موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)0%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 202139
تحميل: 10344


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202139 / تحميل: 10344
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال أبو عبد الله (ع): ( يأتي على الناس زمان... - إلى أن قال: - فإذا أراد الله عزَّ وجلَّ إظهار أمره، نكت في قلبه نكتة فظهر... ) الحديث.

والنَّكْتُ في القلب هو الإلهام، كما تُفسِّره الأخبار الأُخرى.

أخرج الكليني في الكافي(1) ، بسنده عن علي السائي، عن أبي الحسن الأول موسى عليه السلام، قال: ( مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه: ماضٍ، وغابر، وحادث. فأمَّا الماضي فمُفسَّر، وأمَّا الغابر فمزبور، وأمَّا الحادث فقذف في القلوب، ونقر في الأسماع، وهو أفضل علمنا، ولا نبيَّ بعد نبيِّنا ).

وأخرج أيضاً(2) بسنده عن المفضَّل بن عمر، قال:

قال قلت لأبي الحسن عليه السلام، عن أبي عبد الله (ع) أنَّه قال: ( إنَّ علمنا غابر، ومزبور، ونكت في القلوب، ونقر في الأسماع )؟

فقال: ( أمَّا الغابر فما تقدَّم من علمنا، وأمَّا المزبور فما يأتينا، وأمَّا النكت في القلوب فإلهام، وأمّا النقر في الأسماع فأمر المَلك ).

ولهاتين الروايتين فهمهما الخاص، الذي يخرج بنا عن الصدد، والذي يُهمُّنا الآن هو الرواية الثانية، تُفسِّر النكت بالقلوب بالإلهام(3) ، وتُسمِّيه الأُولى: القذف في القلوب، وتُصرِّح بأنَّه أفضل العلم الواصل إليهم عليهم السلام.

وهذا المعنى عام لكل الأئمة عليهم السلام، بما فيهم المهدي (ع) طبقاً للفهم الإمامي له، الذي ننطلق منه الآن.

إذن؛ فيكون الإمام المهدي (ع) مُلهَماً في تحديد وقت ظهوره، بدون حاجة إلى تحديد سابق يرويه عن آبائه عليهم السلام.

وقد سمعنا في التاريخ السابق(4) من الأخبار، ما دلَّ على أنَّ الإمام إذا شاء أن يعلم شيئاً أعلمه الله تعالى ذلك، وهو يَسند مضمون هذه الأخبار أيضاً، ولا شكَّ أنَّ المهدي (ع)

____________________

(1) انظر المصدر المخطوط، باب: جهات علوم الأئمة (ع).

(2) المصدر والباب نفسيهما.

(3) الإلهام: وصول المعنى إلى الذهن بدون لفظ. والوحي وصوله مع اللفظ، وهو خاص بالأنبياء.

(4) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص: 515.

٢٠١

يُريد طوال أيَّام غيبته أن يعلم وقت ظهوره، فيُعلمه الله تعالى بالموعد عند حلوله، عن طريق الإلهام أو نحوه من أساليب العلم التي أشارت إليها تلك الروايات.

وإذا غضضنا النظر عن هذا المعنى (الإعجازي) للنَّكْت في القلب... أمكننا أن نحمله على عدَّة معاني طبيعيَّة اعتيادية نذكر منها اثنين:

المعنى الأول: معنى عاطفي، وهو الغضب لله عزَّ وجلَّ، وللعدل... عند بلوغ انحراف من المسلمين غايته، ويكون هذا الغضب هو المعنى الحادث في قلبه عليه السلام، يحمله على الخروج.

إلاَّ أنَّ هذا المعنى بمُجرَّده غير كافٍ في تبرير الظهور؛ فإنَّ غضبه لله عزَّ وجلَّ وللعدل موجود على الدوام، ما دام عصر الانحراف موجوداً، إلاَّ أنَّه يحتاج إلى العلم بانتصار حركته وثورته عند ظهوره، وهذا ما يُحرَز بالأُطروحة الأُولى والثالثة.

المعنى الثاني: معنى عقلي، وهو علم المهدي (ع) باجتماع شرائط الظهور وتكامل علاماته، وهذا المعنى راجع إلى الأُطروحة الثالثة التي سنذكرها، وإذا كان المراد من الخبر السابق على هذا المعنى، كان دليلاً على ما سنقوله في الأُطروحة الثالثة، ولا يكون دالاَّ ًعلى معنى إعجازي.

وعلى أيِّ حال، فهذا الخبر الذي دعمنا به الأُطروحة الثانية، لم تثبت وثاقة رواته، ولم نجد غيره بمضمونه؛ فلا يكون قابلاً للإثبات التاريخي، ومعه لا تتمُّ هذه الأُطروحة.

الأُطروحة الثالثة: إنَّ المهدي (ع) يُشخِّص وقت الظهور بخبرته الخاصة... بعد أن كان تلقَّى أُسسه العامة عن آبائه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وينبغي أن نتحدَّث عن إثبات هذه الأُطروحة، ضمن عدَّة أُمور:

الأمر الأول: أن نُعدِّد بشكل موجز شرائط الظهور، وأهمّ ما يتمخض عنه التخطيط الإلهي العام السابق على الظهور من نتائج، ممَّا سبق أن عرضناه في التاريخ السابق وهذا التاريخ... ويمكن تلخيص أهمِّها فيما يلي:

الأول: وجود القيادة المـُتكاملة التي تقوم بمهامِّ يوم الظهور ونشر العدل في العالم كلِّه.

الثاني: وجود القانون العادل، أو الأُطروحة العادلة الكاملة، التي تتكفَّل حلَّ كل

٢٠٢

مشاكل البشرية، وتستأصل جميع مظالمها.

الثالث: وجود العدد الكافي من الأفراد لفتح العالم على أساس العدل، واستمرار حُكمه على هذا الأساس.

الرابع: بلوغ الأُمّة الإسلامية ككل، إلى درجة النُّضج الفكري والثقافي، بحيث تستطيع أن تستوعب وتتفهَّم القوانين والأساليب الحديثة التي يتَّخذها المهدي (ع) في دولة الحق والعدل

الخامس: تطرُّف انحراف المـُنحرفين، إلى حدٍّ يكون على مستوى نَبْذِ الشريعة الإسلامية وعصيان واضحات أحكامها.

السادس: يأس العالم أو الرأي العام العالمي، ككل، من الحلول المـُدَّعاة للمشاكل العالمية عن طريق الإسلام... كما سبق أن برهنَّا.

إلى غير ذلك من النتائج، وهذه أهمُّها ممَّا يمتُّ إلى محلِّ الحاجة بصِلَةٍ، وهذه الشرائط ولواحقها كلُّها تكون مُجتمعة ومُتعاصرة، نتيجة للتخطيط الإلهي العام، قُبَيل الظهور مُباشرة، ويكون الظهور كاشفاً لنا عن اجتماعها... كما تكشف بعض الحوادث السابقة عليه عن بعضها.

الأمر الثاني: أنَّ هناك أساليب عامَّة لتفسير وجود العلم لدى الإمام المعصوم (ع)، شاملة للإمام المهدي (ع)، طبقاً للفهم الإمامي الذي نتحدَّث عنه على طبقه الآن، وقد وردت أخبار المصادر الخاصة، وهي تصلح لتفسير علمه بأيٍّ من هذه الأُمور، كالإلهام، والنقر في الأسماع، وقاعدة: إذا أراد الإمام أن يعلم شيئاً أعلمه الله تعالى ذلك. وقاعدة: إنَّ أعمال العباد تُعرَض على الإمام كل جمعة، ويرى فيها رأيه النهائي في كل عام في ليلة القدر.

ولا نُريد الدخول الآن في إثباتات ذلك، ولعلَّ بعض ما سبق في هذا الكتاب والذي قبله ما يصلح لذلك، إلاَّ أنَّنا نريد التجاوز عن كل هذه الأساليب، طمعاً في أن يتَّخذ البحث الشكل الطبيعي المألوف، وقد لا تكون هناك مُنافيات بين الأُسلوبين الإعجازي والطبيعي، لكي يكون أحدهما نافياً للآخر.

الأمر الثالث: أنَّنا إذا تجاوزنا عن تلك الأساليب العامة، وحافظنا على الفهم الإمامي لفكرة المهدي، مع فَهْمِ الغيبة طبقاً لأُطروحة خفاء العنوان، الذي سبق أن فهمناها وبرهنَّا عليها.

٢٠٣

إذا لاحظنا كل ذلك يُنتِجُ لدينا كون الإمام المهدي (ع) شخصاً طويل العمر، مُعاصراً لمئات الأجيال البشرية، مذخوراً لإقامة العدل الكامل في العالم كلِّه، مُتَّصلاً بالناس خلال عصر غيبته، بدون أن يعرفوه مواكباً لأخبارهم وورائهم عارفاً بآلامهم وآمالهم.

وإذا فهمنا المهدي (ع) بهذا الشكل، استطعنا أن نستوعب - بكل سهولة ووضوح - علمه بكل هذه الأمور، بشكل طبيعي لا أثر للإعجاز فيه؛ فإنَّنا لا ينبغي أن ننزل في التصوُّر عن الشخص العبقري والمـُفكِّر الألمعي، فإنَّ الفرد العبقري قد يطَّلع على عدد من جوانب تلك الخصائص، وإن تعذَّرت إحاطته الكاملة بها، بطبيعة الحال... فكيف بالإمام المهدي (ع) صاحب الصفات الكبيرة والمـُميِّزات الجليلة؟! وبخاصة إذا كان للإمام (ع) اهتمام خاص بتتبُّع هذه الخصائص ومواكبة وجودها التدريجي، حتى تصل إلى درجة الكمال، وهذا الاهتمام موجود بكل تأكيد؛ باعتبار حرص الإمام المهدي (ع) بمعرفة موعد ظهوره أكثر من أيِّ شخص آخر.

ليس هذا فقط، أعني أنَّ المهدي (ع) لا يكتفي فقط بمُجرَّد العلم بالحوادث والاطِّلاع على التفاصيل، بل هو مُكلَّف - في بعض الحدود التي عرفناها في التاريخ السابق(1) - بالمشاركة بالبناء الاجتماعي الخيِّر ودفع البوائق والكوارث عن الأمَّة الإسلامية؛ ومعه فلا يكون فقط عالماً بتحقيق تلك الخصائص كفرد عبقري، بل هو مُشارك في وجودها مواكب لأخبارها مواكبةً داخليةً - لو صحَّ التعبير - وهو أفضل أشكال العلم (الطبيعي)، وأكثرها تفصيلاً ودقَّة.

وهذا هو الذي يُفسِّر لنا علمه (ع) بكل الأمور الستَّة، كما هو غير خفيٍّ على القارئ الذكيِّ... مع وجود بعض المـُميِّزات في عدد من النقاط، نُشير إليها فيما يلي:

أولاً: بالنسبة إلى الأمر الأول، يُعتبر وجود القائد أمراً وجدانياً للمهدي (ع)؛ باعتباره يرى نفسه هو ذلك القائد بطبيعة الحال، ويُعرف ذلك بالضرورة.

ثانياً: بالنسبة إلى الأمر الثاني، يتمُّ تلقِّي أساس الشريعة وقواعدها العامة، بنحو الرواية عن آبائه عن النبي (ص)... وإن كان (ع) يطَّلع على عدد من التطبيقات عن طريق العلم (الطبيعي) الذي أشرنا إليه.

____________________

(1) انظر ص53

٢٠٤

ثالثاً: بالنسبة إلى الأمر الثالث، وهو وجود العدد الكافي من المؤيِّدين والأنصار، يكفي في اطِّلاعه (ع) على تكاملهم عدداً وإخلاصاً، نفس الطريق السابق، مع ملاحظة اهتمامه الدائم والدائب عن الفحص عن ذلك، ويفوق هذا الأمر الثالث غيره نقطة قوَّة مُهمَّة، هو ما أشرنا إليه في التاريخ السابق(1) ، من أنَّه (ع) يجتمع بالناجحين الكاملين بالتمحيص ويُعرِّفهم على حقيقته، انطلاقاً من عدَّة أدلَّة، أهمُّها الفكرة القائلة: إنَّ المانع عن التعرُّف على الإمام إنَّما هو الذنوب وأنحاء القصور والتقصير. فإذا ارتفع كل ذلك، كان التشرُّف بخدمة الإمام ممكناً وسهلاً، إلاَّ أنَّ ذلك خاص بالمـُخلصين من الدرجة الأُولى من درجات الإخلاص الأربع التي ذكرناها هناك(2) .

ومعه؛ يكون تعرُّفه (ع) على هؤلاء المـُمحَّصين وعددهم ودرجة إخلاصهم، تعرُّفاً مُباشراً، بالمشاهدة والوجدان.

نعم، قد يبقى تعرُّفه على الناجحين في التمحيص من الدرجات الأدنى من ذلك مُتوقفاً على الطريق (الطبيعي) الذي ذكرناه.

رابعاً: بالنسبة إلى الأمر الخامس، وهو تطرُّف انحراف المـُنحرفين، يحتوي على شواهد كثيرة، أعلاها مُطاردة الإمام المهدي (ع) بالجيش الذي يُخسف به ومقتل النفس الزكية... وقد تكون هناك شواهد أُخرى لدى الإمام المهدي (ع) لم ترد في النقل.

هذا، وأمَّا بالنسبة إلى الأمرين الخامس والسادس، فيبدو أنَّهما يقتصران على ذلك الطريق الطبيعي، وليس فيهما مزيَّة زائدة... وهو كافٍ تماماً في تفسير كيفيَّة علم الإمام المهدي ( ع) بهما.

هذا، وينبغي أن نلتفت بهذا الصدد، أنَّ للأمور الأربعة من هذه الستَّة التي أسلفناها مُستويين من الإثبات:

المستوى الأول: تشخيص ما ينبغي أن تكون عليه الأُمَّة الإسلامية من مستوى هذه الصفات، لتكون مؤهَّلة لتنفيذ اليوم الموعود.

فكم ينبغي أن يكون عدد المـُخلصين ليكون كافياً لغزو العالم بالعدل...؟ وكم ينبغي

____________________

(1) تاريخ الغيبة الكبرى ص152.

(2) المصدر ص248.

٢٠٥

أن يكون العمق الفكري في الأمَّة لتكون قابلة لفهم القوانين المهدوية الجديدة...؟ وكم ينبغي أن يتطرَّف انحراف المـُنحرفين وكفر الكافرين...؟ وكم نسبة من البشر ينبغي أن يكون يائساً من الحلول المعروضة في عصر التمحيص والانحراف؟ كل ذلك من زاوية التشخيص النظري.

المستوى الثاني: التشخيص العملي بأنَّ هذه الأمور التي ينبغي أن تقع، والتي استهدف التخطيط العام إيجادها جميعاً... هل وجِدت ليكون الوعد ناجزاً، أو لم توجَد بعد؟ وما ذكرناه من طريق تعرُّف الإمام المهدي (ع) بالنتائج كان هذا المستوى هو المنظور فيه.

وأمَّا طريقة علمه (ع) بالمستوى الأول، فمن الواضح تكفُّل الأسلوب العام الإعجازي لعلم الإمام بتغطيته بوضوح، وأمَّا لو تجاوزنا عنه، فينبغي أن يكون علمه به ناتجاً عن خُبرتين مُزدوجتين:

الخُبرة الأُولى: ما يُحصِّله (ع) من اطِّلاع على حوادث الأجيال وقوانين التاريخ، في خلال مُعاصرته الطويلة لبشرية، كما سبق أن ذكرنا في التاريخ السابق(1) .

الخُبرة الثانية: معرفته بالمستوى المطلوب الذي سيكون عليه اليوم الموعود، أو - بتعبير آخر - ما سيُعلنه هو في دولته العالمية من مفاهيم وقوانين، وما سيقوم به من أعمال.

وهو علم مفروض الوجود عنده (ع)، ولا أقلّ من زاوية قواعده العامة وأساليبه الكلِّيَّة.

ومع اجتماع هاتين الخُبرتين، يستطيع أن يتعرَّف على المستوى الأول بكل وضوح، خُذْ مثلاً: إنَّ كل مُثقَّف إلى الدرجة الكافية، يستطيع أن يُشخِّص المستوى الذي ينبغي أن يكون عليه الفرد ثقافياً، ليفهم كتاب ( روح القوانين ) لمونتوسكيو، أو أن ينظُم قصيدة جميلة بمُناسبة زواج ما - مثلاً - كما أنَّه يستطيع أن يُشخِّص مقدار قوَّة الإرادة والعزم الذي يكفي لارتداع الفرد عن الرشوة.

وعلى أيِّ حال، فقد صحَّت الأُطروحة الثالثة القائلة: بأنَّ في إمكان المهدي (ع) أن يطَّلع على اجتماع شرائط الظهور بنفسه، ولا حاجة له - بعد ذلك - إلى المـُعجزة المـُنبِّهة له إلى ذلك، كالأُسلوب الأول من الأُطروحة الثانية، بل تكون عندئذ مُخالفة لقانون المعجزات.

____________________

(1) ص512 وما بعدها.

٢٠٦

الفصل الثاني

في تاريخ الظهور وموعده

ويمكن أن يتمَّ ذلك على عدَّة مستويات، لا بدَّ من عرضها ونقدها، واختيار الصحيح منها:

المـُستوى الأول: في تعيين تاريخ الظهور بشكل تفصيلي، يذكر فيه العام والشهر واليوم، وهذا ما لا سبيل إليه، ولم يرد تحديده في أيِّ نصٍّ، وهو المستوى الذي تُكذِّبه أخبار نفي التوقيت ولَعْن الوقّاتين، التي رويناها في الباب الأول من القسم الأول من هذا التاريخ.

وقد سبق أن عرفنا أنَّ إخفاء التاريخ التفصيلي هو أحد حلقات التخطيط، التي تُتيح للمهدي (ع) وأصحابه فُرص النصر في مُهمَّتهم العالمية؛ وذلك باعتبار توفُّر عنصر المـُفاجأة التي هي أهمُّ أسباب عناصر النصر.

المستوى الثاني: في تعيين موعد الظهور إجمالاً، كما لو قلنا: إنَّه يحصل متى أراد الله تعالى أو نحو ذلك، وكل ذلك صادق إلاَّ أنَّه لا يُسعفنا بشيء مُهمَّاً فيما نحن بصدده.

المستوى الثالث: استنتاج التاريخ إجمالاً أو تفصيلاً، من بعض كلمات النصوص القرآنية أو غيرها، عن طريق قواعد (علم الحروف) المـُسمَّى بالجُفر، وهو علم موجود عند بعض الفلاسفة والصوفية، يدَّعون أنَّه يُنتِج الاطِّلاع على الحقائق المجهولة؛ ومن هنا يحسُن أن نحمل عنه فكرة كافية.

وقد استعمل هذه القواعد لاستكشاف موعد ظهور المهدي (ع) جماعة من علماء المسلمين، منهم الشيخ مُحيي الدين بن عربي القائل:

إذا دار الزمان على حروف

ببسم الله فالمهديُّ قاما

٢٠٧

ويخرج بالحطيم عقيب صوم

ألا فاقرِئه من عندي السلاما(1)

وظاهره مُحاولة استكشاف الموعد من الحروف التي يتكوَّن منها لفظ: باسم الله

وقال الشيخ الكبير عبد الرحمان البسطامي:

ويظهر ميم المجد من آل أحمد

ويظهر عدل الله في الناس أوَّلاً

كما قد روينا عن علي الرضا وفي

كنز علم الحرف أضحى مُحصَّلاً

وقال أيضاً:

ويخرج حرف الميم من بعد شينه

بمكَّة نحو البيت بالنصر قد علا

فهذا هو المهدي بالحق ظاهر

سيأتي من الرحمان للخلق مُرسلا

إلخ... الأبيات(2) .

وستكون معرفة ذلك، بطبيعة الحال، مُتعذِّرة لغير مَن يُتقن تلك القواعد ويُجيد طريقة الاستخراج منها، ولو كانت صحيحة.

وإنَّ أوسع مُحاولة اطَّلعتُ عليها في ذلك، هو ما قام به الشيخ المجلسي في (البحار)(3) ، على أثر خبر يرويه عن أبي لبيد، عن الإمام الباقر (ع) قال:

قال أبو جعفر (ع): ( يا أبا لبيد، إنَّه يملك من وُلْد العباس اثنا عشر... - إلى أن قال: - يا أبا لبيد، إنَّ في حروف القرآن المـُقطَّعة لعلماً جمَّاً، إنَّ الله تعالى أنزل:( الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ... ) ، فقام محمد (ص) حتى ظهر نوره وثبتت كلمته، وولِد يوم ولِد، وقد مضى من الألف السابع(4) مئة سنة وثلاث سنين ).

ثمَّ قال: ( وتبيانه في كتاب الله في الحروف المـُقطَّعة، إذا عددتها من غير تَكرار، وليس من حروف مُقطَّعة حرف ينقضي إلاَّ وقيام قائم من بني هاشم عند انقضائه ).

ثمّ قال: ( الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون، والصاد

____________________

(1) انظر ينابيع المودّة ص499 ط النجف.

(2) المصدر ص559.

(3) انظر ج13 ص132.

(4) يعني من نزول آدم (ع) إلى الأرض.

٢٠٨

تسعون، فذلك مئة وإحدى وستُّون، ثمَّ كان بدء خروج الحسين بن علي (ع) الم الله، فلما بلغت مدَّته قام قائم وُلد العباس عند (المص)، فقام قائمنا عند انقضائها بـ (الر) ذلك وعِه واكتمه).

وقد تكلَّم المجلسي حول هذا الخبر كلاماً طويلاً، وذكر أنَّ بعض ما أشار إليه الخبر من تحديدات، يُطابق الواقع، كبعثة النبي (ص). ونحن ننقل منه فيما يلي ما يمتُّ إلى المهدي (ع) بصِلَةٍ:

قال المجلسي: قوله: (... ويقوم قائمنا عند انقضائها بـ الر).

هذا يحتمل وجوهاً:

الأول: أن يكون من الأخبار المشروطة البدائية(1) ، ولم يتحقَّق لعدم تحقُّق شرطه، كما تدلُّ عليه أخبار هذا الباب.

الثاني: أن يكون ( يعني: الر ) تصحيف ( المر )(2) ، ويكون مبدأ التاريخ ظهور أمر النبي (ص) قريباً من البعثة كـ ( ألم )، ويكون المراد بقيام القائم قيامه بالإمامة تورية. فإنَّ إمامته كانت في سنة ستِّين ومئتين، فإذا أُضيفت إليه إحدى عشرة سنة قبل البعثة يوافق ذلك.

الثالث: أن يكون المـُراد جميع أعداد كل ( الر ) يكون في القرآن وهي خمس مجموعها ألف ومئة وخمسة وخمسون(3) ، ويؤيِّده أنَّه (ع) عند ذكر ( ألم ) لتَكرُّره، ذكر ما بعده لتعيين السورة المقصودة، ويتبين أنَّ المراد واحد منها، بخلاف ( الر )؛ لكون المراد جميعها، فتفطَّن(4) .

الرابع: أن يكون المراد انقضاء جميع الحروف مبتدأ بـ ( الر )، بأن يكون الغرض سقوط (المص) من العدد أو ( الم ) أيضاً، وعلى الأول يكون: ألفاً وستّمئة وستّة وتسعين(5) . وعلى الثاني يكون ألفاً وخمسمئة وخمسة وعشرين، وعلى حساب المغاربة

____________________

(1) أي التي حصل فيها البداء فلن تتحقَّق.

(2) والقيمة المـُطلقة لهذه الحروف بحساب الجُمل إحدى وسبعين ومئتان، للألف واحد، وللام ثلاثون، وللميم أربعون، وللراء مئتان.

(3) لأنَّ قيمة الواحدة منها مئتان وواحد وثلاثون، فإذا ضوعفت خمس مرَّات كان الناتج هو ذلك.

(4) هذه إشارة المجلسي على صعوبة هذه الاستفادة من الخبر.

(5) هذا الوجه الرابع غير مفهوم المقصود بوضوح، بحيث يُنتج الأرقام التي ذكرناها، فإنَّ الكلمات المـُقطَّعة في القرآن

=

٢٠٩

يكون على الأول ألفين وثلاثمئة وخمسة وعشرين، وعلى الثاني ألفين ومئة وأربعة وتسعين، وهذه أنسب بتلك القاعدة الكلِّية، وهي قوله: ( وليس من حرف ينقضي... )؛ إذ دولتهم (ع) آخر الدول، لكنّه بعيد لفظاً، ولا نرضى به، رزقنا الله تعجيل فرجه (ع).

وأضاف: هذا ما سمحت به قريحتي بفضل ربِّي في حَلِّ هذا الخبر المـُعضَل وشرحه، فخُذْ ما أتيتك وكن من الشاكرين، وأستغفر الله من الخطأ والخطل في القول والعمل، إنَّه أرحم الراحمين.

أقول: ويُحتمل وجوهاً أُخرى عديدة، نذكر فيما يلي عدداً منها طبقاً لنفس الترقيم:

الخامس: وهو المـُستظهر من الخبر حين يقول: ( ويقوم قائمنا عند انقضائها ) (يعني ألمص) ب: الر... يعني: حين ينقضي رقم المص نحسب حساب الر، فإذا انقضى رقمه كان موعد قيام القائم ناجزاً.

فإذا علمنا أنَّ قيمة (المص) مئة وواحد وستُّون، وقيمة مجموع ما ورد في القرآن من كلمة ( الر) – وقد تكرَّرت خمس مرَّات – ألف ومئة وخمس وخمسون... كان المجموع ألفاً وثلاثمئة وستَّة عشر، وهو تاريخ هجري قد مضى قبل ثمانين عاماً، ولم يظهر المهدي (ع) فيه.

ومعه؛ لا بدَّ أن نحمل ذلك على أنَّه تاريخ لما بعد ولادته، وقد عرفنا في ( تاريخ الغيبة الصغرى) أنَّه ولِد عام 255(1) ؛ فيكون المجموع ألفاً وخمسمئة وواحداً وسبعين، أي أنَّ المهدي سوف يظهر بعد مئة وخمس وسبعين عاماً.

السادس: أن يكون المراد بـ ( الر ) قيمة حروفه باعتبار أسمائها، أعني: ( ألف لام را ) – والهمزة ساقطة عند علماء الحروف – فيكون مجموعها ثلاثمئة وثلاثة وثمانين. فإذا

____________________

=

تسع وعشرون، وحروفها خمس وسبعون، ومجموع قيمتها بحساب الجُمل ثلاثة آلاف ومئة وخمس وخمسون، فإن طرحنا ( على الأول ) قيمة ( المص ) - وهي مئة وإحدى وستِّين - كان الباقي ألفين وتسعمئة وأربعاً وتسعين، وإن طرحنا على ( الثاني ) قيمة ( ألم )، فإن أراد المجلسي واحداً منها، وقيمته واحد وسبعون، كان الباقي ثلاثة آلاف وأربعاً وثمانين، وإن أراد طرح اثنين منها – وهي السابقة على ( المص ) في القرآن الكريم – كان الباقي ثلاثة آلاف وثلاثة عشر، وإن أراد طرح قيمة مجموع ما ورد من هذه الكلمة في القرآن الكريم... وقد تكرّرت ستّ مرّات وقيمتها أربعمئة وستّ وعشرون، كان الباقي ألفين وسبعمئة وتسعاً وعشرين فإن طرحنا معها أيضاً قيمة ( المص ) المـُشار إليها كان الباقي ألفين وخمسمئة وثمان وتسعين، وكل هذه النواتج أكبر من الرقم الذي ذكره المجلسي... طبقاً لحساب ( أبجد ) المعروف، فضلاً على حساب المغاربة

(1) ص261

٢١٠

ضاعفنا ذلك خمس مرَّات، بعدد تكرُّر هذه الكلمة في القرآن الكريم، كان المجموع ألفاً وتسعمئة وخمسة عشر، فيكون هذا تاريخاً ميلادياً لا يظهر فيه المهدي، وأمَّا إذا كان هجريَّاً أو محسوباً من ولادته ( عليه السلام )، أو أضفنا إليه قيمة ( المص )، كان التاريخ بعيداً نسبيَّاً.

السابع: أن يكون المراد المرتبة الثانية من أسماء حروف كلمة ( الر )، فإنَّ المرتبة الأُولى منها هي أسماء حروف هذه الكلمات... وقيمة مجموعها سبعمئة وستّ وثلاثون، فإذا أضفنا إليها قيمة ( المص ) كان المجموع ثمانمئة وسبعاً وتسعين، وهو تاريخ هجري لا يظهر فيه المهدي (ع)، فإذا أضفنا إليه 255 لميلاده ( عليه السلام ) كان الناتج ألفاً ومئة واثنتين وخمسين، وهو تاريخ لم يظهر فيه المهدي (ع) أيضاً، فإذا ضاعفنا القيمة المـُشار إليها لكلمة ( الر ) خمس مرّات كان الناتج ثلاثة آلاف وستَّمئة وثمانين، فإذا أضفنا إليه قيمة ( المص ) كان المجموع ثلاثة آلاف وثمانمئة وواحداً وأربعين، وكلاهما تاريخ بعيد عن العصر الحاضر... يُحتمل فيه بدؤه من الهجرة أو من ولادته أيضاً.

فإذا التفتنا إلى جنب هذه الاحتمالات أن يكون الحساب على طريقة المغاربة، كما احتمل الشيخ المجلسي... كان الاحتمال أكثر... ويبقى موعد الظهور الحقيقي غيباً إلهيَّاً، كما أراده الله تعالى أن يكون في تخطيطه العام.

وعلى أيِّ حال، فإنَّه ممَّا يُهوِّن الخطب، أنَّ هذا الخبر لا يخلو من نقاط ضعف:

النقطة الأُولى: أنَّه مروي عن أبي لبيد المخزومي، وقد ذكره علماء(الرجال) ولم يوثِّقوه... فيكون الخبر ضعيفاً وغير صالح للإثبات التاريخي.

النقطة الثانية: إنَّ الرواة بيننا وبينه مجهولون، أعني غير مذكورين بالمرَّة، فيكون الخبر مُرسَلاً.

النقطة الثالثة: إنَّ تفسير الحروف المـُقطَّعة في القرآن، على أساس كونها تتكفَّل التنبَّؤ بحوادث المـُستقبل، بحساب الجُمل، هو أحد احتمالات التفسير لها، ويدلُّ عليه عدَّة أخبار منها خبر أبي لبيد هذا، إلاّ أنَّ في مقابل ذلك أخباراً أُخرى تدلُّ على تفسيرات أُخرى، لا حاجة إلى ذكرها، والمـُهمُّ أنَّ تلك الأخبار تنفي مضمون هذا الخبر، وتكون معارضة له، فيسقط عن قابليَّة الإثبات بالمعارضة.

إلى بعض المـُناقشات الأخرى، مُضافاً إلى المـُناقشة في (علم الحروف) ككل؛ فإنَّه

٢١١

من العلوم الخفيَّة، التي لم يثبت دليل صحَّتها، ولا بدَّ من إيكال علمها إلى أهله.

المستوى الرابع: لمعرفة موعد الظهور، هو الاعتماد على الروايات الواردة بهذا الخصوص، والتي تُعطينا إلماماً عن اليوم والشهر الذي يحصل فيه الظهور، مع إهمال رقم السنة بطبيعة الحال.

وينبغي أن يقع الكلام هنا في نواحي:

الناحية الأُولى: في التعرُّف على هذه الروايات، ومُحاولة استفادة التاريخ منها.

وهي روايات عديدة، تأخذ التاريخ من زوايا مُتعدِّدة، تذكر لكل زاوية مثالاً من الأخبار:

الزاوية الأُولى: في تعيين السنة على وجه الإجمال.

أخرج الطبرسي في الإعلام(1) ، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق (ع)، قال: ( لا يخرج القائم إلاَّ في وتر من السنين، سنة إحدى، أو ثلاث، أو خمس، أو سبع، أو تسع ).

الزاوية الثانية: في تعيين الشهر وعدد أيّامه:

أخرج الطبرسي أيضاً(2) ، عن أبي بصير، قال:

قال أبو عبد الله (ع): ( يُنادى باسم القائم في يوم ستٍّ وعشرين من شهر رمضان، ويقوم في يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي قُتِل فيه الحسين بن علي (ع)... ) الحديث.

وروى الشيخ في الغيبة(3) ، عن أبي بصير، قال:

قال أبو عبد الله (ع): ( إنَّ القائم صلوات الله عليه، يُنادى اسمه ليلة ثلاثة وعشرين، ويقوم يوم عاشوراء، يوم قُتِل فيه الحسين بن علي (ع) ).

الزاوية الثالثة: في تعيين اسم اليوم الأسبوعي.

____________________

(1) انظر إعلام الورى ص430

(2) إعلام الورى ص430

(3) ص274.

٢١٢

روى الشيخ أيضاً(1) عن علي بن مهزيار، قال:

قال أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ): ( كأنِّي بالقائم يوم عاشوراء، يوم السبت... ) الحديث.

وروى الصدوق في الإكمال(2) ، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع ) قال: ( يخرج القائم يوم السبت يوم عاشوراء، يوم الذي قُتِل فيه الحسين (ع) ).

الناحية الثانية: في مقدار صلاحيّة هذه الأخبار للإثبات:

بعد مراجعة مجموع ما ورد في المصادر من هذه الأخبار، نجد أنَّ الروايات الدالَّة على أنَّ المهدي (ع) يظهر في وتر من السنين، قليلة العدد، وكذلك الروايات الدالَّة على أنَّه يظهر يوم السبت... بخلاف ما دلَّ على أنَّه يظهر في اليوم العاشر من مُحرَّم الحرام، فإنَّ فيه روايات عديدة قابِلة للإثبات التاريخي.

وقد وجدنا أنَّ تلك الأخبار القليلة مرويَّة بأسانيد ضعيفة، وقع فيها مجاهيل وضعاف، فلا تكون قابلةً للإثبات؛ ومعه يثبت أنَّه (ع) يظهر يوم العشر من مُحرَّم الحرام فقط، وهي أكثر هذه الخصائص أهمِّيَّة وأشدُّها دخلاً في التكوين الفكري العام الذي عرفناه... كما سنسمع.

الناحية الثالثة: في مُحاولة التعرُّف على حِكمة التوقيت في اليوم العاشر من المـُحرّم، بحسب فهمنا الحاضر، وطبقاً للتكوين الفكري العام الذي عرفناه، ونتحدّث عن ذلك ضمن نقطتين:

النقطة الأُولى: إنَّ المقصود الأساسي - بحسب ما نفهم – من هذا التوقيت، أمران:

الأمر الأول: كون هذا اليوم هو مقتل جدِّه الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (ع)، وهو ما نطقت به الروايات على ما سمعناه.

باعتبار أنَّ ثورة الحسين (ع) وثورة المهدي (ع) معاً مُنسجمتان في الهدف، وهو حفظ الإسلام من الاندراس والضمور، وقد كانت ثورة الحسين (ع) في حقيقتها من

____________________

(1) نفس الصفحة.

(2) انظر إكمال الدين ( المخطوط ).

٢١٣

بعض مُقدِّمات ثورة المهدي (ع) وإنجاز يومه الموعود، بصفتها جزءاً من التخطيط الإلهي لإعداد العاطفة والإخلاص والوعي في الأمَّة، توخِّياً لإيجاد العدد الكافي لغزو العالم بالعدل، بين يدي المهدي (ع) ولو بعد حين.

كما أنَّ ثورة الإمام المهدي (ع) دفاع عن الإمام الحسين (ع) وأخذ بثأره، باعتبار كونها مُحقِّقة للهدف الأساسي المـُشترك، وهو تطبيق العدل وإزالة كلِّ ظلم وكفر وانحراف، وقد وردت بهذا المعنى بعض الأخبار التي سنسمعها.

وقد كان ولا زال وسيبقى وجود الحسين (ع) وثورته في ضمير الأمَّة خاصة، والبشرية عامة حيَّاً نابضاً، على مُختلف المستويات، يُلهِم الأجيال روح الثورة والتضحية والإخلاص؛ ومن هنا كان الانطلاق من زاويته انطلاقاً من نقطة قوَّة مُتسالَم على صحَّتها ورجحانها، وإنَّ أهمَّ مُناسبة يمكن الحديث فيها عن الإمام الحسين (ع) وأهدافه، هو يوم ذكرى مقتله في العاشر من شهر مُحرَّم الحرام؛ ومن هنا كان هذا التوقيت للظهور حكيماً وصحيحاً.

الأمر الثاني: كون هذا اليوم قريباً من موعد الحج الذي هو المنطلق الأساسي لاجتماع المسلمين، والفرصة الرئيسية الوحيدة التي يُمكن وصول أنصار الإمام المهدي (ع) إليه في الموعد المـُخصَّص، بالأسلوب الطبيعي غير الإعجازي، على ما سنسمع في النقطة الآتية.

النقطة الثانية: أنَّنا سمعنا في أخبار النداء وفي أخبار التوقيت الأخيرة، أنَّ النداء باسم المهدي (ع) سيكون في شهر رمضان، حيث تكون النفوس عادة أقرب إلى طاعة الله وأبعد عن معصيته، وأكثر اهتماماً بالأمور الدينية من أيِّ شيء آخر، بل لعلَّ النداء سيكون في ليلة القدر، الثالث والعشرين من رمضان... التي هي مركز الطاعة والعبادة من ذلك الشهر.

وسيكون ظهوره (ع) في اليوم العاشر من المـُحرَّم، أي أنّ الفاصل بين النداء والظهور حوالي مئة وسبعة أيّام والروايات، لم تنصّ على هذا التتابع، إلاّ أنّه من غير المـُحتمل أن يكون النداء في رمضان من بعض السنين، ويكون الظهور في مُحرّم بعد عدّة سنين أُخرى، ولا حتى بعد مدار سنة كاملة، أي – بالضبط – بعد عام وثلاثة أشهُر وسبعة أيام.

ولعلّ أهمَّ دليل على التتابع ونفي الانفصال، هو ما استفدناه من أخبار النداء من

٢١٤

كون حدوث النداء إنَّما هو للتنبيه والإعلان عن حصول الظهور، وهذا إنَّما يصدق في الزمان القريب، ولعلَّه إذا وجد بعد أيَّام قليلة كان أفضل، لولا أنَّ مصلحةً كبيرةً هي التي اقتضت تأجيله إلى العاشر من مُحرّم، وهو تاريخ كبير نسبيّاً بالنسبة إلى تطبيق فكرة التنبيه والإعلان؛ ومن هنا لا يمكن الزيادة عليه إلاَّ برفع اليد عن هذه الفكرة، ولكنَّها فكرة ثابتة باعتبار دلالة الأخبار عليها، كما سبق.

إذن؛ فلابدَّ من الالتزام بقر ب الظهور إلى وقت النداء... وذلك بالشكل الذي عرفناه.

وتستطيع أن تتصوَّر معي حال الأمَّة الإسلامية خلال هذه المدّة، وما هو مقدار تأثير النداء فيها، ومدى ردِّ الفعل المـُتوقَّع له، وكيف سيكون عليه موسم الحج في ذلك العام، وماذا سيكون ردُّ الفعل من قِبَل أولئك المـُمحّصين المـُخلصين، المـُؤهّلين لغزو العالم بالعدل بين يدي القائد المهدي (ع).

إنّ كل مؤمن مُمحّص سيرى في النداء باسم المهدي (ع) الشرارة الأُولى للظهور، ولإثارة الشعور بالمسؤولية الإسلامية والوجوب الإسلامي في نفس الفرد في نصرة المهدي (ع)، والمشاركة في شرف تأسيس العدل في العالم وتوطيد الدولة العالمية الإسلامية.

وسيكون ذهاب الفرد إلى مكَّة اعتيادياً، لا يُثير شكّاً ولا يُلفت نظراً، إنَّه يذهب إلى الحج، كما يذهب أيُّ فرد في كل عام، وبذلك يتخطَّى الحدود القانونية التي وضعتها الحضارة الحديثة(1) ، وسيكون الفرد في مكّة عند ظهور المهدي (ع)، طبقاً للتخطيط الإلهي الحكيم.

وبذلك يتوافد كل أنصار المهدي (ع) من كل العالم، وقد أصبحوا بعدد كافٍ لغزو العالم بالعدل، نتيجةً للتخطيط العام... ويحجُّون مع الناس، وهم يتوقَّعون ظهوره في أيِّ لحظة... إن لم يكونوا مسبوقين بروايات التوقيت، ولكنَّ الظهور سيتأخر عن أيّام الحج... فيُسافر الحجَّاج راجعين إلى بلدانهم، وتخلو مكّة المـُكرّمة منهم... إلاّ أولئك الذين ينتظرون الظهور، إنّهم سوف يضطرُّون إلى البقاء بعد الحج إلى موعد قد لا يعرفونه بالتحديد... هو موعد الظهور... بدون أن يُصرِّحوا بمقاصدهم الحقيقية لأيِّ إنسان.

____________________

(1) أود في هذا المقام أن نتذكَّر قوله تعالى:( ... كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ) يوسف: 12/76.

٢١٥

وسيُثير بقاؤهم مشكلة قانونيّة، يقع فيها الجدل بين الحاكمين هناك - على ما نقلته بعض رواياتنا - على ما سيأتي في فصل قادم، حتى إذا ما شاء الله عزّ وجلّ للمهدي (ع) أن يظهر في يوم عاشوراء، كان هؤلاء، هم البذرة الرئيسية لجيشه، أمضاهم إرادة وأعمقهم عقيدة.

وبذلك نفهم أنَّ لأصحاب الإمام المهدي (ع) الفرصة الكافية في الذهاب إلى مكَّة المـُكَّرمة، بشكل طبيعي لا أثر للإعجاز فيه، ومعه فتكون الروايات الدالّة بظاهرها على أنَّ وصولهم إليه بنحو إعجازي، تكون مُخالفةً لـ ( قانون المعجزات )، ومُحتاجة إلى فَهْمٍ جديد.

وسيأتي التعرُّض لذلك في فصل آتٍ من هذا القسم.

الناحية الرابعة: في إثارة بعض الاعتراضات والأسئلة على التوقيت الذي تحدَّثنا عنه، مع مُحاولة الجواب عنه، وهي عدَّة أمور:

الأمر الأول: ما هو موقف أعداء الإمام المهدي (ع) من النداء؟ فإنّ من المفهوم أنّ هذه المـُدّة التي تتخلّل بين النداء والظهور كافية تماماً للاستعداد لسحق أيِّ حركة مُتوقّعة في العالم، والقضاء عليها في مهدها، وبمُجرَّد حدوثها، فكيف ينجو الإمام المهدي (ع) من ذلك؟

فإنّ الأعداء قد يسمعون النداء، وخاصة أنّه نداء رهيب واسع، يُخرِج الفتاة من خِدرها، ويوقظ النائم، ويُفزِع اليقظان، كما سمعنا من الأخبار، وإذا سمعوه توقَّعوا الظهور واستعدُّوا ضدَّه لا محالة.

ويمكن الجواب على ذلك ضمن عدّة مُستويات:

المـُستوى الأول: أنَّه دليل على أنّ صوت النداء شامل للبشر أجمعين بل هو بصفته إعجازياً، سيُحدِّد - بالمعجزة - بالمقدار الذي يحتوي على المصلحة، ويكون خالياً عن المضاعفات؛ ومن هنا يمكن أن يكون النداء مُقتصراً على منطقة دون منطقة، أو مجموعة من الناس دون مجموعة.

وهذا مُخالف لظاهر الأخبار التي سمعناها تقول: يُنادي مُنادٍ من السماء باسم القائم، فيسمع مَن بالمشرق ومَن بالمغرب. أو تقول:فلا يبقى شيء من خلق الله فيه الروح إلاَّ سمع الصيحة.

إلاَّ أن نخصَّها بمنطقة أو جماعة، باعتبار أنَّ عموم النداء وشموله لكلِّ الناس يُشكِّل خطراً على المهدي (ع) في أول ظهوره، وأمَّا ردُّ الفعل الموصوف في الأخبار للصيحة، وهي أنَّها تُوقِظ النائم، وتُفزِع اليقظان،

٢١٦

وتُخرِج الفتاة من خِدرها... فيمكن أن نخصَّه بالسامعين، ولا يشمل غيرهم بطبيعة الحال، إلاَّ أنَّ قوله عن الصيحة:إنَّها تخضع لها أعناق أعداء الله تعالى. صريح في سماعهم لها... غير أنَّه صريح في نفس الوقت بعدم قدرتهم في وقوفهم ضدَّها.

المستوى الثاني: إنَّه لا دليل على أنَّ مضمون هذا النداء سيكون هو الدعوة إلى نصرة المهدي (ع) من أجل غزو العالم بالعدل بكل صراحة... ليُشكِّل خطراً على أعداء الله ليستعدُّوا ضدَّه، بل إنَّه ليس كذلك يقيناً، فإنَّ ما صرَّحت به الروايات هو أنَّه يُنادي باسمه واسم أبيه، ليس إلاَّ.

فنعرف من ذلك: أنَّ مضمون النداء هو - على الأغلب - إمامكم محمد بن الحسن حجَّة الله، ونحو ذلك، من دون أيِّ إشارة إلى أهدافه ولا إلى ظهوره، ولا حتى إلى كونه المهدي الموعود، وإنَّما سيعرف المؤمنون كل ذلك باعتبار مُسبقاتهم الذهنية وأدلَّتهم العقائدية... وهذا غير مُتوفِّر لدى أعداء الله بطبيعة الحال.

المستوى الثالث: إنَّ القوى العالمية المادِّية الحاكمة في الدول الكبرى وغيرها، لو فرضنا، أنَّها سمعت بالنداء أو وصلها خبره، بل لو عرفت مضمونه بشكل وآخر... فسوف لن تفهمه كما ينبغي أن يفهم... وإنَّما تعتبره دعاية كاذبة، أو عملاً تخريبياً صادراً من قِبَل بعض الدول أو الجهات، قد يكون مُذاعاً عن طريق بعض الإذاعات أو محطَّات التلفزة، أو أحد الأقمار الصناعية المـُخصَّصة للبثِّ الإذاعي، إذن؛ فهو – في رأيها – ليس عملاً يستحقُّ المـُجابهة والتحدِّي.

المستوى الرابع: إنَّه لا دليل على بقاء الحالة العالمية ما هي عليه الآن، واستمرارها إلى وقت النداء والظهور، بل هناك ما يدلُّ على زوال الحضارات والقوى الكبرى عن المسرح العالمي قبل ذلك... وسنبحثه في فصل قادم.

ومعه؛ لن يكون للمهدي (ع) أعداء رئيسيُّون في أيِّ مكان من العالم، بحيث يُمكنهم القضاء على حركته في مهدها، حتى لو سمعوا النداء وفهموه.

المستوى الخامس: إنَّه مع التجاوز عن جميع المستويات السابقة، يصلح ما قلناه في خلال الحديث عن أخبار النداء جواباً في صددنا هذا، وهو أنَّ ظهور المهدي (ع) الذي يتأخَّر أكثر من مئة يوم، سوف لن يتعيَّن انطباقه على النداء إلاَّ بعد أن يقوى المهدي (ع) ويشتدَّ ساعده، وتكون حركته قابلة للصمود ضدَّ أيِّ اعتداء.

الأمر الثاني - من الناحية الرابعة -: إنَّه قد يخطر في الذهن أنَّ تحديد زمان

٢١٧

الظهور بالنحو الذي سمعناه يُنافي مع الانتظار المـُستمرِّ للمهدي (ع)، وأنَّه من المـُتوقَّع ظهوره في أيِّ يوم، وفي أيِّ لحظة، إذ مع التحديد بيوم عاشوراء، سوف لن يكون ظهوره في سائر أيَّام السنة مُترقَّباً، كما أنَّه مع التحديد بالسنوات الوتر: إحدى أو ثلاث أو خمس... لن يكون ترقُّب ظهوره في السنوات المزدوجة: اثنان أو أربع أو ستّ موجوداً، وهذا بخلاف ما لو كان التحديد واقعياً غير معروف لأحد، فإنَّ توقُّع الظهور يبقى لدى الناس موجوداً، وبذلك نُحرز فوائد الانتظار التي عرفناها في التاريخ السابق(1) .

ويمكن الجواب على ذلك ضمن عدَّة مُستويات:

المستوى الأوَّل: إنَّ كل هذه التحديدات لا تكاد تكون معروفة لدى عامة الناس... ومن هنا نجد منهم مَن يُحدِّد بتحديدات أُخرى لم نجدها في الأخبار - في حدود اطِّلاعنا - كتحديد الظهور في ليلة القدر، أو تحديده بين شهري جمادى الثانية ورجب، وإذا لم يكن هذا التحديد معروفاً كان الجاهل به مُنتظراً للظهور على الدوام.

غير أنَّ هذا المستوى لا يكاد يكون تامَّاً؛ إذ بمقتضاه يكون الانتظار مُنتفياً بالنسبة إلى مَن يعلم بهذه المواعيد، ممَّن يقرأ هذا الكتاب أو غيره.

المستوى الثاني: إنَّ هذه المواعيد، وإن ثبتت بأدلَّة قابلة للإثبات التاريخي، أو كان بعضها كذلك... إلاَّ أنَّ الإثبات التاريخي شيء، واليقين شيء آخر، فمثلاً إنَّ قول ابن الأثير في كتابه (الكامل) كافٍ للإثبات التاريخي، ولكنَّه ليس بيقيني الصدق على أيِّ حال، ونحن لم نسمع هذه الأخبار من المعصومين (ع) أنفسهم، بل من الرواة الناقلين عنهم، فلا تعدو الرواية أن تكون ظنِّية ولكنَّها قابلة للإثبات، فإذا كانت هذه التحديدات والمواعيد ظنِّية، كان هناك احتمال آخر يُقابله.

فمثلاً: إنَّنا نظنُّ - طبقاً للأخبار - أنَّ المهدي (ع) سيظهر في يوم عاشوراء، ونحتمل احتمالاً أقلَّ بأنَّه سيظهر في يوم آخر من السنة، ومعه يكون الانتظار خلال كل أيَّام السنة ثابتاً.

المستوى الثالث: إنَّ ظهوره في أيِّ يوم آخر أو أيِّ عام، إفرادياً كان رقمه أم زوجياً.

____________________

(1) ص438 وما بعدها.

٢١٨

وبالتالي في أيِّ لحظة مهما كانت... ليس فقط بمُجرَّد احتمال، بل هناك ما يدلُّ عليه من الأخبار، كما سمعنا في التاريخ السابق كقوله: ( مَثَله مثل الساعة لا يُجلِّيها لوقتها إلاَّ الله عزَّ وجلَّ، لا تأتيكم إلاَّ بغتة ). وقول المهدي الذي سمعناه هناك، في رسالته للشيخ المفيد(1) : ( فإنَّ أمرنا بغتة فجأة ).

إذن؛ فهناك ما يكفي للإثبات على بعض التحديدات، كما أنَّ هناك ما يكفي لإثبات الإطلاق – لو صحَّ التعبير -، ولا تعارض بينهما؛ لأنَّ ظهور المهدي (ع) في بعض هذه المواعيد المـُحدَّدة مصداق من ذلك الإطلاق على أيِّ حال. نعم، تكون أدلة الإطلاق موجبة نفسياً وعقلياً للانتظار الدائم.

المستوى الرابع: أنَّنا لو فرضنا أنَّ الأخبار الدالَّة على التحديد قطعية الصدور عن المعصومين (ع)، فإنَّ مضمونها يبقى مُحتملاً غير قطعي، لاحتمال نسخه وحصول البدء فيه... بالمعنى الذي قام الدليل على إمكانه على الله عزَّ وجلَّ، وخاصة بعد أن نسمع من الأخبار ما هو محتوم، يمكن أن يقع فيه البدء بالرغم من كونه محتوماً.

فالسفياني - مثلاً - الذي ورد في عدد من الروايات أنَّه من المحتوم، وفي بعضها القَسَم على ذلك... كالذي رواه النعماني في الغيبة(2) بسنده عن عبد الملك بن أعين، قال:

كنت عند أبي جعفر (ع)، فجرى ذكر القائم (ع)، فقلت له: أرجو أن يكون عاجلاً، ولا يكون سفياني. فقال: ( لا والله، إنَّه لمِنَ المحتوم الذي لا بدَّ منه ). ويُشبهه الخبر الذي يليه.

بالرغم من ذلك، فقد ورد فيه احتمال البدء، ومن ثمَّ احتمال أن لا يوجد، كالخبر الذي ورد عن داود بن القاسم الجعفري، قال: كنَّا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (ع)، فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أنَّ أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر (ع): هل يبدو لله في المحتوم؟

قال: ( نعم! ). قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم! فقال: ( إنَّ القائم من الميعاد، والله لا يُخْلِف الميعاد! ) (3) .

____________________

(1) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص27وما بعدها.

(2) ص161.

(3) المصدر ص162. واعلم أنَّ احتمال البداء في السفياني وغيره لا يعني إسقاطه عن نظر الاعتبار

=

٢١٩

فإذا كان البدء يمكن أن يحصل في المحتوم الذي لا بدَّ منه، فكيف حال التحديدات غير المحتومة؟!

وإذا كان احتمال البدء موجوداً، لم يبقَ هناك موعد مُعيَّن معروف لدى الناس لا يقبل الخلاف والتبديل، ومعه يبقى الانتظار الدائم ساري المفعول... طبقاً لروايات (الإطلاق) التي سمعناها.

الأمر الثالث: هل تكون هذه الأخبار الدالَّة على تعيين اليوم والشهر مشمولة لأخبار نفي التوقيت ولعن الوقَّاتين، فإن كانت كذلك كانت واجبة التكذيب لا محالة.

إلاَّ أنَّ هذا الشمول غير صحيح، ولكلٍّ من شَكلي الأخبار ميدانه الخاص به، من دون أن يُكذِّب احدهما الآخر.

وأهمُّ دليل على ذلك، وجود قرائن داخلية في نفس الأخبار النافية للتوقيت، تجعلها نصَّاً في مركز التكذيب هو رقم السنة فقط، دون اسم الشهر ورقم اليوم واسمه من الأسبوع، كالخبر الذي أخرجه النعماني(1) ، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر الباقر (ع) يقول: ( يا ثابت، إنَّ الله قد وقَّت هذا الأمر في سنة السبعين، فلمَّا قُتل الحسين (ع) اشتدَّ غضب الله فأخَّره إلى أربعين ومئة، فلمَّا حدَّثناكم بذلك أذعنتم وكشفتم قناع الستر. فلم يجعل الله لهذا الأمر بعد ذلك عندنا وقتاً،( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) ).

قال أبو حمزة: فحدَّثت بذلك أبا عبد الله الصادق (ع)، فقال: ( قد كان ذلك ).

وهناك بعض الأخبار بهذا المضمون... هي واضحة في أنَّ ما ألغاه الله تعالى وأمر بتكذيبه، إنَّما هو رقم السنة، وهو لا يشمل الخصائص الأُخرى، غير أنَّ هذه الأخبار تحتوي - من بعض الجهات الأُخرى - على بعض الاستفهامات التي لا مجال الآن إلى عرضها والجواب عليها.

ولعلَّنا نتوفَّر على ذلك في محلٍّ آخر من هذه الموسوعة.

____________________

=

والالتزام بعدمه، فإن معنى احتمال البداء هو كون السفياني – مثلاً – داخلاً في التخطيط، فمن زاوية كونه دخيلاً لا معنى لإسقاطه عن نظر الاعتبار.

أقول: وهذا التبدُّل إنَّما يحصل في بعض التطبيقات، لا في الأُسس العامة للتخطيط بطبيعة الحال.

(1) انظر الغيبة الكبرى للنعماني ص157.

٢٢٠