موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)8%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

الجزء ١ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212432 / تحميل: 11106
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

( ج ١؛ ٢١٥ ) والدّر المنثور ( ج ٣؛ ٢٨ ) والانتصار (١٠٥) وتفسير التبيان ( ج ٣؛ ٤٥٢ ) ومجمع البيان ( ج ٣؛ ٢٠٧ ).

وأنس بن مالك. انظر تفسير الطبريّ ( ج ١٠؛ ٥٨ ) وأحكام القرآن لابن العربي ( ج ٢؛ ٥٧٧ ) وتفسير الرازيّ ( ج ١١؛ ١٦١ ) والمغني لابن قدامة ( ج ١؛ ١٥٠ ) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( ج ٦؛ ٩٢ ) وشرح المهذب للنووي ( ج ١؛ ٤١٨ ) والدرّ المنثور ( ج ٣؛ ٢٨ ) والانتصار (١٠٦) والتبيان ( ج ٣؛ ٤٥٢ ).

وعبد الله بن مسعود، وسلمان الفارسي، وأبو ذرّ الغفاري، وعمّار بن ياسر، وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام جميعا. انظر نهاية الإقدام - في أوائل الكتاب - وهو مخطوط. كما ذهب إلى ذلك صحابة آخرون، وجمع من التابعين وفقهاء العامّة.

والوقوف عند الشبهة إلى الإمام، فإنّه لا شبهة عنده

في تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢٨٦، ٢٨٧ ) عن عبد الله بن جندب، قال: كتب إليّ أبو الحسن الرضاعليه‌السلام : ذكرت رحمك الله وذكر في آخر الكتاب: أنّ هؤلاء القوم سنح لهم شيطان اغترّهم بالشبهة، ولبّس عليهم أمر دينهم بل كان الفرض عليهم والواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحيّر، وردّ ما جهلوه من ذلك إلى عالمه ومستنبطه؛ لأن الله يقول في محكم كتابه:( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (١) . يعني آل محمّد ...

وفي بصائر الدرجات ( ٤٣٢ - ٤٣٣ ) / الباب ١٧ من الجزء الثامن - الحديث ٢ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: ولا يقبل الله أعمال العباد إلاّ بمعرفته، فهو عالم بما يرد من ملتبسات الوحي ومعمّيات السنن ومشتبهات الفتن وانظر ما في الكافي ( ج ١؛ ٢٠٣ ) عن الصادق مثله.

وهذا المعنى من مسلّمات عقائد الإماميّة. انظر ما يتعلق بهذا المعنى الكافي ( ج ١؛ ١٧٨، ٢١٠، ٢١٢ ) وفيه تسعة أحاديث في أنّ أهل الذكر الذين أمر الله الخلق

__________________

(١) النساء؛ ٨٣

٢٢١

بسؤالهم هم الأئمّةعليهم‌السلام ، و ( ج ١؛ ٢٦٩، ٢٧٦ ). وانظر المسترشد في الإمامة (٦٠٢) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٢٣ ) و ( ج ٣؛ ٩٨ ) وحلية الأولياء ( ج ١؛ ٦٣ ) ومناقب الخوارزمي (٤٢) وتاريخ دمشق ( ج ٢؛ ٢٥٩ ) في أنّ عليّا يبيّن للناس ما اشتبه عليهم وما اختلفوا فيه من بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وطاعة وليّ الأمر بعدي، ومعرفته في حياتي وبعد موتي، والأئمّة: من بعده واحدا فواحدا

في ذلك نزل قوله تعالى:( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) ، ففي الكافي ( ج ١؛ ١٨٧ ) عن الحسين بن أبي العلاء، قال: ذكرت لأبي عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قولنا في الأوصياء « أنّ طاعتهم مفترضة »، قال: فقال: نعم، هم الذين قال الله تعالى:( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) ...

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٨٢ ) عن جابر الجعفي في تفسيره، عن جابر الأنصاريّ، قال: سألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن قوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) (٣) عرفنا الله ورسوله فمن أولو الأمر؟ قال: هم خلفائي يا جابر، وأئمّة المسلمين من بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا، لقيته فأقرئه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ، الذي يفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها، ذاك يغيب عن شيعته غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه بالإيمان.

__________________

(١) النساء؛ ٥٩

(٢) النساء؛ ٥٩

(٣) النساء؛ ٥٩

٢٢٢

وانظر تفسير الآية ونزولها في عليّعليه‌السلام ، وفيه وفي ولديه، وفيه وفي الأئمّةعليهم‌السلام ، في شواهد التنزيل ( ج ١؛ ١٨٩ - ١٩١ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٥ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢٧٦ ) وتفسير فرات ( ١٠٧ - ١١١ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٢٣ ) وتفسير القمّي ( ج ١؛ ١٤١ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ١١٤ - ١١٦ ).

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٣ ) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعائشة - بعد أن سألته عن معنى السيّد في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ سيّد العرب -: قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي.

وقد تظافر قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ وليكم بعدي

في الكافي ( ج ١؛ ١٨٥ - ١٩٠ ) سبعة عشر حديثا في فرض طاعة الأئمّةعليهم‌السلام ، منها ما رواه في ( ج ١؛ ١٨٨، ١٨٩ ) عن الصادقعليه‌السلام : فأشهد أنّ عليّا كان قيّم القرآن، وكانت طاعته مفترضة، وكان الحجّة على الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وانظر كفاية الأثر (٢١٧) وأمالي الطوسي (٥٦٢) وأمالي المفيد (١٨) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٩٤ ) وبشارة المصطفى (٢٣) وسنن الترمذيّ ( ج ٢؛ ٢٩٧ ) ومسند أحمد ( ج ٤؛ ٤٣٧ ) و ( ج ٥؛ ٣٥٦ ) وسنن أبي داود ( ج ٣؛ ١١١ ) وحلية الأولياء ( ج ٦؛ ٢٩٤ ) وخصائص النسائي ( ١٩، ٢٣ ) والرياض النضرة ( ج ٢؛ ١٧١، ٢٠٣ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ١٥٤، ١٥٩، ٣٩٦ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٢٨، ١٩٩ ) وتاريخ بغداد ( ج ٤؛ ٣٣٩ ) وأسد الغابة ( ج ٥؛ ٩٤ ) والإصابة ( ج ٢؛ ٥٠٩ ).

وأمّا معرفة الإمام في حياته وبعد موته

فيدلّ عليه جميع الأدلّة الدالّة على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بمعرفة أهل بيته والأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام كما سيأتي، وأوامره المتكررة بمعرفة عليّعليه‌السلام ومتابعته في حياته وبعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد ورد وجوب معرفتهمعليهم‌السلام في كثير من الأحاديث والروايات، منها:

ما رواه الكليني في الكافي ( ج ١؛ ١٨٠ ) عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : أخبرني

٢٢٣

عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقالعليه‌السلام : إنّ الله عزّ وجلّ بعث محمّدا إلى الناس أجمعين رسولا وحجّة لله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمّد رسول الله واتّبعه وصدّقه فإنّ معرفة الإمام منّا واجبة عليه، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتّبعه ولم يصدّقه ويعرف حقّهما فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقّهما؟! ...

وفيه أيضا ( ج ١؛ ١٨٠ ) عن أحدهماعليهما‌السلام أنّه قال: لا يكون العبد مؤمنا حتّى يعرف الله ورسوله والأئمّة صلوات الله عليهم كلّهم، وإمام زمانه، ويردّ إليه ويسلّم له، ثمّ قال: كيف يعرف الآخر وهو يجهل الأوّل؟!

وفي الكافي أيضا ( ج ١؛ ١٨٠ - ١٨٥ ) أربعة عشر حديثا في معرفة الإمام والردّ إليه.

وأمّا طاعة ومعرفة الأئمّة من بعد عليّعليهم‌السلام واحدا فواحدا

فقد فاقت النصوص فيها العدّ والحصر، وقد صرّح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ الأئمّة من بعده اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش أو كلّهم من بني هاشم، وذلك من طرق الفريقين. انظر ينابيع المودّة ( ٣؛ ١٠٤، ١٠٧ )، ذكر يحيى بن الحسن في كتاب العمدة من عشرين طريقا في أنّ الخلفاء بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش، في البخاري من ثلاثة طرق، وفي مسلم من تسعة طرق، وفي أبي داود من ثلاثة طرق، وفي الترمذي من طريق واحد، وفي الحميدي من ثلاثة طرق. وانظر العمدة ( ٤١٦ - ٤٢٣ ) وفرائد السمطين ( ج ٢؛ ١٤٧ - ١٥٠ ) والخصال ( ٤٦٧ - ٤٦٩ ). وقد أخرج هذا الحديث عن عليّعليه‌السلام ، وعبد الله بن مسعود، وجابر بن سمرة، وجابر الأنصاريّ، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن عباس، القندوزي الحنفي - في ينابيع المودّة ( ج ٣؛ ١٠٥ ) - وقال: قال بعض المحقّقين: إنّ الأحاديث الدالّة على كون الخلفاء بعده اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان علم أنّ مراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حديثه هذا الأئمّة الاثنا عشر من أهل بيته وعترتهعليهم‌السلام .

٢٢٤

وأمّا الأحاديث المصرّحة بأسمائهمعليهم‌السلام فهي أيضا كثيرة جدّا، بل روى بعضها أعلام العامّة، فقد روى أسماءهم واحدا واحدا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الحمويني في فرائد السمطين ( ج ٢؛ ١٣٢ - ١٣٥، ١٥٣ ) وفي مواضع أخرى من كتابه، ورواهم القندوزيّ الحنفي في ينابيع المودّة ( ج ٣؛ ٩٩ - ١٠٣ ) وغيرهما.

وفي كفاية الأثر ( ٢١٣ - ٢١٩ ) عن علقمة بن قيس، قال: خطبنا أمير المؤمنينعليه‌السلام على منبر الكوفة فقام إليه رجل - يقال له عامر بن كثير - فقال: يا أمير المؤمنين لقد أخبرتنا عن أئمّة الكفر وخلفاء الباطل، فأخبرنا عن أئمّة الحقّ وألسنة الصدق بعدك؟ قال: نعم، إنّه بعهد عهده إليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماما، تسعة من صلب الحسين قلت: يا رسول الله أفلا تسمّيهم لي؟

قال: نعم، أنت الإمام والخليفة بعدي، تقضي ديني وتنجز عداتي، وبعدك ابناك الحسن والحسين، وبعد الحسين ابنه عليّ زين العابدين، وبعده ابنه محمّد يدعى بالباقر، وبعد محمّد ابنه جعفر يدعى بالصادق، وبعد جعفر ابنه موسى يدعى بالكاظم، وبعد موسى ابنه عليّ يدعى بالرضا، وبعد عليّ ابنه محمّد يدعى بالزكي، وبعد محمّد ابنه عليّ يدعى بالنقي، وبعد عليّ ابنه الحسن يدعى بالأمين، والقائم من ولد الحسن، سميّي وأشبه الناس بي، يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.

هذا، وقد ثبت بالروايات الصحيحة المتظافرة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ عليهم بأسمائهم جميعاعليهم‌السلام ، وأنّ كلّ إمام كان ينصّ على من بعده. وحسبك ما رواه أبو القاسم الخزّاز من علماء القرن الرابع في كتابه « كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر »، وما رواه الكليني في الكافي ( ج ١؛ ٢٨٦ - ٣٢٩، ٥٢٥ - ٥٣٥ ) وما في كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة، لوالد الشيخ الصدوقرحمه‌الله .

والبراءة من الأحزاب تيم وعدي وأميّة وأشياعهم وأتباعهم

هذا التعبير جاء في روايات أهل البيتعليهم‌السلام مرادا منه أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية،

٢٢٥

وهذا كثير في كلام العرب، قال السيّد المرتضى - في شرح القصيدة المذهّبة (٨٩) في شرح البيت السادس عشر من القصيدة، وهو قوله:

أإلى أميّة أم إلى شيع الّتي

جاءت على الجمل الخدبّ الشوقب

ـ قال: ذكر القبيلة نفسها وأراد أبناءها ومن نسلت، وهذا في الكلام المنظوم والمنثور كثير.

وقد عبّر عنهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالأحزاب لأنّهم من الّذين نفّروا ناقته وحاولوا اغتياله في ليلة العقبة، وهم الذين كتبوا الصحيفة لإزواء الخلافة عن عليّعليه‌السلام ، وهم الّذين لم يؤمنوا بالله طرفة عين أبدا، وقد اتّفق الشيخان وابنتاهما على أن يسمّوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان أبو سفيان رئيس الأحزاب المجمع لهم في غزوة الخندق ( الأحزاب ) كما في تطهير الجنان (٥٤) وكان معه معاوية ابنه، وكانت راية المشركين يوم أحد مع طلحة بن أبي طلحة العدويّ من بني عبد الدار كما في تفسير القمّي ( ج ١؛ ١١٢ ) وكان عبيد الله بن عمر بن الخطّاب من زعماء جيش معاوية في صفّين، وامتنع عبد الله بن عمر عن بيعة عليّعليه‌السلام وبايع الحجّاج من بعد، وهم من بني عدي، وكانت تيم أيضا تبغض عليّا، وقد خرجت عائشة منهم على عليّعليه‌السلام ، وكانت تقول - كما في الطبريّ ( ج ٥؛ ٢٢٢ ) والعقد الفريد ( ج ٥؛ ٧٤ ) -: « ما زلت أرجو النصر حتّى خفيت أصوات بني عدي »، وخرج معها مروان وسائر بني أميّة إلاّ من خشع كما في الطبريّ ( ج ٥؛ ١٦٩ ) واجتمعت بنو أميّة إلى عائشة، وتشاوروا وقالوا: كلنا نطلب بدم عثمان، ورأسهم عبد الله بن عامر الحضرمي، ومروان بن الحكم، والمشار إليهما طلحة والزبير كما في تذكرة الخواص (٦٥) وقد قاتل الأمويون النبي والوصي صلوات الله عليهما، ولذلك قال عليّعليه‌السلام في صفين: « انفروا إلى بقية الأحزاب » كما في تطهير الجنان (٥٤) وتقريب المعارف (٢٩٤) وقال عمّار بن ياسر لأبي زينب: « أثبت أبا زينب ولا تشك في الأحزاب عدوّ الله ورسوله » كما في صفين (١٠١) وقالرحمه‌الله : « إنّ مراكزنا على مراكز رايات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين، وإنّ هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب » كما في صفّين (٣٢١).

ورقى عثمان المنبر فقال: « أيّها الناس إنّ أبا بكر كان يؤثر بني تيم على الناس، وإنّ عمر

٢٢٦

كان يؤثر بني عدي على كلّ الناس، وإنّي أؤثر والله بني أميّة على سواهم » كما في أمالي المفيد (٧٠).

وفي شرح النهج ( ج ٦؛ ٢١ ) روى الزبير بن بكار، قال: روى محمّد بن إسحاق أنّ أبا بكر لمّا بويع افتخرت تيم بن مرّة، قال: وكان عامّة المهاجرين وجلّ الأنصار لا يشكّون أنّ عليّاعليه‌السلام هو صاحب الأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال الفضل بن العبّاس: « يا معشر قريش، وخصوصا يا بني تيم، إنّكم إنّما أخذتم الخلافة بالنبوّة، ونحن أهلها دونكم ». وانظر الموفقيات (٥٨٠).

وفي شرح النهج أيضا ( ج ٦؛ ١٨ ) قال ابن أبي الحديد: والذي ثبت عندي أنّ أوّل من بايعه عمر.

وفي الشرح أيضا ( ج ٦؛ ١١ ) قال: واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفّان فقام عثمان ومن معه فبايعوا أبا بكر.

هذه النصوص وغيرها تبيّن أنّ التحزّب التيمي والعدوي والأموي كان وراء غصب عليّ وأهل البيتعليهم‌السلام الخلافة، وهذه حقيقة ثابتة من حقائق التاريخ، ذكرت تفاصيلها في كلّ كتاب أرّخ بيعة السقيفة الظالمة، ولذلك عبّر أبو سفيان بشعره عن هذه الأحزاب بقوله يحرّض عليّاعليه‌السلام :

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم

و لا سيّما تيم بن مرّة أوعدي

انظر شعره في الموفقيات (٥٧٧) وشرح النهج ( ج ٦؛ ١٧ ).

فهؤلاء هم الأحزاب وبقية الأحزاب الّذين قاتلوا النبي والوصي صلوات الله عليهما. وسيأتي مثل هذا المعنى في الطّرفة (٢٤) وأنّ الناكثين والقاسطين والمارقين أيضا من الأحزاب.

وقد ورد ذمّهم والبراءة منهم صريحا في روايات أهل البيتعليهم‌السلام ، فمن ذلك ما في الكافي ( ج ٨؛ ٣٤٥ ) عن زرارة، عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال: أصبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوما كئيبا حزينا، فقال له عليّعليه‌السلام : مالي أراك يا رسول الله كئيبا حزينا؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكيف لا أكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه أنّ بني تيم وبني عدي وبني أميّة يصعدون على منبري هذا،

٢٢٧

يردّون الناس عن الإسلام القهقرى، فقلت: يا ربّ في حياتي أو بعد موتي؟ فقال: بعد موتك.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٣٢١ ) عن عبد الرحيم القصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ) (١) قال: أري رجالا من بني تيم وعدي على المنابر يردّون الناس عن الصراط القهقرى، قلت( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (٢) قال: هم بنو أميّة.

وفي تفسير القمّي ( ج ٢؛ ٣٨٩، ٣٩٠ ) قالت قريش: فمتى يكون ما تعدنا يا محمّد من أمر عليّ والنار، فأنزل الله( حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ ) (٣) يعني الموت والقيامة( فَسَيَعْلَمُونَ ) (٤) يعني فلانا وفلانا وفلانا ومعاوية وعمرو بن العاص وأصحاب الضغائن من قريش( مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً ) (٥) ...

وفي الكافي ( ج ١؛ ٤٢٦ ) عن عليّ بن جعفر، قال: سمعت أبا الحسن الكاظمعليه‌السلام يقول: لمّا رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تيما وعديّا وبني أميّة يركبون منبره أفظعه، فأنزل الله قرآنا يتأسى به ....

وفي كتاب سليم (١٩٢) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال في حديث: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد كان أخبرني أنّه رأى على منبره اثني عشر رجلا أئمّة ضلال من قريش، يصعدون منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وينزلون على صورة القرود، يردّون أمّته على أدبارهم عن الصراط المستقيم، اللهم قد خبّرني بأسمائهم رجلا رجلا وكم يملك كلّ واحد منهم، واحدا بعد واحد، عشرة منهم من بني أميّة، ورجلين من حيّين مختلفين من قريش، عليهما مثل أوزار الأمّة جميعا إلى يوم القيامة، ومثل جميع عذابهم، فليس دم يهرق في غير حقّه، ولا فرج يغشى، ولا حكم بغير حقّ إلاّ كان عليهما وزره.

وفي تقريب المعارف (٢٤٢) قول عليّعليه‌السلام للحارث الأعور: ابرأ منهما. وفي المصدر

__________________

(١) الإسراء؛ ٦٠

(٢) الإسراء؛ ٦٠

(٣) مريم؛ ٧٥

(٤) الجنّ؛ ٢٤

(٥) الجنّ؛ ٢٤

٢٢٨

نفسه (٢٤٥) قول الباقرعليه‌السلام : الله ورسوله منهما بريئان، وفيه أيضا (٢٤٨) قول الصادقعليه‌السلام : ابرأ منهما برأ الله ورسوله منهما. وفي الكافي ( ج ٨؛ ٢٣٧ ) أن أمّ خالد قالت للصادقعليه‌السلام : فإن هذا الذي معك [ تعني أبا بصير ] على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما، وكثير النوّاء يأمرني بولايتهما، فأيّهما خير وأحبّ إليك؟ قال: هذا والله أحبّ إليّصلى‌الله‌عليه‌وآله من كثير النوّاء وأصحابه.

وقد ثبت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه ما مات حتّى دعا بالويل على بني أميّة وهو عنهم غير راض. انظر مستدرك الحاكم ( ج ٤؛ ٤٧٩، ٤٨٠، ٤٨٧ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ٤٠، ٦٨، ٩١ ) و ( ٧؛ ١٤٢، ١٧١ ) وحلية الأولياء ( ج ٦؛ ٢٩٣ ).

ونزل قوله تعالى:( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (١) في بني أميّة، وبني الحكم. انظر الدّر المنثور ( ج ٤؛ ١٩١ ) وتطهير الجنان (١٤٣) وكنز العمال ( ج ٧؛ ١٤٢ ) وسنن الترمذيّ ( ج ٢؛ ٣٥ ) وتفسير الطبريّ ( ج ٣٠؛ ١٦٧ ) ومستدرك الحاكم ( ج ٣؛ ١٧٠ ) وتفسير القمّي ( ج ٢؛ ٢١ ) ومجمع البيان ( ج ٣؛ ٤٢٤ ) والتبيان ( ج ٦؛ ٤٩٤ ) والكشّاف ( ج ٢؛ ٦٧٦ ) والسيرة الحلبية ( ج ١؛ ٣٣٧ ) وتفسير القرطبي ( ج ١٠؛ ٢٨٦ ) وتفسير الشوكاني ( ج ٥؛ ٢٦٣ ) وتفسير النيسابوريّ بهامش الطبريّ ( ج ١٥؛ ٥٥ ) والخصائص الكبرى ( ج ٢؛ ١١٨ ) وتفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٣٢٠، ٣٢١ ) وانظر في هذا الشأن تخريجات الغدير ( ج ٨؛ ٢٤٨ ).

وقد صرّح عليّعليه‌السلام بهذا المعنى، وأنّه كان يعاديهم ويبرأ منهم، ففي الكافي ( ج ٨؛ ١٠٣ ) عن الباقرعليه‌السلام قال: إنّ عمر لقي عليّاعليه‌السلام فقال له: أنت الذي تقرأ هذه الآية( بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ) (٢) وتعرّض بي وبصاحبي؟! قال: فقال له عليّعليه‌السلام : أفلا أخبرك بآية نزلت في بني أميّة( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ ) (٣) ، فقال عمر: كذبت، بنو أميّة أوصل للرحم منك، ولكنّك أبيت إلاّ عداوة لبني تيم وبني عدي وبني أميّة.

وقالعليه‌السلام - كما في مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٠٢ ) -: وبي كان [ رسول الله ] يبري

__________________

(١) الإسراء؛ ٦٠

(٢) القلم؛ ٦

(٣) محمّد؛ ٢٢

٢٢٩

جماجم البهم وهام الأبطال، إلى أن فزعت تيم إلى الفرار، وعديّ إلى الانتكاص.

وقالعليه‌السلام أيضا في المصدر نفسه ( ج ٢؛ ٢٠٣ ): سبقني إليها التيمي والعدوي كسباق الفرس، احتيالا واغتيالا وخدعة وغيلة، ثمّ قال بعد كلام له: يا معشر المهاجرين والأنصار أين كان سبقة تيم وعديّ ألا كانت يوم الأبواء إذ تكاثفت الصفوف؟! ...

وقد اتّفقت روايات أهل البيتعليهم‌السلام وسيرتهم وفي أدعيتهم على لعن الثلاثة ومن تابعهم وشايعهم، وهو معنى آخر للبراءة منهم، ففي التهذيب ( ج ٢؛ ٣٢١ ): سمعنا أبا عبد اللهعليه‌السلام وهو يلعن في دبر كلّ صلاة مكتوبة أربعة من الرجال وأربعا من النساء: التيمي والعدويّ وفعلان ومعاوية، ويسمّيهم، وفلانة وفلانة وهند وأمّ الحكم أخت معاوية.

وفي تقريب المعارف (٢٤٤) عن السجادعليه‌السلام : هما أوّل من ظلمنا حقّنا، وأخذا ميراثنا، وجلسا مجلسا كنّا أحقّ به منهما، فلا غفر الله لهما، ولا رحمهما، كافران كافر من تولاّهما.

وانظر في لعنهما والبراءة منهما الكافي ( ج ١؛ ٣٧٤ ) و ( ج ٢؛ ٥٢٩، ٥٣٠ ) و ( ج ٨؛ ١٠٢، ١٠٣، ٢٤٥، ٢٤٦ ) والتهذيب ( ج ٤؛ ١٤٥ ) وكتاب سليم (١٩٢) والخصال (١٠٦) ورجال الكشي ( ج ٢؛ ٤٦١ ) والاحتجاج ( ج ٢؛ ٤٦٥ ) وتقريب المعارف ( ٢٣٧ - ٢٥٧ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٣٨ ) وتفسير القمي ( ج ٢؛ ١٤، ٢١ ) وتقريب المعارف أيضا ( ٢٤٨ - ٢٥٣ ) ففيه عدّة روايات بأسانيد متعددة.

وقد استقصى ذلك العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار / المجلد الثامن من الطبع الحجريّ - باب « كفر الثلاثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم ».

وأن تمنعني ممّا تمنع منه نفسك

لقد بايع المسلمون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيعة العقبة، وكان شرط عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شروطا لله ولنفسه، فأمّا الشروط الّتي لله فهي الترغيب في الإسلام وإطاعة الله، واشترط عليهم لنفسه أن يمنعوه وأهل بيته وذريتهعليهم‌السلام ممّا يمنعون منه أنفسهم وأهاليهم وذراريهم.

ففي تفسير القمّي ( ج ١؛ ٢٧٢، ٢٧٣ ): لمّا أظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الدعوة بمكّة قدمت

٢٣٠

عليه الأوس والخزرج، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تمنعوني وتكونون لي جارا حتّى أتلو عليكم كتاب ربّي وثوابكم على الله الجنّة؟ فقالوا: نعم، خذ لربّك ولنفسك ما شئت، فقال لهم: موعدكم العقبة في اللّيلة الوسطى من ليالي التشريق، فحجّوا ورجعوا إلى منى، وكان فيهم ممّن قد حجّ بشر كثير، فلمّا كان اليوم الثاني من أيّام التشريق، قال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان اللّيل فاحضروا دار عبد المطلّب على العقبة، ولا تنبّهوا نائما، ولينسلّ واحد فواحد، فجاء سبعون رجلا من الأوس والخزرج فدخلوا الدار، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تمنعوني وتجيروني حتّى أتلو عليكم كتاب ربّي وثوابكم على الله الجنّة؟ فقال سعد بن زرارة والبراء بن معرور وعبد الله بن حزام: نعم يا رسول الله، اشترط لربّك ولنفسك ما شئت، فقال: أمّا ما أشترط لربّي فأن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني ممّا تمنعون أنفسكم وتمنعوا أهلي ممّا تمنعون أهاليكم وأولادكم، فقالوا: وما لنا يا رسول الله؟ فقال: الجنّة في الآخرة ....

وفي الكافي ( ج ٨؛ ٢٦١ ) عن الصادقعليه‌السلام ، قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كنت أبايع لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على العسر واليسر والبسط والكره، إلى أن كثر الإسلام وكثف، قال: وأخذ عليهم عليّعليه‌السلام أن يمنعوا محمّدا وذريته صلوات الله عليهم ممّا يمنعون منه أنفسهم وذراريهم، فأخذتها عليهم، نجا من نجا وهلك من هلك.

وانظر مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٤ ) والسقيفة وفدك (٦٩) وشرح النهج ( ج ٦؛ ٤٤ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٢؛ ٢٣٨، ٢٣٩ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٢؛ ٩٨، ٩٩ ) وتاريخ ابن خلدون ( ج ٢؛ ٤١٨ ) وتاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ٣٨ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٢؛ ٤٤٢ ) والروض الأنف ( ج ٤؛ ٨٢ ).

وزاد ابن هشام في سيرته ( ج ٢؛ ٤٥٤ ) المبايعة بشرط: وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول بالحقّ أينما كنّا، لا نخاف في الله لومة لائم. وهو أيضا في الروض الأنف ( ج ٤؛ ١٣٥ ) وأنساب الأشراف ( ج ١؛ ٢٩٤ ).

وواضح أنّ عليّاعليه‌السلام كان قد بايع لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك ووفى به، ولذلك كان

٢٣١

هوعليه‌السلام يأخذ منهم البيعة على ذلك، نجا من نجا وهلك من هلك منهم.

وقد وفى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ببيعته فلم يفرّ ولم ينكل في حرب، ولم يترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ تركه الثلاثة وغيرهم فلم يفوا بالبيعة، فلذلك عدّ عليّ نقض شروط هذه البيعة كفرا بالله، ففي كشف الغمّة ( ج ١؛ ١٩٢، ١٩٤ ) روى عكرمة، قال: سمعت عليّاعليه‌السلام يقول: لمّا انهزم الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم أحد لحقني من الجزع عليه ما لم أملك نفسي، وكنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعت أطلبه فلم أره، فقلت: ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليفرّ، وما رأيته في القتلى وحملت على القوم فأفرجوا، فإذا أنا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد وقع مغشيّا عليه، فنظر إليّ وقال: ما فعل الناس يا عليّ؟ قلت: كفروا يا رسول الله وولّوا الدّبر وأسلموك. ونقل هذا الخبر في كشف اليقين (١٢٨) وفيه: أنّ عليّاعليه‌السلام قال: للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : نقضوا العهد وولّوا الدّبر.

وفي حديث عمران بن حصين - كما في كشف الغمّة ( ج ١؛ ١٩٤ ) - قال: لمّا تفرّق الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جاء عليّعليه‌السلام متقلّدا بسيفه حتّى قام بين يديه، فرفعصلى‌الله‌عليه‌وآله رأسه إليه وقال: مالك لم تفرّ مع الناس؟ فقالعليه‌السلام : يا رسول الله أرجع كافرا بعد إسلامي؟!

وكان ممّن ثبت ذلك اليوم أبو دجانة الأنصاري، ففي الكافي ( ج ٨؛ ٣٢٠ ) قال: فلم يزل يقاتل حتّى أثخنته الجراحة فلمّا سقط احتمله عليّعليه‌السلام فجاء به إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فوضعه عنده، فقال: يا رسول الله أوفيت ببيعتي؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم.

وفي تفسير فرات (٩٤) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا دجانة ذهب الناس فالحق بقومك، فقال أبو دجانة: يا رسول الله ما على هذا بايعناك وبايعنا الله، ولا على هذا خرجنا.

فكان عليّعليه‌السلام قد وفى ببيعته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الوقعة وفي جميع الوقائع. وقد فرّ الشيخان في أماكن شتّى، وشاركهما عثمان بذلك فيما عدا خيبر، فقد فرّوا في أحد وحنين ونكل الشيخان في خيبر وغيرها. انظر في فرارهم وجبنهم وعدم وفائهم بالبيعة. تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ٤٧، ٦٢ ) ودلائل الصدق ( ج ٢؛ ٥٥٣ - ٥٦١ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ١٨٣، ١٩٢ - ١٩٥، ١٩٧، ٢٠٤، ٢٠٥، ٢١٣، ٢٢١، ٢٢٣ ) وشرح النهج

٢٣٢

( ج ١٣؛ ٢٧٨، ٢٩٣ ) و ( ج ١٥؛ ٢٠ - ٢٥، ٢٩ ) ومغازي الواقديّ ( ج ١؛ ٩٢، ٢٢٥، ٢٢٦، ٢٣٧، ٢٤٠، ٢٥٨، ٢٥٩، ٢٧٧ - ٢٨٠، ٢٩٣، ٢٩٥، ٣١٠، ٣٢١ ) و ( ج ٢؛ ٢٧٠، ٤٧٠، ٦٠٧، ٦٠٩، ٦٥٣، ٦٥٧ ) و ( ج ٣؛ ٨٨٩، ٨٩٠، ٩٠٤، ٩٣٦ ) والامتاع للمقريزيّ (١٣٢) والإرشاد ( ٤٢، ٤٥، ٥٥، ٦٦، ٧٤، ٧٦ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٢؛ ١١٩، ١٥٥ - ١٥٨، ٢٢٠، ٢٦٢ ) وتاريخ الطبريّ ( ٣؛ ١٨، ٢٠، ٩٣، ٩٤ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٣؛ ٧٨، ٨٦، ٣٤٩ ) ومستدرك الحاكم ( ج ٢؛ ٣٧ ) و ( ج ٣؛ ٣٧، ٧٣، ١١٢ ) وكنز العمال ( ج ٣؛ ٧٠، ٢٩٤ ) و ( ج ٥؛ ٣٠٤ ) كتاب الغزوات ( ج ٦؛ ٣٩٤ ) والدرّ المنثور ( ج ٢؛ ٨٩، ٩٠ ) و ( ج ٣؛ ٢٢٤ ) وأنساب الأشراف ( ١، ٣٢٦ ) وسيرة ابن إسحاق ( ٣٣٠، ٣٣٢ ) والسيرة الحلبية ( ج ٣؛ ١٢٣ ) وتذكرة الخواص ( ٢٥، ٣٨ ) وتفسير النيسابوريّ ( ج ٤؛ ١١٢، ١١٣ ) وروح المعاني ( ج ٤؛ ٩٩ ) وتفسير مفاتيح الغيب ( ج ٩؛ ٥٢ ) والفصول المهمّة ( ٥٧، ٥٨، ٦٠، ٦١ ) وأسد الغابة ( ج ٤؛ ٢٠ ) وكشف اليقين ( ١٢٨، ١٤٠، ١٤٣، ١٤٤ ) وخصائص الوحي المبين ( ١٨٨، ١٩٠، ١٩١ ) ومسند أحمد ( ج ١؛ ٩٩ ) والصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٠٠، ١٠١ ) و ( ج ٢؛ ١، ٢ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٢٤ ) ومناقب الخوارزمي ( ١٠٣، ١٠٤ ) والبداية والنهاية ( ج ٤؛ ٢١١ - ٢١٣، ٣٧٦ ) ودلائل البيهقي ( ٤؛ ٢١٠ - ٢١٢ ) ومناقب بن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢١٠، ٢١١ ) ومجمع البيان ( ج ٣؛ ١٧ ) والتبيان ( ٥؛ ١٩٧، ١٩٨ ) وتجارب الأمم ( ج ١؛ ١٥٥ ) والاستيعاب ( ج ٢؛ ٨١٢، ٨١٣ ) وصحيح البخاريّ ( ج ٣؛ ٦٧ ).

يا خديجة هذا عليّ مولاك ومولى المؤمنين وإمامهم بعدي

ويدلّ على إيمان أمّ المؤمنين خديجة بولاية أمير المؤمنين، ومبايعتها إياه على ذلك، والتسليم له، حديث المعراج؛ فإنّ فيه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أن يسأل من أرسل قبله من الأنبياء على ما بعثوا؟ فسألهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا بأنّهم بعثوا وأرسلوا على الشهادة بالتوحيد والإقرار بنبوّة وولاية رسول الله، وولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقد أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بحديث المعراج الناس، فكذّبته قريش وعتاتها، وصدّقه المؤمنون وعلى رأسهم خديجة

٢٣٣

بلا خلاف بين المسلمين، ولذلك قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس » كما في مسند أحمد بن حنبل ( ج ٦؛ ١١٧ ) فتكون من المؤمنات بولاية عليّعليه‌السلام ، ومبايعة للنبي على ولاية أمير المؤمنين.

ففي المحتضر (١٢٥) عن ابن مسعود قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في حديث الإسراء: فإذا ملك قد أتاني، فقال: يا محمّد سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ فقلت:

معشر الرّسل والنبيّين، على ما بعثكم الله قبلي؟ قالوا: على ولايتك يا محمّد وولاية عليّ بن أبي طالب.

وفي شواهد التنزيل ( ج ٢؛ ٢٢٢، ٢٢٣ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عبد الله، أتاني الملك، فقال: يا محمّد، واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ قلت: على ما بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب.

انظر كشف الغمّة ( ج ١؛ ٣١٢ ) وروضة الواعظين (٥٩) وكنز جامع الفوائد ( ٥٤، ٥٥ ) ونهج الحقّ وكشف الصدق (١٨٣) ومقتضب الأثر ( ٣٧ - ٤٣ ) وكنز الفوائد ( ٢٥٦ - ٢٥٨ ) وإرشاد القلوب (٢١٠) وتفسير فرات ( ١٨١، ١٨٢ ) عن الإمام الباقرعليه‌السلام ، وخصائص الوحي المبين (١٥٣) والبرهان ( ج ٤؛ ١٤٧، ١٤٨ ) وبحار الأنوار ( ج ٣٦؛ ١٥٤، ١٥٥ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٨٠ ) ومناقب الخوارزمي ( ٢٢١ - ٢٢ ) وفرائد السمطين ( ج ١، ٨١ ) وذخائر العقبى (٦٩) وكفاية الطالب (٧٥) وكنز العمال ( ج ٦؛ ١٥٤، ١٥٦ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٠٨ ) وتفسير النيسابوري ( ج ٣؛ ٣٢٨ ) وشواهد التنزيل ( ج ٢؛ ٢٢٢ - ٢٢٥ ) وانظر تخريجاته في هامش شواهد التنزيل.

هذا، بالإضافة إلى عموم الأدلّة الدالّة على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صدع بولاية أمير المؤمنين من بدء البعثة، عند بيعة الدار وبعدها، وما من موقف وقفه النبي إلاّ وأخذ الولاية لنفسه ولأخيه - كما سيأتي - فلا يبقى أدنى شك ولا شبهة في أنّ أمّ المؤمنين خديجة كانت من المبايعات لعليعليه‌السلام والمقرّات بإمامته وولايته.

٢٣٤

الطرفة الثانية

ذكر هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ١٨؛ ١٧٩ ) فإنّه بعد أن روى ما في العلل قال: « أقول ورواه السيّد في الطّرف بإسناده عن الأعمش مثله ».

وانظر مضمون هذه الطّرفة في علل الشرائع ( ١٧٠ / الباب ١٣٣ - الحديث ٢ ) والصراط المستقيم ( ج ١؛ ٣٢٥ ) حيث قال: « ذكر ذلك الفرّاء في معالمه والثعلبي بإسناده في تفسيره، وغيره من طرق كثيرة »، وسعد السعود ( ١٠٥، ١٠٦ ) وفرائد السمطين ( ج ١؛ ٨٥، ٨٦ ) وشرح الأخبار ( ج ١؛ ١٠٧ ) وأمالي الطوسي ( ٥٨١ - ٥٨٣ / المجلس ٢٤ - الحديث ١١ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٢؛ ٢١٧ ) وتفسير فرات ( ٣٠٠، ٣٠١ ) ومجمع البيان ( ج ٤؛ ٢٠٦ ) وشواهد التنزيل ( ج ١؛ ٥٤٢ - ٥٤٧ ) والمناقب لابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٤، ٢٥ ) وكشف اليقين (٤٠) ونظم درر السمطين ( ٨٢، ٨٣ ) وكفاية الطالب ( ٢٠٥، ٢٠٦ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ١٠٤، ١٠٥ ) وشرح النهج ( ج ١٣؛ ٢١٠ ) وتقريب المعارف (١٩٣) وتهذيب الآثار (٦٠) وإثبات الوصيّة ( ٩٩، ١٠٠ ) وطبقات ابن سعد ( ج ١؛ ١٨٧ ) وتاريخ أبي الفداء ( ج ٢؛ ١١٦ ) ومسند أحمد ( ج ١؛ ١١١ ) وسليم بن قيس (٢٠٠) والدرّ المنثور ( ج ٥؛ ٩٧ ) وتفسير القمّي ( ج ٢؛ ١٢٤ ) والسيرة الحلبيّة ( ج ١؛ ٤٦٠ ) وأسنى المطالب ( ١٢ / الباب الثالث ) وتاريخ دمشق ( ج ١؛ ٩٧ - ٩٩ ) رواه؛ بسبعة طرق، ومروج الذهب ( ج ٢؛ ٢٨٣ ) والكامل لابن الأثير ( ج ٢؛ ٦٢ ) والرياض النضرة ( ج ٢؛ ١٢٥ ) وأخرجه ابن البطريق في خصائص الوحي المبين ( ٩٤ - ٩٨ ) عن الحافظ أبي نعيم ومناقب أحمد

٢٣٥

وتفسير الثعلبي عن كلّ منهم بعدّة أسانيد. وهناك مصادر أخرى كثيرة ذكرت هذا الحدث التأريخي العظيم، انظر الغدير ( ج ٢؛ ٢٧٩ - ٢٨١ ) وقادتنا ( ج ١؛ ٧٨ - ٨٦ ) والملل والنحل ( ج ١؛ ١٤٤ ). وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٤٢ ) « بيعة العشيرة كانت بعد مبعثه بثلاث سنين كما ذكره الطبريّ في تاريخه، والخركوشي في تفسيره ومحمّد بن إسحاق في كتابه ».

٢٣٦

الطّرفة الثالثة

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٢٧٨، ٢٧٩ ) و ( ج ٦٥؛ ٣٩٥ ) ونقلها باختصار العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٨ ).

هذه الطّرفة من مختصات الكتاب، لكن تدلّ عليها قرائن وأدلّة كثيرة، فأمّا الزهراءعليها‌السلام فقد قضت عمرها تدافع عن ولاية عليّعليه‌السلام وأحقّيّته في الخلافة، ويكفيك خطبتها الّتي خطبتها بعد غصب الأوّل فدكا منها، وفيها عيون البلاغة والفصاحة في المطالبة بحقّ عليّعليه‌السلام وإمامته وخلافته، وهذا من المسلّمات والثوابت التاريخيّة بلا نزاع بين المسلمين.

وأمّا حمزة أسد الله وأسد رسوله، فيدل على مبايعته للإمام عليّعليه‌السلام عمومات أدلّة الإمامة والولاية، وكلّ ما دلّ على بيعة خديجة ممّا تقدّم، ويزيد على ذلك هنا النصوص الصريحة في ولايته هو وجعفر لعليعليه‌السلام ، وتصريحات عليّعليه‌السلام بذلك وأنّهما لو كانا حيّين لما غصب الخلافة.

ويزيد الأمر تأكيدا التصريح بوجود أعمام النبي في بيعة العشيرة السالفة، ونصّ على وجود حمزة فيهم، ولم ينكر دعوة النبي وولاية عليّعليه‌السلام إلاّ أبو لهب. ففي تفسير فرات ( ٢٩٩ - ٣٠١ ) قال: فيهم أعمامه العبّاس وحمزة وأبو طالب، وأبو لهب الكافر، وهذا يدلّ على مبايعتهم عليّاعليه‌السلام وأنّ أبا لهب الكافر امتنع من ذلك.

هذا مع أنّ حمزة وجعفرا كانا أوّل المسلمين بعد عليّ، قال المسعوديّ في إثبات الوصيّة:

٢٣٧

١٠٠ ثمّ آمن من بعد أمير المؤمنين قوم من عشيرته أوّلهم جعفر وحمزة.

وأمّا الروايات في مبايعتهم لعليعليه‌السلام ، ففي الكافي ( ج ١؛ ٤٢٦ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٩٦ ) عن الصادقعليه‌السلام - في قوله تعالى( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ ) (١) - قال: ذاك حمزة وجعفر هدوا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام . وانظر اليقين (٤١٣) وتفسير فرات ( ٣٤٠ / الحديث ٤٦٥ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٢٣٣ ).

وأمّا الروايات الدالّة على أنّ حمزة وجعفر من النجباء ومن المخلصين وأنّهم مع الخمسة أصحاب الكساء فكثيرة جدّا، منها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نحن بنو عبد المطّلب سادة أهل الجنّة، أنا وعليّ وحمزة وجعفر والحسن والحسين. انظر هذا النصّ وما يؤدي معنى انتجابهم في تذكرة الخواص (٤٨) وتاريخ بغداد ( ج ٩؛ ٤٣٤ ) وذخائر العقبى ( ١٥، ٨٩ ) والرياض النضرة ( ج ٢؛ ١٨٢ ) وشرح النهج ( ج ٧؛ ٦٤ ) والخصال (٤١٢)، وأمالي الصدوق (١٧٢)، وينابيع المودّة ( ج ٢؛ ٦٩ ) وتفسير القمي ( ج ٢؛ ١٢٦ ) والكافي ( ج ١؛ ٤٥٠ ) وروضة الواعظين (٢٦٩) ودلائل الإمامة (٢٥٦) وبصائر الدرجات (١٤١) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ١٦٩ ) والمسترشد (٦١١) ومناقب ابن المغازلي (٤٨) ومناقب الخوارزمي (٢١٢).

وفي الكافي ( ج ٨؛ ١٨٩، ١٩٠ ) عن سدير الصيرفي، قال: كنا عند أبي جعفر فذكرنا ما أحدث الناس بعد نبيّهم واستذلالهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال رجل من القوم: أصلحك الله فأين كان عزّ بني هاشم وما كانوا فيه من العدد؟ فقال أبو جعفر: ومن كان بقي من بني هاشم؟! إنّما كان جعفر وحمزة فمضيا أما والله لو أنّ حمزة وجعفر كانا بحضرتهما ما وصلا إلى ما وصلا إليه، ولو كانا شاهديهما لأتلفا نفسيهما.

وفي شرح النهج ( ج ١١؛ ١١١ ) وكان عليّعليه‌السلام يستصرخ تارة بقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتارة بعمّه حمزة وأخيه جعفر - وهما ميّتان - وعقد ابن أبي الحديد في هذا الشرح

__________________

(١) الحجّ؛ ٢٤

٢٣٨

( ج ١١؛ ١١٥ - ١٢٠ ) فصلا في أنّ جعفرا وحمزة لو كانا حيّين لبايعا عليّا بالخلافة بعد النبي. وانظر التصريح بذلك في المسترشد: ٤١٧، وتفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٥٨، ٥٩ ).

والذي يؤكّد هذا هو تجديد البيعة لعليعليه‌السلام على حمزة قبل شهادتهرحمه‌الله لأنّه مسئول عن ولاية عليّعليه‌السلام ، ومثله في هذا مثل فاطمة بنت أسد أمّ الإمام عليّعليه‌السلام ، حين لقّنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولاية عليّ وإمامته. انظر في ذلك الكافي ( ج ١؛ ٤٥٣، ٤٥٤ ) وبشارة المصطفى ( ٢٤١، ٢٤٢ ) وروضة الواعظين ( ج ١؛ ١٤٢ ) وأمالي الصدوق (٢٥٩).

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا خلا دعا عليّاعليه‌السلام فأخبره من يفي منهم ومن لا يفي

أمالي الصدوق (٣١١) عن الصادق، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، قال: بلغ أمّ سلمة فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : والله ما رددتك من موجدة، وإنّك لعلى خير من الله ورسوله، لكن أتيتني وجبرئيل عن يميني وعليّ عن يساري وجبرئيل يخبرني بالأحداث التي تكون من بعدي، وأمرني أن أوصي بذلك عليّا وهو في بشارة المصطفى ( ٥٨، ٥٩ ).

وفي تذكرة الخواص (١٠٩) قال: ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام ما يلقى من بعده، قال: فبكى عليّ.

وفي شرح النهج ( ج ٢؛ ٢٨٨ ) قال عليّعليه‌السلام : إنّ خليلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرني بالمتمرّدين عليّ من الرجال والمتمرّدات من النساء إلى أن تقوم الساعة. وانظر الفتوح ( ج ١؛ ٤٨٣ ) وقول عليّعليه‌السلام : وقد أخبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بكلّ متمرّد عليّ.

وفي تفسير القمّي ( ج ٢؛ ٦١ ) عن مروان، عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى ) (١) ، قال: نحن والله أولو النهى، فقلت: جعلت فداك وما معنى « أولي النّهى »؟ قال: ما أخبر الله به رسوله ممّا يكون بعده من ادّعاء فلان الخلافة والقيام بها،

__________________

(١) طه؛ ١٢٨

٢٣٩

والآخر من بعده، والثالث من بعدهما وبني أميّة، فأخبر رسول الله، وكان كما أخبر الله به نبيّه، وكما أخبر رسول الله عليّا، وكما انتهى إلينا من عليّعليه‌السلام فيما يكون من بعده من الملك في بني أميّة وغيرهم. ومثله في بصائر الدرجات: ٥٣٨.

وفي الخصال ( ٥٧٢ - ٥٨٠ ) فيه ذكر فضائل لعليعليه‌السلام ، وفيها قولهعليه‌السلام : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعثني ودعا لي بدعوات وأطلعني على ما يجري بعده، فحزن لذلك بعض أصحابه، وقالوا: لو قدر محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجعل ابن عمّه نبيّا لجعله، فشرّفني الله بالاطّلاع على ذلك على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي كتاب سليم بن قيس: ١١٩ قال عليّعليه‌السلام لعبد الله بن عمر: فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرني بكلّ ما قال [ أي عمر ] لك وقلت له، قال ابن عمر: ومتى أخبرك؟ قالعليه‌السلام : أخبرني في حياته ...

وعن كتاب سليم بن قيس: ١٩٢ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال في حديث: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبرني أنّه رأى على منبره اثني عشر رجلا أئمّة ضلال من قريش، يصعدون على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وينزلون على صورة القردة، يردّون أمّته على أدبارهم عن الصراط المستقيم، اللهم قد أخبرني بأسمائهم رجلا رجلا وكم يملك كلّ واحد منهم ...

هذا، ويدلّ عليه ما سيأتي من أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله علّم عليّاعليه‌السلام كلّ ما علمه هوصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مضافا إلى ما ورد من أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دفع إلى عليّعليه‌السلام صحيفتين في إحداهما أسماء أهل الجنّة أصحاب اليمين، وفي الأخرى أسماء أصحاب النار أصحاب الشمال. وحسبك في ذلك ما في بصائر الدرجات ( ٢١٠ - ٢١٢ ) وفيه ستة أحاديث، وانظر كتاب اليقين (٤٥٢) ونقل ابن شهرآشوب في المناقب ( ج ١؛ ٢٥٣ ) في صفات الأئمّة عن أخبار الإماميّة: « ويكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة ».

هذا، مضافا إلى ما ورد من أنّهمعليهم‌السلام يعرفون الرجل إذا رأوه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق. انظر بصائر الدرجات (٣٠٨) وفيه ستّة أحاديث في ذلك.

وقد نزل الأمر بكتمان ذلك السرّ من الله سبحانه وتعالى، ففي الكافي ( ج ٨؛ ٣٨٠ )

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

العبادة بمعناها الكامل الشامل الدقيق، وهو تطبيق العدل الكامل على الفرد والمجموع، المـُتمثِّل بتفاصيل أوامر الله ونواهيه وإرشاداته بدقائقها على كل الخليقة: الإنس والجن.

وقد عرفنا - فيما يخصُّ الإنس أو البشرية - أنَّها عاشت حقباً طويلاً من الدهر في التخطيط التربوي العام لها؛ لأجل تحقيق شرائط هذا الهدف وإيجاد المستوى اللائق به في المجتمع البشري.

وكان القائد الكبير المذخور لتحقيق هذا الهدف الكبير، هو الإمام المهدي الموعود عليه السلام، وهو الذي بشَّرت به الأديان ونادى به الإسلام، باعتبار أنَّ كلَّ الأديان السماوية - بما فيها الإسلام - إنَّما كانت واقعة في طريق ذلك الهدف الكبير، ومن ثمَّ لتحقيق شرائط قيادة المهدي (ع) ووجود دولته العالمية.

ومن ثَمَّ يتَّضح - بجلاء - أنَّ عمل المهدي (ع) وقيادته وأهدافه في البشرية هي الأهداف التي أرادها الله تعالى لخليقته من حين وجودها، وهي نتيجة جهود الأنبياء والأولياء والصالحين جميعاً، وهي تطبيق العدل الكامل والعبادة المحضة في ربوع المجتمع الإنساني (الإنس) كلهم، على ما نطقت به الآية الكريمة.

ولا يمكن أن يكون هذا الهدف ضيِّقاً أو مُقتصراً على قوم دون قوم، أو مجتمع أو دولة دون دولة... فإنَّ نسبة البشرية إلى الخالق الحكيم وإلى الأهداف التي توخَّاها في خليقته، نسبة واحدة متساوية.

إذن؛ فالهدف يجب أن يكون عامَّاً شاملاً، وبشرياً بكل ما في هذه الكلمة من سعة وشمول.

إذن؛ فمن الطبيعي أن نفهم من الآية الكريمة نفسها: أنَّ دولة الإمام المهدي (ع) ستكون شاملة للإنس كلِّهم وللمـُجتمع والبشرية كلِّها.

ولسنا الآن في حاجة إلى إعطاء التفاصيل لهذا التخطيط العام، بعد الذي عرفه قارئ الموسوعة، وما سوف يأتي في الكتاب الآتي تفصيل عميق لهذا التخطيط.

الجهة الثالثة: في إعطاء بعض الملحوظات التي تُساعد على فَهْم الروايات السابقة.

الملحوظة الأُولى: روايات القسم الأول التي سمعنا، صريحة في عالمية الدولة المهدوية، كقوله: ( وليُبلِغنَّ دين محمد (ص) ما بلغ الليل والنهار، حتى لا يكون شرك على ظهر الأرض،

٣٢١

ولا تبقى قرية إلاَّ نودي فيها بشهادة أن لا إله إلاَّ الله، وأنَّ محمداً رسول الله بُكرة وعشيَّاً ).

والقرية هي كل منطقة مسكونة، وقد ورد في الرواية طبقاً للفهم القرآني حين يقول:( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ ) (١) .

والمقصود من الرواية: أنَّ كل المـُدن على الإطلاق، سوف يُنادى فيها بالأذان الإسلامي المعهود.

وكذلك قوله: ( يبلغ سلطانه المشرق والمغرب ).

وقوله: ( لأُملِّكنهم مشارق الأرض ومغاربها... حتى يُعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي ). إلى غير ذلك.

الملحوظة الثانية: إنَّ عقد المـُقارنة بين سعة مُلك ذي القرنين، وبين سعة حكم المهدي (ع)، إنَّما هو باعتبار أنَّ ذي القرنين أكبر قائد عرفه التاريخ القديم، وسيكون المهدي أكبر قائد يعرفه التاريخ الحديث، وسيبقى الفرق بين هذين القائدين هو الفرق بين العهدين، وما يحتويانه من إمكانيات معنوية ومادِّية.

وليس المراد بهذه المقارنة تشابه المقدار الذي يفتحه المهدي (ع) مع المقدار الذي فتحه ذو القرنين، ليخطر على البال: أنَّ مُلك المهدي لا يزيد على ذلك، ولا يستوعب العالم كله؛ لأنَّ ذا القرنين لم يستوعب بمُلكه العالم كلِّه على أيِّ حال.

إنَّ النصوص التي سمعناها في الملحوظة الأُولى، صريحة في عالمية الدولة العالمية، مضافاً إلى اقتضاء التخطيط الإلهي العام لذلك، فتكون قرينة على أنَّ المراد من التشبيه هو مُجرَّد السعة والشمول دون التحديد.

وليس في الرواية دلالة على الانحصار؛ فإنَّها قالت: ( حتى لا يبقى منهلاً ولا موضعاً وطأه ذو القرنين إلاَّ وطأه )، وهذا صادق مع استيعاب الحُكم المهدوي للعالم، فإنَّ مناطق ( ذي القرنين ) تقع ( ضمن الحُكم المهدوي ) بطبيعة الحال.

فالتحديد المروي يعني أنَّ المهدي (ع) لا يطأ، أي لا يفتح مقداراً أقلَّ من ذلك، بل يفتح هذا المقدار الذي فتحه ذو القرنين، وقد يزيد المهدي (ع) على ذلك بكثير، وليس في الرواية ما يدلُّ على نفي ذلك، فإذا دلَّ على هذه الزيادة دليل كافٍ، كالروايات من القسم الأول والتخطيط العام، كانت عالمية الدولة المهدوية أمراً ثابتاً، بل قطعيَّاً.

____________________

(١) هود: ١١ / ١٠٠

٣٢٢

الملحوظة الثالثة: نصَّت روايات القسم الرابع على أسماء بقاع مُعيَّنة في العالم، يستولي عليها الإمام المهدي (ع) ضمن دولته العالمية، وهي - بلسان كلا الروايتين -: الروم، والصين، والديلم، والتُّرك، والسند، والهند، والقسطنطينية، وكابل شاه، والخزر.

وهذا أكبر استيعاب ممكن لمناطق العالم، بحسب مستوى الفهم العام للمجتمع حال صدور هذه النصوص، الفهم الذي لم يكن ليُساعد على تعداد ما هو أكثر من ذلك.

وفي الحقيقة، أنَّ هذه المناطق إنَّما ذُكرت لإعطاء الانطباع عن سعة فتح الإمام المهدي (ع) ودولته... وسيقت كأمثلة لذلك، لا على وجه التعيين، ومعه فيُمكن استفادة فَهْم الانحصار بهذه المذكورة، وكيف يمكن فَهْم الانحصار مع قيام الدليل القطعي الذي عرفناه على خلافه.

ومن هذه الأمثلة نعرف سعة حكم المهدي (ع) على ذي القرنين، فإنَّ المعروف أنَّ ذا القرنين لم يحكم الصين ولا الروم(١) ، وإنَّما حاربهم، على حين أنَّ المهدي سوف يُسيطر على ذلك سيطرة تامَّة.

والمراد بالروم في الرواية، طبقاً للفهم المـُعاصر لصدورها، معناه الشامل للإفرنج كلِّهم، أعني أوروبا عموماً، وقد يشمل قادة أمريكا أيضاً، لا أنَّهم من عنصر بشري مُشابه، أي أنَّهم من الإفرنج بالمعنى العام.

والمراد بالصين المنطقة المعروفة في شرق آسيا... الشاملة للقسم المحكوم للشيوعيين اليوم، والقسم المحكوم لأمريكا وللصين الوطنية، والشامل لليابان أيضاً.

والمراد بالديلم أو جبال الديلم، المناطق التي تقع الآن في ( جنوب الاتِّحاد السوفيتي )، والتي تحتوي على أكثرية مسلمة، فإنَّ نسبة الديالمة في التاريخ إلى تلك المنطقة، وقد تُسمَّى بمنطقة ما وراء النهر في بعض التواريخ.

وأمَّا الهند فمعروفة، إلاَّ أنَّ المقصود منها ما يشمل باكستان أيضاً؛ لكونهم ممَّا يصدق عليهم اسم الهند لغةً بطبيعة الحال.

وأمَّا السند، فالمراد به ما يُسمَّى اليوم بجنوب شرقي آسيا، بما فيها أندونيسيا وفيتنام ولاوس وغيرها.

والمراد بالقسطنطينية، مدينة استانبول، التي هي الجزء الأوروبي من تركيا، وهي

____________________

(١) أعني الجزء الغربي من أوروبا، فإنَّ الجزء الشرقي منها دخل تحت حُكم ذي القرنين.

٣٢٣

ترد - عادة - في لسان الروايات كأقوى مدينة في العالم القديم، بحيث يكون فتحها نقطة استراتيجية مُهمَّة في حركة القيادة العالمية، وإنَّما تكتسب أهمِّيتها باعتبارها إحدى المداخل الرئيسية لأوروبا الشرقية.

ومن هذا المنطلق، ورد التبشير في الروايات بشمول الفتح الإسلامي للقسطنطينية، وبات مُنتظَراً عدَّة قرون، حتى تحقَّق على يد ( العثمانيين )، وبذلك اكتسبوا أهمِّية كبيرة بصفتهم المـُطبِّقين لذلك التبشير الإسلامي، وقد عرضنا ذلك في التاريخ السابق(١) ، وسيفتحها المهدي (ع) مرَّة أُخرى.

وكابل شاه، هي عاصمة مملكة الأفغان الحالية، وفتحها يعني فتح المنطقة كلِّها بطبيعة الحال، وشُهرتها على (كابل)، وأُضيفت إلى الشاه إمَّا باعتبار أنَّها الاسم القديم لها، أو باعتبار عاصمة دولة ملكية... والشاه هو الملك عندهم.

والخزر، هو المنطقة المجاورة لبحر الخزر، المعروف ببحر قزوين من الشمال... الذي يحكم أغلب شواطئه الآن دولة الاتِّحاد السوفيتي، وقد اختصَّت إيران بقسم من شواطئه الجنوبية.

ومن هنا؛ نعرف أنَّ هذه المناطق شاملة لكل العالم المعروف، أو المسكون في عصر صدور هذه الروايات، ولم يكن من المعقول التصريح بما يزيد عليه، فإنَّه يكون مُخالفاً للمستوى الثقافي والعقلي للسامعين في ذلك العصر.

وهو يكاد يستوعب كل قارَّة أروربا وآسيا، وقد يشمل - بشكل وآخر - أمريكا الشمالية أيضاً.

وقد سكتت هاتان الروايتان عن أفريقيا وإستراليا وأمريكا الجنوبية والقطبين؛ لما قلناه: من أنَّ تسميتها كانت غير مناسبة مع مستوى السامعين.

وهذا صادق في غير الشمال الإفريقي (بالمعنى الشامل لمصر)، والحبشة (بالمعنى الشامل للسودان والصومال أيضاً)؛ فإنَّه كان معروفاً للمجتمع يومئذ؛ فيكون دليل شمول الحُكم المهدوي لها ثابتاً بالقسم الأول من الروايات ودلالة التخطيط العام.

وإذا نظرنا إلى هذه البلاد المذكورة من زاوية حالها الحاضر، أمكننا أن نعرف كيف أنَّها تحتوي على مناطق إفرنجية رأسمالية صرفة، وعلى مناطق شيوعية صرفة، وعلى مناطق مُستعمرة للشرق الشيوعي... ممَّا يؤكِّد ما قلنا

____________________

(١) ص٥٦٢ وما بعدها.

٣٢٤

عن استقلال أيديولوجية المهدي (ع) عن هذه الأيديولوجيات السائدة في عصر الغيبة.

ويؤكِّد - بكل وضوح - أنَّ المهدي (ع) سوف يأتي مُحارباً للمادِّية بكل أشكالها وأحوالها، وللفساد القانوني والأخلاقي بكل عناوينه وشعاراته.

وهو أيضاً يؤكِّد - في نفس الوقت - مقدار القوى التي ستُقابل المهدي (ع) في هذا العالم وأهمِّية العمل القيادي الذي سوف يتكفَّله، وهذا ما سنعرفه في الفصل الآتي وفي ضمانات النصر.

فإنَّ المـُهمَّ بعد الآن، هو أن نعرف بوضوح كيفيَّة حصول المهدي (ع) على هذا الهدف الضخم، الذي لم يسبق له الوجود في تاريخ البشرية كلها، وما هي ضمانات الانتصار في هذا الهدف.

٣٢٥

٣٢٦

الفصل الثالث

ضمانات انتصار المهدي (ع)

ونريد بهذه الأسباب التي تتوفَّر للإمام المهدي (ع) حين ظهوره، فتوجب له تحقُّق النصر الأكيد السريع، الذي يسيطر به على كل المجموعة البشرية.

وهي لا شكَّ ضمانات أكيدة وشديدة وواسعة، يوفِّرها الله تعالى للمهدي (ع)؛ لكي تكون بمجموعها سبباً لإنجاز هذا القائد العظيم الهدفَ الأسمى من وجود البشرية.

تمهيد:

قد يخطر في الذهن: أنَّه لا حاجة إلى البحث عن الضمانات وتفاصيلها، بعد أن كنَّا نعلم أنَّ إرادة الله هي الضمان الوحيد لنصر الإمام المهدي (ع)، الذي جعله القائد الكبير لتطبيق الهدف الكبير والقيام بدولة الحق في آخر الزمان.

وجواب ذلك: أنَّ إرادة الله عزَّ وجلَّ هي الضمان الوحيد للنصر، وهذا صحيح بكل تأكيد، ولا يوازيها أيُّ عامل آخر.

ولكنَّ هذا لا ينافي البحث عن الطريقة التي يريد بها الله تعالى نصر مهديِّه الموعود، في حدود الإثباتات والأدلة المـُتوفِّرة، فإنَّ الأسلوب الذي يريده الله تعالى أسلوباً لانتصار المهدي (ع)، يُحتمل فيه عدَّة أُطروحات.

الأُطروحة الأُولى: الانتصار بالطريقة الإعجازية الكاملة.

وهي الأُطروحة التي يذهب إليها الفكر التقليدي لدى المسلمين؛ ولذا استنتجوا:

٣٢٧

أنَّ الإمام ( عليه السلام ) يحصل على الأسلحة بطريق المعجزة، وأنَّ الأسلحة لا تعمل ضدَّ جيشه، وأنَّ الأعداء لا يمكنهم الكيد ضدَّه، بمعنى أنَّهم سوف يُصرَفون ذهنياً عن استنتاج الطرق العسكرية أو الاجتماعية المؤثِّرة ضدَّ الكيان المهدوي.

غير أنَّنا نأسف لعدم إمكان الالتزام بهذه الأُطروحة؛ لأنَّ الدليل الصحيح القطعي قائم على دحضها وتفنيدها، فإنَّها تواجه عدَّة اعتراضات مُهمَّة نذكر منها ما يلي:

الاعتراض الأول: لو كان الإعجاز طريقاً صحيحاً للدعوة الإلهية، لأمكن للمهدي (ع) خلال غيبته الصغرى السيطرة الكاملة على العالم، بالرغم من جبروت العباسيين والفرس والروم يومئذ، فيملؤها قسطاً وعدلاً بعد أن مُلِئت ظلماً وجوراً، بل لأمكن لنبي الإسلام (ص) – وهو خير البشر – تحقيق هذا الهدف، ولما احتاج إلى بذل الجهود المـُضاعفة في نشر الهدى والعدل، ومقاتلة المشركين، ولما انتهى الأمر إلى مقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأهله وأصحابه في سبيل الهدى والعدل، في واقعة كربلاء الدامية المعروفة.

وإذا أمكن إنجاز الهدف البشري الكبير في وقت أسرع، كان تأخيره ظلماً للبشر، والظلم غير ممكن من الحكمة الإلهية الأزلية؛ فيجب تقديم الموعد بمقدار الإمكان.

والسرُّ الأساسي في هذا التأجيل ما عرضناه مُفصَّلاً في التاريخ السابق(١) ، من أنَّ طريق الدعوة الإلهية لا يقوم على المعجزات؛ لأنَّ الهدى والعدل الناتج عن المعجزات أقلُّ وأضحل من الهدى والعدل الناتج عن طرقه الطبيعية؛ ومن هنا كانت كل نتيجة يمكن تحقيقها بالطرق الطبيعية، فإنَّها لا توجد عن طريق المعجزة، بل يوكَل أمرها إلى تلك الطرق مهما طال بها الزمن، لا يُستثنى من ذلك إلاَّ قيام المـُعجزة عند انحصار السبب بها انحصاراً مطلقاً.

وحيث كان الهدف البشري العام الموعود، يمكن إيجاده بالطرق الطبيعية، وكانت هذه الطرق تحتاج في فعالياتها إلى طول الزمان - كما سبق أن عرضناه هناك - إذن؛ فقد تعيَّن تأجيل الموعد إلى حين وجوده بالسبب الطبيعي.

ولمَّا عرفنا من ذلك، بنحو القاعدة العامة، أنَّ طريق الدعوة الإلهية، ليس بطريق إعجازي، فهذا لا يختلف فيه الحال ما بين عصور ما قبل الظهور، وعصور ما بعده. أو

____________________

(١) ٢٤٤ وما بعدها إلى عدَّة صفحات.

٣٢٨

بتعبير آخر: لا يختلف فيه الحال بين المـُقدِّمات البعيدة لإنجاز الهدف البشري، أو المـُقدِّمات القريبة منه، أو عصر ما بعد انجازه، فإنَّ سنَّة الله تعالى في خلقه لا تختلف على كلِّ حال.

ومن هنا لا يمكن الالتزام بأنَّ سيطرة المهدي (ع) على العالم تكون بطريق إعجازي مطلق.

الاعتراض الثاني: أنَّ افتراض الإعجاز في انتصار الإمام المهدي (ع) على العالم، ممَّا تنفيه أعداد كبيرة من الأخبار:

أولاً: الأخبار الدالَّة على أنَّ أصحابه الخاصة ثلاثمئة وثلاثة عشر؛ إذ مع المعجزة لا حاجة إلى أيِّ واحد منهم.

ثانياً: الأخبار الدالَّة على أنَّه يخرج من مكَّة بعشرة آلاف... إذ مع المعجزة أمكن أن يخرج بعشرة ملايين.

ثالثاً: الأخبار الدالَّة على سفره من مكَّة إلى الكوفة، إذ بالمعجزة يمكن الوصول إلى الكوفة فوراً.

رابعاً: الأخبار الدالَّة على إلقاء خُطبته في مكَّة، وإلقاء خطاب آخر بالكوفة؛ إذ يمكن بالإعجاز إيصال هذه المعاني إلى أذهان الناس بدون كلام!

خامساً: الأخبار الدالَّة على مقاتلته للسفياني، وقتله إيَّاه؛ إذ مع المعجزة تكون الحاجة إلى هذا الجهد مُنتفية.

سادساً: الأخبار الدالَّة على أنَّ المهدي (ع) يقتل المـُنحرفين بكثرة، يضع السيف فيهم ثمانية أشهُر بدون انقطاع - كما سيأتي - وهذا لا حاجة له مع إمكان إنجاز ذلك بالمعجزة بين عشيَّة وضحاها، أو طَرفة عين.

بل أنَّ نفس ظهور المهدي (ع) ممَّا لا حاجة إليه، لو آمنا بتأثير المعجزة إيماناً مطلقاً؛ إذ يمكن له إصلاح العالم، في حال غيبته، بل في نفس وجود المهدي (ع) يبقى أمراً مُستأنفاً، إذ يمكن لله أن يُصلح العالم بدون قائد ولا قيادة ولا حروب، قال الله تعالى:( ... وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً... ) (١) .

( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) (٢) .

____________________

(١) يونس ١٠/٩٩

(٢) الأنعام ٦/ ١٤٩

٣٢٩

فكل ما دلَّ على وجود الإمام المهدي (ع) وعلى ظهوره، يُنافي مع فكرة الإعجاز المطلق.

إذن؛ فالأُطروحة الأُولى قطعيَّة البطلان.

الأُطروحة الثانية: إنَّ الله تعالى يريد نصر الإمام المهدي (ع) على حدِّ إرادته لسائر الأشياء في الكون، بمعنى أن يوكِل الله انتصاره إلى القوانين الطبيعية إيكالاً كاملاً، بدون أيِّ زيادة أو رتوش من تأييد أو تخطيط.

وهذه الأُطروحة أيضاً لا يمكن الالتزام بصدقها صدقاً كاملاً، بالرغم من صحَّة القول: بأنَّ السير على طبق القوانين الكونية هو الأسلوب (العام) في عمل المهدي (ع)، غير أنَّ التمحُّض في ذلك، ونفي التأييد والتخطيط الإلهيين يواجه عدَّة اعتراضات.

الاعتراض الأول: أنَّ التاريخ السابق على الظهور الذي دلَّنا عليه التخطيط الإلهي العام، دالٌّ بوضوح على وجود العناية والتأييد الخاصَّين بالمهدي (ع ) ويومه الموعود.

فهناك التخطيط لإيجاد الشرط الأول من شرائط اليوم الموعود، التي عرفناها في التاريخ السابق(١) ، وهو جود الأُطروحة العادلة الكاملة معروفة بين الناس، وقد تمَّ هذا التخطيط ووجِدت الأُطروحة مُتمثِّلة بالإسلام كما عرفنا هناك.

وهناك التخطيط لإيجاد الشرط الثالث، وهو العدد الكافي لغزو العالم بالعدل... الذي عرفنا أنَّ التمحيص، ومرور البشرية في ظروف الظلم والتعسُّف ردهاً طويلاً من الزمن من أهمِّ أسبابه.

وهناك التخطيط لإيجاد الشرط الثاني، وهو صفة القيادة العالمية المـُثلى، مُتمثِّلة بشخص الإمام المهدي (ع)... الأمر الذي عرفنا للغيبة الطويلة - أعني لطول العمر - دخلاً كبيراً في التسبُّب إليه.

وهناك التخطيط بإيجاد الغيبة نفسها، التي كان لا بد أن يقترن طول العمر بها حفاظاً على القائد المذخور ليوم العدل الموعود.

وهناك علامات الظهور القريبة، التي سمعناها في هذا التاريخ، وأهمُّها الخسف والخسوف والكسوف في غير أوانه، وهي علامات إعجازية.

____________________

(١) تاريخ الغيبة الكبرى: ص٢٦١ وما بعدها

٣٣٠

وقد يخطر في الذهن: أنَّ أكثر هذه الأمور التي عرضناها هي - في واقعها - أمور (طبيعية) تحدث طبقاً للقوانين العامة في الكون، وليست إعجازية، حتى (الغيبة) طبقاً للفهم الذي رجَّحناه في التاريخ السابق(١) ، وهو ( أُطروحة خفاء العنوان )، فلا تكون هذه الأمور دالَّة على وجود العناية والتأييد الإلهيين.

وجواب ذلك: أنَّها أمور (طبيعية) بكل تأكيد، ولكنَّها تدلُّ على العناية والتأييد، بكل تأكيد أيضاً، فإنَّ القوانين الكونية بوجودها الخالص، لا تقتضي هذه الأمور اقتضاء ضرورياً، لتكون هذه الأمور (طبيعية) خالصة، بل هي محتاجة إلى التخطيط المـُتعمد المرتَّب.

وكان السبب في هذا التخطيط المتعمد - كما عرفنا هناك وكما سيأتي مزيد البرهان عليه في الكتاب القادم... - هو التسبيب لأجل إيجاد الغاية التي خلق الكون والبشرية خصوصاً من أجلها، وهو الكمال الفائق أو العبادة الخالصة.

وإرادة الخالق وقدرته، يمكنها أن تعطف اتجاه القوانين الكونية إلى حيث تريد، من دون أن تتغيَّر قوانينها ودقَّتها، فقد عطفتها باتجاه إيجاد الغاية من الخلق؛ ومن هنا وجِدت فكرة التخطيط المـُتعمد المرتَّب.

إذن؛ فهذه الأمور (طبيعية)، وهي في نفس الوقت تدلُّ على العناية والتأييد الإلهيين.

الاعتراض الثاني: إنَّ التاريخ اللاحق للظهور، الذي دلَّت عليه الروايات التي سمعناها والتي سنسمعها، يتضمَّن - بوضوح - العناية والتأييد الإلهيين.

فمن ذلك: اجتماع أصحاب الإمام المهدي (ع) عند أول ظهوره، وتتابعهم في الوصول إليه بعد ذلك، وهم يصلون بطريق (طبيعي)، ولكنَّ تركيز عواطفهم باتجاه نصر المهدي (ع) وتأييده... لطف وعناية، ناتج عن التخطيط العام السابق على الظهور.

ومنه: كون المهدي (ع) مُنتصراً في كل حروبه، ضدَّ أيِّ عدوٍّ، عظيماً كان أو حقيراً.

ومنه: ما سنسمعه من نُصرة الملائكة للمهدي (ع)، وقد وردت في ذلك روايات عديدة سنرويها.

____________________

(١) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص٣٤ وما بعدها.

٣٣١

ومنه: سيطرته على العالم كله، وهو هدف لم يتحقَّق على يد أيِّ قائد سابق، ظالماً كان أو عادلاً.

ومنه: تجاوب (الطبيعة) مع العدل الساري في دولته، بالمعنى الذي سنذكره.

وغير ذلك من النقاط التي تدلُّ - بوضوح - على العناية والتأييد، ممَّا ذكرنا وسنذكر إثباتاته الكافية... وبعضها ترقى إلى رتبة اليقين لكل مؤمن بفكرة المهدي أساساً.

ومعه؛ فالأُطروحة الثانية القائلة بإيكال أمر الإمام المهدي (ع) إلى القوانين الكونية إيكالاً كاملاً... لا يمكن أن تكون صحيحة.

الأُطروحة الثالثة: وهي المـُتعيِّنة بعد نفي الأُطروحتين السالفتين:

إنَّ الإمام المهدي (ع) ينتصر طبقاً للطريق (الطبيعي)، ولا يمكن أن تكون المعجزة سبباً قهريَّاً لانتصاره، غير أنَّ هذا الطريق (الطبيعي) مُطعَّم بالتأييد الجزئي وغير القهري من قِبل الله عزَّ وجلَّ؛ باعتبار أنَّ دولة الإمام المهدي (ع) هي النتيجة الكبرى لوجود البشرية وجهودها وتضحياتها.

تماماً كما أيَّد الله نبيه (ص)... وأوضح أشكال هذا التأييد الذي لا يمكن أن يُنكره مُنكر، هو وصول الجيش الإسلامي القليل العدد والعدَّة، إلى مناطق شاسعة من الكُرة الأرضية في أقلِّ من نصف قرن، ولازال الإسلام - بالرغم من تكالب الجهود الدولية على طمسه والإجهاز عليه - باقياً في توسُّع وانتشار، وإن كان أبطأ من السابق بطبيعة الحال.

هذا، إن صرفنا النظر عن انتصار النبي (ص) في كل حروبه، وتأييده بالملائكة، وبالقرآن الكريم، ولماذا نصرف النظر عن ذلك؟!

وبعد هذا التمهيد، لابدَّ لنا من التعرُّض إلى صُلْب الموضوع في هذا الفصل، وهو عرض أسباب أو ضمانات النصر للإمام المهدي (ع)... تلك الضمانات التي تُهيِّئ له البيئة المناسبة لسرعة وسهولة سيطرته على العالم بالعدل، بالرغم من أهمِّية هذه المـُهمَّة وجسامة مسؤولياتها، وأمَّا كيفيَّة وأساليب الخطط العسكرية والمفاهيم الفكرية التي يستعملها المهدي (ع) خلال عمله، فهذا ممَّا لا يمكن الاطِّلاع عليه إلاَّ للفرد المـُعاصر لذلك الزمن... سوى بعض الأمور القليلة التي سنذكرها بعد ذلك.

وهذه الضمانات يرتبط بعضها بالتخطيط العام للعصر السابق على الظهور، بمعنى أنَّها

٣٣٢

من نتائجه بشكل وآخر.

وبعضها راجع إلى تخطيط خاص مُتَّخذ يومئذ لكي يوصل إلى نتائج مُعيَّنة؛ ومن هنا لا بد من وقوع الحديث في قسمين من الضمانات:

القسم الأول: الضمانات الناتجة عن التخطيط العام السابق على الظهور:

وهي ضمانات عديدة، أكثرها منصوص في الروايات بوضوح:

الضمان الأول: فشل الأنظمة السابقة على الظهور، واتضاح زيفها وظلمها لدى الناس

فقد قلنا في تاريخ الغيبة الكبرى(١) : إنَّ من جملة النتائج التي يتمخَّض عنها التخطيط العام السابق على الظهور، هو مرور كل المبادئ التي تدَّعي لنفسها حلَّ مشاكل البشرية وتذليل مصاعبها... بتجارب طويلة الأمد، ينكشف في نهاية المطاف زيفها، وجهات القصور والنقص والظلم فيها... ذلك النقص الذي تتضمَّنه بالضرورة؛ باعتبارها بنت العقل البشري القاصر، المـُقيَّد في حدود العاطفة والزمان والمكان، هذا النقص الذي لا يبرز للعيان بعد التجربة والامتحان.

وتمرُّ المبادئ في خضمِّ التجارب - واحدة بعد الأُخرى - أمام الرأي العام العلمي، وبمرأى ومسمع من الجميع، الصديق والعدوِّ، والموافق والمـُخالف... حتى يظهر زيفها وظلمها، ومخالفتها للمصالح العامة والخاصة، أمَّا الجميع وهذا ما نعيشه فعلاً بتاريخنا الحاضر، الذي كشف لرأي العام العالمي عن عدد من المبادئ التي تدَّعي حلَّ مشاكل العالم.

وإذا تهاوت كل التجارب على صخرة الواقع، يحدث عند البشر عموماً يأس نفسي قاتل من المبادئ المعروضة كلها، وإحساس عميق بأنَّها غير قابلة لرفع المظالم عن كاهل البشرية، وإبدالها بالسعادة والرفاه، لكنَّ خيط الخير وومضة النور، تبقى تعتمل في صدور الناس بشكل غامض عميق الغموض، إنَّ خيط الأمل بالسعادة سوف لن ينقطع.

وينبعث أمل غامض بأنَّ هناك مبدأً مجهولاً عادلاً، يمكن أن يضمن للبشرية سعادتها ورفع المشاكل من ساحتها، ويزداد الأمل أصالة ووضوحاً كلَّما ازداد الإحساس بفشل المبادئ المعروضة في العالم.

لا يختلف في هذا الأمل، مؤمن عن كافر... فإن الكل يحسون بالظلم وإن كانوا

____________________

(١) ص٢٨٨وما بعدها.

٣٣٣

مُشاركين في إيجاده، وكلُّهم يشعرون بمرارته وقساوته، كما أنَّ الجميع سيعرفون فشل المبادئ المعروضة لحلِّ مشاكلهم، وأنَّها إنَّما أضافت إلى الظلم ظلماً، وإلى المشاكل مشاكل.

فتنعكس هذه الأحاسيس على شكل تصوُّر لا شعوري مُجمل، يتضمَّن انبثاق المبدأ المؤهَّل لإيجاد السعادة في يوم من الأيام، ويُصبح البشر على العموم في حال انتظار غامض لهذا الغد السعيد المنشود... تماماً كما ينتظر المؤمن ظهور المهدي (ع) انتظاراً واضحاً.

وانطلاقاً من هذه الزاوية بالذات، سوف يتلهَّف الناس ويلتفتون بكل إخلاص يملكونه، ومَن منهم لا يُخلص لمصلحته وسعادته؟!.. إلى أول صوت صريح يدَّعي وجود حلٍّ جديد لمشاكل البشرية، وسبب جديد لنشر السعادة في ربوعها.

سيقول المؤمن: هذا هو أملي الذي كنت أعرفه، وانتظره بوعي ووضوح.

وسيقول الكافر: هذه تجربة خيِّرة البوادر، لعلَّها تُنقذ البشرية وتُحقِّق آمالها المنشود، وسيقول المهدي (ع): أنا المـُصلح المـُنتظَر. فيُجيبه العالم: أنت المـُصلح المـُنتظر...!

وهذا ليس بدعاً من الأمر... بعد أن اعتادت البشرية أن تستقبل كل مبدأ جديد يريد حلَّ مشاكل العالم، بصدر رحب وحُسن نيَّة، لعلَّه هو الذي يكون المبدأ المنشود الذي يُحالفه التوفيق لإنجاز الغد السعيد... وحين تبوء تجاربه بالفشل، تستقبل المبدأ الآخر بصدر رحب أيضاً، فما سيكون حالها حين تفشل كل التجارب المعروضة والأُطروحات المـُحتملة، إنَّ يأسها من هذه الأُطروحات سوف يتركَّز، وأملها بالغد السعيد سوف يتَّضح، وصدرها تجاه المبدأ الجديد والأُطروحة الجديدة سيكون أرحب وحسب ظنِّها أكثر.

تلك هي الأُطروحة العادلة الكاملة، التي سيجدها الناس لأول وهلة فوقاً شاسعة بينها وبين أيِّ واحد من المبادئ السابقة الفاشلة، الأمر الذي يجعل الأمل في نجاحها في إنجاز الغد السعيد المأمول، واضحاً ومنطقياً أكثر من أيِّ مبدأ آخر.

ومن هنا، حين يقول القائد المهدي (ع) أنا المـُصلح المـُنتظر. سيُجيبه العالم: أنت المـُصلح المـُنتظر. ومن هنا يتولَّد الضمان الأول لانتصار المهدي (ع).

وهذا ما أشارت إليه الأخبار التي سبق أن روينا قسماً منها في التاريخ السابق(١) .

____________________

(١) ص ٢٨٨ وما بعدها.

٣٣٤

أخرج المفيد في الإرشاد(١) ، والطبرسي في الإعلام(٢) ، عن عقبة، عن أبيه قال: ( إذا قام القائم حَكَم بالعدل... - إلى أن قال: - إنَّ دولتنا آخر الدول، ولم يبقَ أهل بيت لهم دولة إلاَّ ملكوا قبلها؛ لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء وهو قوله تعالى:( ... وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ).

وأخرج الشيخ في الغيبة(٣) ، بسنده عن أبي صادق، عن أبي جعفر (ع)، قال: ( دولتنا آخر الدول )، وساق الحديث.

أقول: وهذا الخبر قرينة على أنَّ القائل في ذلك الخبر هو الإمام الباقر نفسه.

وأخرج النعماني في الغيبة(٤) ، بسنده عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (ع)، أنَّه قال: ( ما يكون هذا الأمر، حتى لا يبقى صنف من الناس إلاَّ وقد ولوا من الناس؛ حتى لا يقول قائل: إنَّا لو ولينا لعدلنا، ثمَّ يقوم القائم بالحق والعدل ).

وهو صريح في مرور المبادئ التي تدَّعي حل مشاكل العالم، بالتجارب واحدة بعد الأُخرى عن طريق تسلُّمها زمام الحكم في منطقة من العالم، صغيرة أو كبيرة، وستفشل لا محالة فيما تدَّعيه، وسيسود بدل العدل المطلوب الظلم والفساد في مناطقها المحكومة لها؛ ومن هنا لا تستطيع أن تدَّعي عند قيام حكم المهدي (ع) ونظامه العادل: أنَّنا ( إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء )، أو تقول: ( إنَّا لو ولينا لعدلنا )؛ لأنَّ مثل هذا الادِّعاء سوف يكون مُعرَّىً عن الصحَّة أمام الجميع، بعد أن أثبتت التجارب بمرأى ومسمع من الرأي العالمي فشلها وزيفها، فيُقال لهم بوضوح: إنَّكم باشرتم الحُكم، ولم تسيروا بمثل هذه السيرة العادلة، ولو كان عندكم رأي أو اتجاه أعمق ممَّا مارستموه خلال حُكمكم، لظهر يومئذ لا محالة.

ويُقال للرأي العام: إنَّكم جرَّبتم هذه المبادئ، وعشتم قساوتها وظلمها، وأملتم زوالها

____________________

(١) ص٣٤٤.

(٢) إعلام الورى ص٤٣٢.

(٣) ص٢٨٢.

(٤) ص١٤٦.

٣٣٥

وتبدُّلها إلى العدل، فها هو العدل قد جاء ليُخرجكم من الظلمات إلى النور، ويهديكم إلى الصراط المستقيم.

وهذا هو قول الله تعالى:( ... وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (١) .

أي أنَّ نهاية المطاف في التخطيط العام للبشرية، هو حكم المـُتَّقين الأخيار حملة العدل الكامل والعبادة الخالصة إلى الناس.

الضمان الثاني: ضعف الدول السابقة على الظهور، والتي ستُصبح مُعاصرة له في أول تحقُّقه.

فإنَّه قد يخطر في الذهن: استبعاد انتصار الإمام المهدي (ع) أمام قوى الشرِّ الكبرى في العالم، المـُتمثِّلة في الدول الكبرى والمجموعات الدولية والأحلاف الدولية... وأمام الأسلحة الرهيبة التي يكفي بعضها القليل لهلاك كل البشر، فضلاً عن الكثير، والتي يمكن بها التعرُّف على أيِّ شكل من أشكال التحرُّك لأيِّ جيش أو جهة، أينما كان في الكرة الأرضية... لأجل التوصُّل إلى ضربه وتحطيمه.

وهذا الاستبعاد يمكن نقده بأيِّ ضمان من هذه الضمانات التي نحن بصددها الآن لانتصار المهدي (ع)، ولكن بغضِّ النظر عن أيِّ ضمان، يمكن أن يكون هذا الضمان الثاني جواباً مُستقلاَّ ًمُتكاملاً عن هذا الإيراد.

وهو أنَّنا يمكن أن نعرض (أُطروحة) مُعيَّنة مُحتملة - على أقلِّ تقدير - نجمع حولها المثبتات والقرائن، بما فيها بعض الروايات الواردة، نعرضها لكي نقول فيها: إنَّ قوى الشرِّ الكبرى والأسلحة الحديثة الفتاكة، سوف لن تبقى إلى عصر الظهور، لكي يتسنَّى لذويها استعمالها ضدَّ الإمام المهدي (ع)، بل سيُكتب لهذه الأسلحة الزوال بشكل من الأشكال.

وذلك انطلاقاً من مُنطلقات نذكر منها اثنين رئيسين:

المنطلق الأول: أن نتصوَّر أنَّ اتِّفاقية عامة تقع بين الدول المـُهمَّة في العالم، بمنع استعمال الأسلحة الإستراتيجية الفتاكة، كالقنابل الذرِّية، والصواريخ الموجَّهة، وبعض

____________________

(١) الأعراف: ١٢٨ وانظر: القصص: ٢٨ / ٨٣

٣٣٦

أنواع الطائرات والدبَّابات والبوارج المـُتطوِّرة الصُّنع... ونحو ذلك ممَّا يوجب الدمار العام... ومنع صنعها وبيعها.. والاتِّفاق على إتلاف هذه الأسلحة ممَّن كانت لديه، وفرض رقابة دولية مُشدَّدة على ذلك.

فإذا تمَّ تطبيق هذه الاتِّفاقية، لم يبقَ لدى الدول عموماً، إلاَّ السلاح الذي ينفع للاستهلاك المَحلِّي الداخلي، وهو ممَّا لا يمكن أن يواجه حركة مُهمَّة واسعة، كحركة الإمام المهدي (ع).

وقيام الدول في المستقبل غير البعيد، يُمثِّل هذه الاتفاقية، أمر مُحتمل جدَّاً، والاتجاه الدولي العام يسير نحوه بخُطى حثيثة، وخاصة بعد أن منع تفجير الأسلحة النووية جوَّاً، ومنع بيعها للدول غير المالكة لها، واتَّجه التفكير إلى الحدِّ منها في الدول المالكة لها، بل الحدُّ من كل أنواع الأسلحة المـُهمَّة، كما لا يخفى على القارئ المتابع لهذه الأخبار.

ومعه؛ يبقى وجود مثل هذه الاتِّفاقية أمراً قريباً جدَّاً، وكل ما في الأمر أنَّه يحتاج إلى مضيِّ بعض الزمن لأجل نضج الفكرة والاتِّفاق على النقاط الأساسية.

المنطلق الثاني: وهو ثابت على تقدير عدم حصول المنطلق الأول، أعني عدم اتفاق الدول على الحدِّ من الأسلحة، ففي الإمكان القول حينئذ: إنَّ الأسلحة ستتحطَّم في حرب عالمية ساحقة ماحقة مُدمِّرة.

وقد نُقل عن أحد المـُفكِّرين الأوروبيين - أظنُّه برناردشو - أنَّه سُئِل عن نوع الأسلحة التي تُستعمل في الحرب العالمية الثالثة، فقال ما مؤدَّاه: إنَّ هذا ممَّا لا أعلمه، وإنَّما أعلم أنَّه إذا وقعت حرب رابعة، فسوف يكون السلاح فيها هو العصي والحجارة.

وهذا واضح جدَّاً في كون هذا المـُفكِّر مُقتنعاً بأنَّ الحرب العالمية الثالثة، سوف تكون هائلة تذهب بالحضارة والمدنية كلها، لا بالأسلحة فقط، وستكون كل الأطراف المـُشتركة فيها خاسرة وفانية... إلى حدٍّ سوف لن يوجد بعدها إلاَّ أُناس فارغين من الحضارة ومُجرَّدين من السلاح القوي... لا يملكون في الحرب إلاَّ العصي والحجارة.

وهذه الصورة لا تخلو من مُبالغة، إلاَّ أنَّ طبع الحضارة الأوروبية - بكل أشكالها - تتَّجه نحو الحرب لا محالة، ما لم تقم اتِّفاقية من النوع الذي ذكرناه في المنطلق الأول، ولا زال شبح الحرب العالمية ماثلاً، والخوف منها يأكل قلوب الساسة الكبراء في عالم اليوم، فضلاً عن الشعوب الضعيفة.

وإذا حدثت هذه الحرب، فستكون نتيجة للتخطيط العام الذي تمرُّ به البشرية،

٣٣٧

وهذه الدول بالذات، طبقاً لقوله تعالى:( ... حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (١) .

فإنَّ التمحيص كما هو شامل للأفراد، شامل للجماعات والدول أيضاً، وكما يفشل الأفراد في التمحيص كذلك تفشل الدول، وفشلها عبارة عن انعدام الضمير والأخلاق فيها، وتولُّد الأنانية وسوء الظنِّ ببعضها البعض، وبالأفراد والجماعات، الأمر الذي يولِّد على الصعيد الداخلي أقسى أنواع الظلم والتعسُّف، وعلى الصعيد الخارجي الحرب العالمية المـُدمِّرة.

وقد انطبقت الشرائط المذكورة في الآية الكريمة على الحضارة الأوروبية تماماً، فقد( ... أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ... ) ، بأنواع التقدُّم الحضاري والمدني، في مُختلف الحقول الإنسانية واللا إنسانية... و( ... ظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا... ) ، وأنَّهم مُسيطرون على الطبيعة، قادرون على تذليلها لمصالحهم وتوفير سعادتهم، وإذا وجِد هذان الشرطان وجِدت النتيجة الرهيبة:( ... أَتَاهَا أَمْرُنَا... ) ، بالفناء( ... فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ... ) ، كما قال الشاعر:

كأن لم يكن بين الحَجُون إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكَّة سامر

وليس الأمر الإلهي بالفَناء مُنحصراً بالطريقة الإعجازية، بل تشمل النتيجة التي قلناها، وهي أنَّ فشل الدول في التمحيص يولِّد بينها الحرب المـُدمِّرة الماحقة، التي لا تُبقي للدول المـُتحاربة ولا لأسلحتها ولا لكبريائها أيُّ وجود.

والتنبُّؤ بحدوث الحرب المـُدمِّرة قبل الظهور، موجود في الروايات - بشكل أو آخر - مرويَّة من قبل المـُحدِّثين من الفريقين.

أخرج ابن ماجة(٢) ، عن أنس بن مالك عن رسول الله (ص)، في حديث عن أشراط الساعة، وأنَّه قال: ( ويذهب الرجال ويبقى النساء، حتى يكون لخمسين امرأة قيِّم واحد ).

____________________

(١) يونس: ١٠ / ٢٤.

(٢) انظر السُّنن ج ٢ ص ١٣٤٣.

٣٣٨

ومن الواضح أنَّ ذهاب الرجال أو فنائهم، لا يكون لمرض أو فقر أو نحوه، وإلاَّ لشمل النساء أيضاً، وإنَّما يكون نتيجة للحرب خاصة... إذ إنَّ الأعمَّ الأغلب من المـُحاربين هم من الرجال على مرِّ الأجيال.

وأخرج السيوطي في الحاوي(١) ، عن نعيم بن حمَّاد، عن ابن سيرين، قال:لا يخرج المهدي حتى يقتل من كل تسعة سبعة.

وأخرج النعماني(٢) ، بسنده عن زرار قال:لا يكون هذا الأمر حتى يذهب تسعة أعشار الناس.

أقول: والمراد من هذا الأمر: ظهور المهدي (ع).

وأخرج الصدوق في إكمال الدين(٣) ، والمجلسي في البحار(٤) ، عن أبي بصير، ومحمد بن مسلم قال سمعنا أبا عبد الله (ع) يقول: ( لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثُلثا الناس ).

فقيل له: فإذا ذهب ثُلثا الناس فما يبقى؟

فقال (ع): ( أما ترضون أن تكونوا في الثُّلث الباقي ).

وأخرج الشيخ في الغيبة، بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع): ( كان أمير المؤمنين (ع) يقول: لا يزال الناس ينقصون حتى لا يُقال: (الله). فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه... )، الخ الحديث حيث يتحدَّث عن كيفيَّة اجتماع أصحاب القائم المهدي (ع).

وخبر ابن سيرين صريح في أنَّ هذه القِلَّة المـُتزايدة التي تُصيب الناس، إنَّما تكون بالقتل، وهذا القتل الشامل للبشرية كلِّها، لا يكون عادة لظلم ظالم مُعيَّن أو لحروب محلِّية، بل يتعيَّن حصوله بحرب عالمية شاملة قويَّة التأثير.

____________________

(١) ج٢ ص١٤٧.

(٢) ص١٤٦.

(٣) المصدر المحطوط.

(٤) ج١٣ ص١٥٦.

٣٣٩

واختلاف هذه النِّسب المذكورة في الأخبار لقلَّة الناس، دالٌّ على كونها على وجه التقريب لا التحديد.

على أنَّه يمكن الأخذ بأكبر النِّسب، وهو تسع أعشار؛ لأنَّ الأخبار بذهاب الأقلِّ لا ينافي الإخبار عن ذهاب الأكثر... إذا كان الإخبار مربوطاً بقانون( كلِّم الناس على قدر عقولهم ) .

وقد يمكن ضرب هذه الكسور ببعضها و يكون الناتج هو الباقي من الناس.

فلو ضربنا التُّسع الباقي بعد ذهاب تسعة أعشار، بالثلث الباقي بعد ذهاب الثلثين، كان الناتج أنَّ الباقي من البشر واحد من سبع وعشرين.

فلو ضربنا ذلك بالتسعين الباقي بعد ذهاب: من كل تسعة سبعة، كان الناتج واحداً من مئة وأحدى وعشرين تقريباً، يكون هو الباقي من البشر، وهذا الضرب ممكن، إلاَّ أنَّه لا يخلو من استبعاد في الذهن لأوَّل وهلة والله العالم.

ونوكل إلى القارئ القناعة بأيٍّ من هذه النتائج التي عرضناها.

وهذا الهلاك العظيم الواقع على الناس، مهما كانت نسبته، وإن أمكنت له عدَّة تفسيرات، إلاَّ أنَّه لا يكون –عادة - إلاَّ نتيجة للحرب المـُدمِّرة الواسعة الانتشار، فإنَّ الوباء وأشباهه من المـُبيدات، التي لا يستوعب البشرية كلها عادة، ولا يذهب بهذه النسبة العالية من الناس، وخاصة مع المستوى الطبِّي اللائق الموجود في الأزمنة الحديثة.

إذن؛ فالسبب الأهمُّ لذهابهم ليس إلاَّ الحرب العامة.

وعلى أيِّ حال؛ ثبت المنطلق الثاني من الضمان الثاني، وهو تلف الأسلحة بحرب ضروس شاملة، لا تُتلِف الأسلحة فقط، بل الناس أيضاً.

كل ذلك لكي يظهر الإمام المهدي (ع) على أرضية سهلة من البشر، غير قادرة على المقاومة الشديدة عسكرياً ولا فكرياً، ولا تُشكِّل خطراً حقيقياً على الثورة المهدوية؛ لكي تكون سيطرة المهدي (ع) على العالم - بأقصر مدَّة وأقلِّ جُهد أمراً - ممكناً وصحيحاً.

ولا ينبغي أن نتجاوز هذا الموضوع قبل أن نعرض بعض الأسئلة التي قد ترد على الذهن، ونُحاول الجواب عليها.

السؤال الأول: إنَّ الحرب العالمية الرهيبة إذا حدثت، سوف لن يقتصر القتل فيها على الكفرة، بل يعمُّ المسلمين لا محالة؛ ومعه قد يُقتل من أصحاب الإمام المهدي (ع) المـُعدِّين لنُصرته بعد ظهوره جماعة، أو قد يُقتلون كلهم، ومعه يكون الظهور مُتعذِّراً؛ لما عرفناه من أنَّ وجود العدد الكافي من الجُند والقادة لغزو العالم بالعدل أمر ضروري للانتصار

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679