بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247406 / تحميل: 8636
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

منقصة في الطبيعة المأمور بها لاجل تشخصها في هذا القسم بمشخص غير ملائم لها كما في الصلاة في الحمام فان تشخصها بتشخص وقوعها فيه لا يناسب كونها معراجا وان لم يكن نفس الكون في الحمام في الصلاة بمكروه ولا حزازة فيه اصلا بل كان راجحا كما لا يخفى وربما يحصل لها لاجل تخصصها بخصوصية شديدة الملائمة معها مزية فيها كما في الصلاة في المسجد والامكنة الشريفة، وذلك لان الطبيعة المأمور بها في حد نفسها إذا كانت مع تشخص لا يكون له شدة الملائمة ولا عدم الملائمة لها مقدار من المصلحة والمزية كالصلاة في الدار مثلا وتزداد تلك المزية فيما كان تشخصها بما له شدة الملائمة وتنقص فيما إذا لم تكن له ملائمة ولذلك ينقص ثوابها تارة ويزيد أخرى ويكون النهي فيه لحدوث نقصان في مزيتها فيه

______________________________

(قوله: منقصة في الطبيعة) يعني نقصا في وفاء الطبيعة المأمور بها بالمرتبة الخاصة من المصلحة التي تفي بها لو لم تكن متشخصة بذلك المشخص ولا بد من أن يكون المقدار الفائت مما لا يجب تداركه وإلا كان النهي تحريميا لو لم يمكن تداركه. أولا يصح النهي أصلا لو أمكن تداركه بل يكون المكلف مخيرا بين فعل الفرد المذكور مع التدارك وبين فعل غيره من الافراد، ومن أن يكون المقدار الباقي الذي يحصله الفرد ملزما وإلا كان مستحبا لا فردا للواجب (قوله: وربما يحصل) شروع في دفع اشكال اجتماع الوجوب والاستحباب في العبادات المستحبة (قوله: ولذلك ينقص) قد تقدم ان الثواب والعقاب بمراتبهما ليسا تابعين لمراتب المصلحة والمفسدة بل هما تابعان لمراتب الانقياد والتجري نعم مراتب التجري تختلف باختلاف مراتب الاهتمام المختلفة باختلاف مراتب المصلحة والمفسدة وأما مراتب الانقياد فتختلف باختلاف مراتب المشقة فزيادة العقاب تدل على تأكد المصلحة الفائتة والمفسدة المرتكبة وأما زيادة الثواب فلا تدل عليه نعم الوعد بزيادة الثواب يدل على مزيد الاهتمام الناشئ عن زيادة المصلحة (ومنه) يظهر أنه لا يصح نقص الثواب عن مقدار الاستحقاق الا ان يكون المراد النقص عن المرتبة

٣٨١

إرشادا إلى ما لا نقصان فيه من سائر الافراد ويكون أكثر ثوابا منه وليكن هذا مراد من قال: إن الكراهة في العبادة بمعنى أنها تكون أقل ثوابا، ولا يرد عليه بلزوم اتصاف العبادة التي تكون أقل ثوابا من الاخرى بالكراهة ولزوم اتصاف ما لا مزية فيه ولا منقصة بالاستحباب لانه أكثر ثوابا مما فيه المنقصة، لما عرفت من أن المراد من كونه أقل ثوابا إنما هو بقياسه إلى نفس الطبيعة المتشخصة بما لا يحدث معه مزية لها ولا منقصة من المشخصات، وكذا كونه أكثر ثوابا. ولا يخفى أن النهي في هذا القسم لا يصح الا للارشاد بخلاف القسم الاول فانه يكون فيه مولويا وان كان حمله على الارشاد بمكان من الامكان

______________________________

الموعود بها لا المستحقة (قوله: ارشادا إلى مالا) بل ارشادا إلى المنقصة في متعلقه فيوجب ذلك بعثا إلى مالا نقصان فيه وكانه المراد كما تقدم نظيره (قوله: بلزوم اتصاف) هذا يرد لو كان المراد أقل ثوابا من بعض الافراد مطلقا وكذا لزوم اتصاف... الخ، فانه يرد لو كان المراد من الاستحباب أكثرية الثواب بالنسبة إلى بعض الافراد مطلقا (قوله: في هذا القسم) يعني بالنسبة إلى التوجيه المختص به لا بالنظر إلى توجيهه بما مر في القسم الاول فانه لا يتعين فيه ذلك (قوله: إلا للارشاد) لان كونه مولويا ولو تنزيهيا كراهتيا يتوقف على ثبوت مفسدة في متعلقه أو مصلحة في نقيضه مزاحمة لمصلحته والمفروض انه ليس كذلك إذ كان متعلقه ذا مصلحة وليس في نقيضه مصلحة كما في القسم الاول إلا ان يقال: إن ترك العبادة وإن لم يكن ملازما لعنوان ذي مصلحة أو متحدا معه إلا أن فعلها ملازم لفوات مقدار من المصلحة وحيث أن فوات ذلك المقدار مبغوض حقيقة كان ملازمه مبغوضا عرضا فيصح النهي عنه بالعرض والمجاز. نعم لو لم يكن فعل الفرد ملازما لفوات ذلك المقدار لامكان تداركه ولو بالاعادة في فرد آخرتم ما ذكر ثم إنك عرفت في القسم الاول إمكان أن يكون النهي لمفسدة في ملازمه ويمكن ذلك أيضا في هذا القسم لكن لازمه خروج الفرد عن كونه

٣٨٢

(وأما القسم الثالث) فيمكن ان يكون النهى فيه عن العبادة المتحدة مع ذاك العنوان أو الملازمة له بالعرض والمجاز وكان المنهي عنه به حقيقة ذاك العنوان ويمكن أن يكون على الحقيقة ارشادا إلى غيرها من سائر الافراد مما لا يكون متحدا معه أو ملازما له إذ المفروض التمكن من استيفاء مزية العبادة بلا ابتلاء بحزازة ذاك العنوان اصلا. هذا على القول بجواز الاجتماع، وأما على الامتناع فكذلك في صورة الملازمة، وأما في صورة الاتحاد وترجيح جانب الامر - كما هو المفروض -

______________________________

واجبا لما عرفت من أنه لا مزاحمة بين المقتضي التعييني والمقتضي التخييري فان الاول يؤثر ولو كان استحبابيا والثاني يسقط ولو كان وجوبيا إذ لا تزاحم حقيقة بينهما لامكان الجمع بينهما بفعل غير المكروه من الافراد فيثبت النهي عن الملازم وتخرج العبادة عن كونها فردا للمأمور به بما هو كذلك نعم يكون التقرب بملاك الامر كما تقدم والله سبحانه اعلم (قوله: فيمكن أن يكون) يعني بعد ما كان المبغوض حقيقة هو العنوان المتحد مع العبادة فتعلق النهي بنفس العبادة يمكن أن يكون عرضيا بالمعنى المتقدم ويكون مولويا ويمكن ان يكون حقيقا ويكون إرشاديا إلى ثبوت مفسدة في العنوان المتحد مع العبادة أو الملازم لها لكن عرفت أن الحقيقي - ولو كان إرشاديا - ما يدل على ثبوت مفسدة في متعلقه لا في غيره ولو كان متحدا معه، فلو حمل النهي على الارشاد كان عرضيا أيضا، ومنه يظهر تعين جعله مولويا عرضيا لا ارشاديا كذلك لان الاول أوفق بظاهر النهي نعم لو كان حمله على الارشاد يقتضي كونه حقيقيا دار الامر بين كل من التصرفين ولا معين لاحدهما (قوله: ارشادا إلى) قد تقدم مثل هذا التعبير المبني على المسامحة وسيأتي أيضا (قوله: مما لا يكون) بيان للافراد يعني الافراد التي لا تتحد مع العنوان المنهي عنه حقيقة ولا تلازمه (قوله: هذا على القول) يعني هذا الذي ذكرناه من أن العبادة بنفسها مأمور بها وأن العنوان المتحد معها أو الملازم لها هو المنهي عنه حقيقة يتم على الاجتماع إذ مبنى الاجتماع عدم التنافي

٣٨٣

حيث أنه صحة العبادة فيكون حال النهي فيه حاله في القسم الثاني فيحمل على ما حمل عليه فيه طابق النعل بالنعل حيث أنه بالدقة يرجع إليه، إذ على الامتناع ليس الاتحاد مع العنوان الآخر إلا من مخصصاته ومشخصاته التي تختلف الطبيعة المأمور بها في المزية زيادة ونقيصة بحسب اختلافها في الملائمة كما عرفت وقد انقدح بما ذكرناه أنه لا مجال أصلا لتفسير الكراهة في العبادة باقلية الثواب في القسم الاول مطلقا وفي هذا القسم على القول بالجواز،

______________________________

بين الامر والنهي بعنوانين ويتم ايضا على الامتناع إذا كان العنوان ملازما للعبادة لا متحدا معها لان القول بالامتناع يختص بصورة اتحاد العنوانين ولا يجري في صورة تلازمهما غاية الامر أن امتناع اختلاف المتلازمين في الحكم يؤدي إلى امتناع فعليتهما معا لكن يصح الاتيان بالعبادة حينئذ ولو لملاك الامر كما تقدم في الضد وكذا يتم أيضا على الامتناع وترجيح جانب الامر في صورة الاتحاد فتصح العبادة للامر بها فعلا (قوله: حيث انه صحة) ضمير (أن) راجع إلى المفروض يعني حيث أن المفروض صحة العبادة فهو ملازم لتقديم جانب الامر إذ مع تقديم النهي لا مجال للصحة كما تقدم (قوله: فيكون حال النهي) يعني حيث كان المفروض صحة العبادة الملازم لتعلق الامر الفعلي بها على الامتناع فالنهي المتعلق بها يمتنع أن يكون مولويا لمنافاته لصحتها فيحمل على الارشاد إلى نقص في مصلحتها من جهة اقترانها بالخصوصية الخاصة كما تقدم في القسم الثاني (قوله: إذ على الامتناع) هذا التخصيص غير ظاهر (قوله: في القسم الاول) إذ لا قصور في مصلحة العبادة ليقل ثوابها ومنه يظهر عدم صحة التفسير المذكور في القسم الثاني أيضا بناء على توجيهه بما في القسم الاول (قوله: على القول بالجواز) فانه أيضا لا قصور في المصلحة وكذا على القول بالامتناع في صورة الملازمة. نعم على الامتناع والاتحاد لابد من الالتزام بنقص المصلحة كما ذكر فتكون أقل ثوابا بناء على ما تقدم منه من تبعية كمية الثواب لكمية المصلحة

٣٨٤

كما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فيها وان الامر الاستحبابي يكون على نحو الارشاد إلى أفضل الافراد مطلقا على نحو الحقيقة، ومولويا اقتضائيا كذلك، وفعليا بالعرض والمجاز فيما كان ملاكه ملازمتها لما هو مستحب أو متحد معه على القول بالجواز (ولا يخفى) أنه لا يكاد يأتي القسم الاول ههنا فان انطباق عنوان راجح على الفعل الواجب الذي لا بدل له إنما يؤكد ايجابه لا أنه يوجب استحبابه أصلا ولو بالعرض والمجاز

______________________________

(قوله: كما انقدح حال) العبادة المستحبة (تارة) تكون أكثر مصلحة لتشخصها بما له دخل في ذلك (وأخرى) ينطبق عليها عنوان ذو مصلحة ويتحد معها (وثالثة) يلازمها عنوان كذلك ولا ريب في امكان كون الامر في الجميع إرشاديا حقيقيا كما في الاولى وعرضيا كما في الاخيرتين وأما كونه مولويا فهو ممتنع في الاولى للزوم اجتماع الاستحباب والوجوب في شئ واحد بعنوان واحد وكذا في الثانية - بناء على الامتناع - أما على الجواز فلا ضير فيه لانه بعنوانين ويكون تعلقه بالعبادة عرضيا، وفى الثالثة يجوز لو جاز اختلاف المتلازمين في الحكم ويكون تعلقه بالعبادة عرضيا أيضا ويمتنع لو امتنع. نعم لا بأس بتعلق الارادة الاستحبابية به فتتأكد مع الوجوبية في الاولى وفى الثانية على القول بالامتناع لاتحاد المتعلق حينئذ ولا كذلك على الجواز لتعدده فلا مجال للتأكد كالثالثة (قوله: مطلقا على) الاطلاق في قبال التقييد الآتي ذكره في المولوي الفعلي فيعم جميع الصور التي أشرنا إليها (قوله: على نحو الحقيقة) قد عرفت الاشكال فيه في الاخيرتين (قوله: كذلك) يعني مطلقا على نحو الحقيقة وعرفت أيضا التأمل فيه (قوله: فيما كان ملاكه) يعني في مورد كان ملاك الامر الاستحبابي ملازمة العبادة لعنوان مستحب (قوله: على القول بالجواز) قيد للمتحد إذ على الامتناع تمتنع فعلية الاستحباب مع فعلية الوجوب لتضادهما وعرفت الامتناع في الملازم أيضا (قوله: يؤكد إيجابه)

٣٨٥

إلا على القول بالجواز، وكذا فيما إذا لازم مثل هذا العنوان فانه لو لم يؤكد الايجاب لما يصحح الاستحباب الا اقتضائيا بالعرض والمجاز فتفطن (ومنها) أن أهل العرف يعدون من أتى بالمأمور به في ضمن الفرد المحرم مطيعا وعاصيا من وجهين فإذا امر المولى عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان خاص كما مثل به الحاجبي والعضدي فلو خاطه في ذاك المكان عد مطيعا لامر الخياطة وعاصيا للنهي عن الكون في ذلك المكان (وفيه) - مضافا إلى المناقشة في المثال بأنه ليس من باب الاجتماع ضرورة أن الكون المنهي عنه غير متحد مع الخياطة

______________________________

يعني يكون حينئذ واجبا وجوبا أكيدا ناشئا عن مصلحة اكيدة ولا يكون مستحبا لا فعليا ولا اقتضائيا كما هو الحال في سائر موارد الوجوب الاكيد بخلاف القسمين الاخيرين فان العبادة المستحبة لما كان لها بدل غير مستحب صح ان يقال: انها واجبة ومستحبة، ولو كان الاستحباب اقتضائيا لا فعليا (أقول): لا فرق بين ما له بدل وما لا بدل له لان المصلحة القائمة بالعنوان إذا كان يجوز الترخيص في تركها حيث لم تكن لزومية فضمها إلى المصلحة اللزومية لا يوجب تأكد الوجوب فيكون في الموضوع وجوب فعلى واستحباب اقتضائي نعم يوجب تأكد الارادة وليست هي الوجوب ولا منتزع منها - مع أنه لو أوجبت تأكد الوجوب اقتضت ذلك حتى فيما له بدل لعدم الفرق فتكون العبادة المتحدة مع العنوان واجبة وجوبا أكيدا والبدل واجبا وجوبا غير أكيد (فالتحقيق) مجئ الاقسام الثلاثة بلا فرق بين العبادة المكروهة والمستحبة (قوله: إلا على القول) إذ على هذا القول يكون موضوع المصلحة الوجوبية غير موضوع المصلحة الاستحبابية فيمتنع تأكد الوجوب لتعدد الموضوع وكذا في صورة تلازم العنوان المستحب فانه أيضا يمتنع التأكد وحينئذ يثبت وجوب لموضوع المصلحة الزومية واستحباب لموضوع المصلحة الاستحبابية لكن الاستحباب لا يكون فعليا لامتناع اختلاف المتلازمين في الحكم بل يكون اقتضائيا لا غير (قوله: إلا اقتضائيا) وكذا في المتحد على القول بالجواز (قوله: غير متحد مع الخياطة) إذ الخياطة صفة

٣٨٦

وجودا اصلا كما لا يخفى (المنع) إلا عن صدق احدهما إما الاطاعة بمعنى الامتثال فيما غلب جانب الامر أو العصيان فيما غلب جانب النهي لما عرفت من البرهان على الامتناع (نعم) لا بأس بصدق الاطاعة بمعنى حصول الغرض والعصيان في التوصليات وأما في العبادات فلا يكاد يحصل الغرض منها إلا فيما صدر من المكلف فعلا غير محرم وغير مبغوض عليه كما تقدم (بقي) الكلام في حال التفصيل من بعض الاعلام والقول بالجواز عقلا والامتناع عرفا (وفيه) أنه لا سبيل للعرف في الحكم بالجواز أو الامتناع إلا طريق العقل فلا معنى لهذا التفصيل إلا ما اشرنا إليه من النظر المسامحي غير المبتنى على التدقيق والتحقيق وأنت خبير بعدم العبرة به بعد الاطلاع على خلافه بالنظر الدقيق وقد عرفت فيما تقدم أن النزاع ليس في خصوص مدلول صيغة الامر والنهي بل في الاعم فلا مجال لان يتوهم أن العرف هو المحكم في تعيين المداليل ولعله كان بين مدلوليهما حسب تعيينه تناف لا يجتمعان في واحد ولو

______________________________

قائمة بالثوب فكيف تكون متحدة مع الكون القائم بالمكلف إلا أن يراد من الخياطة حركة اليد المؤدية إليها ومن الكون في المكان ما يعم الحركة فيه (قوله: المنع إلا عن) يعني نمنع صدق الاطاعة والمعصية معا بل تصدق إحداهما لا غير (قوله: من بعض الاعلام) هو السيد الطباطبائي (ره) وربما استظهر من السلطان والمحقق القمي (ره) في بعض كلماته ونسب إلى الاردبيلي (قوله: إلا طريق) إذ الجواز والامتناع من أحكام العقل (قوله: بل في الاعم) يعني الاعم مما كان مدلولا عليه بالصيغة اللفظية أو بغيرها من أنواع الدال (اقول): عموم الدال لا ينفع بعد اتحاد المدلول فإذا بني على الامتناع في مدلول الصيغة لابد أن يبنى على الامتناع في غيره لان الامتناع من ذاتيات المدلول لا لخصوصية الدال فتأمل جيدا (قوله: المداليل) يعني اللفظية (قوله: ولعله كان) هذا من تتمة التوهم (قوله: حسب تعيينه) يعني تعيين العرف والله سبحانه ولي التوفيق وله الحمد فانه به حقيق

٣٨٧

بعنوانين وان كان العقل يرى جواز اجتماع الوجوب والحرمة في واحد بوجهين فتدبر

وينبغى التنبيه على أمور

(الاول) أن الاضطرار إلى ارتكاب الحرام وان كان يوجب ارتفاع حرمته والعقوبة عليه مع بقاء ملاك وجوبه - لو كان - مؤثرا له كما إذا لم يكن بحرام

______________________________

تنبيهات الاجتماع

(قوله: وان كان يوجب ارتفاع) لقبح التكليف حال الاضطرار بل امتناعه لما عرفت من أن قوام التكليف إحداث الداعي العقلي ليترتب عليه صرف العبد قدرته في موافقته من فعل أو ترك وهذا مما لا يتأتى مع الاضطرار - مضافا إلى أدلة رفع الاضطرار من الآيات والروايات فإذا ارتفع التكليف تبعه العقاب نعم يبقى الاشكال في صحة العبادة حينئذ مع كون الفعل مبغوضا في نفسه ومحرما لولا الاضطرار وسيأتي (قوله: مع بقاء ملاك وجوبه) إذ من المعلوم ان الاضطرار ليس من العناوين الموجبة ذاتا لارتفاع ملاك التكليف اعني المصلحة والمفسدة بل يجوز أن يكون الملاك مشروطا بالاختيار فبطروء الاضطرار يرتفع لارتفاع شرطه وان لا يكون مشروطا بالاختيار فبطروء الاضطرار لا يرتفع بل يبقى الفعل على ما هو عليه من المصلحة أو المفسدة (قوله: لو كان موثرا) كان تامة فاعلها ضمير الملاك (وموثرا) حال من ملاكه يعني بعد سقوط التحريم يبقى ملاك الوجوب موثرا في الوجوب ومقتضيا له لسقوط ملاك التحريم عن صلاحية المزاحمة له فيترتب عليه أثره فعلا (فان قلت): الاضطرار كما يرفع التحريم يمنع من ثبوت الوجوب فان الاختيار شرط في التكليف مطلقا بلا فرق بين الوجوب والتحريم

٣٨٨

بلا كلام الا انه إذا لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار بأن يختار ما يؤدى إليه لا محالة فان الخطاب بالزجر عنه حينئذ وان كان ساقطا الا أنه حيث يصدر عنه مبغوضا عليه وعصيانا لذاك الخطاب ومستحقا عليه العقاب لا يصلح لان يتعلق به الايجاب، وهذا في الجملة مما لا شبهة فيه ولا ارتياب وإنما الاشكال فيما إذا كان ما اضطر إليه بسوء اختياره مما ينحصر به التخلص عن محذور الحرام كالخروج عن الدار المغصوبة فيما إذا توسطها بالاختيار

______________________________

وغيرهما فكيف يثبت الوجوب لثبوت ملاكه بعد ارتفاع التحريم (قلت): محل الكلام ما إذا كان ملاك الوجوب ثابتا في فرد من الطبيعة المحرمة لا في نفس الطبيعة مطلقا والاضطرار إلى الطبيعة لا يكون اضطرارا إلى خصوص الفرد الواجد لملاك الوجوب فيجوز تعلق الوجوب به ويكون باعثا إليه. نعم يشكل ذلك لو كانت المفسدة أقوى لان الفعل يكون مرجوحا حينئذ ولا يجوز الامر بما هو مرجوح والاضطرار لا يوجب رجحان الوجود على العدم كي يكون الفعل راجحا ولو بالعرض نعم يكون واجبا عقلا لا شرعا نظير ارتكاب أقل القبيحين (قوله: بلا كلام) متعلق بقوله: يوجب، (قوله: الا انه إذا لم يكن) يعني ان ثبوت الوجوب يختص بغير هذه الصورة (قوله: بأن يختار) بيان للاضطرار بسوء الاختيار وضمير (إليه) راجع إلى الاضطرار (قوله: وان كان ساقطا) لان الزجر مساوق للانزجار كما عرفت فيمتنع بامتناعه (قوله: ومستحقا عليه) لانه مخالفة مستندة إلى الاختيار (قوله: لا يصلح لان يتعلق) لان الملاك المصحح لتعلق التحريم به قبل الاضطرار إليه مناف لملاك الوجوب فثبوت الوجوب له يكون بلا ملاك فيمتنع، ومنه يظهر اندفاع توهم أن ثبوت الوجوب له بعد الاضطرار لا يستدعي اجتماع الحكمين المتضادين لان المفروض سقوط التحريم بمجرد الاضطرار فالوجوب - على تقدير ثبوته - لا يكون مجتمعا مع التحريم ووجه الاندفاع ما عرفت الاشارة إليه من ان تضاد الاحكام إنما هو لتنافي ملاكاتها

٣٨٩

في كونه منهيا عنه أو مأمورا به مع جريان حكم المعصية عليه أو بدونه فيه أقوال. هذا على الامتناع، وأما على القول بالجواز فعن أبى هاشم انه مأمور به ومنهي عنه واختاره الفاضل القمي ناسبا له إلى اكثر المتأخرين وظاهر الفقهاء (والحق) أنه منهي عنه بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار إليه وعصيان له بسوء الاختيار ولا يكاد يكون مأمورا به كما إذا لم يكن هناك توقف(١) عليه أو بلا انحصار به

______________________________

ففرض ثبوت ملاك التحريم - كما هو لازم القول بكونه معصية - كاف في المنع عن تعلق الوجوب وسيأتي انشاء الله لذلك مزيد توضيح (قوله: في كونه منهيا عنه) ظرف مستقر خبر الاشكال (قوله: حكم المعصية) يعني استحقاق الذم والعقاب (قوله: أو بدونه) يعني أو مأمورا به بلا حكم المعصية (قوله: هذا على الامتناع) هذا التخصيص غير ظاهر فان أدلة الاقوال تقتضي عدم الفرق في كل قول منها بين الجواز والامتناع فلاحظها (قوله: وظاهر الفقهاء) لم يتضح وجه الاستظهار المذكور مع أن المشهور بين اصحابنا القول بالامتناع نعم ظاهر كثير منهم صحة صلاة الغاصب حال الخروج بل عن المنتهى الاجماع عليه لكنه لا يدل على كون الخروج مامورا به ومنهيا عنه فراجع (قوله: لم يكن هناك توقف) لا يخفى أن من توسط أرضا غصبا صار مضطرا إلى ارتكاب الحرام بمقدار أقل زمان يمكنه فيه الخروج ويكون مختارا فيما زاد على ذلك المقدار لامكان الخروج فلا يكون مرتكبا للحرام، وظاهر المتن توقف ترك التصرف الزائد على المقدار المضطر إليه على الخروج فيكون الخروج مقدمة له لكن صرح

______________

(١) لا يخفى انه لا توقف هاهنا حقيقة بداهة ان الخروج انما هو مقدمة للكون في خارج الدار لا مقدمة لترك الكون فيها الواجب لكونه ترك الحرام نعم بينهما ملازمة لاجل التضاد بين الكونين ووضوح الملازمة بين وجود الشئ وعدم ضده فيجب الكون في خارج الدار عرضا لوجوب ملازمه حقيقة فتجب مقدمته كذلك وهذا هو الوجه في المماشاة والجري على ان مثل الخروج يكون مقدمة لما هو الواجب من ترك الحرام فافهم. منه قدس سره (*)

٣٩٠

وذلك ضرورة انه حيث كان قادرا على ترك الحرام رأسا لا يكون عقلا معذورا في مخالفته فيما اضطر إلى ارتكابه بسوء اختياره ويكون معاقبا عليه كما إذا كان ذلك بلا توقف عليه أو مع عدم الانحصار به ولا يكاد يجدي توقف انحصار التخلص عن الحرام به لكونه بسوء الاختيار

______________________________

في حاشيته على المقام بمنع ذلك (وتوضيح) ما ذكر أن من المعلوم امتناع ان يكون الشئ الواحد في زمان واحد في مكانين لتضاد الكونين وحينئذ فكون المكلف في الزمان المعين في مكان ملازم لعدم كونه في مكان آخر - على ما عرفت في مبحث الضد من ملازمة احد الضدين لعدم الآخر من دون مقدمية بينهما أصلا - فكون المكلف في الزمان الزائد على زمان الخروج في المكان المباح ملازم لعدم كونه في المكان المغصوب لا أنه مقدمة له وإذا لم يكن مقدمة له لم يكن الخروج مقدمة له أيضا لان الخروج مقدمة إعدادية للكون في المكان المباح وما يكون مقدمة لاحد الضدين لا يكون مقدمة لعدم الآخر لان ما يكون مقدمة لاحد المتلازمين لا يكون مقدمة للملازم الآخر. نعم تصح نسبة المقدمية إليه بالعرض لا بالحقيقة (قوله: وذلك ضرورة أنه) هذا لا يصلح تعليلا إلا لاحد جزئي الدعوى (أعني كونه منهيا عنه وأنه عصيان للنهي) لا للجزء الآخر (أعني كونه ليس مأمورا به) فهو ينفي القول الثالث لا الثاني الا بملاحظة ما تقدم من أن ما يصدر مبغوضا وعصيانا لا يصلح لان يتعلق به الوجوب (قوله: كان قادرا على) يعني كان قبل الدخول في الارض المغصوبة قادرا على ترك التصرف الحرام لقدرته على ترك الدخول فان من لم يدخل في الارض لم يتصرف فيها أصلا لا بالدخول ولا بالخروج وإذا كان قادرا على ذلك كان التصرف في الارض بنحو الدخول أو بالخروج بعد الدخول حراما مقدورا على تركه فيكون معصية (قوله: فيما اضطر إلى) وهو التصرف بعد الدخول (قوله: بسوء اختياره) يعني اختياره للدخول (قوله: بلا توقف) يعني بلا أن يتوقف عليه التخلص (قوله: أو مع عدم) فان مقدمة الواجب إذا كانت محرمة ولا ينحصر التوصل إلى

٣٩١

(ان قلت): كيف لا يجديه ومقدمة الواجب واجبة ؟ (قلت) إنما تجب المقدمة لو لم تكن محرمة ولذا لا يترشح الوجوب من الواجب إلا على ما هو المباح من المقدمات دون المحرمة مع اشتراكهما في المقدمية، واطلاق الوجوب بحيث ربما يترشح منه الوجوب عليها مع انحصار المقدمة بها إنما هو فيما إذا كان الواجب أهم من ترك المقدمة المحرمة والمفروض ههنا

______________________________

الواجب بفعلها لا تكون واجبة (قوله: إن قلت كيف) يعني ان الحكم بوجوب المقدمة عقلي والحكم العقلي لا يقبل التخصيص فكيف يحكم بعدم وجوب الخروج مع أنه مقدمة للتخلص الواجب ؟ (قوله: إلا على ما هو المباح) مقدمة الواجب (تارة) تكون منحصرة بالمباح (وأخرى) منحصرة بالحرام (وثالثة) غير منحصرة باحدهما بأن تكون ذات فردين مباح وحرام (فان كانت) من الاول فلا ريب في ترشح الوجوب عليها - بناء على وجوب المقدمة - فتكون حينئذ مباحة بالذات واجبة بالعرض لكن وجوبها فعلي إن كانت اباحتها لا اقتضائية لعدم التزاحم بين المقتضي واللا مقتضي وإذا كانت اباحتها اقتضائية تزاحم مقتضيها مع مقتضي الوجوب فيكون الاثر للاقوى منهما، وان كانت من الثاني وقع التزاحم بين مقتضي الحرمة في المقدمة وبين مقتضي الوجوب في ذيها فيؤخذ بالاقوى منهما فان كان مقتضي الحرمة فيها أقوى بقيت على تحريمها وسقط وجوب ذيها، وإن كان مقتضي الوجوب فيها أقوى سقط تحريمها ووجبت مطلقا على المشهور أو في حال فعل الواجب بعدها بناء على المقدمة الموصلة، ومع تساوي المقتضيين تثبت الاباحة لكل منهما لا مطلقا بل بنحو يلازم إعمال احد المقتضيين فيجوز فعل المقدمة في ظرف فعل الواجب أعني ذاها على القول بالمقدمة الموصلة، وعلى المشهور يجوز فعل المقدمة المحرمة وان لم يفعل بعدها الواجب كما تقدم في مبحث المقدمة (وان كانت) من الثالث ثبت الوجوب للفرد المباح تعيينا ولا يثبت للمحرم لان مناط الوجوب تخييري ومناط التحريم تعييني والاول وإن كان

٣٩٢

وإن كان ذلك الا انه كان بسوء الاختيار ومعه لا يتغير عما هو عليه من الحرمة والمبغوضية والا لكانت الحرمة معلقة على ارادة المكلف واختياره لغيره وعدم حرمته مع اختياره له وهو كما ترى - مع أنه خلاف الفرض

______________________________

أقوى لا يزاحم الثاني وإن كان أضعف (قوله: وإن كان ذلك) يعني أهمية الواجب وهو التخلص عن الغصب من ترك الحرام وهو الخروج لكنه لا يخلو من تأمل لان الخروج نوع من الغصب فحرمته تثبت بمناط حرمة الغصب لا بمناط آخر فلا مقتضي للاهمية، وطول الزمان وان كان له دخل في زيادة الاهتمام لكنه لا يطرد إذ قد يكون زمان الخروج أطول من زمان التخلص المتوقف عليه كما لو علم بموت المالك بعد الخروج في زمان أقصر من زمان الخروج مع كونه وارثا له فالوجه في ترجح الخروج كونه أقل المحذورين وأهون القبيحين كما سيأتي (قوله: والا لكانت الحرمة) ظاهر العبارة أن المراد هو أنه لو كان الخروج واجبا بعد الدخول لزم كون حرمته معلقة على الكون في المكان المباح الملازم لترك الدخول، وعدمها معلقا على إرادته أي الخروج لكن لزوم اللازم الثاني غير ظاهر إذ الوجوب إنما يناط - عند القائل به - بمجرد الدخول ولو مع إرادة المكث فانه بالدخول حيث يتردد أمر الداخل بين المكث والخروج يكون الخروج واجبا ليتخلص به عن الغصب فلا يكون عدم حرمته معلقا على ارادته. نعم يتم ما ذكر لو كان أمر المكلف دائرا بين ترك الدخول وبين الدخول مع الخروج فهو إما أن يريد ترك الدخول أو يريد الدخول والخروج فمع الاول يكون الخروج حراما ومع الثاني لا يكون حراما، لكن محل الكلام ما إذا أمكنه المكث بعد الدخول (قوله: وهو كما ترى) يعني به بطلان كلا اللازمين (أما الاول) فلانه مع الكون في المكان المباح وترك الدخول يكون الخروج خارجا عن محل الابتلاء لمضادته للكون المذكور فلا معنى لحرمته حينئذ (وأما الثاني) فلما تقدم من أن وظيفة التكليف إحداث الارادة فيكون كالعلة لها فلا يكون معلولا لها، وإن شئت قلت: إن الشئ في ظرف

٣٩٣

وأن الاضطرار يكون بسوء الاختيار (ان قلت): إن التصرف في أرض الغير بدون اذنه بالدخول والبقاء حرام بلا إشكال ولا كلام وأما التصرف بالخروج الذي يترتب عليه رفع الظلم ويتوقف عليه التخلص عن التصرف الحرام فهو ليس بحرام في حال من الحالات بل حاله حال مثل شرب الخمر المتوقف عليه النجاة من الهلاك في الاتصاف بالوجوب في جميع الاوقات، ومنه ظهر المنع عن كون جميع أنحاء التصرف في أرض الغير مثلا حراما قبل الدخول وأنه يتمكن من ترك الجميع حتى الخروج، وذلك لانه لو لم يدخل لما كان متمكنا من الخروج وتركه وترك الخروج بترك الدخول رأسا ليس في الحقيقة الا ترك الدخول فمن لم يشرب الخمر لعدم وقوعه في المهلكة التي يعالجها به مثلا لم يصدق عليه الا انه لم يقع في المهلكة لا أنه مما ما شرب الخمر فيها إلا على نحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع كما لا يخفى (وبالجملة) لا يكون الخروج - بملاحظة كونه مصداقا للتخلص عن الحرام أو سببا له - إلا مطلوبا

______________________________

إرادته يكون واجبا فالتكليف به من قبيل تحصيل الحاصل (قوله: وان الاضطرار) بيان للفرض لان كونه بسوء الاختيار يقتضي كونه محرما وإلا كان من حسن الاختيار (قوله: من الحالات) يعني لا قبل الاضطرار ولا بعده (قوله: وذلك لانه لو) بيان لظهور المنع يعني أن المنع عن الخروج نوع من التكليف والتكليف بجميع أنواعه مشروط بالقدرة وقبل الدخول لا قدرة على الخروج حتى يصح المنع عنه فالمنع عنه حينئذ تكليف بغير المقدور ممتنع، (قوله: وترك الخروج) دفع لتوهم أن ترك الخروج مقدور قبل الدخول فلا وجه لدعوى عدم القدرة عليه (قوله: ليس في الحقيقة) إذ نسبة القدرة إلى الوجود والعدم نسبة واحدة فإذا لم يقدر على الخروج قبل الدخول لم يقدر على تركه أيضا (قوله: لا أنه ما شرب) يعني لا يصدق عليه أنه ممن لم يشرب الخمر في التهلكة (قوله: مصداقا للتخلص) لم يتوهم أحد كونه مصداقا

٣٩٤

ويستحيل أن يتصف بغير المحبوبية ويحكم عليه بغير المطلوبية (قلت): هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال على كون ما انحصر به التخلص مأمورا به وهو موافق لما أفاده شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - على ما في تقريرات بعض الاجلة، لكنه لا يخفى أن ما به التخلص عن فعل الحرام أو ترك الواجب إنما يكون حسنا عقلا ومطلوبا شرعا بالفعل وان كان قبيحا ذاتا إذا لم يتمكن المكلف من التخلص بدونه ولم يقع بسوء اختياره إما في الاقتحام في ترك الواجب أو فعل الحرام، وإما في الاقدام على ما هو قبيح وحرام لولا أن به التخلص بلا كلام

______________________________

للتخلص بل لا ريب عندهم في كونه مصداقا للغصب (قوله: ويستحيل أن) لان الاتصاف بغير المحبوبية يكون بلا منشأ مصحح (قوله: لكنه لا يخفى أن ما به) حاصل الاشكال أنه إذا توقف فعل الواجب أو ترك الحرام على فعل محرم بحيث دار أمر المكلف بين فعل ذلك المحرم الذي هو المقدمة، وبين تفويت ما يتوقف على ذلك المحرم من فعل الواجب وترك الحرام الذي هو ذو المقدمة فان كان هذا الدوران بغير اختيار المكلف صح دعوى انقلاب ذلك المحرم إلى كونه واجبا من جهة مقدميته لفعل الواجب أو لترك الحرام، أما إذا كان الدوران بسوء اختيار المكلف بحيث كان يمكن المكلف أن يفعل الواجب الذي هو ذو المقدمة بدون فعل الحرام الذي هو المقدمة أو كان يمكنه أن يترك الحرام بدون فعل المحرم الذي هو المقدمة وباختياره أوقع نفسه في الدوران المذكور لا ينقلب المحرم إلى الوجوب بل يبقى على تحريمه (قوله: ولم يقع) يعني ولم يضطر بسوء اختياره إلى الاقتحام في ترك ذي المقدمة أو الاقتحام في فعل الحرام الذي هو المقدمة، (قوله: أو فعل الحرام) معطوف على ترك الواجب وأحدهما على البدل يكون ذا المقدمة (قوله: ما هو قبيح) وهو المقدمة المحرمة (قوله: لو لا أن به التخلص) قيد لقوله: قبيح وحرام، وكذا قوله: بلا كلام، إذ المقدمة محرمة بلا كلام من الخصم لو لا جهة توقف التخلص عليها كالخروج فيما نحن

٣٩٥

كما هو المفروض في المقام ضرورة تمكنه منه قبل اقتحامه فيه بسوء اختياره، (وبالجملة) كان قبل ذلك متمكنا من التصرف خروجا كما يتمكن منه دخولا غاية الامر يتمكن منه بلا واسطة ومنه بالواسطة ومجرد عدم التمكن منه إلا بواسطة لا يخرجه عن كونه مقدورا كما هو الحال في البقاء فكما يكون تركه مطلوبا في جميع الاوقات فكذلك الخروج - مع أنه مثله في الفرعية على الدخول فكما لا تكون الفرعية مانعة عن مطلوبيته قبله وبعده كذلك لم تكن مانعة عن مطلوبيته وان كان العقل يحكم بلزومه إرشادا إلى اختيار أقل المحذورين وأخف القبيحين، ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجا وتخلصا عن المهلكة وانه انما يكون مطلوبا على كل حال لو لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار وإلا فهو على ما هو عليه من الحرمة وان كان العقل يلزمه ارشادا إلى ما هو أهم وأولى بالرعاية من تركه

______________________________

فيه فانه حرام قطعا لو لا شبهة توقف التخلص من الغصب عليه (قوله: كما هو المفروض) قيد لقوله: يتمكن المكلف (قوله: تمكنه منه) أي من التخلص (قوله: اقتحامه فيه) يعني في الحرام (قوله: وبالجملة كان) رد على قول السائل: لانه لو لم يدخل... الخ (قوله: ذلك) اشارة إلى الاقتحام في الحرام بالدخول في الارض (قوله: يتمكن منه) يعني من الدخول (قوله: ومنه) يعني من الخروج (قوله: في جميع الاوقات) حتى قبل الدخول (قوله: مطلوبيته قبله) ضمير مطلوبيته راجع إلى البقاء وضمير (قبله وبعده) راجع إلى الدخول (قوله: وإن كان العقل) يعني بعد ما كان الخروج كالبقاء تصرفا محرما يدور الامر بينه وبين البقاء ويترجح هو عليه في نظر العقل لانه أقل المحذورين. ثم ان الطبعة البغدادية لا تخلو من نقص في المقام وأصل العبارة - كما في بعض النسخ الصحيحة - هكذا: يحكم بلزومه إرشادا إلى اختيار أقل المحذورين وأخف القبيحين، ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجا وتخلصا عن المهلكة وأنه انما يكون مطلوبا على كل حال لو لم يكن

٣٩٦

لكون الغرض فيه أعظم فمن ترك الاقتحام فيما يؤدى إلى هلاك النفس أو شرب الخمر لئلا يقع في أشد المحذورين منهما فيصدق انه تركهما ولو بتركه ما لو فعله لادى لا محالة إلى أحدهما كسائر الافعال التوليدية حيث يكون العمد إليها بالعمد إلى اسبابها واختيار تركها بعدم العمد إلى الاسباب. وهذا يكفي في استحقاق العقاب على الشرب للعلاج وإن كان لازما عقلا للفرار عما هو اكثر عقوبة، ولو سلم عدم الصدق إلا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع فهو غير ضائر بعد تمكنه من الترك ولو على نحو هذه السالبة ومن الفعل بواسطة تمكنه مما هو من قبيل الموضوع في هذه السالبة فيوقع نفسه بالاختيار في المهلكة أو يدخل الدار فيعالج بشرب الخمر

______________________________

الاضطرار إليه بسوء الاختيار وإلا فهو على ما هو عليه من الحرمة وان كان العقل يلزمه إرشادا إلى ما هو أهم وأولى... الخ (قوله: لكن الغرض) كذا في النسخة البغدادية والصحيح: لكون الغرض: وضمير فيه راجع إلى الاهم (قوله: من ترك الاقتحام) كذا في النسخة البغدادية والصحيح: فمن ترك، وجواب الشرط قوله: فيصدق وهذا رد على قول المستدل: فمن لم يشرب... الخ يعني أن من ترك الاقتحام فيما يؤدي إلى أحد الامرين من هلاك النفس وشرب الخمر بأن لم يعرض نفسه للهلاك الذي لا يندفع إلا بشرب الخمر يصدق عليه أنه تارك للهلاك وتارك لشرب الخمر (قوله: كسائر الافعال التوليدية) كان الاولى أن يقول: نظير الافعال التوليدية، فان شرب الخمر ليس من الافعال التوليدية (قوله: بالعمد إلى أسبابها) وان لم يتعلق العمد بها فان العمد المعتبر في ترتب العقاب غير العمد المعتبر في ترتب الثواب إذ يكفي في ترتب العقاب على المسبب العمد إلى السبب مع العلم بترتب المسبب عليه ولا يكفي ذلك في ترتب الثواب بل لا بد من العمد إلى المسبب نفسه (قوله: وان كان لازما) يعني الشرب لاجل العلاج (قوله: الا بنحو السالبة) كما اعترف به المستدل (قوله: فيوقع نفسه) بيان لكيفية التمكن من الفعل،

٣٩٧

ويتخلص بالخروج أو يختار ترك الدخول والوقوع فيهما لئلا يحتاج إلى التخلص والعلاج (إن قلت): كيف يقع مثل الخروج والشرب ممنوعا عنه شرعا ومعاقبا عليه عقلا مع بقاء ما يتوقف عليه على وجوبه لسقوط الوجوب مع امتناع المقدمة المنحصرة ولو كان بسوء الاختيار والعقل قد استقل بأن الممنوع شرعا كالممتنع عادة أو عقلا (قلت): أولا إنما كان الممنوع كالممتنع إذا لم يحكم العقل بلزومه إرشادا إلى ما هو أقل المحذورين وقد عرفت لزومه بحكمه فانه مع لزوم الاتيان بالمقدمة عقلا لا بأس في بقاء ذي المقدمة على وجوبه فانه حينئذ ليس من التكليف بالممتنع كما إذا كانت المقدمة ممتنعة (وثانيا) لو سلم فالساقط إنما هو الخطاب فعلا بالبعث والايجاب لا لزوم اتيانه عقلا خروجا عن عهدة ما تنجز عليه سابقا ضرورة أنه لو لم يأت به لوقع في المحذور الاشد ونقض الغرض الاهم حيث

______________________________

(قوله: أو يختار ترك) بيان لكيفية التمكن من الترك (قوله: مع بقاء ما يتوقف) يعني فإذا امتنع الجمع بين حرمة المقدمة ووجوب ذيها فاما أن يسقط الوجوب فلا باعث على الخروج أو يسقط التحريم وهو المطلوب (قوله: قلت أولا) يعني أن الممنوع شرعا انما كان كالممتنع عقلا من جهة أن المنع الشرعي موجب لمنع العقل وفى ظرف المنع العقلي عن المقدمة لا يترتب البعث العقلي على التكليف بذيها لتضادهما كما لو كانت ممتنعة أما إذا كان العقل لا يمنع من فعل المقدمة بل كان يبعث إلى فعلها لانها أقل المحذورين فلا مانع من التكليف بذي المقدمة ففي الحقيقة لا جمع بين حرمة المقدمة ووجوب ذيها بل ليس إلا وجوب ذيها لا غير وحرمة المقدمة ساقطة بالاضطرار إلى مخالفتها أو مخالفة الوجوب بضميمة كون مخالفتها أهون المحذورين، لكن سقوط مثل هذا التحريم نظير السقوط بالامتناع لا ينافي كون الفعل ممنوعا عنه شرعا لو لا الامتناع ويستحق العقاب على مخالفته ولو لاجل الامتناع وليس المدعى الا ذلك (قوله: إنما هو الخطاب) التكليف الذي يصلح للسقوط والثبوت ليس الا التكليف الاعتباري وهو جعل الكلفة المساوق للبعث العقلي

٣٩٨

أنه الآن كما كان عليه من الملاك والمحبوبية بلا حدوث قصور أو طروء فتور فيه أصلا وانما كان سقوط الخطاب لاجل المانع وإلزام العقل به لذلك إرشادا كاف لا حاجة معه إلى بقاء الخطاب بالبعث إليه والايجاب له فعلا فتدبر جيدا، وقد ظهر مما حققناه فساد القول بكونه مأمورا به مع إجراء حكم المعصية عليه نظرا إلى النهي السابق - مع ما فيه من لزوم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب والحرمة ولا يرتفع غائلته باختلاف زمان التحريم والايجاب قبل الدخول أو بعده كما في الفصول مع اتحاد زمان الفعل المتعلق لهما وإنما المفيد اختلاف زمانه ولو مع اتحاد زمانهما وهذا أوضح من أن يخفى كيف ولازمه وقوع الخروج بعد الدخول عصيانا للنهي السابق وإطاعة للامر اللاحق فعلا ومبغوضا ومحبوبا كذلك بعنوان واحد. وهذا

______________________________

وأما الخطاب فهو لا يقبل ذلك لانه تدريجي متصرم. نعم يصلح للاتصاف بالحسن والقبح فيقال: يحسن الخطاب ويقبح، لكن حسنه وقبحه أيضا منوطان بترتب البعث العقلي عليه وعدمه ولا ينفك أحدهما عن الآخر فمع فرض أهمية الواجب يكون هو المبعوث إليه والواجب والمكلف به والذي يحسن الخطاب به (قوله: انه الآن) يعني بعد الاضطرار والدوران كما كان عليه قبلهما (قوله: السابق) يعني الساقط حين حدوث الاضطرار قبل الخروج ولذا كان الخروج بحكم المعصية لا معصية (قوله: كما في الفصول) واستدل عليه بانه لو كانت مبغوضية شئ في زمان مضادة لمطلوبيته في زمان آخر لامتنع البداء في حقنا مع وضوح جوازه وإنما لا يترتب هنا أثر الاول لرفع البداء له بخلاف المقام... الخ (أقول): المناسب تمثيل المقام بالبداء الحقيقي في حقه سبحانه فإذا كان مستحيلا كانت المحبوبية والمبغوضية في زمان لشئ واحد في زمان واحد كذلك لا بالبداء في حقنا إذ المصحح له في حقنا الجهل بالخصوصيات التي عليها الشئ واقعا والمقام ليس كذلك (قوله: مع اتحاد زمان) فان الفعل الواحد في زمان واحد لا يجتمع فيه ملاكا المحبوبية والمبغوضية ولو في زمانين (قوله: عصيانا للنهي)

٣٩٩

مما لا يرضى به القائل بالجواز فضلا عن القائل بالامتناع كما لا يجدي في رفع هذه الغائلة كون النهي مطلقا وعلى كل حال وكون الامر مشروطا بالدخول ضرورة منافات حرمة شئ كذلك مع وجوبه في بعض الاحوال (وأما) القول بكونه مأمورا به ومنهيا عنه ففيه - مضافا إلى ما عرفت من امتناع الاجتماع فيما إذا كان بعنوانين فضلا عما إذا كان بعنوان واحد كما في المقام حيث كان الخروج بعنوانه سببا للتخلص وكان بغير اذن المالك وليس التخلص الا منتزعا عن ترك الحرام المسبب(١) عن الخروج لا عنوانا له - أن الاجتماع هاهنا لو سلم انه لا يكون بمحال لتعدد العنوان وكونه مجديا في رفع غائلة التضاد كان محالا لاجل كونه طلب

______________________________

قد عرفت أن تضاد هذه الامور بتوسط تنافي ملاكاتها (قوله: وكون الامر مشروطا) هذا ذكره في الفصول لا بقصد رفع الاشكال بحيثيتي الاطلاق والاشتراط بل لتحقيق اختلاف زماني الحكمين وعليه فلا بد أن يكون المراد بالاطلاق عدم الاشتراط بالدخول لا الشامل لما بعد الدخول بقرينة قوله: فهما غير مجتمعين، وبنائه على سقوط النهي بالاضطرار المسقط له عقلا فكيف يكون له إطلاق يشمل حال الاضطرار ؟ (قوله: بعنوانه سببا) يعني بعنوانه الاولي فيكون واجبا بعنوانه الاولي كما تقدم في مبحث المقدمة (قوله: وكان بغير) يعني وكان بعنوانه الاولي بغير إذن المالك فيكون المحرم الخروج غير

______________

(١) قد عرفت مما علقت على الهامش ان ترك الحرام غير مسبب عن الخروج حقيقة وانما المسبب عنه هو الملازم له وهو الكون في خارج الدار. نعم يكون مسببا عنه مسامحة وعرضا وقد انقدح بذلك انه لا دليل في البين إلا على حرمة الغصب المقتضي لاستقلال العقل بلزوم الخروج من باب انه اقل المحذورين وانه لا دليل على وجوبه بعنوان آخر فحينئذ يجب اعماله ايضا بناء على القول بجواز الاجتماع كاحتمال النهي عن الغصب ليكون الخروج مأمورا به ومنهيا عنه فافهم. (منه قدس سره) (*)

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

أدّاه زاده و من قصّر عنه خاطر بزوال النعمة ، فليركم اللَّه .(١) » .

و حينئذ فليكونوا وجلين من تقصيرهم في شكر النعمة كما ينبغي فيستحقوا سلبها و اخذهم بعقوبة كفرانها .

« انه من وسع عليه في ذات يده فلم ير ذلك استدراجا فقد أمن مخوفا » جعل ( التحف ) هذا الكلام . خبرا مستقلا ، و هو الوجه لأن التوسعة أعمّ من النعمة ، و إذا كانت استدراجا فهي نقمة ، قال تعالى( فَلمّا نَسُوا ما ذُكّرُوا بِه فَتَحنا عَليهم أَبوابَ كُلِّ شي‏ءٍ حَتّى إذا فَرحوا بما اُوتُوا أخذناهُم بَغتةً فإذا هم مُبلِسون ) (٢) ( و الَّذينَ كَذّبُوا بآياتنا سَنَستَدرجُهم مِن حيثُ لا يَعلَمون ) .

( و اُملي لَهُم إِنّ كَيدي متين ) (٣) ( فَذَرني و من يُكَذّب بهذا الحَديث سنَستَدرجُهم من حَيثُ لا يَعلَمُون و اُملي لَهُم إِنَ كَيدي مَتينٌ ) (٤) .

« و من ضيّق عليه فلم ير ذلك اختبارا فقد ضيّع مأمولا » بدل ( التحف ) قوله « فلم ير ذلك اختبارا » بقوله « فلم يظن ان ذلك حسن نظر من اللَّه » و هو المناسب لقوله « فقد ضيّع مأمولا » ، فإنّما المأمول حسن نظره تعالى لعبده لا اختباره له ، و لعلّ اختباره سبب ضلاله .

و أما كون التضييق حسن نظر منه تعالى لعبده ففي ما ناجى موسى كما روى ( الكافي ) يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل : مرحبا بشعار الصالحين ، و إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجّلت عقوبته(٥) .

و عن الصادقعليه‌السلام : إن اللَّه تعالى ليعتذر إلى عبده المؤمن المحوج في

____________________

( ١ ) تحف العقول : ١٤٢ .

( ٢ ) الأنعام : ٤٤ .

( ٣ ) الأعراف : ١٨٢ ١٨٣ .

( ٤ ) القلم : ٤٤ ٤٥ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٣ ح ١٢ .

٥٨١

الدّنيا كما يعتذر الأخ إلى أخيه ، فيقول : و عزتي و جلالي ما أحوجتك في الدّنيا من هو ان كان بك عليّ فارفع هذا السجف فانظر إلى ما عوّضتك من الدنيا ، فيرفع فيقول ما ضرّني ما منعتني مع ما عوّضتني(١) .

و في خبر آخر : فمن زود أحدكم في دار الدّنيا معروفا فخذوا بيده و ادخلوه الجنة ، و لكلّ عبد منكم مثل ما أعطيت أهل الدّنيا منذ كانت إلى أن انقضت سبعون ضعفا(٢) .

و عنهعليه‌السلام : إنّ فقراء المؤمنين(٣) يتقلّبون في رياض الجنّة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا ، و مثل ذلك كسفينتين مرّ بهما على عاشر فنظر في إحداهما فلم ير شيئا فقال : أسربوها ، و نظر في الاخرى فإذا هي موقرة فقال : إحبسوها(٤) .

و عنهعليه‌السلام : لو لا إلحاح هذه الشيعة على اللَّه في طلب الرزق لنقلهم من الحال التي هم فيها إلى ما هو أضيق(٥) .

٨٢ الحكمة ( ٣٦٥ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ وَ اَلاِعْتِبَارُ مُنْذِرٌ نَاصِحٌ وَ كَفَى أَدَباً لِنَفْسِكَ تَجَنُّبُكَ مَا كَرِهْتَهُ لِغَيْرِكَ أقول : كرّر المصنف الفقرة الأخيرة مستقلة في ( ٤١٢ ) سهوا بلفظ

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٤ ح ١٨ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦١ ( ٩ ) ، بحار الأنوار ٧ : ٢٠٠ .

( ٣ ) في بعض النسخ « المسلمين » .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٠ ح ١ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٤ ح ١٦ .

٥٨٢

« كفاك أدبا لنفسك اجتنابك ما تكرهه لغيرك » .

« الفكر مرآة صافية » في ( الكافي ) سئل الصادقعليه‌السلام عمّا يروى أنّ تفكّر ساعة خير من قيام ليلة كيف يتفكّر ؟ قال : يمرّ بالخربة أو الدار فيقول : أين ساكنوك ؟ أين بانوك ؟ مالك لا تتكلّمين(١) ؟

« و الاعتبار منذر ناصح »( أَلم تَر أَن اللَّه يُزجي سَحاباً ثم يُؤلّفُ بَينهُ ثُم يَجعَلُه رُكاماً فتَرى الودقَ يَخرُجُ مِن خلاله و يُنَزِّلُ من السّماء من جبال فيها من بردٍ فيُصيب به مَن يشاءُ و يصرفهُ عمّنَ يشاء يَكادُ سَنابرقهِ يذهبُ بالأَبصارِ يُقلِّبُ اللَّه الليلَ و النهارَ إِن في ذلكَ لعبرةً لاُولي الأبصار ) (٢) .

« و كفى أدبا لنفسك تجنّبك ما كرهته من غيرك »( و ما اُريد أن اُخالفكم إلى ما أَنهاكُم عَنهُ ) (٣) .

و مرّ قولهعليه‌السلام « و من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه » و قولهعليه‌السلام « أكبر العيب أن تعيب ما فيك مثله » .

و قيل كتب بعض الكتّاب إلى بعض الملوك :

تضرب الناس بالمهندة البيض

على غدرهم و تنسى الوفاء(٤)

٨٣ الحكمة ( ٣٧١ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ شَرَفَ أَعْلَى مِنَ اَلْإِسْلاَمِ وَ لاَ عِزَّ أَعَزُّ مِنَ اَلتَّقْوَى وَ لاَ مَعْقِلَ أَحْسَنُ مِنَ اَلْوَرَعِ وَ لاَ شَفِيعَ أَنْجَحُ مِنَ اَلتَّوْبَةِ وَ لاَ كَنْزَ أَغْنَى مِنَ اَلْقَنَاعَةِ وَ لاَ

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٥٤ أخرجه عن علي بن إبراهيم عن السكوني .

( ٢ ) النور : ٤٦ ٤٤ .

( ٣ ) هود : ٨٨ .

( ٤ )

٥٨٣

مَالَ أَذْهَبُ لِلْفَاقَةِ مِنَ اَلرِّضَى بِالْقُوتِ وَ مَنِ اِقْتَصَرَ عَلَى بُلْغَةِ اَلْكَفَافِ فَقَدِ اِنْتَظَمَ اَلرَّاحَةَ وَ تَبَوَّأَ خَفْضَ اَلدَّعَةِ وَ اَلرَّغْبَةُ مِفْتَاحُ اَلنَّصَبِ وَ مَطِيَّةُ اَلتَّعَبِ وَ اَلْحِرْصُ وَ اَلْكِبْرُ وَ اَلْحَسَدُ دَوَاعٍ إِلَى اَلتَّقَحُّمِ فِي اَلذُّنُوبِ وَ اَلشَّرُّ جَامِعُ مَسَاوِئِ اَلْعُيُوبِ أقول : هذا العنوان جزء خطبة الوسيلة رواها ( روضة الكافي ) « لا شرف أعلى من الإسلام » روى ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى :( صبغَةَ اللَّه وَ مَن أحسنُ من اللَّه صبغَة ) (١) : إنّ الصبغة هي الإسلام(٢) .

و في الخبر : الإسلام يعلو و لا يعلى عليه(٣) .

و عنهعليه‌السلام في مجوسية أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها و أبي أن يسلم :

لها عليه نصف الصداق و لم يزدها الإسلام إلاّ عزّا(٤) ، و قال تعالى( اليوم أكملتُ لكُم دينَكُم و أَتمَمتُ عليكم نعمتي و رَضيتُ لكُم الإسلام ديناً ) (٥) ( وَ مَن يَبتَغ غَير الإسلام ديناً فَلن يُقبل منه ) (٦) .

« و لا عز أعز من التقوى »( يا أيُّها الناس إِنّا خلقناكم من ذكرٍ و اُنثى و جَعلناكُم شُعُوباً و قبائِلَ لتعارَفوا إِن أكرمكُم عندَ اللَّه أتقاكم ) (٧) .

« و لا معقل أحسن من الورع »( و مَن يتّق اللَّه يَجعَل لُهُ مَخرَجاً و يَرزُقه من حيثُ لا يَحتَسِبُ ) (٨) .

____________________

( ١ ) البقرة : ١٣٨ .

( ٢ ) روضة الكافي للكليني : ١٨ .

( ٣ ) ٣٩ : ٤٧ رواية ١ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٥ : ٤٣٦ رواية ٦ .

( ٥ ) المائدة : ٣ .

( ٦ ) آل عمران : ٨٥ .

( ٧ ) الحجرات : ١٣ .

( ٨ ) الطلاق : ٢ ٣ .

٥٨٤

« و لا شفيع أنجح من التوبة »( و هو الذي يَقبلُ التوبةَ عن عبادهِ و يعفو عن السيئات ) (١) ( إِن اللَّه يحبُّ التّوابينَ و يُحبُّ المُتَطهرين ) (٢) و قال هود لقومه :

( و يا قوم استغفروا ربَّكُم ثُمَ توبُوا إِليه يُرسِل السَّماءَ عليكم مدراراً و يزدكُم قُوّةً إلى قوتكم ) (٣) ( و أَن استَغفروا ربَّكُم ثم توبوا إليه يُمتِّعكم متاعاً حسناً إِلى أجلٍ مُسمّى و يؤتِ كُلّ ذي فضلٍ فَضلُه ) (٤) .

« و لا كنز أغنى من القناعة » في ( الكافي ) عنهعليه‌السلام من رضي من الدّنيا بما يجزيه كان أيسر ما فيها يكفيه ، و من لم يرض من الدّنيا بما يجزيه لم يكن فيها شي‏ء يكفيه(٥) .

« و لا مال أذهب للفاقة من الرضى بالقوت » في ( الروضة ) بعد هذه الفقرات « و لا لباس أجمل من العافية ، و لا غائبا أقرب من الموت ، أيّها الناس إنّه من مشى على وجه الأرض فإنّه يصير إلى بطنها ، و الليل و النهار مسرعان في هدم الأعمار ، و لكلّ ذي رمق قوت و أنت قوت الموت ، و ان من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد ، و لن ينجو من الموت غني بماله و لا فقير لإقلاله »(٦) .

« و من اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة و تبوّأ خفض الدعة » أي :

السكون و الاستراحة ، من « ودع » بالضم .

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللّهم ارزق محمّدا و آل محمّد الكفاف ، و ارزق من أحبّ

____________________

( ١ ) الشورى : ٢٥ .

( ٢ ) البقرة : ٢٢٢ .

( ٣ ) هود : ٥٢ .

( ٤ ) هود : ٣ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ١٤٠ ح ١١ .

( ٦ ) روضة الكافي للكليني : ١٩ .

٥٨٥

محمدا و آل محمّد العفاف و الكفاف ، و ارزق من أبغضهم المال و الولد(١) .

و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال تعالى : إنّ من أغبط أوليائي رجلا خفيف الحال ذا حفظ من الصلاة أحسن عبادة ربّه بالغيب ، و كان غامضا في الناس جعل رزقه كفافا فصبر عليه عجلت منيته فقلّ تراثه و قلّت بواكيه(٢) .

« و الرغبة » أي : الحرص .

« مفتاح النصب » جعلعليه‌السلام النصب كقفل مفتاحه الرغبة .

« و مطية التعب » المطية ، المركب ، جعلعليه‌السلام التعب كمقصد لا تصل إليه إلاّ بمطيّة الرغبة .

« و الحرص و الكبر و الحسد دواع إلى التقحم » أي : رمي النفس .

« في الذنوب » الحرص كان داعي آدمعليه‌السلام إلى الشجرة المنهية و الكبر كان داعي إبليس إلى ترك السجود لآدم ، و الحسد كان داعي قابيل إلى قتل أخيه هابيل ، و الكبر أول ذنب أهل السماء ، و الحسد أول ذنب أهل الأرض .

« و الشر جامع مساوي » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٣) و الصواب :

( لمساوي ) كما في ابن أبي الحديد(٤) و ابن ميثم(٥) و النسخة الخطية(٦) .

« العيوب » الحرص و الكبر و الحسد و غيرها من البخل و الجبن و العجب و غيرها ، لكن كون الشر أعم أمر واضح ، و الظاهر وقوع تصحيف ، و كون

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ١٤٠ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ١٤٠ .

( ٣ )

( ٤ )

( ٥ )

( ٦ ) النسخة المصرية ٧٤٤ رقم ( ٣٧٠ ) مطابقة لنسخة شرح ابن ميثم المنقحة ٥ : ٤٢٥ رقم ٣٥٢ ، و في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٠١ قمم ( ٣٧٧ ) « لمساوي » .

٥٨٦

الشر محرّف البخل ، ففي ( ٣٧٨ ) و قالعليه‌السلام : « البخل جامع لمساوى‏ء العيوب ، و هو زمام يقاد به إلى كلّ سوء » و عليه ففي الثاني تكرار بعض الأول .

٨٤ الحكمة ( ٣٧٦ ) إِنَّ اَلْحَقَّ

ثَقِيلٌ مَرِي‏ءٌ وَ إِنَّ اَلْبَاطِلَ خَفِيفٌ وَبِي‏ءٌ أقول : قالعليه‌السلام : هذا الكلام لعثمان مع زيادة « و أنت رجل إن صدقت سخطت و ان كذبت رضيت » كما رواه ابن أبي الحديد في موضع آخر و نقل مثله عن لقمان و ورد : الحقّ أوسع الأشياء في التواصف و أضيقها في التناصف(١) .

و في ( الكافي ) قيل للصادقعليه‌السلام : يزعمون أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص في أن نقول : « جئناكم جئناكم جيئونا جيئونا نجئكم نجئكم » فقال : كذبوا إنّ اللَّه تعالى يقول :( و ما خلقنا السماءَ و الأرضَ و ما بينَهُما لاَعِبينَ لو أردنا أن نتَّخِذَ لَهواً لاتخذناهُ من لدُنّا إِن كُنّا فاعلين بل نَقذِفُ بالحقِّ عَلى الباطل فَيَدمَغُهُ فإذا هُو زاهِق و لَكُم الوَيل مِمّا تَصِفُون ) (٢) .

و سئل الباقرعليه‌السلام عن الغناء(٣) فقالعليه‌السلام : إذا ميّز اللَّه بين الحق و الباطل فأين يكون الغناء ؟ قال : مع الباطل فقال : قد حكمت و كذلك سئل عن النرد و الشطرنج فأجاب بكونهما مع الباطل إذا ميّز بينه و بين الحق(٤) .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٨٨ .

( ٢ ) الأنبياء : ١٦ ١٨ .

( ٣ )

( ٤ ) الكافي للكليني ٦ : ٤٣٦ ح ٩ .

٥٨٧

٨٥ الحكمة ( ٣٨١ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْكَلاَمُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ فَإِذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ وَ وَرِقَكَ فَرُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً وَ جَلَبَتْ نِقْمَةً و « صرت وثاقه » في ( الطبعة المصرية )(١) تصحيف ، أي : هو في شدك ابتداء و تصير في شدّه انتهاء .

« فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك و ورقك ، فربّ كلمة سلبت نعمة و جلبت نقمة » فقرة « و جلبت نقمة » ليست في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) و إنّما هي في ( الطبعة المصرية )(٢) .

و في السير : نزل النعمان بن المنذر برابية ، فقال له رجل من أصحابه :

أبيت اللعن لو ذبح رجل على رأس هذه الرابية إلى أين كان يبلغ دمه فقال النعمان : المذبوح و اللَّه أنت و لأنظرن أين يبلغ دمك فذبحه(٣) .

و في ( العيون ) : قال ابن إسحاق : النّسناس خلق باليمن لأحدهم عين و يد و رجل يقفز بها و أهل اليمن يصطادونهم ، فخرج قوم في صيدهم فرأوا ثلاثة منهم ، فأدركوا واحدا منهم فعقروه و ذبحوه و توارى اثنان في الشّجر ، فقال الذي ذبح الأول انّه لسمين ، فقال الثاني انّه أكل ضروا فأخذوه و ذبحوه ، فقال الذي ذبحه ما انفع الصمت فقال الثالث فها أنا الصمت فأخذوه و ذبحوه(٤) .

____________________

( ١ ) صححت في الطبعة الثانية المنقحة : ٧٤٨ رقم ( ٣٨١ ) .

( ٢ ) النسخة المصرية : ٧٤٨ و شرح ابن ميثم ٥ : ٤٣٣ متطابقان و الحذف في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٢٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٩٢ .

( ٤ ) العيون ٢ : ١٧٦ و ذكره الدميري .

٥٨٨

و في ( الأغاني ) : صلب الحجّاج رجلا من الشّراة بالبصرة و راح عشيّا لينظر إليه ، فإذا برجل بازائه مقبل بوجهه عليه ، فدنا منه فسمعه يقول للمصلوب « طال ما ركبت فأعقب »(١) فقال الحجّاج : من هذا ؟ فقالوا : شظاظ اللص قال : لا جرم و اللَّه ليعقبنّك ، ثم وقف و أمر بالمصلوب فأنزل و صلب شظاظا مكانه(٢) .

٨٦ الحكمة ( ٣٨٤ ) و قالعليه‌السلام :

اَلرُّكُونُ إِلَى اَلدُّنْيَا مَعَ مَا تُعَايِنُ جَهْلٌ وَ اَلتَّقْصِيرُ فِي حُسْنِ اَلْعَمَلِ إِذَا وَثِقْتَ بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ غَبْنٌ وَ اَلطُّمَأْنِينَةُ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ قَبْلَ اَلاِخْتِبَارِ لَهُ عَجْزٌ في ( الجهشياري ) قيل لعتابة أمّ جعفر بن يحيى بعد نكبتهم و هي بالكوفة في يوم أضحى ما أعجب ما رأيت ؟ فقالت : لقد رأيتني في مثل هذا اليوم و على رأسي مائة و صيفة لبوس كلّ واحدة منهنّ و حليها خلاف لبوس الاخرى و حليها ، و أنا يومي هذا اشتهي لحما فما أقدر عليه(٣) .

و في ( المروج ) : لمّا دخل عمرو بن ليث إلى بغداد من المصلّى العتيق رافعا يديه يدعو و هو على جمل فالح و هو ذو السنامين و كان أنفذه إلى المعتضد في هدايا تقدّمت له قبل أسره قال ابن فهم :

ألم تر هذا الدهر كيف صروفه

يكون عسيرا مرّة و يسيرا

____________________

( ١ ) معناه : اترك عقبك و من يخلفك .

( ٢ ) الأغاني ٢٢ : ٣٠٠ نقله عن أبي ميثم .

( ٣ ) الجهشياري ، الوزراء و الكتّاب : ٢٤١ .

٥٨٩

و حسبك بالصفّار نبلا و عزّة

يروح و يغدو في الجيوش أميرا

حباهم جمالا و هو لم يدر أنّه

على جمل منها يقاد أسيرا

و قال ابن بسام :

أيّها المغتر بالدنيا

أما أبصرت عمرا

مقبلا قد أركب الفالح

بعد الملك قهرا

و عليه برنس السّخطة

إذلالا و قهرا

رافعا كفّيه يدعو اللّه

إسرارا و جهرا

أن ينجّيه من القت

ل و ان يعمل صفرا(١)

و في ( المعجم ) : كان أبو الفتح بن العميد قد دبّر على الصاحب بن عبّاد حتّى أزاله عن كتابة مؤيّد الدولة و أبعده عن حضرته بالريّ إلى اصفهان ، و انفرد هو بتدبير الأمور له كما كان يدبّرها لأبيه ركن الدولة ، و استدعى يوما ندماءه و عبأ لهم مجلسا عظيما و أظهر من الزينة و آلات الذهب و الفضة و الصيني و ما شاكله ما يفوت الحصر ، و شرب و استفزّه الطرب و كان قد شرب يومه و ليلته و عمل شعرا غني به :

دعوت المنى و دعوت العلا

فلمّا أجابا دعوت القدح

و شرب عليه إلى أن سكر و قال لغلمانه : غطوا المجلس و لا تسقطوا منه شيئا لأصطبح في غد عليه ، و قال لندمائه : باكروني ، و قام إلى بيت منامه و انصرف عنه الندماء ، فدعاه مؤيّد الدولة في السحر فلم يشك أنّه لمهم فقبض عليه و أنفذ إلى داره من استولى على جميع ما فيها و أعاد ابن عبّاد إلى وزارته و تطاول بابن العميد النكبة حتى مات فيها(٢) .

____________________

( ١ )

( ٢ ) الحموي ، معجم الأدباء ٦ : ٢٥١ .

٥٩٠

و لبعضهم في الفضل بن مروان وزير المعتصم و كان قبله الفضل بن يحيى البرمكي و الفضل بن الربيع الحاجب وزيري الرشيد و الفضل بن سهل وزير المأمون :

تجبرت(١) يا فضل بن مروان فاعتبر

فقبلك كان الفضل و الفضل و الفضل

ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم

أبادهم الموت المشتت و القتل

فإنّك قد أصبحت في النّاس ظالما

ستودي كما أودى الثلاثة من قبل(٢)

« و التقصير في حسن العمل إذا وثقت بالثواب عليه غبن » فقد قال تعالى :

( مَثَلُ الذين يُنفقونَ أَموالَهم في سَبيل اللَّه كَمَثَلِ حَبةٍ أنبتت سَبعَ سنابِلَ في كلّ سُنبلةٍ مائة حبّةٍ و اللَّه يُضاعف لِمن يشاء ) (٣) و قال تعالى :( تتجافى جُنوبهم عن المضاجِع يدعون رَبّهم خوفاً و طمعاً و ممّا رزقناهم يُنفقون فلا تَعلَمُ نَفسٌ ما اُخفي لَهُم مِن قُرّةِ أَعيُنٍ جَزاءً بما كانوا يَعمَلون ) (٤) فإذا كان واثقا بذلك و قصر كان مغبونا ألبتّة .

« و الطمأنينة إلى كلّ أحد قبل الاختبار له عجز » فليس كلّ أحد صادقا .

٨٧ الحكمة ( ٣٨٦ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ طَلَبَ شَيْئاً نَالَهُ أَوْ بَعْضَهُ قيل : هو نظير قولهم : « من طلب شيئا وجدّ وجد »(٥) و قولهم « من قرع

____________________

( ١ ) عند ابن خلفكان بلفظ « تفرعنت » .

( ٢ ) ابن خلكان ٤ : ٤٥ .

( ٣ ) البقرة : ٢٦١ .

( ٤ ) السجدة : ١٦ ١٧ .

( ٥ ) المثل بلفظ من طلب شيئا وجده ٢ : ٣٥٧ ، مجمع الأمثال للميداني .

٥٩١

قرع بابا و لجّ ولج » و قال تعالى( و الَّذين جاهدوا فينا لنَهديَّنهم سُبُلنا ) .(١) .

و في ( الأمثال ) : إن عامر بن الطرف لمّا كبر قال له قومه : إجعل لنا قائدا بعدك ، فقال : من طلب شيئا وجده و ان لم يجده يوشك أن يوقع قريبا منه(٢) .

٨٨ الحكمة ( ٣٩٢ ) و قالعليه‌السلام :

تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا فَإِنَّ اَلْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ أقول : الفقرة الثانية تكرار من المصنف لعنوانه ( ١٤٨ ) « المرء مخبوء تحت لسانه » .

و كيف كان فمرّ في الديباجة قول الشعبي إنّهعليه‌السلام تكلّم بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا فقأن عيون البلاغة و أيتمن جواهر الحكمة و قطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن ، ثلاث منهن في المناجاة و ثلاث منهن في الحكمة إلى أن قال و أمّا اللاتي في الحكمة فقال : قيمة كلّ امرى‏ء ما يحسنه ، و ما هلك امرؤ عرف قدره ، و المرء مخبوّ تحت لسانه(٣) .

هذا ، و قد غيّروا كلامهعليه‌السلام « المرء مخبوّ تحت لسانه » فقالوا « المرء مخبو تحت طي لسانه لا طيلسانه » .

« تكلموا تعرفوا » قال تعالى :( فلمّا كَلَّمهُ قال إنَّكَ اليوم لدينا

___________________

( ١ ) العنكبوت : ٦٩ .

( ٢ ) الأمثال ، ذكره الميداني في ٢ : ١٨٣ .

( ٣ ) الصدوق ، الخصال : ٤٢٠ ح ١٤ ، و ذكره المؤلف في صفحة ٥٧ من الجزء الأول .

٥٩٢

مَكينٌ أَمين ) (١) .

و في ( تاريخ بغداد ) : دخل عبد العزيز بن يحيى المكي و كانت خلقته شنعة على المأمون و عنده المعتصم ، فضحك منه فأقبل على المأمون و قال :

لم ضحك هذا ؟ لم يصطف اللَّه يوسف لجماله و إنّما اصطفاه لدينه و بيانه ، و لم يقل الملك لمّا رأى جماله إنّك اليوم لدينا مكين أمين بل لمّا كلّمه ، بياني أحسن من وجه هذا فأعجب المأمون قوله(٢) .

و في ( العيون ) عن ربيعة الرأي : الساكت بين النائم و الأخرس و ذكروا أفضلية الكلام و الصمت فقال أبو مسهّر : كلاّ إنّ النجم ليس كالقمر ، إنّك تصف الصمت بالكلام و لا تصف الكلام بالصمت و قال يونس : ليس لعييّ مروّة ، و لا لمنقوص البيان بهاء و لو بلغ يافوخه أعنان السماء(٣) .

و في ( تاريخ بغداد ) : قال ابن عمّار : كنت إذا نظرت إلى يحيى بن سعيد القطان ظننت انّه رجل لا يحسن شيئا فإذا تكلّم أنصت له الفقهاء(٤) .

و في ( الطبري ) في قدوم الحجّاج الكوفة و صعوده المنبر فطال سكوته فتناول محمد بن عمير حصى أراد أن يحصبه بها و قال : قاتله اللَّه ما أعياه و اللَّه إنّي لأحسب خبره كروائه ، فلمّا تكلّم الحجّاج جعل الحصى ينتثر من يده و لا يعقل به(٥) .

و في ( البلاذري ) : سعى عبد اللَّه بن الأهتم خليفة قتيبة على مرو بقتيبة إلى الحجّاج ، فأرسل الحجّاج كتابه إلى قتيبة فأحس بالشرّ ، فهرب إلى الشام

____________________

( ١ ) يوسف : ٥٤ .

( ٢ ) تاريخ بغداد ، ١٠ : ٤٥٠ في ترجمة عبد الزيز بن يحيى .

( ٣ ) ابن قتيبة ، عيون الأخبار ٢ : ١٧٥ .

( ٤ ) تاريخ بغداد ١٤ : ١٤٠ في ترجمة يحيى بن سعيد ( رقم ٧٤٦١ ) .

( ٥ )

٥٩٣

و وضع قطنة على احدى عينيه ثم عصبها و اكتنى بأبي قطنة ، و كان يبيع الزيت حتى إذا هلك الوليد و قام سليمان ألقى عنه ذاك الدنس و قام بخطبة تهنئة لسليمان و وقوعا في الحجّاج و قتيبة و كانا خلعا سليمان فتفرّق الناس و هم يقولون أبو قطنة الزيّات أبلغ الناس(١) .

هذا ، و عنهعليه‌السلام : اللسان معيار أطاشه الجهل و أرجحه العقل(٢) .

و روي أنّهعليه‌السلام سئل أيّ شي‏ء أحسن ؟ فقال : الكلام فقال : أيّ شي‏ء أقبح ؟ فقال : الكلام ثم قال : بالكلام ابيضّت الوجوه و بالكلام اسودّت الوجوه(٣) .

« المرء مخبوء تحت لسانه » و قال شاعر :

و النّار في أحجارها مخبوءة

ليست ترى إن لم يثرها الازند

و في ( العيون ) ذكر أعرابي رجلا فقال : رأيت عورات الناس بين أرجلهم و عورة فلان بين فكّيه(٤) .

و عاب آخر رجلا فقال : ذاك من يتامى المجلس ، أبلغ ما يكون في نفسه و أعيى ما يكون عند جلسائه(٥) .

و في ( تاريخ بغداد ) : كان رجل يجلس إلى أبي يوسف فيطيل الصمت ، فقال له : ألا تتكلّم ؟ فقال : بلى متى يفطر الصائم قال : إذا غابت الشمس قال :

فإن لم تغب إلى نصف الليل ، فضحك أبو يوسف و قال : أصبت في صمتك و أخطأت أنا في استدعاء نطقك ، ثم تمثّل :

____________________

( ١ ) البلاذري ، فتوح البلدان : ٥٩٧ ٧٩٨ .

( ٢ ) تحف العقول : ١٤٧ .

( ٣ ) تحف العقول : ١٥٤ ، و بحار الأنوار ٧٨ : ٥٥ .

( ٤ )

( ٥ )

٥٩٤

عجبت لأزراء العييّ بنفسه

و صمت الذي قد كان للقول أعلما

و في الصمت ستر للعييّ و إنّما

صحيفة لب المرء أن يتكلما(١)

و في ( كامل المبرد ) : إنّ الحجّاج بعث برأس ابن الأشعث بعد ظفره به مع عرّار بن عمرو بن شاس الأسدي و كان أسود دميما إلى عبد الملك فلمّا ورد به عليه جعل عبد الملك لا يسأل عن شي‏ء من أمر الوقيعة إلاّ أنبأه به عرّار في أصح لفظ و أشبع قول و أجزأ اختصار و كان عبد الملك اقتحمه عينه حيث رآه فقال متمثلا :

أرادت عرارا بالهوان و من يرد

لعمري عرارا بالهوان فقد ظلم

و إنّ عرارا إن يكن غير واضح

فإنّي احبّ الجون ذا المنكب العمم

فقال له عرّار : أتعرفني أيها الخليفة ؟ قال : لا قال : فأنا و اللَّه عرّار فزاد في سروره و زاد في جائزته(٢) .

و في ( الخلفاء ) : لمّا بنى الحجّاج خضراء واسط قال لجلسائه : كيف ترون هذه القبة ؟ قالوا : ما رأينا مثلها قال : و لها عيب ما هو ؟ قالوا : ما نرى قال :

سأبعث إلى من يخبرني ، فبعث إلى الغضبان الشيباني و كان في سجنه لأنّه كان قال لابن الأشعث تغدّ بالحجّاج قبل أن يتعشاك فأقبل به و هو يرسف في القيود فقال له : كيف قبتي هذه ؟ قال : نعمت حسنة مستوية قال : أخبرني بعيبها قال : بنيتها في غير بلدك لا يسكنها ولدك قال : صدق ردوه إلى السجن .

فقال : قد أكلني الحديد و أوهن ساقي القيود فما اطيق المشي قال : احملوه ، فلمّا حمل على الأيدي قال :( سُبحان الذي سَخّرَ لنا هذا و ما كُنا لهُ مُقرنين ) (٣) قال :

____________________

( ١ )

( ٢ ) كامل المبرد ١ : ١٦٠ .

( ٣ ) الزخرف : ١٣ .

٥٩٥

أنزلوه فقال :( ربّ أَنزلني مُنزلاً مُباركاً و أنتَ خَيرُ المُنزِلينَ ) (١) قال : جرّوه .

فقال و هو يجر( بسم اللَّه مجراها و مُرساها إنّ ربّي لغفورٌ رحيم ) (٢) قال :

اضربوا به الأرض فقال :( منها خلقناكم و فيها نُعيدُكم و منها نُخرجكم تارة اُخرى ) (٣) فضحك الحجّاج حتى استلقى على قفاه ثم قال : و يحكم قد غلبني هذا الخبيث ، أطلقوه إلى صفحي عنه فقال الغضبان :( فاصفح عنهُم و قُل سلام ) (٤) فنجا من شرّه بلسانه(٥) و كان قال له لأقطعن يديك و رجليك و لأضربن بلسانك عينيك(٦) .

و في ( البيان ) : خرج صعصعة(٧) إلى مكة ، فلقيه رجل فقال : يا عبد اللَّه كيف تركت الأرض قال : عريضة أريضة(٨) قال : إنّما عنيت السماء قال : فوق البشر و مد البصر قال : سبحان اللَّه إنّما أردت السحاب قال : تحت الخضراء و فوق الغبراء قال : إنّما أعني المطر قال : قد عفّي الأثر و ملأ القتر(٩) و بلّ الوبر و مطرنا أحيا المطر قال : إنسيّ أنت أم جني ؟ قال : بل إنسي من امّة رجل مهديّ(١٠) .

و في ( شعراء ابن قتيبة ) : كان الحارث بن حلزة اليشكري ارتجل بين

____________________

( ١ ) المؤمنون : ٢٩ .

( ٢ ) هود : ٤١ .

( ٣ ) طه : ٥٥ .

( ٤ ) الزخرف : ٨٩ .

( ٥ )

( ٦ ) ابن قتيبة ، الامامة و السياسة : ٣٦ و هو المعروف بتاريخ الخلفاء .

( ٧ )

( ٨ )

( ٩ )

( ١٠ )

٥٩٦

يدي عمرو بن هند في شي‏ء كان بين بكر و تغلب بعد الصلح قصيدته « آذنتنا ببنيها اسماء » و كان ينشده من وراء سبع ستور ، فأمر برفع الستور عنه استحسانا لها(١) .

و نظر النعمان بن المنذر إلى ضمرة بن ضمرة ، فلمّا رأى دمامته قال :

تسمع بالمعيدي لا أن تراه فقال ضمرة : إنّ الرجال لا تكال بالقفزان ، و إنّما المرء بأصغريه لسانه و قلبه(٢) .

و في ( المعجم ) قال خلف الأحمر : كنت أسمع ببشار بسرعة جوابه و جودة شعره ، فأنشدوني شيئا من شعره لم أحمده فقلت : لآتينّه و لاطأطأنّ منه ، فأتيته و هو جالس على باب بيته ، فرأيته أعمى قبيح المنظر عظيم الجثّة ، فقلت : لعن اللَّه من يبالي بهذا ، إذ جاء رجل فقال : إنّ فلانا سبّك عند الأمير و جاء قوم فسلّموا عليه فلم يردد عليهم فجعلوا ينظرون إليه و قد ورمت أوداجه فلم يلبث أن أنشدنا بأعلى صوته :

نبّئت نائك امّه يغتابني

عند الأمير و هل عليّ أمير

فارتعدت فرائصي و عظم في عيني فقلت : الحمد للَّه الذي أبعدني من شرّك(٣) .

و همّ الفرزدق بهجاء عبد القيس فأرسل إليه زياد الأعجم :

فما ترك الهاجون لي إن هجوته مصحّا أراه في أديم الفرزدق .

فقال الفرزدق : مالي إلى هجاء هؤلاء سبيل ما عاش هذا العبد(٤) .

و في ( العيون ) : قال عبد الملك بن عمير : قدم علينا الأحنف الكوفة مع

____________________

( ١ ) ابن قتيبة ، الشعر و الشعراء : ٥٣ .

( ٢ ) الأمثال ، الميداني ١ : ٨٦ .

( ٣ )

( ٤ )

٥٩٧

مصعب بن الزبير ، فما رأيت خصلة تذم إلاّ و رأيتها فيه ، كان أصغر(١) الرأس متراكب الأسنان في خدّه ميل(٢) مائل الذّقن ناتى‏ء الوجه ، غائر العين خفيف العارض أحنف الرّجل ، و لكنّه إذا تكلّم جلّى عن نفسه(٣) و قال الشاعر :

و ما حسن الرجال لهم بحسن

إذا لم يسعد الحسن البيان

كفى بالمرء عيبا أن تراه

له وجه و ليس له بيان

و في ( الطبقات ) في وفد عبد القيس قال لهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّكم عبد اللَّه الأشجّ ؟ فقال أحدهم : أنا و كان رجلا دميما فنظر إليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : لا يستسقى في مسوك الرجال ، و إنّما يحتاج من الرجل إلى أصغريه لسانه و قلبه(٤) و في ( العقد ) :

و ما المرء إلاّ الأصغران لسانه

و معقوله و الجسم خلق مصوّر

فإن تر منه ما يروق فربّما

أمرّ مذاق العود و العود أخضر(٥)

و قال زهير :

و كائن ترى من معجب لك صامت

زيادته أو نقصه في التّكلم

لسان الفتى نصف و نصف فؤاده

فلم يبق الا صورة اللحم و الدم(٦)

هذا ، و في أخبار حكماء القفطي : كان في مصر يهوديّ يرتزق بصناعة مداواة الجراح في غاية الخمول ، فاتفق أن عرض لرجل الحاكم عقر زمن عجز أطباؤه الخواص عنه ، فأحضر له الرجل فطرح عليه دواء يابسا فنشفه و شفاه

____________________

( ١ ) نسخة التحقيق صعل : صغير .

( ٢ )

( ٣ ) العيون ، ابن قتيبة ٤ : ٣٥ .

( ٤ ) الطبقات ١ : ٣١٤ .

( ٥ )

( ٦ ) ابن عبد ربه ، العقد الفريد ٤ : ١٧٩ .

٥٩٨

في ثلاثة أيام ، فأطلق له ألف دينار و خلع عليه و لقبه بالحقير النافع و جعله من أطبائه الخواصّ(١) .

٨٩ الحكمة ( ٣٩٤ ) و قالعليه‌السلام :

رُبَّ قَوْلٍ أَنْفَذُ مِنْ صَوْلٍ في ( الأغاني ) : وفد أبو براء ملاعب الأسنة و إخوته طفيل و معاوية و عبيدة بنو مالك بن جعفر بن كلاب و معهم لبيد بن ربيعة بن مالك و هو غلام على النعمان بن المنذر ، فوجدوا عنده الربيع بن زياد العبسي و كان ينادم النعمان فاذا خلا به يطعن في الجعفريين ، فرأوا من الملك جفاء و قد كان يكرمهم قبل ذلك فخرجوا من عنده غضابا و لبيد في رحالهم يحفظ أمتعتهم فألفاهم الليلة يتذاكرون أمر الربيع فسألهم فكتموه ، فقال : و اللَّه لا أحفظ لكم متاعا أو تخبروني و كانت أم لبيد امرأة من عبس فقالوا : خالك قد غلبنا على الملك فقال لهم : هل تقدرون على أن تجمعوا بيني و بينه فأزجره عنكم بقول ممضّ ثم لا يلتفت النعمان إليه أبدا إلى أن قال : ثم غدوا به معهم على النعمان فوجدوه يتغدّى و معه الربيع و هما يأكلان ليس معه غيره ، فلمّا فرغ أذن لهم فذكروا له حاجتهم ، فاعترض الربيع في كلامهم ، فقام لبيد و قال :

يا ربّ هيجا هي خير من دعه

أكلّ يوم هامتي مقرّعة

يخبرك عن هذا خبير فاسمعه

مهلا أبيت اللّعن لا تأكل معه

إنّ استه من برص ملمّعه

و إنّه يدخل فيها إصبعه

____________________

( ١ ) أخبار الحكماء ، القطفي : ١٢٢ .

٥٩٩

يدخلها حتى يواري أشجعه

كأنّما يطلب شيئا ضيّعه(١)

فلمّا فرغ التفت النعمان إلى الربيع شزرا يرمقه قال : لا و اللَّه لقد كذب عليّ ، و انصرف إلى منزله و كتب إلى النعمان : إنّي قد تخوّفت أن يكون قد وقر في صدرك ما قاله لبيد ، و لست برائم حتى تبعث من يجرّدني فيعلم من حضرك أنّي لست كما قال ، فأرسل النعمان إليه : إنّك لست بانتفائك ممّا قال لبيد شيئا و لا قادرا على ما زلّت به الألسن و كتب إليه :

شرّد برحلك عنّي حيث شئت و لا

تكثر عليّ و دع عنك الأباطيلا

فقد ذكرت به و الركب حامله

وردا يعلّل أهل الشام و النّيلا

فما انتفاؤك منه بعد ما جزعت

هوج المطيّ به إبراق شمليلا(٢)

قد قيل ذلك إن حقا و إن كذبا

فما اعتذارك من شي‏ء إذا قيلا(٣)

و في ( العيون ) : اسر معاوية يوم صفّين رجلا من أصحاب عليعليه‌السلام ، فلمّا اقيم بين يديه قال : الحمد للَّه الذي أمكن منك قال : لا تقل ذلك ، فإنّها مصيبة .

قال : و أيّة نعمة أعظم من أن يكون اللَّه أظفرني برجل قتل في ساعة واحدة جماعة من أصحابي اضربا عنقه فقال : اللّهم اشهد ان معاوية لم يقتلني فيك و لا لأنّك ترضى قتلي و لكن قتلني في الغلبة على حطام الدّنيا ، فإن فعل فافعل به ما هو أهله و إن لم يفعل فافعل به ما أنت أهله فقال له معاوية : قاتلك اللَّه لقد سببت فأوجعت في السبّ و دعوت فأبلغت في الدّعاء ، خلّيا سبيله(٤) .

و كان قول الفرزدق و علم قومه أكل الخبيص و قول أبي العتاهية « وضع سيفك خلخالا » في هجو الفزاري و ابن معن أنفذ من صول .

____________________

( ١ )

( ٢ ) شمليل : بلد .

( ٣ ) الاصفهاني ، الأغاني ١٧ : ١٨٧ ، و قد مرّ ذكر هذه الحكاية في الصفحات السابقة .

( ٤ ) العيون ١ : ٩٩ .

٦٠٠

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639