بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 639
المشاهدات: 237722
تحميل: 8107


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 237722 / تحميل: 8107
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 14

مؤلف:
العربية

لو كان يقعد فوق الشمس من كرم

قوم بأوّلهم أو مجدهم قعدوا

قوم أبوهم سنان حين تنسبهم

طابوا و طاب من الأولاد ما ولدوا

إنس إذا أمنوا جنّ إذا فزعوا

مرزؤون بهاليل إذا حشدوا

محسدون على ما كان من نعم

لا ينزع اللَّه منهم ما له حسدوا

فقال عمر : أحسن ، و ما أعلم أولى بهذا الشعر من هذا الحي من بني هاشم لفضل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و قرابتهم منه فقلت له : وفقت و لم تزل موفقا فقال :

يابن عباس أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمّد ؟ فكرهت أن أجيبه فقلت : إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يدريني فقال : كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة و الخلافة فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا ، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت و وفقت فقلت له : إن تأذن لي في الكلام و تمطّ عني الغضب تكلمت ؟

فقال : تكلّم يابن عباس فقلت : أما قولك اختارت قريش لأنفسها فأصابت و وفقت فلو أن قريشا اختارت لأنفسها حيث اختار اللَّه عز و جل لها لكان الصواب بيدها غير مردود و لا محسود و أمّا قولك إنّهم كرهوا أن تكون لنا النبوّة و الخلافة فإنّ اللَّه عز و جل وصف قوما بالكراهية فقال( ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل اللَّه فأحبط أعمالهم ) (١) .

فقال عمر : هيهات و اللَّه يابن عباس قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن تزيل منزلتك مني لها فقلت : و ما هي ، فإن كانت حقّا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك ، و إن كانت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه .

فقال عمر : بلغني أنّك تقول إنّما صرفوها عنّا حسدا و ظلما فقلت : أما قولك ظلما فقد تبيّن للجاهل و الحليم ، و امّا قولك حسدا فإن إبليس حسد آدم فنحن ولده المحسودون .

____________________

( ١ ) محمد : ٩ .

٦١

فقال عمر : هيهات أبت و اللَّه قلوبكم يا بني هاشم إلاّ حسدا ما يحول و غشا ما يزول فقلت له : مهلا لا تنسب قلوب قوم أذهب اللَّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا بالحسد و الغش ، فإنّ قلب رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قلوب بني هاشم فقال عمر : إليك عني يابن عباس فقلت : أفعل فلما ذهبت لأقوم استحيى مني فقال : يابن عباس مكانك ، فو اللَّه إنّي لراع لحقّك محبّ لما سرّك .

فقلت له : إنّ لي عليك حقّا و على كلّ مسلم فمن حفظه فحظّه أصاب و من أضاعه أخطأ ثم قام فمضى(١) .

بل كان عمر نفسه أيضا قائلا بتقدّم زهير و ان مرّ نقل ابن أبي الحديد عن ( الأغاني ) نقله ذهابه إلى تقدم النابغة(٢) .

فروى الطبري في ذاك الباب أيضا عن ابن عباس قال : خرجت مع عمر في بعض أسفاره ، فإنّا لنسير ليلة و قد دنوت منه إذ ضرب مقدم رحله بسوطه و قال :

كذبتم و بيت اللَّه يقتل أحمد

و لما نطاعن دونه و نناضل

و نسلمه حتى نصرع حوله

و نذهل عن أبنائنا و الحلائل

ثم قال : استغفر اللَّه ثم سار فلم يتكلّم قليلا ثم قال :

و ما حملت من ناقة فوق رحلها

أبرّ و أوفى ذمّة من محمّد

و أكسى لبرد الخال قبل ابتذاله

و أعطى لرأس السابق المتجرّد

ثم قال : استغفر اللَّه ، يابن عباس ما منع عليّا من الخروج معنا ؟ قلت : لا أدري قال : يابن عباس أبوك عم النبي و أنت ابن عمه ، فما منع قومكم منكم ؟

قلت : لا أدري قال : لكني أدري يكرهون ولايتكم لهم قلت : لهم و نحن لهم كلّ

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٣ : ٢٨٨ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ : ١٥٥ .

٦٢

الخير قال : اللّهم غفرا يكرهون أن تجتمع فيكم النبوّة و الخلافة فيكون بجحا بجحا ، لعلّكم تقولون إنّ أبا بكر فعل ذلك ، لا و اللَّه و لكن أبا بكر أتى أحزم ما حضره و لو جعلها لكم ما نفعكم مع قربكم ، أنشدني لشاعر الشعراء زهير قوله :

إذا ابتدرت قيس بن عيلان غاية

من المجد من يسبق إليها يسوّد(١)

فأنشدته و طلع الفجر(٢) . .

قلت : و لم استغفر في كلّ مرّة من إنشاد أبيات قيلت في مدح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هل كان مدحه منكرا أستغفر منه ، و لم لم يستغفر من أمره ابن عباس بإنشاد قصيدة زهير في مدح قيس عيلان .

كما إنّه لم يقول لابن عباس « أنت ابن عم النبي و أبوك عمّه فما منع قريشا منكما » و يترك ذكر أمير المؤمنينعليه‌السلام مع أنّه لم يكن ابن عباس و لا أبوه يدعى في قباله ، بل كانا مذعنين بأنّ الخلافة لهعليه‌السلام ، و إنّما أراد بذلك التفرقة بينهعليه‌السلام و بين أقربائه ، كما إنّه و صاحبه في أوّل الأمر ذهبا بإشارة المغيرة عليهما إلى العباس و جعلا له نصيبا ليضعفا بذلك أمرهعليه‌السلام ، فأنكر العباس عليهما ، بما ذكره التاريخ .

هذا ، و كما اختلف في أشعر الشعراء اختلف في أشعر الأشعار ، فقيل لأبي عمرو بن العلاء كما في ( العقد ) أيّ بيت تقوله العرب أشعر ؟ قال : البيت الذي إذا سمعه سامعه سوّلت له نفسه أن يقول مثله ، و لأن يخدش أنفه بظفر كلب أهون عليه من أن يقول مثله .

و قيل مثل ذلك للأصمعي فقال : الذي يسابق لفظه معناه .

____________________

( ١ ) زهير بن أبي سلمى : ٢٣ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٣ : ٢٨٨ .

٦٣

و قيل مثل ذلك للخليل فقال : البيت الذي يكون في أوّله دليل على قافيته .

و قيل مثل ذلك لعمير فقال : البيت الذي لا يحجبه عن القلب شي‏ء قال :

و أحسن من هذا كلّه قول زهير :

و أحسن بيت أنت قائله

بيت يقال إذا أنشدته صدقا(١)

و في ( صناعتي العسكري ) : قيل للأصمعي : من أشعر الناس ؟ فقال : من يأتي بالمعنى الخسيس فيجعله بلفظه كبيرا ، أو الكبير فيجعله بلفظه خسيسا ، أو ينقضي كلام قبل القافية فإذا احتاج إليها أفاد بها معنى قيل : نحو من ؟ قال :

نحو ذي الرمة حيث يقول :

قف العيس في إطلال مية فاسأل

رسوما كأخلاق الرداء المسلسل

فتم كلامه عند الرداء ، فزاد بالمسلسل معنى ثم قال :

أظنّ الذي يجد عليك سؤالها

دموعا كتبذير الجمان المفصل

فتم كلامه عند الجمان ، فزاد بالمفصل معنى ، و نحو قول الأعشى :

كناطح صخرة يوما ليفلقها

فلم يضرها و أوهى قرنه الوعل

فزاد بقوله « و أوهى قرنه الوعل » معنى(٢) .

و فيه أيضا : سئل بعضهم عن أحذق الشعراء ؟ فقال : من يتفقد الابتداء و المقطع .

هذا ، و في ( اليتيمة ) : كانت بهمدان شاعرة مجيدة تعرف بالحنظلية ، و خطبها أبو علي كاتب بكر ، فلما ألحّ عليها و ألحف كتبت إليه :

أيرك أير ما له

عند حري هذا فرج

فاصرفه عن باب حري

و ادخله من حيث خرج

____________________

( ١ ) العقد الفريد ٥ : ٣٢٥ ٣٢٦ .

( ٢ ) الصناعتين : ٤٢٢ ٤٢٣ .

٦٤

فقال الصاحب بن عباد : هذه و اللَّه في هذين البيتين أشعر من كبشة ام عمرو و الخنساء اخت صخر و من كعوب الهذلية و ليلى الأخيلية(١) .

هذا ، و كما اختلف في الأشعر عموما اختلف فيه في جرير و الفرزدق خصوصا ، ففي ( الأغاني ) : قال يونس بن حبيب : ما ذكر جرير و الفرزدق في مجلس شهدته قط فاتفق المجلس على أحدهما .

و فيه قيل للمفضل الضبي : الفرزدق أشعر أم جرير ؟ قال : الفرزدق ، قال بيتا هجا فيه قبيلتين و مدح قبيلتين فقال :

عجبت لعجل إذ تهاجى عبيدها

كما آل يربوع هجوا آل دارم

فقيل له قد قال جرير :

ان الفرزدق و البعيث و امه

و أبا البعيث لشر ما استار

فقال : و أي شي‏ء أهون من أن يقال : فلان و فلان و فلان كلّهم بنو الفاعلة(٢) .

قلت : و في لفظه « و أبا البعيث » ركاكة و إنّما حق الكلام « و أباه » كما قال :

و أمّه .

هذا ، و وصف أبو بكر الخوارزمي ابن اخت محمد بن جرير الطبري الشعراء بأوصاف فقال : ما ظنّك بقوم الاقتصار لمحمود إلا منهم و الكذب مذموم إلا فيهم ، و إذا ذموا ثلبوا ، و إذا مدحوا سلبوا ، و إذا رضوا رفعوا الوضيع ، و إذا غضبوا وضعوا الرفيع ، و إذا افتروا على أنفسهم بالكبائر لم يلزمهم حدّ و لم يمتدّ إليهم يد . .

أشار بقوله الأخير إلى ما حكي عن الفرزدق أنّه أنشد سليمان بن عبد

____________________

( ١ ) اليتيمة ٣ : ٢٩٢ .

( ٢ ) الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني ٢١ : ٢٨٤ .

٦٥

الملك قصيدته التي يقول فيها :

فبتن بجانبيّ مصرعات

و بتّ أفضّ أغلاق الختام

فقال له سليمان : أقررت بالزنا و لا بد من حدّك فقال له : كتاب اللَّه يدرأ عني الحد قال : و أين ؟ قال : قوله تعالى و الشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنّهم في كلّ واد يهيمون و أنّهم يقولون ما لا يفعلون(١) فضحك و أجازه .

قالوا : و عن هذه القصة أخذ صفي الدين الحلي قوله :

نحن الذين أتى الكتاب مخبّرا

بعفاف أنفسنا و فسق الألسن

هذا ، و عن الثعالبي : قال لي سهل بن المرزبان يوما : إنّ من الشعراء من شلشل و منهم من سلسل و منهم من قلقل و منهم من بلبل .

و قالوا : أراد بقوله « من شلشل » الأعشى في قوله :

و قد أروح إلى الحانوت يتبعني

شاو مشل شلول شلشل شول

و أراد بقوله « من سلسل » مسلم بن الوليد في قوله :

سلت و سلت ثم سل سليلها

فأتى سليل سليلها مسلولا

و أراد بقوله « من قلقل » المتنبي في قوله :

فقلقلت بالهمّ الذي قلقل الحشى

قلاقل عيس كلّهن قلاقل

و أراد بقوله « من بلبل » المتغلبي في قوله :

و إذا البلابل أفصحت بلغاتها

فانف البلابل باحتساء بلابل

قلت : و ململ أحد شعراء بلدتنا ( تستر ) المعروف بملاّ حسنا في قوله بالفارسية باللسان البلدي :

ساقيا مى بيار بى مل مل

ده بملاى بى تأمل مل

و هلهل في قوله أيضا :

____________________

( ١ ) الشعراء : ٢٢٤ ٢٢٦ .

٦٦

داديمه يه هل ودو هل دهلم

دگه چو رى دلم مزن چه دهل

« فقال ان القوم » أي : الشعراء .

« لم يجروا » من : أجروا الخيل .

« في حلبة » بسكون اللام أي : ميدان و مجال واحد ، يقال « تجاروا في الحلبة » أي مجال الخيل للسباق ، و يقال مجازا : فلان يركض في كلّ حلبة من حلبات المجد .

« تعرف الغاية » أي : النهاية .

« عند قصبتها » في ( النهاية ) : في حديث سعيد ابن العاص « سبق بين الخيل فجعلها مائة قصبة » .

أراد أنّه ذرع الغابة بالقصب فجعلها مائة قصبة و يقال : ان تلك القصبة تركز عند أقصى الغابة ، فمن سبق إليها أخذها و استحق الخطر ، فلذلك يقال :

حاز قصب السبق(١) .

قالعليه‌السلام ذلك لاختلاف مشاربهم ، فكان امرؤ القيس مفتونا بالنساء ، و الأعشى بالشراب ، و طرفة بالدعة ، و طفيل بالخيل ، و قالوا : لم يقل أحد في التسلية أحسن من أوس بن حجر في قوله :

أيتها النفس اجملي جزعا

فإنّ ما تحذرين قد وقعا

و في رياضة النفوس من أبي ذؤيب في قوله :

و النفس راغبة إذا رغّبتها

و إذا تردّ إلى قليل تقنع

و في الهيبة أحسن من الفرزدق في قوله :

يغضي حياء و يغضى من مهابته

فلا يكلّم إلاّ حين يبتسم

و في المديح من جرير في قوله :

____________________

( ١ ) النهاية لإبن الأثير ٤ : ٦٧ .

٦٧

ألستم خير من ركب المطايا

و أندى العالمين بطون راح(١)

و من زهير في قوله :

تراه إذا ما جئته متهللا

كأنّك تعطيه الذي أنت سائله

و لو لم يكن في كفّه غير نفسه

لجاد بها فليتق اللَّه سائله(٢)

و في الهجاء من الأعشى في قوله :

تبيتون في المشتى ملاء بطونكم

و جاراتكم غرثى يبتن خمائصا(٣)

و من جرير في قوله :

فغضّ الطرف إنّك من نمير

فلا كعبا بلغت و لا كلابا(٤)

و في القدرة من النابغة في قوله :

فإنّك كالليل الذي هو مدركي

و إن خلت أنّ المنتأى عنك واسع

و في الرقة من امرى‏ء القيس في قوله :

و ما ذرفت عيناك إلاّ لتضربي

بسهميك في أعشار قلب مقتل(٥)

و في الكسل مما رواه يحيى بن سعيد الاموي لبعضهم :

سألت اللَّه أن يأتي بسلمى

و كان اللَّه يفعل ما يشاء

فيأخذها و يطرحها بجنبي

و يرقدها و قد كشف الغطاء

و يأخذني و يطرحني عليها

و يرقدنا و قد قضي القضاء

و يرسل ديمه سحا علينا

فيغسلنا و لا يلقى عناء

و هذا باب واسع و من أراد اطلاعا أكثر فليراجع ( ديوان المعاني ) لأبي

____________________

( ١ ) ديوان جرير : ٧٧ .

( ٢ ) بيتان من قصيدتين الاولى في صفحة ٦٨ و الثانية في صفحة ٧٢ من ديوان زهير ابن أبي سلمى .

( ٣ ) ديوان الأعشى : ٩٩ .

( ٤ ) ديوان جرير : ٦٣ .

( ٥ ) من المعلقه ديوان أمرى‏ء القيس : ٣٨ .

٦٨

هلال العسكري(١) .

و في ( المعجم ) : قال محمد بن سلام : سألت يونس النحوي عن أشعر الناس فقال : لا أومي إلى رجل بعينه ، و لكني أقول امرؤ القيس إذا ركب و النابغة إذا رهب و زهير إذا رغب و الأعشى إذا طرب و قالوا : و جرير إذا غضب .

و لابن جني كتاب مترجم بالمهج في تفسير اسماء شعراء الحماسة(٢) .

في ( الأغاني ) : قالوا : اجتمع الزبرقان بن بدر و المخبل السعدي و عبدة بن الطبيب و عمرو بن الأهتم قبل أن يسلموا و بعد المبعث ، قال : فجاءهم رجل من بني يربوع و هم جلوس يشربون ، فقالوا له : أخبرنا أيّنا أشعر قال : أخاف أن تغضبوا فأمّنوه فقال : أما عمرو فشعره برود يمينه تنشر و تطوى ، و أما أنت يا زبرقان فشعرك كلحم لم ينضج فيؤكل و لم يترك نيئا فينتفع به ، و اما أنت يا مخبل فشعرك شهب من نار اللَّه يلقيها على من يشاء ، و أما أنت يا عبدة فشعرك كمزادة أحكم خزرها فليس يقطر منها شي‏ء(٣) .

« فإن كان و لا بد » من ذكر أشعرهم مع اختلاف مشاربهم و تشتّت مساربهم .

« فالملك الضليل » و كما اختلف في الأشعر اختلف في الأشبه بأمرى‏ء القيس ، فقال الحموي في الحسين بن أحمد بن الحجاج الكاتب : قالوا انّه في درجة امرى‏ء القيس لم يكن بينهما مثلهما و ان كان جلّ شعره مجون و سخف ، و ناهيك برجل يصف نفسه بمثل قوله :

____________________

( ١ ) ديوان المعاني لأبي هلال العسكري : راجع ١ : ٧٦ و ١ : ١٩٧ .

( ٢ ) المعجم ٢٠ : ٦٥ .

( ٣ ) الأغاني ١٣ : ١٩٧ .

٦٩

رجل يدّعي النبوّة في السخف

و من ذا يشكّ في الأنباء

جاء بالمعجزات يدعو إليها

فأجيبوا إليها يا معشر السخفاء

خاطر يصفح الفرزدق في الشعر

و نحو ينيك أمّ الكسائي(١)

و قال الصاحب بن عباد : بدى‏ء الشعر بملك يعني امرأ القيس و ختم بملك يعني أبا فراس(٢) .

و أقول : إلاّ أنّ الملك الثاني كان مهديا لا ضليلا كالأول ، فان أبا فراس صاحب القصيدة الميمية في مظلومية أهل البيتعليهم‌السلام و ظالمية بني العباس .

يححى أنّه دخل بغداد و أمر أن يشهر خمسمائة سيف خلفه و قيل أكثر ، و وقف في المعسكر و أنشد القصيدة و خرج من باب آخر ، أول القصيدة :

الحقّ مهتضم و الدين مخترم

و في‏ء آل رسول اللَّه مقتسم

و منها قوله :

يا للرجال أما للَّه منتصر

من الطغاة و ما للدين منتقم

بنو علي رعايا في ديارهم

و الأمر يملكه النسوان و الخدم

محلؤون فأصفى شربهم و شل

عند الورود و أوفى وردهم لمم

فالأرض إلاّ على ملاكها سعة

و المال إلاّ على أربابها ديم(٣)

كان أبو فراس ابن عم ناصر الدولة الحمداني و سيف الدولة الحمداني ، فقالوا فيه : كان وشاح قلادة آل حمدان .

و أمّا كون امرى‏ء القيس ملكا فلأن أباه حجر بن عمرو الكندي ملك على بني أسد ، و كان يأخذ منهم شيئا معلوما ، فامتنعوا منه فسار إليهم فأخذ

____________________

( ١ ) معجم الحموي ٩ : ٢٠٦ ٢٠٧ .

( ٢ ) معجم الحموي ٩ : ٢٠٨ .

( ٣ ) ديوان أبي فراس : ٢٥٧ ٢٥٨ .

٧٠

سرواتهم فقتلهم بالعصي ، ثم اجتمع بنو أسد فجاؤوا إليه على غفلة فوجدوه نائما فذبحوه ، فآلى أمرؤ القيس ألاّ يأكل لحما و لا يشرب خمرا حتى يثأر بأبيه ثم استجاش بكر ابن وائل فأوقع بهم .

و أمّا كونه ضليلا فلعهره ، حتى أنّ أباه أراد قتله لذلك ، قال ابن قتيبة في ( شعرائه ) : كان أبوه قد طرده لما صنع بفاطمة ما صنع ، كان عاشقا لها فطلبها زمانا فلم يصل إليها و كان يطلب غرة حتى كان منها يوم الغدير بدارة جلجل ، فلما بلغ ذلك أباه دعا مولى له و قال له : اقتل امرأ القيس و ائتني بعينيه ، فذبح جؤذرا فأتاه بعينيه ، فندم فقال له : أبيت اللعن إنّي لم أقتله(١) . .

و في ( الأغاني ) : كان امرؤ القيس عاشقا لابنة عم له يقال لها عنيزة ، فطلبها زمانا فلم يصل إليها ، و كان في طلب غرة من أهلها ليزورها فلم يقض له حتى كان يوم الغدير و هو يوم دارة جلجل و ذلك أن الحي احتملوا فتقدّم الرجال و تخلّف النساء و الخدم و الثقل ، فلما رأى ذلك امرؤ القيس تخلّف بعدما سار مع قومه غلوة ، فكمن في غابة من الأرض حتى مر به النساء فإذا فتيات و فيهن عنيزة ، فلما وردن الغدير قلن : لو نزلنا فذهب عنّا بعض الكلال فنزلن إليه و نحين العبيد عنهن ثم تجردن فاغتمسن في الغدير ، فأتاهن امرؤ القيس محتالا و هنّ غوافل ، فأخذ ثيابهن فجمعها و قال لهن : و اللَّه لا أعطي جارية منكن ثوبها و لو أقامت في الغدير يومها حتى تخرج مجرّدة : فأبين ذلك عليه حتى تعالى النهار ثم خشين أن يقصرن دون المنزل الذي أردنه ، فخرجت إحداهن فوضع لها ثوبها ناحية فأخذته فلبسته ، ثم تتابعن على ذلك حتى بقيت عنيزة ، فناشدته اللَّه أن يطرح إليها ثوبها فقال : دعينا منك فخرجت فنظر إليها مقبلة و مدبرة ، فأخذت ثوبها و أقبلن عليه يعذلنه و يقلن له : عريتنا

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء ١ : ٥١ .

٧١

و حبستنا و جوعتنا قال : فان نحرت لكن مطيتي أتأكلن منهأ قلن : نعم .

فاخترط سيفه فعقرها و نحرها و كشطها و صاح بالخدم فجمعوا إليه حطبا فأجّج نارا عظيمة ، ثم جعل يقطع من سنامها و أطائبها و كبدها فيلقيها على الجمر فيأكلن و يأكل معهن و يشرب من ركوة كانت معه و يغنيهن و ينبذ إلى العبيد و الخدم من الكباب حتى شبعن و طربن ، فلما أراد الرحيل قالت احداهن :

أنا أحمل طنفسته و قالت الاخرى : أنا أحمل رحله و قالت الاخرى : أنا أحمل حشيته و انساعه فتقسمن متاع راحلته بينهن و بقيت عنيزة لم تحمل له شيئا ، فقال لها يا بنة الكرام لا بد لك أن تحمليني معك فإنّي لا أطيق المشي و ليس من عادتي فحملته على غارب بعيرها ، فكان يدخل رأسه في خدرها فيقبلها ، فإذا امتنعت مال حدجها فتقول له : يا امرأ القيس عقرت بعيري فانزل فذلك قوله :

تقول و قد مال الغبيط بنا

عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل(١)

و قال ابن أبي الحديد كان يعلن في شعره بالفسق كقوله :

فمثلك حبلى قد طرقت و مرضع

فألهيتها عن ذي تمائم محول

إذا ما بكى من خلفها انصرفت له

بشقّ و تحتي شقها لم يحول(٢)

و كقوله :

سموت إليها بعدما نام أهلها

سمو حباب الماء حالا على حال

فقالت : لحاك اللَّه انّك فاضحي

ألست ترى السمار و الناس أحوالي

فقلت لها : تاللَّه أبرح قاعدا

و لو قطعوا رأسي لديك و أوصالي

فلما تنازعنا الحديث و أسمحت

هصرت بغصن ذي شماريخ ميال

فصرنا إلى الحسنى و رقّ كلامنا

و رضت فذلّت صعبة أي إذلال

____________________

( ١ ) الأغاني ٢١ : ٣٤١ ٣٤٢ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ١٧٠ .

٧٢

حلفت لها باللَّه حلفة فاجر

لناموا فما ان حديث و لا صال

فأصبحت مشعوفا و أصبح بعلها

عليه القتام كاسف الوجه و البال(١)

و كقوله :

و بيضة خدر لا يرام خباؤها

تمتعت من لهو بها غير معجل

تخطيت أبوابا إليها و معشرا

عليّ حراصا أو يسرون مقتلي

فجئت و قد نضت لنوم ثيابها

لدى الستر إلا لبسة المتفضل

فقالت : يمين اللَّه ما لك حيلة

و ما أن أرى عنك الغواية تنجلي

فقمت بها أمشي تجر وراءنا

على أثرنا اذيال مرط مرحل

فلما أجزنا ساحة الحي و انتحى

بنا بطن حبت ذي حقاف عقنقل

هصرت بفودي رأسها فتمايلت

عليّ هضيم الكشح ريا المخلخل(٢)

و كقوله :

فبتّ أكابد ليل التمام

و لم يبد منّا لدى البيت بشر

و قد رابني قولها يا هناه

ويحك الحقت شرا بشر(٣)

و كقوله :

تقول و قد جردت من ثيابها

كما رعت مكحول المدامع أتلعا

لعمرك لو شخص أتانا رسوله

سواك و لكن لم نجد لك مدفعا

فبتنا نصد الوحش عنّا كأننا

قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا

تجافى عن المأثور بيني و بينها

و تدني عليّ السابري المضلعا(٤)

قلت : و جره عهره إلى هلكته ، فكان أتى قيصرا ليعينه على ثأر أبيه ،

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ : ١٧٠ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ : ١٧٠ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ١٧١ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ : ١٧٢ .

٧٣

فسمع بمراودته ابنته فأهلكه ، ففي ( شعراء ابن قتيبة ) : لم يزل امرؤ القيس يسير في العرب يطلب النصر حتى خرج إلى الروم و نظرت إليه ابنة قيصر فعشقته ، فكان يأتيها و تأتيه فطبن الطماح الأسدي لهما و كان حجر أبو امرى‏ء القيس قتل أباه فوشى به إلى الملك فخرج امرؤ القيس متسرعا ، فبعث قيصر في طلبه رسولا فأدركه دون أنقرة بيوم و معه حلة مسمومة ، فلبسها في يوم صائف فتناثر لحمه و تفطّر جسده ، و كان يحمله جابر التغلبي فذلك قول امرى‏ء القيس :

فأما تريني في رحالة جابر

على جرح كالقر تخفق أكفاني

فيا رب مكروب كررت وراءه

و عان فككت الغل منه ففداني

إذا المرء لم يخزن عليه لسانه

فليس على شي‏ء سواه بخزان(١)

و قال حين حضرته الوفاة بأنقرة :

رب خطبة محبرة

و طعنة مسحنفرة

و جفنة مثعنجرة

تبقى غدا بأنقرة

و هذا آخر شي‏ء تكلّم به ثم مات(٢) .

و مثله في الإسلام عمر بن أبي ربيعة المخزومي الشاعر ، فكانوا يسمّونه الفاسق لتعرضه للنساء ، ففي ( الشعراء ) : حجّ عبد الملك فلقيه عمر فقال له عبد الملك : يا فاسق فقال له : بئست تحية ابن العم على طول الشحط .

قال : يا فاسق أما إنّ قريشا تعلم إنّك أطولها صبوة و أبطأها توبة ، ألست القائل :

و لو لا أن تعنّفني قريش

مقال الناصح الأدنى الشفيق

____________________

( ١ ) ديوان امرى‏ء القيس : ١٧٣ ١٧٤ .

( ٢ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة ١ : ٥٣ .

٧٤

لقلت إذا التقينا قبّليني

و لو كنّا على ظهر الطريق(١)

و كان يتعرّض للنساء و يتشبب بهن ، فسيّره عمر بن عبد العزيز إلى الدهلك ثم غزا في البحر فاحرقت السفينة التي كان فيها فاحترق هو و من معه(٢) .

و قد وصفعليه‌السلام امرأ القيس في رواية ابن دريد بذي القروح لما عرفت من لبسه الحلة المسمومة و توليدها فيه القروح(٣) .

و في ( الأغاني ) : أرسل القراء الأشراف و هم سليمان بن صرد و هاني بن عروة و خالد بن عرفطة و مسروق بن الأجدع إلى لبيد : أيّ العرب أشعر ؟

قال : الملك الضليل ذو القروح قالوا : من ذو القروح ؟ قال : امرؤ القيس(٤) .

قول المصنّف : « يريد امرؤ القيس » قال ابن أبي الحديد : قال محمد بن سلام الجمحي في ( طبقات شعرائه ) : حدث عوانة عن الحسن ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لحسان : من أشعر العرب ؟ قال : الزرق العيون من بني قيس قال : لست أسألك عن القبيلة ، انّما أسألك عن رجل واحد فقال : ان مثل الشعر كناقة نحرت فجاء امرؤ القيس فأخذ سنامها و أطائبها ، ثم جاء المتجاوران من الأوس و الخزرج فأخذا ما والى ذلك منها ، ثم جعلت العرب تمرعها حتى إذا بقي الفرث و الدم جاء عمرو بن تميم و النمر بن قاسط فأخذاه فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها ، خامل يوم القيامة معه لواء الشعراء إلى النار .(٥) .

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء : ٣٦٩ ٣٧٠ دار الكتب العلمية .

( ٢ ) المصدر نفسه : ٣٦٧ .

( ٣ ) الشعر و الشعراء : ٤٩ .

( ٤ ) الأغاني ١٥ : ٣٧٢ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ١٦٩ .

٧٥

قلت : و روى الخطيب في ( تاريخ بغداده ) عن عفيف بن معديكرب قال :

كنّا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء وفد من أهل اليمن فقالوا له : لقد أحيانا اللَّه ببيتين من شعر امرى‏ء القيس قال لهم : و ما ذاك ؟ قالوا : أقبلنا نريدك حتى إذا كنّا بموضع كذا و كذا أخطأنا الماء فمكثنا لا نقدر عليه ، فانتهينا إلى موضع طلح و ممر ، فانطلق كلّ منّا إلى أصل شجرة ليموت في ظلّها ، فبينما نحن في آخر رمق إذا راكب قد أقبل معتم ، فلما رآه بعضنا تمثّل :

و لما رأت أنّ الشريعة همّها

و أنّ بياضا في فرائصها دامي

تيممت العين التي عند ضارج

يفي‏ء عليها الظل عرمضها طامي

فقال الراكب : من يقول هذا الشعر ؟ قلنا : امرؤ القيس قال : هذه و اللَّه ضارج أمامكم و قد رأى ما بنا من الجهد فرجعنا إليها فإذا بيننا و بينها نحو من خمسين ذراعا ، فإذا هي كما وصف امرؤ القيس عليها العرمض يفي‏ء عليها الظلّ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ذاك مشهور في الدنيا خامل في الآخرة ، مذكور في الدّنيا منسي في الآخرة ، يجي‏ء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار(١) .

رواه ( عيون ابن قتيبة ) و قد أشار ابن لنكك إلى حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المتقدّم في قوله :

إذا خفق اللواء عليّ يوما

و قد حمل امرؤ القيس اللواء

رجوت اللَّه لا أرجو سواه

لعل اللَّه يرحم من أساء

و في ( حيوان الجاحظ ) : قال خلف الأحمر : لم أر أجمع من بيت لامرى‏ء القيس :

أفاد و جاد و ساد و قاد

و عاد و زاد و أفضل

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادى ٢ : ٣٧٤ ، و كذلك البيان و التبيين لابن قتيبة ١ : ١٤٤ .

٧٦

و من بيت له :

له أيطلا ظبي و ساقا نعامة

و ارخاء سرحان و تقريب تنفل

و قالوا : لم نر في التشبيه كقوله حين شبّه شيئين بشيئين في حالين مختلفين في بيت واحد :

كأن قلوب الطير رطبا و يابسا

لدى وكرها العناب و الحشف البالي(١)

و في ( الشعراء ) : سبق امرؤ القيس الشعراء إلى أشياء ابتدعها و اتبعوه عليها من استيقافه صحبه في الديار و رقة النسيب و قرب الماجد و يستحسن من تشبيهه قوله :

كأنّ عيون الوحش حول قبابنا

و أرحلنا الجزع الذي لم يثقب

و قوله :

كأني غداة البين لما تحملوا

لدى سمرات الحي ناقف حنظل

و قد أجاد في وصف الفرس :

مكر مفر مقبل مدبر معا

كجلمود صخر حطّه السيل من عل

له ايطلا ظبي و ساقا نعامة

و ارخاء سرحان و تقريب تتفل(٢)

و في ( تاريخ اليعقوبي ) : لما بلغ امرؤ القيس مقتل بني أسد لأبيه و كان غائبا جمع جمعا و قصد لهم ، فلما كان في الليلة التي أراد أن يغير عليهم في صبيحتها نزل بجمعه ذلك فذعر القطا ، فطار عن مجاثمه فمر ببني أسد ، فقالت بنت علباء القائم بأمر بني أسد : ما رأيت كالليلة قطا أكثر فقال علباء : ( لو ترك القطا لنام ) ، فأرسلها مثلا و عرف أن جيشا قد قرب منه ، فارتحل و أصبح امرؤ

____________________

( ١ ) الحيوان للجاحظ ٣ : ٥٣ .

( ٢ ) الشعر و الشعراء : ٥٢ ٥٣ دار الكتب العلمية .

٧٧

القيس فأوقع بكنانة فأصاب فيهم و جعل يقول : يا لثارات حجر فقالوا : و اللَّه ما نحن إلا من كنانة فقال :

ألا يا لهف نفسي بعد قوم

هم كانوا الشفاء فلم يصابوا

وقاهم جدّهم ببني أبيهم

و بالأشقين ما كان العقاب

و أفلتهن ( علباء ) جريضا

و لو أدركنه صفر الوطاب

و مضى إلى اليمن لما لم يكن به قوّة على بني أسد و من معهم من قيس ، فأقام زمانا و كان يدمن مع ندامى له ، فأشرف يوما فإذا براكب مقبل ، فسأله من أين أقبلت ؟ قال : من نجد فسقاه مما كان يشرب ، فلما أخذت منه الخمرة رفع عقيرته و قال :

سقينا امرأ القيس بن حجر بن حارث

كؤوس الشجا حتى تعوذ بالفهر

و ألهاه شرب ناعم و قراقر

و أعياه ثار كان يطلب في حجر

و ذاك لعمري كان أسهل مشرعا

عليه من البيض الصوارم و السمر

ففزع امرؤ القيس لذلك ثم قال : يا أخا أهل الحجاز من قائل هذا الشعر ؟

قال : عبيد بن الأبرص قال : صدقت ثم ركب و استنجد قومه فأمّدوه بخمسمائة من مذحج ، فخرج إلى أرض معد فأوقع بقبائل من معد و قتل الأشقر بن عمرو و هو سيّد بني أسد و شرب في قحف رأسه و قال :

قولا لدودان عبيد العصا

ما غرّكم بالأسد الباسل

و طلب قبائل معد امرأ القيس و ذهب من كان معه و بلغه ان المنذر ملك الحيرة قد نذر دمه ، فأراد الرجوع إلى اليمن فخاف حضرموت و طلبته بنو

٧٨

أسد و قبائل معد ، فسار إلى سعد الأيادي و كان عاملا لكسرى على بعض كور العراق و استتر عنده إلى أن مات سعد ، فسار إلى تيماء و سأل السموأل بن عاديا أن يجيره ، فقال : أنا لا أجير على الملوك فأودعه أدرعا و انصرف عنه إلى ملك الروم و استنصره ، فوجه معه تسعمائة من أبناء البطارقة ، فسار الطماح الأسدي إلى قيصر و قال له : إنّ امرأ القيس شتمك في شعره و زعم أنّك علج أغلف فوجّه قيصر إليه بحلّة قد فضخ فيها السمّ ، فلما ألبسها تقطع جلده فقال :

تأوبني دائي القديم فغلسا

احاذر أن يزداد دائي فأنكسا

لقد طمح الطماح من بعد أرضه

ليلبسني من دائه ما تلبسا

فلو أنّها نفس تموت سوية

و لكنّها نفس تساقط أنفسا(١)

هذا ، و في ( عقلاء مجانين النيسابوري ) قال الجاحظ : رأيت مجنونا بالكوفة فقال لي : من أنت ؟ قلت : عمرو بن بحر الجاحظ قال : يزعم أهل البصرة انّك أعلمهم قلت : ان ذلك يقال قال : من أشعر الناس ؟ قلت : امرؤ القيس قال : حيث يقول ماذا ؟ قلت :

كأنّ قلوب الطير رطبا و يابسا

لدى وكرها العناب و الحشف البالي

قال : فأنا أشعر منه قلت : حيث تقول ماذا ؟ قال : حيث أقول :

كأنّ وراء الستر فوق فراشها

قناديل زيت من وراء قرام

فأينا أشعر ؟ قلت : أنت و القرام : الستر الملوّن(٢) .

هذا ، و ادّعى رجل شاعرية شخص عند شاعر فقال :

و تشابهت سور القرآن عليكم

فقرنتم الأنعام بالشعراء

____________________

( ١ ) تاريخ اليعقوبي ١ : ٢١٧ ٢٢٠ .

( ٢ ) عقلاء المجانين للنيسابوري : ١٥٥ ١٥٦ .

٧٩

الفصل الحادي و الخمسون في كلامه في الاستسقاء و في الاضحية

٨٠