موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)0%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 202075
تحميل: 10344


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202075 / تحميل: 10344
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وأمَّا حدوث ذلك في شهر رمضان دون غيره، فهذا على تقدير ثبوته، لا بدَّ من إيكال علمه إلى أهله، وسيأتي ما يوضِّحه فيما يلي:

الأطروحة الرابعة: أن يحدث الكسوف والخسوف بتوسُّط جرم آخر طارئ، ولكنَّه من الأجرام المنطلقة من الأرض لبعض الإغراض العلمية أو الحربية؛ إذ لعلَّ البشرية تتطوَّر حتى تصل إلى المستوى الذي يؤهِّلها لإطلاق الأجرام الضخمة المـُنتجة لمثل هذه النتائج الكبيرة.

وقد يرد في الذهن: أنَّه كان ذلك بفعل البشر، فكيف يكون ذلك علامة على اليوم الموعود.

وجوابه من عِدِّة وجوه:

أولاً: لعلَّ البشر يُطلقون الجرم لا لأجل إحداث الكسوف والخسوف، بل لغرض آخر، فيترتَّب عليه من حيث لا يعلمون، فإذا كان من الضروري أن تكون العلامة قهريَّة الوقوع، فهذه بمنزلة العلامة القهريَّة.

ثانياً: أنَّ البشر حتى لو كانوا مُلتفتين إلى إمكان حدوث الخسوف والكسوف من إطلاق الجرم، إلاَّ أنَّ الذين يُطلقونها لا يحملون عن المهدي (ع) وعلامات ظهوره أيَّة فكرة، فتكون هذه العملية بالنسبة إلى فكرة علاميَّتها كالقهريَّة.

ثالثاً: أنَّ البشر الذين يُطلقون الجرم حتى لو التفتوا إلى فكرة العلاميَّة، إلاَّ أنَّهم لا يمكن أن يُطلقوه إلاَّ بعد بلوغهم مستوى (مدنياً) مُعيَّناً، فمن الممكن أن تكون العلامة في الواقع هو هذا المستوى المدني العلمي، وإنَّما ذكرت الروايات وجود الكسوف والخسوف للإشارة إليه، بشكل لا يُنافي المستوى الفكري العام لعصر صدور الأخبار.

وأمَّا ورود المـُناقشات التي أوردناها عن الأُطروحة الثانية، فهو غير مُهمٍّ، كما هو واضح لمَن يُفكِّر، سوى حصول ذلك في شهر رمضان، وهو ما سيأتي إيضاحه.

وقد يخطر في الذهن: أنَّ الروايات دالَّة على حدوث هاتين الواقعتين قبل وجود البشرية، فكيف ينسجم ذلك مع هذه الأطروحة.

وجوابه واضح من زاوية أنَّ الروايات لم تدلَّ على أكثر من عدم حصوله خلال عمر البشرية ( منذ هبط آدم (ع) )، وأمَّا حصوله قبل ذلك، فليس لها ظهور تامٌّ في ذلك، وإن كانت مُشعرة به قليلاً، ويمكن الاستغناء عن هذا الإشعار مع تأكُّد هذه الأطروحة.

١٢١

فهذه جملة من الأطروحات الطبيعية، أعني حدوث هاتين العلامتين بشكل غير خارق لنظام الطبيعة، وهناك بعض الأُطروحات الأُخرى، منها ما هو مبتنٍ على النظرية النسبية، لا حاجة إلى التطويل بذكرها.

ويرد على هذه الأطروحة إشكال مُشترك: هو ما أشرنا إليه من التوقيت، سواء منه التوقيت بشهر رمضان أو بقُرب الظهور، فإنَّهما معاً قد يُستشكَل بعدم انسجامهما مع الحدوث الطبيعي لهاتين الواقعتين، بأيِّ أُطروحة كان.

ويمكن الجواب على هذا الإيراد من أكثر من وجه واحد، نذكر منها ما يلي:

الوجه الأول: الطعن بصحَّة هذا التوقيت، والالتزام بأنَّ أقصى ما يثبت هو وجود هاتين الواقعتين في غير أوانهما الطبيعي من الشهر، فإنَّ هذا المعنى تسالمت عليه الروايات، وأمَّا غير ذلك من الصفات فهو ممَّا استقلَّت به البعض دون البعض، فلا يكون له الإثبات التاريخي الكافي، فلا يكون هذا الإشكال المشترك وارداً.

إلاَّ أن هذا الوجه لا يتمُّ في بعض الصفات الأساسية، كحدوث الواقعتين قُرب الظهور... وإن صحَّ الاستغناء عن بعض الصفات الأُخرى.

الوجه الثاني: أنَّنا إذا سلَّمنا بثبوت التوقيت، لا يبقَ من إشكال إلاَّ في أصل جعلها علامة على الظهور، مع أنَّها حوادث مُستقبَلة، وهي ممَّا لا يمكن الاطِّلاع عليها من قِبل أحد، وهذا ما سبق أن ناقشناه في الكتاب السابق(1) ، ومع ارتفاعه وتسليم إمكان التنبُّؤ بالمـُستقبل من قِبل قادة الإسلام المعصومين (ع)، وتسليم ثبوت هذه الصفات - كما قلنا -... لا يبقى لهذا الإشكال مجال.

الأُطروحة الخامسة: أن يحدث هذا الخسوف والكسوف على نحو الإعجاز، بخرق نواميس الطبيعة.

وقد تؤيَّد هذه الأطروحة ببعض القرائن المؤيِّدة:

القرينة الأُولى: قوله في أكثر من رواية: ( أنَّهما آيتان لم تحدثا منذ أن هبط آدم (ع) إلى الأرض... )، إذ لو كانت هذه الحوادث طبيعية لحدثت خلال وجود البشرية أكثر من مرَّة.

____________________

(1) تاريخ الغيبة الكبرى ص532.

١٢٢

إلّا أنَّ هذه القرينة لا تتمُّ مع ثبوت إحدى الأُطروحتين الأخيرتين، بل مع مُجرَّد احتمالهما، فإنَّهما يُعطيان التبرير (الطبيعي) لعدم حدوث هذه الوقائع خلال عُمر البشرية، فلا ينحصر أن يكون هذا إعجازياً.

القرينة الثانية: إنَّ إعجازية هذه الوقائع هي المناسبة مع جعلها علامة للظهور، ومُنبِّهة للمـُخلصين المـُمحَّصين، وأمَّا مع وجودها وجوداً طبيعياً، فتضعف فكرة جعلها علامة إلى حدٍّ كبير.

وهذه القرينة أيضاً قاصرة؛ لأنَّها تتضمَّن غفلة عن معنى جعل العلامة، الذي سبق أن ذكرناه في التاريخ السابق(1) ، وعرفنا هناك أنَّ السرَّ الأساسي فيه ليس منطلقاً من الإعجاز، بل من الإخبار نفسه، حيث يختار قادة الإسلام (ع) شيئاً مُهمَّاً مُلفِتاً للنظر، فيُخبرون به مرتبطاً بالظهور، حتى ما إذا وقعت الحادثة ثبت عند الجيل المعاصر لها صدق الإخبار عنها بالوجدان، فيثبت بالوجدان أيضاً صدق ما ارتبط بها في الرواية، وهو أصل الظهور إن كانت علامة مُطلقة، أو قربه إن كانت علامة قريبة.

وأضفنا هناك: ومن هنا لا معنى لكون بعض هذه الحوادث علامة، إلاَّ إذا ورد في الروايات ذكره، وجعل منها علامة على الظهور.

أقول: فالأساس في ذلك هو الإخبار لا الإعجاز، وما دام الإخبار موجوداً وكافياً للإثبات التاريخي، لا يكون حدوثها (الطبيعي)، مُخلاَّ ًبفكرة جعلها علامة.

هذا، وينبغي الإلماع إلى أنَّ في هذه الأُطروحة الإعجازيّة، نقطة ضعف ونقطة قوَّة، بالنسبة إلى ( قانون المعجزات )، فهي موافقة له من زاوية كون هذه الوقائع واقعة في طريق الهداية، كما أسلفنا في التاريخ السابق(2) ، وهذه نقطة قوَّته، ولكنَّها مُخالفة له باعتبار عدم انحصار طريق الهداية بها، ولا أقلّ من الشكِّ في ذلك، ومعه لا تكون موافقة مع هذا القانون من جميع جهاته، فلا تكون صحيحة، فإذا انحصر الأمر بالأطروحة الإعجازيّة، كان اللازم رفض الأخبار الدالَّة عليها؛ لأنَّنا عرفنا عدم الانحصار بها، ومعه يتبيَّن رفض هذه الأُطروحة والحفاظ على الأخبار مع حملها على إحدى الأطروحات الطبيعية.

الجهة الثانية: الفَزْعة والصيحة

____________________

(1) انظر ص529 وما بعدها.

(2) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص575.

١٢٣

وهما أيضاً من الحوادث المنقولة في الأخبار، وإنَّما دمجناهما في عنوان واحد، لاحتمال أن يكون المراد بهما شيء واحد، على ما سوف نُشير.

أخرج الصدوق(1) ، بإسناده إلى محمد بن مسلم، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع) في حديث، قال فيه: ( ومن علامات خروجه (ع)... وصيحة من السماء في شهر رمضان ).

وأخرج أيضاً، عن الحرث بن المغيرة، عن أبي عبد الله (ع): ( الصيحة التي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة، لثلاث وعشرين مَضَين من شهر رمضان ).

وأخرج عن عمر بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( قبل القائم خمس علامات محتومات... )، وعدَّ منها: الصيحة.

ونحوه أخرج النعماني في (الغيبة)(2) ، إلاَّ أنَّه قال: (... والصيحة في السماء ).

وأخرج النعماني أيضاً(3) ، عن داود الدجاجي، عن أبي جعفر محمد بن علي (ع) قال: ( سُئل أمير المؤمنين (ع) عن قوله تعالى:( فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ... ) . فقال: انتظروا الفرج من ثلاث! فقيل: يا أمير المؤمنين، وما هُنَّ؟ فقال:... والفزعة في شهر رمضان. فقيل: وما الفزعة في شهر رمضان؟ فقال: أوَ ما سمعتم قول الله عز وجل في القرآن:( إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ) ، هي آية تُخرِج الفتاة من خِدرها، وتوقِظ النائم، ويُفزِع اليقظان ).

وأخرج أيضاً(4) ، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال: ( وفزعة في شهر رمضان توقِظ النائم، وتُفزِع اليقظان، وتُخرِج الفتاة

____________________

(1) انظر إكمال الدين للصدوق (نسخة مخطوطة).

(2) ص 133.

(3) نفس الصفحة.

(4) انظر غيبة النعماني ص 134، وكذلك الحديث الذي يليه.

١٢٤

من خِدرها ).

وفي حديث آخر، عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي (ع)، في حديث أنَّه قال: ( الصيحة لا تكون إلاَّ في شهر رمضان شهر الله، وهي صيحة جبرئيل إلى هذا الخلق - ثمَّ يقول بعد حديث طويل – إذا اختلف بنو فلان فيما بينهم. فعند ذلك فانتظروا الفرج، وليس فرجكم إلاَّ في اختلاف بني فلان، فإذا اختلفوا فتوقَّعوا الصيحة في شهر رمضان وخروج القائم، إنَّ الله يفعل ما يشاء... ) الخبر.

ولعلَّ من أهمِّ ما دلَّ على وقوع الصيحة من الأخبار، ما ورد في الخطاب الذي أخرجه السفير الرابع عن الإمام المهدي (ع)، والذي أعلن فيه المهدي (ع) انتهاء السفارة بموت هذا السفير، يقول فيه: ( إلاَّ فمَن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كذَّاب مُفترٍ )(1) .

وأخرج القندوزي في ينابيع المودَّة بعض هذه الأخبار.

ونستطيع أن نُعطي لفهم هذه الصيحة، عدَّة أُطروحات، لنرى ما يصحُّ منها وما لا يصحُّ:

الأُطروحة الأُولى: إنَّ الصيحة والفزعة بمعنى واحد، ويُراد بها صوت عظيم يكون في السماء، يوقِظ النائم ويُفزِع اليقظان، ويُخرِج الفتاة من خِدرها خوفاً وفزعاً؛ ومن هنا سُمِّيت بالفزعة، ويكون الصوت حادثاً بالمعجزة، ولا يكون له مدلول كمداليل الكلام، وإنَّما هو صوت كالرعد أو الهَدَّة العظيمة.

إلاَّ أنَّ هذا ممَّا لا يكاد يصحُّ؛ فإنَّ أهمَّ ما يُنافيه في الروايات، قوله: ( وهي صيحة جبرئيل إلى هذا الخَلْق )، فإنَّ صحَّته تكون - لا محالة – ذات معنى كمعاني الكلام، لا أنَّها مُجرَّد صيحة صامتة، وسيأتي ما يدلُّ على ذلك في أخبار (النداء).

الأُطروحة الثانية: إنَّ المراد بالصيحة هو النداء الآتي ذكره، وهو نداء جبرئيل على ما سنسمعه من الأخبار، وفي التعبير بأنَّها صيحة جبرئيل، ما يؤيِّد ذلك.

____________________

(1) انظر الاحتجاج للطبرسي ط النجف ص297، وانظر تاريخ الغيبة الصغرى ص633 وما بعدها.

١٢٥

ويكون السبب في هذا الصوت شيء من قبيل المعجزة، فإنَّ سببه صادر من فوق الطبيعة المادِّية؛ لأنَّه صوت أحد الملائكة الكرام، كما سمعنا في الأخبار.

وعلى أيِّ من هاتين الأُطروحتين، يكون الصوت إعجازياً حادثاً من أجل مصالح مُعيَّنة، أهمُّها ما أشرنا إليه من التنبيه على قُرب الظهور، من أجل إيجاد الاستعداد النفسي لدى المـُخلصين والمسلمين لاستقباله.

الأُطروحة الثالثة: أن يكون المراد بالصيحة والفزعة معانٍ طبيعيَّة غير إعجازية، فالفزعة تعبير عن وجود رُعب عام لسبب من الأسباب، كتوقُّع حرب أو وباء مثلاً، ويكون المراد بالصيحة صوت عظيم صادر من بعض القنابل أو الصواريخ، أو من اختراق إحدى الطائرات حاجز الصوت، أو انفجار بعض المـُستودعات... ونحو ذلك

غير أنَّ الأُطروحة بعيدة للغاية عن مداليل هذه الأخبار وسياقها العام، وخاصة مع الاستدلال بقوله تعالى:( إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ) (1) .

وقد استدلَّ بهذه الآية على الفزعة، كما سبق أن سمعنا، وعلى الصيحة، فيما رواه الصافي في مُنتخب الأثر(2) ، والقندوزي في الينابيع(3) ، عن أبي عبد الله (ع)، وقال في آخره:... تلوتُ هذه الآية، أي: قوله تعالى:( إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً... ) الآية، فقلت: أهي الصيحة؟

قال: ( أما لو كانت الصيحة خضعت أعناق أعداء الله عزَّ وجل ).

وإنَّما تخضع أعناق أعداء الله نتيجةً لحادث كَوْنيِّ كبير غير معهود، فيه عنصر إعجازي، لا لحادث بسيط كصوت صاروخ أو طائرة.

ولعلَّ في تفسير الآية تارةً بالصيحة وأُخرى بالفزعة ما يوحي بالأُطروحة الأُولى.

أو أن تكون الفزعة بمعنى الصيحة، فإنَّهما آية واحدة تخضع لها أعناق أعداء الله سبحانه.

ويكون ذلك مُطابقاً للأُطروحة الثانية، ويكون الفزع ناشئاً من صوت جبريل الأمين، في قلوب أعداء الله.. وأمَّا المؤمنين، فيكون الصوت بشارةً كبرى لهم عن قُرب الفرج وتوقُّع الظهور.

ومن أجل هذا يحصل الاهتمام الكبير بهذا الصوت، ويستيقظ منه النائم، ويفزع

____________________

(1) الشعراء: 26/4.

(2) ص404.

(3) ص 426.

١٢٦

اليقظان، وتخرج الفتاة الحييَّة المـُخدَّرة من خدرها، ولا تتحدَّث عن الفتيات غير المـُتَّصفات بالحياء.

هذا، والظاهر من سياق هذه الأخبار، وخاصة مثل قوله: ( فتوقَّعوا الصيحة وخروج القائم... )، أن تكون الصيحة قبل الظهور بزمن قليل نسبيَّاً... وهو المقصود.

الجهة الثالثة: النداء.

والأخبار عن ذلك على ثلاثة أشكال:

الشكل الأول: ما كان دالاَّ ًعلى وجود النداء إجمالاً، وإنَّه من المحتوم.

أخرج الصدوق(1) ، بسنده إلى ميمون البان، عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: ( خمس قبل قيام القائم... )، وعد منها: ( المـُنادي يُنادي من السماء ).

وروى المفيد، بسنده(2) عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي جعفر (ع): خروج السفياني من المحتوم؟ قال: ( نعم، والنداء من المحتوم ). الحديث.

وأخرج النعماني(3) ، بسنده عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (ع) أنَّه قال: ( النداء من المحتوم... ) الحديث.

الشكل الثاني: النداء بالحق وبالباطل، ويكون النداء بالحقِّ أولاً، ثمَّ النداء بالباطل.

أخرج الصدوق(4) ، بسنده إلى ميمون البان، في حديث عن أبي جعفر (ع) قال: ثمَّ قال: ( يُنادي منادٍ من السماء: إنَّ فلان بن فلان هو الإمام باسمه، ويُنادي إبليس لعنه الله من الأرض، كما نادى برسول الله (ص) ليلة العقبة ).

وأخرج النعماني في الغيبة(5) ، عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي (ع)، في

____________________

(1) إكمال الدين ( المخطوط ).

(2) الإرشاد ص338.

(3) الغيبة ص134.

(4) انظر إكمال الدين المخطوط ص134.

(5) ص134.

١٢٧

حديث طويلٍ قال فيه:

(... يُنادي مُنادٍ من السماء باسم القائم، فيُسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلاَّ استيقظ، ولا قائم إلاَّ قعد، ولا قاعد إلاَّ قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت، فرحم الله عبداً اعتبر بذلك الصوت فأجاب، فإنَّ الصوت صوت جبرئيل الروح الأمين ).

وقال (ع): ( الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة، ليلة ثلاث وعشرين، فلا تشكُّوا في ذلك، واسمعوا وأطيعوا.

وفي آخر النهار صوت إبليس اللعين يُنادي: ألا إنَّ فلاناً قُتِل مظلوماً، ليُشكِّك الناس ويفتنهم، فكم ذلك اليوم من شاكٍّ مُتحيِّر قد هوى في النار.

فإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان، فلا تشكُّوا فيه أنَّه صوت جبرئيل، وعلامة ذلك أنَّه يُنادي باسم القائم واسم أبيه (ع)، وحتى تسمعه العذراء في خدرها، فتُحرِّض أباها وأخاها على الخروج - إلى أن قال: - فاتَّبعوا الصوت الأول وإيِّاكم والأخير أن تُفتنوا به... ) الحديث.

وأخرج السيوطي في العُرف الوردي(1) ، قال: أخرج نعيم عن علي، قال: ( إذا نادى مُنادٍ من السماء: إنَّ الحق في آل محمد. فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس، ويُشْرَبون حُبَّة، ولا يكون لهم ذِكْر غيره ).

وأخرج أيضاً(2) ، عن نعيم بن حماد أيضاً، عن أبي جعفر، قال: ( يُنادي مُنادٍ من السماء: إنَّ الحق في آل محمد، ويُنادي مُنادٍ من الأرض: إنَّ الحق في آل عيسى – أو قال: العباس شكَّ فيه – وإنَّما الصوت الأسفل كلمة الشيطان، والصوت الأعلى كلمة الله العُلْيَا ).

وأخرج القندوزي في الينابيع شيئاً من ذلك.

____________________

(1) انظر الحاوي للسيوطي ج2 ص140

(2) المصدر ص151.

١٢٨

القسم الثالث: النداء باسم القائم (ع )، بدون أن يكون في الأخبار تعرُّض إلى نداء آخر:

أخرج الصدوق(1) ، بسنده إلى محمد بن مسلم، عن أبي جعفر الباقر (ع)، في حديث، قال: (... ومن علاماته خروج السفياني، ومُنادٍ نُادي باسمه واسم أبيه ).

وأخرج النعماني(2) ، بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع)، قال:

قلت له: جُعِلت فداك، متى خروج القائم. فقال: ( يا أبا محمد، إنَّا أهل بيت لا نوقِّت... - إلى أن قال: - ولا يخرج القائم حتى يُنادى باسمه في جوف السماء، في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، ليلة جمعة ).

قلت: بِمَ يُنادى؟

قال: ( باسمه واسم أبيه، ألا إنَّ فلان بن فلان قائم آل محمد، فاسمعوا له وأطيعوه ).

وأخرج الشيخ في الغيبة(3) ، بسنده عن محمد بن مسلم، قال: ( يُنادي منادٍ من السماء باسم القائم، فيُسمع ما بين الشرق إلى الغرب، فلا يبقى راقد ولا قائم إلاَّ قعد، ولا قاعد إلاَّ قام على رجليه من ذلك الصوت، وهو صوت جبرئيل الروح الأمين ).

وأخرج أيضاً(4) عن أبي بصير (ع) قال: قال أبو عبد الله (ع): ( إنَّ القائم صلوات الله عليه، يُنادى اسمه ثلاث وعشرين... ) الحديث.

إلى غير ذلك من الأخبار.

____________________

(1) انظر إكمال الدين المخطوط.

(2) انظر غيبة النعماني ص134.

(3) انظر ص274.

(4) الغيبة للطوسي ص274.

١٢٩

والمعنى المفهوم من مجموع هذه الأخبار وأخبار الجهة السابقة: أنَّ أخبار الصيحة والفزعة وأخبار النداء بأقسامها، تُشير إلى معنى مُشترك وحادثة واحدة، لا اختلاف فيها، وإن تعدَّدت أساليب الأخبار، ولا تعارض بينها في الحقيقة، كما أنَّها لا تدلُّ على كثرة النداءات أكثر من صوتين لو تمَّ القسم الثاني من الأخبار.

وعلى ذلك عدَّة قرائن، من هذه الأخبار نفسها:

منها: أنَّ الصيحة والنداء معاً نُسِبا إلى جبرئيل (ع) بشكل مُستفيض.

ومنها: أنَّ وقتهما معاً في ليلة الجمعة الثالث والعشرين من شهر رمضان.

ومنها: أنَّها جميعاً تورِث الاهتمام الكبير، يستيقظ النائم، ويقوم القاعد، وتخرج العذراء من خدرها.

ومنها: أنّ الصيحة والنداء من المحتوم.

إلى غير ذلك ممَّا لا يخفى على المتتبِّع.

وبعد حمل المـُطلق على المقيَّد، والمـُجمَل على المـُفصَّل، ما يلي:

1- إنَّ المراد من النداء الذي هو من المحتوم هو نداء جبرائيل باسم القائم.

2- إنَّ المراد من النداء بالحق ليس إلاَّ ذلك.

3- إنَّ صيحة جبرئيل هي هذا النداء أيضاً.

4- إنَّ الآية التي تخضع لها أعناق أعداء الله هو ذلك أيضاً.

5- إنَّ الفزعة التي تُخرِج الفتاة من خدرها هو ذلك أيضاً.

6- إنَّ التوقيت في الثالث عشر من شهر رمضان، توقيته أيضاً.

فإنَّ القسم الثالث من أخبار النداء، أعني النداء باسم القائم واسم (أبيه) هي أخصُّ هذه الأخبار جميعاً، بما فيها أخبار الصيحة والفزعة... فتصلح أن تكون مُفسِّرة لها وشارحة لمدلولها... كما ستكون الصفات الأُخرى المـُعطاة في تلك الأخبار، صفة للنداء أيضاً، كالتوقيت والحتميَّة وغيرهما.

وإذا تمَّ هذا الفَهْم العام، كانت الأخبار الدالَّة، على هذا المعنى المـُشترك متواترة، بل تزيد على التواتر، فإنَّ أخبار النداء وحدها مُستفيضة، فإذا أضفنا إليها أخبار الفزعة والصيحة كانت متواترة.

كما أنَّ بعض الخصائص المذكورة لها مُستفيضة، كحصول الاهتمام المتزايد

١٣٠

والتوقيت الذي عرفناه، وكونها من المحتوم، وكونها صوت جبرئيل الأمين، وأنَّها تكون بالحق وضدَّ أنصار الباطل.

لا يبقى بعد ذلك مجال للنقد إلاَّ في مستويين.

المـُستوى الأول: ما هو محتوى النداء؟

هذا ما بيَّنته الروايات التي سمعناها على شكلين:

الشكل الأول: النداء باسم المهدي واسم أبيه.

الشكل الثاني: النداء بأنَّ الحقَّ في آل محمد.

فقد تَحْصَل المـُعارضة بين هذه الروايات، ويبقى محتوى النداء خالياً من الدليل الصالح للإثبات.

والصحيح هو عدم التعارض، باعتبار إحدى النقاط:

النقطة الأُولى: إن افترضنا أنَّ كلاَّ ًمن الندائين ذو دليل كافٍ لإثباته، إذاً؛ فينبغي أن نلتزم بوجود نداء واحد يحتوي على كلا المدلولين، فهو يقول: إنَّ الحق في آل محمد، وإنَّ أمامكم فلان بن فلان. ولا تنافي بين الأمرين.

النقطة الثانية: أن نفهم الشكل الثاني للنداء راجع إلى الشكل الأول منه، وإنَّ ما يحصل في الخارج هو الشكل الأول فقط، وإنَّما ذكر الشكل الثاني نتيجةً لظروف تاريخية مُعيَّنة.

وخاصَّة إذا التفتنا أنَّ الأخبار الناقلة للندائين بالحق أوَّلاً، ثمَّ بالباطل، نقلت النداء الأول على شكلين، هما نفس الشكلين اللذين أشرنا إليهما، فيكون ما دلَّ على النداء هو من الشكل الأول قرينة على فَهْم مُعيَّن لما دلَّ على أنَّ النداء هو من الشكل الثاني، وأنَّه صدر في ظروف مُعيَّنة.

النقطة الثالثة: أنَّنا لو تنزَّلنا عن كلا النقطتين السابقتين، وافترضنا حصول التنافي بين الندائين، للعلم بأنَّ أحدهما غير حاصل. إذاً؛ يتعيَّن الأخذ بالشكل الأول من النداء، ورفض الشكل الثاني؛ لوفرة الأخبار الدالَّة على أنَّه يُنادى باسمه واسم أبيه، لأنَّ منها ما ورد مُستقلاًَّ، وهو القسم الثالث من الأخبار، ومنها ما ورد مع عطف النداء الباطل عليه، وهو أغلب القسم الثاني، فلا يكون ما دلَّ من الأخبار على الشكل الثاني للنداء معارضاً، لقلَّة عدد الأخبار فيه... فيكون مرفوضاً.

المستوى الثاني: هل الأخبار الدالَّة على وجود النداء بالباطل كافية للإثبات

١٣١

أو لا؟

هناك بعض المـُقدِّمات الفكرية الني يمكن أن تُنتج رفضها:

المـُقدِّمة الأُولى: إنَّ عدد الأخبار الدالَّة على النداء بالباطل أقلُّ بكثير من الأخبار الدالَّة على النداء بالحق، فبينما نرى الأخبار الدالَّة على النداء بالحق، أو باسم المهدي (ع) عديدة، فإذا ألحقنا بها أخبار الفزعة والصيحة - كما سبق - أصبحت متواترة... نرى أنَّ الأخبار الدالَّة على النداء بالباطل ذات عدد قليل، تُمثِّل قسماً من أخبار النداء فقط.

المـُقدِّمة الثانية: إنَّنا إذا سرنا على الفهم التقليدي لهذه الأخبار المـُطابق مع ظهورها الأُولي، وهو صدور النداء بالباطل بشكل إعجازي أو ميتافيزيقي، فيكون هذا مُعجزةً صادرة في جانب الباطل، وقد برهنَّا على استحالة ذلك في التاريخ السابق(1) ؛ لما فيه من التغرير بالجهل، والدفع إلى الفتنة والانحراف، وهو مُستحيل على الحكيم المـُطلق جلَّ وعلا.

فإذا تمَّت هاتان المـُقدِّمتان، لزمنا رفض هذه الأخبار؛ لأنَّها أخبار قليلة نسبيَّاً ودالَّة على أمر مُستحيل، فيكون الأخذ بمضمونها مُستحيلاً.

وهذا لا يعني إسقاط القسم الثاني من أخبار النداء كلِّه، بل الساقط هو الجزء الدالّ على وجود النداء بالباطل فقط، وأمَّا الجزء الدالُّ منها على النداء بالحق، فيبقى ساري المفعول، مُعتضداً بالأخبار الدالَّة على ذلك، وقد سبق أن برهنَّا على إمكان التبعيض في الأخذ بمدلول الخبر.

نعم، لو ناقشنا بالمـُقدِّمة الثانية، وأمكننا حمل النداء عموماً أو النداء بالباطل خصوصاً، على معنى (طبيعي) غير إعجازي، أمكن الأخذ بالأخبار الدالَّة عليه، غير أنَّ هذا سوف يكون قابلاً للمـُناقشة على ما سيأتي.

وإذا نُحاول تكوين فَهْمٍ مُتكامل عن هذين الندائين، نواجه عدَّة أُطروحات، منها الطبيعي، ومنها الإعجازي.

الأُطروحة الأُولى: أن نفهم من (جبرئيل) المـُنادي بالحق و(إبليس) المـُنادي بالباطل، أن نفهم منهما – ولو بنحو الرمز أو المجاز – التعبير عن أنصار الحق وأنصار الباطل، فجبرئيل كناية عن المهدي نفسه، ونداؤه نداء الحق، وإبليس عبارة عن أعداء المهدي والمـُنحرفين من البشر عموماً.

____________________

(1) انظر ص577.

١٣٢

ويكون المراد بسِعَة الصوت وانتشاره إلى الشرق والغرب، أو إلى كل إنسان، كونه مبثوثاً عن طريق وسائل الإعلام الحديثة، كالإذاعة والتلفزيون، وما ورد من أنَّ الصوت من السماء، فباعتبار أنَّ البثَّ الإذاعي والتلفزيوني لا يكون التقاطه إلاَّ من الفضاء، وخاصة مع وجود الكواكب الصناعية للبثِّ الإذاعي والتلفزيوني.

ومعه؛ يكون من السهل - بل من الطبيعي - أن نتصوَّر أنَّ جبهة الإمام المهدي (ع) تُنادي باسمه بطريق الوسائل الحديثة... و(جبهة) أعدائه تُنادي بنداء مُضادٍّ - سوف نعرف مدلوله - تريد به الفتنة، وصرف الناس من الحق إلى الباطل.

ويكون السبب في التأثير النفسي البالغ، والاهتمام الذي يُحدِثه الصوت الحق في العالم، ليس هو ارتفاع الصوت، بل هو أهمِّيَّة المضمون، فإنَّ الإعلان العام عن ظهور المهدي (ع) لأول مرَّة، وإعطاء المفهوم الواضح لثورته العالمية، مع كون المسلمين عامة، بل أكثر البشر ممَّن يتوقَّع حدوث دولة الحق، سوف يحدث ردود فعل عنيفة مُختلفة في الناس بلا شكٍّ.

وهذه الأُطروحة وإن كانت واضحة منطقيَّاً، غير أنَّه يرد عليها بعض الإشكالات التي من أهمِّها: أنَّ ما يُستفاد من سياق هذه الأخبار من أنَّ النداء، صوت الحق وصوت الباطل، إنَّما يكون قبل ظهور المهدي (ع) وليس بعده... وهذا يكون مُنافياً مع مضمون هذه الأُطروحة؛ لأنَّها تنظر إلى دعوات الحق والباطل بعد الظهور.

الأُطروحة الثانية: أن نلتزم – طبقاً لظاهر الأخبار – بأنَّ هذين الصوتين يوجَدان قبل ظهور المهدي (ع)، لكن بطريق طبيعي أيضاً، وعن طريق وسائل الإعلام الحديثة، ويكون السبب في هذين الصوتين، وجود حركتين مُتناحرتين في العالم الإسلامي: إحداهما مُحقّة، تهدي الناس إلى الإسلام الصحيح، والأُخرى حركة مُبطلة، تغوي الناس وتخدعهم وتُثير فيهم الشبهات.

ويكون التأييد لحركة الحق، في أول قيامها تأثيراً كبيراً في الناس، حتى إنَّ المرأة تحثُّ أباها وأخاها على نُصرة هذه الحركة وتأييدها، ولكنَّ هذه الحركة لن تدوم طويلاً، بل تكون ضدَّها حركة مُبطلة، تُعلن عن رأيها، وتُصرِّح بمقاصدها، فتوقع الناس في بلبلة وشبهات في العقيدة الإسلامية أو ما يمتُّ لها بصِلَةٍ.

ويكون من نداءاتها وشعاراتها المـُهمَّة: أنَّ فلان قُتِل مظلوماً، والمراد به – والله العالم – ذلك الشخص الذي قتلته وقضت على حكمه الحركة الأُولى المـُحقَّة، ومن هنا

١٣٣

تُصرِّح الحركة الثانية بمظلوميَّته وانتهاج سبيله، والاحتجاج على قتله.

ولعلَّ التعبير يكون نداء الحركة الأُولى صادراً من السماء، ونداء الحركة الثانية صادراً من الأرض، باعتبار احترام النداء الأول، وكونه مُحقَّاً وانتقاص النداء الثاني باعتباره باطلاً وزُخرفاً.

إلاَّ أنَّ هذه الأُطروحة لا تصحُّ؛ لوضوح أنَّ نداء الحركة المـُحقَّة سوف يكون هو الدعوة إلى مبادئها وتأييدها، لا النداء باسم القائم المهدي (ع) واسم أبيه، كما صرَّحت به الأخبار العديدة، ومعه يبقى هذا النداء بلا تفسير من زاوية هذه الأُطروحة.

وأمَّا احتمال أن يكون المراد من لفظ القائم: قائد الحركة المـُحقَّة. باعتبار أنَّه قائم بالسيف، وناصر للحق بالسلاح في الجملة، وإن لم تكن حركته عالمية، فهذا الاحتمال غير صحيح، فإنَّ الأخبار صرَّحت بكونه قائمَ آل محمد وأنَّه المهدي، وفي بعضها وجود الصلاة والسلام عليه، وهو ممَّا لا ينطبق إلاَّ على المهدي الموعود.

الأُطروحة الثالثة: وهي المـُطابقة مع ظاهر الأخبار وسياقها العام... وهو أن نفهم الأسلوب الإعجازي للنداء بالحق، باسم القائم واسم أبيه، ويكون ذلك من المـُنبِّهات للاستعداد النفسي للظهور، كما قلنا.

وهو في عين الوقت يُضفي أهمِّيَّة عُظمى مُسبقة على يوم الظهور، ويُعيِّن اسم القائد العظيم فيه، ويكفي أن يُقال - بعد الظهور الذي يبدو أنَّه سوف لن يتأخَّر كثيراً بعد النداء -: أنَّ هذا القائد العظيم هو الذي هتف الهاتف باسمه، وحدثت المعجزة الضخمة آمرة بإطاعته والتسليم بأمره، وسوف يكون لذلك أعظم الأثر في نصره وانتشار دعوته، وقد عرفنا أنَّ يوم الظهور هو نتيجة جهود الأنبياء والأوصياء، والصالحين والشهداء، وهو الغرض الأسمى من خلق البشرية، فلا عجب أن يُمهِّد الله تعالى بمثل هذه المعجزات.

وهو ممَّا دلَّت الأخبار المتواترة عليه، كما عرفنا، وهو غير مُنافٍ مع قانون المعجزات؛ لوقوعه في طريق الهداية، إذاً؛ فلا بدَّ من التسليم به والاعتراف بوقوعه.

ويكون هذا الصوت في شهر رمضان في ليلة ثلاث وعشرين، التي هي – الأرجح – ليلة القدر، وهي أفضل ليالي السنة، ويكون التوجُّه الديني في ذلك الحين لدى المسلمين، وتقبُّل المفاهيم الدينية والأمور الروحية قد بلغ ذروته، فإنَّه يزداد في مُناسبات العبادة وخاصة في شهر رمضان، بالأخص في ليلة القدر.

وسيكون ردُّ الفعل بالاهتمام والفزع لهذا النداء، ناشئاً من عوامل ثلاثة مُقترنة.

١٣٤

العامل الأول: ارتفاع الصوت وانتشاره، بحيث يُسمع الآفاقَ كلَّها.

العامل الثاني: جانبه الإعجازي، الذي لا يكاد يمكن تفسيره مادِّياً.

العامل الثالث: مضمونه، من حيث كونه مُشيراً إلى القائد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلِئت ظلماً وجوراً.

وأودُّ أن أُلاحِظَ على النداء بعض المـُلاحظات.

المـُلاحظة الأُولى: هناك فَهْم تقليدي للنداء، بأنَّه يقع في لحظة الظهور، إعلاناً عنه وإيذاناً بوقوعه، وهذا ما لم نجد من الروايات شيئاً دالاَّ ًعليه، ومن هنا لا يمكن الالتزام بصحَّته.

ولكن لا يمكن - مع ذلك - رفع اليد عن فكرة الإيذان والإعلان عن الظهور، إلاَّ أنَّ هذا كما يمكن أن يحصل عند إيجاد النداء مع الظهور، كذلك يمكن أن يحصل مع إيجاد النداء قبله بقليل، ويبدو كأنَّ الظهور قائم على أساس النداء ومنطلق منه، وإن كان الأمر – في الواقع – بالعكس.

ولا يبعد القول بإمكان البرهنة على تقديم النداء قبل الظهور بفترة زمنية؛ وذلك أنَّ النداء إذا حصل مع الظهور، كان المـُتعيَّن عالمياً انطباقه على المهدي (ع)، الذي لا زال في أول ظهوره غير راسخ المـُلك والقوَّة؛ ومن هنا ينفتح احتمال توجُّه الأسلحة العالمية ضدَّه، وهو خلاف بعض الضمانات التي سنذكرها لانتصاره، بخلاف ما لو حصل النداء قبله، فإنَّ حركة المهدي (ع) في أول عهدها سوف لن تكون ضرورية الانطباق على ذلك النداء، عالمياً، وسوف لن يلتفت إلى ذلك إلاَّ المؤمنون به والمنطقة التي تُعاصر حركته الأُولى، وهذا هو الأنسب مع بعض الضمانات التي سنذكرها.

وحيث إنَّ النداء باسم المهدي (ع) مع ظهوره مُخلاَّ ًبانتصاره، إذاً؛ فيتعيَّن عدم حصوله ساعتئذٍ، وحيث ثبت وجود النداء إجمالاً، إذاً؛ فهو يحصل قبل الظهور، بزمن قليل لا يضرُّ مع وجود فكرة الإعلام والتنبيه.

المـُلاحظة الثانية: إنَّ حصول النداء قبل الظهور، معناه حصوله في عصر الغيبة، طبقاً للمفهوم الإمامي عن المهدي.

وهذا النداء عندئذٍ، لا يُنافي الغيبة الحاصلة في الفترة المـُتخلّلة بين النداء والظهور؛

١٣٥

لأنَّ المعنى الأساسي للغيبة - كما عرفناه في التاريخ السابق(1) - هو الجهل المطلق بحقيقة شخص المهدي (ع)، فبالرغم من أنَّ الناس يرون الإمام ويُعاشرونه، إلاَّ أنَّهم يعرفونه باسم آخر غير صفته الواقعية، ومن الواضح أنَّ هذا المعنى لا يتغيَّر بوجود النداء، ما لم يُطبِّقه المهدي نفسه على نفسه عند ظهوره.

وكذلك الحال مع الأُطروحة الأُخرى التي رفضناها هناك، وسميَّناها بـ (أُطروحة خفاء الشخص) حتى مع وجود النداء، ولا يرتفع إلاَّ مع الظهور.

المـُلاحظة الثالثة: كم هي الفترة المـُتخلِّلة بين النداء والظهور؟

دلَّت الروايات السابقة على وقوع النداء في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان(2) ، ولعلَّه هو الشهر الذي قع فيه الكسوف والخسوف على غير المألوف، أو رمضان آخر قريب منه نسبيَّاً.

والمـُلاحَظ أنَّ هذا التوقيت في روايات النداء مُستفيض صالح للإثبات التاريخي، إلاَّ أنَّ هذا التوقيت لم يبلغ إلى هذه الدرجة من الكثرة في روايات الخسوف والكسوف.

وسوف يأتي أنَّ الروايات تدلُّ على حصول الظهور في مساء اليوم العاشر من مُحرَّم الحرام... فإذا استطعنا أن نُبرهن - كما سبق - على قُصر المـُدَّة بين النداء والظهور، تعيَّن القول: إنَّ المـُحرَّم الذي يتمُّ فيه الظهور هو المـُحرَّم الذي يأتي بعد ذلك الرمضان الذي يوجَد فيه النداء، ويفصل بينها - في كل عام - ثلاثة من الأشهُر القمريَّة، فتكون المـُدَّة المـُتخلِّلة ثلاثة أشهُر وسبعة عشر يوماً، وإن كان شهر رمضان تامَّاً.

وستكون هذه المـُدَّة المـُتخلِّلة كافية لتنيبه المؤمنين، واجتماعهم لاستقبال إمامهم وقائدهم عند ظهوره، كما سيأتي.

فهذه المـُلاحظات، عن النداء بالحق، وهو الصالح للإثبات كما عرفنا، وأمَّا النداء بالباطل، فهو غير صالح للإثبات، فلا يُهمُّ التعرُّض إلى تفاصيله.

الجهة الرابعة: المطر.

أخرج الطبرسي في أعلام الورى(3) ، عن عبد الكريم الخثعمي، عن أبي عبد الله

____________________

(1) تاريخ الغيبة الكبرى ص34 وما بعدها.

(2) المصدر ص31ومابعدها.

(3) ص432.

١٣٦

الصادق (ع)، في حديث عن القائم يقول فيه: ( وإذا آن قيامه، مُطِر الناس في جُمادى الآخرة وعشرة أيَّام من رجب مطراً لم يُرَ مثله... ) الحديث.

وذكر المفيد في الإرشاد(1) : قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي (ع)، وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات.

ثمَّ إنَّه (عليه الرحمة) ذكر العديد منها إلى أن قال:

ثمَّ يختم ذلك بأربع وعشرين مطرةٍ تتَّصل فتُحيى بها الأرض بعد موتها وتُعرَف بركاتها.

وأخرج الشيخ في (الغيبة)(2) ، بإسناده عن سعيد بن جبير قال: السنة التي يقوم فيها المهدي تمطر أربعاً وعشرين مطراً يُرى أثرها وبركاتها.

ولا تخفى الحكمة من هذا المطر، وهو الاستعداد للظهور، بإنعاش الأرض إنعاشاً كافياً لتوفير الزراعة، ذلك التوفير العظيم الذي سنسمع عنه فيما يلي من الفصول:

وهذا التقديم خير من نزول المطر بعد الظهور بغزارة، بحيث قد يعيق عن جملة من الأعمال التي يريد القائد المهدي (ع) انجازها، ففي تقدُّمة على الظهور جني لفوائد المطر مع تفادي مُضاعفاته.

ونزول المطر ليس إعجازياً - بطبيعة الحال - إلاَّ أنَّ توقيته وكمِّيَّته، يبدو من سياق الروايات أنَّها بقصد إعجازي خاص من قِبل البارئ الحكيم، توصُّلاً للنتائج المطلوبة من ورائها.

غير أنَّ عدَّة نقاط ضعف تبرز في هذا الصدد.

النقطة الأُولى: ضعف الروايات من حيث السند؛ فإنَّ روايتي الطبرسي والمفيد مُرسلتان، ورواية الشيخ منقولة عن سعيد بن جبير، لا عن أحد الأئمة المعصومين، فلا تكون صالحة للإثبات التاريخي.

النقطة الثانية: قلَّة عدد الروايات الدالَّة على ذلك؛ فإنَّ منهجنا في هذا الكتاب وإن كان قائماً على أساس قبول الخبر الواحد، غير أنَّنا أشرنا إلى لزوم تطبيق (التشدُّد السندي)

____________________

(1) انظر ص337.

(2) انظر ص269.

١٣٧

في روايات المـُعجزات، وهذه منها بلحاظ ما قلناه من التوقيت الاعجازي، فلا تكون هذه الروايات كافية للإثبات حتى ولو لم تكن مُرسلة.

النقطة الثالثة: إنَّ هذه الروايات لا تدلُّ على أمطار ضخمة جدَّاً، فإنَّ أربعاً وعشرين مطرة موزَّعة على شهر أو شهرين ممَّا يحدث في البلاد المتوسِّطة المطر، فضلاً عن الغزيرة الباردة، ومعه لا يمكن أن يكون هذا المطر علامة على الظهور؛ لأنَّ فكرة العلامة منطلقة من الإخبار عن شيء مُهمٍّ ومُلفت للنظر في التأريخ، وليس هذا المطر كذلك.

النقطة الرابعة: إنَّ هذه الروايات لا تدلُّ على مكان حدوث هذه الأمطار، فقد تكون بلاداً باردة مُمطرة، وقد تكون بلاداً جافَّة... كل ما يمكن قوله: إنَّ المطر سوف يحدث في بلاد الشرق الأوسط الإسلامية، إلاَّ أنَّ هذه البلاد نفسها تحتوي على كلا القسمين من المناخ، فهناك الباردة الممطرة كإيران ولبنان، وهناك الجافَّة المـُمحلة كالحجاز ونَجد على العموم.

نعم، يمكن أن يُقال - كـ ( أُطروحة ) من أجل اكتساب هذا المطر الأهمِّيَّة ومن ثمَّ تصدق عليه فكرة العلامية -: إنَّ مكان هذا المطر يمكن أن يكون على شكلين:

الشكل الأول: أنَّه ينزل في الأماكن المـُقدَّسة: مكَّة والمدينة، المـُشرَّفتين، وهي من البلاد الجافَّة المـُمحِلة، فيكون وجود هذه الكمِّيَّة من المطر فيه مُهمَّاً جدَّاً.

الشكل الثاني: أن ينزل في كل منطقة الشرق الأوسط جميعاً، وبشكل مشترك... بالعدد والزمان المـُحدَّدين السابقين؛ فيكتسب أهمِّيَّة كبيرة أيضاً.

غير أنَّ هذين الشكلين إنَّما يكتسبان الأهمِّيَّة، لو تمَّ إثباتهما التأريخي، وقد عرفنا في النقطتين الأوليتين عدم صلاحيَّة الروايات للإثبات التأريخي.

وإذا لم يثبت ذلك، كان العديد ممَّا ذُكِر في المصادر من الحوادث والعلامات القريبة للظهور، غير قابل للإثبات التأريخي أيضاً؛ لأنَّه ليس أحسن حالاً في النقل من هذه الحادثة على أيِّ حال؛ ومن ثَمَّ يكون الأحجى أن نُعرِض عنها، وندع العلم بها إلى أهله.

فهذا هو الكلام عن العلامات (الطبيعية)، أعني الكَوْنيَّة الخارجة عن المجتمع البشري، وعرفنا أنَّ أهمَّها وأوضحها اثنان فقط، هما النداء باسم القائم واسم أبيه، ويليه الكسوف الخسوف، وليس هناك ما يمكن إثباته من الحوادث والعلامات ( الطبيعية) غير ذلك، إذا مشينا على منهجنا في التمحيص التأريخي.

١٣٨

الفصل الثاني

الظواهر الاجتماعية

أعني الظواهر التي تنطلق من المجتمع وتصرُّفات

الناس وهي عِدَّة علامات، نذكر كلاَّ ًمنها بعنوان

الدجَّال:

وقد سبق أن عرضناه مُفصَّلاً في التاريخ السابق، وقدَّمنا هناك الفَهْم المـُتكامل عنه، والمـُناسب مع كل ما ورد وثبت عنه من الخصائص والصفات.

وإنَّما كرَّرنا العنوان في التاريخ، باعتبار ما دلَّت عليه بعض الأخبار، ممَّا سيأتي من قُرب ظهور الدجَّال إلى ظهور المهدي (ع)، فيكون من العلامات القريبة للظهور، التي نحن بصددها، وهذا ممكن الصدق على كلا الفهمين اللذين قدَّمناهما للدجَّال في التاريخ السابق.

وسوف لن نُكرِّر ما ذكرناه هناك - بطبيعة الحال - وإنَّما المـُهمُّ هنا أن نسير خطوات أُخرى إلى الأمام في فَهْم الدجَّال، ونؤكِّد على مدى علاقة الدجَّال بالمهدي والمسيح (ع)، وإيراد ما ورد في ذلك من الأخبار، ونحوها من الخصائص التي لم نتوفَّر على عرضها في التاريخ السابق.

الناحية الأولى: موقف الدجَّال من الأمَّة الإسلامية، ومدى تأثيره فيها، ذلك التأثير الذي نستطيع أن نفهم استمراره إلى حين الظهور، ويواجهنا بهذا الصدد عدد من الأخبار، نذكر ما أورده الشيخان من العامة وبعض الإمامية.

١٣٩

أخرج مسلم(1) ، بسنده عن حذيفة، قال: قال رسول الله (ص ): ( لأنا أعلم بما مع الدجَّال منه، معه نهران يجريان وأحدهما: رأى العين ماء أبيض، والآخر رأى العين نار تُأجَّج. فأمَّا أدركن أحد، فليأت النهر الذي يراه ناراً، وليُغمِض، ثمَّ ليُطأطِئ رأسه فيشرب منه، فإنَّه ماء بارد، وإنَّ الدجَّال ممسوح العين، عليها ظفرة غليظة ومكتوب بين عينيه: كافر. يقرأه كاتب وغير كاتب ).

وفي حديث آخر أخرجه(2) أيضاً عن النواس بن سمعان، قال: ذكر رسول الله الدجَّال، إلى أن قال: ( إنَّه خارج خلَّة بين الشام والعراق، فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله، فاثبتوا - إلى أن قال: - فيدعوهم فيؤمنون ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتُنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذراً وأسبغه ضروعاً وأمدَّه خواصر.

ثمَّ يأتي القوم فيردُّون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيُصبحون مُمحلين، ليس بأيديهم شيء من أموالهم... ) إلخ.

وأخرج البخاري(3) عن أنس بن مالك، قال: قال النبي (ص ): ( يجيء الدجَّال حتى ينزل في ناحية المدينة، ثمَّ ترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كلُّ كافر ومُنافق ).

وأخرج الصدوق، بإسناده عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يتحدَّث عن الدجَّال ويقول عنه: ( يُنادي بأعلى صوته يُسمِع ما بين الخافقين... يقول: إليَّ أوليائي، أنا الذي خلق فسوى! وقدَّر فهدى أنا ربُّكم الأعلى. وكَذَب عدوُّ الله، إنَّه أعور يُطعَم الطعام ويمشي في الأسواق، وإنَّ ربَّكم ليس بأعور ولا يُطعَم ولا يمشي في الأسواق، ولا يزول، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

____________________

(1) انظر صحيح مسلم ج8 ص195 ونحوه في البخاري ج9 ص75.

(2) صحيح مسلم نفس الجزء والصفحة.

(3) انظر الصحيح ج9 ص71

(4) أنظر كمال الدين المخطوط.

١٤٠