موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)8%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

الجزء ١ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212518 / تحميل: 11108
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

التي يحرم منهالعمرة التمتع - ومر بيانها - نعم، إذا كان المكلف في مكة وأراد الإتيان بالعمرة المفردة جاز له أن يحرم من أدنى الحلّ، كالحديبية والجعرانة والتنعيم، ولا يجب عليه الرجوع الى المواقيت والإحرام منها(١) ، ويستثنى من ذلك من أفسد عمرته المفردة بالجماع قبل السعي، فإنه يجب عليه الاحرام للعمرة المعادة من أحد المواقيت، ولايجزيه الاحرام من أدنى الحل على الاحوط، كما مر توضيحه في المسألة ٩٠.

مسألة ٣٩٩: لايجوز دخول مكة بل ولادخول الحرم إلا محرما(٢) ، فمن أراد الدخول فيهما في غير أشهر الحج وجب عليه

____________________

(١) فقد أحرم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد رجوعه من الطائف من الجعرانة.

(٢) لعدة من النصوص، ففي صحيحة ابن مسلم قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام هل يدخل الرجل الحرم (مكة) بغير إحرام ؟ قال: « لا، إلا مريضا او من به بطن » وفي صحيحة عاصم عنهعليه‌السلام : « يدخل الحرم احد إلا محرما ؟ قال: لا، إلا مريض أو مبطون » وفي مستطرفات السرائر نقلا عن كتاب جميل عن بعض اصحابه عن احدهماعليهما‌السلام في الرجل يخرج من الحرم الى بعض حاجته ثم يرجع من يومه، قال: « لابأس بأن يدخل بغير احرام» وفي مرسلة البختري وابان عن رجل عنهعليه‌السلام في الرجل يخرج

=

٣٦١

أن يحرم للعمرة المفردة، ويستثنى من ذلك من يتكرر منه الدخول والخروج لحاجة كالحطاب والحشاش ونحوهما(١) ، وكذلك من خرج من مكة بعد إتمامه أعمال عمرة التمتع والحج، أو بعد العمرة المفردة فإنه يجوز له العود إليها من دون إحرام قبل مضي الشهر الذي أدى فيه عمرته، وتقدم حكم الخارج من مكة بعد عمرة التمتع وقبل الحج في المسألة ١٠.

* مسألة ٤٠٠: إذا أتى بالعمرة المفردة نيابة عن الغير، وخرج من مكة ورجع قبل مضي الشهر الذي أدى فيه العمرة، فهل يجوز له

____________________

=

في الحاجة من الحرم، قال: « إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام، وإن دخل في غيره دخل بإحرام »، وما في المعتمد من أن المراد من دخول الحرم هو دخول مكة لعدم الريب في عدم وجوب الاحرام لمن كانت له حاجة في الحرم ولم يرد النسك، ودعوى أن القدسية والمزية والحرمة لمكة بخصوصها، خلاف ظاهر النصوص وإن القدسية والمزية لمكة أولا وبالذات وللحرم، وإلا ماوجه تسميته بذلك.

(١) كما هو مفاد بعض النصوص.

* اذا تكرر خروجه يوميا أو ثلاث او أربع مرات في الاسبوع لم يلزمه الاحرام للدخول.

٣٦٢

العود من دون إحرام، فيه إشكال والاحوط تجديد الاحرام(١) .

* مسألة ٤٠١: الظاهر أن دخول الحرم أو مكة بلا إحرام حرام حدوثا(٢) لابقاءً، فإذا دخلهما بغير إحرام عمداً او لعذر لايجب عليه الخروج فوراً.

مسألة ٤٠٢: من أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج وبقي في مكة إلى يوم التروية وقصد الحج كانت عمرته متعة(٣) ، فيأتي بحج التمتع، ولافرق في ذلك بين الحج الواجب والمندوب.

* لكن كل ذلك بشرط عدم الخروج من مكة - ولو الى جدة - بعد الاتيان بالعمرة المفردة الى يوم التروية، فإذا خرج منها لاتكون متعة.

____________________

(١) اذ الفصل المعتبر بين العمرتين فيما اذا كان عن نفسه، مع امكان واحتمال شمول النصوص الدالة على عدم الحاجة الى الاحرام إذا رجع في نفس الشهر للمقام أيضا.

(٢) اذ هو غاية مايستفاد من النصوص فراجع.

(٣) كما هو مقتضى الروايات وقد مر بعضها.

٣٦٣

أحكام المصدود

مسألة ٤٠٣: المصدود: هو الذي منعه العدو أو نحوه من الوصول الى الاماكن المقدسة لأداء مناسك الحج أو العمرة بعد تلبسه بالإحرام.

مسألة ٤٠٤: المصدود في العمرة المفردة إذا كان سائقا للهدي جاز له التحلل من إحرامه بذبح هديه أو نحره في موضع الصد(١) .

وإذا لم يكن سائقا وأراد التحلل لزمه تحصيل الهدي وذبحه أونحره، ولايتحلل بدونه على الاحوط(٢) .

____________________

(١) ففي موثقة زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: المصدود يذبح حيث صد ويرجع صاحبه فيأتي النساء.

(٢) كما هو مذهب الاكثر كما في المدارك والمفاتيح والذخيرة والرياض، بل في الغنية والمنتهى إجماعنا عليه، لقوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة فان احصرتم فما استيسر من الهدي ) وموثقة زرارة المتقدمة، وفعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما صده المشركون يوم الحديبية، وذهب والصدوقان وابن إدريس الى التحلل بدونه، لاختصاص الآية بالاحصار وعدم دلالتها صراحة على الوجوب، ومع التنزل يختص ذلك بمن ساق الهدي، وأما

=

٣٦٤

والاحوط لزوما ضم الحلق أو التقصير إلى الذبح أو النحر في كلتا الصورتين(١) .

____________________

=

موثقة زرارة وغيرها فكذلك تقيّد بما اذا ساق الهدي وإلا فيتخير بين الحلق والتقصير، كما يشير إليه مارواه علي بن ابراهيم بسند صحيح من أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بنحر ماساقوه معهم من الابل وحلق رؤوسهم وأما من لم يسق فخيره بين الحلق والتقصير، فعن الصادقعليه‌السلام قال - في حديث طويل -: فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله تعظيماً للبدن رحم الله المحلّقين، وقال قوم لم يسوقوا البدن: يارسول الله والمقصرين ؟ لان من لم يسق هدياً لم يجب عليه الحلق، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثانياً رحم الله المحلقين الذين لم يسوقوا الهدي، فقالوا يارسول الله والمقصرين، فقال: رحم الله المقصرين»، ولعله منشأ الاحتياط والله العالم.

(١) تبعا للشهيدين في الدروس والروضة والمسالك جمعا بين الاخبار، ففي رواية حمران عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين صدّ بالحديبية قصّر وأحلّ ونحر ثم انصرف منها ولم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك، فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير.

وفي صحيحة رفاعة عن ابي عبد اللهعليه‌السلام قال: خرج الحسينعليه‌السلام معتمرا وقد ساق بدنة حتى انتهى الى السفيا فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه.

=

٣٦٥

وأما المصدود في عمرة التمتع، فإن كان مصدودا عن الحج ايضا فحكمه ماتقدم، وإلا - كما لو منع من الوصول الى البيت الحرام قبل الوقوفين خاصة - فلا يبعد انقلاب وظيفته الى حج الافراد(١) .

مسألة ٤٠٥: المصدود في حج التمتع إن كان مصدوداً عن الموقفين او عن الموقف بالمشعر خاصة، فالأحوط أن يطوف ويسعى ويحلق رأسه ويذبح شاة فيتحلل من إحرامه(٢) .

____________________

=

وفي موثقة الفضل بن يونس قال: سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل أن يعرف، فبعث به إلى مكة فحبسه، فلما كان يوم النحر خلى سبيله كيف يصنع ؟ فقال: يلحق فيقف بجمع، ثم ينصرف الى منى فيرمي ويذبح ويحلق ولاشيء عليه، قلت: فإن خلى عنه يوم النفر كيف يصنع ؟ قال: هذا مصدود عن الحج إن كان دخل متمتعا بالعمرة الى الحج فليطف بالبيت اسبوعا، ثم يسعى اسبوعا ويحلق رأسه ويذبح شاة، فإن كان مفردا للحج فليس عليه ذبح ولاشيء عليه.

وعن الشيخ في النهاية وظاهر الشرائع والنافع، بل المنسوب الى الاكثر كما في الرياض عدم توقف التحلّل عليهما أصلا قصورا في مقتضى الادلة.

(١) لشمول بعض أدلة الانقلاب له كما لايخفي فراجع.

(٢) كما هو مقتضى موثقة الفضل المتقدمة فانها ظاهرة على التبدل الى العمرة المفردة إذ الطواف والسعي والحلق من اعمالها، ووجوب الذبح لالكونه عمرة مفردة حتى يشكل بعدم القائل وإنما تطبيقا لقولهعليه‌السلام

=

٣٦٦

وإن كان مصدودا عن الطواف والسعي فقط - بأن منع من الذهاب الى المطاف والمسعى - فعندئذ ان لم يكن متمكنا من الاستنابة وأراد التحلل، فالاحوط أن يذبح أو ينحر هديا ويضم إليه الحلق او التقصير(١) .

وإن كان متمكنا من الاستنابة فلا يبعد جواز الاكتفاء بها(٢) ، فيستنيب لطوافه وسعيه ويأتي هو بصلاة الطواف بعد طواف النائب.

وإن كان مصدودا عن الوصول الى منى لأداء مناسكها فوقتئذ إن كان متمكنا من الاستنابة استناب للرمي والذبح او النحر(٣) ، ثم حلق أو قصر ويبعث بشعره الى منى مع الإمكان، ويأتي ببقية المناسك.

____________________

=

في صحيحة زرارة «المصدود يذبح حيث صد»، وحيث ادعي الاجماع واتفاق الاصحاب كما في الجواهر على انه بالخيار بين التحلل بالذبح او البقاء على الاحرام حتى يفوت الموقفان ويتحلل بعمرة مفردة فالاحتياط في محله والله العالم.

(١) لصدق الصد حينئذٍ.

(٢) لحكومة أدلة الاستنابة على الصد كما لايخفي، وذهب في المعتمد الى قصور أدلة النيابة عن الشمول للمقام، مؤكداً كلامه بعدم المورد لعنوان المصدود لو قيل بشمولها، ولعل في كلامه مواضع للنظر والله العالم.

(٣) لتحقق العذر ومعه فعليه الاستنابة.

٣٦٧

وإن لم يكن متمكنا من الاستنابة سقط عنه الذبح والنحر فيصوم بدلا عن الهدي(١) ، كما يسقط عنه الرمي أيضا - وإن كان الاحوط الإتيان به فى السنة القادمة بنفسه إن حج او بنائبه إن لم يحج - ثم يأتي بسائر المناسك من الحلق أو التقصير وأعمال مكة، فيتحلل بعد هذه كلها من جميع مايحرم عليه حتى النساء من دون حاجة الى شيء آخر.

مسألة ٤٠٦: المصدود من الحج أو العمرة إذا تحلل من إحرامه بذبح الهدي لم يجزئه ذلك عنهما(٢) ، فلو كان قاصداً أداء حجة الإسلام فصُد عنها وتحلّل بذبح الهدي، وجب عليه الإتيان بها لاحقا إذا بقيت استطاعته أو كان الحج مستقراً في ذمته.

مسألة ٤٠٧: إذا صُدّ عن الرجوع إلى منى للمبيت ورمي الجمار لم يضره ذلك بصحة حجه(٣) ، ولايجري عليه حكم المصدود، فيستنيب للرمي إن امكنه في سنته، وإلا قضاه في العام القابل بنفسه إن حج أو بنائبه إن لم يحج على الاحوط الاولى(٤) .

____________________

(١) لاشتراط الذبح في منى، فتنتقل وظيفته الى فاقد الهدي.

(٢) اذ مقتضى ادلة الصدّ هو التحلل لا الاجزاء والاكتفاء والبدلية.

(٣) بلا خلاف في ذلك.

(٤) وقد تقدم فراجع.

٣٦٨

مسألة ٤٠٨: لافرق في الهدي المذكور بين أن يكون بدنة أو بقرة أو شاة، ولو لم يتمكن منه فالاحوط أن يصوم بدلا عنه عشرة أيام(١) .

مسألة ٤٠٩: إذا جامع المحرم للحج امرأته قبل الوقوف بالمزدلفة فوجب عليه إتمامه وإعادته - كما سبق في تروك الإحرام - ثم صُدّ عن الإتمام جرى عليه حكم المصدود(٢) ، ولكن تلزمه كفارة الجماع زائدا على هدي التحلل(٣) .

أحكام المحصور

مسألة ٤١٠: المحصور: هو الذي يمنعه المرض أو نحوه عن

____________________

(١) ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام في المحصور ولم يسق الهدي، قال: ينسك ويرجع، قيل: فإن لم يجد هدياً ؟ قال: يصوم » ووجه التوقف أن الصحيحة واردة في المحصور لا المصدود والقول بإشتراكهما في الاحكام مطلقا بحاجة الى دليل، مضافا الى مامر من تقريب عدم وجوب الهدي على المصدود في العمرة المفردة اذا لم يسق الهدي.

(٢) لوجوب إتمام الحجة المرتكب فيها الجرم، سواء قلنا بفسادها او أن الثانية عقوبة عليه.

(٣) عقوبة له.

٣٦٩

الوصول إلى الاماكن المقدّسة لأداء أعمال العمرة أو الحج بعد تلبسه بالإحرام.

مسألة ٤١١: المحصور إذا كان محصوراً في العمرة المفردة أو عمرة التمتع وأراد التحلّل، فوظيفته أن يبعث هدياً أو ثمنه ويواعد أصحابه أن يذبحوه أو ينحره بمكة في وقت معين، فإذا جاء الوقت قصّر أو حلق وتحلل في مكانه(١) .

وإذا لم يكن متمكناً من بعث الهدي أو ثمنه لفقد من يبعثه معه، جاز أن يذبح أو ينحر في مكانه ويتحلل(٢) .

____________________

(١) ففي صحيحة معاوية قال: سألت ابا عبداللهعليه‌السلام عن رجل أحصر فبعث بالهدي، فقال: « يواعد أصحابه ميعاداً، فان كان في حج فمحل الهدي يوم النحر، وإذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه، ولايجب عليه الحلق حتى يقضي مناسكه، وإن كان عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها فإذا كان تلك الساعة قصر وأحل » ومثلها دلالة موثقة زرعة.

(٢) لعدة من النصوص التي ظاهرها ذبح الهدي محل الاحصار المحمولة على صورة تعذر بعثه الى مكة او منى، ففي صحيحة رفاعة عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: « خرج الحسينعليه‌السلام معتمراً وقد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه » وفي صحيحة

=

٣٧٠

وإن كان محصوراً في الحج، فوظيفته ماتقدم، إلا أن مكان الذبح أو النحر لهديه منى، وزمانه يوم النحر(١) .

وتحلل المحصور في الموارد المتقدمة إنما هو من غير النساء، وأما منها فلا يتحلل إلا بعد الإتيان بالطواف والسعي بين الصفا والمروة في حج أو عمرة(٢) .

مسألة ٤١٢: إذا مرض المعتمر فبعث هدياً ثم خف مرضه وتمكن

____________________

=

معاوية عنهعليه‌السلام في المحصور ولم يسق الهدي، قال: ينسك ويرجع، فإن لم يجد ثمن هدي صام.

(١) كما هو مقتضى صحيحة وموثقة معاوية وزرعة المتقدمتان.

(٢) تشهد له صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: « المحصور غير المصدود، وقال: المحصور هو المريض والمصدود هو الذي يرده المشركون كما ردوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس من مرض، والمصدود تحل له النساء والمحصور لاتحل له النساء »، وفي صحيحته الاخرى في حصر الحسينعليه‌السلام قال: أرأيت حين برىء من وجعه قبل أن يخرج الى العمرة حلت له النساء ؟ قال: لاتحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة، قلت فما بال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين رجع من الحديبية حلّت له النساء ولم يطف بالبيت، قال: ليسا سواء، كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مصدودا والحسين محصوراً.

٣٧١

من مواصلة السير والوصول إلى مكة قبل أن يذبح أو ينحر هديه لزمه ذلك، فإن كان عمرته مفردة فوظيفته إتمامها ولاشيء عليه.

وإن كانت عمرة التمتع، فإن تمكن من اتمام أعمالها قبل زوال الشمس من يوم عرفة فلا إشكال(١) ، وإلا فالظاهر انقلاب حجه إلى الإفرد(٢) .

وكذلك الحال - في كلا الصورتين - لو لم يبعث بالهدي وصبر حتى خفّ مرضه وتمكن من مواصلة السير.

مسألة ٤١٣: إذا مرض الحاج فبعث بهديه، وبعد ذلك خف المرض، فإن ظن إدراك الحج وجب عليه الالتحاق(٣) ، وحينئذ فإن

____________________

(١) تدل عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفرعليه‌السلام قال: إن أحصر الرجل بعث بهديه، فإذا أفاق ووجد في نفسه خفة فليمض إن ظن أنه يدرك الناس، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك، ولينحر هديه، ولاشيء عليه وإن قدم مكة وقد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل والعمرة.

(٢) لكون عمرة التمتع مغياة بزوال الشمس يوم عرفة، فإذا لم يتمكن من أدائها قبل ذلك شملته أدلة الانقلاب المتقدمة في المسألة ١٣.

(٣) لوجوب اتمام النسك، والفرض انه متمكن، مضافا الى ظهور صحيحة زرارة المتقدمة.

٣٧٢

أدرك الموقفين أو الوقوف بالمشعر خاصة - حسبما تقدم - فقد أدرك الحج، فيأتي بمناسكه وينحر أو يذبح هديه(١) .

وإلا فإن لم يذبح أو ينحر عنه قبل وصوله انقلب حجه إلى العمرة المفردة(٢) ، وإن ذبح أو نحر عنه، قصر أو حلق وتحلل من غير النساء، وأما منها فلا يتحلل إلا أن يأتي بالطواف والسعي في حج أو عمرة(٣) .

مسألة ٤١٤: إذا أحصر الحاج من الطواف والسعي، بأن منعه المرض أو نحوه من الوصول الى المطاف والمسعى، جاز له أن يستنيب لهما(٤) ويأتي هو بصلاة الطواف بعد طواف النائب.

وإذا أحصر عن الذهاب الى منى وأداء مناسكها استناب للرمي والذبح(٥) ،

____________________

(١) وليس عليه الحج من قابل.

(٢) لعدة من النصوص الدالة على انقلاب الوظيفة الى العمرة المفردة عند عدم ادراك الحج مطلقا.

(٣) وقد مر في المسألة الثانية من الباب فراجع.

(٤) لعدة من النصوص، منها صحيحة حريز عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: المريض المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف عنه.

(٥) اذ المباشرة في الرمي شرط في ظرف القدرة، أما الذبح فتجوز

=

٣٧٣

ثم حلق أو قصر ويبعث بشعره إلى منى مع إلامكان(١) ، ويأتي بسائر المناسك فيتم حجه.

مسألة ٤١٥: إذا أحصر الرجل فبعث بهديه، ثم آذاه رأسه قبل أن يبلغ الهدي محله، جاز له ان يحلق، فإذا حلق وجب عليه أن يذبح شاة في محله أو يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين، لكل مسكين مُدّان(٢) .

مسألة ٤١٦: المحصور في الحج أو العمرة إذا بعث بالهدي وتحلل من إحرامه لم يجزئه ذلك عنهما، فلو كان قاصداً أداء حجة الاسلام فأحصر، فبعث بهديه وتحلل، وجب عليه الإتيان بها لاحقا إذا بقيت الاستطاعة أو كان الحج مستقراً في ذمته(٣) .

____________________

=

الاستنابة مطلقا.

(١) وقد تقدم بيانه فراجع.

(٢) تدل عليه صحيحة زرارة عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فآذاه رأسه قبل أن ينحر هديه فانه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو يتصدق على ستة مساكين والصوم ثلاثة أيام والصدقة نصف صاع لكل مسكين.

(٣) لصحيحة البزنطي قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن محرم انكسرت ساقه، أي شيء يكون لحاله ؟ وأي شيء عليه ؟ قال: هو حلال من

٣٧٤

مسألة ٤١٧: المحصور إذا لم يجد هديا ولاثمنه صام عشرة أيام بدلا منه(١) .

مسألة ٤١٨: إذا تعذّر على المحرم مواصلة السير إلى الأماكن المقدسة لأداء مناسك العمرة أو الحج لمانع آخر غير الصد والإحصار، فإن كان معتمراً بعمرة مفردة جاز له التحلل في مكانه بذبح هديه مع ضم الحلق أو التقصير إليه على الاحوط.

وكذلك إذا كان معتمراً بعمرة التمتع ولم يمكنه إدراك الحج أيضا، وإلا فالظاهر انقلاب وظيفته إلى حج الإفراد.

وإذا كان حاجا وقد تعذر عليه إدراك الموقفين أو الموقف في المشعر خاصة، فعليه أن يتحلل من إحرامه بعمرة مفردة.

____________________

=

كل شيء... قال: أصلحك الله ماتقول في الحج ؟ قال: لابد أن يحج من قابل » وفي صحيحة حمزة بن حمران أنه سألة أبا عبداللهعليه‌السلام عن الذي يقول: حلني حيث حبستني، فقال: هو حل حيث حبسه، قال أو لم يقل، ولايسقط الاشتراط عنه الحج من قابل » وفي صحيحة رفاعة عنهعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يشترط وهو ينوي المتعة فيحصر هل يجزيه أن لايحج من قابل ؟ قال: يحج من قابل » وغيرها من النصوص، مضافا الى أن أدلة الاحصار وكذا الصد هي للتحلل لا للاجزاء.

(١) لصحيحة معاوية المتقدمة والتي موردها المحصور فراجع.

٣٧٥

وإذا تعذر عليه الوصول الى المطاف والمسعى لأداء الطواف والسعي، أو لم يتمكن من الذهاب إلى منى للاتيان بمناسكها فحكمه ماتقدم في المسألة ٤١٤.

* مسألة ٤١٩: من أصابه عارض صحي اثناء ادائه لطواف العمرة المفردة فأرجع الى بلده، فإن كان بعد إتمام الشوط الرابع فلا يبعد الاجتزاء بالنيابة في بقية الاشواط وكذا في السعي ويأتي هو بصلاة الطواف بعد طواف النائب ويحلق أو يقصر بعد سعيه ويستنيب لطواف النساء ويأتي بصلاته، فيحل من إحرامه تماما، وأما إذا كان قبل ذلك ففي خروجه من الاحرام من دون العود الى مكة والاتيان باعمال عمرته تأمل وإشكال(١) .

* مسألة ٤٢٠: من اصابته سكتة قلبية أثناء ادائه طواف عمرة التمتع فان كان وضعه الصحي لايسمح له بالبقاء في مكة لتكميل مناسك عمرته ولو بالاستنابة ثم الاحرام للحج وادراك الوقوفين بالمقدار الذي يصح به الحج، فالظاهر جريان أحكام المحصور عليه، وإلا فان رجع الى بلده وكان ذلك باختياره فلا يبعد بطلان

____________________

(١) وقد تقدم في المسألة ٤٠ الجزم بوجوب الرجوع واكمال العمرة المفردة لمن تركها.

٣٧٦

إحرامه وإن كان آثما في ذلك(١) ، وأما اذا كان رجوعه من دون ارادته واختياره فالاقرب جريان حكم المصدود عليه.

* مسألة ٤٢١: إذا احرم لعمرة التمتع ثم اغمي عليه فان احتمل أن يفيق من غيبوبته ويدرك الحج - بأن يدرك اختياري المشعر أو اضطراريه مع اختياري عرفة أو اضطراريه - اتخذ الولي من ينوب عنه فى الطواف وصلاته والسعي(٢) ثم يقصر شيئا من شعره فيحل من احرام عمرته، وفي يوم التروية الاحوط أن يحرم عنه الولي - اي يلبي عنه - ويجنبه محرمات الاحرام، ويذهب الى الموقفين فإن افاق هناك فالاحوط أن يجدد الاحرام بنفسه ولو من موضعه ان لم يتمكن من الذهاب الى مكة(٣) ، فإن ادرك الحج - بإدراك ماتقدم - يأتي ببقية مناسكه، وإن عاد الى الغيبوبة قبل الاتيان بها استناب له الولي من

____________________

(١) راجع ماقلناه عند الشروع في كيفية الاحرام.

(٢) لدلالة جملة من النصوص على مشروعية الطواف عن المغمى عليه، وهو وفق مقتضى القاعدة، اذ الحكم الاولي أن يطوف الانسان بالبيت وبين الصفا والمروة بنفسه، فإن لم يقدر فبمعونة الاخرين إعانة ثم حملا، وإن لم يقدر طيف وسعي عنه.

(٣) وقد تقدم فيمن نسى او جهل الاحرام من مكة حتى خرج منها الى عرفات، فراجع.

٣٧٧

يأتي بها عنه، واما اذا لم يفق حتى فات عنه الوقوفان بطل حجه.

* مسألة ٤٢٢: إذا اتى بعمرة التمتع ثم عرض له مايوجب الخوف على نفسه من الاتيان بالحج أو خاف أن يصاب بضرر بليغ، فإن كان خوفه عقلائياً لم يجب عليه الاتمام(١) ، والاحوط ان يجعلها عمرة مفردة فيأتي بطواف النساء.

مسألة ٤٢٣: ذكر جماعة من الفقهاء: أن الحاج او المعتمر إذا لم يكن سائقا للهدي، واشترط في إحرامه على ربه تعالى أن يحله حيث حبسه، فعرض له عارض - من عدو أو مرض أو غيرهما - حبسه عن الوصول الى البيت الحرام أو الموقفين، كان أثر هذا الاشتراط أنه يحل بمجرد الحبس من جميع ما للتحلل من إحرامه، كما لايجب عليه الطواف والسعي للتحلل من النساء إذا كان محصوراً.

وهذا القول وإن كان لايخلو من قوة(٢) ، إلا أن الاحوط لزوما

____________________

(١) السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين.

(٢) بل لعله المتعيّن، وإليه ذهب المرتضى وابن ادريس مع دعوى الاجماع، تمسكاً بصحيحة ذريح عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن رجل تمتع بالعمرة الى الحج، واحصر بعد ما أحرم، كيف يصنع ؟ قال: فقال:

=

٣٧٨

=

أو اشترط على ربه قبل أن يحرم أن يحله الله عند عارض عرض له من أمر الله؟ فقلت: بل قد اشترط ذلك، قال: فليرجع الى أهله حلالا لا احرام عليه، إن الله أحق من وفي بما اشترط عليه، قلت: افعليه الحج من قابل ؟ قال: لا » فهي دالة على التحلل بمجرد الاحصار بلا تعرض للهدي، إذ لو كان واجبا لذكرهعليه‌السلام لكونه في مقام البيان.

وصحيحة البزنطي قال: سألت ابا الحسنعليه‌السلام عن محرم انكسرت ساقه، أي شيء يكون حاله ؟ وأي شيء عله ؟ قال: هو حلال من كل شيء، فقلت: ومن النساء والثياب والطيب ؟ فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم، قال: أما بلغك قول أبي عبداللهعليه‌السلام : حلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ، قلت: أصلحك الله ماتقول في الحج ؟ قال: لابد أن يحج من قابل.

ويويدهما ماورد في جملة من الصحاح في كتاب الاعتكاف من وجوب الاتمام اذا اعتكف يومين إلا اذا اشترط على ربه فله ان يفسخ، كصحيحة محمد بن مسلم وابي ولاد الحناط، وفي صحيحة ابي بصير عنهعليه‌السلام في حديث: وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم» وفي صحيحة ابن يزيد عنهعليه‌السلام قال: واشترط على ربّك في اعتكافك كما تشترط في احرامك أن يحلك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علة تنزل بك من أمر الله تعالى.

وقيل: أن فائدة الاشتراط جواز التحلل من غير تربص الى ان يبلغ الهدي محله، وهو ظاهر المحقق في الشرائح وصريحه في النافع، ويدفعه قوله عليه

=

٣٧٩

مراعاة ماسبق ذكره في المسائل المتقدمة في كيفية التحلل عند الحصر والصد، وعدم ترتيب الأثر المذكور على اشتراط التحلل.

***

إلى هنا فرغنا من واجبات الحج، فلنشرع الان في آدابه، وقد ذكر الفقهاء من الاداب مالاتسعه هذه الرسالة فنقتصر على يسير منها.

وليعلم أن استحباب جملة من المذكورات مبتنٍ على قاعدة

____________________

=

السلام « فليرجع الى أهله حلالا لا إحرام عليه ».

وقيل: أن فائدته سقوط الحج عنه فى العام القابل، وهو المحكي عن الشيخ في يالتهذيب، لذيل الصحيحة المتقدمة، وتقابلها عدة من الصحاح فلابد من رفع اليد عن ذيلها.

وقيل: أن الفائدة ادراك الثواب بذكره في عقد الاحرام، وهو الذي يظهر من الشهيد في المسالك قال: - بعد أن ذكر ان سقوط الهدي في غير السائق، وتعجيل التحلل فمخصوص بالمحصر دون المصدود، وسقوط القضاء فمخصوص بالمتمتع - ومن الجائز كونه تعبداً، أو دعاءً مأمورا به يترتب على فعله الثواب.

وذهب الشيخ وابن الجنيد والعلامة في المختلف والمنتهى الى عدم سقوط الهدي، تمسكا بإطلاق قوله تعالى ( فإن احصرتم فما استيسر من الهدي )، وفيه أنه مقيد بصحيحتي ذريح والبزنطي المتقدمين.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

وهذا الوضع العالمي الواحد، سيفتح باب الخيرات، ويزيل أكداس الأطماع والأنانيات، التي تقود الدول في عالم اليوم، ولن يكون للحروب أيُّ موضوع، وسيكون هذا الفتح مفتاح السعادة والرخاء، والسلام والعدل بين البشر أجمعين.

الجهة الثانية: في إلقاء الضوء على موقف الإمام المهدي (ع) من النظام الإداري الداخلي المـُتَّبع في الدول المـُعاصرة.

ولا بدَّ أنَّ القارئ يحمل فكرة كافية عن النظام الإداري... ولكنَّنا سنستعرَّض للنقاط المـُهمَّة فيه، فالدول هيئة ذات كيان معنوي قانوني، تتكوَّن من منطقة مسكونة ذات حدود مُعيَّنة وهيئة حاكمة، ويتولَّى المسؤولية العُلْيا في الدولة مَلِك، أو دكتاتور أو رئيس جمهورية، مع رئيس للوزراء في غير النظام الرئاسي، وعدد من الوزراء، يتكفَّل كل منهم الإشراف على جانب من جوانب المجتمع المـُهمَّة، كالخارجية والدفاع والمالية والاقتصاد والثقافة أو التربية... وغير ذلك ممَّا تحتاجه الدولة في إدارة شؤونها، ممَّا قد يزيد وينقص باختلاف الدول.

ويوجد في جملة من الدول مجلس للبرلمان، يتكفَّل السلطة التشريعية في البلاد، والأساس النظري الذي يقوم عليه هو تمثيل أعضاء المجلس لفئات الشعب المختلفة؛ لكي تكون موافقتهم على القوانين موافقة للشعب نفسه، حتى يكون القانون النافذ على الشعب كأنَّه صادر من الشعب نفسه.

ويوجد في الدول أحزاب، بعضها سرِّي وبعضها عَلَني، وبعضها يُمارس الحُكم فعلاً، إمَّا بمفرده أو مع غيره من الأحزاب.

وترى أكثر الدول لنفسها حق منع الأحزاب، والإذن لها بالنشاط، طبقاً لما ترى الدولة لنفسها من المصالح، ويُمثِّل كل حزب أيديولوجية مُعيَّنة ونظرة خاصة إلى الكون والحياة؛ ومن هنا يقع التناحر النظري والاجتماعي والمصلحي بين الأحزاب، بشكل خفيٍّ حيناً، وسافر أحياناً.

وإذا مارس الحزب الحكم في الدولة وحده، كان ذلك ما يُسمَّى بنظام الحزب الواحد، ويُطبِّق الحزب الحاكم على المجتمع نظرته الخاصة إلى الكون والحياة، ويرى الحزب الحاكم - عادة - حُرِّية الرأي والنشاط السياسي والاجتماعي لنفسه، ومنع أيِّ رأي ونشاط حزبي أو فردي آخر.

٤٦١

والوزارات في الدولة تُدار من قِبَل مديريات عامة أو مؤسَّسات، يتكفَّل كلٌّ منها الإشراف على جانب من جوانب المجتمع، حسب الحاجة.

وتتكفَّل الدولة عادة الإشراف على المؤسَّسات والمرافق العامة، التي يصعب على الأفراد الإشراف عليها، كالجيش والشرطة، والسجون والكمارك، والبرق والبريد، والتعدين وتوزيع الماء والكهرباء، وبعض البنوك، وتزيد الدول الاشتراكية على ذلك الإشراف على كل التجارات والشركات والبنوك، وعمليات الاستيراد والتصدير والصناعات الكبيرة... وغير ذلك.

فما هو رأي الإمام المهدي (ع) في كل ذلك؟ وكيف سيكون شكل دولته العالمية؟

يمكن أن نُلخِّص ما يمكن إثباته تاريخياً وإسلامياً من ذلك، في عدَّة نقاط:

النقطة الأُولى: إنَّ الرئاسة العُلْيَا في الدولة لن تكون ملكية ولا رئاسية ولا دكتاتورية... بل ستكون إمامية، لأنَّ الحاكم الأعلى سيكون هو الإمام المنصوب من قِبَل الله عزَّ وجلَّ، سيُمارس هذا المنصب الإمام المهدي (ع) بنفسه ما دام موجوداً، ويُمارسها خلفاؤه من الأولياء الصالحين بعد وفاته، بالطريقة التي سنُشير إليها في القسم الثالث من هذا التاريخ.

هذا بالنسبة إلى الرئاسة المركزية في الدولة العالمية، ولكنَّ المهدي لن يُباشر بنفسه الإشراف على كل القضايا الجزئية في العالم، بل سيتكفَّل القبض على المقاليد العُلْيا للحُكم، بالمقدار الذي يرى هو المصلحة فيه، ويوكِل قيادة المناطق المختلفة في العالم إلى أصحابه المـُخلصين المـُمحَّصين( حكَّام الله في أرضه ) ، على ما سنعرف تفصيله في الفصل الآتي.

النقطة الثانية: إنَّ دولة الإمام المهدي ستخلو بطبيعة كيانها العقائدي من البرلمان بصفته السلطة التشريعية، فإنَّ هذه السلطة في إيديولوجية هذه الدولة، ليست للشعب ولا لمـُمثِّليه، بل لله عزَّ وجلَّ وحده لا شريك له، طبقاً لتشريعه العادل الكامل.

نعم، يكون للإمام أن يحكم ويتصرَّف في حدود التشريع الأصلي، كما أنَّه سوف يبلغ فقرات جديدة من التشريع الأصلي، لم تكن معروفة قبل ذلك، كما يمكن إيكال البتِّ بعدد من الوقائع الفرعية إلى مجلس يُشبه البرلمان، أو مجالس تُشبه المجالس البلدية... إلاَّ أنَّ وجودها الفعلي في الدولة المهدوية يفتقر إلى الإثبات التاريخي.

٤٦٢

النقطة الثالثة: ليس هناك ما يُلقي الضوء على نوعية العلاقات بين المناطق المحكومة لأصحاب الإمام المهدي (ع).

إلاَّ أنَّ هذا ممَّا لا ينبغي التساؤل عنه، بعد العلم بأنَّ حكمها المركزي واحد، وإيديولوجيَّتها العامة واحدة، وقانونها العام الأصلي واحد، ومعه لا يبقى لحاكم المنطقة إلاَّ التطبيقات التي لا تجعل للدولة سيادة كاملة أو شخصية قانونية مُستقلَّة عن الحُكم المركزي، شأنها في ذلك - إن صحَّ التمثيل - شأن الولاية الواحدة في الولايات المـُتَّحدة الأمريكية، أو الجمهورية الواحدة من جمهوريات الاتِّحاد السوفيتي، مع فارق في الإيديولوجية والتشريع مع كلتا الدولتين.

النقطة الرابعة: لا شكَّ أنَّ الشكل الإداري للحُكم - سواء على مستوى المركز أم المناطق... - سيُمارس على الشكل المعهود للناس في زمانه، أعني الشكل المعهود لهم قبل الظهور مباشرة، من دون إدخال تغييرات غريبة على الأذهان فيه، وإن شملته إصلاحات كبيرة بطبيعة الحال.

ومعه؛ فنستطيع القول: إنَّه لو تمَّ الافتراض الذي سرنا عليه، وهو افتراض ظهور المهدي (ع) في هذا القرن... فسيكون الشكل الإداري لدولته، هو الشكل الإداري العام المعهود في الدولة المعاصرة، وهو إدارتها عن طريق الوزراء أولاً، والمـُدراء العامِّين ثانياً، والمؤسَّسات الاجتماعية ثالثاً، بل قد يُستفاد من بعض الأخبار وجود رئيس للوزراء، وقائد أعلى للجيش في دولته.

لكن، لا ينبغي أن نُشير إلى الاختلافات بين الأشكال الإدارية المـُعاصرة، لأنَّ الدولة المهدوية سوف لن تتَّبع شكلاً مُعيَّناً من هذه الأشكال، بعد الذي عرفناه من أنَّها تُدخل عناصر التطوير على الشكل العام، بالنحو المـُطابق للمصلحة العادلة في عصر الدولة المهدوية.

النقطة الخامسة: في شأن الأحزاب في دولة المهدي (ع).

يمكن أن نُقسِّم الأحزاب من زاويتين:

الزاوية الأُولى: الانقسام الأوَّلي للأحزاب... بحيث يحقُّ لأيِّ إنسان أن يتَّخذ ما يشاء من الرأي والعقيدة، وأن يُدافع عمَّا يشاء من الآراء، وبهذا تنقسم الأحزاب - مثلاً - إلى يمينيَّة ويساريَّة وغير ذلك.

الزاوية الثانية: الانقسام في داخل مُعتقد مُعيَّن، كالانقسام في داخل المعسكر

٤٦٣

الشيوعي أو في داخل المعسكر الرأسمالي، باعتبار الاختلاف على التفاصيل مع الاتِّفاق على عدد من الأصول الموضوعية.

والانقسام الأول: لا شكَّ أنَّه محظور في دولة المهدي (ع)، قد يستحقُّ الفرد عليه القتل فيما إذا تضمَّن اتجاهه مُخالفةً صريحة للأُطروحة العادلة الكاملة، وقد رأينا أنَّ مصير كل مُنحرف في دولة المهدي (ع) هو القتل.

وأمَّا الانقسام الثاني: ونريد به الانقسام في الاعتقاد بصحَّة الأُطروحة العادلة الكاملة، وعدم وجود مُخالفة صريحة لما تتبنَّاه الدولة المهدوية وتُركِّز عليه، فهل تكون الانقسامات الحزبية مُجازة في داخل هذا المضمون المشترك أو لا؟

لا يوجد في هذا الصدد أيُّ دليل صالح للإثبات أو النفي، نعم، لا دليل من القواعد العامة المعروفة على منع مثل هذه الانقسامات... كيف وإنَّ التربية للبشرية مبتنية عادة على التنافس، ووجدان الحقيقة منطلق في الأغلب من النقاش والجدل الحُرِّ؟!

ولئن كان التخطيط العام لعصر ما قبل الظهور، قد أبرز - بوضوح - فشل الزاوية الأُولى من الانقسام الحزبي، وكونه شرَّاً على البشرية... فإنَّ الزاوية الثانية لم تنزل إلى عالم التجربة بعد، ولم يظهر صلاحيتها من زيفها في مقام التطبيق، فإن رأت الدولة المهدوية المصلحة في إجازة هذا الانقسام الثاني، لا يكون في ذلك مخالفة للقواعد العامة المعروفة.

نعم، سيذوب هذا الانقسام تدريجياً؛ نتيجةً للتربية المـُركَّزة التي تُمارسها الدولة المهدوية للبشرية، إذ سيصل البشر إلى مرحلة تكون مُدرِكة للمصالح والمفاسد في التفاصيل، كما هي مُدركة لها في الخطوط العريضة والقواعد العامة؛ ومعه يكون الانقسام غير ذي موضوع، إلاَّ أنَّ هذا لن يحدث في حياة الإمام المهدي نفسه على أيِّ حال.

النقطة السادسة: في سيطرة الدولة المهدوية على المرافق العامة للمجتمع.

لا شكَّ في سيطرة الدولة على المرافق التي يتعذَّر على الأفراد السيطرة عليها، كالجيش والقضاء، والسجون والبرق والبريد ونحوها، كما لا شكَّ في سيطرتها على ما ترى المصلحة في السيطرة عليه، لعلَّ منها بعض الشركات والبنوك، وكذلك ما تُنشؤه الدولة نفسها من معامل وما تقوم به من تجارات.

ولا دليل على أنَّ الدولة المهدوية ستمنع القطَّاع الخاص، من المعامل والبنوك والتجارات، غير أنَّه من الواضح - على ما سنُبرهن عليه في الكتاب الآتي - أنَّ المؤسَّسات

٤٦٤

التي توجِدها الدولة وترعاها، وتنشر الرفاه والخير في المجتمع على أساسها، ستجعل القطَّاع الخاص يذوب ذوباناً تلقائياً، وتقلُّ أهمِّيَّته تدريجياً، إلى أن تنعدم، وسيستغني الأفراد بفيض الدولة المـُباشر، ولعلَّ فيما يأتي في الفصل التالي ما يُلقي حزمة من الضوء على ذلك.

هذا، وينبغي الإلماح إلى الجيش والشرطة والسجون ستذوب أهمِّيَّتها تدريجياً أيضاً؛ نتيجةً للتربية المـُركَّزة المـُستمرَّة التي تقوم بها الدولة المهدوية للبشرية، بحيث تصل بها إلى مستوى عالٍ من الفهم والإخلاص.

ولعلَّ الجيش هو أسرعها ذوباناً؛ لأنَّ المفروض كونه سنداً للدفاع الخارجي، ضدَّ اعتداء الدول الأخرى، ومع وجود الدولة العالمية، لا توجد دول أخرى على الإطلاق... فتنتفي الحاجة إلى الجيش من هذه الناحية.

وأمَّا الشرطة والسجون، فستذوب تدريجاً بذوبان الجريمة الذي هو النتيجة الطبيعية لوصول البشرية في تربيتها إلى درجة عالية من الكمال، غير أنَّ هذا المستوى لن يحدث - عادة - في حياة الإمام المهدي، وإن كان لن يحدث أيضاً إلاَّ طبقاً للأُسس التربوية العامة التي هو يضعها، من أجل إيصال البشرية للكمال.

الجهة الثالثة: في إلقاء الضوء على موقف الإمام المهدي (ع) من القضايا والمشاكل الاجتماعية السائدة قبل الظهور.

وإذا أردنا أن نُشخِّص هذه المشاكل من وجهة النظر الإسلامية، التي تمَّ التمحيص على أساسها في التخطيط العام السابق على الظهور... نجدها تندرج في خطٍّ سلوكيٍّ مُشترك، شامل لكل العالم البشري - بشكل عام - وهو الانحدار الخُلقي الفضيع، الذي وصله الناس على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، ولغاتهم وألوانهم وثقافاتهم.

وقد نشأت من هذا الانحدار الخُلقي آلاف المشاكل في كل مجتمع من مجتمعات البشرية على الإطلاق، على مختلف الأصعدة... ابتداءً من الغشِّ والتغابن في المعاملات والتسامح في حقوق الآخرين وأموالهم، وانتهاءً بابتناء القيمة الأساسية للعلاقات، على الأساس المالي إلى جانب التعامل بالربا، وصيرورته ضرورة من ضرورات الحياة... وتبذُّل النساء، وشرب الخمور، وإعلان الفجور، والسير في الزواج والطلاق والميراث على الخطِّ المدني، وتأسيس المدارس والمسابح والمسارح والسينمات المـُختلطة والداعرة، وأنت تسمع الأغاني المـُثيرة وترى الأفلام المـُسفِّة في كل راديو وتلفزيون.ونشر الصور والأفكار الداعرة المثيرة جنسيَّاً، والتي تحثًّ على الجريمة في كثير من الأحيان، نشرها في الأعمِّ الأغلب

٤٦٥

من صُحف ومجلاَّت ومُسلسلات العالم، بمختلف لغاتها ومذاهبها ومقاصدها.

وقد أصبح السير خلال هذا الخطِّ أمراً طبيعياً للفرد، بل لا تستقيم حياته - في رأيه - إلاَّ به، وأصبح صوت الفضيلة وشجب هذا الانحدار والنداء بالمحافظة على السلوك المتَّزن وأمراً غريباً موحشاً مُلفتاً للنظر، فقد( أصبح المـُنكَر معروفاً والمعروف منكراً ) ، وعاد( الإسلام غريباً كما بدأ، فطوبى للغُرباء ) .

وموقف الإمام المهدي عليه السلام في كل ذلك واضح كل الوضوح، وهو الشطب على الانحدار جملة وتفصيلاً، وإبداله إلى جوِّ الفضيلة والعدل والكمال.

والمـُهمُّ في المقام هو أن نُلقي بعض الضوء على البديل الرئيسي لهذا الوضع المـُنحدِر، بحيث يستتبُّ معه النظام ويسود العدل الكامل، مع المحافظة - بطبيعة الحال - على العمق الحقيقي للفكر والوعي في مجتمع ما بعد الظهور، في طيِّ الكتمان رهيناً بحصول وقته.

إن ما نُدركه الآن من ذلك، وهو كما يلي:

إنَّ الإمام المهدي عليه السلام في دولته العادلة العالمية، سوف لن يُلغي الإذاعة والتلفزيون، ولا المسرح، ولا السينما، ولا المصايف، ولا المسابح، ولا المدارس، ولا المـُستشفيات، ولا البنوك، ولا الصُّحف، ولا المجلاَّت، ولا المـُسلسلات.

فإنَّ أساس الفكرة من وجود كل هذه الأمور أنَّه موجودة لخير البشرية، وتسهيل الحاجات الاجتماعية والفردية، فمن الطبيعي أن تأخذ دولة العدل بزمام المـُبادرة، لاتِّخاذ هذه الأمور وسيلة نحو التكامل، وزرع الأخلاق والفضيلة والتكافل والتراحم بين البشر، وبالتالي وسيلة لتربية البشرية بشكل عام، والوصول بها إلى كمالها الأعلى المنشود.

فالإذاعة والتلفزيون والمسرح والسينما والصُّحف، ستكون وسائل لنشر الأفكار الهادية العادلة، وللترفيه البريء، والمصايف والمسابح ستكون موجودة بدون الانحدار اللا أخلاقي، بل مع الارتفاع بها إلى مستوى العدل والمصلحة الحقيقية، فإنَّ الترفيه غير مقتصر على الانحدار الحيواني ومُباشرة الرذيلة كما هو معلوم، فإنَّ في صور الطبيعة الكونية من العجائب والطرائف ما يُعجب النفس، ويُسرُّ الخاطر، ويُبهج الفؤاد، الشيء الكثير، ولا يكون الاقتصار على الترفيه المـُنحدر، إلاَّ نتيجة لسوء السلوك وقصور التصوُّر؛ وبالتالي لنتيجة الفشل في التمحيص العام.

وأمَّا المدارس على اختلاف مستوياتها وأنواعها... فستكون طُرقاً لتربية الفرد وتثقيفه وتكامله، بالشكل الحق الذي يربط الكون بخالقه العظيم إيجاداً وتشريعاً، ربطاً

٤٦٦

وثيقاً، والسير بالبشرية في هذا الطريق... وتُهمل كل الجهات التي تحمل الفرد على الانحراف واللا أخلاقية والعنصرية وعبادة المادَّة.

ومُجمل القول: إنَّ مناهج المدارس بشكل عام ستُحافظ على شكلها المنهجي الأكاديمي، ولكنَّها لن تُحافظ على شكلها العقائدي الجديد العادل المطلوب لتربية البشرية في خطِّها الطويل.

وسيكون سفور النساء، بمعنى انكشافهنَّ لأعيُن الرجال بشكل لا أخلاقي ولا إسلامي، ممنوعاً بطبيعة الحال ومُعاقباً عليه، فضلاً عن الانحدار نحو الرذيلة بأيِّ شكل من أشكالها.

ولكنَّ ذلك لن يمنع بأيِّ حال من دراسة المرأة لأعلى العلوم، وتلقِّيها لأدقِّ المعارف وحصولها على أحسن وأوسع النتائج، ولا يمنع حفاظها من قيامها بأيِّ شكل من أشكال التجارة والعمل، ولا يمنع اتِّصالها بالمجتمع وإزجائها لحاجتها المشروعة، مع الرجال والنساء معاً، وستُنظِّم الدولة العلاقة الاجتماعية بين الجنسين بقانون.

وسيكون التحاقد الطبقي مُنعدماً في المجتمع المهدوي، باعتبار ما سنعرف من توفير الدولة فرص العمل للجميع بسخاء وترتيب، وما سيناله كل فرد من أرباح وما يتقاضاه من الدولة من هبات، ما يُغنيه عن التفكير في الحقد الطبقي أساساً، فضلاً عن التثقيف الإيديولوجي ضدَّ هذا المفهوم الذي يتضمَّن الانشقاق الاجتماعي المروع.

وسيكون التحاقد العنصري بين ذوي اللغات المـُختلفة غير موجود أيضاً، بل سيكون الجميع أخوة في العقيدة والهدف، أخوة في الإيمان والعمل، لا تفاضل بينهم إلاَّ بحسب ما يناله كل فرد من كمال حقيقي.

وسنرى لكل الذي قلنا هنا نتائجه المـُهمَّة الموسَّعة، في بعض فصول هذا الباب، وسنسمع العديد من النصوص المـُثبتة له، بعد أن تكلَّمنا الآن في حدود القواعد الإسلامية المعروفة فقط.

٤٦٧

٤٦٨

الفصل الثالث

ضمانات التطبيق السريع العميق

للعدل الكامل في العالم

تمهيد:

تحدَّثنا في فصل سابق عن ضمانات انتصار المهدي (ع)، في سيطرته على العالم، ضدَّ قوى الشرِّ والظلم الموجودة قبل ظهوره.

والآن نتحدَّث عن الضمانات التي يملكها الإمام المهدي، في التطبيق السريع والأكيد والعميق للأطروحة العادلة الكاملة، في عالم كان يضجُّ بالظلم والآلام والمشاكل.

وهي ضمانات موجودة في شخصه وأصحابه والظروف العالمية، لا يمكن أن تتوفَّر لأيِّ شخص آخر.

وهي ضمانات تشترك في بعض تفاصيلها مع الضمانات السابقة، أعني أنَّ شيئاً واحداً كما يكون ضماناً للانتصار، فإنَّه ضمان للتطبيق أيضاً، وإن اختصَّ التطبيق بضمانات خاصة به على أيِّ حال.

وأغلب هذه الضمانات تُنتج مستويين للتطبيق:

المستوى الأول: الشروع في التطبيق لأول مرَّة، في العالم الذي كان يعجُّ بالآلام ويضجُّ من المظالم والمشاكل.

المستوى الثاني: الاستمرار بالتطبيق والسير به نحو التعمُّق والتكامل، في الخطِّ التربوي المـُستمرِّ للبشرية جمعاء، وسيكون لهذا المستوى ضمانات خاصة به.

ونحن حين نتحدَّث عن هذه الضمانات، إنَّما نتحدَّث – كما فعلنا دائماً – ضمن الإمكانيات المـُتوفِّرة، والمستوى الفكري في عصر ما قبل الظهور.

٤٦٩

وسنفتح الحديث عن هذه الضمانات على كلا المستويين كلٍّ على حِدَةٍ.

المستوى الأول: ضمانات التطبيق العادل لأول مرَّة في التاريخ البشري، بعد انتهاء الفتح الإسلامي، وهي بنفسها الضمانات لو أُريد البدء بالتطبيق على نطاق محدود قبل انتهاء الفتح العالمي، فإنَّ كل منطقة يتمُّ فتحها يبدأ المهدي (ع) بتطبيق العدل فيها، حتى ما إذا استوعب الفتح العالم كلَّه، كان التطبيق عالمياً كاملاً.

وعلى أيِّ حال، فالضمانات هي الضمانات، وهذه الضمانات على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الضمانات الموضوعية للدولة المهدوية... أعني المـُتوفِّرة له في الواقع على صعيد المجتمع والحياة.

الضمان الأول: وجود الأُطروحة العادلة الكاملة المـُعدَّة للتطبيق في العالم، ضمن التخطيط العام السابق على الظهور، مُتمثِّلة بالإسلام، كما سبق أن برهنَّا.

ومن المعلوم أنَّ القانون إذا لم يكن مُعدَّاً سلفاً، أو كان غير عادل كامل، كان ذلك أكبر عقبة في طريق التطبيق، وبالتالي في جني الثمار الاجتماعية الخيرة المطلوبة؛ ومن هنا كان وجود هذا القانون ضماناً أكيداً في النجاح، والدولة المهدوية تملك هذا القانون، حسب ما يعرفه المهدي نفسه.

إنَّه الأُطروحة العادلة الكاملة، مُتمثِّلة بالإسلام، بكل ( فقراته ) التي عرفناها:

الفقرة الأُولى: الأحكام الحقيقية التي كانت مُعلَنة قبل الظهور.

الفقرة الثانية: الأفكار والمفاهيم الناتجة عن تطوُّر الفكر الإسلامي.

الفقرة الثالثة: الأحكام والمفاهيم التي كانت تالفة يومئذ، والآن يتمُّ تجديدها وإعلانها.

الفقرة الرابعة: الأحكام والمفاهيم المؤجَّلة التي لم تُعلَن قبل ذلك، وكان إعلانها منوطاً بتحقُّق الدولة العالمية، فيكون الوقت عند تحقُّقها قد آن لإعلانها.

الفقرة الخامسة: الأنظمة التفصيلية التي يسنُّها القائد المهدي (ع) نفسه في حدود الأحكام الثابتة في الشريعة وعلى ضوئها، من أجل ضبط الوقائع المختلفة، وهي لا تقصر في وجوب إطاعتها عن تلك الأحكام.

٤٧٠

الفقرة السادسة: القواعد العامة التي يضعها المهدي (ع) للحُكَّام الذين يوزِّعهم على الأرض، تلك القواعد التي تُمكِّنهم من مُمارسة الحُكم والقضاء العادلين في مناطق العالم.

الفقرة السابعة: القواعد العامة التي يضعها المهدي (ع) لخاصته، من أجل استمرار تربية البشرية وتكاملها في المدى البعيد.

وبهذه الفقرات تستطيع الأطروحة العادلة الكاملة أن تأخذ طريقها إلى التطبيق، وتربية البشرية بالتدريج.

الضمان الثاني: نقصان البشرية نقصاناً كبيراً، كما سبق أن سمعنا من الأخبار، وفهمنا أنَّه إنَّما يكون مع وجوب حرب عالمية مُدمِّرة قبل الظهور.

وقد كان هذا أحد الضمانات المـُهمَّة لانتصار الإمام المهدي (ع) وسيطرته على العالم، وسيكون هو - على تقدير وجوده - ضماناً أكيداً لسهولة التطبيق وشموله؛ إذ من المعلوم أنَّ التطبيق العام على البشر حال كونهم قليلين أسهل بكثير منه حال كونهم كثيرين، وخاصة إذا كان النقصان بالنِّسَب الكبيرة التي سمعنا.

وهذا الضمان هنا - كما كان هناك - نافع على تقدير وجوده، وغير مُضرٍّ على تقدير عدمه، بمعنى أنَّ البشر لو بقوا على كثرتهم، ولم تحدث حرب عالمية أو أيُّ سبب لنقصان... فكل ما يحصل هو ترتُّب نتائج هذا الضمان بشكلها المباشر، ولا يعني بأيِّ حال انخرام الهدف المهدوي أو تعذُّر الانتصار أو التطبيق... بعد أن كان للضمانات الأخرى دورها الكامل في إنجاز ذلك.

الضمان الثالث: زوال الناس المـُنحرفين الفاشلين في التمحيص، وغير القابلين للتربية في التخطيط العام الجديد، ذلك النقصان الذي يُباشره المهدي وأصحابه بسيوفهم وأسلحتهم، طبقاً للأسلوب الذي عرفناه وتوخِّياً للنتيجة التي ذكرناها.

الضمان الرابع: الهيبة والرهبة التي يكتسبها الحُكم المهدوي في قلوب الناس؛ الأمر الذي يجعل عصيان قانونه والخروج على تعاليمه - ولو في الخفاء - أمراً مُتعذِّراً.

يحدث ذلك نتيجة لعدَّة عوامل مُهمَّة، نذكر عدداً منها:

العامل الأول: الأساس العقائدي والأخلاقي الذي تُرسِّخه الدولة المهدوية في

٤٧١

نفوس الناس... من الإخلاص للقانون واحترام العدل والإيمان بصدق أهدافه، مع وضوح أنَّ الإخلال بقوانين تلك الدولة إخلال بالعدل وأهدافه

العامل الثاني: الإشراف المـُترتِّب المضبوط على أفعال الناس، نتيجةً لمـُمارسة كل المـُخلصين - وهو في تزايد مُستمرُّ - هذا الواجب المقدس، وتصحيح ما قد يقع فيه الأفراد من أخطاء وهفوات.

العامل الثالث: ما يقوم به المهدي (ع ) شخصيَّاً وبعض خاصَّته - بتعليمه - من أفعال وأقوال وطريقة في قيادة الدولة وتدبير أُمور المجتمع، ممَّا يعجز عن مثله الآخرون، وقد عجزت الدول السابقة كلُّها؛ نتيجةً للخصائص العُلْيَا التي اتَّصف بها المهدي (ع) وخاصته، ممَّا عرفناه، وسنُشير إليه غير بعيد.

العامل الرابع: كثرة القتل الذي يقوم به المهدي (ع)، وأصحابه للمـُنحرفين لمدَّة ثمانية أشهُر، يقتل مَرَجاً ولا يستتيب أحداً، الأمر الذي يُحدث الأثر النفسي الكبير - ولمدَّة طويلة كافية للتربية - في التهيَّب والخشوع والتصاغر تجاه الحُكم المهدوي.

الأمر الذي يجعل عصيان قانون الدولة مُتعذِّراً، ويفسح مجالاً عريضاً للدولة، لإجراء قانونها وأنظمتها في كل المجالات.

العامل الخامس: إنَّ هناك بعض التصرُّفات صعبة التفسير ومجهولة السبب، يقوم بها المهدي (ع) لأجل مصالح واقعية يعرفها، ويمكن أن نجد منها بعض النماذج:

فمن ذلك: ما أخرجه النعماني(١) ، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (ع) أنَّه قال: ( بينما الرجل على رأس القائم يأمر وينهى، إذ أمر بضرب عنقه، فلا يبقى بين الخافقين إلاَّ خافه ).

وما أخرجه المجلسي في البحار(٢) ، عن السيد علي بن عبد الحميد في كتاب ( الغيبة ) بإسناده رفعه إلى جابر، عن أبي جعفر (ع) - في خبر عن القائم يقول فيه -: ( إنَّما سُمِّي المهدي لأنَّه يهدي لأمر خفيٍّ، حتى إنَّه يبعث إلى رجل لا يعلم الناس له ذنب فيقتله... ) الحديث.

وأمثال هذه التصرُّفات، وهي واقعية الصحَّة، مجهولة لدى الناس، تجعل الفرد -

____________________

(١) ص١٢٦.

(٢) ص٢٠٠ ج١٣.

٤٧٢

كل فرد - يُعيد النظر لجديَّة بالغةٍ في قيامه بأيِّ انحراف أو عصيان.

فبهذه العوامل ونحوها، تكتسب الدولة المهدوية هيبتها في صدور الناس على كل المستويات، الأمر الذي يجعل عصيان قانونها صعباً جدَّاً، ومن ثَمَّ يكون أخذها بزمام المبادرة للتربية والتطبيق العادل سهلاً مُيسَّراً.

الضمان الخامس: ما عرفناه مُفصَّلاً من إنتاج التخطيط الإلهي السابق على الظهور نتيجة مُهمَّة، وهي يأس الرأي العام العالمي من المبادئ والأُطروحات المـُعلَنة، التي ادَّعت حلَّ مشاكل البشرية قبل الظهور، والشوق إلى حلٍّ عادل شامل يخرج البشرية من وهدتها العميقة.

وهذا الجوُّ الفكري والنفسي، يُهيِّئ للدعوة المهدوية والدولة المهدوية أفضل الفرص للتطبيق العادل الشامل، كما سبق أن علافنا مُفصَّلاً، فلا حاجة إلى التكرار.

القسم الثاني: الضمانات المـُنبثقة من شخص الإمام المهدي (ع)، باعتبار ما يملك من خصائص وصفات.

الخصيصة الأُولى: العصمة التي تُمثِّل درجة عالية جدَّاً، وضرورية التأثير... من الإخلاص والإيمان وتقديم مصالح الهدف الأعلى الإلهي على كل مصلحة؛ وبالتالي فهي تقتضي فعل كل ما هو مشروع ومطلوب في الشرع الإلهي، وترك كل ما هو غير مشروع منه، ونعني بما هو مشروع وغير مشروع معناه الدقيق الشامل لمسؤوليات القيادة، وليس لمسؤوليات الفرد الاعتيادي فقط.

وقد عرفنا أنَّ هذه الصفة ممَّا قامت عليه الضرورة في المذهب الإمامي، ووافق عليه جملة من الباحثين العامة كابن عربي في الفتوحات، ومَن تابعه بعض مَن تأخَّر عنه.

الخصيصة الثانية: أنَّه متى ما أراد أن يعلم شيئاً أعلمه الله تعالى إيَّاه، كما نطقت بذلك الروايات، وقد سبق أن بحثناه في تاريخ الغيبة الكبرى(١) .

وقلنا: إنَّ هذه الخصيصة تُعتبر من أعظم شرائط القيادة العالمية التي تكون بدونها مُتعذِّرة تماماً، فإنَّ الله تعالى حيث أوكل إلى المهدي (ع) هذه القيادة العامة، وعلمنا أنَّه يجب في اللطف الإلهي أن يُعطي الله عزَّ وجلَّ كل فرد منصوب لمـُهمَّة القدرة على تنفيذ تلك المـُهمَّة، أو أن يختار الفرد القادر لو أمكن، وبالتالي لابدَّ من التساوق بين قابليَّات الفرد

____________________

(١) ص٥١٥ وما بعدها.

٤٧٣

ومهامِّه، لا يختلف في ذلك الأنبياء عن الأولياء.

وحيث تتوقَّف القيادة العالمية على خبرة واسعة جدَّاً، يتعذَّر الحصول عليها بأيِّ تنظيم بشري أو أيِّ جهاز الكتروني، وخاصة إذا كان المطلوب هو تطبيق العدل المطلق وضمان استمراره.

إذن؛ فيتعيَّن صدق تلك الروايات وصحَّة مضمونها، ووجود هذه الصفة للمهدي (ع)، وهي أنَّه متى ما أراد أن يعلم أعلمه الله تعالى.

وممَّا يدعم ذلك بالنسبة إلى شخص المهدي (ع) ما أخرجه في البحار(١) ، عن السيد علي بن عبد الحميد في كتابه ( الغيبة )، بإسناده رفعه إلى أبي الجارود، قال: قلت لأبي جعفر: جُعلت فداك، أخبرني عن صاحب هذا الأمر.

قال: ( يُمسي أخوف الناس ويُصبح من آمن الناس، يوحى إليه هذا الأمر ليله ونهاره ).

قال: قلت: يوحى إليه يا أبا جعفر؟

قال: ( يا أبا الجارود، إنَّه ليس وحي نبوَّة، ولكنَّه يوحى إليه كوحيه إلى مريم بنت عمران، وإلى أُمِّ موسى وإلى النحل، يا أبا الجارود، إنَّ قائم آل محمد لأكرم عند الله من مريم بنت عمران وأُمِّ موسى والنحل ).

ويتمُّ فَهْم هذه الرواية ضمن عدَّة نقاط:

النقطة الأُولى: إنَّ الوحي غير خاص بالأنبياء، بل قد يشمل غيرهم أيضاً، وقد نصَّ القرآن على عدَّة موارد من ذلك:

المورد الأول: إنَّ مريم بنت عمران (ع) تلقَّت الوحي عن طريق الملائكة، قال الله تعالى:( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ... - إلى أن يقول: -إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) (٢) .

بل ظاهر إحدى الآيات أنَّها تلقَّت الوحي من الله تعالى مُباشرة:( قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ... ) (٣) .

____________________

(١) ص٢٠٠ ج١٣.

(٢) آل عمران: ٣/ ٤٢و٤٥.

(٣) آل عمران: ٣/ ٤٧.

٤٧٤

فإنَّها خاطبت الله مباشرة، فورد الجواب مباشراً أيضاً، بحسب ظاهر العبارة.

المورد الثاني: إنَّ أُمَّ موسى تلقَّت الوحي أيضاً.

قال الله تعالى:( إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ) (١) .

وقال عزَّ وجلَّ:( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ... ) (٢) .

المورد الثالث: الحواريُّون: وهو خاصَّة أصحاب النبي عيسى (ع).

قال الله تعالى:( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ) (٣) .

ولم يكن الحواريون أنبياء أو رُسلاً في حياة المسيح (ع)، باعتراف المسيحيِّين أنفسهم.

المورد الرابع: النحل: فإنَّها تلقَّت الوحي بالتعليم بما يخصُّ مصالحها، وما يُقيم لها حياتها، قال الله تعالى:( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً... ) (٤) .

وقد نصَّت الرواية على ثلاثة موارد من هذه الأربعة:

النقطة الثانية: إنَّ نوع الوحي يختلف في هذه الموارد الأربعة، فهو في النحل ليس أكثر من الأسلوب الفطري لحياة النحلة نفسها... كل ما في الأمر أنَّه بالنسبة إلى خالق الكون، ليس أُسلوباً ( أعمى )، بل هو مُدبَّر بحكمة وإتقان.

وأمَّا أمُّ موسى، فلا نستطيع أن نقول أكثر من أنَّها قد ( خطر ) في بالها، وقد فكَّرت بأن تضع ابنها في صندوق وتُلقيه في النيل، فهي لم تشعر أنَّها فكرة ذاتية لها ليست

____________________

(١) طه: ٢٠/ ٣٨.

(٢) القصص: ٢٨/٧.

(٣) ٥/ ١١١.

(٤) ١٦/٦٩.

٤٧٥

( مستوردة ) من أعلى، غير أنَّ القرآن الكريم يُخبرنا أنَّها إنَّما فكَّرت بذلك نتيجةً للتسديد الإلهي.

وأمَّا بالنسبة إلى مريم والحواريِّين، فظاهر القرآن الكريم، ثبوت الوحي ( لفظاً ومعنى ) بالنسبة إليهم، مع احتمال أن يُراد به ( الإلهام ) أيضاً، وهو إلقاء المعنى في الذهن من دون لفظ... فإنَّه من معاني الوحي لغةً أيضاً.

وعلى أيِّ حال، فتشبيه الإمام المهدي (ع) بهؤلاء، في الرواية لا يستدعي أكثر من ثبوت أقلِّ المراتب له (ع)، بمعنى أنَّه لا تثبت الزيادة إلاَّ بدليل آخر.

النقطة الثالثة: لا شكَّ أنَّ المهدي (ع) من أعاظم الأولياء، يكفينا أنَّه اختاره الله لتنفيذ غرضه الكبير من خلق البشر، وإنجاز العدل الكامل على وجه الأرض أفضل بكثير من مريم والحواريين وأُمِّ موسى، فضلاً عن النحل.

النقطة الرابعة: إنَّ كل صفة ( كمالية ) ثبت وجودها في الأقلِّ شأناً، فهي ثابتة لا محالة في نظائره ( باعتبار المساواة )، وفي الأفضل ( باعتبار الأولوية )، خُذْ مثلاً أنَّ ( الكاسب ) إذا استطاع أن يشتري داراً، فأحرى ( بالتاجر ) أن يشتري مثلها أو أفضل منها، أو إذا استطاع المـُتخرِّج من إحدى الكلِّيات تأليف كتاب نافع، فالحامل لشهادة الدكتوراه أولى بالقدرة على ذلك.

النقطة الخامسة: أنَّه يثبت من ذلك، أنَّ أيَّ مرتبة ثبتت في إحدى هذه الموارد، ففي الإمكان ثبوتها للمهدي (ع) بالأولوية.

نعم، ( وقوع ) ذلك لا يدلُّ عليه التشبيه - كما قلنا - إلاَّ بأقلِّ مراتبه... ولكنَّه ليس هو المرتبة الضئيلة الثابتة للنحل على أيِّ حال.

النقطة السادسة: إنَّنا جعلنا هذه الرواية مؤيِّدة لقاعدة الإلهام بالنسبة إلى المهدي، ولكنَّها لا تصلح وحدها دليلاً.

أولاً: إنَّها لا تدلُّ إلاَّ على وقوع أقلِّ مراتب ( الوحي ) للمهدي (ع)، وهو – على كلِّ حال – أقلُّ من قاعدة الإلهام، إذا أراد الإمام أن يعلم أعلمه الله تعالى ذلك.

ثانياً: إنَّها مرفوعة، بمعنى أنَّها مجهولة الراوي، فلا تصلح للإثبات التاريخي.

ولكنَّها - على أيِّ حال - تحتوي على نقطة قوَّة هي اختصاصها بالمهدي، بخلاف الروايات الأخرى، فإنَّها عامة لكل إمام معصوم، فتثبت الخصيصة الثانية للمهدي بالعموم، لا بالتنصيص، وإن كان العموم كافياً على كل حال.

٤٧٦

الخصيصة الثالثة: تكامل القيادة في شخصه (ع) بدرجات أعلى من ( مُجرَّد ) العصمة... واطِّلاعه على قوانين المجتمع والتاريخ البشري، بشكل لا يمكن لأحد غيره الاطِّلاع عليها.

كما سبق أن ثبَّتنا ذلك في التاريخ السابق(١) ، وفي هذا التاريخ.

والقائد المعصوم عموماً، قابل للقيادة العالمية، إلاَّ أنَّ المهدي ببقائه الطويل ومُعاصرته لمئات الأجيال البشرية، طبقاً للفهم الإمامي، تتكامل فيه صفة القيادة، ويكون في إمكانه الوصول إلى الأهداف المنوطة به والموكولة إليه، بشكل أسرع وأسهل وأعمق.

القسم الثالث: الضمانات المـُنبثقة من صفات أصحابه عليه وعليهم السلام.

ونُشير هنا إلى ما سبق أن عرفناه مُفصَّلاً من شجاعتهم وإخلاصهم للعقيدة، والهدف ولإمامهم القائد (ع)، فإنَّ كل ذلك يُشكِّل نقطة قوَّة وضمانات لانتصار المهدي (ع)...

ونودُّ هنا أن نُشير إلى أمر آخر، سبق أن أشرنا إليه، وهو علمهم وفقاهتهم وحسن تدبيرهم لأمور المجتمع... وقد سمعنا وصفهم في الروايات بأنَّهم، النُّجباء والفقهاء، وهم الحُكَّام وهم القضاة(٢) .

وسيأتي في الفصل الآتي التعرُّض إلى طريقة حصولهم على مثل هذا العلم الواسع المـُدِّبر للعالم، وأمَّا هنا، فأودُّ أن أُبيِّن وجه الحاجة إلى مثل هذا العدد الكبير من الفقهاء والحُكَّام، بحيث لو كانوا يُمثِّلون بعض هذا العدد أو بعض هذه الثقافة، لما أمكن نجاح الدولة المهدوية العالمية؛ ومن هنا كان اتِّصافهم بهذه الصفات، وهذا العدد من أهمِّ ضمانات نجاح التطبيق العالمي.

ومن هنا - أيضاً - اقتضى التخطيط السابق على الظهور إيجادهم لإنجاح هذه التجربة، لمشاركتهم - أولاً – بصفتهم قادة عسكريين في الفتح العالمي، ومشاركتهم - ثانياً - بصفتهم رؤساء وحُكَّاماً لمناطق العالم وأقاليمه في الدولة العالمية.

ويحتاج بيان هذا المقصود إلى تقديم عدَّة مُقدِّمات:

المـُقدِّمة الأُولى: إنَّه ثبت في الفقه الإسلامي، أنَّ رئيس الدولة لابدَّ أن يكون

____________________

(١) انظر ص٥١٤ وما بعدها، وانظر ص٥١٧ أيضاً.

(٢) انظر الملاحم والفتن ص١٧١.

٤٧٧

جامعاً لشرائط خاصة، وحاصلاً على مؤهِّلات مُعيَّنة، لكي يكون أهلاً لتولي هذا المنصب الكبير، وكذلك لابدَّ أن يكون القاضي جامعاً لشرائط مُعيَّنة، لكي يكون نافذ الحُكم في نظر الإسلام، وقابلاً لحلِّ مشاكل المرافعات بين الناس.

وأهمُّ هذه الشرائط المشتركة بين الحاكم والقاضي معاً: العدالة، والفقاهة. ويُراد بالعدالة درجة كبيرة من الإخلاص والاستعداد للتضحية، تكفُّ صاحبها عن العصيان، وعن التمرُّد عن تعاليم الله، ويُراد بالفقاهة الاطِّلاع على أحكام الشرع الإسلامي اطِّلاعاً واسعاً، يُسمَّى بالاجتهاد في لغة الفقه لما قبل الظهور.

المـُقدِّمة الثانية: إنَّ القدرة الفردية، مهما كانت كبيرة وعميقة، فهي قاصرة عن أن تباشر الحكم في العالم كله بمفردها، بحيث يكون لها مباشرة البتِّ في كل الوقائع الجزئية من شؤون الأفراد والمجتمع؛ لأنَّها تعدُّ بالملايين في الساعة الواحدة، فضلاً عن اليوم الواحد فالأكثر منه، وقد سبق أن قرَّبنا ذلك.

نعم، يمكن للمعجزة أن تُذلِّل ذلك، فتُعطي للفرد طاقة غير محدودة، إلاَّ أنَّ مثل هذه المعجزة لا يمكن افتراضها في حق الإمام المهدي؛ لكونها مخالفة لقانون المعجزات؛ وذلك لأجل وجود البديل الواضح لها، وهو مباشرة الحكم العالمي عن طرق الأفراد الكثيرين المـُتمثِّلين بأصحابه المـُمحَّصين، وإذا كان للمعجزة بديل طبيعي لم يكن لها مجال للتحقُّق والوقوع.

المـُقدِّمة الثالثة: إنَّ المناطق التي يحتوي عليها العالم المسكون كثيرة، يكفينا من ذلك أنَّ الدول الأعضاء في الأُمَم المـُتَّحدة الآن يزيد عددهم على المئة بأكثر من عشرة، وهناك مناطق أو دول غير مشاركة في هذه الهيئة العالمية، ككل المـُستعمرات وأغلب جُزر المـُحيطات والمناطق القطبية.

هذا، مضافاً إلى أنَّ بعض الدول شاسعة المساحة جدَّاً، كالصين والاتِّحاد السوفيتي، والولايات المـُتَّحدة، وكندا، واستراليا وغيرها، فلو حصلت المصلحة في تقسيم هذه الدول إلى عدَّة أقاليم في الدولة العالمية، حصلنا على عدد متزايد من الدول مع ضمِّها إلى ما سبق، بحيث يمكن أن تصل أقاليم الدولة العالمية إلى مئتين.

المـُقدِّمة الرابعة: إنَّه ليست الحاجة مُقتصرة في كل منطقة على خصوص شخص الرئيس الذي يحكمها، بل تحتاج المنطقة أو الإقليم إلى جهاز إداري وقضائي كامل، يكون كل الأشخاص الرئيسيين فيه مُتَّصفين بالأهلية التي عرفناها... بما فيهم الرئيس والوزراء

٤٧٨

والمـُدراء العامين والقضاة، وكل مَن كان بمنزلتهم وأهمِّيَّتهم في الدولة.

يتَّضح من هذه المـُقدِّمات وجه الحاجة إلى هذا العدد: الثلاثمئة والثلاثة عشر من القادة، والفقهاء، والحُكَّام والقضاة، إن لم نقل: إنَّه رقم يقلُّ عن الحاجة بقليل أو بكثير، فإنَّنا لو سرنا على حسابنا السابق، فاعتبرنا لكل إقليم من الأقاليم المئتين عشرة أشخاص مؤهَّلين بالدرجة العالية، كانت الحاجة مُقتضية لوجود ألفي شخص من هذا القبيل.

غير أنَّنا ينبغي أن نلتفت إلى أنَّ الصفات العُلْيا لا ينبغي أن نتوخَّاها في كل إقليم إلاَّ لشخصين، هما الرئيس الأعلى والقاضي الأعلى، وأمَّا الباقون فيمكن اتِّصفاهم بنفس الصفات بدرجة أقلِّ، فإذا لم تبلغ إقليم الدولة العالمية إلى مئتين، بل اقتصرت على مئة وخمسين مثلاً، فتكون الحاجة مُقتضية لوجود ثلاثمئة من ذوي المؤهَّلات العالية، لا أكثر.

ويبقى من هؤلاء الخاصة ثلاثة عشر، ربَّما يتولُّون مهامَّ الحكم المركزي في العالم، إلى جنب الإمام المهدي نفسه، وقد نصَّت الروايات التي سنسمعها في الفصل لقادم، على وجود اثني عشر نقيباً من هؤلاء مع الإمام نفسه، والعدد الذي استنتجناه تقريبي على كل حال.

هذا، وستتمُّ تغطية الحاجة في أشخاص الوزراء والمـُدراء، وباقي القضاة وغيرهم، من الأفراد المـُتَّصفين الدرجة الثانية من درجات الإخلاص التي عرفناها، فإنَّها مساوقة مع وجود العدالة والفقاهة ببعض مراتبها أيضاً، بالمقدار الذي يؤهِّل المـُتَّصفين بها إلى تولِّي هذه المناصب.

وعلى أيِّ حال، فإذا استطعنا أن نعتبر كل صفة من صفات الإمام المهدي ضماناً مُستقلاَّ ًللتطبيق العادل، الذي نتحدَّث عنه... لوضوح أنَّه لو تخلَّف أيُّ واحد منها كان موجباً لفشل التجربة العالمية أو تضرُّرها على أقلِّ تقدير، فاعتبرنا عددهم ضماناً مُستقلاَّ ً، وعدالتهم المـُتمثِّلة بإخلاصهم للعقيدة والقائد ضماناً ثانياً، وفقاهتهم ضماناً ثالثاً، وأضفناها إلى الضمانات السابقة، زادت الضمانات المـُتوفِّرة للمهدي، للبدء بالتطبيق العادل على عشرة.

ولسنا بحاجة - بعد هذا - إلى القول: بأنَّ مجموع هذه الضمانات لا يمكن أن يتوفَّر لغير الإمام المهدي، مهما كانت حركته قويَّة أو دولته واسعة، أو قانونه عميقاً، وسواء كان أساسه مصلحياً أم عقائدياً على مرِّ التاريخ.

المستوى الثاني: في ضمانات دوام التطبيق واستمراره، بعد إنجازه واستتبابه لأول

٤٧٩

مرَّة... سواء في حياة الإمام المهدي أم بعده.

وهي - أيضاً - عدَّة ضمانات، نُدركها الآن بوضوح:

الضمان الأول: اتِّضاح صحَّة التجربة المهدوية العالمية أمام الناس أجمعين، أو أمام الرأي العام العالمي بالتعبير المـُعاصر... ومدى السعادة والرفاه الذي يعيشه المجتمع، نتيجة لهذه التجربة وهذا التطبيق.

وهذا الوضوح يجعل الناس تلقائياً مؤيِّدين لبقاء واستمرار نظام المهدي أطول مدَّة ممكنة، ومُدافعين عن ذلك بما يملكون من رأي وسلاح.

وينبغي هنا أن نلتفت إلى أنَّه عند اتِّضاح صحَّة التجربة المهدوية، تخرج ( الأُطروحة العادلة الكاملة ) التي يُطبِّقها عن كونها مُجرَّد أُطروحة، فإنَّ الأُطروحة ما تكون مُحتملة الصحَّة... وسيكون ذاك التطبيق العالمي الكامل لها مُثبتاً لجدارتها وصحَّتها، وحُسن نتائجها بالحسِّ والعيان.

الضمان الثاني: اتِّضاح مدى الانسجام الذي حصل بين أفراد المجتمع، والأُخوَّة التي سادتهم، والطمأنينة والسلام المـُسيطرة على ربوعهم... ربوع البشرية كلها.

وهذا الوضوح له نفس الأثر النفسي السابق بطبيعة الحال، وسنعرف تفاصيلها في فصل آتٍ من هذا الباب، يتعلَّق بإنجازات المهدي في دولته على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

الضمان الثالث: تربية أجيال الأُمَّة... والأُمَّة يومئذ تُمثِّل البشرية كلها... تربية صالحة، وتكميل إيمانها وإخلاصها، عن طريق التربية المـُركَّزة المـُستمرَّة، تكميلاً يجعلها لا ترضى عن إطاعة حكم الله وتنفيذ عدله الكامل بديلاً.

ومعناه - على وجه التعيين - أنَّه ستتمسَّك بحرارة بنظامها المهدوي الجديد، بصفته مُمثِّلاً لعدل الله وشريعته.

الضمان الرابع: تربية جماعة من خاصة الناس وعظمائهم إيماناً وإخلاصاً وثقافة، تربيتهم عن طريق التثقيف العميق والمـُستمرّ، والنجاح في التمحيصات القويَّة المختلفة، التي سوف نُشير إلى بعضها... تربيتهم لكي يكونوا أولياء صالحين لتولِّي مهامِّ الرئاسة العالمية بعد المهدي... أو تولِّي رئاسة المناطق المـُختلفة بعد رؤسائها المـُختلفين، فيما إذا ماتوا أو انعزلوا أو نُقلوا.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679