .

« و لا عجب أن يشتبه الكلامان لأن مستقاهما من قليب » أي : بئر واحدة ، قال أبو عبيد « قليب » البئر العادية القديمة .

____________________

( ١ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري ١٠ : ٤٣٨ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٧٢ .

( ٣ ) النسخة المصرية المنقحة : ٧١٠ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٧٢ ٧٣ .

( ٥ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٦٢ .

٥٤٣

« و مفرغهما » من فرغ الماء بالكسر ، أي : انصبّ « من ذنوب » بالفتح ، قال ابن السّكّيت : ذنوب ، دلو فيها ماء قريب من الملا تؤنث و تذكر(١) ، و لا يقال لها ذنوب و هي فارغة .

و في معنى قول المصنف قول البحتري :

عودهما من نبعة و ثراهما

من تربة و صفاهما من مقطع(٢)

٦١ الحكمة ( ٢٤١ ) و قالعليه‌السلام :

إِذَا كَثُرَتِ اَلْمَقْدِرَةُ قَلَّتِ اَلشَّهْوَةُ عشق رجل جارية و كان يتحرّق في ذلك ، فقيل له : لم لا تشتريها فإنّها ليست كالحرّة عسرة المطلب ؟ قال : إنّي إن ملكتها تذهب شهوتها و في ذلك أجد لذّة .

٦٢ الحكمة ( ٢٤٧ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْكَرَمُ أَعْطَفُ مِنَ اَلرَّحِمِ قال البحتري في إبراهيم بن الحسن بن سهل :

بنعمتكم يا آل سهل تسهّلت

عليّ نواحي دهري المتوعّر

شكرتكم حتى استكان عدوّكم

و من يول ما أوليتموني يشكر

____________________

( ١ ) اصلاح المنطق لابن السكيت : ١٦٤ .

( ٢ ) ديوان البحتري ٢ : ٢١٩ .

٥٤٤

ألست ابنكم دون البنين و أنتم

أحباء أهلي دون معن و بحتر(١)

و كانت خنساء إلى أخيها من أبيها صخر أعطف منها إلى أخيها من أبويها معاوية لكرم صخر إليها(٢) .

و في ( شعراء ابن قتيبة ) : لم تزل خنساء تبكي صخرا حتى عميت و دخلت على عائشة و عليها صدار من شعر ، فقالت لها : ما هذا فو اللَّه لقد مات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم ألبس عليه صدارا قالت لها : إن له حديثا ، إنّ أبي زوّجني سيّدا من سادات قومي متلافا معطافا ، فأنفد ماله فقال لي : إلى أين يا خنساء ، فقلت :

إلى أخي صخر ، فأتيناه فقاسمنا ماله و أعطانا خير النصفين ، فأقبل زوجي يعطي و يهب و يحمل حتى أنفده ثم قال لي : إلى أين يا خنساء ؟ قلت : إلى أخي صخر ، فأتيناه و قاسمنا ماله و أعطانا خير النصفين إلى الثالثة ، فقالت له امرأته : أما ترضى أن تقاسمهم مالك حتى تعطيهم خير النصفين فقال لها :

و اللَّه لا أمنحها شرارها

و لو هلكت قدّدت خمارها

و اتّخذت من شعرها صدارها

فذلك الّذي دعاني إلى لبس الصدار(٣) .

ثم كما أن الكرم أعطف من الرحم كذلك المودّة أعطف منها ، قال العتابي :

إنّي بلوت الناس في حالاتهم

و خبرت ما وصلوا من الأسباب

فإذا القرابة لا تقرّب قاطعا

و إذا المودة أقرب الأنساب(٤)

____________________

( ١ ) ديوان البحتري ١ : ١٨٥ .

( ٢ ) أعلام النساء لعمر رضا كحالة : ٣٦٥ .

( ٣ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٢٤ ١٢٥ .

( ٤ ) الأغاني للأصفهاني ١٧ : ١١٧ .

٥٤٥

٦٣ الحكمة ( ٢٥٤ ) و قالعليه‌السلام :

يَا اِبْنَ آدَمَ كُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ فِي مَالِكَ وَ اِعْمَلْ فِيهِ مَا تُؤْثِرُ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ مِنْ بَعْدِكَ هكذا في ( الطبعة المصرية )(١) ، و لفظ « في مالك » زائدة ، فليس في ابن أبي الحديد(٢) و ابن ميثم(٣) و النسخة الخطية(٤) ، و لا يحتاج المعنى إليه .

« و اعمل فيه ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٥) و الصواب ما في الثلاثة ( و اعمل في مالك ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك ) فبعد عدم وجود « في مالك » أوّلا كما عرفت ، لا بدّ من ذكره هنا ، يعني أن أغلب الأوصياء لا يعملون و يبدلون ، فإن كنت ناصح نفسك فكن أنت المتصدّي لنفسك .

و في ( سبب وقف غيبة الشيخ ) عن الحسين بن أحمد بن فضّال قال :

كنت أرى عند عمّي علي بن فضّال شيخا من أهل بغداد و كان يهازل عمي فقال له يوما : ليس شرّا منكم يا معشر الشيعة قال له : لم لعنك اللَّه ؟ قال : أنا زوج بنت أحمد بن أبي بشر السرّاج قال لي لمّا حضرته الوفاة : كان عندي عشرة آلاف دينار وديعة لموسى بن جعفرعليه‌السلام فدفعت ابنه عنها بعد موته و شهدت أنّه لم يمت ، فاللَّه اللَّه خلّصوني من النار و سلّموها إلى الرّضا قال :

____________________

( ١ ) النسخة المصرية : ٧١٣ رقم ( ٢٥٦ ) .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٩٥ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٥٦٣ رقم ( ٢٤٠ ) النسخة المنقحة مطابقة للنسخة المصرية : ٧١٣ رقم ( ٢٥٦ ) .

( ٤ ) سقط النصّ من النسخة الخطية ( المرعشي ) .

( ٥ ) راجع المصدرين السابقين فهما متطابقين أيضا في التكملة .

٥٤٦

فو اللَّه ما أخرجنا حبة و لقد تركناه يصلى في نار جهنم(١) .

و كان السجادعليه‌السلام : كلّما مرض أوصى بوصية فإذا برى‏ء أجرىعليه‌السلام بنفسه ما أوصى به(٢) .

هذا ، و في كنز الكراجكي قال المفيد : دخل رجل صحيح على مريض فقال له : أوص فقال له : بم أوصي و انّما يرثني زوجتاك و اختاك و خالتاك و عمتاك و جدتاك .

و قال في شرح الكلام : إنّ ذاك المريض كان تزوج جدّتي ذاك الصحيح امّ أمّه و امّ أبيه ، فأولد كلّ واحدة منهما ابنتين فابنتاه من جدته امّ أمّه خالتا ذاك الصحيح و ابنتاه من جدّته امّ أبيه عمتا ذاك ، و تزوج الصحيح جدتي المريض و تزوج أبو المريض ام الصحيح فأولدها ابنتين ، و حينئذ فقد ترك المريض إذا مات أربع بنات هما عمتا الصحيح و خالتاه و ترك جدتيه زوجتي الصحيح و ترك زوجتيه جدتي الصحيح و ترك اختيه لأبيه و هما اختا الصحيح لامه ، فلبناته الثلثان و لزوجتيه الثمن و لجدتيه السدس و لاختيه لأبيه ما بقي .

و هذه القسمة على مذهب العامة دون الخاصة(٣) .

____________________

( ١ ) الغيبة للطوسي : ٦٦ و ٦٧ ، و نقله عنه المجلسي في بحار الأنوار ٤٨ : ٢٥٥ ح ٩ .

( ٢ ) ورد في وسائل الشيعة ٦ : ٣٨٥ في باب جواز رجوع الموصي في الوصية قال علي بن الحسين : لرجل ان يغير وصيته فيعتق من كان أمر بملكه و يملك من كان أمر بعتقه و يعطي من كان حرمه ، و يحرم من كان اعطاء ما لم يمت ، لم نعثر على ما ذكر المؤلف في تراجم الإمام السجادعليه‌السلام .

( ٣ ) كنز الفوائد للكراجكي ١ : ١٠٢ ١٠٣ ، لم يورد العلاّمة التستري الأبيات الشعرية على لسان المريض و هي :

٥٤٧

اتيت الوليد ضحى عائدا

و قد خامر اللكب منه السقاما

فقلت له أوحي فيما تركت

فقال الا قد كفيت الكلاما

ففي عمتيك و في جدتيك

و في خالتيك تركت السواما

و زوجاك حقهما ثابت

و اختاك منه تجوز التماما

هنالك يا ابن أبي خالد

ظفرت بعشر حديث السهاما

٥٤٨

و في ( شعراء القتيبي ) : قيل للحطيئة حين احتضاره : أوص ، فقال : مالي للذكور من ولدي دون الإناث قالوا : فإنّ اللَّه لم يأمر بذلك قال : فإنّي آمر به .

قيل له : قل « لا إله إلاّ اللَّه » قال : ويل للشعر من راوية السوء قيل له : ألا توصي بشي‏ء للمساكين قال : أوصيهم بالمسألة ما عاشوا فإنّها تجارة لن تبور قيل له : أعتق عبدك يسارا قال : هو مملوك ما بقي عبسي قيل له : فلان اليتيم ما توصي له بشي‏ء ؟ قال : أوصيكم أن تأخذوا ماله و تنيكوا امه قيل له : ليس إلاّ هذا قال : إحملوني على حمار فإنّه لم يمت عليه كريم لعلّي أنجو ، ثم قال :

لكلّ جديد لذّة غير أنّني

وجدت جديد الموت غير لذيذ

له خبطة في الحلق ليس بسكّر

و لا طعم راح يشتهى و نبيذ

و مات مكانه(١) .

٦٤ من غريب كلامه رقم ( ٢ ) و في حديثهعليه‌السلام :

هَذَا اَلْخَطِيبُ اَلشَّحْشَحُ أقول : قال ابن أبي الحديد(٢) قال ابن ميثم(٣) : هذه الكلمة لصعصعة بن صوحان العبدي ، و كفى صعصعة بها فخرا أن يكون مثل عليعليه‌السلام يثني عليه بالمهارة و فصاحة اللسان ، و كان صعصعة من أفصح الناس ذكر ذلك الجاحظ(٤) .

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١١٠ ١١١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٠٦ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٧١ رقم « ٢ » .

( ٤ ) نقل الجاحظ في البيان و التبيين ١ : ٣٢٧ قول عبيد اللَّه بن زياد بن ظبيان لأشيم بن شقيق بن ثور : أنت يوم القيامة أخطب من صعصعة بن صوحان إذا تكلمت الخوارج ، ثم يقول الجاحظ : فما ظنك ببلاغة رجل عبيد اللَّه بن زياد

٥٤٩

قلت : بل قالعليه‌السلام هذه الكلمة ان صح كونها كلامهعليه‌السلام في شاب من قيس غير معروف ، ففي تاريخ الطبري بعد ذكره خبرا عن كليب الجرمي في أصحاب الجمل إلى أن قال قال كليب و نادىعليه‌السلام بعد ظفره : ألا لا تتبعوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تدخلوا الدور ثم بعث إليهم ان أخرجوا للبيعة ، فبايعهم على الرايات و قال : من عرف شيئا فليأخذه حتى ما بقي في العسكرين شي‏ء إلاّ قبض ، فانتهى إليه قوم من قيس شبان فخطب خطيبهم فقال عليعليه‌السلام :

أين امراؤكم ؟ فقال الخطيب : أصيبوا تحت نظار الجمل ثم أخذ في خطبته فقال عليعليه‌السلام أما ان هذا لهو الخطيب الشحشح .(١) .

و ممّا يشهد انّهعليه‌السلام قال ذلك في خطيب غير معروف الاسم ان الجاحظ قال في الجزء الثاني من بيانه : في حديث عليعليه‌السلام حين رأى فلانا يخطب قال هذا الخطيب الشحشح(٢) .

و قال ابن الأثير في نهايته : في حديث عليعليه‌السلام انّه رأى رجلا يخطب فقال « هذا الخطيب الشحشح » أي : الماهر الماضي في الكلام .(٣) .

و لو كانعليه‌السلام قال هذا الكلام في معروف مثل صعصعة لقالا : رأى صعصعة ، و ابن الأثير رأى كتب جميع من صنف في الغريب و ذكر هذا الحديث فيه فيعلم انّه لم يعينه أحد .

و أما ما قاله ابن أبي الحديد من قوله « ذكر ذلك الجاحظ » مشيرا إلى يضرب به المثل ، ثم قال : و إنّما أردنا بهذا الحديث خاصة ، الدلالة على تقديم صعصعة بن صوحان في الخطب .

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري : كان في سيرة على أن لا يقتل مدبرا و لا يذفف على جريح و لا يكشف سترا و لا يأخذ مالا . إلى آخره ٣ : ٢٢٣ ، و ذكر في ٣ : ٢٢٢ قول الإمام عليعليه‌السلام أن من عرف شيئا فليأخذه الاّ سلاحا . إلى آخره أما بقية ما أورده العلاّمة التستري فهو زيادة على النصّ المذكور راجع الطبري ٣ : ٢٢٢ ٢٢٣ .

( ٢ ) لم يوجد في الهوامش يراجع : ٢٦٧ في الأصل .

( ٣ ) نهاية ابن الأثير ٢ : ٤٤٩ .

٥٥٠

جميع ما قاله(١) ، فإنّما يصح منه ان الجاحظ قال : ان صعصعة كان من أفصح الناس و كفاه فخرا ان يكون مثل عليعليه‌السلام يثنى عليه بالمهارة ، دون كون الجاحظ قال إنّهعليه‌السلام قال تلك الكلمة لصعصعة ، و هذا نص الجاحظ في بيانه في الجزء الأول : قال أشيم بن شقيق بن ثور لعبيد اللَّه بن زياد بن ظبيان : ما أنت قائل لربّك و قد حملت رأس مصعب إلى عبد الملك ؟ قال : اسكت فأنت يوم القيامة أخطب من صعصعة إذا تكلمت الخوارج ، فما ظنّك ببلاغة رجل مثل عبيد اللَّه بن زياد بن ظبيان يضرب به المثل(٢) ، و إنّما أردنا بهذا الحديث خاصة الدلالة على تقديم صعصعة في الخطب ، و أولى من كلّ دلالة استنطاق عليعليه‌السلام له .

فترى الجاحظ إنّما قال : إن قاتل مصعب ضرب المثل بخطيبية صعصعة ثم قال أولى من كلّ دلالة على خطيبية صعصعة استنطاقهعليه‌السلام له لا أنّهعليه‌السلام قال فيه « هو خطيب شحشح » ، و قد روى قول قاتل مصعب ( الأغاني ) أيضا فقال : قال رجل لعبيد اللَّه : بما ذا تحتجّ عند ربك من قتلك لمصعب فقال :

ان تركت أحتجّ رجوت أن أكون أخطب من صعصعة بن صوحان(٣) .

ثم الظاهر أصحية رواية ( الأغاني ) أن يكون قاتل مصعب قال : أنا أخطب من صعصعة ، من رواية البيان : أنت أخطب من صعصعة ، بشهادة السياق .

ثم الظاهر أن مراد الجاحظ من قوله : « و أولى من كلّ دلالة استنطاق عليعليه‌السلام له » ما رواه ( المروج ) أنّهعليه‌السلام بعد الجمل قال لصعصعة و نفرين

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ١٠٦ .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ١ : ٣٢٧ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٨ .

٥٥١

آخرين معه : أشيروا عليّ في أمر معاوية فقال صعصعة : الرأي أن ترسل إليه عينا من عيونك وثقة من ثقاتك بكتاب تدعوه إلى بيعتك ، فإن أجاب و إلاّ جاهدته فقال عليعليه‌السلام : عزمت عليك يا صعصعة إلاّ كتبت الكتاب بيدك و توجّهت به إلى معاوية و اجعل صدر الكتاب تحذيرا و تخويفا و عجزه استتابة و استنابة إلى أن قال ثم اكتب ما أشرت به عليّ و اجعل عنوان الكتاب( ألا إلى اللَّه تصير الاُمور ) (١) قال : اعفني من ذلك قال : عزمت عليك لتفعلن قال : أفعل ، فخرج بالكتاب إلى أن قال فقال معاوية لشي‏ء ما سوّده قومه ، وددت و اللَّه أنّي من صلبه ثم التفت إلى بني اميّة فقال هكذا فلتكن الرجال(٢) .

و بالجملة لا ريب في أنّ هذا الكلام إنّما قالهعليه‌السلام إن ثبت صحّة نسبته إليهعليه‌السلام في خطيب من أعدائه من أصحاب الجمل كما عرفت ، كما لا ريب في أنّ الجاحظ إنّما قال بتقديم صعصعة في الخطب لضرب المثل به و لأنّهعليه‌السلام استنطقه و استكتبه دون أن يقول : إنّهعليه‌السلام قال ذلك الكلام فيه .

و ممّا يشهد لمسلّميّة مقام صعصعة في الخطابة ما في ( الطبري ) في قصة خروج المستورد الخارجي على المغيرة أيام امارته على الكوفة من قبل معاوية و تعيين المغيرة أوّلا معقل بن قيس من الشيعة لحربه قال مرّة بن منقذ فقال صعصعة بعد معقل و قال : إبعثني إليهم أيّها الأمير فأنا و اللَّه لدمائهم مستحل و بحملها مستقل فقال المغيرة : إجلس فإنّما أنت خطيب فكان أحفظه ذلك و إنّما قال المغيرة ذلك لأنّه بلغه أن صعصعة يعيب عثمان و يكثر ذكر عليعليه‌السلام و يفضّله و قد كان دعاه و قال له : إيّاك أن يبلغني عنك أنّك تعيب

____________________

( ١ ) الشورى : ٥٣ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٨ .

٥٥٢

عثمان عند أحد من الناس ، و إيّاك أن يبلغني عنك أنّك تظهر شيئا من فضل علي علانية ، فإنّك لست بذاكر من فضل عليّ شيئا أجهله بل أنا أعلم بذلك ، و لكن هذا السلطان قد ظهر و قد أخذنا بإظهار عيبه للناس فنحن ندع كثيرا ممّا أمرنا به و نذكر الشي‏ء الذي لا نجد بدا منه ندفع هؤلاء القوم عن أنفسنا تقيّة ، فإن كنت ذاكرا فضله فاذكره بينك و بين أصحابك و في منازلكم سرّا ، و أمّا علانية في المسجد فإنّ هذا لا يحتمله الخليفة لنا و لا يعذرنا فيه .

فكان صعصعة يقول : نعم افعل ، ثم يبلغه أنّه قد عاد إلى ما نهاه عنه ، فلمّا قام إليه و قال له : إبعثني إليهم ، و جد المغيرة قد حقد عليه خلافه إيّاه ، فقال له ما قال « إجلس ، فإنّما أنت خطيب » فقال له صعصعة : أو ما أنا إلاّ خطيب ، أجل و اللَّه أنا الخطيب الصليب الرئيس ، أما و اللَّه لو شهدتني تحت راية عبد القيس يوم الجمل حيث اختلف القنا فشؤن تفرى و هامة تختلى لعلمت أنّي أنا اللّيث الهزبر فقال له المغيرة : حسبك الآن ، لعمري لقد أوتيت لسانا فصيحا(١) .

و في ( ديوان معاني العسكري ) : تكلّم صعصعة عند معاوية بكلام أحسن فيه ، فحسده عمرو بن العاص فقال : هذا بالتمر أبصر منه بالكلام فقال صعصعة ، أجل أجوده ما دق نواه و رق سحاؤه و عظم لحاؤه و الريح تنفجه و الشمس تنضجه و البرد يدمجه ، و لكنك يابن العاص لا تمرا تصف و لا الخير تعرف بل تحسد فتقرف(٢) فقال معاوية لعمرو : رغما لك فقال عمرو :

و أضعاف الرغم لك و ما بي إلاّ بعض ما بك(٣) .

و في ( عقد ابن عبد ربه ) : قال عبد الملك في عبد القيس : أشد الناس

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٤ : ١٤٤ .

( ٢ ) أي تقذف .

( ٣ ) ديوان المعاني للعسكري ٢ : ٤١ .

٥٥٣

و أسخى الناس و أطوع الناس في قومه و أحلم الناس و أحضرهم جوابا و أخطب الناس ، أمّا أحضرهم جوابا فصعصعة .(١) .

و فيه دخل صعصعة على معاوية و ابن العاص جالس معه على سريره فقال له : وسع له على ترابيّة فيه فقال صعصعة : إني و اللَّه لترابي ، منه خلقت و إليه أعود و منه ابعث ، و إنّك لمارج من نار فقال له معاوية : إنّما أنت هاتف بلسانك لا تنظر في أود الكلام و استقامته ، فإن كنت تنظر في ذلك فأخبرني عن أفضل المال ، فقال : و اللَّه إنّي لأدع الكلام حتى يختمر في صدري ثم أذهب و لا أهتف به حتى أقيم أوده و اجيز متنه ، و ان أفضل المال لبرة سمراء في برية غبراء ، أو نعجة صفراء في نبعة خضراء ، أو عين فوّارة في أرض خوّارة فقال معاوية : للَّه أنت فأين الذهب و الفضة ؟ قال : حجران يصطكّان ، إن أقبلت عليهما نفدا و إن تركتهما لم يزيدا(٢) .

و في ( المروج ) : حبس معاوية صعصعة و ابن الكوّاء و رجالا من أصحاب عليعليه‌السلام مع رجال من قريش ، فدخل عليهم يوما فقال : نشدتكم باللَّه إلاّ ما قلتم حقّا و صدقا ، أيّ الخلفاء رأيتموني إلى أن قال فقال صعصعة :

تكلّمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت و لم تقصر عمّا أردت و ليس الأمر على ما ذكرت ، أنّى يكون خليفة من ملك الناس قهرا و دانهم كبرا و استولى بأسباب الباطل كذبا و مكرا ، أما و اللَّه مالك في يوم بدر مضرب و لا مرمى ، و ما كنت فيه إلاّ كما قال القائل « لا حلّي و لا سيري » ، و لقد كنت و أبوك في العير و النفير ممّن أجلب على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و إنّما أنت طليق ابن طليق أطلقكما الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٤ : ٣٦٧ ، أما أشد الناس فحكم بن جبل ، و أمّا أسخى الناس فعبد اللَّه بن سوار و أمّا أطوع الناس فالجارود بشر بن العلاء .

( ٢ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٥ : ١١٥ ( دار الكتب العلمية ) .

٥٥٤

و أنّى تصلح الخلافة لطليق(١) .

( و فيه ) قال معاوية يوما و عنده صعصعة و كان قدم عليه بكتاب عليعليه‌السلام و عنده وجوه الناس : الأرض للَّه و أنا خليفة اللَّه ، فما آخذ من مال اللَّه فهو لي و ما تركت منه كان جايزا لي فقال صعصعة :

تمنيّك نفسك ما لا يكون

جهلا معاوي لا تأثم

فقال معاوية : يا صعصعة تعلمت الكلام قال صعصعة : العلم بالتعلّم و من لا يعلم يجهل قال معاوية : ما أحوجك إلى أن اذيقك و بال أمرك قال : ليس ذلك بيدك ، ذاك بيد الذي لا يؤخّر نفسا إذا جاء أجلها قال : و من يحول بيني و بينك ؟ قال : الذي يحول بين المرء و قلبه قال معاوية : إتّسع بطنك للكلام كما اتّسع بطن البعير للشعير قال صعصعة : إتّسع بطن من لا يشبع و دعا عليه من لا يجمع(٢) .

( و فيه ) إن معاوية قال لابن عباس : ميّز لي أصحاب عليّعليه‌السلام و ابدأ بآل صوحان فإنّهم مخاريق الكلام قال : أمّا صعصعة فعظيم الشأن عضب اللّسان قائد فرسان قاتل أقران ، يرتق ما فتق و يفتق ما رتق قليل النظير(٣) .

و يكفيه أنّ مثل ابن عباس مع مقامه في الخطابة و الأدب كان يسأله عن أمور كثيرة و يجيبه ، فقال له : أنت يا ابن صوحان باقر علم العرب و لمّا سأله عن السؤدد و المروة فأجابه و أنشده أبياتا في ذلك من مرّة بن ذهل بن شيبان قال ابن عباس : لو أنّ رجلا ضرب آباط الإبل مشرقا و مغربا لفائدة هذه الأبيات ما عنّقته(٤) .

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٥٠ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٥٠ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٤٦ .

( ٤ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٤٦ .

٥٥٥

هذا و في ( بيان الجاحظ ) ذكر عليعليه‌السلام أكتل(١) فقال : « الصبيح الفصيح »(٢) .

و في ( الاستيعاب ) : أكتل من شماخ ، نسبه ابن الكلبي إلى عوف بن عبد مناة بن طابخة ، و قال : كان عليعليه‌السلام إذا نظر إليه قال : من أحبّ أن ينظر إلى الصبيح الفصيح فلينظر إلى أكتل بن شماخ(٣) .

قال المصنف ( يريد : الماهر بالخطبة الماضي فيها ، و كل ماض في كلام أو سير فهو شحشح ) قلت : أو في طيران فيقال قطاة شحشح أي سريع الطيران .

( و الشحشح في غير هذا الموضع البخيل الممسك ) .

قلت : و الفيروز آبادي ذكر للشحشح غير ما ذكر معاني اخر ، فقال :

الشحشح الفلاة الواسعة و السيّ‏ء الخلق و الشجاع و الغيور ، و من الغربان :

الكثير الصوت ، و من الأرض : ما لا تسيل إلاّ من مطر كثير و التي تسيل من أدنى مطر ضد ، و من الحمير : الخفيف ، و من القطا السريعة و الطويل(٤) .

٦٥ من غريب كلامه رقم ( ٣ ) و في حديثهعليه‌السلام :

إِنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَماً أقول : قال ابن أبي الحديد : هذه الكلمة قالهاعليه‌السلام حين وكّل عبد اللَّه بن

____________________

( ١ ) و هو أكتل بن شماخ بن زيد بن شداد العكلي ، شهد الجسر مع أبي عبيدة ، و أسر يومئذ و ضرب عنقه ، و شهد القادسية ، الإصابة في تمييز الصحابة ١ : ٤٨١ .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ١٧٢ .

( ٣ ) الاستيعاب لابن عبد البرّ ١ : ٤٣ ، الترجمة رقم ( ١٥٨ ) .

( ٤ ) القاموس المحيط للفيروز آبادي ١ : ٢٣٠ .

٥٥٦

جعفر في الخصومة عنه(١) .

و قال ابن ميثم : يروى أنّهعليه‌السلام وكّل أخاه في خصومة و قال : إن لها تقحّما و إنّ الشيطان يحضرها(٢) .

و في ( المستجاد ) دخل عمارة بن حمزة على المنصور فقعد في مجلسه ، فقام رجل فقال للمنصور : مظلوم قال : من ظلمك قال عمارة :

غصبني ضيعتي فقال المنصور : قم يا عمارة فاقعد مع خصمك فقال : ما هو لي بخصم قال : و كيف ذلك ؟ قال : ان كانت الضيعة له فلست انازعه و ان كانت لي فهي له ، و لا أقوم من مجلس قد شرّفني به الخليفة أمير المؤمنين و أقعد في أدنى منه بسبب ضيعة(٣) .

قال المصنف : ( يريد بالقحم المهالك لأنّها تقحم أصحابها في المهالك و المتالف في الأكثر ) في ( النهاية ) : اقتحم الأمر العظيم و تقحّمه ، إذا رمى نفسه فيه من غير رويّة ، و القحمة الورطة و الهلكه ، و منه حديث عليعليه‌السلام « ان للخصومة قحما »(٤) .

« و من ذلك قحمة الاعراب و هو ان تصيبهم السنة » أي : سنة القحط .

« فتتعرق أموالهم » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٥) و الصواب ما في ابن أبي الحديد(٦) و ابن ميثم(٧) ( فتتقرف أموالهم ) .

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ١٠٧ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٥ : ٣٧٢ .

( ٣ ) المستجاد للتنوخي : ١٩٣ ١٩٤ .

( ٤ ) النهاية لابن الأثير ١ : ١٨ .

( ٥ ) النسخة المصرية : ٧١٥ شرح محمّد عبده .

( ٦ ) في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٠٧ بلفظ « فتتفرق » .

( ٧ ) نسخة ابن ميثم المنقحة مطابقة للنسخة المصرية ٥ : ٣٧٢ .

٥٥٧

« فذلك تقحمها » أي : تقحّم السنة .

« فيهم » أي : في الاعراب .

« و قيل فيه » أي : في قول قحمة الاعراب .

« وجه آخر و هو أنّها تقحمهم » أي : تدخلهم .

« بلاد الريف » أي : الخصب .

« أي تحوجهم إلى دخول الحضر عند محول البدو » أي : قحط البادية .

قلت : و يشهد لكونه هو الوجه قولهم : « أقحمت السنة نابغة بني جعدة » أي : أخرجته من البادية و أدخلته الحضر .

٦٦ الحكمة ( ٢٩٨ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ بَالَغَ فِي اَلْخُصُومَةِ أَثِمَ وَ مَنْ قَصَّرَ فِيهَا ظُلِمَ وَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَّقِيَ اَللَّهَ مَنْ خَاصَمَ أقول : قال ابن أبي الحديد هذا مثل قولهعليه‌السلام في موضع آخر : « الغالب بالشرّ مغلوب »(١) و كان يقال : ما تسابّ اثنان إلاّ غلب ألامهما(٢) .

قلت : و أين ما ذكره ممّا قالهعليه‌السلام و إنّما كلامه هنا مثل قوله قبل : « إنّ للخصومة قحما » ، و كأنّ هذا تفصيل لإجمال ذاك ، و المراد بالخصومات التي ترفع إلى القضاة لا التسابّ الخارجي و يصير الرجل في خصومات القضاة موهونا اضافة إلى ما ذكره ، و لذا كان بعض الشرفاء يتركون حقّهم مع كون ادعائهم حقّا و يخسرون مع كون الادعاء باطلا حتى يخلصوا من الخصومة .

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ٢٠٤ ، و هو من الكلمات القصار .

( ٢ ) المصدر نفسه .

٥٥٨

٦٧ الحكمة ( ٢٦٥ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ كَلاَمَ اَلْحُكَمَاءِ إِذَا كَانَ صَوَاباً كَانَ دَوَاءً وَ إِذَا كَانَ خَطَأً كَانَ دَاءً أي : إن صواب كلامهم دواء لباقي الناس من أمراضهم الباطنية ، كما أنّ خطأ كلامهم يولّد فيهم أمراضا حادثة ، فإنّ عامة الناس ينظرون إلى القائل و ليسوا هم أهل التمييز .

و مثل قول الحكماء علم العلماء ، فإنّه إذا كان مقرونا بالعمل يكون دواء و إذا كان عاريا عنه كان داء(١) .

و في ( الكافي ) قال عيسىعليه‌السلام للحواريين : بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبّر ، و كذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل(٢) ، و قالت الحواريون لعيسىعليه‌السلام : من نجالس ؟ قال : من يذكّركم اللَّه رؤيته و يزيدكم في علمكم منطقه ، و يرغّبكم في الآخرة عمله(٣) .

و أوحى اللَّه تعالى إلى داودعليه‌السلام : لا تجعل بيني و بينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدّك عن طريق محبتي ، فإنّ اولئك قطّاع طريق عبادي المريدين ، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم(٤) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدّنيا باتّباع السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم(٥) .

____________________

( ١ ) ذكر ابن أبي الحديد في شرحه ١٩ : ٢٠٤ ما يشابه ذلك .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٣٧ ح ٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٣٩ ح ٣ و هو عن أبي عبد اللَّه عن الرسول صلّى اللَّه عليه و آله .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٤٦ ح ٤ .

( ٥ ) الكافي للكليني ١ : ٤٦ ح ١ .

٥٥٩

و عن الصادقعليه‌السلام : إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا(١) .

٦٨ الحكمة ( ٢٩٦ ) وَ قَالَ ع لِرَجُلٍ يَسْعَى

 عَلَى عَدُوٍّ لَهُ بِمَا فِيهِ إِضْرَارٌ بِنَفْسِهِ إِنَّمَا أَنْتَ كَالطَّاعِنِ نَفْسَهُ لِيَقْتُلَ رِدْفَهُ أقول : الظاهر أنّ الأصل في هذا الكلام ما رواه الطبري عن سيف باسناده : أنّ الناس كانوا في الوليد فرقتين : العامة معه و الخاصة عليه ، حتى كانت صفّين فولّى معاوية فجعلوا يقولون : عيب عثمان بالباطل ، فقال لهم علي : إنّكم و ما تعيّرون به عثمان كالطّاعن نفسه ليقتل ردفه ، و ما ذنب عثمان في رجل قد ضربه بقوله و عزله عن عمله ، و ما ذنب عثمان فيما صنع عن أمرنا(٢) .

و الخبر كما ترى محرّف لا يفهم منه محصل ، ثم جميع ما يرويه الطبري عن سيف أمور منكرة خلاف ما يرويه الخاصة و العامّة(٣) ، و منها هذا الخبر فإنّ ضرب عثمان الوليد بن عقبة أخاه الرضاعي لمّا شكا أهل الكوفة صلاته بهم سكران و صلاته بهم الصبح أربعا و تغنّيه في الصّلاة إنّما كان بإجبار أمير المؤمنينعليه‌السلام له ، و كيف يعقل أن يعيب أحد عثمان بضربه الحدّ حتى ينكرعليه‌السلام ذلك ، و إنّما عابوا عثمان بتوليته مثل الوليد و آبائه عن إجراء الحد عليه حتى أنّبهعليه‌السلام بتضييعه حد اللَّه ، و تصدّىعليه‌السلام لضربه رغما لعثمان

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٤٤ ح ٣ .

( ٢ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٢ : ٦١٢ .

( ٣ ) للسيد مرتضى العسكري بحث مطولة في هذا المضمار راجع كتابه « عبد اللَّه بن سبأ » .

٥٦٠

بتفصيل ذكره المسعودي و لعلّ العنوان كان كلامهعليه‌السلام في مقام آخر فأسلكه سيف في هذا كما هو دأبه ، كما أنّ المصنّف إذا رأى كلمة بليغة منسوبة إليهعليه‌السلام ينقلها و لا يراعي السند .

و كيف كان ، فمن شواهد العنوان ما في ( جمل المفيد ) أنّ ابن الزبير يوم الجمل تناول خطام جمل عائشة ، فبرز إليه الأشتر فخلّى الخطام من يده و أقبل نحوه و اصطرعا فسقطا إلى الأرض ، فجعل ابن الزبير يقول و قد أخذ الأشتر بعنقه و ينادي « اقتلوني و مالكا معي » ، قال الأشتر فما سرّني إلاّ قوله « مالك » و لو كان قال « الأشتر » لقتلوني ، فو اللَّه لقد تعجّبت من حمقه إذ ينادي بقتله و قتلي و ما كان ينفعه المشؤوم إن قتلت و قتل هو معي ، فأفرجت عنه و انهزم و به ضربة مثخنة في جانب وجهه(١) .

هذا ، و في ( الأغاني ) كان عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل من حمقى العرب ، قيل له : إن لكلّ فرس جواد اسما ، و إنّ فرسك هذا سابق جواد فسمّه ، ففقأ أحدى عينيه و قال : سمّيته « الأعور » .

( و فيه ) كان أسد بن يزيد بن مزيد الشيباني شبيها بأبيه جدّا بحيث لا يفصل بينهما إلاّ المتأمل ، و كان أكثر ما يباعد منه ضربة في وجه يزيد تأخذ من قصاص شعره و منحرفة على جبهته ، فكان أسد يتمنّى مثلها فهوت له ضربة في حرب أبيه من قبل الرشيد للوليد بن طريف الخارجي فأصابت في ذلك الموضع ، فيقال إنّه لو خطت على مثال ضربة أبيه ما عدا جاءت كأنّها هي(٢) .

____________________

( ١ ) الجمل للمفيد : ١٨٧ .

( ٢ ) الأغاني للأصفهاني ١٢ : ٩٥ .

٥٦١

٦٩ الحكمة ( ٣٠٥ ) و قالعليه‌السلام :

مَا زَنَى غَيُورٌ قَطُّ في الخبر : أخبر جبرئيل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ جعفر بن أبي طالب كان له خصال في الجاهلية شكرها اللَّه تعالى له ، و منها عدم زناه لغيرته كعدم شربه لعزّته و عدم كذبه لشرفه(١) .

هذا ، و في ( الطبري ) بنى الحجّاج واسطا سنة ( ١٨٥ )(٢) و كان سبب بنائه أنّه ضرب البعث على أهل الكوفة إلى خراسان ، فعسكروا بحمام عمر و كان فتى من بني أسد حديث عهد بعرس بابنة عمّ له ، فانصرف من العسكر إلى ابنة عمّه ليلا فطرق الباب طارق و دقّه دقّا شديدا ، فإذا سكران من أهل الشام فقالت المرأة لزوجها : لقد لقينا من هذا الشامي شرّا يفعل بنا كلّ ليلة ما ترى يريد المكروه و قد شكوته إلى مشيخة أصحابه فقال : إئذنوا له ، ففعلوا ، فأغلق الباب و أندر رأسه فلمّا اذن بالفجر خرج الرجل إلى العسكر و قال لامرأته إذا صليت الفجر بعثت إلى الشاميّين أن أخرجوا صاحبكم فسيأتون بك الحجّاج فأصدقيه الخبر على وجهه ، ففعلت و رفع القتيل إلى الحجّاج و ادخلت المرأة عليه فأخبرته ، فقال : صدقتني ثم قال لولاة الشامي : ادفنوا صاحبكم فإنه قتيل اللَّه إلى النار لا قود له و لا عقل ، ثم نادى مناديه : لا ينزلنّ أحد على أحد و أخرجوا ، و بعث روّادا يرتادون له منزلا حتى نزل في موضع واسط(٣) .

____________________

( ١ ) أمالي الصدوق ، المجلس ١٧ : ٧٠ ، و نقله المؤلف في كتابه قاموس الرجال ٢ : ٦٠٣ .

( ٢ ) وقع سهوا في العلاّمة فالسنة التي بني فيها واسط هي ( ٨٣ ) للهجرة .

( ٣ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٣ : ٦٤٩ .

٥٦٢

٧٠ الحكمة ( ٣٠٦ ) و قالعليه‌السلام :

كَفَى بِالْأَجَلِ حَارِساً فالناس كما لا يملكون حياة لا يملكون موتا :

أكان الجبان يرى أنّه

يدافع عنه الفرار الأجل

فقد يدرك الحادثات الجبان

و يسلم منها الشجاع البطل(١)

و في ( الكافي ) عن سعيد بن قيس الهمداني ، نظرت يوما في الحرب إلى رجل عليه ثوبان ، فحركت فرسي فإذا هو أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقلت : في مثل هذا الموضع ؟ فقال : نعم يا سعيد بن قيس إنه ليس من عبد إلاّ و له من اللَّه حافظ و واقية معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر ، فإذا نزل القضاء خلّيا بينه و بين كلّ شي‏ء(٢) .

و عن الصادقعليه‌السلام : كان قنبر يحبّ عليّاعليه‌السلام حبّا شديدا ، فإذا خرج عليّعليه‌السلام خرج على أثره بالسيف ، فرآه ذات ليلة فقال : مالك يا قنبر ؟ قال : جئت لأمشي خلفك قال : و يحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الأرض ؟ فقال :

بل من أهل الأرض قال : انّهم لا يستطيعون لي شيئا إلاّ بإذن اللَّه من السماء .

إرجع ، فرجع(٣) .

____________________

( ١ ) نسب المبرد البيتين في الكامل ٣ : ١١٧٣ ( طبع مصر ) لمعاوية بن أبي سفيان .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٥٩ ح ٨ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٥٩ ح ١٠ ، نقله المجلسي في بحار الأنوار ٧٠ : ١٥٨ رواية ١٥ .

٥٦٣

٧١ الحكمة ( ٣٢٦ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْعُمُرُ اَلَّذِي أَعْذَرَ اَللَّهُ فِيهِ إِلَى اِبْنِ آدَمَ سِتُّونَ سَنَةً في ( الطبري ) لمّا قتل الحسينعليه‌السلام و رجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة ، رأت الشيعة أنّها قد أخطأت خطأ كبيرا بدعائهم الحسينعليه‌السلام إلى النصرة و تركهم إجابته و مقتله إلى جانبهم لم ينصروه ، و رأوا أنّه لا يغسل عارهم و الإثم عنهم في مقتله إلاّ بقتل من قتله أو القتل فيه ففزعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة : سليمان بن صرد الخزاعي و كانت له صحبة و إلى المسيب بن نجبة الفزاري و كان من خيار أصحاب عليعليه‌السلام و إلى عبد اللَّه بن سعيد بن نفيل الأزدي و إلى عبد اللَّه بن والي التيمي و الى رفاعة بن شداد البجلي ، فاجتمعوا في منزل سليمان فبدأ المسيّب فقال : قد ابتلينا بطول العمر و التعرّض لأنواع الفتن( فنرغب إلى ربّنا أن لا يجعلنا ممّن يقول له غدا أَوَ لَم نُعمّركم ما يَتذكر فيه من تَذَكّر وَ جاءَكُم النذير ) (١) و ان أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : العمر الّذي أعذر اللَّه فيه إلى ابن آدم ستّون سنة .(٢) .

و في ( تاريخ بغداد ) : نظر العباس بن الفضل بن الربيع في المرآة فنظر إلى شيبة في لحيته فقال :

أهلا بواحدة للشيب وافدة

تنعى الشباب و تنهانا عن الغزل

جاءت لتنذرنا ترحال لذّتنا

عن الشباب و شيبا غير مرتحل

____________________

( ١ ) فاطر : ٣٧ .

( ٢ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٤ : ٤٢٦ .

٥٦٤

قد يعذر المرء ما دامت شبيبته

و ليس يعذر معذور كمكتهل(١)

و في ( شعراء ابن قتيبة ) قال الاقيشر :

إذا المرء أو فى الأربعين و لم يكن

له دون ما يأتي حياء و لا ستر

فدعه و لا تنفس عليه الذي أتى

و إن جرّ ارسان الحياة له الدهر(٢)

هذا ، و روى ( الخصال ) عن الصادقعليه‌السلام قال : إنّ العبد لفي فسحة من أمره ما بينه و بين أربعين سنة ، فإذا بلغه أوحى اللَّه تعالى إلى ملائكته إنّي قد عمّرت عبدي عمرا و قد طال ، فغلّظا و شدّدا و تحفّظا و اكتبا عليه قليل عمله و كثيره و صغيره و كبيره(٣) .

و قال الباقرعليه‌السلام : إذا أتت على العبد أربعون سنة قيل له : خذ حذرك فانّك غير معذور ، و ليس ابن أربعين أحق بالعذر من ابن عشرين سنة ، فإنّ الذي يطلبهما واحد و ليس عنهما براقد ، فاعمل لمّا أمامك من الهول ودع عنك فضول القول(٤) .

و في ( بديع ابن المعتزّ ) : كان رجل من أهل الأدب له أصحاب يشرب معهم و ينادمهم ، فدعوه فلم يجبهم فقالوا : ما منعك ؟ قال : دخلت البارحة في الأربعين و أنا أستحي من سنّي(٥) .

و روى أيضا عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى( أوَ لَم نُعمركم ما يَتذكر فيه من تَذكر ) (٦) إنّه توبيخ لابن ثماني عشرة سنة(٧) .

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٢ : ١٣٤ في ترجمة العباس بن الطفيل .

( ٢ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٣٤ .

( ٣ ) الخصال للصدوق ٢ : ٥٤٥ ح ٢٤ .

( ٤ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٣ : ٣٨٩ رواية ٧ .

( ٥ ) البديع لابن المعتز : ١٥ .

( ٦ ) فاطر : ٣٧ .

( ٧ ) بحار الأنوار للمجلسي ٨ : ٢٥٧ .

٥٦٥

هذا و في ( كتاب سيبويه ) عن الخليل سمع أعرابيا يقول : إذا بلغ الرجل الستين فإيّاه و إيا الشّواب بالجر(١) .

٧٢ الحكمة ( ٣٢٩ ) و قالعليه‌السلام :

اَلاِسْتِغْنَاءُ عَنِ اَلْعُذْرِ أَعَزُّ مِنَ اَلصِّدْقِ بِهِ أقول : « أعزّ » هنا من عزّ الشي‏ء إذا قلّ و لا يكاد يوجد فهو عزيز ، و حينئذ فالمراد أن الصدق في العذر و ان كان عزيزا قليل الوجود فقالوا : « المعاذير يشوبها الكذب » إلاّ أنّ جعل عمله بحيث لا يحتاج إلى عذر أعزّ و أقلّ وجودا من العذر الصادق ، و لو تيسّر للإنسان جعل عمله كذلك كان ممدوحا و مع العذر الصادق غير مذموم .

و قال ابن أبي الحديد : المعنى ، لا تفعل شيئا تعتذر منه أعزّ لك من أن تفعل ثم تعتذر و إن كنت صادقا و هو كما ترى ، فإنّهعليه‌السلام قال : الإستغناء أعزّ في نفسه لا أعزّ لك(٢) .

٧٣ الحكمة ( ٣٣١ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ اَلطَّاعَةَ غَنِيمَةَ اَلْأَكْيَاسِ عِنْدَ تَفْرِيطِ اَلْعَجَزَةِ قال تعالى :( و الّذين يؤتُون ما آتوا و قُلوبهم وَجِلةٌ أَنّهم إلى ربِّهم

_ ___________________

( ١ ) أبي بشير كتاب سيبويه ١ : ٢٧٩ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٤١ .

٥٦٦

 راجعُون اُولئكَ يُسارعونَ في الخَيراتِ وَ هُم لها سابِقُون ) (١) .( فاستبقوا الخيرات إلى اللَّه مرجِعُكم جميعاً فيُنَبِّئكم بما كُنتم فيه تختلفونَ ) (٢) ( سابقوا إلى مَغفِرةٍ مِن ربّكُم و جنّةٍ عرضها كعرض السَماءِ و الأرض ) (٣) ( و أقبَل بعضُهم على بعضٍ يتساءَلُون قالوا إِنّا كُنّا قبل في أَهلنا مُشفقينَ فمنَّ اللَّه علينا وَ وَقانا عذابَ السَّموم إِنّا كُنّا من قبلُ ندعوهُ إنّه هو البرُّ الرّحيم ) (٤) ( أَن تَقُولَ نَفسٌ يا حَسرتى على ما فَرَّطتُ في جَنبِ اللَّه و إِن كُنتُ لَمِنَ الساخِرينَ ) (٥) .

٧٤ الحكمة ( ٣٣٧ ) و قالعليه‌السلام :

اَلدَّاعِي بِلاَ عَمَلٍ كَالرَّامِي بِلاَ وَتَرٍ أقول : هو من حديث الاربعمائة ، و الوتر بالتحريك واحد أوتار القوس .

في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا(٦) .

و عنهعليه‌السلام : العلم يهتف بالعمل فإن أجابه و إلاّ ارتحل عنه(٧) .

____________________

( ١ ) المؤمنون : ٦٠ ٦١ .

( ٢ ) المائدة : ٤٨ .

( ٣ ) الحديد : ٢١ .

( ٤ ) الطور : ٢٥ ٢٨ .

( ٥ ) الزمر : ٥٦ .

( ٦ ) الكافي للكليني ١ : ٤٤ ح ٣ .

( ٧ ) بحار الأنوار للمجلسي ٢ : ٣٣ .

٥٦٧

٧٥ الحكمة ( ٣٤٥ ) و قالعليه‌السلام :

مِنَ اَلْعِصْمَةِ تَعَذُّرُ اَلْمَعَاصِي أقول : قال ابن أبي الحديد هذه الكلمة على صيغ مختلفة « من العصمة أن لا تقدر » « من العصمة ألاّ تجد »(١) .

و ليس المراد بالعصمة العصمة التي يذكرها المتكلّمون .

قلت : الظاهر أنّ المراد أنّ عدم تيسّر أسباب المعصية للإنسان قسم من عصمة اللَّه تعالى له .

٧٦ الحكمة ( ٣٤٩ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ نَظَرَ فِي عَيْبِ نَفْسِهِ اِشْتَغَلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرِهِ وَ مَنْ رَضِيَ بِرِزْقِ اَللَّهِ لَمْ يَحْزَنْ عَلَى مَا فَاتَهُ وَ مَنْ سَلَّ سَيْفَ اَلْبَغْيِ قُتِلَ به وَ مَنْ كَابَدَ اَلْأُمُورَ عَطِبَ وَ مَنِ اِقْتَحَمَ اَللُّجَجَ غَرِقَ وَ مَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ اَلسُّوءِ اُتُّهِمَ وَ مَنْ كَثُرَ كَلاَمُهُ كَثُرَ خَطَؤُهُ وَ مَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ وَ مَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ وَ مَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ وَ مَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ اَلنَّارَ وَ مَنْ نَظَرَ فِي عُيُوبِ اَلنَّاسِ فَأَنْكَرَهَا ثُمَّ رَضِيَهَا لِنَفْسِهِ فَذَلِكَ اَلْأَحْمَقُ بِعَيْنِهِ وَ اَلْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَ يَنْفَدُ وَ مَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ اَلْمَوْتِ رَضِيَ مِنَ اَلدُّنْيَا بِالْيَسِيرِ وَ مَنْ عَلِمَ أَنَّ كَلاَمَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلاَمُهُ إِلاَّ فِيمَا يَعْنِيهِ « من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره » و من اشتغل بعيب غيره

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٦٠ .

٥٦٨

لا بدّ أنّه نسي عيوب نفسه .

« و من رضي برزق اللَّه لم يحزن على ما فاته » لأنّه يعلم أنّ ما فاته لم يكن رزقه فلم هو يحزن .

« و من سل سيف البغي قتل به » قتل أبو مسلم أبا سلمة غيلة و قتل ستمائة ألف صبرا ، فقتل غيلة و صبرا فقال له المنصور وقت قتله :

زعمت أن الدّين لا ينقضي

فاستوف بالكيل أبا مجرم

إشرب بكأس كنت تسقي بها

أمرّ في الحلق من العلقم(١)

و في ( المروج ) : سخط المتوكل على محمد بن عبد الملك الزيّات بعد خلافته بأشهر و قبض أمواله و جميع ما كان له و قد كان ابن الزيّات في أيام وزارته للمعتصم و الواثق اتّخذ للمصادرين و المغضوب عليهم تنورا من الحديد رؤوس مساميره إلى داخل ، قائمة مثل رؤوس المسال أي الابر العظام فكان يعذّبهم فيه ، فأمر المتوكل بإدخاله في ذلك التنّور ، فكتب إلى المتوكل :

هي السبيل فمن يوم إلى يوم

كأنّه ما تريك العين في النوم

لا تجزعنّ رويدا إنّها دول

دنيا تنقّل من قوم إلى قوم

و وصلت الرقعة إليه في غد ، فأمر بإخراجه فوجده ميتا و كان حبسه في التنور أربعين يوما(٢) .

و في ( تفسير القمي ) : بعث بختنّصر إلى دانيال و كان ألقاه في بئر بابل و ألقى معه لبوة ، فكانت اللبوة تأكل طين البئر و يشرب دانيال لبنها ، و كان اري في منامه كأنّ رأسه من حديد و رجلاه من نحاس و صدره من ذهب ، فدعا

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٠٤ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ٨٨ .

٥٦٩

المنجّمين فقال لهم : ما رأيت ؟ قالوا ما ندري لكن قص علينا ما رأيت فقال : و أنا اجري عليكم الأرزاق منذ كذا و لا تدرون ما رأيت في المنام ، فأمر بهم فقتلوا ، فقال له بعض من كان عنده : ان كان عند أحد شي‏ء فعند صاحب الجبّ ، فان اللّبوة لم تتعرّض له تأكل الطين و ترضعه ، فبعث إليه فقال : ما رأيت في النوم ؟

قال : رأيت كأن رأسك من حديد و رجلك من نحاس و صدرك من ذهب ، قال :

هكذا رأيت فما ذاك ؟ قال : ذهب ملكك و أنت مقتول إلى ثلاثة أيام يقتلك رجل من ولد فارس فقال : إنّ عليّ سبع مدائن على باب كل مدينة حرس ، و وضعت بطة من نحاس على باب كلّ مدينة لا يدخل غريب إلاّ صاحت عليه حتى يؤخذ .

فقال : إنّ الأمر كما قلت لك فبث الخيل و قال لا تلقون أحدا من الخلق إلاّ قتلتموه كائنا من كان و قال لدانيال : لا تفارقني هذه الثلاثة فإن مضت و أنا سالم قتلتك ، فلمّا كان الثالث ممسيا أخذه الغمّ ، فخرج فتلقّاه غلام كان يخدم ابنا له من أهل فارس و هو لا يعلم أنّه من أهل فارس ، فدفع إليه سيفه و قال : لا تلق احدا من الخلق إلاّ قتلته و إن لقيتني فاقتلني ، فأخذ الغلام سيفه فضربه به فقتله(١) .

و في ( المروج ) قال البحتري : إجتمعنا ذات يوم مع الندماء في مجلس المتوكل ، فتذاكرنا أمر السيوف فقال بعض من حضر : بلغني أنّه وقع عند رجل من أهل البصرة سيف من الهند ليس له نظير ، فأمر المتوكل بالكتاب إلى عامل البصرة بشرائه بما بلغ ، فورد الجواب أنّ السيف اشتراه رجل من اليمن ، فأمر المتوكل بالبعث إلى اليمن يطلب السيف و ابتياعه فنفذت الكتب بذلك قال البحتري : فبينا نحن عند المتوكل إذ دخل عليه عبيد اللَّه و السيف معه و عرّفه أنّه ابتيع من صاحبه باليمن بعشرة آلاف درهم ، فسرّه بوجوده

____________________

( ١ ) تفسير القمي ١ : ٨٩ ٩٠ .

٥٧٠

و انتضاه فاستحسنه و تكلّم كلّ واحد منّا بما يجب و جعله تحت ثني فراشه ، فلمّا كان من الغداة قال للفتح : اطلب لي غلاما تثق بنجدته و شجاعته أدفع إليه هذا السيف ليكون واقفا به على رأسي لا يفارقني كلّ يوم ما دمت جالسا ، فلم يستتم الكلام حتى أقبل باغر التركي فقال له الفتح : هذا باغر التركي وصف لي بالشجاعة و البسالة و هو يصلح لمّا أردت فدعا به المتوكل و دفع إليه السيف و أمره بما أراد و تقدم ان يزاد في مرتبته و أن يضعف له الرزق .

قال البحتري : فو اللَّه ما انتضى ذلك السيف و لا خرج من غمده من الوقت الذي دفع إليه إلاّ في الليلة التي ضربه بذلك السيف إلى أن قال فسمعت صيحة المتوكل و قد ضربه باغر بالسيف الذي كان قد دفعه إليه على جانبه الأيمن فقده إلى خاصرته ، ثم ثنّاه على جانبه الأيسر ففعل مثل ذلك(١) .

و في ( المناقب ) : قال الحسينعليه‌السلام يوم الطف : اللّهم سلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبّرة لا يدع منهم أحدا إلاّ قتله قتلة بقتلة و ضربة بضربة ينتقم لي و لأوليائي و أهل بيتي و أشياعي منهم(٢) .

و في ( الطبري ) في وفاة المنتصر و هو ابن خمس و عشرين سنة قال بعضهم : كان المنتصر وجد حرارة فدعا بعض من كان يتطبّب له و أمره بفصده ففصده بمبضع مسموم فكان فيه منيته ، و الطبيب الذي فصده انصرف إلى منزله و قد وجد حرارة فدعا تلميذا له فأمره بفصده و وضع مباضعه بين يديه ليتخير أجودها و فيها المبضع المسموم الذي فصد به المنتصر و قد نسيه ، فلم يجد التلميذ فيها أجود من المبضع المسموم ففصد به استاذه و هو لا يعلم أمره فلمّا فصده به نظر إليه صاحبه فعلم أنّه هالك

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ١١٩ بتصرف في النقل .

( ٢ ) بحار الأنوار للمجلسي ٤٥ : ١٠ رواية ٣٧ .

٥٧١

فأوصى من ساعته و هلك من يومه(١) .

و في ( الطبري ) : كان نجاح بن سلمة على ديوان توقيع المتوكّل و تتبع عماله ، فكان العمال يتّقونه و ربّما نادمه المتوكّل ، و كان الحسن بن مخلد على ديوان الضياع و موسى بن عبد الملك على ديوان الخراج و كانا منقطعين إلى وزير المتوكل عبيد اللَّه بن يحيى بن خاقان فكتب نجاح إلى المتوكل : ان الحسن و موسى خانا و انه يستخرج منهما أربعين ألف ألف درهم ، فشاربه المتوكل تلك العشية و قال : بكّر الي حتى أدفعها إليك ، فغدا و قد رتب اصحابه و قال يا فلان خذ أنت الحسن و خذ يا فلان أنت موسى ، فغدا إلى المتوكل فلقي عبيد اللَّه الوزير و قد أمر أن يحجب عن المتوكل ، فقال له : يا أبا الفضل إنصرف حتى ننظر في هذا الأمر و أنا أشير عليك بأمر لك فيه صلاح قال : و ما هو ؟ قال :

اصلح بينك و بينهما و تكتب رقعة تذكر فيها أنّك كنت شاربا و أنّك تكلّمت بأشياء تحتاج إلى معاودة النظر فيها و أنا أصلح الأمر عند المتوكل ، فلم يزل يخدعه حتى كتب رقعة بما أمره به ، فأدخلها عبيد اللَّه على المتوكل و قال له : قد رجع نجاح عمّا قال البارحة و هذه رقعة موسى و الحسن يتقبّلان بنجاح بما كتبا فتأخذ ما ضمنا عنه ثم تعطف عليهما فتأخذ منهما قريبا ممّا ضمن نجاح لك عنهما .

فسرّ المتوكل و طمع في ما قال له عبيد اللَّه ، فقال إدفعه إليهما فانصرفا به و امرا بأخذ قلنسوته عن رأسه و كانت خزا فوجد البرد و وجّها إلى ابنيه أبي الفرج فاخذ و أبي محمد فهرب و اخذ كاتبه إسحاق القطربلي و اخذ ابن البواب المنقطع إليه فأقر نجاح و ابنه لهما بنحو من مائة و أربعين ألف دينار سوى قيمة قصورهما و فرشهما و مستغلاتهما بسامراء و بغداد ، و سوى

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٧ : ٤١٤ .

٥٧٢

ضياع لهما كثيرة ، فقبض ذلك كلّه و ضرب مرارا بالمقارع نحوا من مائتي مقرعة و غمز و خنق ، و قيل عصر خصيتاه حتى مات و ضرب ابنه و كاتبه و المنقطع إليه نحوا من خمسين خمسين فأقرّ بعضهم بخمسين ألف دينار و بعضهم بأقل ، و أخذ جميع ما في دار نجاح و دار ابنه ، و قبضت دورهما و ضياعهما حيث كانت و أخرجت عيالهما و أخذ بسببه قوم فحبسوا(١) .

هذا ، و في ( نوادر حد الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام في خبر أخذ محرم ثعلبا فجعل يقرب النار في وجهه و جعل الثعلب يصيح و يحدث من استه و جعل أصحابه ينهونه عمّا يصنع ثم أرسله بعد ذلك ، فبينما الرجل نائم إذ جاءته حية فدخلت في فيه فلم تدعه حتى جعل يحدث كما أحدث الثعلب ثم خلّت عنه(٢) .

« و من كابد الأمور » أي : قاسى شدائدها .

« عطب » بالكسر أي : هلك .

« و من اقتحم اللجج غرق » قال الجوهري : قحم في الأمر ، رمى بنفسه فيه من غير رويّة ، و اقتحم النهر ، دخله(٣) .

« و من دخل مداخل السوء اتّهم » و في الخبر : إتّقوا مواضع التّهم(٤) و في ( ١٥٩ ) « من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلو منّ إلاّ من أساء به الظن »(٥) .

« و من كثر كلامه كثر خطاؤه » قهرا .

« و من كثر خطاؤه قلّ حياؤه » اضطرارا .

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٧ : ٢٨٤ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٤ : ٣٩٧ ح ٦ كذلك وسائل الشيعة ٥ : ٨٤ من حديث زيد الشحام .

( ٣ ) الصحاح للجوهري ٥ : ٢٠٠٦ مادة ( قحم ) .

( ٤ ) نظيره في البحار ٧٥ : ٩٠ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام .

( ٥ ) بلفظ « وقف نفسه » بحار الأنوار للمجلسي ٧٠ : ٦٠ .

٥٧٣

« و من قلّ حياؤه قلّ ورعه » أيضا قهرا .

« و من قل ورعه مات قلبه » قال تعالى :( و ما أنتَ بمُسمع من في القُبُور ) (١) .

« و من مات قلبه دخل النار » كلامهعليه‌السلام من قوله « و من كثر كلامه » إلى هنا جزء خطبة الوسيلة المروية في تحف العقول(٢) ، كما انه قياس مركب منتج أنّ من كثر كلامه دخل النار .

« و من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه » و أغلب الناس كذلك ، فعاب عبد الملك بن مروان يزيد بن معاوية بهدم الكعبة و فعل هو مثل فعله و أكثر ، و وصف المنصور عبد الملك بكونه جبارا لغدره بالناس و قتله لهم و سمّى نفسه خليفة مع أنّه فعل مثل فعله(٣) .

« و القناعه مال لا ينفد » ذكره المصنف مستقلا في ( ٥٧ ) و في ( ٤٧٥ ) لكنّه إنّما في ( ابن أبي الحديد )(٤) و اما ( ابن ميثم )(٥) فليس فيه ، و صرّح بأن فقرات العنوان أربع عشرة .

« و من أكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير » فإنّ الحرص على الدنيا إنّما لطول الأمل و نسيان الموت .

« و من علم ان كلامه من عمله » لأنّه تعالى يقول :( ما يَلفظُ من قولٍ إلاّ

___________________

( ١ ) فاطر : ٢٢ .

( ٢ ) تحف العقول للحراني : ٦١ .

( ٣ ) ذكر ابن الأثير في الكامل ٤ : ٣٥٠ ، و كان عبد الملك ينكر ذلك أيّام يزيد من معاوية ثم أمر به فكان الناس يقولون خذل في دينه .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ٢٦٤ رقم ( ٣٥٥ ) النصان متصلان .

( ٥ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٥ : ٤١٢ ذكرهما مستقلين ، خلافا لمّا ذكره العلاّمة التستري .

٥٧٤

لديه رقيبٌ عتيد ) (١) .

« قلّ كلامه إلاّ فيما يعنيه » في الخبر ، مرّ أمير المؤمنينعليه‌السلام برجل يتكلّم بفضول الكلام ، فوقف عليه و قال له : يا هذا إنّك تملي على حافظيك كتابا إلى ربّك فتكلّم بما يعنيك(٢) .

و روي أيضا : أنّ آدم لمّا كثر ولده و ولد ولده كانوا يتحدّثون عنده و هو ساكت ، فقالوا : يا أبه مالك لا تتكلّم ؟ فقال : يا بنيّ إنّ اللَّه تعالى لمّا أخرجني من جواره عهد إليّ : أقلّ كلامك ترجع الى جواري(٣) .

و في ( تاريخ بغداد ) : سفيان الثوري عن ام صالح عن صفية بنت شيبة عن ام حبيبة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : كلّ كلام ابن آدم عليه إلاّ أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو الصلح بين الناس فقيل : ما أعجب هذا الحديث إمرأة عن امرأة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ما تعجب و هو في كتاب اللَّه تعالى ،( قال عزّ اسمه لا خيرَ في كثيرٍ من نجواهُم إِلاّ من أَمر بصَدَقةٍ أَو معرُوفٍ أَو إصلاحٍ بين النّاس ) (٤) و العصر إنّ الإنسانَ لَفي خسر إلاّ الَّذين آمنوا و عملوا الصالحاتِ و تواصوا بالحقّ و تواصوا بالصَّبر(٥) .

و في ( البيان ) قال رجل : صحبت الربيع بن خيثم سنتين فما كلّمني إلاّ كلمتين ، قال لي مرة « امك حيّة » و اخرى « كم في بني تميم من مسجد »(٦) .

____________________

( ١ ) ق : ١٨ .

( ٢ ) بحار الأنوار للمجلسي ٥ : ٣٢٧ رواية ٢١ و قد ذكر النصّ : يا هذا انك تملي على كاتبيك كتابا إلى ربك فتكلّم بما يعنيك و دع ما لا يعنيك .

( ٣ ) بحار الأنوار ١١ : ١٨ رواية ٣١ .

( ٤ ) النساء : ١١٤ .

( ٥ ) تاريخ بغداد ١٢ : ٣٢١ ، و ذكره البخاري في التاريخ الكبير ١ : ٢٦٢ و المغني للعراقي ١ : ٧٠ ، و الآيات ١ ٣ من سورة العصر .

( ٦ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ١٤٦ .

٥٧٥

هذا ، و كأنّه حصل خلط في الفقرات ، و الظاهر أن فقرة : « و من نظر في عيوب الناس » كانت بعد الأولى و فقرة : « و من أكثر من ذكر الموت » بعد « و من رضي » و فقرة « و من علم » بعد « دخل النار » كما لا يخفى .

٧٧ الحكمة ( ٣٥٠ ) و قالعليه‌السلام :

لِلظَّالِمِ مِنَ اَلرِّجَالِ ثَلاَثُ عَلاَمَاتٍ يَظْلِمُ مَنْ فَوْقَهُ بِالْمَعْصِيَةِ وَ مَنْ دُونَهُ بِالْغَلَبَةِ وَ يُظَاهِرُ اَلْقَوْمَ اَلظَّلَمَةَ أقول : و عن أبي جعفرعليه‌السلام : الظلم ثلاثة : ظلم لا يغفر و هو الشرك ، و ظلم يغفر و هو ظلم الرجل نفسه في ما بينه و بين اللَّه تعالى ، و ظلم لا يدعه و هو المداينة بين العباد(١) .

« و يظاهر القوم الظلمه » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام من أعان ظالما بظلم سلّط اللَّه عليه من يظلمه(٢) .

و عنهعليه‌السلام : العامل بالظلم و المعين له و الراضي به شركاء ثلاثتهم .

و رواه الخصال عن أمير المؤمنينعليه‌السلام (٣) .

____________________

( ١ ) أخرجه الكليني في حديث كعب بن طريف بلفظ مشابه الكافي ٢ : ٣٣١ ح ١ و يبدو ان زيادة و تقيصة حصلت عند نقل الحديث و اللَّه أعلم و الحديث هو : الظلم ثلاثة ، ظلم يغفره اللَّه و ظلم لا يغفره اللَّه ، و ظلم لا يدعه اللَّه ، فأما الظلم الّذي لا يغفره فالشرك و أما الظلم الّذي يغفره فظلم الرجل نفسه فيما بينه و بين اللَّه ، و أما الظلم الذي لا يدعه فالمداينه بين العباد .

( ٢ ) الحديث كما ورد في الكافي ٢ : ٢٣٢ عن عبد الأعلى مولى ال سام عن أبي عبد اللَّهعليه‌السلام : من ظلم سلط اللَّه عليه من يظلمه أو على عقب عقبه .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٣٣ ح ١٦ و أيضا بحار الأنوار للمجلسي ٩٢ : ١٧٢ و رواه الصدوق في الخصال ١ : ١٠٧ ح ٧٢ مع تبديل ( و المعين يه ) ب ( و المعين عليه ) .

٥٧٦

٧٨ الحكمة ( ٣٥٢ ) و قالعليه‌السلام لبعض أصحابه :

لاَ تَجْعَلَنَّ أَكْثَرَ شُغُلِكَ بِأَهْلِكَ وَ وَلَدِكَ فَإِنْ يَكُنْ أَهْلُكَ وَ وَلَدُكَ أَوْلِيَاءَ اَللَّهِ فَإِنَّ اَللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَوْلِيَاءَهُ وَ إِنْ يَكُونُوا أَعْدَاءَ اَللَّهِ فَمَا هَمُّكَ وَ شُغُلُكَ بِأَعْدَاءِ اَللَّهِ و من يتَّق اللَّه يَجعَل له مخرَجاً( و يَرزقهُ من حَيث لا يَحتسب ) (١) ( ألا إِنَّ أولياء اللَّه لا خوفٌ عليهم و لا هُم يَحزنون الَّذِينَ آمنوا و كانوا يتّقون لهم البشرى في الحياة الدُّنيا و في الآخرة لا تبديل لكلمات اللَّه ذلكَ هو الفوز العظيم ) (٢) .

« و إن يكونوا أعداء اللَّه فما همّك و شغلك بأعداء اللَّه »( و يومَ يحشر أعداءُ اللَّه إلى النار فهُم يوزَعُون حتى إذا ما جاءوها شَهد عليهم سَمعهُم و أبصارُهم و جلودهم بما كانوا يَعملون ) (٣) الآيات( ذلك جَزاءُ أعداء اللَّه النارُ لهُم فيها دارُ الخُلدِ جَزاءً بما كانُوا بآياتنا يجحدون ) (٤) .

و روى ( الروضة ) أنّ مولى لأمير المؤمنينعليه‌السلام سأله مالا فقالعليه‌السلام يخرج عطائي فأقاسمكه ، فقال : لا أكتفي و خرج إلى معاوية فوصله فكتبعليه‌السلام إليه : أمّا بعد ، فإنّ ما في يدك من المال قد كان له أهل قبلك و هو صائر إلى أهل بعدك ، و انما لك منه ما مهدت لنفسك ، فآثر نفسك على صلاح ولدك ، فإنّما أنت صانع لأحد الرجلين إمّا رجل عمل فيه بطاعة اللَّه فسعد بما شقيت ، و إمّا رجل

____________________

( ١ ) الطلاق : ٢ ٣ .

( ٢ ) يونس : ٦٢ ٦٤ .

( ٣ ) فصلت : ١٩ ٢٠ .

( ٤ ) فصلت : ٢٨ .

٥٧٧

عمل فيه بمعصية اللَّه فشقي بما جمعت له ، و ليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره على نفسك ، و ارج لمن مضى رحمة اللَّه و لمن بقي رزق اللَّه(١) .

و في ( البيان ) : باع عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود أرضا بثمانين ألفا ، فقيل له : لو اتخذت من هذا المال لولدك ذخرا فقال : إنّما أجعل هذا المال ذخرا لي عند اللَّه تعالى و أجعل اللَّه تعالى ذخرا لولدي(٢) .

٧٩ الحكمة ( ٣٥٣ ) و قالعليه‌السلام :

أَكْبَرُ اَلْعَيْبِ أَنْ تَعِيبَ مَا فِيكَ مِثْلُهُ أقول : هو نظير قولهعليه‌السلام المتقدم في ( ٧٦ ) « من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه » .

و في ( كامل المبرد ) كان أبو الهندي قد غلب عليه الشراب على كرم منصبه و شرف اسرته حتى كاد يبطله و كان عجيب الجواب ، جلس إليه رجل مرة يعرف ببرزين المناقير و كان أبوه صلب في خرابة و الخرابة عندهم سرق الابل خاصة فأقبل يعرض لأبي الهندي بالشراب ، فلمّا أكثر عليه قال له أبو الهندي : أحدهم يرى القذاة في عين أخيه و لا يرى الجذع في است أبيه(٣) .

و قال أبو البحتري العنبري :

يمنعني من عيب غيري الذي

اعرفه عندي من العيب

عيبي لهم بالظن منّي لهم

و لست من عيبي في ريب

____________________

( ١ ) الروضة من الكافي للكليني : ٧٢ ح ٢٨ .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ٣ : ١٤٦ .

( ٣ ) الكامل في الأدب للمبرد ٢ : ٧٥٤ ( الطبعة المصرية ) .

٥٧٨

إن كان عيبي غاب عنهم فقد

أحصى ذنوبي عالم الغيب

عيبي الأول في البيت الثاني مصدر و الثاني في الثالث اسم مصدر كالعيب في كلامهعليه‌السلام .

٨٠ الحكمة ( ٣٥٥ ) وَ بَنَى رَجُلٌ مِنْ عُمَّالِهِ

 بِنَاءً فَخْماً فَقَالَ ع أَطْلَعَتِ اَلْوَرِقُ رُءُوسَهَا إِنَّ اَلْبِنَاءَ يَصِفُ لَكَ اَلْغِنَى هكذا في ( الطبعة المصرية )(١) و الصواب : ( ليصف ) كما في ابن أبي الحديد(٢) و ابن ميثم(٣) و النسخة الخطية(٤) « لك الغنى » كما أنّه يصف الباني .

في ( الطبري ) خط خالد بن برمك مدينة المنصور له و أشار بها عليه ، فلمّا احتاج إلى الأنقاض قال له : ما ترى في نقض بناء مدينة إيوان كسرى بالمدائن و حمل نقضه إلى مدينتي هذه ؟ قال : لا أرى ذلك قال : و لم ؟ قال : لأنّه علم من أعلام الإسلام يستدل بها الناظر إليه على أنّه لم يكن ليزال مثل أصحابه عنه بأمر دنيا و انّما هو أمر دين ، و مع هذا فان فيه مصلّى لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام قال : هيهات يا خالد أبيت إلاّ الميل إلى أصحابك العجم ، و أمر أن ينقض القصر الأبيض ، فنقضت ناحية منه و حمل نقضه فنظر في مقدار ما يلزمهم للنقض و الحمل فوجدوا ذلك أكثر من ثمن الجديد لو عمل ، فرفع ذلك إلى المنصور فدعا بخالد و قال له : ما ترى ؟ قال : كنت أرى قبل ان لا تفعل ، فأما إذ فعلت فإنّي أرى الآن أن تهدم حتى تلحق بقواعده لئلاّ يقال : إنّك قد عجزت

____________________

( ١ ) النسخة المصرية ورد النصّ « يصف له الغنى » انظر : ٧٣٩ رقم ( ٣٥٤ ) .

( ٢ ) في نسخة ابن أبي الحديد المحققة ١٩ : ٢٧١ أيضا « يصف لك الغنى » .

( ٣ ) في نسخة ابن ميثم المحققة ٥ : ٤١٦ ورد بلفظ يصف لك الغنى .

( ٤ ) سقط النصّ في النسخة الخطية ( المرعشي ) .

٥٧٩

عن هدمه فأعرض المنصور عن ذلك و أمر أن لا يهدم .

قال موسى بن داود المهندس : حدّثني المأمون بهذا الحديث و قال لي :

إذا بنيت بناء فاجعله ما يعجز عن هدمه ليبقى طلله و رسمه(١) .

هذا ، و في ( الجهشياري ) حكّي أنّ جعفر البرمكي لمّا عزم على الانتقال إلى قصره المعروف بقصر جعفر جمع المنجّمين لاختيار وقت ، فاختاروا له وقتا من الليل ، فخرج إليه و الطرق خالية و الناس ساكنون ، فلمّا سار إلى سوق يحيى رأى رجلا قائما و هو يقول :

يدبّر(٢) بالنّجوم و ليس يدري

و ربّ النجم يفعل ما يريد

فاستوحش و قال : ما أردت ؟ قال : شي‏ء جاء على لساني ، فمضى و قد تنغّص عليه(٣) .

و في الخبر : من جمع مالا من حرام سلّط اللَّه عليه الماء و الطين(٤) .

٨١ الحكمة ( ٣٥٨ ) و قالعليه‌السلام :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ لِيَرَكُمُ اَللَّهُ مِنَ اَلنِّعْمَةِ وَجِلِينَ كَمَا يَرَاكُمْ مِنَ اَلنِّقْمَةِ فَرِقِينَ إِنَّهُ مَنْ وُسِّعَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ يَدِهِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ اِسْتِدْرَاجاً فَقَدْ أَمِنَ مَخُوفاً وَ مَنْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ يَدِهِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ اِخْتِبَاراً فَقَدْ ضَيَّعَ مَأْمُولاً أقول : رواه ( التحف ) و زاد قبله : « أيّها الناس إنّ للَّه في كلّ نعمة حقّا ، فمن

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٦ : ٢٦٤ .

( ٢ ) نسخة التحقيق : تدبّر .

( ٣ ) الجهشياري : ٢١٧ .

( ٤ ) الحديث قال أبي عبد اللَّهعليه‌السلام : من كسب مالا من غير حلّه سلّط اللَّه عليه البناء و الماء و الطين الكافي للكليني ٦ :

٥٣١ رقم ١٢١ .

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639