بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247507 / تحميل: 8640
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

الفريقين ، فأمّا من يحمل أرضية شموله بالعفو الإلهي فسيلتحق بركب المتقين ، وأمّا من ثقلت كفة ذنوبه فسيحشر مع القابعين في أودية النّار ، ولكنها لا تكون مكانهم ومأواهم الأبدي.

* * *

٤٠١

الآيات

( يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦) )

التّفسير

يوما لقيامة : الوقت المجهول!

تتعرض الآيات أعلاه لإجابة المشركين ومنكري المعاد حول سؤالهم الدائم عن وقت قيام الساعة (يوم القيامة) : فتقول أوّلا :( يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها ) (١) .

والقرآن في مقام الجواب يسعى إلى إفهامهم بأنّه لا أحد يعلم بوقت وقوع

__________________

(١) جاءت كلمة «المرسى» بهذا الموضع مصدرا ، على مالها من استعمال اخرى ، فتأتي تارة اسم زمان ومكان ، وتارة اخرى اسم مفعول من «الإرساء» ، معناها المصدري هو : الوقوع والثبات ، ويستخدم المرسى كمكان لتوقف السفن ، وفي تثبيت الجبال على سطح الأرض ، وكقوله تعالى في الآية (٤١) من سورة هود :( وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها ) ، والآية (٣٢) من سورة النازعات :( وَالْجِبالَ أَرْساها ) .

٤٠٢

القيامة ، ويوجه الباري خطابه إلى حبيبه الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بأنّك لا تعلم وقت وقوعها ، ويقول :( فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها ) .

فما خفّي عليك (يا محمّد) ، فمن باب أولى أن يخفى على الآخرين ، والعلم بوقت قيام القيامة من الغيب الذي اختصه الله لنفسه ، ولا سبيل لمعرفة ذلك سواه إطلاقا!

وكما قلنا ، فسّر خفاء موعد الحق يرجع لأسباب تربوية ، فإذا كان ساعة قيام القيامة معلومة فستحل الغفلة على جميع إذا كانت بعيدة ، وبالمقابل ستكون التقوى اضطرارا والورع بعيدا عن الحرية والإختيار إذا كانت قريبة ، والأمران بطبيعتهما سيقتلان كلّ أثر تربوي مرجو.

وثمّة احتمالات اخرى قد عرضها بعض المفسّرين ، ومنها : إنّك لم تبعث لبيان وقت وقوع يوم القيامة ، وإنّما لتعلن وتبيّن وجودها (وليس لحظة وقوعها).

ومنها أيضا : إنّ قيامك وظهورك مبيّن وكاشف عن قرب وقوع يوم القيامة بدلالة ما

روي عن النبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما جمع بين سبابتيه وقال : «بعثت أنا والقيامة كهاتين»(١)

ولكنّ التّفسير الأوّل أنسب من غيره وأقرب.

وتقول الآية التالية :( إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها ) .

فالله وحده هو العالم بوقت موعدها دون غيره ولا فائدة من الخوض في معرفة ذلك.

ويؤكّد القرآن هذا المعنى في الآيتين : (٣٤) من سورة لقمان :( إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) ، وفي الآية (١٨٧) من سورة الأعراف :( قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي ) .

وقيل : المراد بالآية ، تحقق القيامة بأمر الله ، ويشير هذا القول إلى بيان علّة ما

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، ج ٢٩ ، ص ٢٩ ، وذكرت ذات الموضوع في : تفاسير (مجمع البيان) ، (القرطبي) ، (في ظلال القرآن) بالإضافة لتفسير اخرى ، في ذيل الآية (١٨) من سورة محمّد.

٤٠٣

ورد في الآية السابقة ، ولا مانع من الجمع بين التّفسيرين.

وتسهم الآية التالية في التوضيح :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها ) .

إنّما تكليفك هو دعوة الناس إلى الدين الحقّ ، وإنذار من لا يأبى بعقاب أخروي أليم ، وما عليك تعيين وقت قيام الساعة.

مع ملاحظة ، أنّ الإنذار الموجه في الآية فيمن يخاف ويخشى وعقاب الله ، هو يشابه الموضوع الذي تناولته الآية (٢) من سورة البقرة :( ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) .

ويشير البيان القرآني إلى أثر الدافع الذاتي في طلب الحقيقة وتحسس المسؤولية الملقاة على عاتق الإنسان أمام خالقه ، فإذا افتقد الإنسان إلى الدافع المحرك فسوف لا يبحث فيما جاءت به كتب السماء ، ولا يستقر له شأن في أمر المعاد ، بل وحتى لا يستمع لإنذارات الأنبياء والأولياءعليهم‌السلام .

وتأتي آخر آية من السورة لتبيّن أنّ ما تبقى من الوقت لحلول الوعد الحق ليس إلّا قليلا :( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها ) .

فعمر الدنيا وحياة البرزخ من السرعة في الانقضاء ليكاد يعتقد الناس عند وقوع القيامة ، بأنّ كلّ عمر الدنيا والبرزخ ما هو إلّا سويعات معدودة!

وليس ببعيد لأنّ عمر الدنيا قصير بذاته ، وليس من الصواب أن نقايس بين زمني الدنيا والآخرة ، لأنّ الفاني ليس كالباقي.

«عشيّة» : العصر. و «الضحى» : وقت انبساط الشمس وامتداد النهار.

وقد نقلت الآيات القرآنية بعض أحاديث المجرمين في يوم القيامة ، فيما يختص بمدّة لبثهم في عالم البرزخ

فتقول الآية (١٠٣) من سورة طه :( يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً ) ، و( يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً ) .

وتقول الآية (٥٥) من سورة الروم :( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما

٤٠٤

لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ ) .

واختلاف تقديرات مدّة اللبث ، يرجع لاختلاف القائلين ، وكلّ منهم قد عبّر عن قصر المدّة حسب ما يتصور ، والقاسم المشترك لكلّ التقديرات هو أنّ المدّة قصيرة جدّا ويكفي طرق باب هذا الموضوع بإيقاظ الغافل من خدره.

اللهمّ! هب لنا الأمن والسلامة في العوالم الثلاث ، الدنيا والبرزخ والقيامة

يا ربّ! لا ينجو من عقاب وشدائد يوم القيامة إلّا من رحمته بلطفك ، فاشملنا بخاصة لطفك ورحمتك

إلهي! اجعلنا ممن يخاف مقامك وينهى نفسه عن الهوى ، ولا تجعل لنا غير الجنّة مأوى

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة النّازعات

* * *

٤٠٥
٤٠٦

سورة

عبس

مكيّة

وعدد آياتها اثنتان وأربعون آية

٤٠٧
٤٠٨

«سورة عبس»

محتوى السورة :

تبحث هذه السورة على قصرها مسائل مختلفة مهمّة تدور بشكل خاص حول محور المعاد ، ويمكن ادراج محتويات السورة في خمسة مواضيع أساسية.

١ ـ عتاب إلهي شديد لمن واجه الأعمى الباحث عن الحقّ بأسلوب غير لائق.

٢ ـ أهمية القرآن الكريم.

٣ ـ كفران الإنسان للنعم والمواهب الإلهية.

٤ ـ بيان جانب من النعم الإلهية في مجال تغذية الإنسان والحيوان لاثارة حسّ الشكر في الإنسان.

٥ ـ الإشارة إلى بعض الوقائع والحوادث الرهيبة ومصير المؤمنين والكفّار ذلك اليوم العظيم.

وتسمية هذه السورة بهذا الاسم بمناسبة الآية الاولى منها.

فضيلة السورة :

ورد في الحديث النّبوي الشريف أنّ : «من قرأ سورة «عبس» جاء يوم القيامة ووجهه ضاحك مستبشر»(١)

* * *

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٣٥.

٤٠٩

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨) وَهُوَ يَخْشى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) )

سبب النّزول

تبيّن الآيات المباركة عتاب الله تعالى بشكل إجمالي ، عتابه لشخص قدّم المال والمكانة الاجتماعية على طلب الحق أمّا من هو المعاتب؟ فقد اختلف فيه المفسّرون ، لكنّ المشهور بين عامّة المفسّرين وخاصتهم ، ما يلي :

إنّها نزلت في عبد الله بن ام مكتوم ، إنّه أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وأبي واميّة بن خلف يدعوهم إلى الله ويرجو إسلامهم (فإنّ في إسلامهم إسلام جمع من أتباعهم ، وكذلك توقف عدائهم ومحاربتهم للإسلام والمسلمين) ، فقال : يا رسول الله ، أقرئني وعلمني ممّا علمك الله ، فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنّه مشتغل مقبل على غيره ، حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله لقطعه كلامه ، وقال في

٤١٠

نفسه : يقول هؤلاء الصناديد ، إنّما أتباعه العميان والعبيد ، فأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم ، فنزلت الآية.

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك يكرمه ، وإذا رآه قال : «مرحبا بمن عاتبني فيه ربّي» ، ويقول له : «هل لك من حاجة».

واستخلفه على المدينة مرّتين في غزوتين(١) .

والرأي الثّاني في شأن نزولها : ما

روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «إنّها نزلت في رجل من بني اميّة ، كان عند النّبي ، فجاء ابن ام مكتوم ، فلما رآه تقذر منه وجمع نفسه عبس وأعرض بوجهه عنه ، فحكى الله سبحانه ذلك ، وأنكره عليه»(٢) .

وقد أيّد المحقق الإسلامي الكبير الشريف المرتضى الرأي الثّاني.

والآية لم تدل صراحة على أنّ المخاطب هو شخص النّبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنّ الآيات (٨ ـ ١٠) في السورة يمكن أن تكون قرينة ، حيث تقول :( وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) ، والنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خير من ينطبق عليه هذا الخطاب الربّاني.

ويحتجّ الشريف المرتضى على الرأي الأوّل ، بأنّ ما في آية( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) لا يدل على أنّ المخاطب هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث أنّ العبوس ليس من صفاته مع أعدائه ، فكيف به مع المؤمنين المسترشدين! ووصف التصدّي للأغنياء والتلهي عن الفقراء ممّا يزيد البون سعة ، وهو ليس من أخلاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكريمة ، بدلالة قول الله تعالى في الآية (٤) من سورة (ن) ، والتي نزلت قبل سورة عبس ، حيث وصفه الباري :( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .

وعلى فرض صحة الرأي الأوّل في شأن النزول ، فإنّ فعل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحال هذه لا يخرج من كونه (تركا للأولى) ، وهذا ما لا ينافي العصمة ،

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٣٧.

(٢) المصدر السابق.

٤١١

وللأسباب التالية :

أوّلا : على فرض صحة ما نسب إلى النّبي في إعراضه عن الأعمى وإقباله على شخصيات قريش ، فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفعله ذلك لم يقصد سوى الإسراع في نشر الإسلام عن هذا الطريق ، وتحطيم صف أعدائه.

ثانيا : إنّ العبوس أو الانبساط مع الأعمى سواء ، لأنّه لا يدرك ذلك ، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ «عبد الله بن ام مكتوم» لم يراع آداب المجلس حينها ، حيث أنّه قاطع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرارا في مجلسه وهو يسمعه يتكلم مع الآخرين ، ولكن بما أنّ الله تعالى يهتم بشكل كبير بأمر المؤمنين المستضعفين وضرورة اللطف معهم واحترامهم فإنّه لم يقبل من رسوله هذا المقدار القليل من الجفاء وعاتبه من خلال تنبيهه على ضرورة الاعتناء بالمستضعفين ومعاملتهم بكل لطف ومحبّة.

ويمثل هذا السياق دليلا على عظمة شأن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالقرآن المعجز قد حدد لنبيّ الإسلام الصادق الأمين أرفع مستويات المسؤولية ، حتى عاتبه على أقل ترك للأولى (عدم اعتنائه اليسير برجل أعمى) ، وهو ما يدلل على أنّ القرآن الكريم كتاب إلهي وأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صادق فيه ، حيث لو كان الكتاب من عنده (فرضا) فلا داعي لاستعتاب نفسه

ومن مكارم خلقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما ورد في الرواية المذكورة ـ إنّه كان يحترم عبد الله بن ام مكتوم ، وكلما رآه تذكر العتاب الرّباني له.

وقد ساقت لنا الآيات حقيقة أساسية في الحياة للعبرة والتربية والاستهداء بها في صياغة مفاهيمنا وممارستنا ، فالرجل الأعمى الفقير المؤمن أفضل من الغني المتنفذ المشرك ، وأنّ الإسلام يحمي المستضعفين ولا يعبأ بالمستكبرين.

ونأتي لنقول ثانية : إنّ المشهور بين المفسّرين في شأن النّزول ، هو نزولها في شخص النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن ليس في الآية ما يدل بصراحة على هذا المعنى.

* * *

٤١٢

التّفسير

عتاب ربّاني!

بعد أن تحدثنا حول شأن نزول الآيات ، ننتقل إلى تفسيرها :

يقول القرآن أولا :( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) .

لماذا؟ :( أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى ) .

( وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ) ، ويطلب الإيمان والتقوى والتزكية.

( أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى ) ، فإن لم يحصل على التقوى ، فلا أقل من أن يتذكر ويستيقظ من الغفلة ، فتنفعه ذلك(١) .

ويستمر العتاب :( أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى ) ، من اعتبر نفسه غنيا ولا يحتاج لأحد.

( فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ) ، تتوجّه إليه ، وتسعى في هدايته ، في حين أنّه مغرور لما أصابه من الثروة والغرور يولد الطغيان والتكبر ، كما أشارت لهذا الآيتان (٦ و٧) من سورة العلق :( ... إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ) .(٢)

( وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى ) ، أي في حين لو لم يسلك سبيل التقوى والإيمان ، فليس عليك شيء.

فوظيفتك البلاغ ، سواء أمن السامع أم لم يؤمن ، وليس لك أن تهمل الأعمى الذي يطلب الحقّ ، وإن كان هدفك أوسع ليشمل هداية كلّ أولئك الأغنياء المتحجرين.

__________________

(١) والفرق بين الآية والتي قبلها ، هو أنّ الحديث قد جرى حول التزكية والتقوى الكاملة ، في حين أنّ الحديث في الآية المبحوثة يتناول تأثير التذكر الإجمالي ، وإن لم يصل إلى مقام التقوى الكاملة ، وستكون النتيجة استفادة الأعمى المستهدي من التذكير ، سواء كانت الفائدة تامّة أم مختصرة. وقيل : إنّ الفرق بين الآيتين ، هو أنّ الأولى تشير إلى التطهير من المعاصي ، والثانية تشير إلى كسب الطاعات وإطاعة أمر الله عزوجل. والأوّل يبدو أقرب للصحة.

(٢) يقول الراغب في مفرداته : (غنى واستغنى وتغنى وتغانى) بمعنى واحد ، ويقول في (تصدّى) : إنّها من (الصدى) ، أي الصوت الراجع من الجبل.

٤١٣

وتأتي العتاب مرّة اخرى تأكيدا :( وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى ) ، في طلب الهداية

( وَهُوَ يَخْشى ) (١) ، فخشيته من الله هي التي دفعته للوصول إليك ، كي يستمع إلى الحقائق ليزكّي نفسه فيها ، ويعمل على مقتضاها.

( فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) (٢) .

ويشير التعبير بـ «أنت» إلى أنّ التغافل عن طالبي الحقيقة ، ومهما كان يسيرا ، فهو ليس من شأن من مثلك ، وإن كان هدفك هداية الآخرين ، فبلحاظ الأولويات ، فإنّ المستضعف الظاهر القلب والمتوجه بكلّه إلى الحقّ ، هو أولى من كلّ ذلك الجمع المشرك.

وعلى أيّة حال : فالعتاب سواء كان موجه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو إلى غيره ، فقد جاء ليكشف عن اهتمام الإسلام أو القرآن بطالبي الحق ، والمستضعفين منهم بالذات.

وعلى العكس من ذلك حدّة وصرامة موقف الإسلام والقرآن من الأثرياء المغرورين إلى درجة أنّ الله لا يرضى بإيذاء رجل مؤمن مستضعف.

وعلّة ذلك ، إنّ الطبقة المحرومة من الناس تمثل : السند المخلص للإسلام دائما الأتباع الأوفياء لأئمّة دين الحق ، المجاهدين الصابرين في ميدان القتال والشهادة ، كما تشير إلى هذا المعنى رسالة أمير المؤمنينعليه‌السلام لمالك الأشتر : «وإنّما عماد الدين وجماع المسلمين والعدّة للأعداء العامّة من الأئمّة ، فليكن صغوك لهم وميلك معهم»(٣) .

* * *

__________________

(١) يراد بالخشية هنا : الخوف من الله تعالى ، الذي يدفع الإنسان ليتحقق بعمق وصولا لمعرفته جلّ اسمه ، وكما يعبر المتكلمون عنه بـ وجوب معرفة الله بدليل دفع الضرر المحتمل. واحتمل الفخر الرازي : يقصد بالخشية ، الخوف من الكفّار ، أو الخوف من السقوط على الأرض لفقدانه البصر. وهذا بعيد جدّا.

(٢) «التلهي» : من (اللهو). ويأتي هنا بمعنى الغفلة عنه والاستغفال بغيره ، ليقف في قبال «التصّدي».

(٣) نهج البلاغة ، الرسالة ٥٣.

٤١٤

الآيات

( كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ (١٦) قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (٢٣) )

التّفسير

تأتي هذه الآيات المباركة لتشير إلى أهمية القرآن وطهارته وتأثيره في النفوس ، بعد أن تناولت الآيات التي سبقتها موضوع (الإعراض عن الأعمى الذي جاء لطلب الحق) ، ، فتقول( كَلَّا ) فلا ينبغي لك أن تعيد الكرّة ثانية.

( إِنَّها تَذْكِرَةٌ ) ، إنّما الآيات القرآنية تذكرة للعباد ، فلا ينبغي الإعراض عن المستضعفين من ذوي القلوب النقية الصافية والتوجه إلى المستكبرين ، أولئك الذين ملأ الغرور نفوسهم المريضة.

ويحتمل أيضا ، كون الآيات ،( كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ ) جواب لجميع التهم الموجهة ضد القرآن من قبل المشركين وأعداء الإسلام.

٤١٥

وفتقول الآية : إنّ الأباطيل والتهم الزائفة التي افتريتم بها على القرآن من كونه شعر أو سحر أو نوع من الكهانة ، لا يمتلك من الصحة شيئا ، وإنّما الآيات القرآنية آيات تذكرة وإيمان ، ودليلها فيها ، وكلّ من اقترب منها سيجد أثر ذلك في نفسه (ما عدا المعاندين).

وتشير الآية التالية إلى اختيارية الهداية والتذكّر :( فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ) (١) .

نعم ، فلا إجبار ولا إكراه في تقبل الهدي الرّباني ، فالآيات القرآنية مطروحة وأسمعت كلّ الآذان ، وما على الإنسان إلّا أن يستفيد منها أو لا يستفيد.

ثمّ يضيف : أنّ هذه الكلمات الإلهية الشريفة مكتوبة في صحف (ألواح وأوراق) :( فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ ) .

«الصحف» : جمع (صحيفة) بمعنى اللوح أو الورقة ، أو أيّ شيء يكتب عليه.

فالآية تشير إلى أنّ القرآن قد كتب على ألواح من قبل أن ينزّل على النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووصلت إليه بطريق ملائكة الوحي ، والألواح بطبيعتها جليلة القدر وعظيمة الشأن.

وسياق الآية وارتباطها مع ما سبقها من آيات وما سيليها : لا ينسجم مع ما قيل من أنّ المقصود بالصحف هنا هو ، كتب الأنبياء السابقين.

وكذا الحال بالنسبة لما قيل من كون «اللوح المحفوظ» ، لأنّ «اللوح والمحفوظ» لا يعبر عنه بصيغة الجمع ، كما جاء في الآية : «صحف».

وهذه الصحف المكرمة :( مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ) .

فهي مرفوعة القدر عند الله ، وأجلّ من أن تمتد إليها أيدي العابثين وممارسات المحرّفين ، ولكونها خالية من قذارة الباطل ، فهي أطهر من أن تجد فيها أثرا لأيّ تناقض أو تضاد أو شك أو شبهة.

__________________

(١) يعود ضمير : «ذكره» إلى ما يعود إليه ضمير «إنّها» ، وسبب اختلاف الصيغة بين الضميرين هو أنّ ضمير «إنّها» يرجع إلى الآيات القرآنية ، و «ذكره» إلى القرآن ، فجاء الأوّل مؤنثا والثّاني مذكرا.

٤١٦

وهي كذلك :( بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ) ، سفراء من الملائكة.

وهؤلاء السفراء :( كِرامٍ بَرَرَةٍ ) .

«سفرة» : جمع (سافر) من (سفر) على وزن (قمر) ، ولغة : بمعنى كشف الغطاء عن الشيء ، ولذا يطلق على الرسول ما بين الأقوام (السفير) لأنّه يزيل ويكشف الوحشة فيما بينهم ، ويطلق على الكاتب اسم (السافر) ، وعلى الكتاب (سفر) لما يقوم به من كشف موضوع ما وعليه فالسفرة هنا ، بمعنى : الملائكة الموكلين بإيصال الوحي الإلهي إلى النّبي ، أو الكاتبين لآياته.

وقيل : هم حفّاظ وقرّاء وكتّاب القرآن والعلماء ، الذين يحافظون على القرآن من أيدي العابثين وتلاعب الشياطين في كلّ عصر ومصر.

ويبدو هذا القول بعيدا ، لأنّ الحديث في الآيات كان يدور حول زمان نزول الوحي على صدر الحبيب المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليس عن المستقبل.

وما ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، في وقوله : «الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة»(١) . بجعل الحافظين للقرآن العاملين به في درجة السفرة الكرام البررة ، فليسوا هم السفرة بل في مصافهم ، لأنّ جلالة مقام حفظهم وعملهم ، يماثل ما يؤديه حملة الوحي الإلهي.

ونستنتج من كلّ ما تقدم : بأنّ من يسعى في حفظ القرآن وإحياء مفاهيمه وأحكامه ممارسة ، فله من المقام ما للكرام البررة.

«كرام» : جمع (كريم) ، بمعنى العزيز المحترم ، وتشير كلمة «كرام» في الآية إلى عظمة ملائكة الوحي عند الله وعلو منزلتهم.

وقيل : «كرام» : إشارة إلى طهارتهم من كلّ ذنب ، بدلالة الآيتين (٢٦ و٢٧) من سورة الأنبياء :( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) .

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٣٨.

٤١٧

«بررة» : جمع (بار) ، من (البرّ) ، بمعنى التوسع ، ولذا يطلق على الصحراء الواسعة اسم (البر) ، كما يطلق على الفرد الصالح اسم (البار) لوسعة خير وشمول بركاته على الآخرين.

و «البررة» : في الآية ، بمعنى : إطاعة الأمر الإلهي ، والطهارة من الذنوب.

ومن خلال ما تقدم تتوضح لنا ثلاث صفات للملائكة.

الاولى : إنّهم «سفرة» حاملين وحيه جلّ شأنه.

الثّانية : إنّهم أعزاء ومكرمون.

الثالثة : طهرة أعمالهم عن كلّ تقاعس أو مفسدة.

وعلى الرغم من توفير مختلف وسائل الهداية إلى الله ، ومنها ما في صحف المكرمة من تذكير وتوجيه ولكنّ الإنسان يبقى عنيدا متمردا :( قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ) (١) .

«الكفر» : في هذا الموضوع قد يحتمل على ثلاثة معان عدم الإيمان ، الكفران وعدم الشكر جحود الحق وستره بأيّ غطاء كان وعلى كلّ المستويات ، وهو المعنى الجامع والمناسب للآية ، لأنّها تعرضت لأسباب الهداية والإيمان ، فيما تتحدث الآيات التي تليها عن بيان النعم الإلهية التي لا تعد ولا تحصى.

( قُتِلَ الْإِنْسانُ ) : كناية عن شدّة غضب الباري جلّ وعلا ، وزجره لمن يكفر بآياته.

ثمّ يتعرض البيان القرآني إلى غرور الإنسان الواهي ، والذي غالبا ما يوقع صاحبه في هاوية الكفر والجحود السحيقة :( مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) ؟

__________________

(١) «قتل الإنسان» : نوع من اللعن ، وهو أشدّها عن الزمخشري في (الكشاف). «ما» ، في «ما أكفره» : للتعجب ، التعجب من السير في متاهات الكفر والضلال ، مع ما للحق من سبيل واضحة ، وتوفير مختلف مصاديق واللطف والرحمة والرّبانية التي توصل الإنسان إلى شاطئ النجاة.

٤١٨

لقد خلقه من نطفة قذرة حقيرة ، ثمّ صنع منه مخلوقا موزونا مستويا قدّر فيه جميع أموره في مختلف مراحل حياته :( مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ) .

فلم لا يتفكر الإنسان بأصل خلقته؟!

لم ينسى تفاهة مبدأه؟!

ألّا يجدر به أن يتأمل في قدرة الباري سبحانه ، وكيف جعله موجودا بديع الهيئة والهيكل من تلك النطفة الحقيرة القذرة!! ألا يتأمل!!

فالنظرة الفاحصة الممعنة في خلق الإنسان من نطفة قذرة وتحويله إلى هيئته التامّة المقدرة من كافة الجهات ، ومع ما منحه الله من مواهب واستعدادات لأفضل دليل يقودنا بيسر إلى معرفته جلّ اسمه.

«قدّره» : من (التقدير) ، وهو الحساب في الشيء وكما بات معلوما أنّ أكثر من عشرين نوعا من الفلزات وأشباه الفلزات داخلة في التركيب (البيولوجي) للإنسان ، ولكلّ منها مقدارا معينا ومحسوبا بدقّة متناهية من حيث الكمية الكيفية ، بل ويتجاوز التقدير حدّ البناء الطبيعي للبدن ليشمل حتى الاستعدادات والغرائز والميول المودعة في الإنسان الفرد ، بل وفي المجموع العام للبشرية ، وقد وضع الحساب في مواصفات تكوينية ليتمكن الإنسان بواسطتها من الوصول إلى السعادة الإنسانية المرجوة.

وتتجلّى عظمة تقدير الخالق سبحانه في تلك النطفة الحقيرة القذرة التي تتجلّى بأبهى صورها جمالا وجلالا ، حيث لو جمعنا الخلايا الأصلية للإنسان (الحيامن) لجميع البشر ، ووضعناها في مكان واحد ، لكانت بمقدار حمصة! نعم

فقد أودعت في هذا المخلوق العاقل الصغير كلّ هذه البدائع والقابليات.

وقيل : التقدير بمعنى التهيئة.

وثمّة احتمال آخر ، يقول التقدير بمعنى إيجاد القدرة في هذه النطفة المتناهية في الصغر.

٤١٩

فما أجلّ الإله الذي الذي جعل في موجود ضعيف كلّ هذه القدرة والاستطاعة ، فترى النطفة بعد أن تتحول إلى الإنسان تسير وتتحرك بين أقطار السماوات والأرض ، وتغوص في أعماق البحار وقد سخرت لها كلّ ما يحيط بها من قوى(١) .

ولا مانع من الأخذ بالتفاسير الثلاث جملة واحدة.

ويستمر القرآن في مشوار المقال :( ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ) يسّر له طريق تكامله حينما كان جنينا في بطن امّه ، يسّر له سبيل خروجه إلى الحياة من ذلك العالم المظلم.

ومن عجيب خلق الإنسان أنّه قبل خروجه من بطن امّه يكون على الهيئة التالية : رأسه إلى الأعلى ورجليه إلى الأسفل ، ووجهه متجها صوب ظهر امّه ، وما أن تحين ساعة الولادة حتى تنقلب هيئة فيصبح رأسه إلى الأسفل كي تسهل وتتيسّر ولادته! وقد تشذ بعض حالات لولادة ، بحيث يكون الطفل في بطن امّه في هيئة مغايرة للطبيعة ، ممّا تسبب كثير من السلبيات على وضع الام عموما.

وبعد ولادته : يمرّ الإنسان في مرحلة الطفولة التي تتميز بنموه الجسمي ، ثمّ مرحلة نمو الغرائز ، فالرشد في مسير الهداية الايمانية والروحية ، ويساهم العقل ودعوة الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام في تركيز معالم شخصية وبناء الإنسان ورحيا وإيمانيا.

وبلاغة بيان القرآن قد جمعت كلّ ذلك في جملة واحدة :( ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ) .

والملفت للنظر أنّ الآية المباركة تؤكّد على حرية اختيار الإنسان حين قالت أنّ الله تعالى يسّر وسهّل له الطريق الى الحق ، ولم تقل أنّه تعالى أجبره على

__________________

(١) يقول الراغب في مفردات : «قدّره» (بالتشديد) : أعطاه القدرة ، ويقال : قدّرني الله على كذا وقواني عليه».

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

أدّاه زاده و من قصّر عنه خاطر بزوال النعمة ، فليركم اللَّه .(١) » .

و حينئذ فليكونوا وجلين من تقصيرهم في شكر النعمة كما ينبغي فيستحقوا سلبها و اخذهم بعقوبة كفرانها .

« انه من وسع عليه في ذات يده فلم ير ذلك استدراجا فقد أمن مخوفا » جعل ( التحف ) هذا الكلام . خبرا مستقلا ، و هو الوجه لأن التوسعة أعمّ من النعمة ، و إذا كانت استدراجا فهي نقمة ، قال تعالى( فَلمّا نَسُوا ما ذُكّرُوا بِه فَتَحنا عَليهم أَبوابَ كُلِّ شي‏ءٍ حَتّى إذا فَرحوا بما اُوتُوا أخذناهُم بَغتةً فإذا هم مُبلِسون ) (٢) ( و الَّذينَ كَذّبُوا بآياتنا سَنَستَدرجُهم مِن حيثُ لا يَعلَمون ) .

( و اُملي لَهُم إِنّ كَيدي متين ) (٣) ( فَذَرني و من يُكَذّب بهذا الحَديث سنَستَدرجُهم من حَيثُ لا يَعلَمُون و اُملي لَهُم إِنَ كَيدي مَتينٌ ) (٤) .

« و من ضيّق عليه فلم ير ذلك اختبارا فقد ضيّع مأمولا » بدل ( التحف ) قوله « فلم ير ذلك اختبارا » بقوله « فلم يظن ان ذلك حسن نظر من اللَّه » و هو المناسب لقوله « فقد ضيّع مأمولا » ، فإنّما المأمول حسن نظره تعالى لعبده لا اختباره له ، و لعلّ اختباره سبب ضلاله .

و أما كون التضييق حسن نظر منه تعالى لعبده ففي ما ناجى موسى كما روى ( الكافي ) يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل : مرحبا بشعار الصالحين ، و إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجّلت عقوبته(٥) .

و عن الصادقعليه‌السلام : إن اللَّه تعالى ليعتذر إلى عبده المؤمن المحوج في

____________________

( ١ ) تحف العقول : ١٤٢ .

( ٢ ) الأنعام : ٤٤ .

( ٣ ) الأعراف : ١٨٢ ١٨٣ .

( ٤ ) القلم : ٤٤ ٤٥ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٣ ح ١٢ .

٥٨١

الدّنيا كما يعتذر الأخ إلى أخيه ، فيقول : و عزتي و جلالي ما أحوجتك في الدّنيا من هو ان كان بك عليّ فارفع هذا السجف فانظر إلى ما عوّضتك من الدنيا ، فيرفع فيقول ما ضرّني ما منعتني مع ما عوّضتني(١) .

و في خبر آخر : فمن زود أحدكم في دار الدّنيا معروفا فخذوا بيده و ادخلوه الجنة ، و لكلّ عبد منكم مثل ما أعطيت أهل الدّنيا منذ كانت إلى أن انقضت سبعون ضعفا(٢) .

و عنهعليه‌السلام : إنّ فقراء المؤمنين(٣) يتقلّبون في رياض الجنّة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا ، و مثل ذلك كسفينتين مرّ بهما على عاشر فنظر في إحداهما فلم ير شيئا فقال : أسربوها ، و نظر في الاخرى فإذا هي موقرة فقال : إحبسوها(٤) .

و عنهعليه‌السلام : لو لا إلحاح هذه الشيعة على اللَّه في طلب الرزق لنقلهم من الحال التي هم فيها إلى ما هو أضيق(٥) .

٨٢ الحكمة ( ٣٦٥ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ وَ اَلاِعْتِبَارُ مُنْذِرٌ نَاصِحٌ وَ كَفَى أَدَباً لِنَفْسِكَ تَجَنُّبُكَ مَا كَرِهْتَهُ لِغَيْرِكَ أقول : كرّر المصنف الفقرة الأخيرة مستقلة في ( ٤١٢ ) سهوا بلفظ

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٤ ح ١٨ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦١ ( ٩ ) ، بحار الأنوار ٧ : ٢٠٠ .

( ٣ ) في بعض النسخ « المسلمين » .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٠ ح ١ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٤ ح ١٦ .

٥٨٢

« كفاك أدبا لنفسك اجتنابك ما تكرهه لغيرك » .

« الفكر مرآة صافية » في ( الكافي ) سئل الصادقعليه‌السلام عمّا يروى أنّ تفكّر ساعة خير من قيام ليلة كيف يتفكّر ؟ قال : يمرّ بالخربة أو الدار فيقول : أين ساكنوك ؟ أين بانوك ؟ مالك لا تتكلّمين(١) ؟

« و الاعتبار منذر ناصح »( أَلم تَر أَن اللَّه يُزجي سَحاباً ثم يُؤلّفُ بَينهُ ثُم يَجعَلُه رُكاماً فتَرى الودقَ يَخرُجُ مِن خلاله و يُنَزِّلُ من السّماء من جبال فيها من بردٍ فيُصيب به مَن يشاءُ و يصرفهُ عمّنَ يشاء يَكادُ سَنابرقهِ يذهبُ بالأَبصارِ يُقلِّبُ اللَّه الليلَ و النهارَ إِن في ذلكَ لعبرةً لاُولي الأبصار ) (٢) .

« و كفى أدبا لنفسك تجنّبك ما كرهته من غيرك »( و ما اُريد أن اُخالفكم إلى ما أَنهاكُم عَنهُ ) (٣) .

و مرّ قولهعليه‌السلام « و من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه » و قولهعليه‌السلام « أكبر العيب أن تعيب ما فيك مثله » .

و قيل كتب بعض الكتّاب إلى بعض الملوك :

تضرب الناس بالمهندة البيض

على غدرهم و تنسى الوفاء(٤)

٨٣ الحكمة ( ٣٧١ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ شَرَفَ أَعْلَى مِنَ اَلْإِسْلاَمِ وَ لاَ عِزَّ أَعَزُّ مِنَ اَلتَّقْوَى وَ لاَ مَعْقِلَ أَحْسَنُ مِنَ اَلْوَرَعِ وَ لاَ شَفِيعَ أَنْجَحُ مِنَ اَلتَّوْبَةِ وَ لاَ كَنْزَ أَغْنَى مِنَ اَلْقَنَاعَةِ وَ لاَ

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٥٤ أخرجه عن علي بن إبراهيم عن السكوني .

( ٢ ) النور : ٤٦ ٤٤ .

( ٣ ) هود : ٨٨ .

( ٤ )

٥٨٣

مَالَ أَذْهَبُ لِلْفَاقَةِ مِنَ اَلرِّضَى بِالْقُوتِ وَ مَنِ اِقْتَصَرَ عَلَى بُلْغَةِ اَلْكَفَافِ فَقَدِ اِنْتَظَمَ اَلرَّاحَةَ وَ تَبَوَّأَ خَفْضَ اَلدَّعَةِ وَ اَلرَّغْبَةُ مِفْتَاحُ اَلنَّصَبِ وَ مَطِيَّةُ اَلتَّعَبِ وَ اَلْحِرْصُ وَ اَلْكِبْرُ وَ اَلْحَسَدُ دَوَاعٍ إِلَى اَلتَّقَحُّمِ فِي اَلذُّنُوبِ وَ اَلشَّرُّ جَامِعُ مَسَاوِئِ اَلْعُيُوبِ أقول : هذا العنوان جزء خطبة الوسيلة رواها ( روضة الكافي ) « لا شرف أعلى من الإسلام » روى ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى :( صبغَةَ اللَّه وَ مَن أحسنُ من اللَّه صبغَة ) (١) : إنّ الصبغة هي الإسلام(٢) .

و في الخبر : الإسلام يعلو و لا يعلى عليه(٣) .

و عنهعليه‌السلام في مجوسية أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها و أبي أن يسلم :

لها عليه نصف الصداق و لم يزدها الإسلام إلاّ عزّا(٤) ، و قال تعالى( اليوم أكملتُ لكُم دينَكُم و أَتمَمتُ عليكم نعمتي و رَضيتُ لكُم الإسلام ديناً ) (٥) ( وَ مَن يَبتَغ غَير الإسلام ديناً فَلن يُقبل منه ) (٦) .

« و لا عز أعز من التقوى »( يا أيُّها الناس إِنّا خلقناكم من ذكرٍ و اُنثى و جَعلناكُم شُعُوباً و قبائِلَ لتعارَفوا إِن أكرمكُم عندَ اللَّه أتقاكم ) (٧) .

« و لا معقل أحسن من الورع »( و مَن يتّق اللَّه يَجعَل لُهُ مَخرَجاً و يَرزُقه من حيثُ لا يَحتَسِبُ ) (٨) .

____________________

( ١ ) البقرة : ١٣٨ .

( ٢ ) روضة الكافي للكليني : ١٨ .

( ٣ ) ٣٩ : ٤٧ رواية ١ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٥ : ٤٣٦ رواية ٦ .

( ٥ ) المائدة : ٣ .

( ٦ ) آل عمران : ٨٥ .

( ٧ ) الحجرات : ١٣ .

( ٨ ) الطلاق : ٢ ٣ .

٥٨٤

« و لا شفيع أنجح من التوبة »( و هو الذي يَقبلُ التوبةَ عن عبادهِ و يعفو عن السيئات ) (١) ( إِن اللَّه يحبُّ التّوابينَ و يُحبُّ المُتَطهرين ) (٢) و قال هود لقومه :

( و يا قوم استغفروا ربَّكُم ثُمَ توبُوا إِليه يُرسِل السَّماءَ عليكم مدراراً و يزدكُم قُوّةً إلى قوتكم ) (٣) ( و أَن استَغفروا ربَّكُم ثم توبوا إليه يُمتِّعكم متاعاً حسناً إِلى أجلٍ مُسمّى و يؤتِ كُلّ ذي فضلٍ فَضلُه ) (٤) .

« و لا كنز أغنى من القناعة » في ( الكافي ) عنهعليه‌السلام من رضي من الدّنيا بما يجزيه كان أيسر ما فيها يكفيه ، و من لم يرض من الدّنيا بما يجزيه لم يكن فيها شي‏ء يكفيه(٥) .

« و لا مال أذهب للفاقة من الرضى بالقوت » في ( الروضة ) بعد هذه الفقرات « و لا لباس أجمل من العافية ، و لا غائبا أقرب من الموت ، أيّها الناس إنّه من مشى على وجه الأرض فإنّه يصير إلى بطنها ، و الليل و النهار مسرعان في هدم الأعمار ، و لكلّ ذي رمق قوت و أنت قوت الموت ، و ان من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد ، و لن ينجو من الموت غني بماله و لا فقير لإقلاله »(٦) .

« و من اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة و تبوّأ خفض الدعة » أي :

السكون و الاستراحة ، من « ودع » بالضم .

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللّهم ارزق محمّدا و آل محمّد الكفاف ، و ارزق من أحبّ

____________________

( ١ ) الشورى : ٢٥ .

( ٢ ) البقرة : ٢٢٢ .

( ٣ ) هود : ٥٢ .

( ٤ ) هود : ٣ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ١٤٠ ح ١١ .

( ٦ ) روضة الكافي للكليني : ١٩ .

٥٨٥

محمدا و آل محمّد العفاف و الكفاف ، و ارزق من أبغضهم المال و الولد(١) .

و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال تعالى : إنّ من أغبط أوليائي رجلا خفيف الحال ذا حفظ من الصلاة أحسن عبادة ربّه بالغيب ، و كان غامضا في الناس جعل رزقه كفافا فصبر عليه عجلت منيته فقلّ تراثه و قلّت بواكيه(٢) .

« و الرغبة » أي : الحرص .

« مفتاح النصب » جعلعليه‌السلام النصب كقفل مفتاحه الرغبة .

« و مطية التعب » المطية ، المركب ، جعلعليه‌السلام التعب كمقصد لا تصل إليه إلاّ بمطيّة الرغبة .

« و الحرص و الكبر و الحسد دواع إلى التقحم » أي : رمي النفس .

« في الذنوب » الحرص كان داعي آدمعليه‌السلام إلى الشجرة المنهية و الكبر كان داعي إبليس إلى ترك السجود لآدم ، و الحسد كان داعي قابيل إلى قتل أخيه هابيل ، و الكبر أول ذنب أهل السماء ، و الحسد أول ذنب أهل الأرض .

« و الشر جامع مساوي » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٣) و الصواب :

( لمساوي ) كما في ابن أبي الحديد(٤) و ابن ميثم(٥) و النسخة الخطية(٦) .

« العيوب » الحرص و الكبر و الحسد و غيرها من البخل و الجبن و العجب و غيرها ، لكن كون الشر أعم أمر واضح ، و الظاهر وقوع تصحيف ، و كون

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ١٤٠ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ١٤٠ .

( ٣ )

( ٤ )

( ٥ )

( ٦ ) النسخة المصرية ٧٤٤ رقم ( ٣٧٠ ) مطابقة لنسخة شرح ابن ميثم المنقحة ٥ : ٤٢٥ رقم ٣٥٢ ، و في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٠١ قمم ( ٣٧٧ ) « لمساوي » .

٥٨٦

الشر محرّف البخل ، ففي ( ٣٧٨ ) و قالعليه‌السلام : « البخل جامع لمساوى‏ء العيوب ، و هو زمام يقاد به إلى كلّ سوء » و عليه ففي الثاني تكرار بعض الأول .

٨٤ الحكمة ( ٣٧٦ ) إِنَّ اَلْحَقَّ

ثَقِيلٌ مَرِي‏ءٌ وَ إِنَّ اَلْبَاطِلَ خَفِيفٌ وَبِي‏ءٌ أقول : قالعليه‌السلام : هذا الكلام لعثمان مع زيادة « و أنت رجل إن صدقت سخطت و ان كذبت رضيت » كما رواه ابن أبي الحديد في موضع آخر و نقل مثله عن لقمان و ورد : الحقّ أوسع الأشياء في التواصف و أضيقها في التناصف(١) .

و في ( الكافي ) قيل للصادقعليه‌السلام : يزعمون أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص في أن نقول : « جئناكم جئناكم جيئونا جيئونا نجئكم نجئكم » فقال : كذبوا إنّ اللَّه تعالى يقول :( و ما خلقنا السماءَ و الأرضَ و ما بينَهُما لاَعِبينَ لو أردنا أن نتَّخِذَ لَهواً لاتخذناهُ من لدُنّا إِن كُنّا فاعلين بل نَقذِفُ بالحقِّ عَلى الباطل فَيَدمَغُهُ فإذا هُو زاهِق و لَكُم الوَيل مِمّا تَصِفُون ) (٢) .

و سئل الباقرعليه‌السلام عن الغناء(٣) فقالعليه‌السلام : إذا ميّز اللَّه بين الحق و الباطل فأين يكون الغناء ؟ قال : مع الباطل فقال : قد حكمت و كذلك سئل عن النرد و الشطرنج فأجاب بكونهما مع الباطل إذا ميّز بينه و بين الحق(٤) .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٨٨ .

( ٢ ) الأنبياء : ١٦ ١٨ .

( ٣ )

( ٤ ) الكافي للكليني ٦ : ٤٣٦ ح ٩ .

٥٨٧

٨٥ الحكمة ( ٣٨١ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْكَلاَمُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ فَإِذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ وَ وَرِقَكَ فَرُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً وَ جَلَبَتْ نِقْمَةً و « صرت وثاقه » في ( الطبعة المصرية )(١) تصحيف ، أي : هو في شدك ابتداء و تصير في شدّه انتهاء .

« فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك و ورقك ، فربّ كلمة سلبت نعمة و جلبت نقمة » فقرة « و جلبت نقمة » ليست في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) و إنّما هي في ( الطبعة المصرية )(٢) .

و في السير : نزل النعمان بن المنذر برابية ، فقال له رجل من أصحابه :

أبيت اللعن لو ذبح رجل على رأس هذه الرابية إلى أين كان يبلغ دمه فقال النعمان : المذبوح و اللَّه أنت و لأنظرن أين يبلغ دمك فذبحه(٣) .

و في ( العيون ) : قال ابن إسحاق : النّسناس خلق باليمن لأحدهم عين و يد و رجل يقفز بها و أهل اليمن يصطادونهم ، فخرج قوم في صيدهم فرأوا ثلاثة منهم ، فأدركوا واحدا منهم فعقروه و ذبحوه و توارى اثنان في الشّجر ، فقال الذي ذبح الأول انّه لسمين ، فقال الثاني انّه أكل ضروا فأخذوه و ذبحوه ، فقال الذي ذبحه ما انفع الصمت فقال الثالث فها أنا الصمت فأخذوه و ذبحوه(٤) .

____________________

( ١ ) صححت في الطبعة الثانية المنقحة : ٧٤٨ رقم ( ٣٨١ ) .

( ٢ ) النسخة المصرية : ٧٤٨ و شرح ابن ميثم ٥ : ٤٣٣ متطابقان و الحذف في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٢٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٩٢ .

( ٤ ) العيون ٢ : ١٧٦ و ذكره الدميري .

٥٨٨

و في ( الأغاني ) : صلب الحجّاج رجلا من الشّراة بالبصرة و راح عشيّا لينظر إليه ، فإذا برجل بازائه مقبل بوجهه عليه ، فدنا منه فسمعه يقول للمصلوب « طال ما ركبت فأعقب »(١) فقال الحجّاج : من هذا ؟ فقالوا : شظاظ اللص قال : لا جرم و اللَّه ليعقبنّك ، ثم وقف و أمر بالمصلوب فأنزل و صلب شظاظا مكانه(٢) .

٨٦ الحكمة ( ٣٨٤ ) و قالعليه‌السلام :

اَلرُّكُونُ إِلَى اَلدُّنْيَا مَعَ مَا تُعَايِنُ جَهْلٌ وَ اَلتَّقْصِيرُ فِي حُسْنِ اَلْعَمَلِ إِذَا وَثِقْتَ بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ غَبْنٌ وَ اَلطُّمَأْنِينَةُ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ قَبْلَ اَلاِخْتِبَارِ لَهُ عَجْزٌ في ( الجهشياري ) قيل لعتابة أمّ جعفر بن يحيى بعد نكبتهم و هي بالكوفة في يوم أضحى ما أعجب ما رأيت ؟ فقالت : لقد رأيتني في مثل هذا اليوم و على رأسي مائة و صيفة لبوس كلّ واحدة منهنّ و حليها خلاف لبوس الاخرى و حليها ، و أنا يومي هذا اشتهي لحما فما أقدر عليه(٣) .

و في ( المروج ) : لمّا دخل عمرو بن ليث إلى بغداد من المصلّى العتيق رافعا يديه يدعو و هو على جمل فالح و هو ذو السنامين و كان أنفذه إلى المعتضد في هدايا تقدّمت له قبل أسره قال ابن فهم :

ألم تر هذا الدهر كيف صروفه

يكون عسيرا مرّة و يسيرا

____________________

( ١ ) معناه : اترك عقبك و من يخلفك .

( ٢ ) الأغاني ٢٢ : ٣٠٠ نقله عن أبي ميثم .

( ٣ ) الجهشياري ، الوزراء و الكتّاب : ٢٤١ .

٥٨٩

و حسبك بالصفّار نبلا و عزّة

يروح و يغدو في الجيوش أميرا

حباهم جمالا و هو لم يدر أنّه

على جمل منها يقاد أسيرا

و قال ابن بسام :

أيّها المغتر بالدنيا

أما أبصرت عمرا

مقبلا قد أركب الفالح

بعد الملك قهرا

و عليه برنس السّخطة

إذلالا و قهرا

رافعا كفّيه يدعو اللّه

إسرارا و جهرا

أن ينجّيه من القت

ل و ان يعمل صفرا(١)

و في ( المعجم ) : كان أبو الفتح بن العميد قد دبّر على الصاحب بن عبّاد حتّى أزاله عن كتابة مؤيّد الدولة و أبعده عن حضرته بالريّ إلى اصفهان ، و انفرد هو بتدبير الأمور له كما كان يدبّرها لأبيه ركن الدولة ، و استدعى يوما ندماءه و عبأ لهم مجلسا عظيما و أظهر من الزينة و آلات الذهب و الفضة و الصيني و ما شاكله ما يفوت الحصر ، و شرب و استفزّه الطرب و كان قد شرب يومه و ليلته و عمل شعرا غني به :

دعوت المنى و دعوت العلا

فلمّا أجابا دعوت القدح

و شرب عليه إلى أن سكر و قال لغلمانه : غطوا المجلس و لا تسقطوا منه شيئا لأصطبح في غد عليه ، و قال لندمائه : باكروني ، و قام إلى بيت منامه و انصرف عنه الندماء ، فدعاه مؤيّد الدولة في السحر فلم يشك أنّه لمهم فقبض عليه و أنفذ إلى داره من استولى على جميع ما فيها و أعاد ابن عبّاد إلى وزارته و تطاول بابن العميد النكبة حتى مات فيها(٢) .

____________________

( ١ )

( ٢ ) الحموي ، معجم الأدباء ٦ : ٢٥١ .

٥٩٠

و لبعضهم في الفضل بن مروان وزير المعتصم و كان قبله الفضل بن يحيى البرمكي و الفضل بن الربيع الحاجب وزيري الرشيد و الفضل بن سهل وزير المأمون :

تجبرت(١) يا فضل بن مروان فاعتبر

فقبلك كان الفضل و الفضل و الفضل

ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم

أبادهم الموت المشتت و القتل

فإنّك قد أصبحت في النّاس ظالما

ستودي كما أودى الثلاثة من قبل(٢)

« و التقصير في حسن العمل إذا وثقت بالثواب عليه غبن » فقد قال تعالى :

( مَثَلُ الذين يُنفقونَ أَموالَهم في سَبيل اللَّه كَمَثَلِ حَبةٍ أنبتت سَبعَ سنابِلَ في كلّ سُنبلةٍ مائة حبّةٍ و اللَّه يُضاعف لِمن يشاء ) (٣) و قال تعالى :( تتجافى جُنوبهم عن المضاجِع يدعون رَبّهم خوفاً و طمعاً و ممّا رزقناهم يُنفقون فلا تَعلَمُ نَفسٌ ما اُخفي لَهُم مِن قُرّةِ أَعيُنٍ جَزاءً بما كانوا يَعمَلون ) (٤) فإذا كان واثقا بذلك و قصر كان مغبونا ألبتّة .

« و الطمأنينة إلى كلّ أحد قبل الاختبار له عجز » فليس كلّ أحد صادقا .

٨٧ الحكمة ( ٣٨٦ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ طَلَبَ شَيْئاً نَالَهُ أَوْ بَعْضَهُ قيل : هو نظير قولهم : « من طلب شيئا وجدّ وجد »(٥) و قولهم « من قرع

____________________

( ١ ) عند ابن خلفكان بلفظ « تفرعنت » .

( ٢ ) ابن خلكان ٤ : ٤٥ .

( ٣ ) البقرة : ٢٦١ .

( ٤ ) السجدة : ١٦ ١٧ .

( ٥ ) المثل بلفظ من طلب شيئا وجده ٢ : ٣٥٧ ، مجمع الأمثال للميداني .

٥٩١

قرع بابا و لجّ ولج » و قال تعالى( و الَّذين جاهدوا فينا لنَهديَّنهم سُبُلنا ) .(١) .

و في ( الأمثال ) : إن عامر بن الطرف لمّا كبر قال له قومه : إجعل لنا قائدا بعدك ، فقال : من طلب شيئا وجده و ان لم يجده يوشك أن يوقع قريبا منه(٢) .

٨٨ الحكمة ( ٣٩٢ ) و قالعليه‌السلام :

تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا فَإِنَّ اَلْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ أقول : الفقرة الثانية تكرار من المصنف لعنوانه ( ١٤٨ ) « المرء مخبوء تحت لسانه » .

و كيف كان فمرّ في الديباجة قول الشعبي إنّهعليه‌السلام تكلّم بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا فقأن عيون البلاغة و أيتمن جواهر الحكمة و قطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن ، ثلاث منهن في المناجاة و ثلاث منهن في الحكمة إلى أن قال و أمّا اللاتي في الحكمة فقال : قيمة كلّ امرى‏ء ما يحسنه ، و ما هلك امرؤ عرف قدره ، و المرء مخبوّ تحت لسانه(٣) .

هذا ، و قد غيّروا كلامهعليه‌السلام « المرء مخبوّ تحت لسانه » فقالوا « المرء مخبو تحت طي لسانه لا طيلسانه » .

« تكلموا تعرفوا » قال تعالى :( فلمّا كَلَّمهُ قال إنَّكَ اليوم لدينا

___________________

( ١ ) العنكبوت : ٦٩ .

( ٢ ) الأمثال ، ذكره الميداني في ٢ : ١٨٣ .

( ٣ ) الصدوق ، الخصال : ٤٢٠ ح ١٤ ، و ذكره المؤلف في صفحة ٥٧ من الجزء الأول .

٥٩٢

مَكينٌ أَمين ) (١) .

و في ( تاريخ بغداد ) : دخل عبد العزيز بن يحيى المكي و كانت خلقته شنعة على المأمون و عنده المعتصم ، فضحك منه فأقبل على المأمون و قال :

لم ضحك هذا ؟ لم يصطف اللَّه يوسف لجماله و إنّما اصطفاه لدينه و بيانه ، و لم يقل الملك لمّا رأى جماله إنّك اليوم لدينا مكين أمين بل لمّا كلّمه ، بياني أحسن من وجه هذا فأعجب المأمون قوله(٢) .

و في ( العيون ) عن ربيعة الرأي : الساكت بين النائم و الأخرس و ذكروا أفضلية الكلام و الصمت فقال أبو مسهّر : كلاّ إنّ النجم ليس كالقمر ، إنّك تصف الصمت بالكلام و لا تصف الكلام بالصمت و قال يونس : ليس لعييّ مروّة ، و لا لمنقوص البيان بهاء و لو بلغ يافوخه أعنان السماء(٣) .

و في ( تاريخ بغداد ) : قال ابن عمّار : كنت إذا نظرت إلى يحيى بن سعيد القطان ظننت انّه رجل لا يحسن شيئا فإذا تكلّم أنصت له الفقهاء(٤) .

و في ( الطبري ) في قدوم الحجّاج الكوفة و صعوده المنبر فطال سكوته فتناول محمد بن عمير حصى أراد أن يحصبه بها و قال : قاتله اللَّه ما أعياه و اللَّه إنّي لأحسب خبره كروائه ، فلمّا تكلّم الحجّاج جعل الحصى ينتثر من يده و لا يعقل به(٥) .

و في ( البلاذري ) : سعى عبد اللَّه بن الأهتم خليفة قتيبة على مرو بقتيبة إلى الحجّاج ، فأرسل الحجّاج كتابه إلى قتيبة فأحس بالشرّ ، فهرب إلى الشام

____________________

( ١ ) يوسف : ٥٤ .

( ٢ ) تاريخ بغداد ، ١٠ : ٤٥٠ في ترجمة عبد الزيز بن يحيى .

( ٣ ) ابن قتيبة ، عيون الأخبار ٢ : ١٧٥ .

( ٤ ) تاريخ بغداد ١٤ : ١٤٠ في ترجمة يحيى بن سعيد ( رقم ٧٤٦١ ) .

( ٥ )

٥٩٣

و وضع قطنة على احدى عينيه ثم عصبها و اكتنى بأبي قطنة ، و كان يبيع الزيت حتى إذا هلك الوليد و قام سليمان ألقى عنه ذاك الدنس و قام بخطبة تهنئة لسليمان و وقوعا في الحجّاج و قتيبة و كانا خلعا سليمان فتفرّق الناس و هم يقولون أبو قطنة الزيّات أبلغ الناس(١) .

هذا ، و عنهعليه‌السلام : اللسان معيار أطاشه الجهل و أرجحه العقل(٢) .

و روي أنّهعليه‌السلام سئل أيّ شي‏ء أحسن ؟ فقال : الكلام فقال : أيّ شي‏ء أقبح ؟ فقال : الكلام ثم قال : بالكلام ابيضّت الوجوه و بالكلام اسودّت الوجوه(٣) .

« المرء مخبوء تحت لسانه » و قال شاعر :

و النّار في أحجارها مخبوءة

ليست ترى إن لم يثرها الازند

و في ( العيون ) ذكر أعرابي رجلا فقال : رأيت عورات الناس بين أرجلهم و عورة فلان بين فكّيه(٤) .

و عاب آخر رجلا فقال : ذاك من يتامى المجلس ، أبلغ ما يكون في نفسه و أعيى ما يكون عند جلسائه(٥) .

و في ( تاريخ بغداد ) : كان رجل يجلس إلى أبي يوسف فيطيل الصمت ، فقال له : ألا تتكلّم ؟ فقال : بلى متى يفطر الصائم قال : إذا غابت الشمس قال :

فإن لم تغب إلى نصف الليل ، فضحك أبو يوسف و قال : أصبت في صمتك و أخطأت أنا في استدعاء نطقك ، ثم تمثّل :

____________________

( ١ ) البلاذري ، فتوح البلدان : ٥٩٧ ٧٩٨ .

( ٢ ) تحف العقول : ١٤٧ .

( ٣ ) تحف العقول : ١٥٤ ، و بحار الأنوار ٧٨ : ٥٥ .

( ٤ )

( ٥ )

٥٩٤

عجبت لأزراء العييّ بنفسه

و صمت الذي قد كان للقول أعلما

و في الصمت ستر للعييّ و إنّما

صحيفة لب المرء أن يتكلما(١)

و في ( كامل المبرد ) : إنّ الحجّاج بعث برأس ابن الأشعث بعد ظفره به مع عرّار بن عمرو بن شاس الأسدي و كان أسود دميما إلى عبد الملك فلمّا ورد به عليه جعل عبد الملك لا يسأل عن شي‏ء من أمر الوقيعة إلاّ أنبأه به عرّار في أصح لفظ و أشبع قول و أجزأ اختصار و كان عبد الملك اقتحمه عينه حيث رآه فقال متمثلا :

أرادت عرارا بالهوان و من يرد

لعمري عرارا بالهوان فقد ظلم

و إنّ عرارا إن يكن غير واضح

فإنّي احبّ الجون ذا المنكب العمم

فقال له عرّار : أتعرفني أيها الخليفة ؟ قال : لا قال : فأنا و اللَّه عرّار فزاد في سروره و زاد في جائزته(٢) .

و في ( الخلفاء ) : لمّا بنى الحجّاج خضراء واسط قال لجلسائه : كيف ترون هذه القبة ؟ قالوا : ما رأينا مثلها قال : و لها عيب ما هو ؟ قالوا : ما نرى قال :

سأبعث إلى من يخبرني ، فبعث إلى الغضبان الشيباني و كان في سجنه لأنّه كان قال لابن الأشعث تغدّ بالحجّاج قبل أن يتعشاك فأقبل به و هو يرسف في القيود فقال له : كيف قبتي هذه ؟ قال : نعمت حسنة مستوية قال : أخبرني بعيبها قال : بنيتها في غير بلدك لا يسكنها ولدك قال : صدق ردوه إلى السجن .

فقال : قد أكلني الحديد و أوهن ساقي القيود فما اطيق المشي قال : احملوه ، فلمّا حمل على الأيدي قال :( سُبحان الذي سَخّرَ لنا هذا و ما كُنا لهُ مُقرنين ) (٣) قال :

____________________

( ١ )

( ٢ ) كامل المبرد ١ : ١٦٠ .

( ٣ ) الزخرف : ١٣ .

٥٩٥

أنزلوه فقال :( ربّ أَنزلني مُنزلاً مُباركاً و أنتَ خَيرُ المُنزِلينَ ) (١) قال : جرّوه .

فقال و هو يجر( بسم اللَّه مجراها و مُرساها إنّ ربّي لغفورٌ رحيم ) (٢) قال :

اضربوا به الأرض فقال :( منها خلقناكم و فيها نُعيدُكم و منها نُخرجكم تارة اُخرى ) (٣) فضحك الحجّاج حتى استلقى على قفاه ثم قال : و يحكم قد غلبني هذا الخبيث ، أطلقوه إلى صفحي عنه فقال الغضبان :( فاصفح عنهُم و قُل سلام ) (٤) فنجا من شرّه بلسانه(٥) و كان قال له لأقطعن يديك و رجليك و لأضربن بلسانك عينيك(٦) .

و في ( البيان ) : خرج صعصعة(٧) إلى مكة ، فلقيه رجل فقال : يا عبد اللَّه كيف تركت الأرض قال : عريضة أريضة(٨) قال : إنّما عنيت السماء قال : فوق البشر و مد البصر قال : سبحان اللَّه إنّما أردت السحاب قال : تحت الخضراء و فوق الغبراء قال : إنّما أعني المطر قال : قد عفّي الأثر و ملأ القتر(٩) و بلّ الوبر و مطرنا أحيا المطر قال : إنسيّ أنت أم جني ؟ قال : بل إنسي من امّة رجل مهديّ(١٠) .

و في ( شعراء ابن قتيبة ) : كان الحارث بن حلزة اليشكري ارتجل بين

____________________

( ١ ) المؤمنون : ٢٩ .

( ٢ ) هود : ٤١ .

( ٣ ) طه : ٥٥ .

( ٤ ) الزخرف : ٨٩ .

( ٥ )

( ٦ ) ابن قتيبة ، الامامة و السياسة : ٣٦ و هو المعروف بتاريخ الخلفاء .

( ٧ )

( ٨ )

( ٩ )

( ١٠ )

٥٩٦

يدي عمرو بن هند في شي‏ء كان بين بكر و تغلب بعد الصلح قصيدته « آذنتنا ببنيها اسماء » و كان ينشده من وراء سبع ستور ، فأمر برفع الستور عنه استحسانا لها(١) .

و نظر النعمان بن المنذر إلى ضمرة بن ضمرة ، فلمّا رأى دمامته قال :

تسمع بالمعيدي لا أن تراه فقال ضمرة : إنّ الرجال لا تكال بالقفزان ، و إنّما المرء بأصغريه لسانه و قلبه(٢) .

و في ( المعجم ) قال خلف الأحمر : كنت أسمع ببشار بسرعة جوابه و جودة شعره ، فأنشدوني شيئا من شعره لم أحمده فقلت : لآتينّه و لاطأطأنّ منه ، فأتيته و هو جالس على باب بيته ، فرأيته أعمى قبيح المنظر عظيم الجثّة ، فقلت : لعن اللَّه من يبالي بهذا ، إذ جاء رجل فقال : إنّ فلانا سبّك عند الأمير و جاء قوم فسلّموا عليه فلم يردد عليهم فجعلوا ينظرون إليه و قد ورمت أوداجه فلم يلبث أن أنشدنا بأعلى صوته :

نبّئت نائك امّه يغتابني

عند الأمير و هل عليّ أمير

فارتعدت فرائصي و عظم في عيني فقلت : الحمد للَّه الذي أبعدني من شرّك(٣) .

و همّ الفرزدق بهجاء عبد القيس فأرسل إليه زياد الأعجم :

فما ترك الهاجون لي إن هجوته مصحّا أراه في أديم الفرزدق .

فقال الفرزدق : مالي إلى هجاء هؤلاء سبيل ما عاش هذا العبد(٤) .

و في ( العيون ) : قال عبد الملك بن عمير : قدم علينا الأحنف الكوفة مع

____________________

( ١ ) ابن قتيبة ، الشعر و الشعراء : ٥٣ .

( ٢ ) الأمثال ، الميداني ١ : ٨٦ .

( ٣ )

( ٤ )

٥٩٧

مصعب بن الزبير ، فما رأيت خصلة تذم إلاّ و رأيتها فيه ، كان أصغر(١) الرأس متراكب الأسنان في خدّه ميل(٢) مائل الذّقن ناتى‏ء الوجه ، غائر العين خفيف العارض أحنف الرّجل ، و لكنّه إذا تكلّم جلّى عن نفسه(٣) و قال الشاعر :

و ما حسن الرجال لهم بحسن

إذا لم يسعد الحسن البيان

كفى بالمرء عيبا أن تراه

له وجه و ليس له بيان

و في ( الطبقات ) في وفد عبد القيس قال لهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّكم عبد اللَّه الأشجّ ؟ فقال أحدهم : أنا و كان رجلا دميما فنظر إليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : لا يستسقى في مسوك الرجال ، و إنّما يحتاج من الرجل إلى أصغريه لسانه و قلبه(٤) و في ( العقد ) :

و ما المرء إلاّ الأصغران لسانه

و معقوله و الجسم خلق مصوّر

فإن تر منه ما يروق فربّما

أمرّ مذاق العود و العود أخضر(٥)

و قال زهير :

و كائن ترى من معجب لك صامت

زيادته أو نقصه في التّكلم

لسان الفتى نصف و نصف فؤاده

فلم يبق الا صورة اللحم و الدم(٦)

هذا ، و في أخبار حكماء القفطي : كان في مصر يهوديّ يرتزق بصناعة مداواة الجراح في غاية الخمول ، فاتفق أن عرض لرجل الحاكم عقر زمن عجز أطباؤه الخواص عنه ، فأحضر له الرجل فطرح عليه دواء يابسا فنشفه و شفاه

____________________

( ١ ) نسخة التحقيق صعل : صغير .

( ٢ )

( ٣ ) العيون ، ابن قتيبة ٤ : ٣٥ .

( ٤ ) الطبقات ١ : ٣١٤ .

( ٥ )

( ٦ ) ابن عبد ربه ، العقد الفريد ٤ : ١٧٩ .

٥٩٨

في ثلاثة أيام ، فأطلق له ألف دينار و خلع عليه و لقبه بالحقير النافع و جعله من أطبائه الخواصّ(١) .

٨٩ الحكمة ( ٣٩٤ ) و قالعليه‌السلام :

رُبَّ قَوْلٍ أَنْفَذُ مِنْ صَوْلٍ في ( الأغاني ) : وفد أبو براء ملاعب الأسنة و إخوته طفيل و معاوية و عبيدة بنو مالك بن جعفر بن كلاب و معهم لبيد بن ربيعة بن مالك و هو غلام على النعمان بن المنذر ، فوجدوا عنده الربيع بن زياد العبسي و كان ينادم النعمان فاذا خلا به يطعن في الجعفريين ، فرأوا من الملك جفاء و قد كان يكرمهم قبل ذلك فخرجوا من عنده غضابا و لبيد في رحالهم يحفظ أمتعتهم فألفاهم الليلة يتذاكرون أمر الربيع فسألهم فكتموه ، فقال : و اللَّه لا أحفظ لكم متاعا أو تخبروني و كانت أم لبيد امرأة من عبس فقالوا : خالك قد غلبنا على الملك فقال لهم : هل تقدرون على أن تجمعوا بيني و بينه فأزجره عنكم بقول ممضّ ثم لا يلتفت النعمان إليه أبدا إلى أن قال : ثم غدوا به معهم على النعمان فوجدوه يتغدّى و معه الربيع و هما يأكلان ليس معه غيره ، فلمّا فرغ أذن لهم فذكروا له حاجتهم ، فاعترض الربيع في كلامهم ، فقام لبيد و قال :

يا ربّ هيجا هي خير من دعه

أكلّ يوم هامتي مقرّعة

يخبرك عن هذا خبير فاسمعه

مهلا أبيت اللّعن لا تأكل معه

إنّ استه من برص ملمّعه

و إنّه يدخل فيها إصبعه

____________________

( ١ ) أخبار الحكماء ، القطفي : ١٢٢ .

٥٩٩

يدخلها حتى يواري أشجعه

كأنّما يطلب شيئا ضيّعه(١)

فلمّا فرغ التفت النعمان إلى الربيع شزرا يرمقه قال : لا و اللَّه لقد كذب عليّ ، و انصرف إلى منزله و كتب إلى النعمان : إنّي قد تخوّفت أن يكون قد وقر في صدرك ما قاله لبيد ، و لست برائم حتى تبعث من يجرّدني فيعلم من حضرك أنّي لست كما قال ، فأرسل النعمان إليه : إنّك لست بانتفائك ممّا قال لبيد شيئا و لا قادرا على ما زلّت به الألسن و كتب إليه :

شرّد برحلك عنّي حيث شئت و لا

تكثر عليّ و دع عنك الأباطيلا

فقد ذكرت به و الركب حامله

وردا يعلّل أهل الشام و النّيلا

فما انتفاؤك منه بعد ما جزعت

هوج المطيّ به إبراق شمليلا(٢)

قد قيل ذلك إن حقا و إن كذبا

فما اعتذارك من شي‏ء إذا قيلا(٣)

و في ( العيون ) : اسر معاوية يوم صفّين رجلا من أصحاب عليعليه‌السلام ، فلمّا اقيم بين يديه قال : الحمد للَّه الذي أمكن منك قال : لا تقل ذلك ، فإنّها مصيبة .

قال : و أيّة نعمة أعظم من أن يكون اللَّه أظفرني برجل قتل في ساعة واحدة جماعة من أصحابي اضربا عنقه فقال : اللّهم اشهد ان معاوية لم يقتلني فيك و لا لأنّك ترضى قتلي و لكن قتلني في الغلبة على حطام الدّنيا ، فإن فعل فافعل به ما هو أهله و إن لم يفعل فافعل به ما أنت أهله فقال له معاوية : قاتلك اللَّه لقد سببت فأوجعت في السبّ و دعوت فأبلغت في الدّعاء ، خلّيا سبيله(٤) .

و كان قول الفرزدق و علم قومه أكل الخبيص و قول أبي العتاهية « وضع سيفك خلخالا » في هجو الفزاري و ابن معن أنفذ من صول .

____________________

( ١ )

( ٢ ) شمليل : بلد .

( ٣ ) الاصفهاني ، الأغاني ١٧ : ١٨٧ ، و قد مرّ ذكر هذه الحكاية في الصفحات السابقة .

( ٤ ) العيون ١ : ٩٩ .

٦٠٠

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639