موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)5%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

الجزء ١ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212475 / تحميل: 11106
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ثُمّ إنّ القرآن في الأصل مصدر نحو رجحان ، قال سبحانه :( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ) .(١)

قال ابن عبّاس : إذا جمعناه وأثبتناه في صدرك فاعمل به

وقد خُصّ بالكتاب المُنزَّل على نبيِّنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصار له كالعَلَم ، كما أنّ التوراة لمّا أُنزل على موسىعليه‌السلام ، والإنجيل لمّا أُنزل على عيسىعليه‌السلام

قال بعض العلماء : تسمية هذا الكتاب قُرآناً من بين كتب اللّه ، لكونه جامعاً لثَمرَة كُتبِه ، بل لجمعه ثَمرَة جميع العلوم ، كما أشار تعالى إليه بقوله :( وَتَفصيلاً لكلِّ شيء ) .(٢)

وعلى هذا ، فالقرآن مِن قَرَأَ بمعنى : جمع ، ولكن يُحتمل أن يكون بمعنى القراءة ، كما في قوله سبحانه : ( وَقُرآنَ الفَجْر ) (٣) ، أي : قراءته

الحلف بالكتاب :

حلف سبحانه بالكتاب مرَّتين وقال :

١ ـ( حم * والكتابِ المُبِين * إِنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرين ) (٤)

٢ ـ( حم * وَالكتابِ المُبِين * إِنّا جَعَلْناهُ قُرآناً عَرَبياً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ) (٥)

ــــــــــــــــ

(١) القيامة : ١٧ـ ١٨

(٢) الأنعام : ١٥٤

(٣) الإسراء : ٧٨

(٤) الدخان : ١ـ٣

(٥) الزخرف : ١ـ٣

٦١

فالمُقسَم به هو الكتاب ، والمُقسَم عليه في الآية الأولى قوله :( إِنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَة مُباركة ) ، والصِلة بينهما واضحة ، حيث يحلف بالكتاب على أنّه مُنزَّل من جانبه سبحانه في ليلة مباركة

كما أنّ المُقسَم به في الآية الثانية هو الكتاب المبين ، والمُقسَم عليه هو الحلف على أنّه سبحانه جعله قرآناً عربيّاً للتعقّل ، والصِلة بينهما واضحة

ووُصف الكتاب بالمُبين دون غيره ؛ لاَنّ الغاية من نزول الكتاب هو إنذارهم وتعقّلهم ، كما جاء في الآيتين ، حيث قال :( إِنّا كُنّا مُنذرين ) ، وقال :( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ) ، وهذا النوع من الغاية ، أي : الإنذار والتعقّل ، يطلب لنفسه أن يكون الكتاب واضحاً مفهوماً ، لا مجهولاً ومعقداً

والكتاب في الأصل مصدر ، ثُمّ سُمّي المكتوب فيه كتاباً

إلى هنا تمّ الحلف بالقرآن والكتاب

بقي هنا الكلام في عظمة المُقسَم به

ويكفي في ذلك أنّه فعله سبحانه ، حيث أنزله لهداية الناس وإنقاذهم من الضلالة

وقد تكلّم غير واحد من المُفكّرين الغربيّين حول عظمة القرآن ، والأحرى بنا أن نرجع إلى نفس القرآن ونَستنطِقه حتى يُبدي رأيه في حقِّ نفسه

أ ـ القرآن نور ينير الطريق لطلاّب السعادة ، قال سبحانه :( قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِين ) (١)

ب ـ إنّه هدى للمُتَّقين ، قال سبحانه : ( هُدىً لِلْمُتَّقين ) (٢) فهو وإن كان هدى لعامّة الناس ، إلاّ أنّه لا يستفيد منه إلاّ المُتَّقون ؛ ولذلك خصَّهم بالذِكر

ــــــــــــــــ

(١) المائدة : ١٥

(٢) البقرة : ٢

٦٢

ج ـ هو الهادي إلى الشريعة الأقوَم ، قال سبحانه :( إِنَّ هذا القُرآنَ يَهدِي لِلَّتي هِي أَقْوم ) (١)

د ـ الغاية من إنزاله قيام الناس بالقِسط ، قال سبحانه :( وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالقِسْطِ ) .(٢)

هـ ـ لا يتطرَّق إليه الاختلاف في فصاحته وبلاغته ، ولا في مضامينه ولا محتواه ، قال سبحانه :( وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللّهِ لوَجَدُوا فِيهِ اختلافاً كَثِيراً ) (٣)

و ـ يحثّ الناس إلى التدبُّر والتفكّر فيه :( كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُباركٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ) (٤)

ز ـ تبيان لكلّ شيء :( وَنَزلْنا عَليْكَ الكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيء ) (٥)

ح ـ نذير للعالمين :( تَبارَكَ الَّذي نَزَّل الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ) (٦)

ط ـ فيه أحسن القَصص :( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَص ) (٧)

ــــــــــــــــ

(١) الإسراء : ٩

(٢) الحديد : ٢٥

(٣) النساء : ٨٢

(٤) ص : ٢٩

(٥) النحل : ٨٩

(٦) الفرقان : ١

(٧) يوسف : ٣

٦٣

ي ـ ضُرب فيه للناس من كلِّ مَثل :( وَلَقَدْ صَرَّفْنا في هذا الْقُرآنِ لِلنّاسِ من كُلِّ مَثَل ) (١)

هذه نماذج من الآيات الّتي تصف القرآن ببعض الأوصاف

وللنبي والأئمّة المعصومين كلمات قيِّمة حول التعريف بالقرآن ، ننقل شذرات منها :

قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً ، فقال :( أيّها الناس ، إنّكم في دار هُدنة ، وأنتم على ظَهرِ سفر ، والسير بكم سريع ، وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يُبليان كلّ جديد ، ويُقرّبان كلّ بعيد ، ويأتيان بكلّ موعود ، فأعدّوا الجهاز لبُعد المُجاز )

فقام المُقداد بن الأسود وقال : يا رسول اللّه ، و ما دار الهُدنة ؟

قال : ( دار بلاغٍ وانقطاعٍ .

فإذا التبست عليكم الفِتن كقطع اللّيل المُظلِم ، فعليكم بالقرآن ، فإنّه شافِع مُشفَّع وماحِل مُصدَّق ، ومَن جعله أَمامَه قادَه إلى الجنّة ، ومَن جعله خلفه ساقه إلى النار

وهو الدليل ، يدلُّ على خير سبيل ، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفَصل ليس بالهَزل ، وله ظَهْر وبَطْن ، فظاهره حكم وباطنه عِلم ، ظاهره أنيق وباطنه عَميق ، له نجوم وعلى نجومه نجوم ، لا تُحصى عجائبه ولا تبلَى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ، ودليل على المعرفة لمَن عرف الصِفة

فليَجل جال بَصَره ، وليبلغ الصِفة نظره ، ينج مَن عطب ، ويتخلَّص مَن نشب ، فإنّ التَفكُّر حياة قلبِ البصير ، كما يمشي المُستنير في الظلمات بالنور ، فعليكم بحُسنِ التخلّص وقلَّة التربّص ) (٢)

ــــــــــــــــ

(١) الكهف : ٥٤

(٢) الكافي : ٢/٥٩٩ ، كتاب فضل القرآن

٦٤

وقال الإمام علي أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصف القرآن :

( ثُمّ أنزلَ عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه ، وسراجاً لا يخبُو توقُّده ،وبحراً لا يُدرك قعرُه ، فهو ينابيع العلم وبحوره ، وبحر لا يَنزِفه المُستنزفون ، وعيون لا يُنضِبُها الماتِحُون ، ومناهل لا يَغيضُها الواردون ) (١)

إلى غير ذلك من الخُطب والكلم حول التعريف بالقرآن ، الواردة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام

ــــــــــــــــ

(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٩٨

٦٥

الفصل الخامس : القَسَمُ بالعَصْر

حلف سبحانه بالعصر مرّةً واحدة ، دون أن يقرنه بمُقسَمٍ به آخر ، وقال :( وَالعَصْر * إِنّ الإنْسانَ لَفي خُسْر ) (١)

تفسير الآيات :

العَصْر يُطلق ويراد منه تارة : الدَهر ، وجَمْعه عصور

وأُخرى : العَشيّ مقابل الغداة ، يُقال : العصران : الغداة والعشي ، والعصران : الليل والنهار ، كالقمرين للشمس و القمر

وثالثة : بمعنى الضَغْط ، فيكون مصدر عَصَرْتُ ، والمَعصور الشيء العصر ، والعُصارة نفاية ما يُعصَر ، قال سبحانه :( أَراني أَعْصِرُ خَمراً ) (٢) ، وقال :( وفيهِ يَعْصِرُون ) (٣) ، وقال :( وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً ) (٤) أي : السُّحُب الّتي تعتصرُ بالمَطَر

ورابعة : بمعنى ما يُثير الغبار ، قال سبحانه :( فَأَصابَها إعصار ) (٥) .(٦)

والمُراد من الآية أحد المَعنيين الأوّليين :

الأوّل : الدَهر والزمان

الثاني : العَصْر مقابل الغداة

ولا يناسب المعنى الثالث ، أعني : الضغط ، ولا الرابع ، كما هو واضح

ــــــــــــــــ

(١) العصر : ١ـ٢

(٢) يوسف : ٣٦

(٣) يوسف : ٤٩

(٤) النبأ : ١٤

(٥) البقرة : ٢٦٦

(٦) مفردات القرآن : مادّة عصر ، و مجمَع البيان : ٥/٥٣٥

٦٦

وإليك بيان المَعنَيين الأوّلين

١ ـ العَصْر : الدَهْر . وإنّما حلف به ؛ لأنّ فيه عبرة لذوي الأبصار من جهة مرور الليل والنهار

وقد نُسب ذلك القول إلى ابن عبّاس ، والكلبي ، والجبائي

قال الزَمخشري : وأقسَمَ بالزمان ؛ لما في مروره من أصناف العجائب(١)

ولعلّ المُراد من الدهر والزمان اللّذين يُفسِّرون بهما العصر هو تاريخ البشريّة ؛ وذلك لأنّه سبحانه جعل المُقسَم عليه كون الإنسان لفي خسر إلاّ طائفة خاصّة ، ومن المعلوم أنّ خسران الإنسان أنّه هو مِن تصرّم عُمْره ، ومضي حياته من دون أن ينتفع بأغلى رأس مالٍ وقع في يده

وقد نقل الرازي هنا حكاية طريفة ، نأتي بنصِّها :

قال : وعن بعضِ السَلَف ، تعلّمتُ معنى السورة من بائع الثلج ، كان يصيح ويقول : ارحموا مَن يذوب رأس ماله ، ارحموا مَن يذوب رأس ماله ، فقلت : هذا معنى أنّ الإنسان لفي خُسْر ؛ يمرّ به العصر فيمضي عمره ولا يكتسب ، فإذا هو خاسر(٢)

٢ ـ العصر : أحدُ طَرفَي النهار . وأقسم بالعَصر كما أَقسم بالضُحى ، وقال :( والضحى * واللَّيل إذا سَجى ) (٣) ، كما أقسم بالصبح وقال :( والصُّبح إِذا أَسفَر ) (١)

وإنّما أقسَمَ بالعَصرِ لأهمّيّته ، إذ هو في وقت من النهار يحدث فيه تغيير في نظام المَعيشة وحياة البشر ، فالأعمال اليوميّة تنتهي ، والطيور تعود إلى أوكارها ، وتبدأ الشمس بالميل نحو الغروب ، ويستولي الظلام على السماء ، ويخلد الإنسان إلى الراحة

ــــــــــــــــ

(١) الكشّاف : ٣/٣٥٧

(٢) تفسير الفخر الرازي : ٣٢/٨٥

(٣) الضحى : ١ـ٢

٦٧

وهناك قولان آخران :

أ ـ المرادُ عَصْر الرسول ذلك لما تضمَّنته الآيتان التاليتان من شمول الخسران للعالم الإنساني ، إلاّ لمَن اتَّبع الحقّ وصبر عليه ، وهم المؤمنون الصالحون عملاً ، وهذا يؤكّد على أن يكون المراد من العصر عصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو عصر بزوغ نجم الإسلام في المجتمع البشري ، وظهور الحقّ على الباطل

ب ـ المراد به وقت العصر وهو المروي عن مقاتل ، وإنّما أقسَمَ بها ، لفضلها ، بدليل قوله :( حافِظُوا عَلى الصَّلواتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطى ) (٢) ، كما قيل أنّ المراد من قوله تعالى :( تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ ) (٣) هو صلاة العصر

أضف إلى ذلك ، أنّ صلاة العصر يحصل بها ختم طاعات النهار ، فهي كالتوبةِ تُختَم بها الأعمال.

ولا يخفى أنّ القول الأخير في غاية الضعف ؛ إذ لا صِلة بين القَسَم بصلاة العصر والمُقسَم عليه ، أعني :( الإنْسان لفي خُسر ) ، على أنّه لو كان المُقسَم به هو صلاة العصر ، لماذا اكتفى بالمضاف إليه وحذف المضاف ، مع عدم توفُّر قرينة عليه ؟! ومنه يظهر حال الوجه المُتقدّم عليه

والظاهر أنّ الوجه الأوّل هو الأقوى ؛ حيث أنّ الحلف بالزمان وتاريخ البشرية يتناسب مع الجواب ، أي : خسران الإنسان في الحياة ، كما سيوافيك بيانه

ــــــــــــــــ

(١) المُدّثّر : ٣٤

(٢) البقرة : ٢٣٨

(٣) المائدة : ١٠٦

٦٨

وأمّا المُقسَم عليه ، فهو قوله سبحانه :( إِنَّ الإنسانَ لَفي خُسْر ) ، والمراد من الخسران هو : مضيّ أثمَن شيء لديه وهو عمره ، فالإنسانُ في كلّ لحظة يفقد رأس ماله ، بنحوٍ لا يُعوَّض بشيء أبداً ، وهذه هي سُنَّة الحياة الدنيويّة ، حيث ينصرم عمره ووجوده بالتدريج ، كما تنصرم طاقاته إلى أن يهرم ويموت ، فأيُّ خسران أعظم من ذلك ؟!

وأمّا الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فأوضح من أن يخفى ؛ لاَنّ حقيقة الزمان حقيقة مُتصرّمة غير قارة ، فهي تنقضي شيئاً فشيئاً ، وهكذا الحال في عمر الإنسان ، فيخسر وينقص رأس ماله بالتدريج

ثُمّ أنّه سبحانه استثنى من الخسران مَن آمن وعمل صالحاً ، وتواصى بالحقِّ وتواصى بالصبر

ووجه الاستثناء واضح ؛ لأنّه بدَّلّ رأس ماله بشيء أغلى وأثمَن ، يستطيع أن يقوم مقام عمره المُنقضي ، فهو بإيمانه وعمله الصالح اشترى حياة دائمة ، حافلة برضوانه سبحانه ونِعمه المادِّية والمعنويّة

يقول سبحانه :( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (١)

ــــــــــــــــ

(١) التوبة : ١١١

٦٩

الفصل السادس : القَسَم بالنَجْم

وردتْ كلمة النجم في القرآن الكريم أربع مرّات في أربع سور(١) ، وحلف به مرَّة واحدة وقال :( وَالنَّجمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى ) (٢) ، وهي من السور المكِّية

تفسير الآيات :

النَجْمُ في اللغة : الكوكب الطالِع ، وجمعه نُجوم ، فالنجوم مرّة اسم كالقلوب والجيوب ، ومرّة مصدر كالطلوع والغروب

وأمّا ( هوى ) في قوله :( إِذا هَوى ) ، فيُطلق تارة على ميل النفس إلى الشهوة ، وأُخرى على السقوط من علوٍ إلى سفل

ولكنّ تفسيره بسقوط النجم وغروبه لا يُساعده اللفظ ، وإنّما المُراد هو ميله

وسيوافيك وجه الحلف بالنجم إذا هوى ، أي : إذا مالَ

ثُمّ إنّ المراد من النجم أحد الأمرين :

أ ـ أمّا مُطلَق النجم ، فيشمل كافّة النجوم الّتي هي من آيات عظمة اللّه سبحانه ، ولها أسرار ورموز يعجز الذهن البشري عن الإحاطة بها

ــــــــــــــــ

(١) وهي : النحل : ١٦ ، النجم : ١ ، الرحمن : ٦ ، الطارق : ٣

(٢) النجم : ١ـ٤

٧٠

ب ـ المراد هو نجم الشِعْرَى ، الّذي جاء في نفس السورة ، قال سبحانه :( وَانَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعرى ) (١)

ونظيره القول بأنّ المراد هو الثُريّا ، وهي مجموعة من سبعة نجوم ، ستَّة منها واضحة وواحد خافت النور ، وبه تُختبر قوَّة البَصَرِ

وربّما فُسّر بالقرآن الّذي نزل على قلب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة ٢٣ سنة ؛ لنزوله نجوماً(٢) ، لكنّ لفظ الآية لا يُساعد على هذا المعنى ، فاللّه سبحانه إمّا أن يحلف بعامّة النجوم ، أو بنجم خاصِّ يهتدي به السائر

ويدلّ على ذلك أنّه قيَّد القَسَم بوقت هويِّه ، ولعلّ الوجه هو أنّ النجم إذا كان في وسط السماء يكون بعيداً عن الأرضِ لا يهتدي به الساري ، لأنّه لا يعلم به المشرق من المغرب ولا الجنوب من الشمال ، فإذا زال ، تبيَّن بزواله جانب المغرب من المشرق(٣)

وأمّا المُقسَم عليه ، فهو قوله سبحانه :( ما ضَلَّ صاحِبكُمْ وَما غوى * وما ينطق عن الهَوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحيٌ يُوحى )

جمع سبحانه هناك بين الضلال والغَيِّ فنفاهما عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والقرآنُ يستعمل الضلالة في مقابل الهدى ، يقول سبحانه :( يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذا اهْتَدَيْتُمْ ) (٤)

ــــــــــــــــ

(١) النجم : ٤٩

(٢) انظر الميزان : ١٩/٢٧ ، مجمع البيان : ٥/١٧٢

(٣) تفسير الفخر الرازي : ٢٨/٢٧٩

(٤) المائدة : ١٠٥

٧١

كما يستعمل الغَيّ في مقابل الرُشد ، يقول سبحانه :( وَإِنْ يَرَوا سَبيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخذوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوا سَبيلَ الغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبيلاً ) (١)

والمُهمُّ بيان الفرق بين الضلالةِ والغواية ، فنقول :

ذكرَ الرازي : أنّ الضلال أن لا يجد السالك إلى مقصَده طريقاً أصلاً ، والغِواية أن لا يكون له طريق مُستقيم إلى المقصَد يدلّك على هذا أنّك تقول للمؤمن الّذي ليس على طريق السَداد : إنّه سَفيه غير رشيد ، ولا تقول إنّه ضالّ ، والضالّ كالكافر ، والغاوي كالفاسق(٢)

وإلى ذلك يرجع ما يقول الراغب : الغيّ جهلٌ من اعتقادٍ فاسد ، وذلك أنّ الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد اعتقاداً لا صالحاً ولا فاسداً ، وقد يكون من اعتقاد شيء ، وهذا النحو الثاني يُقال له : غَيّ(٣)

وعلى هذا ، فالآية بصَدَد بيان نفي الضلالة والغَي عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وردّ كلّ نوع من أنواع الانحراف والجهل والضلال والخطأ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليردّ به التُهم المُوجّهة إليه من جانب أعدائه

وأمّا بيان الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فواضح ، لما ذكرنا من أنّ النجم عند الهوى والميل يهتدي به الساري ، كما أنّ النبي يهتدي به الناس ، أي : بقوله وفعله وتقريره

فكما أنّه لا خطأ في هداية النجم لأنّها هداية تكوينيّة ، وهكذا لا خطأ في هداية الوحي المُوحى إليه ، ولذلك قال :( إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى )

ــــــــــــــــ

(١) الأعراف : ١٤٦

(٢) تفسير الفخر الرازي : ٢٨/٢٨٠

(٣) مفردات الراغب : ٣٦٩

٧٢

الفصل السابع : القسم بمواقع النجوم

حَلَفَ سبحانه وتعالى في سورة الواقعة بمواقع النجوم وقال :( فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُوم * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظيم * إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَرِيم * فِي كِتابٍ مَكْنُون * لا يَمَسُّهُ إِلاّ المُطَهَّرُون ) (١)

تفسير الآيات :

المُراد من مواقع النجوم مساقِطها حيث تغيب

قال الراغب : الوقوع : ثبوت الشيء وسقوطه ، يُقال : وقع الطائر وقوعاً ، وعلى ذلك يراد منه مطالِعها ومَغاربها ، يقال : مواقع الغَيث أي : مَساقِطه(٢)

ويدلُّ على أنّ المراد هو مطالع النجوم ومغاربها ، أنّ اللّه سبحانه يُقسِم بالنجوم وطلوعها وجَريها وغروبها ، إذ فيها وفي حالاتها الثلاث آية وعبرة ودلالة ، كما في قوله تعالى :( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الجَوارِ الكُنَّس ) (٣) ، وقال :( وَالنَّجْم إِذا هَوى ) ، وقال :( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِب )

ــــــــــــــــ

(١) الواقعة : ٧٥ـ ٧٩

(٢) مفردات الراغب : ٥٣٠ ، مادَّة وَقَعَ

(٣) التكوير : ١٥ـ ١٦ .

٧٣

ويرجح هذا القول أيضاً : أنّ النجوم حيث وقعت في القرآن ، فالمراد منها الكواكب ، كقوله تعالى :( وَإدْبار النُّجوم ) (١) ، وقوله :( وَالشَّمْسُ وَالْقَمرُ وَالنُّجُوم ) (٢)

وأمّا المُقسَم عليه : فهو قوله سبحانه :( إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَريم * في كِتابٍ مَكْنُون * لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَّهَرُون )

وصفَ القرآن بصفاتٍ أربع :

أ ـ ( لقُرآنٌ كَريم ) والكريم هو البَهيّ الكثير الخير العظيم النفع ، وهو من كلّ شيء أحسنه وأفضله ، فاللّه سبحانه كريم ، وفعله ـ أعني القرآن ـ مثله

وقال الأزهري : الكريم : اسم جامع لما يُحمَد ، فاللّه كريم يُحمَد فِعاله ، والقرآن كريم يُحمَد ؛ لما فيه من الهدى والبيان والعلم والحكمة

ب ـ( في كتابٍ مَكنُون ) ولعلّ المراد منه هو اللوح المحفوظ ، بشهادة قوله :( بَلْ هُوَ قُرآنٌ مَجيد * في لَوحٍ مَحْفُوظ ) (٣) ويُحتمَل أن يكون المراد الكتاب الّذي بأيدي الملائكة ، قال سبحانه :( في صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرةٍ * بِأَيدِي سَفَرَةٍ * كِرامٍ بَررَةٍ ) (٤)

ج ـ( لا يَمَسُّه إِلاّ المُطهَّرون ) فلو رجع الضمير إلى قوله :( لقُرآنٌ كَريم ) ، كما هو المتبادَر ، لأنّ الآيات بصَدَد وصفه وبيان منزلته ، فلا يمسّ المصحف إلاّ طاهر ، فيكون الإخبار بمعنى الإنشاء ، كما في قوله سبحانه :( وَالمُطلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء ) (٥)

ــــــــــــــــ

(١) الطور : ٤٩

(٢) الحجّ : ١٨

(٣) البروج : ٢١ ـ ٢٢

(٤) عبس : ١٣ ـ ١٦

(٥) البقرة : ٢٢٨

٧٤

ولو قيل برجوع الضمير إلى ( كتابٍ مَكنُون ) ، فيكون المعنى لا يمسّ الكتاب المَكنون إلاّ المطهَّرون

وربّما يُؤيَّد هذا الوجه بأنّ الآية سيقت تنزيهاً للقرآن من أن ينزل به الشياطين ، وأنّ محلّه لا يصل إليه ، فلا يمسّه إلاّ المطهّرون ، فيستحيل على أخابثِ خلق اللّه وأنجسِهم أن يصلوا إليه أو يَمسُّوه ، قال تعالى :( وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطين * وَما يَنْبَغي لَهُمْ وَما يَسْتَطيعُون ) (١)

د ـ( تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمين ) وهذا هو الّذي يُركِّز عليه القرآن في مواقف مختلفة ، وأنّه كتاب اللّه وليس من صنع البشر

وأمّا الصِلة بين القَسَمِ والمُقسَم به فهو واضح ؛ فلاَنّ النجوم بمواقعها ـ أي طلوعها وغروبها ـ يهتدي بها البشر في ظلمات البرِّ والبحر ، فالقرآن الكريم كذلك ، يهتدي به الإنسان في ظلمات الجهل والغَي ، فالنجوم مصابيح حسّية في عالم المادَّة ، كما أنّ آيات القرآن مصابيح معنويَّة في عالم المُجرَّدات

إكمال :

إنّه سبحانه قال :( فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُوم ) ، فالمراد منه القَسَم بلا شكّ ، بشهادة أنّه قال بعده :( وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظيم ) ، فلو كان معنى الآية هو نفي القَسَم ، فلا يُناسب ما بعده ؛ حيث يصفه بأنّه حلف عظيم

وقد اختلف المفسِّرون في هذه الآيات ونظائرها إلى أقوال :

١ ـ ( لا ) زائدة ، مثلها قوله سبحانه :( لئلاّ يَعْلَم )

٢ ـ أصلها ( لأُقسِمُ ) بلام التأكيد ، فلمّا أُشبعَت فتحتها صارت ( لا ) كما في الوقف

٣ ـ ( لا ) نافية ، بمعنى نفي المعنى الموجود في ذهن المُخاطَب ، ثُمّ الابتداء بالقَسَمِ ، كما نقول : لا واللّه ، لا صحَّة لقول الكفّار ، أُقسِم عليه

ــــــــــــــــ

(١) الشعراء : ٢١٠ـ٢١١

٧٥

ثُمّ إنّه سبحانه يصف هذا القَسَم بكونه عظيماً ، كما في قوله :( وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) ، فقوله : ( عظيم ) وصف ( القَسَم ) ، أُخِّر لحفظِ فواصل الآيات

وهذا القَسَم هو القَسَم الوحيد الّذي وصفه سبحانه بأنّه عظيم

فالحديث هنا هو حديث على الأبعاد ، أبعاد النجوم عنّا وعن بعضها البعض ، في مجرّتنا وفي كلّ المَجرّات

ولأنّها كلّها تتحرَّك ، فإنّ الحديث عن مواقعها يصير أيضاً حديثاً على مداراتها ، وحركاتها الأُخرى العديدة ، وسرعاتها ، وعلى علاقاتها بالنجوم الأُخرى ، وعلى القوى العظيمة والحسابات المُعقَّدة الّتي وضعت كلّ نجم في موقعه الخاصّ به ، وحفظته في علاقات متوازنة دقيقة مُحكمَة ، فهي لا يعتريها الاضطراب ، ولا تتغيَّر سُنَنها وقوانينها ، وهي لا تسير خَبطَ عَشواء ، أو في مساراتٍ متقاطعةٍ أو متعارضة ، بل هي تسير كلّها بتساوق وتناغم ، وانسجام وانتظام تامّين دائمين ، آيات على قدرة القادر سبحانه(١)

يقول الفلكيُّون : إنّ من هذه النجوم والكواكب ـ الّتي تزيد على عدَّة بلايين نجم ـ ما يمكن روَيته بالعين المُجرَّدة ، وما لا يُرى إلاّ بالمجاهر والأجهزة ، وما يمكن أن تَحسَّ به الأجهزة دون أن تراه

هذه كلّها تسبحُ في الفلك الغامض ، ولا يوجد أيّ احتمال أن يقترب مجال مغناطيسي لنجمٍ من مجال نجمٍ آخر ، أو يصطدم كوكب بآخر ، إلاّ كما يُحتمَل تصادم مركب في البحر الأبيض المتوسّط بآخر في المحيط الهادي ، يسيران في اتّجاه واحد وبسرعة واحدة ، وهو احتمال بعيد ، وبعيداً جداً ، إن لم يكن مستحيلاً(٢)

ــــــــــــــــ

(١) أسرار الكون في القرآن : ١٩٢

(٢) اللّه والعلم الحديث : ٢٤

٧٦

الفصل الثامن : القَسَمُ بالسماءِ ذات الحُبُك

حَلَفَ سبحانه في سورة الذاريات بأُمورٍ خمسة ، وجعل للأربعة الأُوَل جواباً خاصّاً ، كما جعل للخامس من الأقسام جواباً آخر ، وبما أنّ المُقسَم عليه مُتعدِّد ؛ فصلنا القَسَم الخامس عن الأقسام الأربعة ، وعقدنا له فصلاً في ضمن فصول القَسَمِ المُفرَد

قال سبحانه :( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ) (١)

ترى أنّه ذكر للأقسام الأربعة جواباً خاصاً ، أعني قوله :( إِنّما تُوعَدُون لَصادِق * وانّ الدِّين لواقِع )

ثُمّ شرع بحلفٍ آخر ، وقال :( وَالسَّماءِ ذات الحُبُكِ * إِنَّكُم لَفِي قَولٍ مُختَلِف ) (٢)

فهناك قَسَم خامس وهو : ( والسماء ذات الحُبُك ) ، وله جواب خاصّ لا يمتّ لجواب الأقسام الأربعة ، وهو قوله :( إِنَّكُمْ لَفي قولٍ مختلِف )

ــــــــــــــــ

(١) الذاريات : ١ـ ٦

(٢) الذاريات : ٧ـ ٨

٧٧

تفسير الآيات :

الحُبُك : جمع الحِباك ، كالكتب جمع كتاب ، تُستعمَل تارة في الطرائق ، كالطرائق الّتي تُرى في السماء ، وأُخرى في الشَعْرِ المجعد ، وثالثة في حُسن أثرِ الصنعة في الشيء واستوائه

قال الراغب :( والسَّماء ذات الحُبُك ) أي : ذات الطرائق ، فمن الناس مَن تصوّر منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرّة

ولعلّ المراد منه هو المعنى الأوّل ، أي : السماء ذات الطرائق المختلفة ، ويؤيّده جواب القَسَم ، وهو اختلاف الناس وتشتُّت طرائقهم ، كما في قوله :( إنّكم لفي قولٍ مختلِف )

وربّما يحتمل أنّ المراد هو المعنى الثالث ، أي : أُقسم بالسماء ذات الحُسنِ والزينة ، نظير قوله تعالى :( إِنّا زَيَّنا السَّماءَ الدُّنيا بزِينةٍ الكَواكِب ) .(١)

ولكنّه لا يناسبه الجواب ، إذ لا يصحّ أن يحلفَ حالِف بالأمواج الجميلة الّتي ترتَسِم بالسُحب أو بالمجرّات العظيمة ، الّتي تبدو كأنّها تجاعيد الشَعْرِ على صفحة السماء ، ثُمّ يقول :( إِنّكم لفي قولٍ مختلِف ) ، أي : إنّكم متناقضون في الكلام

وعلى كلّ حال ، فالمُقسَم عليه هو : التركيز على أنّهم متناقضون في الكلام ، فتارة ينسبون عقائدهم إلى آبائهم وأسلافهم ، فينكرون المعاد ، وأُخرى يستبعدون إحياء الموتى بعد صيرورتهم عظاماً رميم ، وثالثة يرفضون القرآن والدعوة النبويّة ويصفونه بأنّه قول شاعر ، أو ساحر ، أو مجنون ، أو ممّا علّمه بشر ، أو هي من أساطير الأوَّلين

وهذا الاختلاف دليل على بطلان ادّعائكم ، إذ لا تعتمدون على دليلٍ خاصّ ، فانّ تناقض المُدَّعي في كلامه أقوى دليل على بطلانه ونفاقه

ــــــــــــــــ

(١) الصافّات : ٦

٧٨

ثُمّ إنّه سبحانه يقول : إنّ الإعراض عن الإيمان بالمعاد ليس أمراً مختصَّاً بشخصٍ أو بطائفة ، بل هو شيمة كلّ مُخالِف للحقِّ يقول :( يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ) . (١)

والأفْك : الصَرف ، والضمير في ( عنه ) يرجع إلى الكتاب ، من حيث اشتماله على وعد البأس والجزاء ، أي : يُصرَف عن القرآن من صُرف وخالفَ الحقّ

وأمّا الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فقد ظهر ممّا ذكرنا ؛ لما عرفتَ من أنّ معنى الحُبُك هو الطرائق المختلفة المتنوِّعة ، فناسب أن يحلفَ به سبحانه على اختلافهم وتشتّت آرائهم ، في إنكارهم نبوّة النبي ورسالته ، والكتاب الّذي أُنزل معه ، والمعاد الّذي يدعو إليه

ــــــــــــــــ

(١) الذاريات : ٩

٧٩

القسم الثاني : القَسَم المُتَعدِّد

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : القَسَم في سورة الصافّات

حلف سبحانه بالملائكة في السور الأربع التالية :

١ ـ الصافّات ، ٢ ـ الذاريات ، ٣ ـ المُرسلات ، ٤ ـ النازعات

وليس المُقسَم به هو لفظ المَلَكِ أو الملائكة ، وإنّما هو الصِفات البارزة للملائكة ، وأفعالها ، وإليك الآيات :

١ ـ( وَالصّافاتِ صَفّاً * فَالزّاجراتِ زَجْراً * فَالتّالياتِ ذِكراً *إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحد ) .(١)

٢ ـ( والذّارِياتِ ذَرْواً * فَالحامِلاتِ وِقْراً * فَالجارِياتِ يُسراً * فَالمُقَسِّماتِ أَمْراً * إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادق * وَانَّ الدِّين لواقع ) (٢)

٣ ـ( وَالْمُرسَلات عُرفاً * فَالعاصِفاتِ عَصْفاً * وَالنّاشراتِ نَشْراً * فالفارِقات فَرقاً * فالمُلقِياتِ ذِكراً * عُذراً أَو نُذراً * إنّما تُوعَدُونَ لَواقِع ) (٣)

ــــــــــــــــ

(١) الصافّات : ١ـ٤

(٢) الذاريات : ١ـ٦

(٣) المُرسَلات : ١ـ٧

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وأمَّا حدوث ذلك في شهر رمضان دون غيره، فهذا على تقدير ثبوته، لا بدَّ من إيكال علمه إلى أهله، وسيأتي ما يوضِّحه فيما يلي:

الأطروحة الرابعة: أن يحدث الكسوف والخسوف بتوسُّط جرم آخر طارئ، ولكنَّه من الأجرام المنطلقة من الأرض لبعض الإغراض العلمية أو الحربية؛ إذ لعلَّ البشرية تتطوَّر حتى تصل إلى المستوى الذي يؤهِّلها لإطلاق الأجرام الضخمة المـُنتجة لمثل هذه النتائج الكبيرة.

وقد يرد في الذهن: أنَّه كان ذلك بفعل البشر، فكيف يكون ذلك علامة على اليوم الموعود.

وجوابه من عِدِّة وجوه:

أولاً: لعلَّ البشر يُطلقون الجرم لا لأجل إحداث الكسوف والخسوف، بل لغرض آخر، فيترتَّب عليه من حيث لا يعلمون، فإذا كان من الضروري أن تكون العلامة قهريَّة الوقوع، فهذه بمنزلة العلامة القهريَّة.

ثانياً: أنَّ البشر حتى لو كانوا مُلتفتين إلى إمكان حدوث الخسوف والكسوف من إطلاق الجرم، إلاَّ أنَّ الذين يُطلقونها لا يحملون عن المهدي (ع) وعلامات ظهوره أيَّة فكرة، فتكون هذه العملية بالنسبة إلى فكرة علاميَّتها كالقهريَّة.

ثالثاً: أنَّ البشر الذين يُطلقون الجرم حتى لو التفتوا إلى فكرة العلاميَّة، إلاَّ أنَّهم لا يمكن أن يُطلقوه إلاَّ بعد بلوغهم مستوى (مدنياً) مُعيَّناً، فمن الممكن أن تكون العلامة في الواقع هو هذا المستوى المدني العلمي، وإنَّما ذكرت الروايات وجود الكسوف والخسوف للإشارة إليه، بشكل لا يُنافي المستوى الفكري العام لعصر صدور الأخبار.

وأمَّا ورود المـُناقشات التي أوردناها عن الأُطروحة الثانية، فهو غير مُهمٍّ، كما هو واضح لمَن يُفكِّر، سوى حصول ذلك في شهر رمضان، وهو ما سيأتي إيضاحه.

وقد يخطر في الذهن: أنَّ الروايات دالَّة على حدوث هاتين الواقعتين قبل وجود البشرية، فكيف ينسجم ذلك مع هذه الأطروحة.

وجوابه واضح من زاوية أنَّ الروايات لم تدلَّ على أكثر من عدم حصوله خلال عمر البشرية ( منذ هبط آدم (ع) )، وأمَّا حصوله قبل ذلك، فليس لها ظهور تامٌّ في ذلك، وإن كانت مُشعرة به قليلاً، ويمكن الاستغناء عن هذا الإشعار مع تأكُّد هذه الأطروحة.

١٢١

فهذه جملة من الأطروحات الطبيعية، أعني حدوث هاتين العلامتين بشكل غير خارق لنظام الطبيعة، وهناك بعض الأُطروحات الأُخرى، منها ما هو مبتنٍ على النظرية النسبية، لا حاجة إلى التطويل بذكرها.

ويرد على هذه الأطروحة إشكال مُشترك: هو ما أشرنا إليه من التوقيت، سواء منه التوقيت بشهر رمضان أو بقُرب الظهور، فإنَّهما معاً قد يُستشكَل بعدم انسجامهما مع الحدوث الطبيعي لهاتين الواقعتين، بأيِّ أُطروحة كان.

ويمكن الجواب على هذا الإيراد من أكثر من وجه واحد، نذكر منها ما يلي:

الوجه الأول: الطعن بصحَّة هذا التوقيت، والالتزام بأنَّ أقصى ما يثبت هو وجود هاتين الواقعتين في غير أوانهما الطبيعي من الشهر، فإنَّ هذا المعنى تسالمت عليه الروايات، وأمَّا غير ذلك من الصفات فهو ممَّا استقلَّت به البعض دون البعض، فلا يكون له الإثبات التاريخي الكافي، فلا يكون هذا الإشكال المشترك وارداً.

إلاَّ أن هذا الوجه لا يتمُّ في بعض الصفات الأساسية، كحدوث الواقعتين قُرب الظهور... وإن صحَّ الاستغناء عن بعض الصفات الأُخرى.

الوجه الثاني: أنَّنا إذا سلَّمنا بثبوت التوقيت، لا يبقَ من إشكال إلاَّ في أصل جعلها علامة على الظهور، مع أنَّها حوادث مُستقبَلة، وهي ممَّا لا يمكن الاطِّلاع عليها من قِبل أحد، وهذا ما سبق أن ناقشناه في الكتاب السابق(١) ، ومع ارتفاعه وتسليم إمكان التنبُّؤ بالمـُستقبل من قِبل قادة الإسلام المعصومين (ع)، وتسليم ثبوت هذه الصفات - كما قلنا -... لا يبقى لهذا الإشكال مجال.

الأُطروحة الخامسة: أن يحدث هذا الخسوف والكسوف على نحو الإعجاز، بخرق نواميس الطبيعة.

وقد تؤيَّد هذه الأطروحة ببعض القرائن المؤيِّدة:

القرينة الأُولى: قوله في أكثر من رواية: ( أنَّهما آيتان لم تحدثا منذ أن هبط آدم (ع) إلى الأرض... )، إذ لو كانت هذه الحوادث طبيعية لحدثت خلال وجود البشرية أكثر من مرَّة.

____________________

(١) تاريخ الغيبة الكبرى ص٥٣٢.

١٢٢

إلّا أنَّ هذه القرينة لا تتمُّ مع ثبوت إحدى الأُطروحتين الأخيرتين، بل مع مُجرَّد احتمالهما، فإنَّهما يُعطيان التبرير (الطبيعي) لعدم حدوث هذه الوقائع خلال عُمر البشرية، فلا ينحصر أن يكون هذا إعجازياً.

القرينة الثانية: إنَّ إعجازية هذه الوقائع هي المناسبة مع جعلها علامة للظهور، ومُنبِّهة للمـُخلصين المـُمحَّصين، وأمَّا مع وجودها وجوداً طبيعياً، فتضعف فكرة جعلها علامة إلى حدٍّ كبير.

وهذه القرينة أيضاً قاصرة؛ لأنَّها تتضمَّن غفلة عن معنى جعل العلامة، الذي سبق أن ذكرناه في التاريخ السابق(١) ، وعرفنا هناك أنَّ السرَّ الأساسي فيه ليس منطلقاً من الإعجاز، بل من الإخبار نفسه، حيث يختار قادة الإسلام (ع) شيئاً مُهمَّاً مُلفِتاً للنظر، فيُخبرون به مرتبطاً بالظهور، حتى ما إذا وقعت الحادثة ثبت عند الجيل المعاصر لها صدق الإخبار عنها بالوجدان، فيثبت بالوجدان أيضاً صدق ما ارتبط بها في الرواية، وهو أصل الظهور إن كانت علامة مُطلقة، أو قربه إن كانت علامة قريبة.

وأضفنا هناك: ومن هنا لا معنى لكون بعض هذه الحوادث علامة، إلاَّ إذا ورد في الروايات ذكره، وجعل منها علامة على الظهور.

أقول: فالأساس في ذلك هو الإخبار لا الإعجاز، وما دام الإخبار موجوداً وكافياً للإثبات التاريخي، لا يكون حدوثها (الطبيعي)، مُخلاَّ ًبفكرة جعلها علامة.

هذا، وينبغي الإلماع إلى أنَّ في هذه الأُطروحة الإعجازيّة، نقطة ضعف ونقطة قوَّة، بالنسبة إلى ( قانون المعجزات )، فهي موافقة له من زاوية كون هذه الوقائع واقعة في طريق الهداية، كما أسلفنا في التاريخ السابق(٢) ، وهذه نقطة قوَّته، ولكنَّها مُخالفة له باعتبار عدم انحصار طريق الهداية بها، ولا أقلّ من الشكِّ في ذلك، ومعه لا تكون موافقة مع هذا القانون من جميع جهاته، فلا تكون صحيحة، فإذا انحصر الأمر بالأطروحة الإعجازيّة، كان اللازم رفض الأخبار الدالَّة عليها؛ لأنَّنا عرفنا عدم الانحصار بها، ومعه يتبيَّن رفض هذه الأُطروحة والحفاظ على الأخبار مع حملها على إحدى الأطروحات الطبيعية.

الجهة الثانية: الفَزْعة والصيحة

____________________

(١) انظر ص٥٢٩ وما بعدها.

(٢) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص٥٧٥.

١٢٣

وهما أيضاً من الحوادث المنقولة في الأخبار، وإنَّما دمجناهما في عنوان واحد، لاحتمال أن يكون المراد بهما شيء واحد، على ما سوف نُشير.

أخرج الصدوق(١) ، بإسناده إلى محمد بن مسلم، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع) في حديث، قال فيه: ( ومن علامات خروجه (ع)... وصيحة من السماء في شهر رمضان ).

وأخرج أيضاً، عن الحرث بن المغيرة، عن أبي عبد الله (ع): ( الصيحة التي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة، لثلاث وعشرين مَضَين من شهر رمضان ).

وأخرج عن عمر بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( قبل القائم خمس علامات محتومات... )، وعدَّ منها: الصيحة.

ونحوه أخرج النعماني في (الغيبة)(٢) ، إلاَّ أنَّه قال: (... والصيحة في السماء ).

وأخرج النعماني أيضاً(٣) ، عن داود الدجاجي، عن أبي جعفر محمد بن علي (ع) قال: ( سُئل أمير المؤمنين (ع) عن قوله تعالى:( فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ... ) . فقال: انتظروا الفرج من ثلاث! فقيل: يا أمير المؤمنين، وما هُنَّ؟ فقال:... والفزعة في شهر رمضان. فقيل: وما الفزعة في شهر رمضان؟ فقال: أوَ ما سمعتم قول الله عز وجل في القرآن:( إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ) ، هي آية تُخرِج الفتاة من خِدرها، وتوقِظ النائم، ويُفزِع اليقظان ).

وأخرج أيضاً(٤) ، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال: ( وفزعة في شهر رمضان توقِظ النائم، وتُفزِع اليقظان، وتُخرِج الفتاة

____________________

(١) انظر إكمال الدين للصدوق (نسخة مخطوطة).

(٢) ص ١٣٣.

(٣) نفس الصفحة.

(٤) انظر غيبة النعماني ص ١٣٤، وكذلك الحديث الذي يليه.

١٢٤

من خِدرها ).

وفي حديث آخر، عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي (ع)، في حديث أنَّه قال: ( الصيحة لا تكون إلاَّ في شهر رمضان شهر الله، وهي صيحة جبرئيل إلى هذا الخلق - ثمَّ يقول بعد حديث طويل – إذا اختلف بنو فلان فيما بينهم. فعند ذلك فانتظروا الفرج، وليس فرجكم إلاَّ في اختلاف بني فلان، فإذا اختلفوا فتوقَّعوا الصيحة في شهر رمضان وخروج القائم، إنَّ الله يفعل ما يشاء... ) الخبر.

ولعلَّ من أهمِّ ما دلَّ على وقوع الصيحة من الأخبار، ما ورد في الخطاب الذي أخرجه السفير الرابع عن الإمام المهدي (ع)، والذي أعلن فيه المهدي (ع) انتهاء السفارة بموت هذا السفير، يقول فيه: ( إلاَّ فمَن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كذَّاب مُفترٍ )(١) .

وأخرج القندوزي في ينابيع المودَّة بعض هذه الأخبار.

ونستطيع أن نُعطي لفهم هذه الصيحة، عدَّة أُطروحات، لنرى ما يصحُّ منها وما لا يصحُّ:

الأُطروحة الأُولى: إنَّ الصيحة والفزعة بمعنى واحد، ويُراد بها صوت عظيم يكون في السماء، يوقِظ النائم ويُفزِع اليقظان، ويُخرِج الفتاة من خِدرها خوفاً وفزعاً؛ ومن هنا سُمِّيت بالفزعة، ويكون الصوت حادثاً بالمعجزة، ولا يكون له مدلول كمداليل الكلام، وإنَّما هو صوت كالرعد أو الهَدَّة العظيمة.

إلاَّ أنَّ هذا ممَّا لا يكاد يصحُّ؛ فإنَّ أهمَّ ما يُنافيه في الروايات، قوله: ( وهي صيحة جبرئيل إلى هذا الخَلْق )، فإنَّ صحَّته تكون - لا محالة – ذات معنى كمعاني الكلام، لا أنَّها مُجرَّد صيحة صامتة، وسيأتي ما يدلُّ على ذلك في أخبار (النداء).

الأُطروحة الثانية: إنَّ المراد بالصيحة هو النداء الآتي ذكره، وهو نداء جبرئيل على ما سنسمعه من الأخبار، وفي التعبير بأنَّها صيحة جبرئيل، ما يؤيِّد ذلك.

____________________

(١) انظر الاحتجاج للطبرسي ط النجف ص٢٩٧، وانظر تاريخ الغيبة الصغرى ص٦٣٣ وما بعدها.

١٢٥

ويكون السبب في هذا الصوت شيء من قبيل المعجزة، فإنَّ سببه صادر من فوق الطبيعة المادِّية؛ لأنَّه صوت أحد الملائكة الكرام، كما سمعنا في الأخبار.

وعلى أيِّ من هاتين الأُطروحتين، يكون الصوت إعجازياً حادثاً من أجل مصالح مُعيَّنة، أهمُّها ما أشرنا إليه من التنبيه على قُرب الظهور، من أجل إيجاد الاستعداد النفسي لدى المـُخلصين والمسلمين لاستقباله.

الأُطروحة الثالثة: أن يكون المراد بالصيحة والفزعة معانٍ طبيعيَّة غير إعجازية، فالفزعة تعبير عن وجود رُعب عام لسبب من الأسباب، كتوقُّع حرب أو وباء مثلاً، ويكون المراد بالصيحة صوت عظيم صادر من بعض القنابل أو الصواريخ، أو من اختراق إحدى الطائرات حاجز الصوت، أو انفجار بعض المـُستودعات... ونحو ذلك

غير أنَّ الأُطروحة بعيدة للغاية عن مداليل هذه الأخبار وسياقها العام، وخاصة مع الاستدلال بقوله تعالى:( إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ) (١) .

وقد استدلَّ بهذه الآية على الفزعة، كما سبق أن سمعنا، وعلى الصيحة، فيما رواه الصافي في مُنتخب الأثر(٢) ، والقندوزي في الينابيع(٣) ، عن أبي عبد الله (ع)، وقال في آخره:... تلوتُ هذه الآية، أي: قوله تعالى:( إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً... ) الآية، فقلت: أهي الصيحة؟

قال: ( أما لو كانت الصيحة خضعت أعناق أعداء الله عزَّ وجل ).

وإنَّما تخضع أعناق أعداء الله نتيجةً لحادث كَوْنيِّ كبير غير معهود، فيه عنصر إعجازي، لا لحادث بسيط كصوت صاروخ أو طائرة.

ولعلَّ في تفسير الآية تارةً بالصيحة وأُخرى بالفزعة ما يوحي بالأُطروحة الأُولى.

أو أن تكون الفزعة بمعنى الصيحة، فإنَّهما آية واحدة تخضع لها أعناق أعداء الله سبحانه.

ويكون ذلك مُطابقاً للأُطروحة الثانية، ويكون الفزع ناشئاً من صوت جبريل الأمين، في قلوب أعداء الله.. وأمَّا المؤمنين، فيكون الصوت بشارةً كبرى لهم عن قُرب الفرج وتوقُّع الظهور.

ومن أجل هذا يحصل الاهتمام الكبير بهذا الصوت، ويستيقظ منه النائم، ويفزع

____________________

(١) الشعراء: ٢٦/٤.

(٢) ص٤٠٤.

(٣) ص ٤٢٦.

١٢٦

اليقظان، وتخرج الفتاة الحييَّة المـُخدَّرة من خدرها، ولا تتحدَّث عن الفتيات غير المـُتَّصفات بالحياء.

هذا، والظاهر من سياق هذه الأخبار، وخاصة مثل قوله: ( فتوقَّعوا الصيحة وخروج القائم... )، أن تكون الصيحة قبل الظهور بزمن قليل نسبيَّاً... وهو المقصود.

الجهة الثالثة: النداء.

والأخبار عن ذلك على ثلاثة أشكال:

الشكل الأول: ما كان دالاَّ ًعلى وجود النداء إجمالاً، وإنَّه من المحتوم.

أخرج الصدوق(١) ، بسنده إلى ميمون البان، عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: ( خمس قبل قيام القائم... )، وعد منها: ( المـُنادي يُنادي من السماء ).

وروى المفيد، بسنده(٢) عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي جعفر (ع): خروج السفياني من المحتوم؟ قال: ( نعم، والنداء من المحتوم ). الحديث.

وأخرج النعماني(٣) ، بسنده عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (ع) أنَّه قال: ( النداء من المحتوم... ) الحديث.

الشكل الثاني: النداء بالحق وبالباطل، ويكون النداء بالحقِّ أولاً، ثمَّ النداء بالباطل.

أخرج الصدوق(٤) ، بسنده إلى ميمون البان، في حديث عن أبي جعفر (ع) قال: ثمَّ قال: ( يُنادي منادٍ من السماء: إنَّ فلان بن فلان هو الإمام باسمه، ويُنادي إبليس لعنه الله من الأرض، كما نادى برسول الله (ص) ليلة العقبة ).

وأخرج النعماني في الغيبة(٥) ، عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي (ع)، في

____________________

(١) إكمال الدين ( المخطوط ).

(٢) الإرشاد ص٣٣٨.

(٣) الغيبة ص١٣٤.

(٤) انظر إكمال الدين المخطوط ص١٣٤.

(٥) ص١٣٤.

١٢٧

حديث طويلٍ قال فيه:

(... يُنادي مُنادٍ من السماء باسم القائم، فيُسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلاَّ استيقظ، ولا قائم إلاَّ قعد، ولا قاعد إلاَّ قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت، فرحم الله عبداً اعتبر بذلك الصوت فأجاب، فإنَّ الصوت صوت جبرئيل الروح الأمين ).

وقال (ع): ( الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة، ليلة ثلاث وعشرين، فلا تشكُّوا في ذلك، واسمعوا وأطيعوا.

وفي آخر النهار صوت إبليس اللعين يُنادي: ألا إنَّ فلاناً قُتِل مظلوماً، ليُشكِّك الناس ويفتنهم، فكم ذلك اليوم من شاكٍّ مُتحيِّر قد هوى في النار.

فإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان، فلا تشكُّوا فيه أنَّه صوت جبرئيل، وعلامة ذلك أنَّه يُنادي باسم القائم واسم أبيه (ع)، وحتى تسمعه العذراء في خدرها، فتُحرِّض أباها وأخاها على الخروج - إلى أن قال: - فاتَّبعوا الصوت الأول وإيِّاكم والأخير أن تُفتنوا به... ) الحديث.

وأخرج السيوطي في العُرف الوردي(١) ، قال: أخرج نعيم عن علي، قال: ( إذا نادى مُنادٍ من السماء: إنَّ الحق في آل محمد. فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس، ويُشْرَبون حُبَّة، ولا يكون لهم ذِكْر غيره ).

وأخرج أيضاً(٢) ، عن نعيم بن حماد أيضاً، عن أبي جعفر، قال: ( يُنادي مُنادٍ من السماء: إنَّ الحق في آل محمد، ويُنادي مُنادٍ من الأرض: إنَّ الحق في آل عيسى – أو قال: العباس شكَّ فيه – وإنَّما الصوت الأسفل كلمة الشيطان، والصوت الأعلى كلمة الله العُلْيَا ).

وأخرج القندوزي في الينابيع شيئاً من ذلك.

____________________

(١) انظر الحاوي للسيوطي ج٢ ص١٤٠

(٢) المصدر ص١٥١.

١٢٨

القسم الثالث: النداء باسم القائم (ع )، بدون أن يكون في الأخبار تعرُّض إلى نداء آخر:

أخرج الصدوق(١) ، بسنده إلى محمد بن مسلم، عن أبي جعفر الباقر (ع)، في حديث، قال: (... ومن علاماته خروج السفياني، ومُنادٍ نُادي باسمه واسم أبيه ).

وأخرج النعماني(٢) ، بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع)، قال:

قلت له: جُعِلت فداك، متى خروج القائم. فقال: ( يا أبا محمد، إنَّا أهل بيت لا نوقِّت... - إلى أن قال: - ولا يخرج القائم حتى يُنادى باسمه في جوف السماء، في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، ليلة جمعة ).

قلت: بِمَ يُنادى؟

قال: ( باسمه واسم أبيه، ألا إنَّ فلان بن فلان قائم آل محمد، فاسمعوا له وأطيعوه ).

وأخرج الشيخ في الغيبة(٣) ، بسنده عن محمد بن مسلم، قال: ( يُنادي منادٍ من السماء باسم القائم، فيُسمع ما بين الشرق إلى الغرب، فلا يبقى راقد ولا قائم إلاَّ قعد، ولا قاعد إلاَّ قام على رجليه من ذلك الصوت، وهو صوت جبرئيل الروح الأمين ).

وأخرج أيضاً(٤) عن أبي بصير (ع) قال: قال أبو عبد الله (ع): ( إنَّ القائم صلوات الله عليه، يُنادى اسمه ثلاث وعشرين... ) الحديث.

إلى غير ذلك من الأخبار.

____________________

(١) انظر إكمال الدين المخطوط.

(٢) انظر غيبة النعماني ص١٣٤.

(٣) انظر ص٢٧٤.

(٤) الغيبة للطوسي ص٢٧٤.

١٢٩

والمعنى المفهوم من مجموع هذه الأخبار وأخبار الجهة السابقة: أنَّ أخبار الصيحة والفزعة وأخبار النداء بأقسامها، تُشير إلى معنى مُشترك وحادثة واحدة، لا اختلاف فيها، وإن تعدَّدت أساليب الأخبار، ولا تعارض بينها في الحقيقة، كما أنَّها لا تدلُّ على كثرة النداءات أكثر من صوتين لو تمَّ القسم الثاني من الأخبار.

وعلى ذلك عدَّة قرائن، من هذه الأخبار نفسها:

منها: أنَّ الصيحة والنداء معاً نُسِبا إلى جبرئيل (ع) بشكل مُستفيض.

ومنها: أنَّ وقتهما معاً في ليلة الجمعة الثالث والعشرين من شهر رمضان.

ومنها: أنَّها جميعاً تورِث الاهتمام الكبير، يستيقظ النائم، ويقوم القاعد، وتخرج العذراء من خدرها.

ومنها: أنّ الصيحة والنداء من المحتوم.

إلى غير ذلك ممَّا لا يخفى على المتتبِّع.

وبعد حمل المـُطلق على المقيَّد، والمـُجمَل على المـُفصَّل، ما يلي:

١- إنَّ المراد من النداء الذي هو من المحتوم هو نداء جبرائيل باسم القائم.

٢- إنَّ المراد من النداء بالحق ليس إلاَّ ذلك.

٣- إنَّ صيحة جبرئيل هي هذا النداء أيضاً.

٤- إنَّ الآية التي تخضع لها أعناق أعداء الله هو ذلك أيضاً.

٥- إنَّ الفزعة التي تُخرِج الفتاة من خدرها هو ذلك أيضاً.

٦- إنَّ التوقيت في الثالث عشر من شهر رمضان، توقيته أيضاً.

فإنَّ القسم الثالث من أخبار النداء، أعني النداء باسم القائم واسم (أبيه) هي أخصُّ هذه الأخبار جميعاً، بما فيها أخبار الصيحة والفزعة... فتصلح أن تكون مُفسِّرة لها وشارحة لمدلولها... كما ستكون الصفات الأُخرى المـُعطاة في تلك الأخبار، صفة للنداء أيضاً، كالتوقيت والحتميَّة وغيرهما.

وإذا تمَّ هذا الفَهْم العام، كانت الأخبار الدالَّة، على هذا المعنى المـُشترك متواترة، بل تزيد على التواتر، فإنَّ أخبار النداء وحدها مُستفيضة، فإذا أضفنا إليها أخبار الفزعة والصيحة كانت متواترة.

كما أنَّ بعض الخصائص المذكورة لها مُستفيضة، كحصول الاهتمام المتزايد

١٣٠

والتوقيت الذي عرفناه، وكونها من المحتوم، وكونها صوت جبرئيل الأمين، وأنَّها تكون بالحق وضدَّ أنصار الباطل.

لا يبقى بعد ذلك مجال للنقد إلاَّ في مستويين.

المـُستوى الأول: ما هو محتوى النداء؟

هذا ما بيَّنته الروايات التي سمعناها على شكلين:

الشكل الأول: النداء باسم المهدي واسم أبيه.

الشكل الثاني: النداء بأنَّ الحقَّ في آل محمد.

فقد تَحْصَل المـُعارضة بين هذه الروايات، ويبقى محتوى النداء خالياً من الدليل الصالح للإثبات.

والصحيح هو عدم التعارض، باعتبار إحدى النقاط:

النقطة الأُولى: إن افترضنا أنَّ كلاَّ ًمن الندائين ذو دليل كافٍ لإثباته، إذاً؛ فينبغي أن نلتزم بوجود نداء واحد يحتوي على كلا المدلولين، فهو يقول: إنَّ الحق في آل محمد، وإنَّ أمامكم فلان بن فلان. ولا تنافي بين الأمرين.

النقطة الثانية: أن نفهم الشكل الثاني للنداء راجع إلى الشكل الأول منه، وإنَّ ما يحصل في الخارج هو الشكل الأول فقط، وإنَّما ذكر الشكل الثاني نتيجةً لظروف تاريخية مُعيَّنة.

وخاصَّة إذا التفتنا أنَّ الأخبار الناقلة للندائين بالحق أوَّلاً، ثمَّ بالباطل، نقلت النداء الأول على شكلين، هما نفس الشكلين اللذين أشرنا إليهما، فيكون ما دلَّ على النداء هو من الشكل الأول قرينة على فَهْم مُعيَّن لما دلَّ على أنَّ النداء هو من الشكل الثاني، وأنَّه صدر في ظروف مُعيَّنة.

النقطة الثالثة: أنَّنا لو تنزَّلنا عن كلا النقطتين السابقتين، وافترضنا حصول التنافي بين الندائين، للعلم بأنَّ أحدهما غير حاصل. إذاً؛ يتعيَّن الأخذ بالشكل الأول من النداء، ورفض الشكل الثاني؛ لوفرة الأخبار الدالَّة على أنَّه يُنادى باسمه واسم أبيه، لأنَّ منها ما ورد مُستقلاًَّ، وهو القسم الثالث من الأخبار، ومنها ما ورد مع عطف النداء الباطل عليه، وهو أغلب القسم الثاني، فلا يكون ما دلَّ من الأخبار على الشكل الثاني للنداء معارضاً، لقلَّة عدد الأخبار فيه... فيكون مرفوضاً.

المستوى الثاني: هل الأخبار الدالَّة على وجود النداء بالباطل كافية للإثبات

١٣١

أو لا؟

هناك بعض المـُقدِّمات الفكرية الني يمكن أن تُنتج رفضها:

المـُقدِّمة الأُولى: إنَّ عدد الأخبار الدالَّة على النداء بالباطل أقلُّ بكثير من الأخبار الدالَّة على النداء بالحق، فبينما نرى الأخبار الدالَّة على النداء بالحق، أو باسم المهدي (ع) عديدة، فإذا ألحقنا بها أخبار الفزعة والصيحة - كما سبق - أصبحت متواترة... نرى أنَّ الأخبار الدالَّة على النداء بالباطل ذات عدد قليل، تُمثِّل قسماً من أخبار النداء فقط.

المـُقدِّمة الثانية: إنَّنا إذا سرنا على الفهم التقليدي لهذه الأخبار المـُطابق مع ظهورها الأُولي، وهو صدور النداء بالباطل بشكل إعجازي أو ميتافيزيقي، فيكون هذا مُعجزةً صادرة في جانب الباطل، وقد برهنَّا على استحالة ذلك في التاريخ السابق(١) ؛ لما فيه من التغرير بالجهل، والدفع إلى الفتنة والانحراف، وهو مُستحيل على الحكيم المـُطلق جلَّ وعلا.

فإذا تمَّت هاتان المـُقدِّمتان، لزمنا رفض هذه الأخبار؛ لأنَّها أخبار قليلة نسبيَّاً ودالَّة على أمر مُستحيل، فيكون الأخذ بمضمونها مُستحيلاً.

وهذا لا يعني إسقاط القسم الثاني من أخبار النداء كلِّه، بل الساقط هو الجزء الدالّ على وجود النداء بالباطل فقط، وأمَّا الجزء الدالُّ منها على النداء بالحق، فيبقى ساري المفعول، مُعتضداً بالأخبار الدالَّة على ذلك، وقد سبق أن برهنَّا على إمكان التبعيض في الأخذ بمدلول الخبر.

نعم، لو ناقشنا بالمـُقدِّمة الثانية، وأمكننا حمل النداء عموماً أو النداء بالباطل خصوصاً، على معنى (طبيعي) غير إعجازي، أمكن الأخذ بالأخبار الدالَّة عليه، غير أنَّ هذا سوف يكون قابلاً للمـُناقشة على ما سيأتي.

وإذا نُحاول تكوين فَهْمٍ مُتكامل عن هذين الندائين، نواجه عدَّة أُطروحات، منها الطبيعي، ومنها الإعجازي.

الأُطروحة الأُولى: أن نفهم من (جبرئيل) المـُنادي بالحق و(إبليس) المـُنادي بالباطل، أن نفهم منهما – ولو بنحو الرمز أو المجاز – التعبير عن أنصار الحق وأنصار الباطل، فجبرئيل كناية عن المهدي نفسه، ونداؤه نداء الحق، وإبليس عبارة عن أعداء المهدي والمـُنحرفين من البشر عموماً.

____________________

(١) انظر ص٥٧٧.

١٣٢

ويكون المراد بسِعَة الصوت وانتشاره إلى الشرق والغرب، أو إلى كل إنسان، كونه مبثوثاً عن طريق وسائل الإعلام الحديثة، كالإذاعة والتلفزيون، وما ورد من أنَّ الصوت من السماء، فباعتبار أنَّ البثَّ الإذاعي والتلفزيوني لا يكون التقاطه إلاَّ من الفضاء، وخاصة مع وجود الكواكب الصناعية للبثِّ الإذاعي والتلفزيوني.

ومعه؛ يكون من السهل - بل من الطبيعي - أن نتصوَّر أنَّ جبهة الإمام المهدي (ع) تُنادي باسمه بطريق الوسائل الحديثة... و(جبهة) أعدائه تُنادي بنداء مُضادٍّ - سوف نعرف مدلوله - تريد به الفتنة، وصرف الناس من الحق إلى الباطل.

ويكون السبب في التأثير النفسي البالغ، والاهتمام الذي يُحدِثه الصوت الحق في العالم، ليس هو ارتفاع الصوت، بل هو أهمِّيَّة المضمون، فإنَّ الإعلان العام عن ظهور المهدي (ع) لأول مرَّة، وإعطاء المفهوم الواضح لثورته العالمية، مع كون المسلمين عامة، بل أكثر البشر ممَّن يتوقَّع حدوث دولة الحق، سوف يحدث ردود فعل عنيفة مُختلفة في الناس بلا شكٍّ.

وهذه الأُطروحة وإن كانت واضحة منطقيَّاً، غير أنَّه يرد عليها بعض الإشكالات التي من أهمِّها: أنَّ ما يُستفاد من سياق هذه الأخبار من أنَّ النداء، صوت الحق وصوت الباطل، إنَّما يكون قبل ظهور المهدي (ع) وليس بعده... وهذا يكون مُنافياً مع مضمون هذه الأُطروحة؛ لأنَّها تنظر إلى دعوات الحق والباطل بعد الظهور.

الأُطروحة الثانية: أن نلتزم – طبقاً لظاهر الأخبار – بأنَّ هذين الصوتين يوجَدان قبل ظهور المهدي (ع)، لكن بطريق طبيعي أيضاً، وعن طريق وسائل الإعلام الحديثة، ويكون السبب في هذين الصوتين، وجود حركتين مُتناحرتين في العالم الإسلامي: إحداهما مُحقّة، تهدي الناس إلى الإسلام الصحيح، والأُخرى حركة مُبطلة، تغوي الناس وتخدعهم وتُثير فيهم الشبهات.

ويكون التأييد لحركة الحق، في أول قيامها تأثيراً كبيراً في الناس، حتى إنَّ المرأة تحثُّ أباها وأخاها على نُصرة هذه الحركة وتأييدها، ولكنَّ هذه الحركة لن تدوم طويلاً، بل تكون ضدَّها حركة مُبطلة، تُعلن عن رأيها، وتُصرِّح بمقاصدها، فتوقع الناس في بلبلة وشبهات في العقيدة الإسلامية أو ما يمتُّ لها بصِلَةٍ.

ويكون من نداءاتها وشعاراتها المـُهمَّة: أنَّ فلان قُتِل مظلوماً، والمراد به – والله العالم – ذلك الشخص الذي قتلته وقضت على حكمه الحركة الأُولى المـُحقَّة، ومن هنا

١٣٣

تُصرِّح الحركة الثانية بمظلوميَّته وانتهاج سبيله، والاحتجاج على قتله.

ولعلَّ التعبير يكون نداء الحركة الأُولى صادراً من السماء، ونداء الحركة الثانية صادراً من الأرض، باعتبار احترام النداء الأول، وكونه مُحقَّاً وانتقاص النداء الثاني باعتباره باطلاً وزُخرفاً.

إلاَّ أنَّ هذه الأُطروحة لا تصحُّ؛ لوضوح أنَّ نداء الحركة المـُحقَّة سوف يكون هو الدعوة إلى مبادئها وتأييدها، لا النداء باسم القائم المهدي (ع) واسم أبيه، كما صرَّحت به الأخبار العديدة، ومعه يبقى هذا النداء بلا تفسير من زاوية هذه الأُطروحة.

وأمَّا احتمال أن يكون المراد من لفظ القائم: قائد الحركة المـُحقَّة. باعتبار أنَّه قائم بالسيف، وناصر للحق بالسلاح في الجملة، وإن لم تكن حركته عالمية، فهذا الاحتمال غير صحيح، فإنَّ الأخبار صرَّحت بكونه قائمَ آل محمد وأنَّه المهدي، وفي بعضها وجود الصلاة والسلام عليه، وهو ممَّا لا ينطبق إلاَّ على المهدي الموعود.

الأُطروحة الثالثة: وهي المـُطابقة مع ظاهر الأخبار وسياقها العام... وهو أن نفهم الأسلوب الإعجازي للنداء بالحق، باسم القائم واسم أبيه، ويكون ذلك من المـُنبِّهات للاستعداد النفسي للظهور، كما قلنا.

وهو في عين الوقت يُضفي أهمِّيَّة عُظمى مُسبقة على يوم الظهور، ويُعيِّن اسم القائد العظيم فيه، ويكفي أن يُقال - بعد الظهور الذي يبدو أنَّه سوف لن يتأخَّر كثيراً بعد النداء -: أنَّ هذا القائد العظيم هو الذي هتف الهاتف باسمه، وحدثت المعجزة الضخمة آمرة بإطاعته والتسليم بأمره، وسوف يكون لذلك أعظم الأثر في نصره وانتشار دعوته، وقد عرفنا أنَّ يوم الظهور هو نتيجة جهود الأنبياء والأوصياء، والصالحين والشهداء، وهو الغرض الأسمى من خلق البشرية، فلا عجب أن يُمهِّد الله تعالى بمثل هذه المعجزات.

وهو ممَّا دلَّت الأخبار المتواترة عليه، كما عرفنا، وهو غير مُنافٍ مع قانون المعجزات؛ لوقوعه في طريق الهداية، إذاً؛ فلا بدَّ من التسليم به والاعتراف بوقوعه.

ويكون هذا الصوت في شهر رمضان في ليلة ثلاث وعشرين، التي هي – الأرجح – ليلة القدر، وهي أفضل ليالي السنة، ويكون التوجُّه الديني في ذلك الحين لدى المسلمين، وتقبُّل المفاهيم الدينية والأمور الروحية قد بلغ ذروته، فإنَّه يزداد في مُناسبات العبادة وخاصة في شهر رمضان، بالأخص في ليلة القدر.

وسيكون ردُّ الفعل بالاهتمام والفزع لهذا النداء، ناشئاً من عوامل ثلاثة مُقترنة.

١٣٤

العامل الأول: ارتفاع الصوت وانتشاره، بحيث يُسمع الآفاقَ كلَّها.

العامل الثاني: جانبه الإعجازي، الذي لا يكاد يمكن تفسيره مادِّياً.

العامل الثالث: مضمونه، من حيث كونه مُشيراً إلى القائد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلِئت ظلماً وجوراً.

وأودُّ أن أُلاحِظَ على النداء بعض المـُلاحظات.

المـُلاحظة الأُولى: هناك فَهْم تقليدي للنداء، بأنَّه يقع في لحظة الظهور، إعلاناً عنه وإيذاناً بوقوعه، وهذا ما لم نجد من الروايات شيئاً دالاَّ ًعليه، ومن هنا لا يمكن الالتزام بصحَّته.

ولكن لا يمكن - مع ذلك - رفع اليد عن فكرة الإيذان والإعلان عن الظهور، إلاَّ أنَّ هذا كما يمكن أن يحصل عند إيجاد النداء مع الظهور، كذلك يمكن أن يحصل مع إيجاد النداء قبله بقليل، ويبدو كأنَّ الظهور قائم على أساس النداء ومنطلق منه، وإن كان الأمر – في الواقع – بالعكس.

ولا يبعد القول بإمكان البرهنة على تقديم النداء قبل الظهور بفترة زمنية؛ وذلك أنَّ النداء إذا حصل مع الظهور، كان المـُتعيَّن عالمياً انطباقه على المهدي (ع)، الذي لا زال في أول ظهوره غير راسخ المـُلك والقوَّة؛ ومن هنا ينفتح احتمال توجُّه الأسلحة العالمية ضدَّه، وهو خلاف بعض الضمانات التي سنذكرها لانتصاره، بخلاف ما لو حصل النداء قبله، فإنَّ حركة المهدي (ع) في أول عهدها سوف لن تكون ضرورية الانطباق على ذلك النداء، عالمياً، وسوف لن يلتفت إلى ذلك إلاَّ المؤمنون به والمنطقة التي تُعاصر حركته الأُولى، وهذا هو الأنسب مع بعض الضمانات التي سنذكرها.

وحيث إنَّ النداء باسم المهدي (ع) مع ظهوره مُخلاَّ ًبانتصاره، إذاً؛ فيتعيَّن عدم حصوله ساعتئذٍ، وحيث ثبت وجود النداء إجمالاً، إذاً؛ فهو يحصل قبل الظهور، بزمن قليل لا يضرُّ مع وجود فكرة الإعلام والتنبيه.

المـُلاحظة الثانية: إنَّ حصول النداء قبل الظهور، معناه حصوله في عصر الغيبة، طبقاً للمفهوم الإمامي عن المهدي.

وهذا النداء عندئذٍ، لا يُنافي الغيبة الحاصلة في الفترة المـُتخلّلة بين النداء والظهور؛

١٣٥

لأنَّ المعنى الأساسي للغيبة - كما عرفناه في التاريخ السابق(١) - هو الجهل المطلق بحقيقة شخص المهدي (ع)، فبالرغم من أنَّ الناس يرون الإمام ويُعاشرونه، إلاَّ أنَّهم يعرفونه باسم آخر غير صفته الواقعية، ومن الواضح أنَّ هذا المعنى لا يتغيَّر بوجود النداء، ما لم يُطبِّقه المهدي نفسه على نفسه عند ظهوره.

وكذلك الحال مع الأُطروحة الأُخرى التي رفضناها هناك، وسميَّناها بـ (أُطروحة خفاء الشخص) حتى مع وجود النداء، ولا يرتفع إلاَّ مع الظهور.

المـُلاحظة الثالثة: كم هي الفترة المـُتخلِّلة بين النداء والظهور؟

دلَّت الروايات السابقة على وقوع النداء في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان(٢) ، ولعلَّه هو الشهر الذي قع فيه الكسوف والخسوف على غير المألوف، أو رمضان آخر قريب منه نسبيَّاً.

والمـُلاحَظ أنَّ هذا التوقيت في روايات النداء مُستفيض صالح للإثبات التاريخي، إلاَّ أنَّ هذا التوقيت لم يبلغ إلى هذه الدرجة من الكثرة في روايات الخسوف والكسوف.

وسوف يأتي أنَّ الروايات تدلُّ على حصول الظهور في مساء اليوم العاشر من مُحرَّم الحرام... فإذا استطعنا أن نُبرهن - كما سبق - على قُصر المـُدَّة بين النداء والظهور، تعيَّن القول: إنَّ المـُحرَّم الذي يتمُّ فيه الظهور هو المـُحرَّم الذي يأتي بعد ذلك الرمضان الذي يوجَد فيه النداء، ويفصل بينها - في كل عام - ثلاثة من الأشهُر القمريَّة، فتكون المـُدَّة المـُتخلِّلة ثلاثة أشهُر وسبعة عشر يوماً، وإن كان شهر رمضان تامَّاً.

وستكون هذه المـُدَّة المـُتخلِّلة كافية لتنيبه المؤمنين، واجتماعهم لاستقبال إمامهم وقائدهم عند ظهوره، كما سيأتي.

فهذه المـُلاحظات، عن النداء بالحق، وهو الصالح للإثبات كما عرفنا، وأمَّا النداء بالباطل، فهو غير صالح للإثبات، فلا يُهمُّ التعرُّض إلى تفاصيله.

الجهة الرابعة: المطر.

أخرج الطبرسي في أعلام الورى(٣) ، عن عبد الكريم الخثعمي، عن أبي عبد الله

____________________

(١) تاريخ الغيبة الكبرى ص٣٤ وما بعدها.

(٢) المصدر ص٣١ومابعدها.

(٣) ص٤٣٢.

١٣٦

الصادق (ع)، في حديث عن القائم يقول فيه: ( وإذا آن قيامه، مُطِر الناس في جُمادى الآخرة وعشرة أيَّام من رجب مطراً لم يُرَ مثله... ) الحديث.

وذكر المفيد في الإرشاد(١) : قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي (ع)، وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات.

ثمَّ إنَّه (عليه الرحمة) ذكر العديد منها إلى أن قال:

ثمَّ يختم ذلك بأربع وعشرين مطرةٍ تتَّصل فتُحيى بها الأرض بعد موتها وتُعرَف بركاتها.

وأخرج الشيخ في (الغيبة)(٢) ، بإسناده عن سعيد بن جبير قال: السنة التي يقوم فيها المهدي تمطر أربعاً وعشرين مطراً يُرى أثرها وبركاتها.

ولا تخفى الحكمة من هذا المطر، وهو الاستعداد للظهور، بإنعاش الأرض إنعاشاً كافياً لتوفير الزراعة، ذلك التوفير العظيم الذي سنسمع عنه فيما يلي من الفصول:

وهذا التقديم خير من نزول المطر بعد الظهور بغزارة، بحيث قد يعيق عن جملة من الأعمال التي يريد القائد المهدي (ع) انجازها، ففي تقدُّمة على الظهور جني لفوائد المطر مع تفادي مُضاعفاته.

ونزول المطر ليس إعجازياً - بطبيعة الحال - إلاَّ أنَّ توقيته وكمِّيَّته، يبدو من سياق الروايات أنَّها بقصد إعجازي خاص من قِبل البارئ الحكيم، توصُّلاً للنتائج المطلوبة من ورائها.

غير أنَّ عدَّة نقاط ضعف تبرز في هذا الصدد.

النقطة الأُولى: ضعف الروايات من حيث السند؛ فإنَّ روايتي الطبرسي والمفيد مُرسلتان، ورواية الشيخ منقولة عن سعيد بن جبير، لا عن أحد الأئمة المعصومين، فلا تكون صالحة للإثبات التاريخي.

النقطة الثانية: قلَّة عدد الروايات الدالَّة على ذلك؛ فإنَّ منهجنا في هذا الكتاب وإن كان قائماً على أساس قبول الخبر الواحد، غير أنَّنا أشرنا إلى لزوم تطبيق (التشدُّد السندي)

____________________

(١) انظر ص٣٣٧.

(٢) انظر ص٢٦٩.

١٣٧

في روايات المـُعجزات، وهذه منها بلحاظ ما قلناه من التوقيت الاعجازي، فلا تكون هذه الروايات كافية للإثبات حتى ولو لم تكن مُرسلة.

النقطة الثالثة: إنَّ هذه الروايات لا تدلُّ على أمطار ضخمة جدَّاً، فإنَّ أربعاً وعشرين مطرة موزَّعة على شهر أو شهرين ممَّا يحدث في البلاد المتوسِّطة المطر، فضلاً عن الغزيرة الباردة، ومعه لا يمكن أن يكون هذا المطر علامة على الظهور؛ لأنَّ فكرة العلامة منطلقة من الإخبار عن شيء مُهمٍّ ومُلفت للنظر في التأريخ، وليس هذا المطر كذلك.

النقطة الرابعة: إنَّ هذه الروايات لا تدلُّ على مكان حدوث هذه الأمطار، فقد تكون بلاداً باردة مُمطرة، وقد تكون بلاداً جافَّة... كل ما يمكن قوله: إنَّ المطر سوف يحدث في بلاد الشرق الأوسط الإسلامية، إلاَّ أنَّ هذه البلاد نفسها تحتوي على كلا القسمين من المناخ، فهناك الباردة الممطرة كإيران ولبنان، وهناك الجافَّة المـُمحلة كالحجاز ونَجد على العموم.

نعم، يمكن أن يُقال - كـ ( أُطروحة ) من أجل اكتساب هذا المطر الأهمِّيَّة ومن ثمَّ تصدق عليه فكرة العلامية -: إنَّ مكان هذا المطر يمكن أن يكون على شكلين:

الشكل الأول: أنَّه ينزل في الأماكن المـُقدَّسة: مكَّة والمدينة، المـُشرَّفتين، وهي من البلاد الجافَّة المـُمحِلة، فيكون وجود هذه الكمِّيَّة من المطر فيه مُهمَّاً جدَّاً.

الشكل الثاني: أن ينزل في كل منطقة الشرق الأوسط جميعاً، وبشكل مشترك... بالعدد والزمان المـُحدَّدين السابقين؛ فيكتسب أهمِّيَّة كبيرة أيضاً.

غير أنَّ هذين الشكلين إنَّما يكتسبان الأهمِّيَّة، لو تمَّ إثباتهما التأريخي، وقد عرفنا في النقطتين الأوليتين عدم صلاحيَّة الروايات للإثبات التأريخي.

وإذا لم يثبت ذلك، كان العديد ممَّا ذُكِر في المصادر من الحوادث والعلامات القريبة للظهور، غير قابل للإثبات التأريخي أيضاً؛ لأنَّه ليس أحسن حالاً في النقل من هذه الحادثة على أيِّ حال؛ ومن ثَمَّ يكون الأحجى أن نُعرِض عنها، وندع العلم بها إلى أهله.

فهذا هو الكلام عن العلامات (الطبيعية)، أعني الكَوْنيَّة الخارجة عن المجتمع البشري، وعرفنا أنَّ أهمَّها وأوضحها اثنان فقط، هما النداء باسم القائم واسم أبيه، ويليه الكسوف الخسوف، وليس هناك ما يمكن إثباته من الحوادث والعلامات ( الطبيعية) غير ذلك، إذا مشينا على منهجنا في التمحيص التأريخي.

١٣٨

الفصل الثاني

الظواهر الاجتماعية

أعني الظواهر التي تنطلق من المجتمع وتصرُّفات

الناس وهي عِدَّة علامات، نذكر كلاَّ ًمنها بعنوان

الدجَّال:

وقد سبق أن عرضناه مُفصَّلاً في التاريخ السابق، وقدَّمنا هناك الفَهْم المـُتكامل عنه، والمـُناسب مع كل ما ورد وثبت عنه من الخصائص والصفات.

وإنَّما كرَّرنا العنوان في التاريخ، باعتبار ما دلَّت عليه بعض الأخبار، ممَّا سيأتي من قُرب ظهور الدجَّال إلى ظهور المهدي (ع)، فيكون من العلامات القريبة للظهور، التي نحن بصددها، وهذا ممكن الصدق على كلا الفهمين اللذين قدَّمناهما للدجَّال في التاريخ السابق.

وسوف لن نُكرِّر ما ذكرناه هناك - بطبيعة الحال - وإنَّما المـُهمُّ هنا أن نسير خطوات أُخرى إلى الأمام في فَهْم الدجَّال، ونؤكِّد على مدى علاقة الدجَّال بالمهدي والمسيح (ع)، وإيراد ما ورد في ذلك من الأخبار، ونحوها من الخصائص التي لم نتوفَّر على عرضها في التاريخ السابق.

الناحية الأولى: موقف الدجَّال من الأمَّة الإسلامية، ومدى تأثيره فيها، ذلك التأثير الذي نستطيع أن نفهم استمراره إلى حين الظهور، ويواجهنا بهذا الصدد عدد من الأخبار، نذكر ما أورده الشيخان من العامة وبعض الإمامية.

١٣٩

أخرج مسلم(١) ، بسنده عن حذيفة، قال: قال رسول الله (ص ): ( لأنا أعلم بما مع الدجَّال منه، معه نهران يجريان وأحدهما: رأى العين ماء أبيض، والآخر رأى العين نار تُأجَّج. فأمَّا أدركن أحد، فليأت النهر الذي يراه ناراً، وليُغمِض، ثمَّ ليُطأطِئ رأسه فيشرب منه، فإنَّه ماء بارد، وإنَّ الدجَّال ممسوح العين، عليها ظفرة غليظة ومكتوب بين عينيه: كافر. يقرأه كاتب وغير كاتب ).

وفي حديث آخر أخرجه(٢) أيضاً عن النواس بن سمعان، قال: ذكر رسول الله الدجَّال، إلى أن قال: ( إنَّه خارج خلَّة بين الشام والعراق، فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله، فاثبتوا - إلى أن قال: - فيدعوهم فيؤمنون ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتُنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذراً وأسبغه ضروعاً وأمدَّه خواصر.

ثمَّ يأتي القوم فيردُّون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيُصبحون مُمحلين، ليس بأيديهم شيء من أموالهم... ) إلخ.

وأخرج البخاري(٣) عن أنس بن مالك، قال: قال النبي (ص ): ( يجيء الدجَّال حتى ينزل في ناحية المدينة، ثمَّ ترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كلُّ كافر ومُنافق ).

وأخرج الصدوق، بإسناده عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يتحدَّث عن الدجَّال ويقول عنه: ( يُنادي بأعلى صوته يُسمِع ما بين الخافقين... يقول: إليَّ أوليائي، أنا الذي خلق فسوى! وقدَّر فهدى أنا ربُّكم الأعلى. وكَذَب عدوُّ الله، إنَّه أعور يُطعَم الطعام ويمشي في الأسواق، وإنَّ ربَّكم ليس بأعور ولا يُطعَم ولا يمشي في الأسواق، ولا يزول، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

____________________

(١) انظر صحيح مسلم ج٨ ص١٩٥ ونحوه في البخاري ج٩ ص٧٥.

(٢) صحيح مسلم نفس الجزء والصفحة.

(٣) انظر الصحيح ج٩ ص٧١

(٤) أنظر كمال الدين المخطوط.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679