موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)8%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

الجزء ١ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212439 / تحميل: 11106
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الإهداء

أهدي هذا الجهد إلى مولاي صاحب الزيارة الإمام الحسين (ع)

قتيل العبرات المذبوح ظلماً وعطشاً بجنب الفرات

واُقدّمها إليه بتذلّلٍ وخضوع لعلّه يقبلها من عبده.

نزار

٣
٤

المقدّمة

(١)

الحمدُ لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام علی محمّد وآله الطاهرين واللعن الدائم علی أعدائهم إلى يوم الدين.

أمّا بعد :

هذا شرح (زيارة عاشوراء المشهورة العظيمة المرويّة عن الإمام الباقر عليه السّلام) للعالم الربّاني الکبير (حبيب الله الشريف الکاشانی)، لقد وقع بأيدينا بطبعة القديمة التي نفدت في الأسواق من قبل سنين. وفي نفس الوقت إنّ مکتباتنا الإسلاميّة في هذا اليوم تفتقر لشرح زيارة العاشوراء باللغة العربية، ولعلّها توجد باللغة الفارسية. وأيضاً رأيت الکثير من طلّاب العلم وغيرهم يبحثون ويسألون عن شرحٍ لهذه الزيارة العظيمة، ونظراً للحاجة الماسّة توکّلتُ علی الله الذي أستمدّ منه العون والقوّة، وتقرّباً لأهل البيت عليهم السّلام الذين هم ذخيرتی في الدُّنيا والآخرة، وعملي هذا خدمةً لآثارهم وإحياءً لفضائلهم عليهم السّلام.

وعملتُ في تحقيق وتصحيح هذا الشرح القيّم النادر، وحاولت أن أحصل علی نسخةٍ خطية لهذا الشرح واستمرّ البحث عدّة شهور وأخيراً أعانني الأخ المحترم المحقّق (الشيخ ماجد بن أحمد العطيّة) وجاءني بنسخةٍ خطيّة من (مرکز إحياة التراث الإسلامي) وعدد صفحاتها (٢٥) صفحة وکلّ صفحة تضمّ (١٨) سطراً إلاّ الصفحة الأولی، ولکن للأسف کانت النسخة الخطية ناقصة،

٥

وقابلتُ النسخة المطبوعة قديماً والنسخة الخطية فوجدتُ بعض التفاوت وأشرت إلى الاختلاف الذی بينهما. وفی نفس الوقت علقت بعض التعليقات والتوضيحات وأشرت بعض الاشارات، وذکرنا في المقدمة من آثار وبرکات هذا الزيارة.

وأخير أحمد الله تعالی وأستغفره عن کل هفوة وزلّة صدرت منا. وأساله أن يوفقنا لخدمة الدين وأهله بحقّ محمد وآله الطاهرين.

٦

ترجمة الشارح

(٢)

١. اسمه :

هو العلّامة المجتهد آية الله العظمی الملّا حبيب الله الشريف الکاشانی (أعلی الله مقامه).

٢. والده :

هو الفقيه المولی علی مدد الساوجی المتوفی سنة ١٢٧٠هـ بساوة والمدفون بمدينة قم المقدسة بجوار ابن بابويه والملّا مهدي النراقي وکان من أجلّاء علماء عصره ومشاهير فضلاء زمانه، وله مولّفات قيّمة.

٣. والدته :

العلوية الشريفة کريمة العلامة المحقق السيدالحسين الکاشانی (طاب ثراه).

٤. مولده :

ولد في مدينة کاشان وتاريخ ولادته علی ما ذکره بنفسه في آخر کتابه (لباب الألقاب) قال : «وأمّا تاريخ ولادتی فلم أتحققه في مکتوب من الوالد الماجد وإنّما ذکرت والدتی المرحومة أن ولادتك کانت قبل وفاة السلطان الغازی محمد شاه القاجاري بسنتين، وتاريخ وفاته علی ما حقّقناه سنة (١٢٦٤) من الهجرة النبوية.

٧

٥. وفاته ومدفنه :

لقد أجاب داعی الله وعرج بروحه المقدّسه إلى دار السلام وجوار أوليائه الکرام، فلحق بالرفيق الاعلی في صبح يوم الثلاثاء ٢٣ جمادي الثانية عام (١٣٤٠) هجرية من عمر جاوز الثمانين. وشيعته بلدة کاشان برمتها والوفود التی حضرت کاشان من ضواحيها ونواحيها بتشييع حافل بالعلماء والوجوه العلمية وسائر الطبقات، وحمل جثمانه علی الرووس والاکتاف مارين به في البلد حتی جیء به إلى خارج البلد في محل يسمی «دشت أفروز». هذا، والأعلام تخفق أمام نعشه ومواكب اللطم والعزاء خلفه يردّدون أهازيج الحزن بلوعة. ودفن هناک في مقبرته الخاصة وأقيمت لروحه الفواتح في کاشان وفی نواحي اخری من البلاد کما رثته الشعراء والادباء بقصائد مشجية، واليوم مرقده الشريف مزار للخاص والعام في کاشان، ولاسيّما في ليالي الجمعة.

٦. أخلاقه الحميدة :

کان خلاصة علمائنا الاخيار وبقية فقهائنا الابرار، جامعا لانواع الکمالات، ومحاسن الصفات؛من الورع والتقوی والتمسک بالعروة الوثقي، وغاية في التواضع والانصاف في نهاية حسن الاخلاق والعفاف والکرام الذی لم يزل بيته مناخا للوالدين والاضياف، محبوبا لدي العوام والخواص، وکان بجانب عظيم من الزهد والتقشف، کان جشب الماکل وخشن الملبس حيث سار بسيرة الاولياء الصالحين من السلف الصالح، وکان صلب الايمان، وافر العقل، حسن الصحبة، ذا اناة وتامل، لم ياخذه الطيش والحدة إذا غضب، ولم تاخذه في الله لومة لائم، وکان مخالفا لهواه مطيعا لامر مولاه.

وکان دائم الذکر والتلاوة، کثير التهجّد والعبادة، وکان متصفا بالاخلاق السنيّة والشيم المرضية ؛ من لين العریکة، وصفاء الحقيقة، وخلوص المحبة ،

٨

وشدة ولائه الاهل بيت العصمة والطهارة وإحياء ذکرهم ببثّ آثارهم الشريفة. وکان کثير التحمل ـ مع کثرة عائلته ـ للفقر والفاقة(١) .

وأيضا هناك ترجمة ضافية لشيخنا المترجم ذکرها بنفسه في آخر کتاب لباب الالقاب منها، قال : (وبالجملة لولا أنَّ تزکية المرء لنفسه قبيحة عند أرباب العقول لفصّلت الکلام فيما منَّ الله عليَّ من الخصائص في الأحوال بما يطول، والقول المجمل في ذلك أنّي لم اشتغل من بدو تمييزی قبل بلوغی إلى هذه السنة ١٣١٩هجري بما اشتغل به اللاهون والغافلون ولم أصرف عمری فيما صرف فيه البطالون ولم احب المخالطة مع الجهلة ولم ارکن إلى الظلمة، بل کنت محبا للاعتزال، مجتبا عن المراء والجدال، وعن قيل والقال، والجواب والسوال الا في مسائل الحلال والحرام، معرضا عن الحسد والطمع وطول الامال، صابرا علی الباساء والضراء وشدائد الاحوال، وان يجعل عاقبتی خيرا مما مضي.

وبالجملة قد وقفت عمری علی التدريس والتاليف والتصنيف ولم اکترث بما اصابنی من اذی کل وضيع وشريف، ولوشئت ان اذکر نبذا مما اصابنی من أهل هذا البلد وشطرا من ابتلائی بشر الحاسد إذا حسد لملات الطوامير وسطرت الاساطير، ولکنی أسدل دونها ثوبا وأطوی عن ذکرها کشحا فان الصبرعلی هاتی احجی وان کان في العين قذی وفی الحلق شجی.

خليلی جربت الزمان وأهله فلا عهدهم عهد ولا ودّهم ود بلاءٌ علينا کوننا بين معشر ولا فيهم خير ولا منهم بدُّ إلى غير ذلك مما ذکره بنفسه.

__________________

١ ـ هذا الکلام ذکره سبطه في آخر کتاب (أحسن الترتيب).

٩

٧. مشایخه في العلم :

اخذ المترجم له علومه الابتدائية في الصرف والنحو والمنطق والمعانی

والبيان والبديع والتجويد من أساتذة الوقت في ساوة وکاشان، وفرغ منها ولم

يتجاوز الخامسة عشر من عمره، ثم شرع في الفقه واصوله لدي جماهة من

الاجلاء والفحول منهم :

١ ـ الفقيه السيد حسين الحسنی الکاشانی وهو جد آية الله العظمی السيد أبي القاسم الکاشانی المتوفی سنة ١٣٨١هـ.

٢ ـ العلامه المحقق الحاج محمد علی اللاجوردي الکاشانی المتوفی سنة ١٢٩٤هـ (مولف تکميل الاحکام في شرح المختصر النافع) و (شرح نتائج الافکار).

٣ ـ العلامة الحاج المولی محمد حسين الارد کانی الشهير بالفاضل الارد کانی نزيل کربلاء المقدسة والمدفون بها.

٤ ـ العلامة الحاج أبو القاسم الشهير بکلانتر وتلميذ الشيخ الانصاری.

٥ ـ العلامة الجليل زين العابدين الگلبايگانی.

٦ ـ الشيخ محمد الاصفهانی ابن اخت صاحب الفصول.

٧ ـ العلامة الحکيم السيد علی شرف الدين الحسينی المرعشی الشهير

ب (سيد الاطباء) المتوفی سنة ١٣١٦هـ مولف کتاب قانون العلاج وهو جد

المرجع الدينی السيد شهاب الدين المرعشی النجفی.

٨ ـ المولی المحقق عبد الهادي المدرس الطهرانی صاحب التعليقة علی القوانين.

هولاء العلماء الکبار الذين تلمذ عندهم المترجم له وغيرهم واجيز منهم أو روی عنهم احاديث العترة الطاهرة عليهم السّلام.

١٠

٨. تلاميذه :

هناك جم غفير وجمع کثير من العلماء الاعاظم الذين قد استفادوا من دروسه، منهم :

١ ـ المرجع الدينی السيد مصطفی الحسينی الکاشانی.

٢ ـ آية الله العظمی السيد محمد بن إبراهيم العلوی البروجردي الکاشانی المتوفی ١٣٦٢هـ.

٣ ـ العلامة المتبحر أبو القاسم القمی.

٤ ـ العلامة الميرزا المحلاتی نزيل اصفهان ومدرسها المشهور. وهو من أساتذة المرجع الکبير السيد حسين البروجردي.

٥ ـ العلامة النسابة السيد شمس الدين محمود الحسينی المرعشی النجفی صاحب الکتاب (مشجرات العلويين الکرام) وهو والد آية الله العظمی شهاب الدين المرعشی النجفی.

٦ ـ العلامة الجليل الشيخ المحمود التبريزی النجفی المتوفی ١٣٨٥هـ.

٧ ـ العلامة الاديب الميرزا شهاب الدين النراقي.

٨ ـ الميرزا أبو القاسم بن الحاج الملا محمد بن الفقيه المولی أحمد النراقي.

٩ ـ وهناک عشرات من أصحاب السماحة والفضيلة الذين درسو عنده ورووا عنه مع الواسطة ولکن نعرض عن ذکرهم بغية الاختصار ومخافة الاطالة.

٩. أولاده :

أعقب شيخنا المترجم له من الأولاد الذکور خمسة، وهم :

١ ـ الشيخ آقا حسين المتوفی سنة ١٣٧٨هـ.

٢ ـ العلامة الفاضل الشيخ مهدي.

١١

٣ ـ العالم الفاضل أحمد الشريف.

٤ ـ الشيخ محمد الشريف، وهذا الشيخ سعی لاحياء آثار والده.

٥ ـ علی الشريف تزيل طهران المعروف باية الله زاده کاشانی.

١٠. شعره :

کان ممن وهبت له قريحة الشعر والنظم، وکانت قريحته نقادة في إنشاد الشعر باللغتين العربية والفارسية، وکان شعره يعتبر من المتوسط، وله ديوان شعر مطبوع أسماه (تشويقات السالکين) أکثرها في المعارف والحکم والامثال والمواعظ ومناقب ومراثی العترة الطاهرة عليهم السّلام.

ومن شعره في الامام المهدي (عج) في قصيدة طولية منها، قال :

يا سليل المصطفی يابن الحسن

يادليل الخلق يا خير البشر

أنت باب الله يوتی منه فی

عصرنا أنت الامام المنتظر

أنت نور العالمين في الدجی

انت شمس في سحاب مکفهر

أنتم ذخری وذخری حبّکم

حبّکم زادي ونعم المتجر

وبکم أرجو الفلاح والهدي

وشفيعی أنت فيما قد صدر

يا ولی العصر يا قطب الوری

خذ بايدينا بيوم لا مفر

قم بامر الله حتی لا يری

غير حکم الله والاثنی عشر

وقريضي لا يليق مدحهم

فليکن هذا مديحا مختصر

ومن شعره في مدح طلب العلم وآدابه في قصيدة طويلة اولها :

يا طالب العلم کم تسعی بلا عمل

وغاية العلم ترک الحرص والامل

إن کنت طالب علم فاهجر الامل

لا يجمع العلم والآمال في رحل

وطالب العلم مجزی بنيته

فاصف قلبک في النيات والعمل

١٢

لا تطلب العلم للدنيا فقد خسروا

طلاب علم لاجل المال والخول

وطالب العلم منهوم بلا شبع

فلا تراه علی الاحوال في عطل

وفکر طالب علم عند معضلة

فی طول ليلة أحلی من العسل

وطالب المال يسعی في معيشه

وطالب العلم مرزوق بلا ملل

الی آخر القصيدة وهی طويلة نکتفی بهذا المقدار منها.

١١. مؤلفاته وآثاره العلمية :

إنَّ شيخنا المترجم له من الافذاذ الذين وفقهم الله سبحانه بکثرة التاليف والتصنيف فاکثر وأجاد فيها، وکانت مؤلفاته في مختلف العلوم وشتی الفنون. وقال هو عند ترجمته لنفسه : (فنلرجع إلى ذکر مؤلفاتی ومصنفاتی مما کان قبل بلوغی إلى هذه السنة مع قلة الاسباب والابتلاء بالاقشاب واختلال البال وکثرة الديون والعيال وعروض الامراض والاعراض من حوادث الدهر الخوان من فقد الخلان وموت الولدان وغير ذلك مما يقصر عنه نطاق البيان، فنقول:- ومن الله التوفيق والتسديد- ترتقي هی إلى مائة وثلاثين بل تزيد(١) .

١ ـ مصابيح الظلام.

٢ ـ مصابيح الدجی.

٣ ـ التذکرة.

٤ ـ حديقة الجمل.

٥ ـ حقائق النحو.

٦ ـ المنظومة في الاصول ألّفها قبل البلوغ، تزيد علی ألف ومائتين من الابيات.

٧ ـ منظومة في افعال الصلاة موسومة بزبدة المقال في نظام الافعال.

٨ ـ لباب الفکر في علم المنطق.

٩ ـ لبُّ النظر في المنطق.

١٠ ـ هداية الضبط في علم الخط.

__________________

١ ـ سوف نذکر العربية منها فقط.

١٣

١١ ـ نخبة التبيان في علم البيان.

١٢ ـ بوارق الدهر في تفسير سورة الدهر.

١٣ ـ کشف السحاب في شرح الخطبة الشقشقية.

١٤ ـ مصاعد الصلاح في شرح دعاء الصباح.

١٥ ـ جذبة الحقيقة في شرح دعاء کميل.

١٦ ـ شرح علی مناجاة الخمسة عشر.

١٧ ـ رسالة في الرد علی البابية وذکر کلماتهم الواهية.

١٨ ـ حکم المواعظ.

١٩ ـ الدر المکنون في شرح ديوان المجنون.

٢٠ ـ صراط الرشاد في الاخلاق.

٢١ ـ رسالة في معنی الصلاة علی محمد وآل محمّد وآله صلّی الله عليه وآله.

٢٢ ـ منتقد المنافع في شرح المختصر النافع.

٢٣ ـ وسيلة المعاد في فضائل محمد وآل محمّد وآله صلّی الله عليه وآله.

٢٤ ـ شرح دعاء صنمی قريش.

٢٥ ـ شرح زيارة وارث.

٢٦ ـ شرح قصيدة الفرزدق.

٢٧ ـ شرح دعاء العديلة.

٢٨ ـ شرح زيارة عاشوراء وهو هذا الکتاب الذی بين يديك.

٢٩ ـ خواص الاسماء.

٣٠ ـ کتاب لباب الالقاب في القاب الاطياب.

١٤

من آثار وبرکات زيارة عاشوراء

(٣)

١. زيارة عاشوراء ورضوان الله تعالی :

کتب الولد الكبير لاية الله الاميني الدكتور محمد هادي الاميني : بعد أربعة سنين من وفاة والدي المرحوم العلّامة الأميني رأيته في إحدي ليالي الجمعة وقبل أذان الفجر سنة ١٣٩٤ هـ في عالم الرؤيا فرحا وعلى هيية حسنة فتقدّمت نحوه، وسلّمت عليه. وسئلته أي الأعمال أوصلتك الى هذه السعادة؟ قال : ماذا تقول أنت؟ وعرضت عليه السوال مرة أخرى هكذا : سيدي في هذا المكان الذي تقيم فيه الان، أي الأعمال أوصلتك اليه : كتاب (الغدير) أو بقية التأليفات. أو تأسيس مكتبة أمير المومنين؟ قال : وضح أكثر لا أعرف المقصود من سوالك هذا، قلت : أنت بعيد الان عنا، وذهبت الى العالم الاخر، فبأي الاعمال العلميّة والخدمات الدينيّة والمذهبية وصلت الى ما أرى؟ فمكث المرحوم الاميني قليلا، ثم قال : فقط عن طريق زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السّلام، ثمّ سألته : أنت تعرف في الوقت الحاضر أن الروابط السياسية بين ايران والعراق غير عادية والذهاب الى كربلاء غير ممكن.

قال : قوموا واشترکوا في مجالس عزاء الإمام الحسين عليه السّلام فلها ثواب زيارة مرقد أبي الأحرار الحسين عليه السّلام، ثم قال لي : يا ولدي أوصيتك في السابق کثيرا بقراءة زيارة العاشوراء، والآن اُکرر عليك وأقول : إستمر بقراءتها ولا تترکها لأي سبب کان، اقرأها دائما وکأنها جزء من واجباتک اليومية، فإنَّ لهذه الزيارة فوائد

١٥

وبرکات کثيرة، وهي طريق نجاتك في الدنيا والآخرة، أسألکم الدعاء(١) .

٢. زيارة عاشوراء وقضاء الدين :

ذکر العالم الجليل آية الله القوچانی النجفي في مدکراته ضمن خاطراته في المدة التي قضاها في اصفهان، والتي استمرت أربع سنوات من سنة ١٣١٤هـ إلى ١٣١٨هـ. کتبت إلى أبي ليرسل رسالة يشرح لي فيها حالته، لأني قلق عليه، فما أن أرسلت الرسالة، وإذا براسلة من أبي وصلتنی يقول فيها بان زوجته قد توفيت.

وکتبت أيضا : انه قبل عشر السنوات من هذه اقترض مبلغ اثنی عشر تومان لتسديد نفقات سفره لزيارة العتبات المقدسة ولکن بسبب (الربا) وصل القرض إلى ثمانين تومان وکل ماکان يملک أبي لم يصل إلى هذا المقدار، فصممت ان اقرا زيارة عاشوراء ولمدة اربعين يوما، وعلی سطح مسجدالسلطان الصفوی، وطلبت ثلاث حاجات :

الاولی : أداء قرض والدي.

الثانية : طلب المغفرة.

الثالثة : الزيادة في العلم والاجتهاد.

کنت أبدا بالقراءة قبل الظهر واتمها قبل ان يزول الظهر وتستغرق قرائتها مدة ساعتين، فلما تمت الاربعين يوما، وبعد الشهر تقريبا کتب لی الوالد : بان الامام موسی بن جعفر عليهم السّلام أدي قرضي، فکتبت له : لا، الامام الحسين عليهم السّلام أداه، وکلّهم نور واحد(٢) .

__________________

١ ـ زيارة عاشوراء وآثارها العجيبة ص ٤٥.

٢ ـ السياحة الشرقية ص ٢٠٤.

١٦

٣. زيارة عاشوراء ورفع مرض الوباء :

قال المرحوم آية الله الشيخ عبد الکريم الحائری : عند ما کنت مشغولا بدراسة العلوم الدينية في سامراء أصيب أهل تلک المدينة بمرض الوباء وکان في کل يوم يموت عدد کثير منهم. ذات يوم عندما کنت في بيت أستادي المرحوم السيد (محمد الفشارکی) وکان هناک عدد من أهل العلم جاء فجاة المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازی وبدا بالکلام عن الوباء والطاعون، وأن کل الناس معرضون لخطر الموت.

فقال آية الله الفشارکی: إذا أصدرت حکما هل ينفذ؟ ثم قال : هل تعتقدون بأنی مجتهد جامع للشرائط؟

فقال الجالسون : نعم، فقال : إنّی آمر شيعة سامراء أن يلتمزوا بقراءة زيارة عاشوراء لمدة عشرة أيام ويهدون ثوابها إلى روح نرجس خاتون، والدة الامام الحجة ابن الامام الحسن العسکری (عج) ويجعلونها شافعة لنا لدي ولدها لأن يشفع لامتة عند ربه وانی أضمن لکل من يلتزم بقراءة هذه الزيارة أن لايصاب بالوباء.

قال : ما إن صدر هذا الحکم أجمع الشيعة المقيمون في السامراء علی إطاعة الحکم وقراءة الزيارة، وبعد القراءة الزيارة فعلا توقفت الإصابة، بينما کان کل يوم يموت عدد کثير من أبناء العامة ومن شدة خجلهم يدفنون موتاهم بالليل(١) .

وقد سأل بعض العامة عن سبب توقف الوباء فيهم، فقالوا لهم : قرأنا زيارة عاشوراء، فاشتغلوا بقراءة هذه الزيارة المبارکة ورفع عنهم البلاء(٢) .

__________________

١ ـ القصص العجيبة، ص ٤٩٦ للسيد عبد الحسين دستغيب.

٢ ـ نفس المصدر.

١٧

٤. زيارة عاشوراء وزيادة الرزق :

قال الشيخ عبد الجواد الحائری المازندرانی : جاء شخص إلى حضرة شيخ الطائفة : الشيخ زين العابدين المازندرانی يشکو اليه ضيق المعاش، فقال له الشيخ : اذهب إلى ضريح الامام الحسين عليه السلام واقرا زيارة عاشوراء فسياتيک رزقک، واذا لم ياتک ارجع إلى فساطيک ما تحتاج اليه، وبعد فترة من الزمان التقيت به فسالته عن حاله، فقال : عندما کنت مشغول بقراءة الزيارة في حرم الامام أبي الأحرار عليه السّلام جائني رجل وأعطانی مبلغا من المال ففتحت أمامی أبواب الرزق(١) .

٥. زيارة عاشوراء وتسهيل أمر الزواج :

قال أحد الخطباء والوعاظ : جائنی قبل عدة سنين صديق شاب ومؤمن، وطرح لی حاجة مستعصية، وقال : نويت الزواج منذ فترة، ولکنی في کل مرة اتقدم فيها اواجه بعض المشاکل والمصاعب، فقلت له : لعلک تقدمت إلى افراد ليسوا من مقامك وشانك؟

قال : ليس کذالك، واذا لم تصدقنی، تقدم لی أنت إلى عائلة في طبقتی وشانی واخطب لی.

فذهبت إلى أحد أصدقائی الذی کنت مطمئنا منه بأنه يجيبنی وطلبت منه ابنته لهذا الشاب المؤمن في البداية فوافق، وبعد فترة قال : أستخير الله، ومع الاسف أجاب الرد.

هذه القصة آلمتنی کثيرا، وقال لی صديقي : رأيت الحق معی.

__________________

١ ـ تذکرة الزائرين.

١٨

قلت له : لا تؤذ نفسك، ولقضاء مشکلتك اقرأ ـ بعد أداء فريضة صلاة الصبح وتعقيباتها ـ زيارة عاشوراء مع اللعن مائة مرة والسّلام مائة مرة.

فبدأ بقراءة الزيارة، وفي يوم السابع والعشرين جائنی فرحا، وقالت : تقدمت إلى إحدي العوائل، فوافقوا وانا وهم في غاية الرضا، واليوم بعد العصر تقام مراسيم الخطبة، وارجو ان تکون من الشاهدين لها، فقلت له حينئذ : لا تنسي الثلاثة عشر يوما الباقية، وأنت بدأت حياتک الزوجية ببرکة زيارة عاشوراء، وفی أیّ وقت واجهت مشکلة في حياتك توسّل بها لقضائها، فإنها تقضی إن شاء الله(١) .

تم الفراغ من کتابة هذه المقدمة يوم الجمعة ١٦ ذی الحجة ١٤٢٢هـ

قم المقدسة

نزار نعمة الحسن

__________________

١ ـ زيارة عاشوراء وآثارها العجيبة ص ٥٠.

١٩

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

الفصل السابع

بعض مُنجَزَات الإمام المهدي (ع)

على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي

لعلَّ من الواضح أنَّ الاطِّلاع على التفاصيل الكاملة لهذه المـُنجزات مُتعذِّر تماماً لإنسان ما قبل الظهور، مهما كان عبقرياً، غير أنَّ المـُهمَّ هو مُحاولة الاطِّلاع على بعض هذه المـُنجزات في حدود ما تدلُّنا عليه القواعد العامة الإسلامية من ناحية، والأخبار الخاصة الدالة على هذه المـُنجزات في الدولة العالمية، من ناحية أخرى.

ونحن نبدأ بسرد الأخبار الخاصة أولاً من دون ترتيب، فإنَّ الخبر الواحد قد يحتوي على عدَّة مُنجزات يمتُّ كلٌّ منها إلى حقل من حقول الحياة، ثمَّ نتحدَّث بعد ذلك عن الفهم العام لها وترتيبها مُطبَّقة على القواعد العامة، ثمَّ نذكر لهذا الفصل خاتمتين:

إحداهما: حول المـُنجزات القضائية والعسكرية والفقهية للإمام المهدي.

والأخرى: حول المـُنجزات التي تُسمَّى بـ (العلمية) في الإصلاح الحديث، ونسرد عدداً من الأخبار الدالة على أنَّ المهدي يستعمل آخر مُنجزات العلم الحديث في دولته.

وينبغي أن يقع الكلام في هذا الفصل ضمن عدَّة جهات:

الجهة الأُولى: في إيراد الأخبار المـُتضمِّنة لأهمِّ ما ورد من مُنجزات الإمام في دولته على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وقد تحدَّثت عن ذلك أخبار الفريقين بغزارة.

فمن أخبار العامة في ذلك:

ما أخرجه البخاري(١) ، بسنده عن أبي موسى عنه، عن النبي (ص) قال:

____________________

(١) ج٢ ص١٣٦.

٥٤١

( ليأتينَّ على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب، ثمَّ لا يجد أحداً يأخذها... ) الحديث.

وما أخرجه أيضاً(١) ، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله (ص) قال: ( لا تقوم الساعة... - وعدَّ علامات كثيرة حتى قال: - وحتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يهمَّ ربُّ المال مَن يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أربَ لي به ).

وما أخرجه مسلم(٢) ، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): ( والله، لينزلنَّ ابن مريم... - إلى أن قال: - ليدعونَّ إلى المال، فلا يقبله أحد ).

وما أخرجه أيضاً(٣) ، بسنده عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (ص): ( من خلفائكم خليفة يحثو المال حثياً، لا يعدُّه عدَّاً ).

وفي خبر آخر، عن أبي سعيد، وجابر بن عبد الله، قالا: قال رسول الله (ص): ( يكون في آخر الزمان خليفة يُقسِّم المال ولا يعدُّه ).

وذكر له مسلم سندين، وأخرج الحاكم في مُستدركه(٤) بهذا المضمون أكثر من حديث واحد.

وأخرجه الحاكم أيضاً(٥) ، عن أبي سعيد في حديث النبي (ص) يقول فيه: (... فيبعث الله رجلاً من عترتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، يرضى ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدخر الأرض من بذرها شيئاً إلاَّ أخرجته، ولا السماء من قطرها شيئاً إلاَّ صبَّته عليهم مدراراً... تتمنَّى الأحياء والأموات ممَّا صنع الله عزَّ وجلَّ بأهل الأرض من خيره ).

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه.

____________________

(١) ج٩ ص٧٤.

(٢) ج١ص٩٤.

(٣) ج٨ص١٨٥.

(٤) ج٤ص٤٥٤.

(٥) ج٤ص٤٦٥.

٥٤٢

وأخرجه أيضاً(١) ، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (ص ): ( يكون في أُمَّتي المهدي، إن قصر فسبع وإلاَّ فتسع، تنعم أُمَّتي فيه نعمةً لم ينعموا مثلها قطُّ، تؤتي الأرض أُكُلها لا تدخر عنهم شيئاً، والمال يومئذ كدوس، يقوم الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني. فيقول: خُذْ ).

وأخرج أيضاً(٢) عن ابن عباس، في حديث، قال: وأمَّا المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً، كما مُلئت جوراً، تأمن البهائم والسباع، وتُلقي الأرض أفلاذ أكبادها.

قال: قلت: وما أفلاذ أكبادها؟

قال: أمثال الأسطوانة من الذهب والفضَّة.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح، ولم يُخرجاه.

وأخرج أيضاً(٣) عن أبي سعيد: أنَّ رسول الله (ص) قال: ( يخرج في آخر أُمَّتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويُعطى المال صحاحاً، وتكثر الماشية وتعظم الأُمَّة... ) الحديث.

قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه.

وأخرج الترمذي(٤) ، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): ( تقيء الأرض أفلاذ أكبادها أمثال الأسطوان من الذهب والفضَّة - قال: - فيجيء السارق فيقول: في هذا قُطعت يدي. ويجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت. ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي. ثمَّ يُدعونه ولا يأخذون منه شيئاً ).

وأخرج القندوزي في الينابيع(٥) ، عن الترمذي، عن أبي سعيد، عن النبي (ص) - في قصَّة المهدي -: (... فيجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني، أعطني، أعطني

____________________

(١) ج٤ ص٥٥٨.

(٢) ج٤ص٥١٤.

(٣) ج٤ص٥٥٨.

(٤) ج٣ص٣٣٤.

(٥) ص٥١٧ ط النجف.

٥٤٣

- قال: - فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله ).

وأخرج أيضاً(١) ، عن أحمد والماوردي أنَّه (ص) قال: ( أبْشِروا بالمهدي! رجل من قريش من عترتي، يخرج في اختلاف من الناس وزلزال، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً، ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، ويُقسِّم المال بالسويَّة، ويملأ قلوب أُمَّة محمد غناه ويسعهم عدله، حتى إنَّه يأمر مُنادياً فيُنادي: مَن له حاجة إلى المال يأتيه. فما يأتيه أحد، إلاَّ رجل واحد يأتيه، فيقول له المهدي: ائت السادن حتى يؤتيك.

فيأتيه فيقول: أنا رسول المهدي، أرسلني إليك لتُعطيني.

فيقول: اُحثُ. فيحثو، فلا يستطيع أن يحمله، فيخرج، فيندم، فيقول: أنا كنت أجْشع الأُمَّة نفساً، كلُّهم دُعيَ إلى هذا المال فتركوه غيري، فيردُّ عليه، فيقول السادن: إنَّا لا نقبل شيئاً أعطيناه... ) الحديث.

وقال في الينابيع(٢) : وفي بعض الآثار... أنَّه يبلُغ سلطانه المشرق والمغرب، وتظهر له الكنوز، ولا يبقى في الأرض خراب إلاَّ يُعمَّر.

أقول: وانظر هذه المضامين في عدد آخر من المصادر العامة، كمسند أبي داود، وابن ماجة، وأحمد، والبيان للكنجي، والصواعق لابن حجر، ونور الإبصار للصبَّان، وإسعاف الراغبين للشبلنجي وغيرها.

وأمَّا أخبار المصادر الخاصة، فهي كما يلي:

فمن ذلك: ما أخرجه المفيد في الإرشاد(٣) ، عن أبي جعفر (ع) أنَّه ذكر المهدي (ع) وخُطبته الأُولى في مسجد الكوفة، وقال: ( فإذا كانت الجمعة الثانية، سأله الناس أن يُصلِّي بهم الجمعة، فيأمر أن يُخطَّ له مسجد على الغريِّ، ويُصلِّي بهم هناك، ثمَّ يأمر مَن يحفر من ظهر مشهد الحسين (ع) نهراً يجري إلى الغريَّين، حتى ينزل الماء في النجف،

____________________

(١) ص٥٦٢ وما بعدها، وانظر الحاوي للسيوطي ج٢ ص١٢٤.

(٢) ص٥٦٣.

(٣) ص٣٤١.

٥٤٤

ويعمل على فوهته القناطير والأرحاء، فكأنِّي بالعجوز على رأسها مِكْتَل فيه بُرٌّ، تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كري ).

وأخرج عن المفضل بن عمر(١) ، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( إذا قام قائم آل محمد (ع) بَنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، واتَّصلت بيوت أهل الكوفة بنهري كربلاء ).

وأخرج عنه(٢) قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربِّها... - إلى أن قال: - وتُظهر الأرض من كنوزها حتى يراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم مَن يصله بماله ويأخذ منه زكاته، فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك، واستغنى الناس بما رزقهم الله من فضله ).

وأخرج(٣) عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (ع): ( إذا قام القائم (ع)، هدم المسجد الحرام حتى يردَّه إلى أساسه، وحوَّل المقام إلى الموضع الذي كان فيه ).

وأخرج أيضاً(٤) عنه، عن أبي جعفر (ع) في حديث طويل أنَّه قال: ( إذا قام القائم (ع) سار إلى الكوفة، فهدم بها أربعة مساجد، ولم يبقَ مسجد على وجه الأرض له شرف إلاَّ هدمها وجعلها جماء، ووسَّع الطريق الأعظم، وكسر كل جناح خارج في الطريق، وأبطل الكنف والميازيب إلى الطرقات، لا ويترك بدعة إلاَّ أزالها ولا سنَّة إلاَّ أقامها ).

وأخرج الشيخ في الغيبة(٥) ، بسنده عن المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربِّها، واستغنى الناس... ويبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف

____________________

(١) ص٣٤٢.

(٢) نفس الصفحة.

(٣) ص٣٤٣.

(٤) ص٣٤٤.

(٥) ص٢٨٠، وكذلك الخبر الذي يليه.

٥٤٥

باب، وتتَّصل بيوت الكوفة بنهر كربلاء بالحيرة، حتى يخرج الرجل يوم الجمعة على بغلة سفواء يريد الجمعة فلا يُدركها ).

وفي حديث آخر، عن أبي جعفر (ع) يقول فيه: (... فيخرج إلى الغريِّ، فيخطُّ مسجداً له ألف باب، يسع الناس عليه أصيص، ويبعث فيحفر من خلف قبر الحسين (ع) لهم نهراً يجري إلى الغريِّين، حتى ينبذ في النجف، ويعمل على فوهته قناطر وأرحاء على السبيل، وكأنِّي بالعجوز وعلى رأسها مِكْتل فيه بُرٌّ حتى تطحنه بكربلاء ).

وأخرج أيضاً(١) ، بسنده عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: ( ما تستعجلون بخروج القائم؟ فوالله، ما لباسه إلاَّ الغليظ، وما طعامه إلاَّ الشعير الجَشِب ).

وأخرج الراوندي في الخرايج والجرايج(٢) نحوه، في حديث طويل عن علي بن الحسين (ع).

وأخرج الصدوق في إكمال الدين(٣) ، والطبرسي في إعلام الورى(٤) ، عن محمد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (ع) يقول: ( القائم منَّا، منصور بالرعب، مؤيَّد بالنصر، تُطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز... ولا يبقى في الأرض خراب إلاَّ عُمِّر ).

وأخرج الطبرسي أيضاً(٥) ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: سمعت رسول الله يقول: ( إنَّ ذا القرنين كان عبداً صالحاً... - إلى أن قال: - وإنَّ الله سيُجري سنَّته في القائم من وُلْدي... ويُظهر الله له كنوز الأرض ومعادنها وينصره بالرعب، ويملأ الأرض به عدلاً وقسطاً، كما مُلئت جوراً وظلماً ).

وأخرج أيضاً(٦) ، عن علي بن عقبة عن أبيه، قال:

____________________

(١) ص ٢٧٧.

(٢) ص١٩٦.

(٣) انظر المصدر المخطوط.

(٤) ص٤٣٣.

(٥) ص٤١٣.

(٦) ص٤٣٢.

٥٤٦

وأخرج المجلسي في البحار(١) ، قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه - في حديث -: (... ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلاَّ على النبات وعلى رأسها زينتها، لا يُهيجها سبع ولا تخافه ).

فهذه نُخبة من الأحاديث الكثيرة الواردة في هذا الصدد.

وكثرة الأخبار بهذا الصدد تُنتِج لنا أمرين:

الأمر الأول: اتِّضاح مدى اهتمام قادة الإسلام - النبي (ص) فمن بعده - إيضاح خصائص دولة المهدي وما يقوم به من أعمال، وما يُنتجه من خيرات، كيف لا؟ وهو يُمثِّل القمَّة لجهودهم والثمرة الطيِّبة لأعمالهم، والنتيجة الكبرى للتخطيط الإلهي الطويل.

الأمر الثاني: إنَّنا نستطيع بهذا السرد أن نؤدِّي حساب كل حادثة من الحوادث المنقولة بشكل أكثر وأدقّ، ونوفِّر لها المـُثبتات بشكل أكثر؛ لوضوح أنَّ الروايات كلَّما زادت على الحادثة الواحدة، كانت آكد وأوضح في الذهن، وأقوى ثبوتاً من الناحية التاريخية.

والآن، لابدَّ أن نأخذ كل رواية من الروايات العامة المنقولة من هذه الأخبار، لنرى مقدار ثبوتها وموافقتها للقواعد العامة والقرائن المـُثبتة، وذلك ضمن الجهات الآتية:

الجهة الثانية (*) : المسلك الشخصي للإمام المهدي بصفته رئيساً للدولة العالمية العادلة، وهو ما صرَّحت به بعض هذه الأخبار، من أنَّ لباسه الخشن الغليظ، وطعامه الشعير

____________________

(١) ج١٣ ص١٨٢.

* هكذا وردت في الكتاب من غير ذكر الجهة الأُولى. [ الشبكة ]

٥٤٧

الجَشِب، وفي الخبر إيراد القسم على ذلك.

وهذا هو المسلك الصحيح لرئيس الدولة الإسلامية العادلة على طول الخطِّ، فإنَّه قد أخذ الله تعالى على كل إمام عادل يتولَّى الحكم الفعلي في المجتمع، أن يعيش في طعامه ولباسه على شكل أو أسلوب أقلِّ أفراد شعبه، والحِكْمَة من ذلك، أوضح من أن تخفى، وهو أن لا يدعوه المنصب الكبير والمال الوفير إلى تناسي الفقراء من أبناء شعبه ومحكوميه.

وهذا المسلك هو الذي طبَّقه رسول الله (ص) على نفسه، حين تولَّى رئاسة الدولة الإسلامية بعد فتح مكَّة، واتَّخذه الخلفاء الأوائل الذين حكموا بعده إلى عصر خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

وكذلك سوف يكون الإمام المهدي (ع) حين يُمارس الحُكم العالمي العادل؛ لأنَّه سيكون من الواجب عليه أن يكون في عيشه مُماثلاً لأقلِّ فرد جائع ومسكين في العالم كله.

وسيكون أيضاً على هذا المسلك أصحابه الخاصة، الذين يوزِّعهم حكَّاماً على الأرض؛ لأنَّ الفرد منهم سيكون رئيساً عادلاً لمنطقة من الأرض، فيجب عليه أن يكون في حياته مُماثلاً لأقلِّ فرد في منطقته.

وقد سبق أن سمعنا في أخبار بيعة الإمام في المسجد الحرام لأول مرَّة، أنَّه (ع) يشترط على هؤلاء الخاصة شروطاً، يعود عدد منها إلى الحفاظ والتقيد من الناحية الشخصية، والعدد الآخر إلى العدل في المسلك الاجتماعي.

ففيما يعود إلى الناحية الشخصية يشترط عليهم أن (... لا يتمنطقوا بالذهب، ولا يلبسوا الخزَّ، ولا يلبسوا الحرير، ولا يلبسوا النعال الصرارة... ويلبسون الخشن من الثياب، ويوسِّدون التراب على الخدود، ويأكلون الشعير ويرضون بالقليل ) الخ الخبر(١) .

وحيث لا يكون ذلك واجباً على كل المسلمين، نعرف أنَّ الإمام المهدي (ع) إنَّما يشترط ذلك عليهم باعتبارهم سيُصبحون بعد فترة غير طويلة ريثما فتح العالم واستتباب الدولة العادلة، حكَّاماً على أقاليم الأرض، أو مشاركين في الحكومة المركزية معه. وهذا المضمون من الواضح في القواعد الإسلامية العامة، بحيث لا يحتاج إلى خبر خاص يُعرب عنه.

وأمَّا الخبر الوارد بهذا الصدد، والذي سمعناه يقول: ( فوالله، ما لباسه إلاَّ الغليظ،

____________________

(١) انظر الملاحم والفتن ص١٢٢.

٥٤٨

وما طعامه إلاَّ الشعير الجَشِب... )، فهو بالرغم من مُطابقته لهذه القواعد العامة يواجه سؤالين، لابدَّ من عرضهما مع مُحاولة الجواب عنهما.

السؤال الأول: أنَّ ما تقتضيه القواعد العامة، هو أن يعيش الرئيس في حياته الخاصة كأقلِّ فرد من محكوميه، وبعد أن نعرف طبقاً للروايات المـُستفيضة عموم الرفاه، وكثرة المال في دولة المهدي العالمية، نعرف نتيجةً لذلك أنَّ الواجب عليه سيتغيَّر؛ لأنَّ أقلَّ الأفراد في العالم سيعيش مرفَّهاً عالي الدخل، فيكون للإمام المهدي (ع) أن يتوسَّع في حياته الخاصة إلى حدٍّ كبير، وكذلك أصحابه الخاصُّون تماماً؟

وجواب ذلك من عدَّة وجوه، نذكر منها اثنتين:

الوجه الأول: أنَّ الرواية لم تدلَّ على بقاء هذا المسلك للمهدي (ع) طيلة أيام حكمه، بل يكفي في صدقها كونه على ذلك فترة من الزمن في أول حكمه؛ لأنَّ العدل إنَّما يؤثِّر تدريجاً في نشر الرفاه في الأرض، والسعادة بين أبناء البشر أجمعين، وما لم يعمَّ الرفاه كل العالم بشكل حقيقي كامل، يبقى الفرد البائس موجوداً في بعض زويا العالم بطبيعة الحال، وما دام هذا الفرد موجوداً، يبقى المسلك المـُشار إليه في الرواية واجباً على الإمام المهدي (ع).

الوجه الثاني: إنَّنا نحتمل - على أقلِّ تقدير - أنَّ تدريجية تأثير العدل في نشر الرفاه في العالم بكامله، سوف تستمرُّ طيلة حياة المهدي شخصياً، وإنَّما سيتحقَّق هذا الهدف الكبير بعده طبقاً لنظامه الذي يسنُّه هو (ع) للحكَّام العالميين الذين يخلفونه، ومن الصحيح أنَّ الأعم الأغلب من مناطق العالم ستكون مرفَّهة؛ ومن هنا يكتسب العالم كلُّه سِمة الرفاه والسعادة، في حياة المهدي، غير أنَّه من الممكن وجود الفرد البائس في مناطق نائية أو مُتخلفة حضارياً من العالم، الأمر الذي يُحتِّم عليه بقاؤه على هذا المسلك طيلة حياته، وإنَّما تستطيع الدولة العالمية العادلة اجتثاث ذلك، على أيدي خلفائه.

السؤال الثاني: أنَّ الرواية تقول: ( ما تستعجلون بخروج القائم؟! فوالله، ما لباسه إلاَّ الغليظ، وما طعامه إلاَّ الشعير الجَشِب )، مع أنَّ هذا المسلك الحياتي الذي يتَّخذه لا يُنافي استعجال ظهوره (ع)؛ لأمرين:

أحدهما: إنَّ الفرد المؤمن يتمنَّى ظهور الإمام (ع) لأجل المصلحة العامة، وهي

٥٤٩

تطبيق العدل في العالم كله، وتنفيذ الهدف الرئيس من خلق البشرية، حتى وإن أوجب ذلك اتخاذ الفرد مسلك الزهد والتقشُّف، أو أوجب الإجهاز على مصالحه الشخصية.

ثانيهما: إنَّ الفرد لو كان يتمنَّى ظهور الإمام (ع)، من أجل مصالحه الشخصية لرفع ظلاماته وترفيه عيشه، فهذا متوفِّر له على أيِّ حال، لما عرفناه من أنَّ هذا المسلك خاص غير عام، وسيكون الفرد الاعتيادي مُرفَّهاً سعيداً طيلة حياة المهدي (ع) وما بعده، ولن يكون هذا الفرد مسؤولاً عن اتخاذ ذلك المسلك؛ لأنَّه لا يكون مُمارساً للحكم في أيِّ منطقة من الأرض.

ومعه؛ يكون مؤدَّى الاستفهام الاستنكاري حين يقول: ( ما تستعجلون بخروج القائم؟!... )، غامضاً مجهول القصد.

وجواب ذلك: إنَّنا ينبغي أن نفهم مَن هم المـُخاطبون بقوله: ( ما تستعجلون... )، لننطلق من ذلك إلى الجواب.

ولا شكَّ أنَّ الإمام أبا عبد الله الصادق (ع) كان يُخاطب قواعده الشعبية بهذا لكلام، تلك المجموعة التي كانت تُعاني من الظلم الأُموي والعباسي أشدَّ العذاب، وكان الفرد منهم ينتظر خروج القائم (ع) من أجل رفع الظلامات وتطبيق العدل، ومن ثمَّ من أجل الحصول على السعادة والرفاه، وهذه المجموعة تنقسم إلى قسمين رئيسين:

القسم الأول: خاصة الإمام الصادق (ع) وطلاَّبه المـُرتفعو الدرجة في العلم والإيمان.

القسم الثاني: الشعب الاعتيادي الموالي للأئمة المعصومين (ع)، والفرد من كلا القسمين يتمنَّى ظهور القائم المهدي بسرعة... وخطاب الإمام الصادق واستنكاره لذلك يمكن أن يشملهما معاً، فيكون لكل قسم فكرته الخاصة في الجواب.

أما القسم الأول، فمن الواضح أنَّه لو حصل التمنِّي وظهر المهدي (ع) يومئذ - بغضِّ النظر عن شرائط الظهور وعلاماته التي كان يجهلها الفرد منهم -، فإنَّ المهدي (ع) سوف يخصُّ أفراد هذا القسم بالاهتمام، ولن يجد غيرهم في التوزيع على مناطق العالم حكَّاماً وقضاةً، وإذا أصبحوا حاكمين كانوا مشمولين لوجوب مسلك التقشُّف كما قلنا.

ومن ثَمَّ لم يحصل السبب المـُهمُّ في التمنِّي لسرعة الظهور، وهو الحصول على الحياة المرفَّهة السعيدة، فكان الاستفهام الاستنكاري عليهم من قِبل الإمام الصادق (ع) في محلِّه جدَّاً؛ لانطلاق جملة منهم من زاوية المصلحة الخاصة في هذا التمنِّي، كما يعرفه الإمام

٥٥٠

الصادق نفسه من أصحابه.

وأمَّا القسم الثاني من الأفراد، فإنَّ الفرد الاعتيادي يومئذ باعتبار بساطته في الإيمان والعلم نسبياً، وعدم مروره بعصور التمحيص الطويلة، التي تصرَّمت بعد ذلك، يتخيَّل نفسه كامل الإيمان عميق الفهم، ويتوقَّع من المهدي (ع) - لو ظهر يومئذ - أن يُقرِّبه ويُمجِّد به؛ ومن هنا نعود إلى نفس التسلسل الفكري الذي عرفناه في القسم الأول.

إنَّ هذا الفرد الاعتيادي، لو حصل ما يتمنَّى وظهر المهدي (ع)، فإن أبعده واعتبره فرداً اعتيادياً من شعبه، فسوف يحصل على الرفاه إلاَّ أنَّ توقُّعه القُرب من المهدي (ع) سوف يتخلَّف، وهي صدمة عنيفة بلا شكٍّ، وأمَّا إذا قرَّبه المهدي (ع) إليه، واعتبره خاصته، فقد حصل توقُّعه من إمامه، إلاَّ أنَّه سيُرسِل هذا الفرد حاكماً في بعض أقاليم العالم، على أحسن تقدير، ومعه يكون مشمولاً لوجوب الزهد والتقشُّف، ولن يحصل على مصلحته الخاصة بحال، ومعه يكون الاستفهام الاستنكاري من قِبل الإمام الصادق (ع) في محلِّه تماماً.

والغرض الرئيسي من هذا الاستفهام سيكون هو أنَّ تمنِّي الظهور، لا ينبغي أن يكون من زوايا المصلحة الخاصة أساساً، وإنَّما يجب أن ينطلق من زاوية المصلحة العامة، التي هي تطبيق العدل العالمي، وتنفيذ الغرض الإلهي... وإلاَّ كان من المتوقَّع تخلُّف هذه المصلحة الخاصة أساساً.

الجهة الثالثة: في السياسة الزراعية التي يتَّبعها الإمام المهدي (ع) في دولته.

نستطيع أن نُحيط علماً ببعض نتائجها وأساليبها من الأخبار السابقة، حيث نصَّت على أنَّ الأرض تُؤتي أُكُلها لا تدخر منه شيئاً، وهو كناية عن أنَّ إنبات الأرض للنبات سيكون إلى أكبر حدٍّ ممكن يتحمَّله وجه البسيطة ( حتى تمشي المرأة بين العراق والشام، لا تضع قدميها إلاَّ على النبات، ومن يخفى عليه حال هذه الصحراء التي تتوسَّط العراق والأردن والشام ونجد... إنَّها صحراء ضخمة موحِشة وجافَّة، لكنَّها ستُصبح يانعة بالأشجار والثمار في أقلِّ مدَّة ممكنة.

وما هذا إلاَّ مثال واحد من العالم كله، وإنَّما نصَّت عليه الأخبار، باعتبار قربه إلى أذهان المجتمع السامع لهذه النصوص في عصر صدورها، وليس ذلك باعتبار الانحصار.

فإذاً دولة المهدي (ع) عالمية، وجهوده وجهود المـُخلصين في دولته، شاملة لكل العالم على حدٍّ سواء، فمن الطبيعي أن نتصوَّر أنَّ هذه الصحراء ليست هي الصحراء الوحيدة التي

٥٥١

ستُصبح خضراء، وإنَّما ستخضرُّ كل الصحاري في العالم، بما فيها الربع الخالي، والصحراء الكبرى في شمال إفريقيا وغيرها.

وإذا كان هذا هو شأن الصحاري، فما هو شأن الأراضي التي كانت خصبة منذ عهد ما قبل الظهور، وما هو مقدار إنتاجها وإسباغ النعمة منها. إنَّ هذا لا يمكن لمـُفكِّر بشري سابق على الظهور أن يُقدِّره.

وعلى أيِّ حال، فما هو العنصر المـُسبِّب لهذا الانقلاب الزراعي الشامل؟ نستطيع أن نوعز - بعد عنصر التساوق بين التشريع والتكوين الذي الذي سنتحدَّث في جهة قادمة من هذا الفصل - نستطيع أن نوعزه إلى الإخلاص الحقيقي في العمل.

فمن السخف أن يُقال: إنَّ البشرية متَّجهة نحو المجاعة، وإنَّ زيادة النسل يؤدِّي حتماً إلى قلَّة الأرزاق في العالم، إنَّ ذلك إنَّما يتحقَّق، حين يكون الإخلاص ضئيلاً والتشريع ظالماً، كما هو الحال في عصر ما قبل الظهور، وأمَّا حين توجد الدولة المـُخلصة والتشريع العادل والأيدي العاملة المـُجدَّة والعمل المـُنظَّم عالمياً، فسوف يمكنه أن يحفظ للبشرية أرزاقهم مهما تزايدت وتكاثرت، بل يمكنها أن تزيد الإنتاج إلى أضعاف الدخل الفردي لكل البشر، بشكل لا مثيل له في ما سبق من تاريخ.

وأمَّا المنهج التفصيلي التشريعي والعملي، الذي يتَّبعه المهدي (ع) في دولته لنيل هذه النتائج الزراعية الرائعة، فالتعرُّف عليه موكول إلى وعي ما بعد الظهور، وإنَّما المـُستطاع التعرُّف على بعض فقراته من خلال ما بين أيدينا من قواعد وأخبار، وهذا ما سنتوفَّر عليه في الكتاب القادم من هذه الموسوعة.

إنَّ نفس الأخبار التي سمعناها تُعطينا بعض الحقائق التي تُفيدنا بهذا الصدد، فالإمام المهدي (ع) سيأمر بحفر نهر خلال الصحراء الواقعة بين كربلاء والنجف، حتى ينزل الماء في النجف، ويعمل على فوهته القناطير - يعني الجسور والأرحاء - وهو جمع أرحية، وهي المطحنة القديمة للحبِّ؛ ومن هنا قال في الرواية: ( فكأنِّي بالعجوز على رأسها مِكْتَل فيه بُرٌّ، تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كري )، أي بدون أجرة.

فإذا علمنا أنَّ ذلك ليس إلاَّ مُجرَّد مثال، ذُكِر طبقاً للفهم القديم، استطعنا أن نتصوَّر مقدار الأنهر والقنوات ممدودة في الصحراء للريِّ، ومقدار التجهيز الآلي الزراعي المـُباح التصرُّف فيه للناس مجَّاناً؛ ليُساعد على سرعة الإنتاج وضخامته، وعلى سرعة التوزيع والتسويق.

٥٥٢

وستؤدِّي هذه الثورة الزراعية طبقاً لأيدولوجية الدولة المهدوية، إلى عدَّة نتائج مُهمَّة، نفهم بعضها:

منها: توفُّر الأطعمة والثمار لدى الناس، مع رخص قيمتها السوقية، بل توفُّرها مجَّاناً للكثير من الناس.

ومنها: توفير العمل المـُنتج للعديد من الأيدي العاملة، وبالتالي إشباع الملايين من العوائل التي كانت فقيرة ومُضطهدة في عهد ما قبل الظهور.

ومنها: توفير الفرص الكبيرة لإزجاء الحاجات الحياتية مجَّاناً، وبدون عوض.

وبذلك نستطيع أن نتصوُّر حصول النتيجة المـُهمَّة الكبرى المطلوبة، وهي توفير السعادة والرفاه في ربوع المجتمع البشري.

الجهة الرابعة: في السياسة العُمرانية في دولة المهدي (ع).

ونحن نرى نتائج السياسة واضحة فيما سمعنا من الأخبار، فبيوت الكوفة سوف تتَّصل بكربلاء والحيرة، ويكون الجميع بلدةً واحدةً، وهي من السعة بحيث لو ركب شخص بغلة سفواء - أي سريعة السير - من صبح يوم الجمعة قاصداً المسجد الذي تُقام فيه صلاة الجمعة ظهراً لأجل حضور هذه الصلاة، لم يُدركها، وإذا كان هذا الشخص قد توجَّه من أحد أطراف هذه المدينة، فالمسجد على أيِّ حال، ليس في طرفها الآخر، بل في وسطها؛ ومن هنا نعرف أنَّ هذه المسافة التي يمشيها هذه الرجل ببغلته السريعة، ليست إلاَّ قسماً من البلدة، ولا يُمثِّل أكثرها فضلاً عن جميعها.

وهذا أيضاً من التنبُّؤات الطريفة في الأخبار، فإنَّ سعةَ المـُدن بهذا المقدار، لم تكن معروفة بأيِّ حال في الزمن القديم، بل لعلَّ مُجرَّد تصوُّرها كان فوق الخيال، وأما الآن، فهو يُعتبر أمراً طبيعياً، خاصة في العواصم الأخرى، كيف والكوفة ستُصبح عاصمة للعالم كله، تحت راية الدولة المهدوية؟! فمن الطبيعي لها أن تتَّسع بهذا المقدار.

ولعلَّنا نستطيع أن نفهم من هذا، مقدار تركيز الدولة واهتمامها بالعُمران في سائر البلدان، وليس في العاصمة فقط، فلئن كانت العاصمة بالتحديد الذي سمعناه، يزيد طولها على الثمانين كيلو متراً، فليكن غيرها مقارباً لذلك أو بمقدار نصفه مثلاً... حسب

٥٥٣

ظروف كل بلدة وموقعها الجغرافي وأهمِّيتها الاجتماعية.

وستنال المساجد اهتماماً خاصاً من قِبل الإمام المهدي (ع)، باعتبارها مراكز إسلامية رئيسية.

فالمسجد الحرام الذي فيه الكعبة المـُشرّفة في مكّة المـُكرَّمة، سوف يشطب على كل توسيعاته، ويهدمها ويردُّ المسجد إلى أساسه الذي كان عليه في صدر الإسلام؛ احتراماً لهذا الأساس الذي كان في زمن رسول الله (ص)، وستترتَّب على هذا التغيير بعض النتائج التي قد نُشير إليها في خاتمة هذا الفصل.

ويُحوِّل المهدي (ع) مقام إبراهيم من موضعه الحالي، ويردَّه إلى مكانه الذي كان عليه مُلاصقاً للكعبة المـُشرّفة، بعد أن كان قد فُصِل عنها عدَّة أمتار، ولا زال مفصولاً عنها إلى العصر الحاضر.

إنَّ فكرة مقام إبراهيم - أساساً - تعني المكان الذي وقف عليه إبراهيم الخليل (ع) حين بنى الكعبة المـُشرّفة، وبطبيعة الحال يقف الباني إلى جنب الجدار الذي يبنيه، ولا معنى أن يقف بعيداً عنه بعدَّة أمتار، ومعه الموضع الطبيعي لمقام إبراهيم هو جوار الكعبة المـُشرَّفة، كما تقتضيه طبائع الأشياء.

وهو أيضاً يهدم في الكوفة، أربعة مساجد من دون تجديد، على ما هو ظاهر الأخبار، باعتبارها لم تُبنَ على التقوى، الذي هو الشرط الأساسي لمشروعية بناء المسجد في الإسلام، فإذا بنى على غير التقوى وجب هدمه لا محالة، ولم تكن قبل ظهور المهدي (ع) قوَّة مؤمنة قادرة على ذلك، ومن ثَمَّ وجب على دولة المهدي المـُبادرة إلى إزالة آثار الانحراف والعدوان.

وأمَّا المسجد الذي يأمر المهدي (ع) ببنائه في ظهر الكوفة، أي خلفها من ناحية النجف، فهو الذي له ألف باب، وقد دلَّ على وجوده عدد من الأخبار، وهذا الرقم وإن لم يكن مقصوداً بنفسه، إلاَّ أنَّه يدلُّ على كثرة كبيرة جدَّاً من الأبواب، تلك الكثرة المـُستلزمة لسعة ضخمة في المسجد.

فإنَّنا لو فرضنا هذا لمسجد مُربَّعاً، وكان في كل ضلع منه مئتان وخمسون باب، وكان بين كل باب وباب عشرة أمتار على الأقل، لأنَّ طول الضلع ألفي متر وخمسمئة متر، وهذا معناه أنَّ سعة المسجد لا تقلُّ عن ستِّ ملايين وربع من الأمتار المربَّعة، وهو مسجد لم

٥٥٤

يسبق له مثيل قبل عهد الظهور يُبنى؛ لكي يُناسب الوضع الإسلامي في الدولة العالمية.

وإنَّما تنبثق الحاجة إلى ذلك، باعتبار صلاة الجمعة التي يُقيمها الإمام (ع) في كل أسبوع، والتي يجب شرعاً أن يحضرها الأعمُّ الأغلب من الذكور من سكَّان العاصمة، وما حواليها من الضواحي، إلى جانب كل مَن يرغب بالحضور للتشرُّف بالصلاة من خلف الإمام المهدي (ع)، وثمَّ سوف يكون التجمُّع كبيراً جدَّاً بحيث يمكن أن يجمعهم جامع الكوفة الكبير الذي يخطب فيه لأول مرَّة كما سمعنا، فاقتضت المصلحة إيجاد مثل هذا المسجد الضخم ليسدَّ هذه الحاجة الإسلامية المـُلحَّة.

ومن هنا ذكرت الأخبار، أنَّ الإمام المهدي (ع) في أوَّل جمعة من وروده إلى العراق يخطب خُطبته الأُولى هناك، وهي التي سبق أن تعرَّضنا لها قال الخبر: ( فإذا كانت الجمعة الثانية، قال الناس: يا بن رسول الله، الصلاة خلفك تُضاهي الصلاة خلف رسول الله (ص)، والمسجد لا يسعنا.

فيقول: أنا مُرتاد لكم.

فيخرج إلى الغريِّ، فيخطُّ مسجداً له ألف باب، يسع الناس )(١) .

والمسجد الذي لا يسع المـُصلِّين، هو جامع الكوفة الكبير الذي كان أمير المؤمنين (ع) يُصلِّي فيه، والغريُّ هو النجف الأشرف الواقع جنوب الكوفة، وقوله: ( مرتاد لكم )، أي طالب ومُترقَّب لإجابة طلبكم.

ومن هنا نعرف أنَّ هذا المسجد يكون من أولى مُنجزاته العمرانية في العالم.

وهو يهتمُّ في كل مسجد أن يُطبِّق عليه الحكم الإسلامي الصحيح، حتى لو كان الحكم استحباباً غير إلزامي، حيث ينبغي أن يتربَّى المجتمع تدريجياً على الالتزام بالواجبات والمـُستحبَّات معاً، ليبلغ في نهاية المطاف درجة العصمة المطلوبة، فهو (ع) يهدم كل مسجد عالي البناء، ويقتصر منه على المقدار الراجح في الشريعة العادلة، قال الخبر: ( ولم يبقَ على وجه الأرض له شرف إلاَّ هدمها وجعلها جماء ).

ومن جملة الأعمال العُمرانية للمهدي (ع) في دولته - كما في الخبر - أنَّه يُوسِّع الطريق الأعظم، والمراد به الطريق الذي بين بلدتين، وليس في الخبر إشارة إلى طريق مُعيَّن، وإنَّما المراد أنَّه يقوم بتوسيع الطُّرقات المـُهمَّة التي تصل بين المدن عموماً.

____________________

(١) انظر غيبة الشيخ ص٢٨١، وإعلام الورى ص٤٣٠.

٥٥٥

وإنَّنا في عصرنا الحاضر لنُدرك أهمِّيَّة هذا التوسيع، وجسامة العمل المـُنتج له أكثر من أيِّ وقت مضى.

ومن تشريعاته العُمرانية أنَّه يمنع الأجنحة إلى الطُّرقات، ويهدم الموجود منها.

والجناح في اللغة هو الروشن أو الكوَّة(١) ، فيكون المراد بها الشبابيك التي تُطلُّ من المنازل على الطُّرق، فتكشف ما في داخل المنزل ما لا يصحُّ كشفه في الشريعة العادلة، فيكون من الواجب إزالتها، وإبدال سبب التهوية بشيء جديد.

وقد يُفهم من الجناح أمر آخر، وهو البروز الذي يجعل عادة في البناء إلى جانب الطريق أو الشارع، أمَّا عن طريق الأعمدة أو بدونها، وهذا أنسب باستعارة الجناح ذوقاً، وإن لم يُنصَّ عليه لغةً، والمفهوم تقليدياً أنَّ المهدي (ع) يُحرِّم هذا النوع من البناء... غير أنَّه ليس من معاني الجناح لغةً.

ومن تشريعاته العُمرانية - كما نصَّ الخبر -: أنَّه يُبطل أي يمنع الكُنُف والمآزيب إلى الطُّرقات، والكُنُف بضمَّتين جمع كنيف، وهو البالوعة، والمراد بها مواسير المياه القذرة.

والمآزيب جمع ميزاب وهو معروف، وكلاهما مُستعمل بكثرة في عصرنا الحاضر، وهما موجبان لاتِّساخ الطُّرق وإزعاج المارَّة؛ ومن هنا يقوم الإمام (ع) بمنعها... ولابدَّ لأهل البيوت من تصريف مياههم بأساليب أكثر نظافة وتهذيباً.

الجهة الخامسة: في أهمَّية التعدين في الدولة المهدوية.

نصَّت الأخبار الواردة بطرق الفريقين، بأنَّ الأرض تُظهر معادنها وكنوزها على سطحها حتى يراها الناس، وتُلقي بأفلاذ أكبادها كأمثال الأُسطوانات من الذهب والفضَّة.

وهذا يمكن فَهْمه على أساس إعجازي، بمعنى يفترض أنَّ ظهور المعادن على سطح الأرض يكون عن طريق المعجزة، تأييداً من الله تعالى للمهدي ودولته.

وهذا الفهم المـُحتمل، على ما سوف يأتي... إلاَّ أنَّه ليس فَهْماً مُنحصراً، بل يمكن تقديم فَهْمٍ آخر، لا يكون الفهم الإعجازي بالقبول منه على أقل تقدير.

وهو أن نفهم الشكل الطبيعي لظهور المعادن، وهو استخراجها بالآلة، عن طريق تخطيط مُعيَّن، واهتمام خاصٍّ من قِبل الدولة، حتى تتوفَّر المعادن بأيدي الكثيرين للقيام بها في الصناعات، وإزجاء مُختلف الحاجات.

____________________

(١) انظر اقرب الموارد.

٥٥٦

ولا يخفانا في هذا الصدد، أنَّ تطبيق الحُكم الإسلامي على المعادن يجعلها مملوكة للأفراد لا للدولة، بخلاف القوانين الوضعية التي تعتبرها جميعاً ملكاً للدولة، كما أنَّه يجعلها مُنتشرة بأيدي الآلاف لا بأيدي عدد قليل من الناس.

وذلك، بأن نفترض أنَّ الدولة المهدوية هي التي توفِّر آلات الاستخراج الضخمة، مع تطبيق الحُكم الإسلامي القائل: إنَّ كل مَن استخرج شيئاً من المعدن يجب عليه أن يدفع خُمسه إلى الفقراء، وهو يملك المقدار الباقي، فيُنتج أنَّ آلاف العمَّال العاملين في المعادن سوف يملكون كمِّيات ضخمة من المعدن المـُستخرَج، وملايين من الفقراء سوف تنسدُّ حاجاتهم عن طريق دفع خُمس المقدار المـُستخرَج إليهم.

فإذا ضممنا إلى ذلك الحُكم الإسلامي القائل: بأنَّه لا يجوز للمـُستخرِج أن يزيد مقدار ما يستخرجه وما يملكه من المعدن، على قوت سنته، عرفنا أنَّه ليس من حقِّ أيِّ فرد من العاملين في المعدن أن يُثرى على حساب الآخرين، وإنَّما بمُجرَّد أن تصل ثروته إلى حدٍّ مُعيَّن، يفي بحاجته السنوية له ولعياله بما يُناسب حاله اجتماعياً، منعته الدولة عن الحصول على مقدار الزائد من المعدن، فإمَّا أن يعتزل العمل ويسمح لغيره بالاستخراج، لكي يملك من المعدن بهذا المقدار أيضاً، أو أن يعمل ويكون الناتج للدولة مباشرة.

وعلى أيِّ حال، فالدولة تملك الكمِّية الفائضة من المعادن عن كمِّيات العمَّال، وهي كمِّيات كبيرة، قد تزيد على ما ملكه العمَّال جميعاً بأضعاف كثيرة، وهذه الكمِّيات تستخدمها الدولة في صناعاتها وسدِّ احتياجات العمل فيها.

ومن هنا؛ تكون المعادن تحت الحُكم العادل قد أفادت - بطريق مباشر وغير مباشر - ملايين الناس، وأغنت ملايين العوائل في العالم.

الجهة السادسة: في السياسة المالية للدولة المهدوية، كما أشارت الأخبار، واقتضتها القواعد الإسلامية العامة.

وأول ما يواجهنا في الأخبار المـُستفيضة من الفريقين، هو ما نصَّت عليه من وفرة المال وكثرته، بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، وأنَّ الأفراد كلَّهم يكونون من الغنى المالي، بحيث قد يكون للرجل زكاة أو صدقة، فيبحث عن الفقير لكي يُعطيها فلا يجد، فيعرضها على الناس فيرفضون أخذها استغناءً، وأنَّ الإمام المهدي (ع) يعرض الأموال أمام الناس، ويُعلن التوزيع المجَّاني، لكي يحمل كل فرد منهم ما يستطيع حمله، إلاَّ أنَّ الناس لا يرغبون به ولا يأخذون منه شيئاً،

٥٥٧

غير واحد يأتي ويأخذ ثمَّ يندم؛ لأنَّه أصبح الوحيد الطامع بالمال، ثمَّ يُحاول إرجاعه فيرفض طلبه.

وكلا هاتين الصورتين المعروضتين في الأخبار، صريحتان في شمول الغنى المالي الواسع لكل الناس في المجتمع، وأنَّ المال والذهب والفضَّة والأحجار الكريمة قد سقطت عن الرغبة الاجتماعية، باعتبار توفُّرها كالماء والتراب.

هذا، ولكنَّ هذه الأخبار تواجه بعض الأسئلة يحسن عرضها ومُحاولة الجواب عليها، وسنذكر كل سؤال في ناحية مُستقلَّة.

الناحية الأُولى: ما سبب تكدُّس المال وكثرته في الدولة المهدوية، سواء على مستوى الدولة أم الأفراد؟

وللجواب على ذلك عدَّة أُطروحات مُحتملة، لا بدَّ من عرضها وتمحيصها.

الأُطروحة الأُولى: توفُّر المال عن طريق المعجزة، ببركة الإمام (ع) ودعائه.

ولكنَّ هذه الأُطروحة لا تتمُّ لعدَّة اعتراضات، نذكر منها اثنين.

أولاً: إنَّها خلاف قانون المعجزات؛ من حيث إنَّه مهما أمكن توفُّر المال بالطريق الطبيعي لم يجز حمله على الوجود بسبب إعجازي، وإمكان فَهْم توفُّر المال بالطريق الطبيعي واضح، بعد الاطِّلاع على الأُطروحتين التاليتين.

ثانياً: إنَّ السياق العام لهذه الأخبار التي تذكر تكدُّس المال وكثرته، يُشير إلى عدالة النظام واستقامة الأمور إلى حدٍّ يتوفَّر المال بهذه الكثرة، ومن الواضح أنَّ افتراض توفُّر المال عن طريق المعجزة يُنافي هذا السياق، لإمكان وجود المعجزة - مع اقتضاء المصلحة - في أشدِّ الأنظمة ظلماً وفساداً.

وبتعبير آخر: إنَّ المال سوف يكون نتيجةً للمعجزة لا للنظام العادل، وهو خلاف ظاهر الأخبار؛ ومعه لا تكون هذه الأُطروحة صحيحة.

الأُطروحة الثانية: إنَّ المال يتوفَّر لدى الدولة، عن طريق ما تقوم به في الزراعة والصناعة والتعدين وغيرها من استثمارات، توجب توفُّر المال للدولة والفرد معاً.

وبهذه المشاريع يتوفَّر لدى الدولة المهدوية العالمية الاكتفاء الذاتي، بل زيادة المـُنتجات على الحاجات من ناحية، ويتوفَّر فيها زيادة على ذلك كمِّيَّة ضخمة من النقد، ليس لها مُنفِّذ ومصدر للصرف مُعيَّن، فإنَّ مصادر استهلاك المال - مهما تعدَّدت - فهي تعود إلى الحاجة،

٥٥٨

فحين تكون الحاجة مُنتفية في كل العالم، والدولة واحدة، والأمن مُستتبٌّ، والأُخوَّة عامة بين البشر، والحاجات الأوَّلية والثانوية والتربوية كلها مُستوفات، فيكون المال الزائد بلا مصدر مُعيَّن للصرف.

نعم، يمكن أن يذخر هذا المال لإنقاذ أيِّ منطقة من العالم، قد تُصبح محتاجة نتيجةً لظروف طبيعية طارئة، كالفيضان، أو الزلازل، أو الوباء أو غيرها، إلاَّ أنَّ نسبة حدوث ذلك سوف يكون أقلَّ بكثير من نسبة تزايد المال وتوفُّر النقد.

وهذه الأُطروحة صحيحة لا مانع من القول بصحَّتها.

الأُطروحة الثالثة: إنَّ توفُّر المال يكون عن طريق السيطرة على البنوك الكبرى في العالم، حيث يُعتبر أكثر المال الذي خُزِن فيها مغضوباً وحراماً غير مشروع لمَن سُجِّلت باسمه، من الناحية الإسلامية.

ومن ثَمَّ تقوم الدولة المهدوية بعدَّة خطوات في هذا الطريق، أهمُّها تأسيس نظام مصرفي جديد، قائم على الإيمان بحرمة الربح الربوي من ناحية، وعلى عدم تقبُّل المال ما لم يُحرز كونه مالاً حلالاً من الناحية الإسلامية لصاحبه، من ناحية ثانية.

ثمَّ تقوم الدولة بجرد البنوك التي كانت في عصر ما قبل الظهور، وتصفية حساب الأموال المذخورة فيها، فإن كانت الشرائط الجديدة غير مُتوفِّرة، أُخرج المال من البنك وصادرته الدولة؛ باعتبار كونه مجهول المالك، وهو يعود إلى الدولة الإسلامية في حُكم الإسلام، وإذا ثبت في مال أنَّه مُسجَّل لغير مالكه الحقيقي أُعيد إلى المالك.

إلاَّ أنَّ الأموال التي تحصل عليها الدولة عن هذا الطريق كثيرة، وقد تَرْبُو على عشرات الملايين، وإن كانت هناك كمِّيَّات ضخمة أُخرى، تبقى مُسجَّلة لأصحابها، باعتبارها مُستجمعة للشرائط المطلوبة.

وهذه الأُطروحة أيضاً لا مانع من القول بصحَّتها.

والظاهر أنَّ الدولة تحصل على الأموال عن كلا الطريقين، المـُبيَّنين في الأُطروحتين الثانية والثالثة، والمـُعتقَد أنَّ الأموال الفائضة نتيجةً للأُطروحة الثانية، ستكون أكثر بكثير من الأموال التي تحصل عليها الدولة نتيجةً للأُطروحة الثالثة، بالرغم من كثرتها في نفسها؛ ومعه تكون العمدة في كثرة الأموال هو الأُطروحة الثانية.

٥٥٩

الناحية الثانية: ما هو الهدف الذي يتوخَّاه الإمام المهدي (ع) من عرض الأموال للناس وتوزيعها عليهم مجَّاناً، كما أخبرتنا الأخبار؟

ويمكن أن نتصوَّر لذلك إحدى أُطروحتين مُحتملتين:

الأُطروحة الأُولى: أنَّ كمِّيَّة ضخمة من المال - كما سمعنا - تبقى من دون أن يتوقَّع لها مُنفِّذ مُعيَّن؛ ومن هنا يكون من المنطقي أن تُرصد للمـُحتاجين أفراداً ومجتمعات، على طول الخطِّ، يأخذ منها المحتاج - أيَّاً كان - بدون مقابل وبدون شروط، وبدون تحديد كمِّيَّة مُعيَّنة، مادام المقدار معقولاً ومنطقياً.

غير أنَّ الأخبار دلَّت - بوضوح - على عدم إقدام الناس للحصول على شيء من هذا المال؛ لعدم وجود المحتاج بأيِّ شكل من أشكاله في الدولة المهدوية العادلة، حتى إنَّ هذا الفرد الذي يأخذ المال ثمَّ يندم عليه، سيكون دافعه للأخذ هو الطمع وليس الحاجة؛ ومن هنا أمكنه التفكير بإرجاعه بدون حرج.

الأُطروحة الثانية: إنَّ دولة المهدي (ع) بعد أن تستتبَّ أساليبها وبرامجها في إغناء الناس وإسعادهم، حتى لا يبقى فقير على الإطلاق ولا مُشتاق على المال أصلاً، عندئذ تتعلَّق المصلحة ببيان ذلك، وإيضاحه أمام البشر أجمعين والتاريخ، وذلك بالقيام بتخطيط مُعيَّن مؤقَّت، وهو أن تُعدَّ الأموال الفائضة، ويُعلَن في الناس إعلاناً عاماً، بأنَّ مَن يريد أن يحصل على المال، فإنَّه يستطيع بمقدار ما يشاء، وحين لا يقبل الناس على أخذ المال، غير واحد فقط، يثبت بالضرورة أنَّ جميع الأفراد قد أصبحوا أغنياء ومُرفَّهين إلى حدٍّ انقطعت أطماعهم وتحقَّقت كل آمالهم.

فإذا استطعنا أن نتصوَّر أنَّ هذا التخطيط المـُعيَّن في كثير من بُلدان العالم، يبدأ به المهدي (ع) في العاصمة المركزية، ويُطبِّقه الحُكَّام المـُوزَّعون على الأرض كلٌّ في إقليمه... وإذا كانت الاستجابة من الناس هي نفسها أو مُقاربة في كل البلدان، حتى التي كانت مُعتادة على الجَشَع الرأسمالي... حينئذ نستطيع أن نُدرك كيف ولماذا أصبحت هذه التجربة هي المزيَّة الرئيسية للإمام المهدي (ع)، لم يستطع أحد قبله على الإطلاق أن يؤدِّيها، أو أن يُفكِّر فيها، فضلاً عن أن ينجح في أدائها... مهما كانت دعاوى العقائد المـُنحرفة السابقة على الظهور، ذات ضجيج وعجيج.

ومن هنا؛ نصَّت جملة من الأخبار على هذه المزيَّة بالتعيين، ولم تصف المهدي (ع) إلاَّ بها، كالذي أخرجه مسلم: ( يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعدُّه ). وما

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679