موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)5%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

الجزء ١ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212515 / تحميل: 11107
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

المهدي اسمه اسمي. ويخرج وهو ابن إحدى وخمسين... الحديث إلى غير ذلك من الروايات.

النوع الثاني: الأخبار الدالة على صفاته الجسمية عند ظهوره، وهي كثيرة ومتنوّعة، نذكر منها نماذج كافية:

أخرج أبو داود(١) بإسناده عن أبي سعيد الخدري، قال:

قال رسول الله (ص): ( المهدي منّي: أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً... ) الحديث.

وأخرج ابن الصباغ في الفصول المهمّة(٢) عن أبي أُمامة الباهلي، قال:

قال رسول الله (ص) - في حديث عن المهدي (ع) -: ( كأنّ وجهه كوكب دُرّي، في خدّه الأيمن خالٌ أسود عليه عبايتان قطوانيتان، كأنّه من رجال بني إسرائيل... ) الحديث.

وأخرجه الكنجي في البيان(٣) .

وأخرج الكنجي أيضاً(٤) بإسناده عن عبد الرحمان بن عوف، قال: قال رسول الله: (ص):

( المهدي رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدرّي، اللون لون عربي والجسم جسم إسرائيلي.. ) الحديث.

وأخرج أيضاً(٥) بإسناده عن عبد الرحمان بن عوف، قال: قال رسول الله (ص ):

( ليبعثنّ الله تعالى من عترتي رجلاً: أفرق الثنايا، أجلى الجبهة، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً... ) الحديث.

وفي حديث آخر عن علي بن أبي طاالب (ع) قال:

- في حديث عن المهدي (ع) -: ( كثّ اللحية، أكحل العينين، برّاق

____________________

(١) السنن ج٢ ص٤٢٢.

(٢) ص٣١٧.

(٣) ص٩٥.

(٤) ص٩٤.

(٥) ص٩٦، وكذلك الحديث الذي بعده.

٣٦١

الثنايا، في وجهه خال، أقنى، أجلى، في كتفه علامة النبي (ص)... ) الحديث.

وأخرجه السيوطي في الحاوي(١) .

وأخرج السيوطي أيضاً عن نعيم بن حماد بن محمد بن حمير، قال:

المهدي أزجّ، أبلج، أعين... الحديث.

وروى النعماني(٢) بإسناده عن سليمان بن هلال قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن الحسين بن علي (ع)، قال:

( جاء رجل إلى أمير المؤمنين (ع) فقال له: يا أمير المؤمنين نبّئنا بمهديّكم هذا... إلى أن قال: وهو رجل جلي الجبين، أقنى الأنف، ضخم البطن، أذيل الفخذين، بفخذه اليمنى شامة، أفلج الثنايا. ويملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً ).

وروى بإسناده عن حمران بن أعين، قال: قلت لأبي جعفر الباقر (ع):

جُعلت فداك، إنّي قد دخلت المدينة وفي حقوي هميان فيه ألف دينار، وقد أعطيت الله عهداً أنني أنفقها بابك ديناراً ديناراً، أو تجيبني فيما أسألك عنه. فقال: يا حمران سَلْ تُجَب، ولا تبعض دنانيرك. فقلت سألتك بقرابتك من رسول الله (ص): أنت صاحب هذا الأمر والقائم به؟ قال: لا. قلت: فمَن هو؟ بأبي أنت وأُمّي. فقال: ذاك المشرب حمرة، الغائر العينين، المشرف الحاجبين، عريض ما بين المنكبين، برأسه حزاز (خراز) وبوجهه أثر، رحم الله موسى ).

وأخرج أيضاً(٣) بإسناده عن حمران بن أعين، قال: سألت أبا جعفر (ع):

فقلت له: أنت القائم؟ فقال: ( قد عرفت حيث تذهب ( بك المذاهب ) صاحبك المدمج ( البذخ ) البطن، ثم الخراز برأسه، ابن الأصلح، رحم الله فلاناً ).

____________________

(١) ج٢ ص١٤٧ وكذلك الذي بعده.

(٢) ص١١٤ وكذلك الذي بعده.

(٣) ص١١٥ وكذلك الخبر الذي بعده.

٣٦٢

وأخرج أيضاً بإسناده عن أبي بصير، قال، قال أبو جعفر(ع) أو أبو عبد الله (ع) - الشك من ابن عصام -: يا أبا محمد، بالقائم علامتان:

شامة في رأسه ودار الخراز برأسه، وشامة بين كتفيه من جانبه الأيسر تحت كتفه، ورقة مثل ورقة الآس. ابن سبيّة، وابن خيرة الإماء.

وأخرج(١) بإسناده عبد الرحيم القصير، قال: قلت لأبي جعفر (ع)، قول أمير المؤمنين (ع): بأبي ابن خيرة الإماء، أهي فاطمة (ع). فقال:

( إنّ فاطمة (ع) خيرة الحراير، ذاك المبذخ بطنه، المشرب حمرة، رحم الله فلاناً ).

وأخرج الشيخ في الغيبة(٢) والمفيد في الإرشاد(٣) بإسنادهما عن جابر الجعفي:

سمعت أبا جعفر (ع) يقول:

سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين (ع) فقال: أخبرني عن المهدي ما اسمه؟ فقال: ما اسمه. فإنّ حبيبي شهد ( لعلّها: عهد ) إليّ أن لا أُحدّث باسمه، حتى يبعثه الله. ( قال ): فأخبرني عن صفته؟ قال: هو شاب مربوع، حسن الوجه، حسن الشعر، يسيل شعره على منكبيه، ونور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الإماء.

وأخرج الصدوق في إكمال الدين(٤) بإسناده عن زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه عن جدّه (ع)، قال: قال أمير المؤمنين (ع) وهو على المنبر:

( يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان، أبيض اللون مشرب بحمرة مبذخ البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبي (ص )... ) الحديث.

____________________

(١) ص١٢٠. (٢) ص٢٨١.

(٣) ص٣٤٢.

(٤) المصدر المخطوط.

٣٦٣

وأخرجه الرواندي(١) بلفظ متقارب.

إلى غير ذلك من الأخبار.

النوع الثالث: الأخبار الدالة على شجاعته وارتفاع معنوياته، وبعض صفاته ( الاجتماعية ) الأُخرى.

أخرج النعماني(٢) بسنده إلى سليمان بن هلال، قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن الحسين بن علي (ع)، قال: ( جاء رجل إلى أمير المؤمنين (ع) فقال له: يا أمير المؤمنين، نبّئنا بمهديّكم هذا. فقال:

إذا درج الدارجون، وقلّ المؤمنون... إلى أن قال: لا يجبن إذا المنايا هلعت، ولا يجوز إذا المنون اكتنفت، ولا ينكل إذا الكمأة اصطرعت، مشمّر مغلولب، ظفر ضرغامه، حصد مخدش، ذكر، سيف من سيوف الله، رأس قيّم، يشق رأسه في باذخ السؤدد، وعازر مجده في أكرم مَحْتِد.

إلى أن قال: أوسعكم كهفاً، وأكثركم علماً، وأوصلكم رحماً.

اللّهمّ فاجعل بيعته خروجاً من الغمّة، واجمع به شمل الأُمّة. فإن خار الله لك فاعزم، ولا تنثن عنه إذا وُفّقت له، وتجزنّ عنه إن هُديت إليه. هاه، وأوما بيده إلى صدره شوقاً إلى رؤيته ).

وأخرج الطبرسي في أعلام الورى(٣) عن الريّان بن الصلت، قال: قلت للرضا (ع): أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال:

( أنا صاحب هذا الأمر، ولكنّي لست بالذي أملؤها عدلاً كما مُلئت جوراً.

وكيف أكون كذلك على ما ترى من ضعف بدني، وأنّ القائم هو الذي إذا خرج كان في سنّ الشيوخ ومنظر الشبّان، قويّاً في بدنه حتى لو مدّ يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتكدكت صخورها ).

____________________

(١) الخرايج والجرايح ص١٩٥.

(٢) الغيبة ص ١١٣ وما بعدها.

(٣) ص ٤٠٧.

٣٦٤

إلى غير ذلك من الأخبار.

وهذه الأخبار ناطقة بمضامينها واضحة بمداليلها، فلا حاجة إلى تكرار ما فيها. كل ما في الأمر أنّنا نحتاج إلى أمرين:

أحدهما: تفسير بعض ألفاظها على المستوى اللغوي.

والثاني: محاولة تذليل صعوبة التعارض الواقع في بعضها. وهو ما سنذكره فيما يلي:

الجهة الثالثة: في شرح هذه الأخبار بأنواعها الثلاثة من الناحية اللغوية، سواء في التفسير اللغوي الصرف أو الإشارة إلى المراد من المجاز والكناية ونحوها؛ آخذين من الروايات التي ذكرناها، وعلى القارئ تطبيقه عليها.

قوله: يرجع إليهم شابّاً موفّقاً... يفهم من تلك الإشارة إلى حقيقة معيّنة هي:

أنّ العمر الذي يستطيع الشاب أن يقضيه في الحياة يكون طويلاً عادةً، ومن هنا يكون مستقبله منفتحاً والأمل فيه عريضاً... وهو معنى التوفيق المشار إليه. وهو معنى يفقده المتقدّم في السن؛ لأنّ مستقبله يكون بارداً والأمل فيه قصيراً، كما هو معلوم.

قوله: صاحب هذا الأمر القوي المشمّر... من شمّر عن ساعديه فهو مشمّر.

وإنّما يشمّر الإنسان عادةً للعمل، وهو مَن يكون قويّاً على إنجازه رحب الصدر بالنسبة إليه، وهذه الصفة تكون في فترة الشباب عادة.

( أجلى الجبهة ) مَن يكون عالي الجبهة واسعها.

( أقنى الأنف ).... قنى الأنف يقني إذا ارتفع وسط قصبته وضاق منخزاه.

( كأن وجهه كوكب درّي ).... تعبير مجازي عن الهيبة والبهاء.

( وكأنّه من رجال بني إسرائيل....والجسم جسم اسرائيلي ).... إشارة إلى ضخامة الجسم و تناسق أعضائه. ومن الواضح أنّ سحنته ليست إسرائيلية؛ لأنّه ليس من نسلهم بالضرورة.

( اللون لون عربي ) يعني في السمرة.

( أفرق الثنايا )... مفلّج الأسنان...متباعد ما بينها.

( أكحل العينين ).... يفهم منه سواد الأهداب.. الذي هو العمل الأساسي للكحل.

( برّاق الثنايا ).... أبيض الأسنان.

٣٦٥

( أزجّ الحاجبين )... يقال: زجّج حاجبيه إذا دققهما وطولهما.

( جلي الجبين، أو أجلى الجبين ) الجلي هو الظاهر والواضح، والأجلى تفضيل في هذه الصفة. والجبين: ناحية الجبهة من محاذاة النزعة إلى الصدغ.

( أذيل الفخذين ): يقال: ذالت المرأة أو الناقة، إذا هزلت. فيكون المراد دقّة فخذيه وهزالهما. فيعارض ما في رواية أُخرى من أنّه ( عظيم الفخذين ) ويقال: ذيّل ثوبه إذا طوله. فيكون المراد أنّه طويل الفخذين، وإن كان عريضهما أيضاً، وبهذا التفسير يرتفع التعارض. وفسّره في ( الإشاعة )(١) بكونه منفرج الفخذين متباعدهما. ولم نجد له سنداً في اللغة.

( الغائر العينين، المشرف الحاجبين ) بمعنى أنّ عينه داخلة وحاجباه خارجتان. والعادة في مثل ذلك أن يكون الحاجبان عريضان. فيكون معارضاً - إلى حدٍّ ما - مع ما دلّ على كونه أزجّ الحاجبين دقيقهما. إلاّ أنّ الأمر ليس ضروري الثبوت؛ لإمكان أن يكون خارج الحاجبين ودقيقهما.

( برأسه حزاز أو خراز أو داء الخراز ) على اختلاف النقول. والحزاز بمهملة مفتوحة ومنقوطتان: الهبرية في الرأس كأنّه نخالة(٢) ، وهو قشرة الرأس التي تسقط عند الحك.

عند مَن ابتلي بهذا الداء. ولعلّ الحراز، بالراء والزاي تحريف عنه فإنّه ليس له في اللغة معنى مناسب.

( مبدح البطن ) أي واسعها، فإنّ البدحة بضمٍّ فسكون: المتّسع من الأرض، وقد ورد هذا اللفظ في المصادر على أشكال: مدح ومبلح ومبدح، وكله غير مطابق مع اللغة، ولعلّه تحريف في الخط. والصحيح أن يقال: أبدح سكون ففتح أو بدح بفتح فكسر.

وورد أيضاً ( المبذخ بطنه ) وهو دال على نفس المعنى؛ لأنّه من البذخ وهو العيش في الرفاه الزائد الذي يسبّب إضخامة البطن. و ليس معنى ذلك أن يعيش في رفاه فعلاً، وإنّما صفته كمَن يعيش هذه العيشة.

( مربوع ) متوسّط الطول.

( عظيم مشاش المنكبين ) المشاش جمع مشاشة، وهي رؤوس العظام، مثل

____________________

(١) الإشاعة لأشراط الساعة: ص٨٩.

(٢) أنظر أقرب الموارد، مادة حزز.

٣٦٦

الركبتين والمرفقين والمنكبين. ويقال: فلان جليل المشاش، عظيم نفس العظام(١) وهذه الصفة تدل على عرض المنكبين بطبيعة الحال.

( مغلولب ) اغلولب العشب تكاثف واغلولب القوم كثروا(٢) . فيكون المراد كونه (ع) مجمع المؤمنين ومهوى قلوب الصالحين.

( ظفر ) من إطلاق المصدر على الشخص مجازاً، يراد به اسم الفاعل، كقولنا: فلان عدل أي عادل. فيكون المراد كونه ظافراً أي منتصراً غالباً.

( ضرغامة ) الأسد.

( حصد ) بكسر الصاد يقال: حصد الحبل أو الدرع إذا اشتدّ فتله واستحكمت صنعته. فيكون المراد منه عندئذٍ كونه غليظ الرقبة.

( مخدش ) إن قرأناه بكسر الدال، كان من الخدش وهو الجرح، فيكون المراد كونه كثير القتل. وإن قرأناه بفتح الدال، فالمخدّش: مقطع العنق من الإنسان(٣) ولعلّ المراد منه عندئذٍ كونه غليظ الرقبة، دلالة على ضخامة جسمه، كما دلّت عليه سائر الروايات، وهو موافق لوصف السفير الثاني للمهدي (ع) خلال غيبته الصغرى له، إذ قال: ورقبته مثل ذا. أومأ بيديه....أي أغلظ الرقاب حسناً(٤) .

( يشق رأسه في باذخ السؤدد ) تعبير مجازي عن عظمته وشرفه.

(وعازر مجده في أكرم محتد ). عزر الفتح اشتد وغلظ، وبالكسر اشتد وصلب، وبالكسر اشتد وصلب.

واسم الفاعل منها عازر. والمحتد هو الأصل في النسب. فالمراد: أنّ مجده الأصيل الشديد يتصل بأكرم أصل نسبي باعتبار كونه متصلاً برسول الله (ص).

وهناك عدد آخر من الصفات، واضحة المعنى في الروايات.

الجهة الرابعة: في حل أهم التعارضات الموجودة في هذه الروايات: إنّ أهم تعارض في هذه الروايات ما سمعناه في النوع الأول، من تعيين عمر الإمام المهدي (ع) حين ظهوره. وهناك بعض التعارضات الأخرى البسيطة التي لا حاجة إلى عرضها.

____________________

(١) انظر المصدر، مادة مشش.

(٢) أنظر المصدر مادة غلب.

(٣) المصدر مادة خدش.

(٤) انظر غيبة الشيخ ص٢١٩.

٣٦٧

تنقسم الروايات الدالة على عمر الإمام المهدي (ع) إلى قسمين رئيسين: القسم الأول: ما دل على التحديد برقم معين. وهي: الأربعين والثلاثين والاثنين والثلاثين والثمانية عشر، والإحدى والخمسين. وظاهر كل رواية أنه لا يزيد ولا ينقص عن الرقم الوارد فيها.

القسم الثاني: ما دل على فترة معينة تقريبية كقوله: شاب المنظر، ابن أربعين أو دونها، ما بين الثلاثين والأربعين. وفي صورة شاب، ونحوها.

ونحن تارةً ننطلق من الفهم غير الإمامي للمهدي (ع) وهو أنّه رجل يولد في زمانه فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

وأُخرى ننطلق من الفهم الإمامي القائل بأنّ المهدي (ع) طويل العمر وغائب عن الأنظار ردحاً طويلاً من الزمن.

ويفترق هذان الفهمان في تحديد العمر فرقاً أساسياً، هو أنّ المهدي بالفهم غير الإمامي نستطيع أن نحدّد عمره وقت ظهوره بالأعوام، بل بالأيام والساعات والدقائق، بمجرّد الإطلاع على تاريخ ميلاده. على حين لا يكون ذلك ممكناً في الفهم الإمامي؛ لأنّ تحديد العمر الطويل ممكن إلاّ أنّه غير مقصود الآن التركيز عليه؛ لأنّه يماثل شكله الظاهري عند ظهوره. وإنّما المهم الآن تحديد عمره من شكله الظاهري فقط، كما تقول الروايات ( يحسبه الناظر إليه ابن أربعين عاماً أو دونها ).

والشكل الظاهري غير محدد بطبعه. لا نستطيع أن نعدّه بالأعوام فضلاً عن الأيام والساعات. وليس هناك إلاّ التحديد التقريبي الذي يحمل الناظر عنه فكرة إجمالية.

ونحن إذا انطلقنا من الفهم غير الإمامي، كان القسم الأوّل من الروايات متعارضاً تماماً؛ لأنّ المهدي إمّا أن يكون ابن ثلاثين أو ابن اثنين وثلاثين أو ابن أربعين.... وهكذا. ولا يمكن أن يكون متّصفاً برقمين من هذه الأرقام كما هو واضح.

وبهذا نخسر عدداً من الروايات، غير أنّ عدداً منها دال على الأربعين عاماً. ومن هنا قد يؤخذ بهذا الرقم بالتحديد.

وروايات القسم الثاني أيضاً لا تخلو من المعارضة، فكونه ابن إحدى وخمسين ينافي كونه شابّاً أساساً، و ينافي كونه بين الثلاثين والأربعين، بل إنّ كونه ابن ثلاثين أو أربعين ينافي أن يكون ما بين الثلاثين والأربعين أيضاً..... وهكذا.

إذن، فطبقاً للفهم غير الإمامي، يكون التعارض بين الروايات كبيراً ومتعدداً.

ومعه لا يكون يصفو عندنا شيء معيّن.

٣٦٨

وأمّا لو انطلقنا من زاوية الفهم الإمامي، يكون التعارض بين الروايات كبيراً ومتعدداً، ومعه لا يكون يصفو عندنا شيء معيّن.

وأمّا لو انطلقنا من زاوية الفهم الإمامي، المستلزم - كما عرفنا - لنفي التحديد عن الشكل الظاهري للإمام المهدي، بل يكون تقريبياً على كل حال. ولعلّ التقريب يختلف بعض الشيء باختلاف الناظرين؛ ومن هنا ستتفق أغلب الروايات على (مفهوم ) معيّن أو تحديد تقريبي معيّن، وهو تحديد لا يمكن أن نزيد عليه حتى لو كنّا مواجهين للمهدي تماماً.

فهو شاب المنظر، وفي صورة شاب... والإنسان يبقى شابّاً حتى بعد الأربعين عادةً، وخاصّةً مع نظارة الجسم التي عرفناها في أوصاف المهدي. وهو أيضاً ما بين الثلاثين والأربعين، على وجه التقريب. وهو أيضاً ابن اثنين وثلاثين، كما يقدِّره بعض الناظرين، وهي فترة تقع بين الثلاثين والأربعين، وهو أيضاً ابن ثلاثين، كما يقدِّره بعض الناظرين، وهو قريب من الاثنين والثلاثين، بتقدير الناظرين. وهو أيضاً دون الأربعين بهذا التقدير. بل قد يصل تقدير الناس له إلى الأربعين أيضاً، كما عليه عدد من الروايات.

نعم، لابد من الاستغناء عن روايتين:

الأُولى: الرواية الدالة على أنّ عمره ثمانية عشر عاماً؛ فإنّها مرويّة عن محمد بن حمير لا عن أحد المعصومين، مضافاً إلى منافاتها إلى أكثر الروايات السابقة، كما هو واضح لدى التدقيق.

الثانية: الرواية الدالة على أنّ عمره إحدى وخمسين.... وهي مرويّة عن النبي (ص) إلاّ أنّها لم تصح سنداً، مضافاً إلى منافاتها لكثير من الروايات السابقة، فإنّ مَن يكون شابّاً يقدَّر بفترة الثلاثين والأربعين، لا يقدَّر عادةً بفترة الخمسين، كما هو واضح.

الجهة الخامسة: دلّت الروايات التي سمعناها: أنّ المهدي حين يظهر يكون في سنّ الشيوخ، وهذا صحيح بالضرورة طبقاً للفهم الإمامي لفكرة المهدي. فإنّ الشيخ مَن تجاوز الشباب والكهولة وسواء توفّي عند الثمانين والتسعين أو تجاوزها، والمهدي قد تجاوزها بكثير فهو شيخ في السن، وقد ورد في التسليم على ( نوح ) النبي (ع): السلام عليك يا شيخ المرسلين(١) مع أنّ عمره بنص القرآن لا يقل عن تسعمئة

____________________

(١) انظر مفاتيح الجنان المعرَّب ص٣٤٧.

٣٦٩

وخمسين عاماً.

وقد أشرنا في التاريخ السابق(١) ، أنَّ العمر إذا بلغ مثل هذه الأرقام، فلا ينبغي أن نتوقَّع للفرد شكلاً مُعيَّناً، في أيِّ فترة من فترات عمره، بل يبقى شكله - أعني شبابه وكهولته وشيخوخته - منوطة بمشيئة الخالق الذي شاء طول عمره.

وبتعبير آخر: أنَّ هذه الفترات ستكون عنده طويلة تبعاً لطول عمره، وحيث إنَّنا لا نعلم أنَّ رصيده من العمر أيَّ مقدار، فلا نعلم – تبعاً لذلك – أنَّه في أيِّ فترة من فترات عمره.

وهذه الفكرة الواضحة تدعم ما دلَّت عليه الروايات، من أنَّ المهدي (ع) يظهر في سنِّ الشيوخ ومنظر الشبَّان، مضافاً إلى الوضوح المرتكز في ذهن كل مَن يؤمن بالمهدي (ع)، في أنَّه سوف لن يظهر وهو في سنِّ الشيخوخة (جسمياً) بأيِّ حال، وإنَّما يظهر بما دون ذلك من عهود العمر.

بالرغم من ذلك، سمعنا الروايات تُشير إلى أنَّ هذا الفارق بين سنِّه الواقعي وشكله الظاهري، سيكون تمحيصاً ومحنة يمرُّ بها الناس عند ظهوره (ع)، وسيكثر الفاشلون في هذا التمحيص على أثر شكِّهم في مهدوية المهدي، من حيث إنَّه يظهر عليهم شابَّاً وهم يتوقَّعونه شيخاً كبيراً، وسوف لن يثبت على الإيمان به إلاَّ كل مؤمن أخذ الله ميثاقه.

ومن الصعب أن نتصوَّر أن يكون هذا التمحيص عاماً، بعد كل الذي قلناه من مرتكز الأذهان ونصِّ الروايات، واقتضاء الفكرة النظرية عدم شيخوخة المهدي جسمياً.

ومعه؛ يتعيَّن انحصار هذا التمحيص على بعض المستويات.

المستوى الأول: إنَّ هذا التمحيص ثابت بحسب الطبع الأوَّلي للقضية، بمعنى أنَّ هذا الفارق الكبير بين العمر والشكل يقتضي هذا التمحيص، ولكنَّ الروايات التي شرحت ذلك أوضحت إمكان وجود الفارق، فالتفت الناس إلى ذلك، وصار في الإمكان النجاح العام في هذا التمحيص.

المستوى الثاني: إنَّ هذا التمحيص ثابت بالنسبة إلى عدد من الناس، يؤمنون أساساً بطول عمر المهدي، ولكنَّ مستواهم الثقافي واطِّلاعاتهم الدينية، قاصرة عن إدراك إمكان الفارق بين عمره الحقيقي وشكله الظاهري؛ ومن ثَمَّ فسيتوقَّعون ظهوره

____________________

(١) تأريخ الغيبة الكبرى ص٢١.

٣٧٠

بصورة شيخ كبير بقدر ما يؤمنون له من العمر، فإذا رأوه شابَّاً، كان ذلك غير ممكن في نظرهم... فيكون التمحيص في حقِّهم ثابتاً.

أقول: فهذه أربعة من الضمانات لانتصار المهدي، وهي التي يترتَّب على التخطيط الإلهي العام الثابت قبل الظهور، وهي القسم الأول من هذه الضمانات.

القسم الثاني: من ضمانات انتصار المهدي في فتحه العالمي.

وهو ما لا يمتُّ إلى التخطيط العام لعصر الغيبة بصِلَةٍ... وإنَّما هي أمور ذات تخطيطات خاصة بها... توجد فتؤثِّر في نصر الإمام (ع) من الناحية العسكرية أو الاجتماعية أو الفكرية أو غيرها.

وكما كانت الضمانات في القسم الأول أربعة كذلك هي في القسم الثاني أربعة.

الضمان الأول: عنصر المـُباغتة والمفاجأة في الهجوم أو بدء الثورة، بشكل لم يحسب له الآخرون أيَّ حساب، وهي عنصر مُهمٌّ في فوز الجيش وانتصاره، كما أنَّها عنصر يأخذه العسكريون بنظر الاعتبار في وضع الخطط العسكرية، وأنَّ أيَّ خطوة عسكرية يتَّخذها أحد المـُعسكرين ممَّا لم يكن متوقَّعاً بالنسبة إلى المـُعسكر الآخر، تكون هذه الخطوة دائماً ناجحة في مصلحة مَن يتَّخذها، وأنَّ أهمَّ عنصر يكون نافعاً في الحرب هو غفلة المـُعسكر الآخر عن احتمال حدوث الهجوم، أو بدء الثورة أو القتال، وهو معنى المـُفاجأة، إذ يكون المعسكر الآخر مأخوذاً على حين غرَّة بدون استعداد أو اجتماع على سلاح، فيكون احتمال انتصار المعسكر المهاجم أو الجيش الفاتح كبيراً جدَّاً، قد يصل أحياناً إلى حدِّ اليقين.

ويمكن القول: إنَّه كلَّما أمكن المهاجم ضبط عنصر المـُفاجأة أكثر، صار احتمال انتصاره أكبر، حتى ما إذا أصبحت المـُفاجأة (مطلقة) أصبح انتصار المهاجم يقينياً.

ولا زال عالقاً في أذهاننا: كيف استطاعت مصر عبور خطِّ بارليف الإسرائيلي عام ١٩٧٦ باستخدام عنصر المفاجأة، ولازال تحت سيطرة مصر إلى الآن؟ مع أنَّها لن تكن مفاجأة (مطلقة) بالمعنى الكامل؛ لأنَّ الحذر والعداء التقليدي مُتبادل بين المعسكرين بطبيعة الحال.

ولكنَّ هذا العنصر سيكون مطلقاً تماماً في ثورة القائد المهدي العالمية؛ وذلك

٣٧١

لأنَّ أعداءه - من المـُنحرفين والكافرين والمادِّيين - فارغوا الذهن تماماً عن قضية ثورته، وعن احتمال حصولها تماماً؛ فيكون حدوثها مُباغتةً (مطلقة)، وسيؤخذون على حين غرَّة وعلى غير استعداد، وقد أكَّدت الأخبار على هذا ا لعنصر من ضمانات الانتصار:

أخرج الصدوق(١) ، بإسناده المـُتَّصل بالإمام الرضا (ع)، عن آبائه، أنَّ النبي (ص) قيل له: يا رسول الله، متى يخرج القائم من ذُرِّيتك؟

فقال: ( مَثَلُه مَثَلُ الساعة، لا يُجلِّيها لوقتها إلاَّ الله عزَّ وجلَّ، ثقلت في السماوات والأرض، لا تأتيكم إلاَّ بغتة )(٢) .

وأخرج الطبرسي في الاحتجاج(٣) رسالة المهدي (ع) إلى الشيخ المفيد ( عليه الرحمة )، وقد سبق أن ذكرناها في تاريخ الغيبة الكبرى(٤) ، وقد جاء في آخرها: ( فليعمل كل امرئٍ منكم بما يُقرِّب به من محبَّتنا، ويتجنَّب ما يُدنيه من كراهتنا وسخطنا؛ فإنَّ أمرنا بغتة فجأة، حين لا ينفعه توبة، ولا يُنجيه من عقابنا ندم على حوبة... ) الحديث.

إلى غير ذلك من الأخبار...

وينبغي أن نتحدَّث عن عنصر المفاجأة ضمن جهتين:

الجهة الأُولى: أنَّ للمفاجأة بظهور المهدي (ع) تخطيطاً خاصاً بها، مربوطاً بالتخطيط العام السابق على الظهور.

ويمكن إرجاع هذا التخطيط إلى عدَّة فقرات:

الفقرة الأُولى: تعاهد قادة الإسلام الأوائل على عدم التصريح بموعد الظهور، وإبقائه غيباً مكتوباً عن كل أحد، لا يعلم به حتى المـُخلصون من أصحابه - فضلاً عن الآخرين - ويختصُّ علمه بالله عزَّ وجلَّ والقادة الإسلاميين المعصومين أنفسهم.

ولذا سمعنا النبي (ص) في الرواية الأُولى رفض أن يُصرِّح بالوقت، ويُشبِّه خفاء

____________________

(١) انظر كمال الدين، نسخة مخطوطة.

(٢) الأعراف: ٧/١٧٨.

(٣) ج٢ ص ٣٢٤.

(٤) ص١٦٨.

٣٧٢

موعد الظهور بخفاء موعد يوم الساعة ( لا تأتيكم إلاَّ بغتة، ثقلت في السماوات والأرض )(١) .

كيف لا، وهو يرى بأنَّ انتصار ذلك القائد الكبير في اليوم العظيم منوط بالكتمان؟!

الفقرة الثانية: نفي التوقيت، ولعن الوقَّاتين وتكذيبهم، من قِبل القادة الإسلاميين السابقين، والتي سمعناها في فصل سابق من هذا التاريخ.

الفقرة الثالثة: إعطاء العلامات العامة والخاصة، أو بالأحرى البعيدة والقريبة للظهور، مع التجنُّب - بحذر متعمد - التصريح بالوقت الحقيقي لها وله.

الفقرة الرابعة: ما عرفناه من تعذُّر الاطِّلاع على نتيجة التخطيط العام من قِبَل أيِّ إنسان، سوى المهدي نفسه، طبقاً للفهم الإمامي؛ فإنَّ الشرط المـُتبقِّي وهو وجود العدد الكافي لغزو العالم، لا يمكن التعرُّف على نموِّه أو تحقُّقه إلاّ بعد الاطِّلاع على ثلاثة أمور:

الأمر الأول: مقدار هذا العدد المـُحتاج إليه في غزو العالم... كلِّياً.

الأمر الثاني: صفات الإخلاص وغيره التي ينبغي أن يتَّصف بها أفراد هذا الجيش... كلِّياً.

الأمر الثالث: تحقُّق الأمرين الأوَّلين في أشخاص بأعيُنهم في عالم الحياة، أو بتعبير آخر: اتِّصاف نفس المقدار من الأفراد بهذه الأوصاف. وهذا ممَّا لا يمكن التعرُّف عليه بحال، كما سبق أن برهنَّا عليه.

الجهة الثانية: أنَّه كيف ينسجم عنصر المفاجأة مع ما عرفناه من جعل العلامات القريبة للظهور، كالنداء، والخسف، وغيرها، فإنَّه يجعل الظهور مُترقَّباً ليس فيه مفاجأة على الإطلاق؟

والجواب على ذلك: أنَّنا قلنا: إنَّ هذه العلائم إنَّما جُعِلت، لتكون تنبيهاً للمـُخلصين المـُمحَّصين خاصة، وللمؤمنين بالمهدي (ع) عامة... إلى قرب الظهور؛ ومن هنا لا يكون عنصر المفاجأة بالمعنى الكامل ثابتاً بالنسبة إليهم،

____________________

(١) انظر الأعراف: ٧/ ١٧٨

٣٧٣

بل لا معنى لسريانه عليهم عندئذ، لضرورة اجتماعهم إلى المهدي (ع) عند ظهوره، وهذا يستدعي انتباههم إليه قبل الظهور، ولا معنى لغفلتهم أو مُباغتتهم.

والمـُباغتة لا تكون تجاه الأصدقاء، وإنَّما هي خطَّة ضدَّ الأعداء، وقد قلنا أكثر من مرَّة: إنَّ الأعداء لا يلتفتون إلى هذه العلامات، ولا يعتبرونها دالَّةً على شيء أصلاً.

إذن؛ فهم على الدوام غير مُتوقِّعين للظهور على الإطلاق، ومعه فيكون الظهور بالنسبة إليهم مفاجأة كاملة، كما هو المطلوب.

الضمان الثاني: لانتصار المهدي (ع): كونه منصوراً بالرُّعب... وينبغي أن يقع الحديث عن ذلك في عدَّة جهات:

الجهة الأُولى: في الروايات الدالة على ذلك، وهي عديدة، نذكر عدداً من نماذجها:

أخرج النعماني(١) ، عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي (ع) يقول: ( لو قد خرج قائم آل محمد (ع)... - إلى أن قال: - والرُّعب مسيرة أمامه ).

وفي نسخة: ( يسير سيرة إمامه ).

وعن(٢) هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (ع) أنَّه قال: ( بينا الرجل على رأس القائم يأمر وينهى، إذ يأمر بضرب عنقه، فلا يبقى بين الخافقين إلاَّ خافه ).

وعن(٣) عبد الرحمان بن كثير، عن أبي عبد الله (ع) - في حديث يذكر راية القائم المهدي (ع)... إلى أن - قال: ( فإذا هو قام نشرها... - وقال: - يسير الرُّعب قدَّامها شهراً،

____________________

(١) الغيبة للنعماني: ص١٢٢.

(٢) المصدر ص١٢٦.

(٣) المصدر ص١٢٨.

(٤) المصدر ص١٦٥.

٣٧٤

ووراءها شهراً، وعن يمينها شهراً وعن يسارها شهراً ).

ثمَّ قال: ( يا أبا محمد، إنَّه يخرج موتوراً غضبان أسفاً، لغضب الله على هذا الخلق... ) الحديث.

وأخرج الصدوق في إكمال الدين(١) ، والطبرسي في إعلام الورى(٢) ، عن محمد بن مسلم الثقفي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (ع) يقول: ( القائم منَّا، منصور بالرعب، مؤيَّد بالنصر... ) الحديث.

وقد سبق أن سمعنا لأصحاب القائم (ع) نفس هذه الصفة، كالذي أخرجه المجلسي في البحار(٣) ، عن أبي عبد الله (ع) - في حديث -: ( إذا ساروا سار الرُّعب أمامهم مسيرة شهر ).

الجهة الثانية: الرُّعب لغةً هو الخوف.

ويُفهم منه عادةً الخوف الشديد إذا كان بدرجة لا يمكن كتمه؛ ومعه يكون المقصود من كون المهدي (ع) منصوراً بالرُّعب: انهدام معنويَّات أعدائه واندثار هممهم للوقوف تجاهه، وخوفهم من جيشه الصلب الصامد.

والمقصود من مسيرة الرعب شهراً: أنَّ البلاد الواقعة على بُعْد شهر من موقع جيشه، تخافه وتُصبح مذعورة منه.

والمراد ببُعْد الشهر: المسافة التي يحتاج المسافر في قطعها إلى شهر من الزمن.

فإذا فهمنا هذه المسافة بالفهم القديم، المناسب مع زمن صدور هذه الأخبار، وما كان يفهمه المجتمع يومئذ، وهو السفر على ظهور الحيوانات كالإبل والجياد، فيكون معنى مسير الرعب شهراً: أنَّ البلاد التي تبتعد شهراً من موقع الجيش المهدوي في السفر بوسائط النقل القديمة، تُصبح مرعوبة منه.

وهذا أمر طبيعي؛ لأنَّ مثل هذه البلاد ستكون مُجاورة له بالمفهوم الثابت، ويمكن الوصول إليها بالوسائل الحديثة في عدَّة ساعات، بل في أقلِّ من ساعة، بل يمكن ضربها.

____________________

(١) إكمال الدين ( المخطوط ).

(٢) ص٤٣٣.

(٣) ج٣ / ١٨٠.

٣٧٥

بالسلاح البعيد المدى في لحظات، فإذا كان الجيش المهدوي قويَّاً مرهوب الجانب، كان من الطبيعي أن تكون هذه المناطق مرعوبة منه.

وإذا فهمنا هذه المسافة بالفهم الحديث، كانت - في حقيقتها - مستوعبة للكرة الأرضية كلها... لوضوح إمكان الدوران حولها بطائرات السفر الاعتيادية في أقلِّ من شهر بكثير، فضلاً عن وسائط النقل الحربية الحديثة، والأسلحة والصواريخ المـُتطوَّرة.

ومعه؛ يكون المراد: أنَّ كل أعداء الإمام المهدي (ع) على وجه الأرض يكونون في حالة رعب شامل، وخوف دائم من مهاجمة المهدي لهم.

وسيكون هذا الرعب - مهما كانت أبعاده - ضماناً أكيداً لنجاح الجيش المهدوي وانتصاره، وهو أمر واضح عسكرياً، غير أنَّ الخطط العسكرية الحديثة لا تستطيع إيجاده في الأعداء، إلاَّ أنَّ المهدي (ع) سوف تتوفَّر له الأسباب المـُتعدِّدة لتنمية هذا الرُّعب في نفوس أعدائه - على ما سنسمع - بصفته القائد الأعظم المـُنقذ للهدف الإلهي الكبير.

ومعنى (مسير) الرعب بين يدي الجيش المهدوي أو أمامه، تقدُّمه بتقدُّم هذا الجيش، وهذا يؤكِّد فَهْم المسافة بالفَهْم القديم الذي عرضناه، فإذا كان الرُّعب مُتقدِّماً على الجيش بخمسمئة كيلو متر مثلاً، وتقدَّم الجيش مئة سار الرعب أمامه مئة، فشمل مناطق كانت مُطمئنَّةً فيما سبق... وهكذا... حتى تدخل كل مناطق العالم تحت الحكم المهدوي.

الجهة الثالثة: في أسباب الرعب ومبرِّرات وجوده في نفوس أعداء الإمام المهدي (ع ).

وينبغي لنا منذ البدء أن نُحدِّد موقفنا من احتمال وجود الرُّعب بسبب إعجازي... فإنَّه غير صحيح تماماً... لمنافاته لقانون المعجزات، وعدم دلالة الرواية عليه.

أمَّا منافاته لقانون المعجزات؛ فلأنَّنا عرفنا أنَّ المعجزة لا تقع إلاَّ إذا كانت طريقاً مُنحصراً للهداية أو إتمام الحجة، وهذا الرُّعب واقع في طريق الهداية؛ لكونه أحد أسباب انتصار المهدي (ع)، الذي يكون سبباً لهداية العالم، وتنفيذ الغرض الإلهي الكبير، ولكنَّ المعجزة ليست سبباً مُنحصراً في إيجاده، بعدما سنعرفه من أسبابه الاعتيادية.

أمَّا عدم دلالة الروايات؛ فلوضوح أنَّه لم يرد في أيِّ خبر منه، أي إشعار بذلك.

ومسير الرعب شهراً - كما أشارت الروايات - لا يدل على الإعجاز، بعد الذي فهمناه من المنحى المجازي لهذا التعبير البليغ،

٣٧٦

وإنَّما يكمن السرُّ الأساسي في وجود هذا الرُّعب، هو أنَّه سُرعان ما تنتشر في العالم عن المهدي وجيشه وأصحابه خصائص مُعيَّنة، يخشى الناس من استعمالها ضدَّهم... وهو أمر مؤكَّد لو جابهوه؛ ومن هنا يحملهم الرُّعب والفزع على أن يتركوا مُجابهته جُهد الإمكان، وكثير منهم سوف يُسلِّم له زمام الحُكم بدون قتال.

وهذه الخصائص منها ما يعود إلى نفس المهدي، ومنها ما يعود إلى جيشه.

فمن الخصائص التي تعود على المهدي، أنَّه قادر على عدد من الإنجازات، باعتبار علمه بخصائص الأمور والتاريخ البشري ككل، ذلك العلم الناتج عن قابليَّاته الخاصة التي اكتسبها حال غيبته، أو عن علم الإمامة من حيث أثبتنا أنَّ الإمام إذا أراد أن يعلم شيئاً أعلمه الله تعالى ذلك، وقد بحثناه مُفصَّلاً في تاريخ الغيبة الكبرى(١) فراجع.

ومن هنا؛ يكون قادراً على فضح أيِّ حاكم دول العالم، بما يأبى ذلك الحاكم كشفه عنه، ويعتبره سرَّاً مكتوماً لنفسه أو للدولة، وليس في العالم حاكم لا يفضحه كشف سرِّه، على مدى التاريخ السابق على الظهور.

كما أنَّه يكون قادراً على إيقاع الخلاف والمـُنافرة بين أعضاء الحكومة، بأن يُخبر بعضها بما لم يطَّلع عليه من أعمال البعض الآخر.

بل قد يكون مُجرَّد وجود المهدي (ع) وبدئه بحركته، موجباً لانقسام كثير من الحكومات انقساماً داخلياً بين مؤيِّد للمهدي (ع) ومُحارب له، ومُتحيِّر في شأنه ومُجامِل له، ونفس وقوع هذا الاختلاف يكون في مصلحة انتصار المهدي (ع).

كما أنَّ المهدي (ع) يكون قادراً على معرفة مواقع الأسلحة والذخائر والمعامل الحربية، ونقاط الضعف من تحرُّكات العدوِّ، بشكل لا يمكن أن يطَّلع عليها غيره إلاَّ بأصعب الطُّرق وأطول الأزمان، وقد يأخذ الخبر من الاستخبارات الحديثة أو الأخبار الصحفية، فيفهم منها ما لا يمكن لغيره أن يفهمه.

ويكفي في مثل ذلك، أن تفهم الدول أنَّ المهدي واجه بعض الحكومات بمثل هذه الطرق... أن تمتلئ رعباً وفزعاً، وتنهار معنويَّاتها انهياراً تامَّاً، بمجرَّد أن تعرف منه التفكير في غزوها.

____________________

(١) ص٥١٥ وما بعدها.

٣٧٧

كما أنَّنا بعد أن نعرف - فقهيَّاً - أنَّ الدين الإسلامي لا يُجيز البدء بالقتال، قبل الدعوة إلى الإسلام، وإرشاد المعسكر الآخر إلى العقائد الإسلامية والعدل الإسلامي، وإيضاح ذلك في أذهانهم، وهذا ما يعمله الإمام (ع) في كل غزو يقصده، مضافاً إلى أساليبه العامة في عرض الأُطروحة العادلة الكاملة على العالم ككل، وهي أساليب واضحة وصريحة وواسعة الانتشار.

ومعه؛ ستكون فكرته مُقنعةً للآخرين من الشعوب المعادية، فيكتسب فيها قواعد شعبية وعسكرية واسعة، ولا يكون الفرد منهم على استعداد لمواجهة المهدي وجيشه بالقتال على أقلِّ تقدير.

ومعه؛ ستضطرُّ حكومة تلك البلاد - مهما كانت عازمة على الحرب والصمود - إلى التنازل والمسالمة؛ لأنَّ الحاكم يكون في مثل ذلك كالأعزل، لا حول له ولا قوَّة.

وتدريجياً - وبالتدريج السريع نسبيَّاً - سيتَّضح للدول الكافرة، بأنَّ المستقبل العالمي بيد المهدي (ع) على أيِّ حال، كحقيقة لا يمكن الفرار منها، أو - على الأقلِّ - وجود النظام المهدوي كدولة كبرى يصعب جدَّاً مُجابهتها ومُنافرتها، بل من الأفضل مُجاملتها والتزلُّف لديها.

وهذا وذاك، ممَّا يدفع الأفراد والدول - على حدِّ سواء - إلى التسليم بالمهدي (ع) وعدم مُجابهته بالقتال.

فهذا عدد من الخصائص التي يتَّصف بها المهدي (ع)، ممَّا توجب الرعب لمَن يُحاربه، ومُقتضى ذلك أنَّ الرُّعب يتولَّد تدريجياً عند البدء بغزو العالم، لا من أول الظهور، وهذا هو ظاهر الروايات أيضاً.

وأمَّا خصائص أصحابه، فأمران رئيسيان:

الأمر الأول: قوَّة اندفاعهم وحماسهم في إطاعة أوامر قائدهم وتطبيق خططه، تلك القوَّة الناتجة من علوِّ إيمانهم، وصلابة إرادتهم، وارتفاع معنوياتهم، ووعيهم للهدف الذي يسعون إليه.

وليس هناك أيُّ واحد من القادة أو الحكَّام في الدول، يجهل هذه الحقيقة التي قلناها فيما سبق، وهي أنَّ الجيش المؤمن الواعي ذو المعنويات العالية هو المـُنتصر دائماً، وكل القادة والحُكَّام سيعلمون - وبسرعة - بصفة جيش المهدي من هذه الناحية، وهم يعلمون صفة جيوشهم من ناحية ثانية، فإنَّها وإن كانت مُسلَّحة تسليحاً كاملاً، ومدرَّبة تدريباً عالياً، إلاَّ أنَّها لا تقوم في أساسها على الإخلاص ووعي الهدف، بل تقوم على

٣٧٨

أسباب أخرى، كالتجنيد الإجباري، أو الطمع بالرواتب الضخمة وغير ذلك... وهو ممَّا لا يُساعد بحالٍ على وجود الاندفاع والحماس في الجيش في ميدان القتال.

وهذه الحقائق التي يعرفها حكَّام العالم، تجعلهم يُفكِّرون طويلاً، قبل التورُّط بمنازلة المهدي بقتال.

الأمر الثاني: كثرة قيامهم بقتل أعدائهم بشكل غليظ لا هوادة فيه - كما سنسمع مُفصَّلاً في الفصل الآتي - الأمر الذي يولِّد انطباعاً واضحاً لدى الآخرين، بأنَّهم أشدَّاء غلاظ بالنسبة إلى أعدائهم، الأمر الذي يولِّد الرُّعب ويُسبِّب إعادة التفكير فيما إذا كانت مُجابهتهم بالقتال يحتوي على مصلحة أم لا.

الضمان الثالث: انطلاقة من زاوية مُتَّفق عليها بين المذاهب السلامية، بل مُتَّفق عليها بشكل أوسع من ذلك، وانطلاقة من مثل هذه الزاوية، أمر أساسي في تهيئة الجوِّ العام إلى جانبه واكتساب القواعد الشعبية الموالية، وخاصة في أول دور حركته وثورته، حتى يستطيع أن ينطلق من هذا المنطلق العام إلى ما يريد تأسيسه من العدل والحق، وما يجيء به من كتاب جديد وقضاء جديد، على ما سنسمع، وسيكون انطلاقه من زاوية مُتَّفق عليها، مُتمثِّلاً من عدَّة مستويات:

المـُستوى الأول: الخطاب الذي يُلقيه المهدي في المسجد الحرام في أول ظهوره، فإنَّنا رأينا أنَّه يؤكِّد - في الأغلب - على الأمور المشتركة المعلومة الصحَّة عند سائر المسلمين، وهي الاعتراف بالإسلام، وبما سبقه من الشرائع، مُنطلقاً منه إلى ربط حركته ودعوته بخطِّ الأنبياء الطويل، مُشيراً إلى نتائج الظلم التي تطرَّف إليها المـُتطرِّفون نتيجةً للفشل في التمحيص.

وهناك روايات ناقلة لخُطبة الإمام، ولا تعرُّض فيها إلى ذكر الظلم السائد، الأمر الذي يجعلها أكثر تركيزاً على المفاهيم المـُتسالم عليها في الإسلام، بحيث تشمل تلك القاصرة التي لا تُدرك بشاعة الظلم ومُنافاته لتعاليم الإسلام.

أخرج السيوطي(١) ، عن نعيم بن حمَّاد، عن أبي جعفر، قال: ( يظهر المهدي بمكَّة عند العشاء، ومعه راية رسول الله (ص) وقميصه

____________________

(١) ج٢ ص ١٤٤.

٣٧٩

وسيفه، وعلامات نور وبيان، فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته يقول: أُذِّكركم - أيُّها الناس - ومقامكم بين يدي ربِّكم، فقد اتَّخذ الحجر وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب، وأمركم أن لا تُشركوا به شيئاً، وأن تُحافظوا على طاعته وطاعة رسوله (ص)، وأن تُحيوا ما أحيا القرآن وتُميتوا ما أمات، وتكونوا أعواناً على الهدى، ووزراء على التقوى، فإنَّ الدنيا قَدْ دنا فناؤها وزوالها، وآذنت بانصرام، فإنِّي أدعوكم إلى الله ورسوله، والعمل بكتابه، وإماتة الباطل، وإحياء سنَّته، فيظهر في ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً عدد أهل بدر... ) الحديث.

ورواها الصافي في مُنتخب الأثر(١) بشيء من الاختلاف، أهمُّه - في أولها -: ( وقد أكَّد المحجَّة وبعث الأنبياء... - وفي آخرها: - وإماتة الباطل وإحياء السنَّة ).

وهو أفضل من نسخة الحاوي، لعلَّ فيه خطأً مُطبعيَّاً.

المستوى الثاني: اتِّخاذ الجيش المهدوي شعار رسول الله (ص) الذي أخذه لجيشه، كما سبق أن عرفنا.

ولئن لم يكن الشعار النبوي معروفاً لدى عامة المسلمين، فهو معروف على أيِّ حال بين علمائهم ومُفكِّريهم المـُخلصين منهم، فيُمكنهم أن يعرفوا وأن يُعرِّفوا الآخرين: أنَّ هؤلاء القوم قد ساروا على شعار النبي (ص)، إذن؛ فهم مع النبي حتى في شعار حربه، ومُمثِّلون له في خصائصه وهدفه.

المستوى الثالث: مُطالبته بثأر الحسين (ع)، فإنَّه أمر مُتسالم على صحَّته بين المسلمين، بل بين كل المظلومين، وهم أكثر البشرية في عصر الظلم والانحراف.

وقد سمعنا الروايات الدالَّة على ذلك، وكانت كلُّها مروية عن طُرق الخاصة، وأودُّ الآن أن أروي عن بعض المصادر العامة رواية تمتُّ إلى ذلك بصِلَةٍ.

أخرج القندوزي في الينابيع(٢) ، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: قلت لعلي الرضا بن موسى الكاظم رضي الله عنهما: يا بن رسول الله، ما تقول في حديث روي عن جدِّك جعفر الصادق رضي الله عنه، أنَّه قال:

____________________

(١) ص٤٩٠

(٢) ينابيع المودَّة ص٥٠٩ ط النجف

٣٨٠

( إذا قام قائمنا المهدي، قتل ذراري قتلة الحسين رضي الله عنه بفعال آبائهم )؟

فقال: ( هو ذلك ).

قلت: فقول الله عزَّ وجل:( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى... ) ، ما معناه؟

فقال: ( صدق الله في جميع أقواله، لكنَّ ذراري قَتَلَةِ الحسين ( رضي الله ) عنه يرضون ويفتخرون بفعال آبائهم، ومَن رضي شيئاً كمَن فعله، ولو أنَّ رجلاً قُتِل في المشرق فرضي أن يقتله رجل في المغرب لكان شريك القاتل ).

وليس المـُراد بالثأر مُجرَّد الانتقام، كما كان عليه ديدن العرب في الجاهلية، وبقي عليه المـُنحرفون الوارثون لتلك العادات إلى الآن، بل المراد أمران مزدوجان.

الأمر الأول: تطبيق الهدف الذي أراده الحسين (ع)، فيضمن ما أراده من أهداف، وهو إزالة الظلم عن الأرض، وتطهيرها من الفساد، والسير نحو المثل الأعلى العادل.

الأمر الثاني: قتل كل راضٍ بمقتل الحسين (ع) وطاعن في ثورته، فإنَّ الراضي بذلك يُمثِّل - في حقيقته - ذلك الانحراف والظلم الذي ثار عليه الحسين (ع)، وأراد فضحه أمام الرأي العام، وسيثور عليه المهدي (ع) ويستأصله عن وجه الأرض، فمن الطبيعي أن يستأصل المهدي أمثال هؤلاء المـُنحرفين، وتمكيناً وتهيئة للمجتمع العادل الكامل، كما سنوضِّح.

لا يختلف في ذلك بين أن يكونوا من ذُرِّيَّة قَتَلَةِ الحسين فعلاً أم من غيرهم، فإنَّ القاعدة الأساسية في ذلك هو أنَّ الراضي بالشيء كفاعله: (... ولو أنَّ رجلاً قُتِل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان شريك القاتل... )، لا يؤثِّر في ذلك افتراق المكان واختلاف الزمان...

وإنَّما نصَّت هذه الرواية على الذُّرِّية، باعتبار أنَّ الغالب في الذُّرِّية المـُنحرفة هو الافتخار بما اجترح الآباء من مظالم، وارتكبوا من مآثم، وهدروا من دماء، ونصَّت أيضاً على القاعدة العامة التي يُمكن باعتبارها التعميم من الذُّرِّية إلى غيرهم، بل القول اليقين: بأنَّه لو كان في الذُّرِّية مَن هو مؤمن يستنكر فعل آبائه، لم يكن مشمولاً للقتل من هذه الجهة.

هذا، وينبغي أنَّ ثورة الإمام الحسين (ع)، وإن كانت واقعةً في ضمن التخطيط العام لعصر ما قبل الظهور، ألاَّ أنَّ النداء بثأره من قِبل المهدي (ع) مخطَّط خاص ثابت بعد الظهور، وليس مُستنداً إلى التخطيط السابق، إلاَّ باعتبار حدوث سببه فيه؛ ومن هنا

٣٨١

جعلناه في الضمانات التي لا تترتَّب على ذلك التخطيط.

الضمان الرابع: من ضمانات انتصار الإمام المهدي (ع) ممَّا لا يترتَّب على التخطيط العام السابق على الظهور، معونة الملائكة له وقتالهم معه.

وينبغي أن نتحدَّث عن ذلك في جهتين، من حيث إيراد الأخبار الدالَّّة على ذلك أولاً، وإيضاح فلسفته ثانياً.

الجهة الأُولى: في إيراد الأخبار الدالة على ذلك، وهي عديدة نذكر أهمَّها:

أخرج الكنجي في البيان(1) ، بإسناده عن الهيثم بن عبد الرحمان، عن علي بن أبي طالب (ع) - في حديث عن المهدي (ع) يقول فيه -: ( يُمدَّه الله بثلاثة آلاف من الملائكة، يضربون وجوههم وأدبارهم ).

قال الكنجي: رواه الطبراني في معجمه، وأخرجه أبو نعيم في مناقب المهدي (ع).

وقال القندوزي في الينابيع(2) ، نقلاً عن إسعاف الراغبين للصبَّان قوله: وجاء في روايات عدَّة أنَّه عند ظهوره يُنادي فوق رأسه مَلَك: ( هذا خليفة الله فاتَّبعوه... وإنَّ الله تعالى يُمدُّه بثلاثة آلاف من الملائكة... وإنَّ جبريل على مُقدَّمة جيشه وميكائيل على ساقته... ) الحديث.

وأخرج ابن قولويه في كامل الزيارات(3) ، بإسناده عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (ع) قال: ( كأنِّي بالقائم على نجف الكوفة... - إلى أن يقول: - فينحط عليه ثلاث عشر ألف ملك وثلاثمئة وثلاثة عشر مَلكاً ).

قلت: كل هؤلاء الملائكة؟

قال: ( نعم، الذين كانوا مع نوح في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم حين أُلقي في النار، والذين كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل، والذين كانوا مع عيسى حين رفعه الله إليه. وأربعة الآف ملك

____________________

(1) ص96.

(2) ص 563.

(3) ص120.

٣٨٢

مع النبي (ص) مُسوَّمين، وألف مُردَفين، وثلاثمئة وثلاثة عشر ملائكة بدريِّين، وأربعة آلاف هبطوا يريدون القتال مع الحسين (ع)، فلم يؤذَن لهم في القتال... وكل هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم (ع) إلى وقت خروجه عليه صلوات الله والسلام ).

وأخرجه النعماني في الغيبة(1) ، مع شيء من الاختلاف.

وأخرج النعماني أيضاً، عن أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( كأنِّي أنظر إلى القائم على نجف الكوفة... - ويستمرُّ في الحديث فيذكر أنَّ راية رسول الله (ص) يأتيه بها جبريل ثمَّ يقول: - يهبط بها تسعة آلاف مَلك، وثلاثمئة وثلاثة عشر مَلكاً ).

فقلت: جُعلت فداك، كل هؤلاء معه؟

قال: ( نعم، هم الذين كانوا مع نوح في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم حيث أُلقي في النار، وهم الذين كانوا مع موسى لمَّا فُلق له البحر، والذين كانوا مع عيسى لمَّا رفعه الله إليه، وأربعة آلاف مُسوَّمين كانوا مع رسول الله (ص)، وثلاثمئة وثلاثة عشر مَلكاً كانوا معه يوم بدر، ومعهم أربعة آلاف يصعدون (صعدواً) إلى السماء يستأمرون في القتال مع الحسين (ع)، فهبطوا إلى الأرض وقد قُتل، فهم عند قبره شُعث غُبر يبكونه إلى يوم القيامة، وهم ينتظرون خروج القائم (ع) ).

وأخرج أيضاً(1) ، بسنده عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول: ( لو قد خرج قائم آل محمد لنُصرة الله بالملائكة المـُسوَّمين والمـُردفين والمـُنزَلين والكروبيين، يكون جبرئيل أمامه وميكائيل عن يمينه وإسرافيل عن يساره، والرُّعب مسيرة أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله، والملائكة المـُقرَّبون حذاه... ) الحديث.

____________________

(1) ص166 وما بعدها.

(2) ص166.

(3) ص122.

٣٨٣

وأخرج أيضاً(1) ، بإسناده عن عبد الرحمان بن كثير، عن أبي عبد الله (ع)، - في حديث يقول فيه -: ( يؤيِّده بثلاثة أجناد: بالملائكة، وبالمؤمنين، وبالرُّعب... ) الحديث.

وأخرج الطبرسي في الإعلام(2) ، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر الباقر (ع): ( كأنِّي بالقائم على نجف الكوفة، وقد سار إليها من مكَّة، في خمسة آلاف من الملائكة، جبرئيل عن يمينه، ميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يُفرِّق الجنود في الأمصار )، إلى غير ذلك من الأخبار.

هذا، وقد سبق أن سمعنا أنَّ جبرئيل (ع ) أول مَن يُبايعه بعد الانتهاء من خُطبته في المسجد الحرام.

أقول: الملائكة المـُسوَّمون، هم المذكورون في قوله تعالى:( بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) (3) .

والملائكة المـُردفون هم المذكورون بقوله تعالى:( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (4) .

والملائكة المـُنزلون هم المذكورون في قوله تعالى:( إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آَلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ ) (5) .

والملائكة المـُقرَّبون في قوله تعالى:

____________________

(1) ص128.

(2) ص430.

(3) آل عمران: 3/ 125-126.

(4) الأنفال: 8/9-10.

(5) آل عمران: 124.

٣٨٤

( لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ... ) (1) .

والظاهر أنَّها صفة عامة للملائكة.

والملائكة الكروبيُّون، غير مذكورين في القرآن الكريم، لكنَّهم ذُكِروا في السنَّة الشريفة في كثير من الأخبار والأدعية.

قيل عنهم في المصادر اللغوية: سادة الملائكة أو المـُقرَّبون منهم.

عبرانيَّتها: كروبيم، جمع كروب.

ومعناها: حافظ أو حارس أو مُقرَّب(2) .

والملائكة البدريُّون، هم الذين أعانوا الجيش الإسلامي النبوي في وقعة بدر، ويبدو من هذه الروايات أنَّهم ثلاثمئة وثلاثة عشر عدد الجيش نفسه.

والملائكة الأربعة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل، هم سادة الملائكة... وقيل: هم أدنى من (الروح) المذكورة في قوله تعالى:( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا... ) (3) .

فالفرد منهم أحد أربعة أو خمسة، لا يُضارعهم غيرهم من الملائكة.

الجهة الثانية: في فلسفة هذه الأخبار.

إنَّنا إذا تكلَّمنا من ناحية عقائدية غير فلسفية، نجد أنَّ معونة الملائكة للجيش المجاهد، يعني إعطاء التأييد الإلهي غير القسري لهذا الجيش، بإدخال عوامل ميتافيزيقية في الحرب، لأجل الحصول على نتائج أفضل، وذلك حين تكون الحرب جهادية ومطابقة للحق ومرضيَّة لله عزَّ وجلَّ، فإنَّه عزَّ وعلا مشيئته الأزلية بانتصار الحق على الباطل، المفهوم من قوله تعالى:( كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) (4) ، فإنَّه لا محالة يسبغ على الجيش المـُمثِّل لطرف الحق لطفه وعطفه، ويُساعده بتوفير عناصر الانتصار له... يكون منها: أنَّه يُرسل قسماً من الملائكة لنصر المؤمنين، وهم (عناصر) ميتافيزيقية غير منظورة... عناصر لا تكون إلاَّ إلى جنب الحق والعدل.

____________________

(1) 4/ 172.

(2) انظر أقرب الموارد، مادَّة كرب.

(3) القدر: 97/4.

(4) 58 / 21.

٣٨٥

وبمُجرَّد أن تنحرف الأُمَّة، فإنَّها تُحرَم بالضرورة من هذه العناصر الطاهرة قال الله تعالى:( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ ) (1)

وهذه العناصر ليست غريبة عن الإمام المهدي (ع)، بعد أن كانت قد وجِدت للنبي (ص) والأنبياء السابقين عليه، كما يُفهم من الآية الأخيرة وهذه الروايات، كيف، وإن ثورة المهدي (ع) هي نتيجة جهود كل هؤلاء الأنبياء وكل الأولياء والصالحين والمـُطبِّقة للهدف الأسمى من خَلق البشرية على وجه الأرض؟! فقد تكون أولى بالنصر والإمداد من أيِّ دعوة أخرى سابقة عليها.

أمَّا الأُسلوب الذي تتَّخذه هذه العناصر الميتافيزيقية، في التأييد والنصر، فهو ممَّا لا يمكن التعرُّف عليه، لوضوح أنَّها عوامل غير منظورة، فمن الطبيعي أن يكون أُسلوب تأثيرها غير منظور أيضاً، أو غير ثابت تاريخياً على الأقل، وقد وردت بعض الروايات التي تتحدَّث عن غزوات النبي (ص) تُصرِّح بأنَّ الملائكة كانوا يُقاتلون كما قاتل الناس، بعد اتِّخاذهم صورة البشر وهذا مُحتمل عقلاً، إلاَّ أنَّه لا يكاد يثبت تاريخياً، ولا يتعيَّن الالتزام به بحسب القواعد المعروفة للإسلام.

وإنَّما الذي يُستطاع الركون إليه بهذا الصدد، واستفادته من هذه الآيات نفسها... هو أنَّ هذه العناصر الميتافيزيقية ترفع من معنويات الجيش البشري المجاهد، وتخفض من معنويات الجيش المـُعادي للحق... إلى حدٍّ تجعل الفرد أقوى من عشرة من أعدائه؛ ولذا كان الحكم الإسلامي المـُصرَّح به في القرآن الكريم عدم جواز الفرار، حتى لو كان الأعداء عشرة أضعاف المسلمين، حتى ارتفع بقوله تعالى:( الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا... ) (2) ، وبُدِّل إلى عدم جواز الفرار إذا كان الجيش المـُعادي بقدر الجيش المـُعادي مرَّتين.

وعلى كلا الحالين، فالمفروض بالفرد المؤمن أن يكون أعلى مستوى في معنوياته وإخلاصه من الفرد الكافر، وهو قوله تعالى:

____________________

(1)36/ 28.

(2) الأنفال: 8/66.

٣٨٦

( إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ... ) (1)

وتُسبِّب هذه العناصر الميتافيزيقية إلى رفع معنويات المسلمين، هو المـُستفاد من نفس هذه الآيات السابقة حيث تقول:( وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ... ) .

وأمَّا الحصول على النصر الكامل من الله عزَّ وجلَّ وحده،( ... وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) .

وهذا التسبُّب الإلهي ليس على وجه القسر، غير مُنافٍ مع إرادة المجاهدين وتضحياتهم، وإنما هو التسبُّب الإلهي الموجود في كل الكون، حتى نزول المطر، وخروج النبات التي يكون استناداً إلى الأسباب الطبيعية واضحاً، قال الله تعالى:( وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً ) (2) .

وبهذا نستطيع أن نُدرك أنَّ الانتصار الذي يُحرزه الجيش المجاهد، ناتج من عمله وإرادته، وليس للعوامل غير المنظورة من إنتاج إلاَّ رفع هذه الإرادة وتركيز هذا العمل.

وليس من قبيل المعجزة، لأنَّ المعجزة تكون بسبب ميتافيزيقي قسري خارج عن إرادة البشر، وليس موردنا من هذا القبيل.

وأودُّ - في هذا الصدد - أن أُشير إلى أنَّ الآيات لم تُنِطْ إنزال الملائكة كون القائد نبيَّاً أو رسولاً، بل ولا كون المؤمنين في حالة حرب فعلاً، وإنَّما أناطت ذلك بأحد أمرين:

الأمر الأول: الصبر والتقوى.

قال تعالى:( بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا... ) الآية.

الأمر الثاني: الاستغاثة إلى الله تعالى بطلب العون.

قال الله تعالى:( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) .

وهذا هو معنى ارتباط هذا التأييد الإلهي، بدرجة كافية من الإخلاص في طريق الله،

____________________

(1) النساء: 4/ 104.

(2) عم: 78/14-16.

٣٨٧

والجهاد المـُقدَّس والأهداف العادلة.

ومتى حصل أحد الأمرين وجِد الإمداد الإلهي، بغضِّ النظر عن شخص القائد، نبيَّاً كان أو إماماً... وبغضِّ النظر عن العمل العادل الذي يقوم به المسلمون، حربياً كان أم سلمياً.

ومن هنا؛ لم تنصَّ الروايات على معونة الملائكة للمهدي (ع) في خصوص الحرب.

وقد سبق أن سمعنا جبريل (ع ) ينزل لمـُبايعته، وليس المهدي (ع) في ذلك الحين في حالة حرب.

هذا، وإنَّ الإيمان بمعونة الملائكة مبنيٌّ على الإيمان بوجودهم بطبيعة الحال، وهو مُتوفِّر لدى كل مَن يعتقد بالمهدي (ع)، وأمَّا الجدل العقائدي ضدَّ المادِّيين وغيرهم في إثبات ذلك، فليس مجاله هذا الكتاب، ويكفينا نحن كمسلمين، تصريح القرآن الكريم بوجودهم.

وإلى هنا تمَّت لدينا فكرة كافية عن ضمانات النصر للإمام المهدي (ع)، التي ينطلق منها إلى تحقيق هدفه الأعلى في البشرية، ولعلَّ هناك ضمانات أخرى لا نُدركها، أو لم يحصل لها الإثبات التاريخي الكافي.

ولعلَّ أيَّ واحد من هذه الضمانات الثمانية كافٍ في الانتصار على العالم، أمَّا أكثر من واحد منها، فضلاً عن مجموعها، ففيه أكثر من الكفاية، بل يكفي لفتح العالم في مدَّة قصيرة لا تتعدَّى الثمانية أشهُر، على ما يُستفاد من عدد من الأخبار التي سنسمعها في الفصل الآتي، بل تكفي لفتح العالم أو أكثر أجزائه بدون قتال، كما يُستفاد من عدد آخر من الأخبار التي سنسمعها هناك أيضاً، ولا يكون ذلك مُستبعَداً أبداً.

٣٨٨

الفصل الرابع

في كيفيَّة ومُدَّة استيلاء المهدي (ع) على العالم

تمهيد:

قلنا: إنَّ التعرُّف على كيفيَّة استيلاء المهدي (ع) على العالم - بمعنى الاطِّلاع على تفاصيل خُططه الحربية وغير ذلك - مُتعذِّر على الباحث السابق على الظهور، فيبقى ذلك موكولاً إلى حتى مجيء عصره، وإنَّما نتكلَّم الآن في حدود إمكاناتنا والإثباتات التي نملكها عن ذلك، وما يمكن أن يندرج تحت هذا العنوان من إثبات ينقسم إلى عدَّة أمور:

الأمر الأول: أنَّ أول حرب يخوضها الجيش المهدوي، هي حربه مع السفياني - بأيِّ معنى فهمناه -، ويتمُّ بانتصار الجيش المهدوي، ومقتل السفياني، وسيطرة المهدي (ع) على العراق، بل على كل المنطقة التي كان يحكمها السفياني، وهي سوريا والعراق على الأقلِّ، وهذا ما سبق أن عرفناه بشكل موجَز، ونعرض له الآن مُفصَّلاً.

الأمر الثاني: إنَّ الإمام المهدي (ع) سوف يضع السيف في كل المـُنحرفين الفاشلين في التمحيص، ضمن التخطيط السابق على الظهور، فيستأصلهم جميعاً... وإن بلغوا الآلاف، ولا يقبل إعلانهم التوبة والإخلاص.

الأمر الثالث: إنَّ مدَّة وضع السيف ستكون ثمانية أشهُر، وقد يُفسَّر ذلك بأنَّ مدَّة فتحه للعالم كلِّه هو هذا المقدار... وسنتحدَّث عن ذلك.

الأمر الرابع: إنَّ فتحه للعالم سيتمُّ - في الأغلب - بدون قتال، كما سيأتي مع الإشارة إلى أسلوبه وفلسفته.

ومن هنا سنتحدَّث في هذا الفصل ضمن أقسام أربعة:

٣٨٩

القسم الأول: حرب السفياني مع الإمام المهدي (ع)، ونتكلَّم عنه ضمن جهتين:

الجهة الأُولى: في سرد الأخبار الواردة بهذا الصدد.

أخرج أبو داوود(1) ، ونقله السيوطي(2) ، عن ابن أبي شيبة، وأحمد، وأبو يعلى، والطبراني، عن أُمِّ سلمة، عن النبي (ص)، قال: ( يكون اختلاف عند موت خليفة... - إلى أن يقول: - ثمَّ ينشأ رجل من قريش أخواله كلب، فيبعث إليهم بعثاً، فظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمَن لم يشهد غنيمة كلب... ) الحديث.

وأخرج السيوطي(3) ، عن أبي عمر الداني عن حذيفة، قال: قال النبي (ص) - في حديث يذكر فيه ظهور المهدي(ع) وبركات دولته -: (... فيقدم الشام، فيذبح السفياني تحت الشجرة التي أغصانها إلى بحيرة طبرية، ويقتل كلباً... - قال رسول الله (ص): - فالخائب مَن خاب يوم كلب، ولو بعقال ).

قال حذيفة: يا رسول الله، كيف يحلُّ قتالهم وهم مُوحِّدون؟

فقال رسول الله (ص): ( يا حذيفة، هم يومئذ على رِدَّة، يزعمون أنَّ الخمر حلال، ولا يُصلُّون ).

وأخرج المجلسي في البحار(4) ، مرفوعاً إلى جابر بن يزيد، عن أبي جعفر(ع) قال: ( إذا بلغ السفياني أنَّ القائم قد توجَّه إليه من ناحية الكوفة، فيتجرَّد بخيله حتى يلقى القائم، فيخرج ويقول: أخرجوا إليّ ابن عمّي. فيخرج عليه السفياني، فيُكلِّمه القائم (ع) فيجيء السفياني فيُبايعه.

ثمَّ ينصرف إلى أصحابه، فيقولون له: ما صنعت؟

فيقول: أسلمت وبايعت.

فيقولون: قبَّح الله رأيك! بينما أنت خليفة متبوع، فصرت تابعاً.

فيستقبله فيُقاتله، ثمَّ يُمسون تلك الليلة، ثمَّ يُصبحون

____________________

(1) السُّنن ج2 ص422 إلى ما بعدها.

(2) الحاوي ج2 ص126.

(3) المصدر ص160.

(4) ج13 ص199.

٣٩٠

للقائم بالحرب، فيقتتلون يومهم ذلك. ثمَّ إن الله تعالى يمنح القائم وأصحابه أكتافهم، فيقتلوهم حتى يفنوهم... ) الحديث.

وأخرج أيضاً(1) ، عن عبد الأعلى الحلبي، عن أبي جعفر (ع) - في حديث طويل - ذكر فيه القائم المهدي (ع) إلى أن ذكر دخوله الكوفة، ثمَّ قال:

( ثمَّ يقول لأصحابه: سيروا إلى هذا الطاغية. فيدعو إلى كتاب الله وسنَّة نبيِّه (ص)، فيُعطيه السفياني من البيعة سِلماً. فيقول له كلب - وهم أخواله -: ما هذا؟! ما صنعت؟! والله، ما نُبايعك على هذا أبداً! فيقول ما أصنع؟ فيقولون: استقبلْه. فيستقبله، ثمَّ يقول له القائم: خُذْ حذرك، فإنِّي أدَّيت إليك، وأنا مُقاتلك. فيُصبح فيُقاتلهم، فيمنحه الله أكتافهم، ويأخذ السفياني أسيراً. فينطلق به فيذبحه بيده ).

وأخرج السيوطي(2) ، عن نعيم بن حمَّاد، عن الوليد بن مسلم، عن محمد بن علي قال:

( إذا سمع العائذ الذي بمكَّة الخسف خرج مع اثني عشر ألفاً، وفيهم الأبدال حتى ينزلوا إيلياء، فيقول الذي بعث الجيش حتى يبلغه الخبر من إيلياء: لعمر الله، لقد جعل الله في هذا الرجل عِبرة، بعثت إليه ما بعثت فساخوا في الأرض، إنَّ في هذا لعِبرة ونُصرة، فيؤدِّي إليه السفياني الطاعة. فيخرج حتى يلقى كلباً، وهم أخواله، فيُعيِّرونه بما صنع، ويقولون: كساك الله قميصاً فخلعته! فيقول: ما ترون؟ أستقيله البيعة؟ فيقولون: نعم. فيأتيه إلى إيلياء فيقول: أقلني ( فيقول: بلى) فيقول له: أتُحبُّ أن أُقيلك؟ فيقول: نعم. فيُقيله، ثمَّ يقول: هذا رجل قد خلع طاعتي. فيأمر به عند ذلك، فيُذبح على بلاطة باب إيلياء. ثمَّ يسير إلى كلب فينهبهم. فالخائب مَن خاب يوم نهب كلب ).

إلى بعض الأخبار الأُخرى.

وقوله: ( رجل من قريش، أخواله كلب... )، هو السفياني؛ بقرينة الأخبار الأُخرى، وظاهر الأخبار أنَّ نَسَبَه في آل أبي سفيان وأنَّه من قبيلة (كلب)، ويوجد من أفرادها جماعة

____________________

(1) ج13 ص 189

(2) ص 146

٣٩١

من أهمِّ بطانته ومُناصريه.

وقوله: ( أخرجوا إليَّ ابن عمِّي... )، اطلاقاً من ادِّعاء أنَّ آل أبي سفيان وآل أبي طالب ( ومنهم المهدي ) أولاد عمومة، وهو ادِّعاء لم يؤيِّده التاريخ، وظاهر الخبر أنَّه من كلام السفياني نفسه.

وقوله: ( بينما أنت خليفة متبوع... )، ظاهره أنَّ السفياني يُمارس الحكم باسم الخلافة الإسلامية، وهو بعيد، غير أنَّ الخبر جاء طبقاً للمستوى المناسب لعصر صدوره، فإنَّ الحكم كان باعتبار الخلافة يومئذ.

و(إيلياء) اسم بلدة، والظاهر أنَّها الكوفة، باعتبار أمرين:

الأمر الأول: أنَّ المهدي ينزلها بعد الخسف.

قال في الخبر ( خرج في اثني عشر ألفاً فيهم الأبدال حتى ينزلوا إيلياء )، وقد عرفنا أنَّ الكوفة هي المركز الرئيسي للمهدي (ع) بعد خروجه من مكَّة وقدومه العراق.

الأمر الثاني: أنَّ الكوفة كانت هي عاصمة حُكم علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع)؛ ومن هنا سُمِّيت بإيلياء؛ اشتقاقاً من لفظ (علي).

وقوله: ( العائذ الذي بمكَّة... )، هو المهدي (ع)، كما نطقت بذلك الروايات الكثيرة التي سمعناها في هذا التاريخ والتاريخ السابق، وهو الذي يحدث الخسف من أجله كما عرفنا مُفصَّلاً.

الجهة الثانية: في الفَهْم العام لهذه الروايات، مُتَّصلاً بالفهم العام السابق الذي قدَّمناه إلى حين وصول المهدي إلى العراق.

بعد حدوث الخسف يحصل عند السفياني - بأيِّ معنى فهمناه - حجَّة واضحة في أنَّ الحق إلى جانب المهدي (ع) فيقول: لعَمْرُ الله، لقد جعل الله في هذا الرجل عِبرة، بعثت إليه ما بعثت فساخوا في الأرض، إنَّ في هذا لعِبرة ونُصرة، ويسير المهدي (ع) حتى ينزل الكوفة في هذا الجوِّ الملائم، الذي عرفنا أنَّه الأُطروحة الرئيسية لتغطية تحرُّكات المهدي (ع) سلماً، فيطلب السفياني مواجهته في الكوفة، فيتقابلان، فيتكلَّم معه الإمام (ع) فيزيده عقيدة به. فيُبايعه السفياني، ويعتقد بإمامته، ولم تُصرِّح الروايات بالصيغة المـُتَّفق عليها بينهما، غير أنَّ المفهوم عموماً أنَّه ليس تنازلاً مطلقاً من قِبل السفياني، بمعنى أنَّه يبقى حاكماً سياسياً كما كان، بالرغم من مبايعته.

٣٩٢

ويخرج السفياني عائداً إلى عاصمته، فيستقبله أهل الحِلِّ والعقد من جماعته، وفيهم عدد من المـُتطرِّفين المـُسيطرين، ذكرت الأخبار أنَّهم من عشيرة أُمِّه، من قبيلة كلب، فيسألونه عن نتائج المباحثات، فيُخبرهم بمُبايعته، فيشجبون موقفه ويُعيِّرونه عليه؛ باعتبار أنَّه قد أصبح تابعاً بعد أن كان متبوعاً.

ولا يمكن أن يكون للسفياني بشخصه موقف مُستقلٌّ ضدَّ خاصَّته ومُستشاريه، فيسألهم عن الرأي الصائب في نظرهم، فيقترحون عليه خلع البيعة، ومواجهة المهدي (ع) مواجهةً صارمةً، فيعود السفياني إلى المهدي (ع) طالباً خلع البيعة وإقالته منها، فيُقيله المهدي (ع) منها، وبذلك يُصبح خارجاً على طاعته، فيُهدِّده المهدي (ع) بالقتال، فلا يكون للسفيان بدٌّ من القبول.

وظاهر سياق الروايات في هذه النقطة، أنَّ المهدي (ع) يُقاتل السفياني، وهو - أعني السفياني - بعيد عن عاصمته، مع جماعته القليلة الذين جاؤوا معه إلى مقابلة المهدي (ع)، فيفنى عسكر السفياني ويُباشر المهدي قتل السفياني بنفسه، كما تقول بعض الروايات.

وتبقى عاصمة السفياني بمَن فيها من مُسيطرين ومُنحرفين بدون حاكم، فيسرع المهدي (ع) إليها بجيشه، فتسقط بيده بسهولة، وينهب جيش المهدوي أموالهم ( والخائب يومئذ مَن خاب من غنيمة كلب ).

وبذلك تسقط المنطقة التي يحكمها السفياني كلها في يد المهدي (ع)، ويُصبح المهدي حاكماً عامَّاً عليها.

القسم الثاني: في أنَّ المهدي (ع) يستأصل المـُنحرفين جميعاً، ونتكلَّم عنه في عدَّة جهات:

الجهة الأُولى: في سرد الأخبار الدالَّة على أنَّ المهدي (ع) يقتل المـُنحرفين قتلاً واسع النطاق، وقد وردت حول ذلك أخبار كثيرة، نذكر نماذج كافية منها.

أخرج النعماني في الغيبة(1) ، بسنده عن الحارث الهمداني، قال: قال أمير المؤمنين (ع):

____________________

(1) ص120.

٣٩٣

( بأبي ابن خيرة الإماء - يعني القائم من ولده - يسومهم خسفاً، ويسقيهم بكأس مُصبَّرة، ولا يُعطيهم إلاَّ السيف هرجاً، فعند ذلك تتمنَّى فجرة قريش لو أنَّ لها مقاة مُني بالدنيا وما فيها - لا غفر لها - لا نكفُّ عنهم حتى يرضى الله ).

وأخرج أيضاً(1) ، بسنده عن زرارة، عن أبي جعفر (ع):

قال: قلت له: صالح من الصالحين سمَّاه لي، أُريد القائم (ع).

فقال: ( اسمه اسمي ).

فقلت: أيسير بسيرة محمد (ص)؟

قال: ( هيهات هيهات! يا زرارة، ما بسيرته ).

قلت: جُعلت فداك، لم؟

قال: ( أنَّ رسول الله (ص) سار في أُمَّته باللين (بالمنِّ)، كان يتألَّف الناس، والقائم يسير بالقتل، بذاك أُمِرَ في الكتاب الذي معه، أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً، ويل لمَن ناوأه!.. ).

وأخرج أيضاً(2) ، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (ع) أنَّه قال: ( إنَّ علياً (ع) قال: كان لي أن أقتل المولِّي وأُجهز على الجريح، ولكن (ولكنِّي) تركت ذلك للعاقبة من أصحابي أن جرحوا ولم يقتلوا، والقائم له أن يقتل المولِّي ويُجهز على الجريح ).

وأخرج أيضاً(3) ، عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: ( لو يعلم الناس ما صنع القائم إذا خرج لأحبَّ أكثرهم ألاَّ يَرَوه ممَّا يُقتل من الناس، أما إنَّه لا يبدأ إلاَّ بقريش، فلا يأخذ منها إلاَّ السيف، ولا يُعطيها إلاَّ السيف، حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم ).

وأخرج أيضاً(4) ، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع)، أنَّه قال:

____________________

(1) ص121.

(2) نفس الصفحة.

(3) ص122.

(4) نفس الصفحة، وانظر غيبة الشيخ الطوسي ص 277.

٣٩٤

( ما تستعجلون بخروج القائم، فوالله، ما لباسه إلاَّ الغليظ، ولا طعامه إلاَّ الجَشب، وما هو إلاَّ السيف والموت تحت ظلال سيف ).

وأخرج أيضاً(1) ، بسنده عن بشر بن غالب الأسدي، قال: قال لي الحسين بن علي (ع): ( يا بشر، ما بقاء قريش إذا قدم القائم المهدي منهم خمسمئة رجل، فضرب أعناقهم، ثمَّ قدَّم خمسمئة فضرب أعناقهم صبراً، ثمَّ خمسمئة فضرب أعناقهم ).

قال: فقلت له: أصلحك الله، أيبلغون ذلك؟

فقال الحسين بن علي (ع): ( إنَّ مولى القوم منهم ).

وأخرج الشيخ في المفيد في الإرشاد(2) ، عن عبد الله بن المغيرة، عن أبي عبد الله (ع) قال: ( إذا قام القائم من آل محمد صلوات الله عليهم، أقام خمسمئة من قريش، فضرب أعناقهم، ثمَّ قام خمسمئة فضرب أعناقهم، ثمَّ خمسمئة أخرى، حتى يفعل ذلك ستَّ مرات ).

قلت: ويبلغ عدد هؤلاء هذا.

قال: ( نعم، منهم ومن مواليهم... )، وأخرجه الطبرسي في إعلام الورى(3) .

وأخرج الصدوق في إكمال الدين(4) ، والطبرسي في الإعلام(5) ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسيني، قال: قلت لمحمد بن علي بن موسى (ع): إنِّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد... إلى أن يقول الإمام (ع): (... فإذا اكتمل له القصد، وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عزَّ وجلَّ، فلا يزال يقتل أعداء الله، حتى يرضى الله عزَّ وجلَّ ).

قال عبد العظيم: فقلت له: يا سيدي، وكيف يعلم أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد رضي؟

قال: ( يُلقي في قلبه الرحمة... ) الحديث.

____________________

(1) ص123.

(2) ص243.

(3) ص431.

(4) انظر المصدر المخطوط.

(5) ص409.

٣٩٥

وأخرج الشيخ في الغيبة(1) ، عن أبي الجارود، قال: قال أبو جعفر (ع): - وهو يتحدَّث عن القائم (ع) -: ( ويقتل الناس حتى لا يبقى دين محمد (ص)... ) الخبر.

وأخرج المفيد في الإرشاد(2) ، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (ع) - في حديث طويل - أنَّه قال: ( إذا قام القائم (ع)، سار إلى الكوفة، فيخرج منها بضعة عشر ألفاً نفس يُدعون البتريَّة ( البريَّة ) عليهم السلاح، فيقولون له: ارْجع من حيث جئت، فلا حاجة لنا ببني فاطمة. فيضع فيهم السيف، حتى يأتي على آخرهم، ثمَّ يدخل الكوفة، فيقتل بها كل منافق مُرتاب، ويهدم قصورها ويقتل مقاتليها، حتى يرضى الله عزَّ وعلا ).

وأخرج المجلسي في البحار(3) ، عن رفيد مولى ابن هبيرة. قال: قلت لأبي عبد الله (ع): جُعلت فداك، يا بن رسول الله، أيسير القائم بسيرة علي بن أبي طالب في أهل السواد

قال: ( لا يا رفيد، إنَّ علي بن أبي طالب سار في أهل السواد بما في الجُفر الأبيض، وإنَّ القائم يسير في العرب بما في الجُفر الأحمر ).

قال: قلت: جُعلت فداك، وما الجُفر الأحمر؟

قال: فأمرَّ إصبعه على حلقه، فقال هكذا. يعني الذبح.

وأخرج أيضاً(4) مرفوعاً إلى عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (ع)، قال: ( إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب والفُرس إلاَّ السيف، لا يأخذها إلاَّ بالسيف، ولا يُعطيها إلاَّ به ).

وأخرج النعماني(5) ، بسنده عن بشير بن أراكة النبال، عن أبي جعفر (ع) -

____________________

(1) ص283.

(2) ص 343.

(3)ج13 ص181.

(4) ص200 من نفس الجزء.

(5) ص152، وكذلك الذي يليه.

٣٩٦

في حديث - أنَّه قال: ( يذبحهم - والذي نفسي بيده - كما يذبح القصَّاب شاته، وأومأ بيده إلى حلقه ).

قلت: إنَّهم يقولون: إنَّه إذا كان ذلك استقامت له الأمور فلا يُهريق مَحْجمة دم.

فقال: ( كلاَّ، والذي نفسي بيده، حتى نمسح وأنتم العِرق والعَلق )، وأومأ بيده إلى جبهته.

وفي حديث آخر، عن بشير النبال أيضاً، قال: قلت لأبي جعفر (ع): إنَّهم يقولون: إنَّ المهدي (ع) لو قام لاستقامت له الأمور عفواً، لا يُهريق مَحْجمة دم.

فقال: ( كلاَّ، والذي نفسي بيده، لو استقامت لأحد عفواً، لاستقامت لرسول الله (ص) حين أُدْميت رباعيَّته وشُجَّ في وجهه، كلاَّ، و الذي نفسي بيده، حتى نمسح نحن وأنتم العِرق والعلق، ثمَّ مسح جبهته ).

وأخرج الشيخ في الغيبة(1) ، بسنده عن أبي بصير، قال: إذا قام القائم... إلى أن قال: ( ثمَّ يتوجَّه إلى الكوفة فينزلها، وتكون داره، ويُبهرج(2) سبعين قبيلة من قبائل العرب ).

وبإزاء هذه الأحاديث المتواترة القطعية، يوجد ما ينفي مباشرة الإمام المهدي (ع) للقتل، الأمر الذي سمعنا تكذيبه من الأخبار السابقة.

أخرج السيوطي في الحاوي(3) ، عن نعيم بن حماد، وابن طاووس في الملاحم والفتن(4) عنه أيضاً، عن أبي هريرة، قال:يُبايع المهدي (ع) بين الركن والمقام، لا يوقظ نائماً ولا يُهريق دماً.

وفي الملاحم أيضاً(5) ، عن نعيم بن حماد، بإسناده عن أبي رافع إسماعيل بن رافع عمَّن حدَّثه، عن أبي سعيد، عن النبي (ص) قال:

____________________

(1) ص284.

(2) يعني: يهدر دماءهم.

(3) ج2 ص152.

(4) ص51.

(5) ص56.

٣٩٧

( تأوي إليه أُمَّته، كما يأوي النحل إلى يعسوبها، يملاً الأرض عدلاً كما مُلِئت جوراً، حتى يكون الناس على مثل أمرهم الأول، لا يوقظ نائماً ولا يُهرق دماً ).

الجهة الثانية: ارتباط كثرة القتل بالتخطيطين الإلهيَّين العامَّين: تخطيط ما قبل الظهور، وتخطيط ما بعد الظهور، وهما تخطيطان سبق أن عرضناهما وبرهنَّا عليهما.

والمراد في المقام: بيان ارتباط ما يقوم به القائد المهدي (ع) من القتل الكثير، بهذين التخطيطين، بمعنى الجواب على التساؤل عن مقدار سببية تخطيط عصر الغيبة لهذا القتل، وعن نفع هذا المقدار من القتل وتأثيره في التخطيط لما بعد الظهور... الذي هو التخطيط لإقامة دولة العدل في العالم وترسيخ قوائمها.

فهنا موقفان:

الموقف الأول: مقدار ارتباط كثرة القتل بالتخطيط العام السابق على الظهور.

إن أخذنا هذه الكثرة بصفتها تكتيكاً حربياً ونظاماً عسكرياً، ولم يكن له ارتباط وثيق بهذا التخطيط... ولكنَّنا إن لاحظنا المقتولين في هذه الحملة وجدناها موجَّهة ضدَّ أولئك الفاشلين في التمحيص إلى طرف الباطل، يكون الآن مقتولاً لا محالة؛ ولذا نسمع من هذه الأخبار أنَّه ( عليه السلام ) يقتل أعداء الله، ويقتل كل منافق مُرتاب، وأنَّه لا يستتيب أحداً، وأنَّه يقتل قوماً يرفضون ثورته ويقولون له: ارْجِع، لا حاجة لنا ببني فاطمة، وكل هؤلاء هم الفاشلون في التمحيص السابق على الظهور.

ولا تنفع هذا الفاشل توبته بين يدي المهدي (ع)، بل سيقتله المهدي (ع) ولا يستتيبه، أي لا يطلب منه التوبة، ولا يسمعها منه، وقد سبق أن سمعنا عن الإمام المهدي (ع) نفسه أنَّه قال: ( فليعمل كل امرئٍ منكم بما يُقرِّب به من محبَّتنا، ويتجنَّب ما يُدينه من كراهتنا وسخطنا؛ فإنَّ أمرنا بغتة فجأة، حين لا تنفعه توبة، ولا يُنجيه من عقابنا ندم على حوبه )(1) .

ولعلَّ هذا هو المقصود من قوله تعالى:

____________________

(1) انظر الاحتجاج للطبرسي ج2 ص23 وما بعدها، وتاريخ الغيبة الكبرى للمؤلِّف.

٣٩٨

( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً... ) (1) .

كما جاءت به بعض الروايات(2) .

وهذا هو المعنى الظاهر من الآية عند مراجعة سياقها حين يقول عزَّ وجل:( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُون ) .

وسيأتي الكلام عن ذلك في الجزء الخاص بالقرآن الكريم من هذه الموسوعة.

وأمَّا الناجحون المـُمحَّصون في هذا التخطيط العام، فهم المؤمنون بالمهدي (ع) المـُبايعون له، الآمنون في دولته، السعداء في ظلِّ عدله، وهم الذين يُباشرون القتل تحت قيادته، وقد سبق أن سمعنا عنهم: أنَّه ( يُعطى الواحد منهم قوَّة أربعين رجلاً، لا يكفُّون سيوفهم حتى يرضى الله عزَّ وجلَّ ).

الموقف الثاني: ارتباط كَثرة القتل بالتخطيط العام لما بعد الظهور.

فإذا عرفنا أنَّ هدف هذا التخطيط هو إقامة المجتمع الإيماني الكامل، الذي تحكمه دولة الحق، ويسوده التشريع العادل الكامل، ومثل هذا المجتمع لا يمكن تطبيقه إلاَّ إذا تظافرت القوى من قِبل الدولة والشعب معاً على تنفيذه وإنجازه، فإنَّه يحتاج - وخاصة عند بدء التطبيق - إلى جهود وتضحيات كثيرة، فما لم يكن الأفراد على مستوى المسؤولية في تطبيق التشريع العادل على كل أقوالهم وأفعالهم، لا يمكنهم أن ينجوا فيه؛ ومن ثَمَّ قد يُصبحون سبباً في فشل التخطيط أساساً.

ومن المعلوم أنَّ المـُعطى الفردي والاجتماعي لهذا التضحيات، والتجاوب مع هذه المـُتغيِّرات، يتناسب عكسياً مع قلَّة الإيمان والشعور بالمصلحة الأنانية، فإنَّ الإنسان بمقدار ما تحتويه نفسه، ويتضمَّنه كيانه الفكري والعقائدي من نقاط ضعف، فإنَّه ينساق إلى تفضيل مصلحته الأنانية على السلوك العادل، ومهما كبرت في الفرد نقاط ضعفه، كلَّما كان لمصلحته أشوق وبها ألصق، وعن إطاعة الحُكم العادل أبعد.

إذن؛ فمثل هذا الفرد لا يستطيع أن يواكب السلوك العادل ورد الفعل الصالح،

____________________

(1) الأنعام: 6/158

(2) انظر: الاحتجاج ج2 ص 317 و غيره.

٣٩٩

الذي يقتضيه المجتمع العادل، بمعنى أنَّه يختار عليه دائماً مصلحته وأنانيَّته؛ ومعه ينحصر تطبيق المجتمع العادل على أيدي الأفراد الصالحين العادلين، الذين مارسوا السلوك الصالح ردحاً من الزمن، وهم الناحجون في التمحيص الموجود في التخطيط السابق.

وأمَّا الفرد المنافق والمنحرف الفاشل في التمحيص، فلا يمكن أن يكون عضواً في هذا المجتمع، بل ينبغي اجتثاثه رأساً قبل البدء بالتطبيق العادل.

وحيث قد أنتج التخطيط العام السابق انكشاف حال الكثيرين، في السقوط في مهوى الرذيلة والنفاق، وكونهم على مستوى عصيان ضروريات الدين، كما سبق أن قلنا:... هذا حال أكثرية المسلمين من مُختلف المذاهب. وحينئذ نستطيع أن نتصوَّر عدد الأفراد الذين ينبغي اجتثاثهم والاستغناء عن وجودهم، لأجل البدء بالتطبيق العادل الكامل.

وسيكون هذا الاجتثاث أو القتل أول خطوة رئيسية في التطبيق العادل، الذي يهدف إليه - فيما يهدف - التخطيط الإلهي العام لما بعد الظهور.

ومن هنا؛ نعرف ربطاً جديداً بين التخطيطين، حيث يكون الأول مُساعداً للثاني في إنتاجه لهدفه، فإنَّ الأول - وهو تخطيط عصر الغيبة - يكشف ما في نفوس الأفراد، من زيف ونقاط ضعف، عن طريق التمحيص الطويل، لكي يُستغنى عنهم ويُنزَّه المجتمع عن وجودهم، أخذاً بالتخطيط الثاني.

إذن؛ فالقتل ليس تكتيكاً عسكرياً محضاً، لمـُجرَّد السيطرة والانتصار، بل هو مُقدَّمة أساسية للتطبيق العادل؛ ومن هنا نرى أنَّ المهدي (ع) يقتل الأفراد في غير الحرب أيضاً، كما وردت به الروايات، كالذي سمعنا عن أبي عبد الله (ع) أنَّه قال: ( بينا الرجل على رأس القائم يأمر وينهى، إذ أمر بضرب عنقه )، وغيرها، كل ذلك تجنُّباً من العناصر السيِّئة في المجتمع الصالح.

ولو تكلَّمنا بلُغة العصر الحديث لقلنا: إنَّ تطبيق الحاكم العقائدي لمبدئه وعقيدته على دولته، يتوقَّف على استئصاله لكل مُعارضيه وكل مَن يُحتمل صدور الخلاف منه استئصالاً تاماً... ولا يكفي فيهم المـُلاينة وتأجيل العقاب بعد الجريمة، كيف وهو يعلم أنَّ مبدأه هو الحق، وكل مُخالف له هو مُخالف للحق، وكل مُخالف للحق مُجرم، وكل مُجرم لا يمكن أن يعيش في مجتمع الصالحين؟!

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679