موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)0%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 202043
تحميل: 10344


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202043 / تحميل: 10344
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

( إذا قام قائمنا المهدي، قتل ذراري قتلة الحسين رضي الله عنه بفعال آبائهم )؟

فقال: ( هو ذلك ).

قلت: فقول الله عزَّ وجل:( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى... ) ، ما معناه؟

فقال: ( صدق الله في جميع أقواله، لكنَّ ذراري قَتَلَةِ الحسين ( رضي الله ) عنه يرضون ويفتخرون بفعال آبائهم، ومَن رضي شيئاً كمَن فعله، ولو أنَّ رجلاً قُتِل في المشرق فرضي أن يقتله رجل في المغرب لكان شريك القاتل ).

وليس المـُراد بالثأر مُجرَّد الانتقام، كما كان عليه ديدن العرب في الجاهلية، وبقي عليه المـُنحرفون الوارثون لتلك العادات إلى الآن، بل المراد أمران مزدوجان.

الأمر الأول: تطبيق الهدف الذي أراده الحسين (ع)، فيضمن ما أراده من أهداف، وهو إزالة الظلم عن الأرض، وتطهيرها من الفساد، والسير نحو المثل الأعلى العادل.

الأمر الثاني: قتل كل راضٍ بمقتل الحسين (ع) وطاعن في ثورته، فإنَّ الراضي بذلك يُمثِّل - في حقيقته - ذلك الانحراف والظلم الذي ثار عليه الحسين (ع)، وأراد فضحه أمام الرأي العام، وسيثور عليه المهدي (ع) ويستأصله عن وجه الأرض، فمن الطبيعي أن يستأصل المهدي أمثال هؤلاء المـُنحرفين، وتمكيناً وتهيئة للمجتمع العادل الكامل، كما سنوضِّح.

لا يختلف في ذلك بين أن يكونوا من ذُرِّيَّة قَتَلَةِ الحسين فعلاً أم من غيرهم، فإنَّ القاعدة الأساسية في ذلك هو أنَّ الراضي بالشيء كفاعله: (... ولو أنَّ رجلاً قُتِل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان شريك القاتل... )، لا يؤثِّر في ذلك افتراق المكان واختلاف الزمان...

وإنَّما نصَّت هذه الرواية على الذُّرِّية، باعتبار أنَّ الغالب في الذُّرِّية المـُنحرفة هو الافتخار بما اجترح الآباء من مظالم، وارتكبوا من مآثم، وهدروا من دماء، ونصَّت أيضاً على القاعدة العامة التي يُمكن باعتبارها التعميم من الذُّرِّية إلى غيرهم، بل القول اليقين: بأنَّه لو كان في الذُّرِّية مَن هو مؤمن يستنكر فعل آبائه، لم يكن مشمولاً للقتل من هذه الجهة.

هذا، وينبغي أنَّ ثورة الإمام الحسين (ع)، وإن كانت واقعةً في ضمن التخطيط العام لعصر ما قبل الظهور، ألاَّ أنَّ النداء بثأره من قِبل المهدي (ع) مخطَّط خاص ثابت بعد الظهور، وليس مُستنداً إلى التخطيط السابق، إلاَّ باعتبار حدوث سببه فيه؛ ومن هنا

٣٨١

جعلناه في الضمانات التي لا تترتَّب على ذلك التخطيط.

الضمان الرابع: من ضمانات انتصار الإمام المهدي (ع) ممَّا لا يترتَّب على التخطيط العام السابق على الظهور، معونة الملائكة له وقتالهم معه.

وينبغي أن نتحدَّث عن ذلك في جهتين، من حيث إيراد الأخبار الدالَّّة على ذلك أولاً، وإيضاح فلسفته ثانياً.

الجهة الأُولى: في إيراد الأخبار الدالة على ذلك، وهي عديدة نذكر أهمَّها:

أخرج الكنجي في البيان(1) ، بإسناده عن الهيثم بن عبد الرحمان، عن علي بن أبي طالب (ع) - في حديث عن المهدي (ع) يقول فيه -: ( يُمدَّه الله بثلاثة آلاف من الملائكة، يضربون وجوههم وأدبارهم ).

قال الكنجي: رواه الطبراني في معجمه، وأخرجه أبو نعيم في مناقب المهدي (ع).

وقال القندوزي في الينابيع(2) ، نقلاً عن إسعاف الراغبين للصبَّان قوله: وجاء في روايات عدَّة أنَّه عند ظهوره يُنادي فوق رأسه مَلَك: ( هذا خليفة الله فاتَّبعوه... وإنَّ الله تعالى يُمدُّه بثلاثة آلاف من الملائكة... وإنَّ جبريل على مُقدَّمة جيشه وميكائيل على ساقته... ) الحديث.

وأخرج ابن قولويه في كامل الزيارات(3) ، بإسناده عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (ع) قال: ( كأنِّي بالقائم على نجف الكوفة... - إلى أن يقول: - فينحط عليه ثلاث عشر ألف ملك وثلاثمئة وثلاثة عشر مَلكاً ).

قلت: كل هؤلاء الملائكة؟

قال: ( نعم، الذين كانوا مع نوح في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم حين أُلقي في النار، والذين كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل، والذين كانوا مع عيسى حين رفعه الله إليه. وأربعة الآف ملك

____________________

(1) ص96.

(2) ص 563.

(3) ص120.

٣٨٢

مع النبي (ص) مُسوَّمين، وألف مُردَفين، وثلاثمئة وثلاثة عشر ملائكة بدريِّين، وأربعة آلاف هبطوا يريدون القتال مع الحسين (ع)، فلم يؤذَن لهم في القتال... وكل هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم (ع) إلى وقت خروجه عليه صلوات الله والسلام ).

وأخرجه النعماني في الغيبة(1) ، مع شيء من الاختلاف.

وأخرج النعماني أيضاً، عن أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( كأنِّي أنظر إلى القائم على نجف الكوفة... - ويستمرُّ في الحديث فيذكر أنَّ راية رسول الله (ص) يأتيه بها جبريل ثمَّ يقول: - يهبط بها تسعة آلاف مَلك، وثلاثمئة وثلاثة عشر مَلكاً ).

فقلت: جُعلت فداك، كل هؤلاء معه؟

قال: ( نعم، هم الذين كانوا مع نوح في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم حيث أُلقي في النار، وهم الذين كانوا مع موسى لمَّا فُلق له البحر، والذين كانوا مع عيسى لمَّا رفعه الله إليه، وأربعة آلاف مُسوَّمين كانوا مع رسول الله (ص)، وثلاثمئة وثلاثة عشر مَلكاً كانوا معه يوم بدر، ومعهم أربعة آلاف يصعدون (صعدواً) إلى السماء يستأمرون في القتال مع الحسين (ع)، فهبطوا إلى الأرض وقد قُتل، فهم عند قبره شُعث غُبر يبكونه إلى يوم القيامة، وهم ينتظرون خروج القائم (ع) ).

وأخرج أيضاً(1) ، بسنده عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول: ( لو قد خرج قائم آل محمد لنُصرة الله بالملائكة المـُسوَّمين والمـُردفين والمـُنزَلين والكروبيين، يكون جبرئيل أمامه وميكائيل عن يمينه وإسرافيل عن يساره، والرُّعب مسيرة أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله، والملائكة المـُقرَّبون حذاه... ) الحديث.

____________________

(1) ص166 وما بعدها.

(2) ص166.

(3) ص122.

٣٨٣

وأخرج أيضاً(1) ، بإسناده عن عبد الرحمان بن كثير، عن أبي عبد الله (ع)، - في حديث يقول فيه -: ( يؤيِّده بثلاثة أجناد: بالملائكة، وبالمؤمنين، وبالرُّعب... ) الحديث.

وأخرج الطبرسي في الإعلام(2) ، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر الباقر (ع): ( كأنِّي بالقائم على نجف الكوفة، وقد سار إليها من مكَّة، في خمسة آلاف من الملائكة، جبرئيل عن يمينه، ميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يُفرِّق الجنود في الأمصار )، إلى غير ذلك من الأخبار.

هذا، وقد سبق أن سمعنا أنَّ جبرئيل (ع ) أول مَن يُبايعه بعد الانتهاء من خُطبته في المسجد الحرام.

أقول: الملائكة المـُسوَّمون، هم المذكورون في قوله تعالى:( بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) (3) .

والملائكة المـُردفون هم المذكورون بقوله تعالى:( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (4) .

والملائكة المـُنزلون هم المذكورون في قوله تعالى:( إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آَلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ ) (5) .

والملائكة المـُقرَّبون في قوله تعالى:

____________________

(1) ص128.

(2) ص430.

(3) آل عمران: 3/ 125-126.

(4) الأنفال: 8/9-10.

(5) آل عمران: 124.

٣٨٤

( لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ... ) (1) .

والظاهر أنَّها صفة عامة للملائكة.

والملائكة الكروبيُّون، غير مذكورين في القرآن الكريم، لكنَّهم ذُكِروا في السنَّة الشريفة في كثير من الأخبار والأدعية.

قيل عنهم في المصادر اللغوية: سادة الملائكة أو المـُقرَّبون منهم.

عبرانيَّتها: كروبيم، جمع كروب.

ومعناها: حافظ أو حارس أو مُقرَّب(2) .

والملائكة البدريُّون، هم الذين أعانوا الجيش الإسلامي النبوي في وقعة بدر، ويبدو من هذه الروايات أنَّهم ثلاثمئة وثلاثة عشر عدد الجيش نفسه.

والملائكة الأربعة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل، هم سادة الملائكة... وقيل: هم أدنى من (الروح) المذكورة في قوله تعالى:( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا... ) (3) .

فالفرد منهم أحد أربعة أو خمسة، لا يُضارعهم غيرهم من الملائكة.

الجهة الثانية: في فلسفة هذه الأخبار.

إنَّنا إذا تكلَّمنا من ناحية عقائدية غير فلسفية، نجد أنَّ معونة الملائكة للجيش المجاهد، يعني إعطاء التأييد الإلهي غير القسري لهذا الجيش، بإدخال عوامل ميتافيزيقية في الحرب، لأجل الحصول على نتائج أفضل، وذلك حين تكون الحرب جهادية ومطابقة للحق ومرضيَّة لله عزَّ وجلَّ، فإنَّه عزَّ وعلا مشيئته الأزلية بانتصار الحق على الباطل، المفهوم من قوله تعالى:( كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) (4) ، فإنَّه لا محالة يسبغ على الجيش المـُمثِّل لطرف الحق لطفه وعطفه، ويُساعده بتوفير عناصر الانتصار له... يكون منها: أنَّه يُرسل قسماً من الملائكة لنصر المؤمنين، وهم (عناصر) ميتافيزيقية غير منظورة... عناصر لا تكون إلاَّ إلى جنب الحق والعدل.

____________________

(1) 4/ 172.

(2) انظر أقرب الموارد، مادَّة كرب.

(3) القدر: 97/4.

(4) 58 / 21.

٣٨٥

وبمُجرَّد أن تنحرف الأُمَّة، فإنَّها تُحرَم بالضرورة من هذه العناصر الطاهرة قال الله تعالى:( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ ) (1)

وهذه العناصر ليست غريبة عن الإمام المهدي (ع)، بعد أن كانت قد وجِدت للنبي (ص) والأنبياء السابقين عليه، كما يُفهم من الآية الأخيرة وهذه الروايات، كيف، وإن ثورة المهدي (ع) هي نتيجة جهود كل هؤلاء الأنبياء وكل الأولياء والصالحين والمـُطبِّقة للهدف الأسمى من خَلق البشرية على وجه الأرض؟! فقد تكون أولى بالنصر والإمداد من أيِّ دعوة أخرى سابقة عليها.

أمَّا الأُسلوب الذي تتَّخذه هذه العناصر الميتافيزيقية، في التأييد والنصر، فهو ممَّا لا يمكن التعرُّف عليه، لوضوح أنَّها عوامل غير منظورة، فمن الطبيعي أن يكون أُسلوب تأثيرها غير منظور أيضاً، أو غير ثابت تاريخياً على الأقل، وقد وردت بعض الروايات التي تتحدَّث عن غزوات النبي (ص) تُصرِّح بأنَّ الملائكة كانوا يُقاتلون كما قاتل الناس، بعد اتِّخاذهم صورة البشر وهذا مُحتمل عقلاً، إلاَّ أنَّه لا يكاد يثبت تاريخياً، ولا يتعيَّن الالتزام به بحسب القواعد المعروفة للإسلام.

وإنَّما الذي يُستطاع الركون إليه بهذا الصدد، واستفادته من هذه الآيات نفسها... هو أنَّ هذه العناصر الميتافيزيقية ترفع من معنويات الجيش البشري المجاهد، وتخفض من معنويات الجيش المـُعادي للحق... إلى حدٍّ تجعل الفرد أقوى من عشرة من أعدائه؛ ولذا كان الحكم الإسلامي المـُصرَّح به في القرآن الكريم عدم جواز الفرار، حتى لو كان الأعداء عشرة أضعاف المسلمين، حتى ارتفع بقوله تعالى:( الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا... ) (2) ، وبُدِّل إلى عدم جواز الفرار إذا كان الجيش المـُعادي بقدر الجيش المـُعادي مرَّتين.

وعلى كلا الحالين، فالمفروض بالفرد المؤمن أن يكون أعلى مستوى في معنوياته وإخلاصه من الفرد الكافر، وهو قوله تعالى:

____________________

(1)36/ 28.

(2) الأنفال: 8/66.

٣٨٦

( إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ... ) (1)

وتُسبِّب هذه العناصر الميتافيزيقية إلى رفع معنويات المسلمين، هو المـُستفاد من نفس هذه الآيات السابقة حيث تقول:( وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ... ) .

وأمَّا الحصول على النصر الكامل من الله عزَّ وجلَّ وحده،( ... وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) .

وهذا التسبُّب الإلهي ليس على وجه القسر، غير مُنافٍ مع إرادة المجاهدين وتضحياتهم، وإنما هو التسبُّب الإلهي الموجود في كل الكون، حتى نزول المطر، وخروج النبات التي يكون استناداً إلى الأسباب الطبيعية واضحاً، قال الله تعالى:( وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً ) (2) .

وبهذا نستطيع أن نُدرك أنَّ الانتصار الذي يُحرزه الجيش المجاهد، ناتج من عمله وإرادته، وليس للعوامل غير المنظورة من إنتاج إلاَّ رفع هذه الإرادة وتركيز هذا العمل.

وليس من قبيل المعجزة، لأنَّ المعجزة تكون بسبب ميتافيزيقي قسري خارج عن إرادة البشر، وليس موردنا من هذا القبيل.

وأودُّ - في هذا الصدد - أن أُشير إلى أنَّ الآيات لم تُنِطْ إنزال الملائكة كون القائد نبيَّاً أو رسولاً، بل ولا كون المؤمنين في حالة حرب فعلاً، وإنَّما أناطت ذلك بأحد أمرين:

الأمر الأول: الصبر والتقوى.

قال تعالى:( بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا... ) الآية.

الأمر الثاني: الاستغاثة إلى الله تعالى بطلب العون.

قال الله تعالى:( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) .

وهذا هو معنى ارتباط هذا التأييد الإلهي، بدرجة كافية من الإخلاص في طريق الله،

____________________

(1) النساء: 4/ 104.

(2) عم: 78/14-16.

٣٨٧

والجهاد المـُقدَّس والأهداف العادلة.

ومتى حصل أحد الأمرين وجِد الإمداد الإلهي، بغضِّ النظر عن شخص القائد، نبيَّاً كان أو إماماً... وبغضِّ النظر عن العمل العادل الذي يقوم به المسلمون، حربياً كان أم سلمياً.

ومن هنا؛ لم تنصَّ الروايات على معونة الملائكة للمهدي (ع) في خصوص الحرب.

وقد سبق أن سمعنا جبريل (ع ) ينزل لمـُبايعته، وليس المهدي (ع) في ذلك الحين في حالة حرب.

هذا، وإنَّ الإيمان بمعونة الملائكة مبنيٌّ على الإيمان بوجودهم بطبيعة الحال، وهو مُتوفِّر لدى كل مَن يعتقد بالمهدي (ع)، وأمَّا الجدل العقائدي ضدَّ المادِّيين وغيرهم في إثبات ذلك، فليس مجاله هذا الكتاب، ويكفينا نحن كمسلمين، تصريح القرآن الكريم بوجودهم.

وإلى هنا تمَّت لدينا فكرة كافية عن ضمانات النصر للإمام المهدي (ع)، التي ينطلق منها إلى تحقيق هدفه الأعلى في البشرية، ولعلَّ هناك ضمانات أخرى لا نُدركها، أو لم يحصل لها الإثبات التاريخي الكافي.

ولعلَّ أيَّ واحد من هذه الضمانات الثمانية كافٍ في الانتصار على العالم، أمَّا أكثر من واحد منها، فضلاً عن مجموعها، ففيه أكثر من الكفاية، بل يكفي لفتح العالم في مدَّة قصيرة لا تتعدَّى الثمانية أشهُر، على ما يُستفاد من عدد من الأخبار التي سنسمعها في الفصل الآتي، بل تكفي لفتح العالم أو أكثر أجزائه بدون قتال، كما يُستفاد من عدد آخر من الأخبار التي سنسمعها هناك أيضاً، ولا يكون ذلك مُستبعَداً أبداً.

٣٨٨

الفصل الرابع

في كيفيَّة ومُدَّة استيلاء المهدي (ع) على العالم

تمهيد:

قلنا: إنَّ التعرُّف على كيفيَّة استيلاء المهدي (ع) على العالم - بمعنى الاطِّلاع على تفاصيل خُططه الحربية وغير ذلك - مُتعذِّر على الباحث السابق على الظهور، فيبقى ذلك موكولاً إلى حتى مجيء عصره، وإنَّما نتكلَّم الآن في حدود إمكاناتنا والإثباتات التي نملكها عن ذلك، وما يمكن أن يندرج تحت هذا العنوان من إثبات ينقسم إلى عدَّة أمور:

الأمر الأول: أنَّ أول حرب يخوضها الجيش المهدوي، هي حربه مع السفياني - بأيِّ معنى فهمناه -، ويتمُّ بانتصار الجيش المهدوي، ومقتل السفياني، وسيطرة المهدي (ع) على العراق، بل على كل المنطقة التي كان يحكمها السفياني، وهي سوريا والعراق على الأقلِّ، وهذا ما سبق أن عرفناه بشكل موجَز، ونعرض له الآن مُفصَّلاً.

الأمر الثاني: إنَّ الإمام المهدي (ع) سوف يضع السيف في كل المـُنحرفين الفاشلين في التمحيص، ضمن التخطيط السابق على الظهور، فيستأصلهم جميعاً... وإن بلغوا الآلاف، ولا يقبل إعلانهم التوبة والإخلاص.

الأمر الثالث: إنَّ مدَّة وضع السيف ستكون ثمانية أشهُر، وقد يُفسَّر ذلك بأنَّ مدَّة فتحه للعالم كلِّه هو هذا المقدار... وسنتحدَّث عن ذلك.

الأمر الرابع: إنَّ فتحه للعالم سيتمُّ - في الأغلب - بدون قتال، كما سيأتي مع الإشارة إلى أسلوبه وفلسفته.

ومن هنا سنتحدَّث في هذا الفصل ضمن أقسام أربعة:

٣٨٩

القسم الأول: حرب السفياني مع الإمام المهدي (ع)، ونتكلَّم عنه ضمن جهتين:

الجهة الأُولى: في سرد الأخبار الواردة بهذا الصدد.

أخرج أبو داوود(1) ، ونقله السيوطي(2) ، عن ابن أبي شيبة، وأحمد، وأبو يعلى، والطبراني، عن أُمِّ سلمة، عن النبي (ص)، قال: ( يكون اختلاف عند موت خليفة... - إلى أن يقول: - ثمَّ ينشأ رجل من قريش أخواله كلب، فيبعث إليهم بعثاً، فظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمَن لم يشهد غنيمة كلب... ) الحديث.

وأخرج السيوطي(3) ، عن أبي عمر الداني عن حذيفة، قال: قال النبي (ص) - في حديث يذكر فيه ظهور المهدي(ع) وبركات دولته -: (... فيقدم الشام، فيذبح السفياني تحت الشجرة التي أغصانها إلى بحيرة طبرية، ويقتل كلباً... - قال رسول الله (ص): - فالخائب مَن خاب يوم كلب، ولو بعقال ).

قال حذيفة: يا رسول الله، كيف يحلُّ قتالهم وهم مُوحِّدون؟

فقال رسول الله (ص): ( يا حذيفة، هم يومئذ على رِدَّة، يزعمون أنَّ الخمر حلال، ولا يُصلُّون ).

وأخرج المجلسي في البحار(4) ، مرفوعاً إلى جابر بن يزيد، عن أبي جعفر(ع) قال: ( إذا بلغ السفياني أنَّ القائم قد توجَّه إليه من ناحية الكوفة، فيتجرَّد بخيله حتى يلقى القائم، فيخرج ويقول: أخرجوا إليّ ابن عمّي. فيخرج عليه السفياني، فيُكلِّمه القائم (ع) فيجيء السفياني فيُبايعه.

ثمَّ ينصرف إلى أصحابه، فيقولون له: ما صنعت؟

فيقول: أسلمت وبايعت.

فيقولون: قبَّح الله رأيك! بينما أنت خليفة متبوع، فصرت تابعاً.

فيستقبله فيُقاتله، ثمَّ يُمسون تلك الليلة، ثمَّ يُصبحون

____________________

(1) السُّنن ج2 ص422 إلى ما بعدها.

(2) الحاوي ج2 ص126.

(3) المصدر ص160.

(4) ج13 ص199.

٣٩٠

للقائم بالحرب، فيقتتلون يومهم ذلك. ثمَّ إن الله تعالى يمنح القائم وأصحابه أكتافهم، فيقتلوهم حتى يفنوهم... ) الحديث.

وأخرج أيضاً(1) ، عن عبد الأعلى الحلبي، عن أبي جعفر (ع) - في حديث طويل - ذكر فيه القائم المهدي (ع) إلى أن ذكر دخوله الكوفة، ثمَّ قال:

( ثمَّ يقول لأصحابه: سيروا إلى هذا الطاغية. فيدعو إلى كتاب الله وسنَّة نبيِّه (ص)، فيُعطيه السفياني من البيعة سِلماً. فيقول له كلب - وهم أخواله -: ما هذا؟! ما صنعت؟! والله، ما نُبايعك على هذا أبداً! فيقول ما أصنع؟ فيقولون: استقبلْه. فيستقبله، ثمَّ يقول له القائم: خُذْ حذرك، فإنِّي أدَّيت إليك، وأنا مُقاتلك. فيُصبح فيُقاتلهم، فيمنحه الله أكتافهم، ويأخذ السفياني أسيراً. فينطلق به فيذبحه بيده ).

وأخرج السيوطي(2) ، عن نعيم بن حمَّاد، عن الوليد بن مسلم، عن محمد بن علي قال:

( إذا سمع العائذ الذي بمكَّة الخسف خرج مع اثني عشر ألفاً، وفيهم الأبدال حتى ينزلوا إيلياء، فيقول الذي بعث الجيش حتى يبلغه الخبر من إيلياء: لعمر الله، لقد جعل الله في هذا الرجل عِبرة، بعثت إليه ما بعثت فساخوا في الأرض، إنَّ في هذا لعِبرة ونُصرة، فيؤدِّي إليه السفياني الطاعة. فيخرج حتى يلقى كلباً، وهم أخواله، فيُعيِّرونه بما صنع، ويقولون: كساك الله قميصاً فخلعته! فيقول: ما ترون؟ أستقيله البيعة؟ فيقولون: نعم. فيأتيه إلى إيلياء فيقول: أقلني ( فيقول: بلى) فيقول له: أتُحبُّ أن أُقيلك؟ فيقول: نعم. فيُقيله، ثمَّ يقول: هذا رجل قد خلع طاعتي. فيأمر به عند ذلك، فيُذبح على بلاطة باب إيلياء. ثمَّ يسير إلى كلب فينهبهم. فالخائب مَن خاب يوم نهب كلب ).

إلى بعض الأخبار الأُخرى.

وقوله: ( رجل من قريش، أخواله كلب... )، هو السفياني؛ بقرينة الأخبار الأُخرى، وظاهر الأخبار أنَّ نَسَبَه في آل أبي سفيان وأنَّه من قبيلة (كلب)، ويوجد من أفرادها جماعة

____________________

(1) ج13 ص 189

(2) ص 146

٣٩١

من أهمِّ بطانته ومُناصريه.

وقوله: ( أخرجوا إليَّ ابن عمِّي... )، اطلاقاً من ادِّعاء أنَّ آل أبي سفيان وآل أبي طالب ( ومنهم المهدي ) أولاد عمومة، وهو ادِّعاء لم يؤيِّده التاريخ، وظاهر الخبر أنَّه من كلام السفياني نفسه.

وقوله: ( بينما أنت خليفة متبوع... )، ظاهره أنَّ السفياني يُمارس الحكم باسم الخلافة الإسلامية، وهو بعيد، غير أنَّ الخبر جاء طبقاً للمستوى المناسب لعصر صدوره، فإنَّ الحكم كان باعتبار الخلافة يومئذ.

و(إيلياء) اسم بلدة، والظاهر أنَّها الكوفة، باعتبار أمرين:

الأمر الأول: أنَّ المهدي ينزلها بعد الخسف.

قال في الخبر ( خرج في اثني عشر ألفاً فيهم الأبدال حتى ينزلوا إيلياء )، وقد عرفنا أنَّ الكوفة هي المركز الرئيسي للمهدي (ع) بعد خروجه من مكَّة وقدومه العراق.

الأمر الثاني: أنَّ الكوفة كانت هي عاصمة حُكم علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع)؛ ومن هنا سُمِّيت بإيلياء؛ اشتقاقاً من لفظ (علي).

وقوله: ( العائذ الذي بمكَّة... )، هو المهدي (ع)، كما نطقت بذلك الروايات الكثيرة التي سمعناها في هذا التاريخ والتاريخ السابق، وهو الذي يحدث الخسف من أجله كما عرفنا مُفصَّلاً.

الجهة الثانية: في الفَهْم العام لهذه الروايات، مُتَّصلاً بالفهم العام السابق الذي قدَّمناه إلى حين وصول المهدي إلى العراق.

بعد حدوث الخسف يحصل عند السفياني - بأيِّ معنى فهمناه - حجَّة واضحة في أنَّ الحق إلى جانب المهدي (ع) فيقول: لعَمْرُ الله، لقد جعل الله في هذا الرجل عِبرة، بعثت إليه ما بعثت فساخوا في الأرض، إنَّ في هذا لعِبرة ونُصرة، ويسير المهدي (ع) حتى ينزل الكوفة في هذا الجوِّ الملائم، الذي عرفنا أنَّه الأُطروحة الرئيسية لتغطية تحرُّكات المهدي (ع) سلماً، فيطلب السفياني مواجهته في الكوفة، فيتقابلان، فيتكلَّم معه الإمام (ع) فيزيده عقيدة به. فيُبايعه السفياني، ويعتقد بإمامته، ولم تُصرِّح الروايات بالصيغة المـُتَّفق عليها بينهما، غير أنَّ المفهوم عموماً أنَّه ليس تنازلاً مطلقاً من قِبل السفياني، بمعنى أنَّه يبقى حاكماً سياسياً كما كان، بالرغم من مبايعته.

٣٩٢

ويخرج السفياني عائداً إلى عاصمته، فيستقبله أهل الحِلِّ والعقد من جماعته، وفيهم عدد من المـُتطرِّفين المـُسيطرين، ذكرت الأخبار أنَّهم من عشيرة أُمِّه، من قبيلة كلب، فيسألونه عن نتائج المباحثات، فيُخبرهم بمُبايعته، فيشجبون موقفه ويُعيِّرونه عليه؛ باعتبار أنَّه قد أصبح تابعاً بعد أن كان متبوعاً.

ولا يمكن أن يكون للسفياني بشخصه موقف مُستقلٌّ ضدَّ خاصَّته ومُستشاريه، فيسألهم عن الرأي الصائب في نظرهم، فيقترحون عليه خلع البيعة، ومواجهة المهدي (ع) مواجهةً صارمةً، فيعود السفياني إلى المهدي (ع) طالباً خلع البيعة وإقالته منها، فيُقيله المهدي (ع) منها، وبذلك يُصبح خارجاً على طاعته، فيُهدِّده المهدي (ع) بالقتال، فلا يكون للسفيان بدٌّ من القبول.

وظاهر سياق الروايات في هذه النقطة، أنَّ المهدي (ع) يُقاتل السفياني، وهو - أعني السفياني - بعيد عن عاصمته، مع جماعته القليلة الذين جاؤوا معه إلى مقابلة المهدي (ع)، فيفنى عسكر السفياني ويُباشر المهدي قتل السفياني بنفسه، كما تقول بعض الروايات.

وتبقى عاصمة السفياني بمَن فيها من مُسيطرين ومُنحرفين بدون حاكم، فيسرع المهدي (ع) إليها بجيشه، فتسقط بيده بسهولة، وينهب جيش المهدوي أموالهم ( والخائب يومئذ مَن خاب من غنيمة كلب ).

وبذلك تسقط المنطقة التي يحكمها السفياني كلها في يد المهدي (ع)، ويُصبح المهدي حاكماً عامَّاً عليها.

القسم الثاني: في أنَّ المهدي (ع) يستأصل المـُنحرفين جميعاً، ونتكلَّم عنه في عدَّة جهات:

الجهة الأُولى: في سرد الأخبار الدالَّة على أنَّ المهدي (ع) يقتل المـُنحرفين قتلاً واسع النطاق، وقد وردت حول ذلك أخبار كثيرة، نذكر نماذج كافية منها.

أخرج النعماني في الغيبة(1) ، بسنده عن الحارث الهمداني، قال: قال أمير المؤمنين (ع):

____________________

(1) ص120.

٣٩٣

( بأبي ابن خيرة الإماء - يعني القائم من ولده - يسومهم خسفاً، ويسقيهم بكأس مُصبَّرة، ولا يُعطيهم إلاَّ السيف هرجاً، فعند ذلك تتمنَّى فجرة قريش لو أنَّ لها مقاة مُني بالدنيا وما فيها - لا غفر لها - لا نكفُّ عنهم حتى يرضى الله ).

وأخرج أيضاً(1) ، بسنده عن زرارة، عن أبي جعفر (ع):

قال: قلت له: صالح من الصالحين سمَّاه لي، أُريد القائم (ع).

فقال: ( اسمه اسمي ).

فقلت: أيسير بسيرة محمد (ص)؟

قال: ( هيهات هيهات! يا زرارة، ما بسيرته ).

قلت: جُعلت فداك، لم؟

قال: ( أنَّ رسول الله (ص) سار في أُمَّته باللين (بالمنِّ)، كان يتألَّف الناس، والقائم يسير بالقتل، بذاك أُمِرَ في الكتاب الذي معه، أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً، ويل لمَن ناوأه!.. ).

وأخرج أيضاً(2) ، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (ع) أنَّه قال: ( إنَّ علياً (ع) قال: كان لي أن أقتل المولِّي وأُجهز على الجريح، ولكن (ولكنِّي) تركت ذلك للعاقبة من أصحابي أن جرحوا ولم يقتلوا، والقائم له أن يقتل المولِّي ويُجهز على الجريح ).

وأخرج أيضاً(3) ، عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: ( لو يعلم الناس ما صنع القائم إذا خرج لأحبَّ أكثرهم ألاَّ يَرَوه ممَّا يُقتل من الناس، أما إنَّه لا يبدأ إلاَّ بقريش، فلا يأخذ منها إلاَّ السيف، ولا يُعطيها إلاَّ السيف، حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم ).

وأخرج أيضاً(4) ، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع)، أنَّه قال:

____________________

(1) ص121.

(2) نفس الصفحة.

(3) ص122.

(4) نفس الصفحة، وانظر غيبة الشيخ الطوسي ص 277.

٣٩٤

( ما تستعجلون بخروج القائم، فوالله، ما لباسه إلاَّ الغليظ، ولا طعامه إلاَّ الجَشب، وما هو إلاَّ السيف والموت تحت ظلال سيف ).

وأخرج أيضاً(1) ، بسنده عن بشر بن غالب الأسدي، قال: قال لي الحسين بن علي (ع): ( يا بشر، ما بقاء قريش إذا قدم القائم المهدي منهم خمسمئة رجل، فضرب أعناقهم، ثمَّ قدَّم خمسمئة فضرب أعناقهم صبراً، ثمَّ خمسمئة فضرب أعناقهم ).

قال: فقلت له: أصلحك الله، أيبلغون ذلك؟

فقال الحسين بن علي (ع): ( إنَّ مولى القوم منهم ).

وأخرج الشيخ في المفيد في الإرشاد(2) ، عن عبد الله بن المغيرة، عن أبي عبد الله (ع) قال: ( إذا قام القائم من آل محمد صلوات الله عليهم، أقام خمسمئة من قريش، فضرب أعناقهم، ثمَّ قام خمسمئة فضرب أعناقهم، ثمَّ خمسمئة أخرى، حتى يفعل ذلك ستَّ مرات ).

قلت: ويبلغ عدد هؤلاء هذا.

قال: ( نعم، منهم ومن مواليهم... )، وأخرجه الطبرسي في إعلام الورى(3) .

وأخرج الصدوق في إكمال الدين(4) ، والطبرسي في الإعلام(5) ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسيني، قال: قلت لمحمد بن علي بن موسى (ع): إنِّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد... إلى أن يقول الإمام (ع): (... فإذا اكتمل له القصد، وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عزَّ وجلَّ، فلا يزال يقتل أعداء الله، حتى يرضى الله عزَّ وجلَّ ).

قال عبد العظيم: فقلت له: يا سيدي، وكيف يعلم أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد رضي؟

قال: ( يُلقي في قلبه الرحمة... ) الحديث.

____________________

(1) ص123.

(2) ص243.

(3) ص431.

(4) انظر المصدر المخطوط.

(5) ص409.

٣٩٥

وأخرج الشيخ في الغيبة(1) ، عن أبي الجارود، قال: قال أبو جعفر (ع): - وهو يتحدَّث عن القائم (ع) -: ( ويقتل الناس حتى لا يبقى دين محمد (ص)... ) الخبر.

وأخرج المفيد في الإرشاد(2) ، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (ع) - في حديث طويل - أنَّه قال: ( إذا قام القائم (ع)، سار إلى الكوفة، فيخرج منها بضعة عشر ألفاً نفس يُدعون البتريَّة ( البريَّة ) عليهم السلاح، فيقولون له: ارْجع من حيث جئت، فلا حاجة لنا ببني فاطمة. فيضع فيهم السيف، حتى يأتي على آخرهم، ثمَّ يدخل الكوفة، فيقتل بها كل منافق مُرتاب، ويهدم قصورها ويقتل مقاتليها، حتى يرضى الله عزَّ وعلا ).

وأخرج المجلسي في البحار(3) ، عن رفيد مولى ابن هبيرة. قال: قلت لأبي عبد الله (ع): جُعلت فداك، يا بن رسول الله، أيسير القائم بسيرة علي بن أبي طالب في أهل السواد

قال: ( لا يا رفيد، إنَّ علي بن أبي طالب سار في أهل السواد بما في الجُفر الأبيض، وإنَّ القائم يسير في العرب بما في الجُفر الأحمر ).

قال: قلت: جُعلت فداك، وما الجُفر الأحمر؟

قال: فأمرَّ إصبعه على حلقه، فقال هكذا. يعني الذبح.

وأخرج أيضاً(4) مرفوعاً إلى عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (ع)، قال: ( إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب والفُرس إلاَّ السيف، لا يأخذها إلاَّ بالسيف، ولا يُعطيها إلاَّ به ).

وأخرج النعماني(5) ، بسنده عن بشير بن أراكة النبال، عن أبي جعفر (ع) -

____________________

(1) ص283.

(2) ص 343.

(3)ج13 ص181.

(4) ص200 من نفس الجزء.

(5) ص152، وكذلك الذي يليه.

٣٩٦

في حديث - أنَّه قال: ( يذبحهم - والذي نفسي بيده - كما يذبح القصَّاب شاته، وأومأ بيده إلى حلقه ).

قلت: إنَّهم يقولون: إنَّه إذا كان ذلك استقامت له الأمور فلا يُهريق مَحْجمة دم.

فقال: ( كلاَّ، والذي نفسي بيده، حتى نمسح وأنتم العِرق والعَلق )، وأومأ بيده إلى جبهته.

وفي حديث آخر، عن بشير النبال أيضاً، قال: قلت لأبي جعفر (ع): إنَّهم يقولون: إنَّ المهدي (ع) لو قام لاستقامت له الأمور عفواً، لا يُهريق مَحْجمة دم.

فقال: ( كلاَّ، والذي نفسي بيده، لو استقامت لأحد عفواً، لاستقامت لرسول الله (ص) حين أُدْميت رباعيَّته وشُجَّ في وجهه، كلاَّ، و الذي نفسي بيده، حتى نمسح نحن وأنتم العِرق والعلق، ثمَّ مسح جبهته ).

وأخرج الشيخ في الغيبة(1) ، بسنده عن أبي بصير، قال: إذا قام القائم... إلى أن قال: ( ثمَّ يتوجَّه إلى الكوفة فينزلها، وتكون داره، ويُبهرج(2) سبعين قبيلة من قبائل العرب ).

وبإزاء هذه الأحاديث المتواترة القطعية، يوجد ما ينفي مباشرة الإمام المهدي (ع) للقتل، الأمر الذي سمعنا تكذيبه من الأخبار السابقة.

أخرج السيوطي في الحاوي(3) ، عن نعيم بن حماد، وابن طاووس في الملاحم والفتن(4) عنه أيضاً، عن أبي هريرة، قال:يُبايع المهدي (ع) بين الركن والمقام، لا يوقظ نائماً ولا يُهريق دماً.

وفي الملاحم أيضاً(5) ، عن نعيم بن حماد، بإسناده عن أبي رافع إسماعيل بن رافع عمَّن حدَّثه، عن أبي سعيد، عن النبي (ص) قال:

____________________

(1) ص284.

(2) يعني: يهدر دماءهم.

(3) ج2 ص152.

(4) ص51.

(5) ص56.

٣٩٧

( تأوي إليه أُمَّته، كما يأوي النحل إلى يعسوبها، يملاً الأرض عدلاً كما مُلِئت جوراً، حتى يكون الناس على مثل أمرهم الأول، لا يوقظ نائماً ولا يُهرق دماً ).

الجهة الثانية: ارتباط كثرة القتل بالتخطيطين الإلهيَّين العامَّين: تخطيط ما قبل الظهور، وتخطيط ما بعد الظهور، وهما تخطيطان سبق أن عرضناهما وبرهنَّا عليهما.

والمراد في المقام: بيان ارتباط ما يقوم به القائد المهدي (ع) من القتل الكثير، بهذين التخطيطين، بمعنى الجواب على التساؤل عن مقدار سببية تخطيط عصر الغيبة لهذا القتل، وعن نفع هذا المقدار من القتل وتأثيره في التخطيط لما بعد الظهور... الذي هو التخطيط لإقامة دولة العدل في العالم وترسيخ قوائمها.

فهنا موقفان:

الموقف الأول: مقدار ارتباط كثرة القتل بالتخطيط العام السابق على الظهور.

إن أخذنا هذه الكثرة بصفتها تكتيكاً حربياً ونظاماً عسكرياً، ولم يكن له ارتباط وثيق بهذا التخطيط... ولكنَّنا إن لاحظنا المقتولين في هذه الحملة وجدناها موجَّهة ضدَّ أولئك الفاشلين في التمحيص إلى طرف الباطل، يكون الآن مقتولاً لا محالة؛ ولذا نسمع من هذه الأخبار أنَّه ( عليه السلام ) يقتل أعداء الله، ويقتل كل منافق مُرتاب، وأنَّه لا يستتيب أحداً، وأنَّه يقتل قوماً يرفضون ثورته ويقولون له: ارْجِع، لا حاجة لنا ببني فاطمة، وكل هؤلاء هم الفاشلون في التمحيص السابق على الظهور.

ولا تنفع هذا الفاشل توبته بين يدي المهدي (ع)، بل سيقتله المهدي (ع) ولا يستتيبه، أي لا يطلب منه التوبة، ولا يسمعها منه، وقد سبق أن سمعنا عن الإمام المهدي (ع) نفسه أنَّه قال: ( فليعمل كل امرئٍ منكم بما يُقرِّب به من محبَّتنا، ويتجنَّب ما يُدينه من كراهتنا وسخطنا؛ فإنَّ أمرنا بغتة فجأة، حين لا تنفعه توبة، ولا يُنجيه من عقابنا ندم على حوبه )(1) .

ولعلَّ هذا هو المقصود من قوله تعالى:

____________________

(1) انظر الاحتجاج للطبرسي ج2 ص23 وما بعدها، وتاريخ الغيبة الكبرى للمؤلِّف.

٣٩٨

( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً... ) (1) .

كما جاءت به بعض الروايات(2) .

وهذا هو المعنى الظاهر من الآية عند مراجعة سياقها حين يقول عزَّ وجل:( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُون ) .

وسيأتي الكلام عن ذلك في الجزء الخاص بالقرآن الكريم من هذه الموسوعة.

وأمَّا الناجحون المـُمحَّصون في هذا التخطيط العام، فهم المؤمنون بالمهدي (ع) المـُبايعون له، الآمنون في دولته، السعداء في ظلِّ عدله، وهم الذين يُباشرون القتل تحت قيادته، وقد سبق أن سمعنا عنهم: أنَّه ( يُعطى الواحد منهم قوَّة أربعين رجلاً، لا يكفُّون سيوفهم حتى يرضى الله عزَّ وجلَّ ).

الموقف الثاني: ارتباط كَثرة القتل بالتخطيط العام لما بعد الظهور.

فإذا عرفنا أنَّ هدف هذا التخطيط هو إقامة المجتمع الإيماني الكامل، الذي تحكمه دولة الحق، ويسوده التشريع العادل الكامل، ومثل هذا المجتمع لا يمكن تطبيقه إلاَّ إذا تظافرت القوى من قِبل الدولة والشعب معاً على تنفيذه وإنجازه، فإنَّه يحتاج - وخاصة عند بدء التطبيق - إلى جهود وتضحيات كثيرة، فما لم يكن الأفراد على مستوى المسؤولية في تطبيق التشريع العادل على كل أقوالهم وأفعالهم، لا يمكنهم أن ينجوا فيه؛ ومن ثَمَّ قد يُصبحون سبباً في فشل التخطيط أساساً.

ومن المعلوم أنَّ المـُعطى الفردي والاجتماعي لهذا التضحيات، والتجاوب مع هذه المـُتغيِّرات، يتناسب عكسياً مع قلَّة الإيمان والشعور بالمصلحة الأنانية، فإنَّ الإنسان بمقدار ما تحتويه نفسه، ويتضمَّنه كيانه الفكري والعقائدي من نقاط ضعف، فإنَّه ينساق إلى تفضيل مصلحته الأنانية على السلوك العادل، ومهما كبرت في الفرد نقاط ضعفه، كلَّما كان لمصلحته أشوق وبها ألصق، وعن إطاعة الحُكم العادل أبعد.

إذن؛ فمثل هذا الفرد لا يستطيع أن يواكب السلوك العادل ورد الفعل الصالح،

____________________

(1) الأنعام: 6/158

(2) انظر: الاحتجاج ج2 ص 317 و غيره.

٣٩٩

الذي يقتضيه المجتمع العادل، بمعنى أنَّه يختار عليه دائماً مصلحته وأنانيَّته؛ ومعه ينحصر تطبيق المجتمع العادل على أيدي الأفراد الصالحين العادلين، الذين مارسوا السلوك الصالح ردحاً من الزمن، وهم الناحجون في التمحيص الموجود في التخطيط السابق.

وأمَّا الفرد المنافق والمنحرف الفاشل في التمحيص، فلا يمكن أن يكون عضواً في هذا المجتمع، بل ينبغي اجتثاثه رأساً قبل البدء بالتطبيق العادل.

وحيث قد أنتج التخطيط العام السابق انكشاف حال الكثيرين، في السقوط في مهوى الرذيلة والنفاق، وكونهم على مستوى عصيان ضروريات الدين، كما سبق أن قلنا:... هذا حال أكثرية المسلمين من مُختلف المذاهب. وحينئذ نستطيع أن نتصوَّر عدد الأفراد الذين ينبغي اجتثاثهم والاستغناء عن وجودهم، لأجل البدء بالتطبيق العادل الكامل.

وسيكون هذا الاجتثاث أو القتل أول خطوة رئيسية في التطبيق العادل، الذي يهدف إليه - فيما يهدف - التخطيط الإلهي العام لما بعد الظهور.

ومن هنا؛ نعرف ربطاً جديداً بين التخطيطين، حيث يكون الأول مُساعداً للثاني في إنتاجه لهدفه، فإنَّ الأول - وهو تخطيط عصر الغيبة - يكشف ما في نفوس الأفراد، من زيف ونقاط ضعف، عن طريق التمحيص الطويل، لكي يُستغنى عنهم ويُنزَّه المجتمع عن وجودهم، أخذاً بالتخطيط الثاني.

إذن؛ فالقتل ليس تكتيكاً عسكرياً محضاً، لمـُجرَّد السيطرة والانتصار، بل هو مُقدَّمة أساسية للتطبيق العادل؛ ومن هنا نرى أنَّ المهدي (ع) يقتل الأفراد في غير الحرب أيضاً، كما وردت به الروايات، كالذي سمعنا عن أبي عبد الله (ع) أنَّه قال: ( بينا الرجل على رأس القائم يأمر وينهى، إذ أمر بضرب عنقه )، وغيرها، كل ذلك تجنُّباً من العناصر السيِّئة في المجتمع الصالح.

ولو تكلَّمنا بلُغة العصر الحديث لقلنا: إنَّ تطبيق الحاكم العقائدي لمبدئه وعقيدته على دولته، يتوقَّف على استئصاله لكل مُعارضيه وكل مَن يُحتمل صدور الخلاف منه استئصالاً تاماً... ولا يكفي فيهم المـُلاينة وتأجيل العقاب بعد الجريمة، كيف وهو يعلم أنَّ مبدأه هو الحق، وكل مُخالف له هو مُخالف للحق، وكل مُخالف للحق مُجرم، وكل مُجرم لا يمكن أن يعيش في مجتمع الصالحين؟!

٤٠٠