موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)0%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 202118
تحميل: 10344


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202118 / تحميل: 10344
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المهدي اسمه اسمي. ويخرج وهو ابن إحدى وخمسين... الحديث إلى غير ذلك من الروايات.

النوع الثاني: الأخبار الدالة على صفاته الجسمية عند ظهوره، وهي كثيرة ومتنوّعة، نذكر منها نماذج كافية:

أخرج أبو داود(1) بإسناده عن أبي سعيد الخدري، قال:

قال رسول الله (ص): ( المهدي منّي: أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً... ) الحديث.

وأخرج ابن الصباغ في الفصول المهمّة(2) عن أبي أُمامة الباهلي، قال:

قال رسول الله (ص) - في حديث عن المهدي (ع) -: ( كأنّ وجهه كوكب دُرّي، في خدّه الأيمن خالٌ أسود عليه عبايتان قطوانيتان، كأنّه من رجال بني إسرائيل... ) الحديث.

وأخرجه الكنجي في البيان(3) .

وأخرج الكنجي أيضاً(4) بإسناده عن عبد الرحمان بن عوف، قال: قال رسول الله: (ص):

( المهدي رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدرّي، اللون لون عربي والجسم جسم إسرائيلي.. ) الحديث.

وأخرج أيضاً(5) بإسناده عن عبد الرحمان بن عوف، قال: قال رسول الله (ص ):

( ليبعثنّ الله تعالى من عترتي رجلاً: أفرق الثنايا، أجلى الجبهة، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً... ) الحديث.

وفي حديث آخر عن علي بن أبي طاالب (ع) قال:

- في حديث عن المهدي (ع) -: ( كثّ اللحية، أكحل العينين، برّاق

____________________

(1) السنن ج2 ص422.

(2) ص317.

(3) ص95.

(4) ص94.

(5) ص96، وكذلك الحديث الذي بعده.

٣٦١

الثنايا، في وجهه خال، أقنى، أجلى، في كتفه علامة النبي (ص)... ) الحديث.

وأخرجه السيوطي في الحاوي(1) .

وأخرج السيوطي أيضاً عن نعيم بن حماد بن محمد بن حمير، قال:

المهدي أزجّ، أبلج، أعين... الحديث.

وروى النعماني(2) بإسناده عن سليمان بن هلال قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن الحسين بن علي (ع)، قال:

( جاء رجل إلى أمير المؤمنين (ع) فقال له: يا أمير المؤمنين نبّئنا بمهديّكم هذا... إلى أن قال: وهو رجل جلي الجبين، أقنى الأنف، ضخم البطن، أذيل الفخذين، بفخذه اليمنى شامة، أفلج الثنايا. ويملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً ).

وروى بإسناده عن حمران بن أعين، قال: قلت لأبي جعفر الباقر (ع):

جُعلت فداك، إنّي قد دخلت المدينة وفي حقوي هميان فيه ألف دينار، وقد أعطيت الله عهداً أنني أنفقها بابك ديناراً ديناراً، أو تجيبني فيما أسألك عنه. فقال: يا حمران سَلْ تُجَب، ولا تبعض دنانيرك. فقلت سألتك بقرابتك من رسول الله (ص): أنت صاحب هذا الأمر والقائم به؟ قال: لا. قلت: فمَن هو؟ بأبي أنت وأُمّي. فقال: ذاك المشرب حمرة، الغائر العينين، المشرف الحاجبين، عريض ما بين المنكبين، برأسه حزاز (خراز) وبوجهه أثر، رحم الله موسى ).

وأخرج أيضاً(3) بإسناده عن حمران بن أعين، قال: سألت أبا جعفر (ع):

فقلت له: أنت القائم؟ فقال: ( قد عرفت حيث تذهب ( بك المذاهب ) صاحبك المدمج ( البذخ ) البطن، ثم الخراز برأسه، ابن الأصلح، رحم الله فلاناً ).

____________________

(1) ج2 ص147 وكذلك الذي بعده.

(2) ص114 وكذلك الذي بعده.

(3) ص115 وكذلك الخبر الذي بعده.

٣٦٢

وأخرج أيضاً بإسناده عن أبي بصير، قال، قال أبو جعفر(ع) أو أبو عبد الله (ع) - الشك من ابن عصام -: يا أبا محمد، بالقائم علامتان:

شامة في رأسه ودار الخراز برأسه، وشامة بين كتفيه من جانبه الأيسر تحت كتفه، ورقة مثل ورقة الآس. ابن سبيّة، وابن خيرة الإماء.

وأخرج(1) بإسناده عبد الرحيم القصير، قال: قلت لأبي جعفر (ع)، قول أمير المؤمنين (ع): بأبي ابن خيرة الإماء، أهي فاطمة (ع). فقال:

( إنّ فاطمة (ع) خيرة الحراير، ذاك المبذخ بطنه، المشرب حمرة، رحم الله فلاناً ).

وأخرج الشيخ في الغيبة(2) والمفيد في الإرشاد(3) بإسنادهما عن جابر الجعفي:

سمعت أبا جعفر (ع) يقول:

سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين (ع) فقال: أخبرني عن المهدي ما اسمه؟ فقال: ما اسمه. فإنّ حبيبي شهد ( لعلّها: عهد ) إليّ أن لا أُحدّث باسمه، حتى يبعثه الله. ( قال ): فأخبرني عن صفته؟ قال: هو شاب مربوع، حسن الوجه، حسن الشعر، يسيل شعره على منكبيه، ونور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الإماء.

وأخرج الصدوق في إكمال الدين(4) بإسناده عن زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه عن جدّه (ع)، قال: قال أمير المؤمنين (ع) وهو على المنبر:

( يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان، أبيض اللون مشرب بحمرة مبذخ البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبي (ص )... ) الحديث.

____________________

(1) ص120. (2) ص281.

(3) ص342.

(4) المصدر المخطوط.

٣٦٣

وأخرجه الرواندي(1) بلفظ متقارب.

إلى غير ذلك من الأخبار.

النوع الثالث: الأخبار الدالة على شجاعته وارتفاع معنوياته، وبعض صفاته ( الاجتماعية ) الأُخرى.

أخرج النعماني(2) بسنده إلى سليمان بن هلال، قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن الحسين بن علي (ع)، قال: ( جاء رجل إلى أمير المؤمنين (ع) فقال له: يا أمير المؤمنين، نبّئنا بمهديّكم هذا. فقال:

إذا درج الدارجون، وقلّ المؤمنون... إلى أن قال: لا يجبن إذا المنايا هلعت، ولا يجوز إذا المنون اكتنفت، ولا ينكل إذا الكمأة اصطرعت، مشمّر مغلولب، ظفر ضرغامه، حصد مخدش، ذكر، سيف من سيوف الله، رأس قيّم، يشق رأسه في باذخ السؤدد، وعازر مجده في أكرم مَحْتِد.

إلى أن قال: أوسعكم كهفاً، وأكثركم علماً، وأوصلكم رحماً.

اللّهمّ فاجعل بيعته خروجاً من الغمّة، واجمع به شمل الأُمّة. فإن خار الله لك فاعزم، ولا تنثن عنه إذا وُفّقت له، وتجزنّ عنه إن هُديت إليه. هاه، وأوما بيده إلى صدره شوقاً إلى رؤيته ).

وأخرج الطبرسي في أعلام الورى(3) عن الريّان بن الصلت، قال: قلت للرضا (ع): أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال:

( أنا صاحب هذا الأمر، ولكنّي لست بالذي أملؤها عدلاً كما مُلئت جوراً.

وكيف أكون كذلك على ما ترى من ضعف بدني، وأنّ القائم هو الذي إذا خرج كان في سنّ الشيوخ ومنظر الشبّان، قويّاً في بدنه حتى لو مدّ يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتكدكت صخورها ).

____________________

(1) الخرايج والجرايح ص195.

(2) الغيبة ص 113 وما بعدها.

(3) ص 407.

٣٦٤

إلى غير ذلك من الأخبار.

وهذه الأخبار ناطقة بمضامينها واضحة بمداليلها، فلا حاجة إلى تكرار ما فيها. كل ما في الأمر أنّنا نحتاج إلى أمرين:

أحدهما: تفسير بعض ألفاظها على المستوى اللغوي.

والثاني: محاولة تذليل صعوبة التعارض الواقع في بعضها. وهو ما سنذكره فيما يلي:

الجهة الثالثة: في شرح هذه الأخبار بأنواعها الثلاثة من الناحية اللغوية، سواء في التفسير اللغوي الصرف أو الإشارة إلى المراد من المجاز والكناية ونحوها؛ آخذين من الروايات التي ذكرناها، وعلى القارئ تطبيقه عليها.

قوله: يرجع إليهم شابّاً موفّقاً... يفهم من تلك الإشارة إلى حقيقة معيّنة هي:

أنّ العمر الذي يستطيع الشاب أن يقضيه في الحياة يكون طويلاً عادةً، ومن هنا يكون مستقبله منفتحاً والأمل فيه عريضاً... وهو معنى التوفيق المشار إليه. وهو معنى يفقده المتقدّم في السن؛ لأنّ مستقبله يكون بارداً والأمل فيه قصيراً، كما هو معلوم.

قوله: صاحب هذا الأمر القوي المشمّر... من شمّر عن ساعديه فهو مشمّر.

وإنّما يشمّر الإنسان عادةً للعمل، وهو مَن يكون قويّاً على إنجازه رحب الصدر بالنسبة إليه، وهذه الصفة تكون في فترة الشباب عادة.

( أجلى الجبهة ) مَن يكون عالي الجبهة واسعها.

( أقنى الأنف ).... قنى الأنف يقني إذا ارتفع وسط قصبته وضاق منخزاه.

( كأن وجهه كوكب درّي ).... تعبير مجازي عن الهيبة والبهاء.

( وكأنّه من رجال بني إسرائيل....والجسم جسم اسرائيلي ).... إشارة إلى ضخامة الجسم و تناسق أعضائه. ومن الواضح أنّ سحنته ليست إسرائيلية؛ لأنّه ليس من نسلهم بالضرورة.

( اللون لون عربي ) يعني في السمرة.

( أفرق الثنايا )... مفلّج الأسنان...متباعد ما بينها.

( أكحل العينين ).... يفهم منه سواد الأهداب.. الذي هو العمل الأساسي للكحل.

( برّاق الثنايا ).... أبيض الأسنان.

٣٦٥

( أزجّ الحاجبين )... يقال: زجّج حاجبيه إذا دققهما وطولهما.

( جلي الجبين، أو أجلى الجبين ) الجلي هو الظاهر والواضح، والأجلى تفضيل في هذه الصفة. والجبين: ناحية الجبهة من محاذاة النزعة إلى الصدغ.

( أذيل الفخذين ): يقال: ذالت المرأة أو الناقة، إذا هزلت. فيكون المراد دقّة فخذيه وهزالهما. فيعارض ما في رواية أُخرى من أنّه ( عظيم الفخذين ) ويقال: ذيّل ثوبه إذا طوله. فيكون المراد أنّه طويل الفخذين، وإن كان عريضهما أيضاً، وبهذا التفسير يرتفع التعارض. وفسّره في ( الإشاعة )(1) بكونه منفرج الفخذين متباعدهما. ولم نجد له سنداً في اللغة.

( الغائر العينين، المشرف الحاجبين ) بمعنى أنّ عينه داخلة وحاجباه خارجتان. والعادة في مثل ذلك أن يكون الحاجبان عريضان. فيكون معارضاً - إلى حدٍّ ما - مع ما دلّ على كونه أزجّ الحاجبين دقيقهما. إلاّ أنّ الأمر ليس ضروري الثبوت؛ لإمكان أن يكون خارج الحاجبين ودقيقهما.

( برأسه حزاز أو خراز أو داء الخراز ) على اختلاف النقول. والحزاز بمهملة مفتوحة ومنقوطتان: الهبرية في الرأس كأنّه نخالة(2) ، وهو قشرة الرأس التي تسقط عند الحك.

عند مَن ابتلي بهذا الداء. ولعلّ الحراز، بالراء والزاي تحريف عنه فإنّه ليس له في اللغة معنى مناسب.

( مبدح البطن ) أي واسعها، فإنّ البدحة بضمٍّ فسكون: المتّسع من الأرض، وقد ورد هذا اللفظ في المصادر على أشكال: مدح ومبلح ومبدح، وكله غير مطابق مع اللغة، ولعلّه تحريف في الخط. والصحيح أن يقال: أبدح سكون ففتح أو بدح بفتح فكسر.

وورد أيضاً ( المبذخ بطنه ) وهو دال على نفس المعنى؛ لأنّه من البذخ وهو العيش في الرفاه الزائد الذي يسبّب إضخامة البطن. و ليس معنى ذلك أن يعيش في رفاه فعلاً، وإنّما صفته كمَن يعيش هذه العيشة.

( مربوع ) متوسّط الطول.

( عظيم مشاش المنكبين ) المشاش جمع مشاشة، وهي رؤوس العظام، مثل

____________________

(1) الإشاعة لأشراط الساعة: ص89.

(2) أنظر أقرب الموارد، مادة حزز.

٣٦٦

الركبتين والمرفقين والمنكبين. ويقال: فلان جليل المشاش، عظيم نفس العظام(1) وهذه الصفة تدل على عرض المنكبين بطبيعة الحال.

( مغلولب ) اغلولب العشب تكاثف واغلولب القوم كثروا(2) . فيكون المراد كونه (ع) مجمع المؤمنين ومهوى قلوب الصالحين.

( ظفر ) من إطلاق المصدر على الشخص مجازاً، يراد به اسم الفاعل، كقولنا: فلان عدل أي عادل. فيكون المراد كونه ظافراً أي منتصراً غالباً.

( ضرغامة ) الأسد.

( حصد ) بكسر الصاد يقال: حصد الحبل أو الدرع إذا اشتدّ فتله واستحكمت صنعته. فيكون المراد منه عندئذٍ كونه غليظ الرقبة.

( مخدش ) إن قرأناه بكسر الدال، كان من الخدش وهو الجرح، فيكون المراد كونه كثير القتل. وإن قرأناه بفتح الدال، فالمخدّش: مقطع العنق من الإنسان(3) ولعلّ المراد منه عندئذٍ كونه غليظ الرقبة، دلالة على ضخامة جسمه، كما دلّت عليه سائر الروايات، وهو موافق لوصف السفير الثاني للمهدي (ع) خلال غيبته الصغرى له، إذ قال: ورقبته مثل ذا. أومأ بيديه....أي أغلظ الرقاب حسناً(4) .

( يشق رأسه في باذخ السؤدد ) تعبير مجازي عن عظمته وشرفه.

(وعازر مجده في أكرم محتد ). عزر الفتح اشتد وغلظ، وبالكسر اشتد وصلب، وبالكسر اشتد وصلب.

واسم الفاعل منها عازر. والمحتد هو الأصل في النسب. فالمراد: أنّ مجده الأصيل الشديد يتصل بأكرم أصل نسبي باعتبار كونه متصلاً برسول الله (ص).

وهناك عدد آخر من الصفات، واضحة المعنى في الروايات.

الجهة الرابعة: في حل أهم التعارضات الموجودة في هذه الروايات: إنّ أهم تعارض في هذه الروايات ما سمعناه في النوع الأول، من تعيين عمر الإمام المهدي (ع) حين ظهوره. وهناك بعض التعارضات الأخرى البسيطة التي لا حاجة إلى عرضها.

____________________

(1) انظر المصدر، مادة مشش.

(2) أنظر المصدر مادة غلب.

(3) المصدر مادة خدش.

(4) انظر غيبة الشيخ ص219.

٣٦٧

تنقسم الروايات الدالة على عمر الإمام المهدي (ع) إلى قسمين رئيسين: القسم الأول: ما دل على التحديد برقم معين. وهي: الأربعين والثلاثين والاثنين والثلاثين والثمانية عشر، والإحدى والخمسين. وظاهر كل رواية أنه لا يزيد ولا ينقص عن الرقم الوارد فيها.

القسم الثاني: ما دل على فترة معينة تقريبية كقوله: شاب المنظر، ابن أربعين أو دونها، ما بين الثلاثين والأربعين. وفي صورة شاب، ونحوها.

ونحن تارةً ننطلق من الفهم غير الإمامي للمهدي (ع) وهو أنّه رجل يولد في زمانه فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

وأُخرى ننطلق من الفهم الإمامي القائل بأنّ المهدي (ع) طويل العمر وغائب عن الأنظار ردحاً طويلاً من الزمن.

ويفترق هذان الفهمان في تحديد العمر فرقاً أساسياً، هو أنّ المهدي بالفهم غير الإمامي نستطيع أن نحدّد عمره وقت ظهوره بالأعوام، بل بالأيام والساعات والدقائق، بمجرّد الإطلاع على تاريخ ميلاده. على حين لا يكون ذلك ممكناً في الفهم الإمامي؛ لأنّ تحديد العمر الطويل ممكن إلاّ أنّه غير مقصود الآن التركيز عليه؛ لأنّه يماثل شكله الظاهري عند ظهوره. وإنّما المهم الآن تحديد عمره من شكله الظاهري فقط، كما تقول الروايات ( يحسبه الناظر إليه ابن أربعين عاماً أو دونها ).

والشكل الظاهري غير محدد بطبعه. لا نستطيع أن نعدّه بالأعوام فضلاً عن الأيام والساعات. وليس هناك إلاّ التحديد التقريبي الذي يحمل الناظر عنه فكرة إجمالية.

ونحن إذا انطلقنا من الفهم غير الإمامي، كان القسم الأوّل من الروايات متعارضاً تماماً؛ لأنّ المهدي إمّا أن يكون ابن ثلاثين أو ابن اثنين وثلاثين أو ابن أربعين.... وهكذا. ولا يمكن أن يكون متّصفاً برقمين من هذه الأرقام كما هو واضح.

وبهذا نخسر عدداً من الروايات، غير أنّ عدداً منها دال على الأربعين عاماً. ومن هنا قد يؤخذ بهذا الرقم بالتحديد.

وروايات القسم الثاني أيضاً لا تخلو من المعارضة، فكونه ابن إحدى وخمسين ينافي كونه شابّاً أساساً، و ينافي كونه بين الثلاثين والأربعين، بل إنّ كونه ابن ثلاثين أو أربعين ينافي أن يكون ما بين الثلاثين والأربعين أيضاً..... وهكذا.

إذن، فطبقاً للفهم غير الإمامي، يكون التعارض بين الروايات كبيراً ومتعدداً.

ومعه لا يكون يصفو عندنا شيء معيّن.

٣٦٨

وأمّا لو انطلقنا من زاوية الفهم الإمامي، يكون التعارض بين الروايات كبيراً ومتعدداً، ومعه لا يكون يصفو عندنا شيء معيّن.

وأمّا لو انطلقنا من زاوية الفهم الإمامي، المستلزم - كما عرفنا - لنفي التحديد عن الشكل الظاهري للإمام المهدي، بل يكون تقريبياً على كل حال. ولعلّ التقريب يختلف بعض الشيء باختلاف الناظرين؛ ومن هنا ستتفق أغلب الروايات على (مفهوم ) معيّن أو تحديد تقريبي معيّن، وهو تحديد لا يمكن أن نزيد عليه حتى لو كنّا مواجهين للمهدي تماماً.

فهو شاب المنظر، وفي صورة شاب... والإنسان يبقى شابّاً حتى بعد الأربعين عادةً، وخاصّةً مع نظارة الجسم التي عرفناها في أوصاف المهدي. وهو أيضاً ما بين الثلاثين والأربعين، على وجه التقريب. وهو أيضاً ابن اثنين وثلاثين، كما يقدِّره بعض الناظرين، وهي فترة تقع بين الثلاثين والأربعين، وهو أيضاً ابن ثلاثين، كما يقدِّره بعض الناظرين، وهو قريب من الاثنين والثلاثين، بتقدير الناظرين. وهو أيضاً دون الأربعين بهذا التقدير. بل قد يصل تقدير الناس له إلى الأربعين أيضاً، كما عليه عدد من الروايات.

نعم، لابد من الاستغناء عن روايتين:

الأُولى: الرواية الدالة على أنّ عمره ثمانية عشر عاماً؛ فإنّها مرويّة عن محمد بن حمير لا عن أحد المعصومين، مضافاً إلى منافاتها إلى أكثر الروايات السابقة، كما هو واضح لدى التدقيق.

الثانية: الرواية الدالة على أنّ عمره إحدى وخمسين.... وهي مرويّة عن النبي (ص) إلاّ أنّها لم تصح سنداً، مضافاً إلى منافاتها لكثير من الروايات السابقة، فإنّ مَن يكون شابّاً يقدَّر بفترة الثلاثين والأربعين، لا يقدَّر عادةً بفترة الخمسين، كما هو واضح.

الجهة الخامسة: دلّت الروايات التي سمعناها: أنّ المهدي حين يظهر يكون في سنّ الشيوخ، وهذا صحيح بالضرورة طبقاً للفهم الإمامي لفكرة المهدي. فإنّ الشيخ مَن تجاوز الشباب والكهولة وسواء توفّي عند الثمانين والتسعين أو تجاوزها، والمهدي قد تجاوزها بكثير فهو شيخ في السن، وقد ورد في التسليم على ( نوح ) النبي (ع): السلام عليك يا شيخ المرسلين(1) مع أنّ عمره بنص القرآن لا يقل عن تسعمئة

____________________

(1) انظر مفاتيح الجنان المعرَّب ص347.

٣٦٩

وخمسين عاماً.

وقد أشرنا في التاريخ السابق(1) ، أنَّ العمر إذا بلغ مثل هذه الأرقام، فلا ينبغي أن نتوقَّع للفرد شكلاً مُعيَّناً، في أيِّ فترة من فترات عمره، بل يبقى شكله - أعني شبابه وكهولته وشيخوخته - منوطة بمشيئة الخالق الذي شاء طول عمره.

وبتعبير آخر: أنَّ هذه الفترات ستكون عنده طويلة تبعاً لطول عمره، وحيث إنَّنا لا نعلم أنَّ رصيده من العمر أيَّ مقدار، فلا نعلم – تبعاً لذلك – أنَّه في أيِّ فترة من فترات عمره.

وهذه الفكرة الواضحة تدعم ما دلَّت عليه الروايات، من أنَّ المهدي (ع) يظهر في سنِّ الشيوخ ومنظر الشبَّان، مضافاً إلى الوضوح المرتكز في ذهن كل مَن يؤمن بالمهدي (ع)، في أنَّه سوف لن يظهر وهو في سنِّ الشيخوخة (جسمياً) بأيِّ حال، وإنَّما يظهر بما دون ذلك من عهود العمر.

بالرغم من ذلك، سمعنا الروايات تُشير إلى أنَّ هذا الفارق بين سنِّه الواقعي وشكله الظاهري، سيكون تمحيصاً ومحنة يمرُّ بها الناس عند ظهوره (ع)، وسيكثر الفاشلون في هذا التمحيص على أثر شكِّهم في مهدوية المهدي، من حيث إنَّه يظهر عليهم شابَّاً وهم يتوقَّعونه شيخاً كبيراً، وسوف لن يثبت على الإيمان به إلاَّ كل مؤمن أخذ الله ميثاقه.

ومن الصعب أن نتصوَّر أن يكون هذا التمحيص عاماً، بعد كل الذي قلناه من مرتكز الأذهان ونصِّ الروايات، واقتضاء الفكرة النظرية عدم شيخوخة المهدي جسمياً.

ومعه؛ يتعيَّن انحصار هذا التمحيص على بعض المستويات.

المستوى الأول: إنَّ هذا التمحيص ثابت بحسب الطبع الأوَّلي للقضية، بمعنى أنَّ هذا الفارق الكبير بين العمر والشكل يقتضي هذا التمحيص، ولكنَّ الروايات التي شرحت ذلك أوضحت إمكان وجود الفارق، فالتفت الناس إلى ذلك، وصار في الإمكان النجاح العام في هذا التمحيص.

المستوى الثاني: إنَّ هذا التمحيص ثابت بالنسبة إلى عدد من الناس، يؤمنون أساساً بطول عمر المهدي، ولكنَّ مستواهم الثقافي واطِّلاعاتهم الدينية، قاصرة عن إدراك إمكان الفارق بين عمره الحقيقي وشكله الظاهري؛ ومن ثَمَّ فسيتوقَّعون ظهوره

____________________

(1) تأريخ الغيبة الكبرى ص21.

٣٧٠

بصورة شيخ كبير بقدر ما يؤمنون له من العمر، فإذا رأوه شابَّاً، كان ذلك غير ممكن في نظرهم... فيكون التمحيص في حقِّهم ثابتاً.

أقول: فهذه أربعة من الضمانات لانتصار المهدي، وهي التي يترتَّب على التخطيط الإلهي العام الثابت قبل الظهور، وهي القسم الأول من هذه الضمانات.

القسم الثاني: من ضمانات انتصار المهدي في فتحه العالمي.

وهو ما لا يمتُّ إلى التخطيط العام لعصر الغيبة بصِلَةٍ... وإنَّما هي أمور ذات تخطيطات خاصة بها... توجد فتؤثِّر في نصر الإمام (ع) من الناحية العسكرية أو الاجتماعية أو الفكرية أو غيرها.

وكما كانت الضمانات في القسم الأول أربعة كذلك هي في القسم الثاني أربعة.

الضمان الأول: عنصر المـُباغتة والمفاجأة في الهجوم أو بدء الثورة، بشكل لم يحسب له الآخرون أيَّ حساب، وهي عنصر مُهمٌّ في فوز الجيش وانتصاره، كما أنَّها عنصر يأخذه العسكريون بنظر الاعتبار في وضع الخطط العسكرية، وأنَّ أيَّ خطوة عسكرية يتَّخذها أحد المـُعسكرين ممَّا لم يكن متوقَّعاً بالنسبة إلى المـُعسكر الآخر، تكون هذه الخطوة دائماً ناجحة في مصلحة مَن يتَّخذها، وأنَّ أهمَّ عنصر يكون نافعاً في الحرب هو غفلة المـُعسكر الآخر عن احتمال حدوث الهجوم، أو بدء الثورة أو القتال، وهو معنى المـُفاجأة، إذ يكون المعسكر الآخر مأخوذاً على حين غرَّة بدون استعداد أو اجتماع على سلاح، فيكون احتمال انتصار المعسكر المهاجم أو الجيش الفاتح كبيراً جدَّاً، قد يصل أحياناً إلى حدِّ اليقين.

ويمكن القول: إنَّه كلَّما أمكن المهاجم ضبط عنصر المـُفاجأة أكثر، صار احتمال انتصاره أكبر، حتى ما إذا أصبحت المـُفاجأة (مطلقة) أصبح انتصار المهاجم يقينياً.

ولا زال عالقاً في أذهاننا: كيف استطاعت مصر عبور خطِّ بارليف الإسرائيلي عام 1976 باستخدام عنصر المفاجأة، ولازال تحت سيطرة مصر إلى الآن؟ مع أنَّها لن تكن مفاجأة (مطلقة) بالمعنى الكامل؛ لأنَّ الحذر والعداء التقليدي مُتبادل بين المعسكرين بطبيعة الحال.

ولكنَّ هذا العنصر سيكون مطلقاً تماماً في ثورة القائد المهدي العالمية؛ وذلك

٣٧١

لأنَّ أعداءه - من المـُنحرفين والكافرين والمادِّيين - فارغوا الذهن تماماً عن قضية ثورته، وعن احتمال حصولها تماماً؛ فيكون حدوثها مُباغتةً (مطلقة)، وسيؤخذون على حين غرَّة وعلى غير استعداد، وقد أكَّدت الأخبار على هذا ا لعنصر من ضمانات الانتصار:

أخرج الصدوق(1) ، بإسناده المـُتَّصل بالإمام الرضا (ع)، عن آبائه، أنَّ النبي (ص) قيل له: يا رسول الله، متى يخرج القائم من ذُرِّيتك؟

فقال: ( مَثَلُه مَثَلُ الساعة، لا يُجلِّيها لوقتها إلاَّ الله عزَّ وجلَّ، ثقلت في السماوات والأرض، لا تأتيكم إلاَّ بغتة )(2) .

وأخرج الطبرسي في الاحتجاج(3) رسالة المهدي (ع) إلى الشيخ المفيد ( عليه الرحمة )، وقد سبق أن ذكرناها في تاريخ الغيبة الكبرى(4) ، وقد جاء في آخرها: ( فليعمل كل امرئٍ منكم بما يُقرِّب به من محبَّتنا، ويتجنَّب ما يُدنيه من كراهتنا وسخطنا؛ فإنَّ أمرنا بغتة فجأة، حين لا ينفعه توبة، ولا يُنجيه من عقابنا ندم على حوبة... ) الحديث.

إلى غير ذلك من الأخبار...

وينبغي أن نتحدَّث عن عنصر المفاجأة ضمن جهتين:

الجهة الأُولى: أنَّ للمفاجأة بظهور المهدي (ع) تخطيطاً خاصاً بها، مربوطاً بالتخطيط العام السابق على الظهور.

ويمكن إرجاع هذا التخطيط إلى عدَّة فقرات:

الفقرة الأُولى: تعاهد قادة الإسلام الأوائل على عدم التصريح بموعد الظهور، وإبقائه غيباً مكتوباً عن كل أحد، لا يعلم به حتى المـُخلصون من أصحابه - فضلاً عن الآخرين - ويختصُّ علمه بالله عزَّ وجلَّ والقادة الإسلاميين المعصومين أنفسهم.

ولذا سمعنا النبي (ص) في الرواية الأُولى رفض أن يُصرِّح بالوقت، ويُشبِّه خفاء

____________________

(1) انظر كمال الدين، نسخة مخطوطة.

(2) الأعراف: 7/178.

(3) ج2 ص 324.

(4) ص168.

٣٧٢

موعد الظهور بخفاء موعد يوم الساعة ( لا تأتيكم إلاَّ بغتة، ثقلت في السماوات والأرض )(1) .

كيف لا، وهو يرى بأنَّ انتصار ذلك القائد الكبير في اليوم العظيم منوط بالكتمان؟!

الفقرة الثانية: نفي التوقيت، ولعن الوقَّاتين وتكذيبهم، من قِبل القادة الإسلاميين السابقين، والتي سمعناها في فصل سابق من هذا التاريخ.

الفقرة الثالثة: إعطاء العلامات العامة والخاصة، أو بالأحرى البعيدة والقريبة للظهور، مع التجنُّب - بحذر متعمد - التصريح بالوقت الحقيقي لها وله.

الفقرة الرابعة: ما عرفناه من تعذُّر الاطِّلاع على نتيجة التخطيط العام من قِبَل أيِّ إنسان، سوى المهدي نفسه، طبقاً للفهم الإمامي؛ فإنَّ الشرط المـُتبقِّي وهو وجود العدد الكافي لغزو العالم، لا يمكن التعرُّف على نموِّه أو تحقُّقه إلاّ بعد الاطِّلاع على ثلاثة أمور:

الأمر الأول: مقدار هذا العدد المـُحتاج إليه في غزو العالم... كلِّياً.

الأمر الثاني: صفات الإخلاص وغيره التي ينبغي أن يتَّصف بها أفراد هذا الجيش... كلِّياً.

الأمر الثالث: تحقُّق الأمرين الأوَّلين في أشخاص بأعيُنهم في عالم الحياة، أو بتعبير آخر: اتِّصاف نفس المقدار من الأفراد بهذه الأوصاف. وهذا ممَّا لا يمكن التعرُّف عليه بحال، كما سبق أن برهنَّا عليه.

الجهة الثانية: أنَّه كيف ينسجم عنصر المفاجأة مع ما عرفناه من جعل العلامات القريبة للظهور، كالنداء، والخسف، وغيرها، فإنَّه يجعل الظهور مُترقَّباً ليس فيه مفاجأة على الإطلاق؟

والجواب على ذلك: أنَّنا قلنا: إنَّ هذه العلائم إنَّما جُعِلت، لتكون تنبيهاً للمـُخلصين المـُمحَّصين خاصة، وللمؤمنين بالمهدي (ع) عامة... إلى قرب الظهور؛ ومن هنا لا يكون عنصر المفاجأة بالمعنى الكامل ثابتاً بالنسبة إليهم،

____________________

(1) انظر الأعراف: 7/ 178

٣٧٣

بل لا معنى لسريانه عليهم عندئذ، لضرورة اجتماعهم إلى المهدي (ع) عند ظهوره، وهذا يستدعي انتباههم إليه قبل الظهور، ولا معنى لغفلتهم أو مُباغتتهم.

والمـُباغتة لا تكون تجاه الأصدقاء، وإنَّما هي خطَّة ضدَّ الأعداء، وقد قلنا أكثر من مرَّة: إنَّ الأعداء لا يلتفتون إلى هذه العلامات، ولا يعتبرونها دالَّةً على شيء أصلاً.

إذن؛ فهم على الدوام غير مُتوقِّعين للظهور على الإطلاق، ومعه فيكون الظهور بالنسبة إليهم مفاجأة كاملة، كما هو المطلوب.

الضمان الثاني: لانتصار المهدي (ع): كونه منصوراً بالرُّعب... وينبغي أن يقع الحديث عن ذلك في عدَّة جهات:

الجهة الأُولى: في الروايات الدالة على ذلك، وهي عديدة، نذكر عدداً من نماذجها:

أخرج النعماني(1) ، عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي (ع) يقول: ( لو قد خرج قائم آل محمد (ع)... - إلى أن قال: - والرُّعب مسيرة أمامه ).

وفي نسخة: ( يسير سيرة إمامه ).

وعن(2) هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (ع) أنَّه قال: ( بينا الرجل على رأس القائم يأمر وينهى، إذ يأمر بضرب عنقه، فلا يبقى بين الخافقين إلاَّ خافه ).

وعن(3) عبد الرحمان بن كثير، عن أبي عبد الله (ع) - في حديث يذكر راية القائم المهدي (ع)... إلى أن - قال: ( فإذا هو قام نشرها... - وقال: - يسير الرُّعب قدَّامها شهراً،

____________________

(1) الغيبة للنعماني: ص122.

(2) المصدر ص126.

(3) المصدر ص128.

(4) المصدر ص165.

٣٧٤

ووراءها شهراً، وعن يمينها شهراً وعن يسارها شهراً ).

ثمَّ قال: ( يا أبا محمد، إنَّه يخرج موتوراً غضبان أسفاً، لغضب الله على هذا الخلق... ) الحديث.

وأخرج الصدوق في إكمال الدين(1) ، والطبرسي في إعلام الورى(2) ، عن محمد بن مسلم الثقفي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (ع) يقول: ( القائم منَّا، منصور بالرعب، مؤيَّد بالنصر... ) الحديث.

وقد سبق أن سمعنا لأصحاب القائم (ع) نفس هذه الصفة، كالذي أخرجه المجلسي في البحار(3) ، عن أبي عبد الله (ع) - في حديث -: ( إذا ساروا سار الرُّعب أمامهم مسيرة شهر ).

الجهة الثانية: الرُّعب لغةً هو الخوف.

ويُفهم منه عادةً الخوف الشديد إذا كان بدرجة لا يمكن كتمه؛ ومعه يكون المقصود من كون المهدي (ع) منصوراً بالرُّعب: انهدام معنويَّات أعدائه واندثار هممهم للوقوف تجاهه، وخوفهم من جيشه الصلب الصامد.

والمقصود من مسيرة الرعب شهراً: أنَّ البلاد الواقعة على بُعْد شهر من موقع جيشه، تخافه وتُصبح مذعورة منه.

والمراد ببُعْد الشهر: المسافة التي يحتاج المسافر في قطعها إلى شهر من الزمن.

فإذا فهمنا هذه المسافة بالفهم القديم، المناسب مع زمن صدور هذه الأخبار، وما كان يفهمه المجتمع يومئذ، وهو السفر على ظهور الحيوانات كالإبل والجياد، فيكون معنى مسير الرعب شهراً: أنَّ البلاد التي تبتعد شهراً من موقع الجيش المهدوي في السفر بوسائط النقل القديمة، تُصبح مرعوبة منه.

وهذا أمر طبيعي؛ لأنَّ مثل هذه البلاد ستكون مُجاورة له بالمفهوم الثابت، ويمكن الوصول إليها بالوسائل الحديثة في عدَّة ساعات، بل في أقلِّ من ساعة، بل يمكن ضربها.

____________________

(1) إكمال الدين ( المخطوط ).

(2) ص433.

(3) ج3 / 180.

٣٧٥

بالسلاح البعيد المدى في لحظات، فإذا كان الجيش المهدوي قويَّاً مرهوب الجانب، كان من الطبيعي أن تكون هذه المناطق مرعوبة منه.

وإذا فهمنا هذه المسافة بالفهم الحديث، كانت - في حقيقتها - مستوعبة للكرة الأرضية كلها... لوضوح إمكان الدوران حولها بطائرات السفر الاعتيادية في أقلِّ من شهر بكثير، فضلاً عن وسائط النقل الحربية الحديثة، والأسلحة والصواريخ المـُتطوَّرة.

ومعه؛ يكون المراد: أنَّ كل أعداء الإمام المهدي (ع) على وجه الأرض يكونون في حالة رعب شامل، وخوف دائم من مهاجمة المهدي لهم.

وسيكون هذا الرعب - مهما كانت أبعاده - ضماناً أكيداً لنجاح الجيش المهدوي وانتصاره، وهو أمر واضح عسكرياً، غير أنَّ الخطط العسكرية الحديثة لا تستطيع إيجاده في الأعداء، إلاَّ أنَّ المهدي (ع) سوف تتوفَّر له الأسباب المـُتعدِّدة لتنمية هذا الرُّعب في نفوس أعدائه - على ما سنسمع - بصفته القائد الأعظم المـُنقذ للهدف الإلهي الكبير.

ومعنى (مسير) الرعب بين يدي الجيش المهدوي أو أمامه، تقدُّمه بتقدُّم هذا الجيش، وهذا يؤكِّد فَهْم المسافة بالفَهْم القديم الذي عرضناه، فإذا كان الرُّعب مُتقدِّماً على الجيش بخمسمئة كيلو متر مثلاً، وتقدَّم الجيش مئة سار الرعب أمامه مئة، فشمل مناطق كانت مُطمئنَّةً فيما سبق... وهكذا... حتى تدخل كل مناطق العالم تحت الحكم المهدوي.

الجهة الثالثة: في أسباب الرعب ومبرِّرات وجوده في نفوس أعداء الإمام المهدي (ع ).

وينبغي لنا منذ البدء أن نُحدِّد موقفنا من احتمال وجود الرُّعب بسبب إعجازي... فإنَّه غير صحيح تماماً... لمنافاته لقانون المعجزات، وعدم دلالة الرواية عليه.

أمَّا منافاته لقانون المعجزات؛ فلأنَّنا عرفنا أنَّ المعجزة لا تقع إلاَّ إذا كانت طريقاً مُنحصراً للهداية أو إتمام الحجة، وهذا الرُّعب واقع في طريق الهداية؛ لكونه أحد أسباب انتصار المهدي (ع)، الذي يكون سبباً لهداية العالم، وتنفيذ الغرض الإلهي الكبير، ولكنَّ المعجزة ليست سبباً مُنحصراً في إيجاده، بعدما سنعرفه من أسبابه الاعتيادية.

أمَّا عدم دلالة الروايات؛ فلوضوح أنَّه لم يرد في أيِّ خبر منه، أي إشعار بذلك.

ومسير الرعب شهراً - كما أشارت الروايات - لا يدل على الإعجاز، بعد الذي فهمناه من المنحى المجازي لهذا التعبير البليغ،

٣٧٦

وإنَّما يكمن السرُّ الأساسي في وجود هذا الرُّعب، هو أنَّه سُرعان ما تنتشر في العالم عن المهدي وجيشه وأصحابه خصائص مُعيَّنة، يخشى الناس من استعمالها ضدَّهم... وهو أمر مؤكَّد لو جابهوه؛ ومن هنا يحملهم الرُّعب والفزع على أن يتركوا مُجابهته جُهد الإمكان، وكثير منهم سوف يُسلِّم له زمام الحُكم بدون قتال.

وهذه الخصائص منها ما يعود إلى نفس المهدي، ومنها ما يعود إلى جيشه.

فمن الخصائص التي تعود على المهدي، أنَّه قادر على عدد من الإنجازات، باعتبار علمه بخصائص الأمور والتاريخ البشري ككل، ذلك العلم الناتج عن قابليَّاته الخاصة التي اكتسبها حال غيبته، أو عن علم الإمامة من حيث أثبتنا أنَّ الإمام إذا أراد أن يعلم شيئاً أعلمه الله تعالى ذلك، وقد بحثناه مُفصَّلاً في تاريخ الغيبة الكبرى(1) فراجع.

ومن هنا؛ يكون قادراً على فضح أيِّ حاكم دول العالم، بما يأبى ذلك الحاكم كشفه عنه، ويعتبره سرَّاً مكتوماً لنفسه أو للدولة، وليس في العالم حاكم لا يفضحه كشف سرِّه، على مدى التاريخ السابق على الظهور.

كما أنَّه يكون قادراً على إيقاع الخلاف والمـُنافرة بين أعضاء الحكومة، بأن يُخبر بعضها بما لم يطَّلع عليه من أعمال البعض الآخر.

بل قد يكون مُجرَّد وجود المهدي (ع) وبدئه بحركته، موجباً لانقسام كثير من الحكومات انقساماً داخلياً بين مؤيِّد للمهدي (ع) ومُحارب له، ومُتحيِّر في شأنه ومُجامِل له، ونفس وقوع هذا الاختلاف يكون في مصلحة انتصار المهدي (ع).

كما أنَّ المهدي (ع) يكون قادراً على معرفة مواقع الأسلحة والذخائر والمعامل الحربية، ونقاط الضعف من تحرُّكات العدوِّ، بشكل لا يمكن أن يطَّلع عليها غيره إلاَّ بأصعب الطُّرق وأطول الأزمان، وقد يأخذ الخبر من الاستخبارات الحديثة أو الأخبار الصحفية، فيفهم منها ما لا يمكن لغيره أن يفهمه.

ويكفي في مثل ذلك، أن تفهم الدول أنَّ المهدي واجه بعض الحكومات بمثل هذه الطرق... أن تمتلئ رعباً وفزعاً، وتنهار معنويَّاتها انهياراً تامَّاً، بمجرَّد أن تعرف منه التفكير في غزوها.

____________________

(1) ص515 وما بعدها.

٣٧٧

كما أنَّنا بعد أن نعرف - فقهيَّاً - أنَّ الدين الإسلامي لا يُجيز البدء بالقتال، قبل الدعوة إلى الإسلام، وإرشاد المعسكر الآخر إلى العقائد الإسلامية والعدل الإسلامي، وإيضاح ذلك في أذهانهم، وهذا ما يعمله الإمام (ع) في كل غزو يقصده، مضافاً إلى أساليبه العامة في عرض الأُطروحة العادلة الكاملة على العالم ككل، وهي أساليب واضحة وصريحة وواسعة الانتشار.

ومعه؛ ستكون فكرته مُقنعةً للآخرين من الشعوب المعادية، فيكتسب فيها قواعد شعبية وعسكرية واسعة، ولا يكون الفرد منهم على استعداد لمواجهة المهدي وجيشه بالقتال على أقلِّ تقدير.

ومعه؛ ستضطرُّ حكومة تلك البلاد - مهما كانت عازمة على الحرب والصمود - إلى التنازل والمسالمة؛ لأنَّ الحاكم يكون في مثل ذلك كالأعزل، لا حول له ولا قوَّة.

وتدريجياً - وبالتدريج السريع نسبيَّاً - سيتَّضح للدول الكافرة، بأنَّ المستقبل العالمي بيد المهدي (ع) على أيِّ حال، كحقيقة لا يمكن الفرار منها، أو - على الأقلِّ - وجود النظام المهدوي كدولة كبرى يصعب جدَّاً مُجابهتها ومُنافرتها، بل من الأفضل مُجاملتها والتزلُّف لديها.

وهذا وذاك، ممَّا يدفع الأفراد والدول - على حدِّ سواء - إلى التسليم بالمهدي (ع) وعدم مُجابهته بالقتال.

فهذا عدد من الخصائص التي يتَّصف بها المهدي (ع)، ممَّا توجب الرعب لمَن يُحاربه، ومُقتضى ذلك أنَّ الرُّعب يتولَّد تدريجياً عند البدء بغزو العالم، لا من أول الظهور، وهذا هو ظاهر الروايات أيضاً.

وأمَّا خصائص أصحابه، فأمران رئيسيان:

الأمر الأول: قوَّة اندفاعهم وحماسهم في إطاعة أوامر قائدهم وتطبيق خططه، تلك القوَّة الناتجة من علوِّ إيمانهم، وصلابة إرادتهم، وارتفاع معنوياتهم، ووعيهم للهدف الذي يسعون إليه.

وليس هناك أيُّ واحد من القادة أو الحكَّام في الدول، يجهل هذه الحقيقة التي قلناها فيما سبق، وهي أنَّ الجيش المؤمن الواعي ذو المعنويات العالية هو المـُنتصر دائماً، وكل القادة والحُكَّام سيعلمون - وبسرعة - بصفة جيش المهدي من هذه الناحية، وهم يعلمون صفة جيوشهم من ناحية ثانية، فإنَّها وإن كانت مُسلَّحة تسليحاً كاملاً، ومدرَّبة تدريباً عالياً، إلاَّ أنَّها لا تقوم في أساسها على الإخلاص ووعي الهدف، بل تقوم على

٣٧٨

أسباب أخرى، كالتجنيد الإجباري، أو الطمع بالرواتب الضخمة وغير ذلك... وهو ممَّا لا يُساعد بحالٍ على وجود الاندفاع والحماس في الجيش في ميدان القتال.

وهذه الحقائق التي يعرفها حكَّام العالم، تجعلهم يُفكِّرون طويلاً، قبل التورُّط بمنازلة المهدي بقتال.

الأمر الثاني: كثرة قيامهم بقتل أعدائهم بشكل غليظ لا هوادة فيه - كما سنسمع مُفصَّلاً في الفصل الآتي - الأمر الذي يولِّد انطباعاً واضحاً لدى الآخرين، بأنَّهم أشدَّاء غلاظ بالنسبة إلى أعدائهم، الأمر الذي يولِّد الرُّعب ويُسبِّب إعادة التفكير فيما إذا كانت مُجابهتهم بالقتال يحتوي على مصلحة أم لا.

الضمان الثالث: انطلاقة من زاوية مُتَّفق عليها بين المذاهب السلامية، بل مُتَّفق عليها بشكل أوسع من ذلك، وانطلاقة من مثل هذه الزاوية، أمر أساسي في تهيئة الجوِّ العام إلى جانبه واكتساب القواعد الشعبية الموالية، وخاصة في أول دور حركته وثورته، حتى يستطيع أن ينطلق من هذا المنطلق العام إلى ما يريد تأسيسه من العدل والحق، وما يجيء به من كتاب جديد وقضاء جديد، على ما سنسمع، وسيكون انطلاقه من زاوية مُتَّفق عليها، مُتمثِّلاً من عدَّة مستويات:

المـُستوى الأول: الخطاب الذي يُلقيه المهدي في المسجد الحرام في أول ظهوره، فإنَّنا رأينا أنَّه يؤكِّد - في الأغلب - على الأمور المشتركة المعلومة الصحَّة عند سائر المسلمين، وهي الاعتراف بالإسلام، وبما سبقه من الشرائع، مُنطلقاً منه إلى ربط حركته ودعوته بخطِّ الأنبياء الطويل، مُشيراً إلى نتائج الظلم التي تطرَّف إليها المـُتطرِّفون نتيجةً للفشل في التمحيص.

وهناك روايات ناقلة لخُطبة الإمام، ولا تعرُّض فيها إلى ذكر الظلم السائد، الأمر الذي يجعلها أكثر تركيزاً على المفاهيم المـُتسالم عليها في الإسلام، بحيث تشمل تلك القاصرة التي لا تُدرك بشاعة الظلم ومُنافاته لتعاليم الإسلام.

أخرج السيوطي(1) ، عن نعيم بن حمَّاد، عن أبي جعفر، قال: ( يظهر المهدي بمكَّة عند العشاء، ومعه راية رسول الله (ص) وقميصه

____________________

(1) ج2 ص 144.

٣٧٩

وسيفه، وعلامات نور وبيان، فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته يقول: أُذِّكركم - أيُّها الناس - ومقامكم بين يدي ربِّكم، فقد اتَّخذ الحجر وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب، وأمركم أن لا تُشركوا به شيئاً، وأن تُحافظوا على طاعته وطاعة رسوله (ص)، وأن تُحيوا ما أحيا القرآن وتُميتوا ما أمات، وتكونوا أعواناً على الهدى، ووزراء على التقوى، فإنَّ الدنيا قَدْ دنا فناؤها وزوالها، وآذنت بانصرام، فإنِّي أدعوكم إلى الله ورسوله، والعمل بكتابه، وإماتة الباطل، وإحياء سنَّته، فيظهر في ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً عدد أهل بدر... ) الحديث.

ورواها الصافي في مُنتخب الأثر(1) بشيء من الاختلاف، أهمُّه - في أولها -: ( وقد أكَّد المحجَّة وبعث الأنبياء... - وفي آخرها: - وإماتة الباطل وإحياء السنَّة ).

وهو أفضل من نسخة الحاوي، لعلَّ فيه خطأً مُطبعيَّاً.

المستوى الثاني: اتِّخاذ الجيش المهدوي شعار رسول الله (ص) الذي أخذه لجيشه، كما سبق أن عرفنا.

ولئن لم يكن الشعار النبوي معروفاً لدى عامة المسلمين، فهو معروف على أيِّ حال بين علمائهم ومُفكِّريهم المـُخلصين منهم، فيُمكنهم أن يعرفوا وأن يُعرِّفوا الآخرين: أنَّ هؤلاء القوم قد ساروا على شعار النبي (ص)، إذن؛ فهم مع النبي حتى في شعار حربه، ومُمثِّلون له في خصائصه وهدفه.

المستوى الثالث: مُطالبته بثأر الحسين (ع)، فإنَّه أمر مُتسالم على صحَّته بين المسلمين، بل بين كل المظلومين، وهم أكثر البشرية في عصر الظلم والانحراف.

وقد سمعنا الروايات الدالَّة على ذلك، وكانت كلُّها مروية عن طُرق الخاصة، وأودُّ الآن أن أروي عن بعض المصادر العامة رواية تمتُّ إلى ذلك بصِلَةٍ.

أخرج القندوزي في الينابيع(2) ، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: قلت لعلي الرضا بن موسى الكاظم رضي الله عنهما: يا بن رسول الله، ما تقول في حديث روي عن جدِّك جعفر الصادق رضي الله عنه، أنَّه قال:

____________________

(1) ص490

(2) ينابيع المودَّة ص509 ط النجف

٣٨٠