موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)11%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

الجزء ١ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212506 / تحميل: 11107
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

وحيي، وخليفتي في أرضي ومثله في المحاسن للبرقي ( ج ٢؛ ٣١٤ - ٣١٥ ).

وفي كفاية الأثر ( ١٦ - ١٩ ) بسنده عن ابن عبّاس في حديث طويل - ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه أسماء الأئمّة لابن عبّاس - وفيه: قال ابن عبّاس: قلت: يا رسول الله، أسامي لم أسمع بهنّ قطّ!! قال لي: يا بن عبّاس، هم الأئمّة بعدي وإن قهروا، أمناء، معصومون، نجباء، أخيار، يا ابن عبّاس، من أتى يوم القيامة عارفا بحقّهم أخذت بيده فأدخلته الجنّة، يا بن عبّاس، من أنكرهم أو ردّ واحدا منهم فكأنّما قد أنكرني وردّني، ومن أنكرني وردّني فكأنّما أنكر الله وردّه ....

وفيه أيضا (٢٩) بسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:

أهل بيتي أمان لأهل الأرض، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، قيل: يا رسول الله، فالأئمّة بعدك من أهل بيتك؟ قال: نعم، الأئمّة بعدي اثنا عشر، تسعة من صلب الحسين، أمناء، معصومون، ومنّا مهديّ هذه الأئمّة، ألا إنّهم أهل بيتي، وعترتي من لحمي ودمي، ما بال أقوام يؤذونني فيهم، لا أنا لهم الله شفاعتي.

والقائم بأمري

في تفسير الإمام العسكريّعليه‌السلام ( ١٨٧ - ١٨٨ ) روىعليه‌السلام أنّ عبد الله بن سلام جاء يسائل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عند نزول قوله تعالى:( وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ ) (١) ، [ وبعد أن أوضح له النبي الوصاية والإمامة ]، قال ابن سلام: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله المصطفى، وأمينه المرتضى، وأميره على جميع الورى، وأشهد أنّ عليّا أخوه، وصفيه، ووصيّه، والقائم بأمره، المنجز لعداته، المؤدي لأماناته ....

وفي أمالي الصدوق (٤٦٨) بسنده عن الصادق، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: لمّا

__________________

(١) البقرة؛ ٩٩.

٤٤١

مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مرضه الّذي قبضه الله فيه اجتمع إليه أهل بيته وأصحابه، فقالوا: يا رسول الله، إن حدث بك حدث فمن لنا بعدك؟ ومن القائم فينا بأمرك؟ فلم يجبهم جوابا وسكت عنهم، فلمّا كان اليوم الثاني أعادوا عليه القول، فلم يجبهم عن شيء ممّا سألوه، فلمّا كان اليوم الثالث قالوا له: يا رسول الله، إن حدث بك حدث فمن لنا بعدك؟ ومن القائم فينا بأمرك؟ فقال لهمصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان غدا هبط نجم من السماء في دار رجل من أصحابي، فانظروا من هو، فهو خليفتي عليكم من بعدي والقائم فيكم بأمري، ولم يكن فيهم أحد إلاّ وهو يطمع أن يقول له: أنت القائم من بعدي، فلمّا كان اليوم الرابع جلس كلّ رجل منهم في حجرته ينتظر هبوط النجم، إذا انقض نجم من السماء - قد غلب ضوءه على ضوء الدنيا - حتّى وقع في حجرة عليّ، فهاج القوم، وقالوا: والله لقد ضلّ هذا الرجل وغوى، وما ينطق في ابن عمّه إلاّ بالهوى، فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (١) إلى آخر السورة. وانظر رواية شأن النزول هذا بلفظ « القائم فيكم بأمري » في شواهد التنزيل ( ج ٢؛ ٢٧٩ - ٢٨٠ ). وقال ابن شهرآشوب في مناقبه ( ج ٣؛ ١٠ ) أبو جعفر بن بابويه في الأمالي، بطرق كثيرة، عن جويبر، عن الضحّاك، عن أبي هارون العبدي، عن ربيعة السعديّ، وعن أبي إسحاق الفزاريّ، عن جعفر بن محمّد، عن آبائهعليهم‌السلام ، كلّهم عن ابن عبّاس، وروى عن منصور بن الأسود، عن الصادق، عن آبائهعليهم‌السلام ، واللّفظ له، ثمّ ساق الخبر عن الصدوق.

وفي إرشاد القلوب (٣٣٧) في خبر حذيفة، قال: ثمّ أمر [ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ] خادمة لأم سلمة، فقال: اجمعي لي هؤلاء - يعني نساءه - فجمعتهن له في منزل أمّ سلمة، فقال لهنّ: اسمعن ما أقول لكنّ - وأشار بيده إلى عليّ بن أبي طالب، فقال لهنّ -: هذا أخي، ووصيّي، ووارثي، والقائم فيكن وفي الأمّة من بعدي ....

__________________

(١) النجم؛ ١ - ٤.

٤٤٢

وفي اليقين ( ٤٤٨ - ٤٥٢ ) بسند عن عليّعليه‌السلام ، قال: لمّا خطب أبو بكر، قام أبيّ بن كعب يوم جمعة، وكان أوّل يوم من شهر رمضان، فقال: يا معشر المهاجرين أو لستم تعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: عليّ المحيي لسنّتي، ومعلّم أمّتي، والقائم بحجّتي، وخير من أخلف بعدي ....

ويدلّ على هذا المطلب ما مرّ من أنّ عليّا خليفة النبي من بعده، ووصيّه ووزيره، ومولى المؤمنين، وغيرها ممّا مرّ، لكنّنا أثبتنا هنا بعض الروايات الواردة بلفظ « القائم بأمري ».

ولا يخفى أنّ عليّاعليه‌السلام القائم بأمر الله وأمر رسوله من بعده، والأئمّة كلّهم قائمون بأمر الله وحجّته ودينه؛ ففي أمالي الصدوق (٤٣٧) بسنده عن الرضا، عن آبائه، عن عليّعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبرني جبرئيلعليه‌السلام ، عن الله عزّ وجلّ، أنّه قال: عليّ بن أبي طالب حجّتي، وديّان ديني، أخرج من صلبه أئمّة يقومون بأمري، ويدعون إلى سبيلي، بهم أدفع العذاب عن عبادي وإمائي، وبهم أنزل رحمتي.

وفي الكافي ( ج ١؛ ٥٣٦ ) بسنده عن الحكم بن أبي نعيم، قال: أتيت أبا جعفر وهو بالمدينة قلت: إنّي جعلت لله عليّ نذرا وصياما وصدقة بين الركن والمقام، إن أنا لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنّك قائم آل محمّد أم لا، فإن كنت أنت رابطتك، وإن لم تكن أنت سرت في الأرض فطلبت المعاش، فقالعليه‌السلام : يا حكم، كلّنا قائم بأمر الله، قلت: فأنت المهدي؟ قال: كلّنا نهدي إلى الله، قلت: فأنت صاحب السيف؟ قال: كلّنا صاحب السيف ووارث السيف، قلت: فأنت الّذي تقتل أعداء الله، ويعزّ بك أولياء الله، ويظهر بك دين الله؟ فقال: يا حكم، كيف أكون أنا وقد بلغت خمسا وأربعين سنة؟! وإنّ صاحب هذا الأمر أقرب عهدا باللبن منّي، وأخفّ على ظهر الدابة.

وفي إكمال الدين ( ج ٢؛ ٣٧٧ - ٣٧٨ ) بسنده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: قلت لمحمّد بن عليّ بن موسىعليهم‌السلام : إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد، الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، فقالعليه‌السلام : يا أبا القاسم، ما منّا إلاّ هو قائم بأمر الله عزّ وجلّ، وهاد إلى دين الله، ولكنّ القائم الّذي يطهّر الله عزّ وجلّ به الأرض من

٤٤٣

أهل الكفر والجحود وهو في الاحتجاج (٤٤٩).

وفي معاني الأخبار ( ٩٦ - ١٠١ ) بسنده عن عبد العزيز بن مسلم، قال: كنّا مع الرضاعليه‌السلام بمرو، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأداروا أمر الإمامة، وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيّدي فأعلمته خوضان الناس في ذلك، فتبسّمعليه‌السلام ، ثمّ قال: يا عبد العزيز، جهل القوم وخدعوا عن أديانهم [ ثمّ بين منزلة الإمام والإمامة وكثيرا من مطالبها، وقال في أواخر الحديث ]: فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل، داع لا ينكل كامل الحكم، مضطلع بالأمانة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله، وهو في عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ( ج ١؛ ١٧١ - ١٧٥ ) وأمالي الصدوق ( ٥٣٦ - ٥٤٠ ) وإكمال الدين ( ٦٧٥ - ٦٨١ ) والكافي ( ج ١؛ ١٩٨ - ٢٠٣ ).

والموفي بعهدي على سنّتي

أثبت الإمام عليّعليه‌السلام بسيرته العمليّة والعلميّة أنّه وفى بعهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبقي مستقيما على سنّته، فالتزم بكلّ وصايا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يرجع كافرا، وصبر على غصب حقّه، ولمّا أخبره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادتهعليه‌السلام سأله: « أو على سلامة من ديني؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم، » كما سيأتي، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وسار فيهم سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بإجماع المسلمين، وقد مرّ بعض التزاماته بوصايا الرسول وعهده، وسيأتي الكثير منها، ونزيد هنا بعض النصوص المتعلّقة بالمطلب لئلاّ تخلو منها هذه الفقرة من الكلام.

ففي كشف اليقين (٢٨٣) عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ أخصمك بالنبوّة ولا نبوّة بعدي، وتخصم الناس بسبع ولا يحاجّك فيهن أحد من قريش: أنت أوّلهم إيمانا بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسويّة، وأعدلهم في الرعيّة، وأبصرهم في القضيّة، وأعظمهم عند الله يوم القيامة مزيّة. وهو في مناقب الخوارزمي (٦١) بسنده عن معاذ.

وفي كنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٣ ) بسنده عن ابن عبّاس، قال: سمعت عمر بن الخطّاب يقول:

٤٤٤

كفّوا عن ذكر عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فلقد رأيت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه خصالا، لئن تكون لي واحدة منهنّ في آل الخطّاب أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة في نفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانتهيت إلى باب أمّ سلمة وعليّعليه‌السلام قائم على الباب، فقلنا: أردنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالعليه‌السلام : يخرج إليكم، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فثرنا إليه، فاتّكأ على عليّ بن أبي طالب، ثمّ ضرب بيده على منكبه، ثمّ قال: إنّك مخاصم تخاصم، أنت أوّل المؤمنين إيمانا، وأعلمهم بأيّام الله، وأوفاهم بعهده، وأقسمهم بالسويّة، وأرأفهم بالرعيّة، وأعظمهم رزيّة، وأنت عاضدي، وغاسلي، ودافني، والمتقدّم إلى كلّ شديدة وكريهة، ولن ترجع بعدي كافرا، وأنت تتقدّمني بلواء الحمد، وتذود عن حوضي.

وفي كنز جامع الفوائد (٥٠) كما نقله عنه في بحار الأنوار ( ج ٢٣؛ ٢٢١ - ٢٢٢ ) عن شيخ الطائفة، بإسناده عن إبراهيم النخعي، عن ابن عبّاس، قال: دخلت على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقلت: يا أبا الحسن، أخبرني بما أوصى إليك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: سأخبركم، إنّ الله اصطفى لكم الدين وارتضاه، وأتمّ نعمته عليكم، وكنتم أحقّ بها وأهلها، وإنّ الله أوحى إلى نبيّة أن يوصي إليّ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ احفظ وصيّتي، وارع ذمامي، وأوف بعهدي، وأنجز عداتي، واقض ديني، وأحي سنّتي، وادع إلى ملّتي، لأنّ الله اصطفاني واختارني، فذكرت دعوة أخي موسى، فقلت: اللهمّ اجعل لي وزيرا من أهلي كما جعلت هارون من موسى، فأوحى الله عزّ وجلّ إليّ: أنّ عليّا وزيرك وناصرك والخليفة من بعدك، يا عليّ، أنت من أئمّة الهدى وأولادك منك ....

وفي اليقين ( ٢٩٨ - ٣٠١ ) عن محمّد بن العبّاس بن مروان، بسنده عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام في قوله عزّ وجلّ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى ) (١) إلى قوله:( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى ) (٢) : فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أسري به إلى ربّه عزّ وجلّ، قال: وقف بي جبرئيل فناداني

__________________

(١) النجم؛ ٦.

(٢) النجم؛ ١٦.

٤٤٥

ربّي عزّ وجلّ: أسألك عمّا أنا أعلم به منك، من خلّفت في الأرض بعدك؟ قلت: خير أهلها لها، أخي وابن عمّي، وناصر دينك يا ربّ، والغاضب لمحارمك إذا استحلّت، ولنبيّك غضب غضب النمر إذا جدل، عليّ بن أبي طالب، قال: صدقت يا محمّد، إنّي اصطفيتك بالنبوّة، وبعثتك بالرسالة، وامتحنت عليّا بالبلاغ والشهادة إلى أمّتك، وجعلته حجّة في الأرض معك وبعدك، وهو نور أوليائي، ووليّ من أطاعني، وهو الكلمة الّتي ألزمتها المتّقين، يا محمّد، وزوّجته فاطمة، وإنّه وصيّك، ووارثك، ووزيرك، وغاسل عورتك، وناصر دينك، والمقتول على سنّتي وسنّتك، يقتله شقيّ هذه الأمّة، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثمّ أمرني ربّي بأمور وأشياء أمرني أن أكتمها، ولم يأذن لي في إخبار أصحابي بها وهو في تفسير البرهان ( ج ٤؛ ٢٥٠ - ٢٥١ ) ونقله المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٣٦؛ ١٦٣ ) عن كنز جامع الفوائد.

وفي أمالي الطوسي ( ٣٥١ - ٣٥٢ ) بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قال أبي: دفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الراية يوم خيبر إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وقال له: أنت الآخذ بسنّتي، والذابّ عن ملّتي ....

وفي كشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٣٣ ) بالإسناد عن نافع مولى ابن عمر، قال: قلت لابن عمر: من خير الناس بعد رسول الله؟ قال: عليّ، سدّ أبواب المسجد وترك باب عليّ، وقال: لك في هذا المسجد مالي، وعليك فيه ما عليّ، وأنت وارثي، ووصيّي، تقضي ديني، وتنجز عداتي، وتقتل على سنّتي، كذب من زعم أنّه يبغضك ويحبّني. وانظر هذه الرواية مسندة إلى نافع في مناقب ابن المغازلي (٢٦١).

وفي بحار الأنوار ( ج ٢٧؛ ١٠٣ ) عن فضائل ابن شاذان، بالإسناد يرفعه إلى جابر بن عبد الله الأنصاريّ، أنّه قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالسا في المسجد، إذ أقبل عليّ والحسن عن يمينه والحسين عن شماله، فقام النبي وقبّل عليّا وألزمه صدره، وقبّل الحسن وأجلسه على فخذه الأيمن، وقبّل الحسين وأجلسه على فخذه الأيسر ثمّ قال: أيّها الناس إنّ الله، باهى بهما وبأبيهما وبأمّهما وبالأبرار من ولدهما الملائكة جميعا، ثمّ قال: اللهمّ إنّي أحبّهم وأحبّ

٤٤٦

من يحبّهم، اللهمّ من أطاعني فيهم وحفظ وصيّتي فارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين، فإنّهم أهلي، والقوّامون بديني، والمحيون لسنّتي، والتالون لكتاب ربّي، فطاعتهم طاعتي، ومعصيتهم معصيتي.

فعلي والأئمّة من ولدهعليهم‌السلام كلّهم وفوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عهده، ومضوا عليه، وإنّهم المحيون لسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد وفوا لرسول الله بعهده وماتوا على سنّته، وذلك واضح من سيرتهم وما أسلفنا وسنأتي به من نصوص، وما ذكرناه يدلّ على ذلك دلالة قطعيّة.

أوّل الناس بي إيمانا

ثبت في كتب المسلمين جميعا أنّ عليّاعليه‌السلام أوّل من أسلم، وعارضته السياسة البكريّة والعمريّة والعثمانيّة والأمويّة بأحاديث مفادها أنّ أبا بكر أوّل من أسلم، فلم يقبلها الكثير من منصفي علماء العامّة طبقا لما هو الحقّ، وأمّا من تلقّاها بالقبول، فاضطرّ أن يقول: إنّ عليّا أوّلهم من الصبيان، وأبا بكر أوّلهم من الرجال، وخديجة أمّ المؤمنين أوّلهم من النساء، وعلى كلّ حال، فلم يستطع منكر أن ينكر أنّ عليّا أوّل من أسلم، وفوق ذلك ثبوت أنّه أوّل من آمن بالله ورسوله، وقد نصّت على ذلك روايات الفريقين، فيكون أوّل من أسلم من باب الأولى.

قال ابن حجر في الصواعق المحرقة (٧٢): قال ابن عبّاس وأنس وزيد بن أرقم وسلمان الفارسي، وجماعة: أنّه أوّل من أسلم، ونقل بعضهم الإجماع عليه.

ففي أمالي الطوسي (١٤٨) بسنده عن أبي ذرّ الغفاريّ، قال: إنّي سمعته وهو يقول: عليّ أوّل من آمن بي.

وفيه أيضا (٢١٠) بسنده عن أبي ذرّ وسلمان، قالا: أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال: هذا أوّل من آمن بي. وهو في روضة الواعظين ( ج ١؛ ١١٥ ).

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٦ ) عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: يا عليّ أنت أوّل المسلمين إسلاما، وأوّل المؤمنين إيمانا.

٤٤٧

وفي أمالي الصدوق (٢٨) بسنده عن جابر بن عبد الله في حديث طويل، قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وهو [ عليّ ] أوّل من آمن وصدّقني.

وفي بشارة المصطفى ( ١٠٣، ١٠٨ ) بسنده عن أبي ذرّ الغفاريّ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: عليّ أوّل من آمن بي.

وفي نهج البلاغة ( ج ١؛ ١٠٥ - ١٠٦ ) من كلام للإمام عليّعليه‌السلام ، قال فيه: ألا وإنّه سيأمركم [ أي معاوية ] بسبّي والبراءة منّي، فأمّا السبّ فسبّوني؛ فإنّه لي زكاة ولكم نجاة، وأمّا البراءة فلا تتبرّءوا منّي؛ فإنّي ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان والهجرة.

وفي كتاب سليم بن قيس (١٩٨) من كلام لقيس بن سعد مع معاوية، قال فيه: إنّ الله بعث محمّدا رحمة للعالمين، فبعثه إلى الناس كافّة فكان أوّل من صدّقه وآمن به ابن عمّه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ...

وفي أمالي الطوسي (١٥٦) بسنده عن العبّاس بن عبد المطّلب، قال: إنّ عليّا أوّل من آمن بالله.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٥٥ ) قال: قال ابن عبّاس: إنّما سمّي أمير المؤمنين لأنّه أوّل الناس إيمانا.

وفي خصائص النسائي (٤٦) بسنده عن عمرو بن عبّاد بن عبد الله، قال: قال عليّعليه‌السلام : أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب، آمنت قبل الناس سبع سنين. وروى قريبا منه في ( ص؛ ٤٧ ) بسنده عن عبد الله بن أبي الهذيل. وروى قريبا منه سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص (١٠٨) عن مسند أحمد بسنده عن حبّة العرني، عن عليّعليه‌السلام .

وفي أنساب الأشراف ( ج ٢؛ ١٤٦ ) بسنده عن معاذة العدويّة، قالت: سمعت عليّا على منبر البصرة يقول: أنا الصّديق الأكبر، آمنت بالله قبل أن يؤمن أبو بكر. وهو في الإرشاد للمفيد (٢١) بزيادة « وأسلمت قبل أن يسلم ».

وفي الإصابة ( ج ٤؛ ١٧١ ) بسنده عن أبي ليلى الغفاريّ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٤٤٨

يقول: سيكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أوّل من آمن بي، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمّة، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين.

وفي مناقب الخوارزمي (١٩) بسنده إلى هارون الرشيد، عن جدّه، عن عبد الله بن عبّاس، قال: سمعت عمر بن الخطّاب وعنده جماعة، فتذاكروا السابقين إلى الإسلام، فقال عمر: أمّا عليّعليه‌السلام فسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: فيه ثلاث خصال، لوددت أنّ لي واحدة منهنّ، فكان أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه، إذ ضرب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يده على منكب عليّ، فقال: يا عليّ أنت أوّل المؤمنين إيمانا، وأوّل المسلمين إسلاما، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى. وأخرج نحوه المتّقي الهنديّ في كنز العمّال ( ج ٦؛ ٣٩٣ ) بسنده عن ابن عبّاس.

وانظر كشف الغمّة ( ج ١؛ ٧٩ - ٨٠ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٥، ٧٥ ) وأمالي الصدوق (١٧٢) وبشارة المصطفى ( ٩١، ١٢٢، ١٢٥ ) والخصال (٥٧٢) وكشف اليقين (٢٨٣) وكتاب سليم بن قيس ( ١٨٥ - ١٨٦ ) ونظم درر السمطين (٨٢) وفرائد السمطين ( ج ١؛ ٢٢٣ ) وتاريخ دمشق ( ج ١؛ ٥٣ / الحديث ٩٠ و ٦٣ / الحديث ٩٨ و ١١٧ / الحديث ١٦٠ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٥ ) ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ( ج ٥؛ ٣٣ - ٣٤ ) والمعارف (١٦٩) ووسيلة المآل (٢١١) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٠٣ ) وأسنى المطالب (٢٠) وأسد الغابة ( ج ٤؛ ١٩ ) والرياض النضرة ( ج ٢؛ ١٥٧ ) ومناقب ابن المغازلي (١٩٤) ومناقب الخوارزمي (٦١) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٥٦ - ٦٢ ).

وانظر تخريجاته أيضا في كتاب فضائل الخمسة ( ج ١؛ ٢٢٦ - ٢٣٠ ) وقادتنا ( ج ١؛ ٦٥ - ٧٧ )

وآخرهم عهدا عند الموت

في الإرشاد ( ٢٣ - ٢٤ ) بسنده عن أبي هارون، قال: أتيت أبا سعيد الخدريّ، فقلت له: هل شهدت بدرا؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لفاطمةعليها‌السلام وقد جاءته ذات

٤٤٩

يوم تبكي، وتقول: يا رسول الله عيّرتني نساء قريش بفقر عليّعليه‌السلام ، فقال لها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ترضين يا فاطمة أنّي زوّجتك أقدمهم سلما وأكثرهم علما يا فاطمة، إنّ لعليّ ثمانية أضراس قواطع، لم يجعل لأحد من الأوّلين والآخرين مثلها: هو أخي في الدنيا والآخرة، وليس ذلك لأحد من الناس وهو أوّل من آمن بي، وآخر الناس عهدا بي، وهو وصيّي ووارث الوصيّين. وروى الطبرسي مثله في إعلام الورى (١٦٣).

وفي كشف الغمّة ( ج ١؛ ٨٠ ) قال: ونقلت من كتاب اليواقيت لأبي عمر الزاهد، عن ليلى الغفاريّة، قالت: كنت امرأة أخرج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أداوي الجرحى، فلمّا كان يوم الجمل أقبلت مع عليّعليه‌السلام ، فلمّا فرغ دخلت على زينب عشيّة، فقلت: حدّثيني، هل سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الرجل شيئا؟ قالت: نعم، دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول الله: إنّ هذا أوّل الناس إيمانا، وأوّل الناس لقاء لي يوم القيامة، وآخر الناس بي عهدا عند الموت.

وفي أمالي الطوسيّ ( ٤٦٣ - ٤٧٢ ) بأسانيده عن أبي رافع وعمّار وهند بن أبي هالة، في حديث طويل قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في آخره: يا عليّ، أنت أوّل هذه الأمّة إيمانا بالله ورسوله، وأوّلهم هجرة إلى الله ورسوله، وآخرهم عهدا برسوله، لا يحبّك - والّذي نفسي بيده - إلاّ مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان، ولا يبغضك إلاّ منافق أو كافر.

وفي الاحتجاج (١٨٤) من كتاب لمحمّد بن أبي بكر يحتجّ فيه على معاوية، قال فيه: فكيف - لك الويل - تعدل عن عليّعليه‌السلام ؟! وهو وارث علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووصيّه، وأوّل الناس له اتّباعا، وآخرهم به عهدا ...

والروايات في ذلك من طرق الإماميّة كثيرة، أغنانا عن سردها والإطالة فيها ما سيأتي من تغسيل عليّ وتكفينه ودفنه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو آخر الناس به عهدا، وروى ابن سعد في طبقاته ( ج ٢؛ ٣٠٣ ) أنّ المغيرة بن شعبة ألقى في قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - بعد أن خرجوا - خاتمه لينزل فيه، فقال عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : إنّما ألقيت خاتمك لكي تنزل فيه، فيقال: نزل في قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والّذي نفسي بيده لا تنزل فيه أبدا، ومنعه.

٤٥٠

وقال عليّعليه‌السلام في ندبته الشجيّة الرائعة الّتي وجّهها إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد دفنه للزهراءعليها‌السلام ، قائلا: السلام عليك يا رسول الله عنّي، والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك، والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار لها سرعة اللّحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، وعفا عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي، إلاّ أنّ لي في التأسّي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري ...

انظر هذه الندبة في الكافي ( ج ١؛ ٤٥٨ - ٤٥٩ ) وأمالي المفيد ( ٢٨١ - ٢٨٣ ) وأمالي الطوسي ( ١٠٩ - ١١٠ ) ودلائل الإمامة ( ٤٧ - ٤٨ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٣٦٤ ) وبشارة المصطفى (٢٥٩) وتذكرة الخواص (٣١٩).

وقالت أمّ سلمة -رضي‌الله‌عنها - كما في مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٦ ) عن مسند أبي يعلى، وفضائل أحمد، عن أمّ سلمة في خبر: والّذي تحلف به أمّ سلمة، إنّه كان آخر الناس عهدا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّعليه‌السلام ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعثه في حاجة غداة قبض، فكان يقول: جاء عليّ؟ ثلاث مرّات، قالت: فجاء قبل طلوع الشمس، فخرجنا من البيت لما عرفنا أنّ له إليه حاجة، فأكبّ عليه عليّعليه‌السلام ، فكان آخر الناس به عهدا، وجعل يسارّه ويناجيه. وقد مرّ هذا الخبر في صدر الطّرفة التاسعة عشر فراجعه. وفي بعض المصادر روي الحديث بلفظ « أقرب الناس عهدا ». فهو الأقرب بالنسبة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والآخر بالنسبة لسائر المسلمين؛ باعتبار بقاء عليّعليه‌السلام آخرهم مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في تغسيله وتكفينه ودفنه.

وقد نقلت المصادر التاريخيّة والمناقبيّة والمجاميع الحديثيّة شعر العبّاس بن عبد المطلب بعد بيعة السقيفة، وفيه يقول:

ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف

عن هاشم ثمّ منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى لقبلتكم

وأعلم الناس بالقرآن والسنن

وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

وروي الشعر أيضا بلفظ « وآخر الناس عهدا ». انظر الشعر في كتاب سليم بن قيس (٧٨) ومناقب الخوارزمي (٨) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٦٧ ). وهو في الإرشاد (٢٢) منسوب

٤٥١

لخزيمة بن ثابت الأنصاريّ، وفي تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١٢٤ ) منسوب لعتبة بن أبي لهب.

وفي الخصائص للنسائي (١٣٠) بسنده عن المغيرة، عن أمّ المؤمنين أمّ سلمة: إنّ أقرب الناس عهدا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّعليه‌السلام . ورواه الحاكم في المستدرك ( ج ٣؛ ١٣٨ ).

وروى الذهبي في ميزان الاعتدال ( ج ٤؛ ٢١٧ / الحديث ٨٩١٠ ) بسنده عن ليلى الغفاريّة، قالت: كنت أخرج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مغازيه أداوي الجرحى، وأقوم على المرضى، فلمّا خرج عليّعليه‌السلام إلى البصرة خرجت معه، فلمّا رأيت عائشة واقفة دخلني الشكّ، فأتيتها، فقلت: هل سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فضيلة في عليّعليه‌السلام ؟ قالت: نعم، دخل عليّعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو على فراشي، وعليه جرد قطيفة، فجلس عليّ بيننا، فقلت له: أما وجدت مكانا هو أوسع لك من هذا؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عائشة! دعي أخي، فإنّه أوّل الناس إسلاما، وآخر الناس بي عهدا عند الموت، وأوّل الناس لي لقيا يوم القيامة. ورواه ابن حجر في لسان الميزان ( ج ٦؛ ١٢٧ ) بتفاوت.

وانظر مسند أحمد ( ج ٦؛ ٣٠٠ ) وكفاية الطالب (٢٦٣) وتاريخ دمشق ( ج ٣؛ ١٥ / الحديث ١٠٢٧ ) و ( ١٧ / الحديث ١٠٣١ ) ومناقب الخوارزمي (٢٩) ووسيلة المآل (٢٣٩) وتذكرة الخواص (٤٢) والإصابة ( ج ٤؛ ٤٠٣ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٨٠ ) وغيرها من المصادر. وانظر كتاب قادتنا ( ج ٤؛ ٧٣ - ٧٦ ).

وأوّلهم لي لقاء يوم القيامة

في كشف الغمّة ( ج ١؛ ٨٠ ) قال الأربليرحمه‌الله : ونقلت من كتاب اليواقيت لأبي عمر الزاهد، عن ليلى الغفاريّة، قالت: كنت امرأة أخرج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أداوي الجرحى، فلمّا كان يوم الجمل أقبلت مع عليّعليه‌السلام ، فلمّا دخلت على زينب عشية، فقلت: حدّثيني هل سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الرجل شيئا؟ قالت: نعم، دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو وعائشة على فراش وعليها قطيفة، قالت: فأقعى عليّعليه‌السلام كجلسة الأعرابي، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ هذا أوّل الناس إيمانا، وأوّل الناس لقاء لي يوم القيامة، وآخر الناس بي

٤٥٢

عهدا عند الموت.

وفي بشارة المصطفى (١٥٢) بسنده عن أبي ليلى الغفاريّ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: سيكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أوّل من يراني، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمّة؛ يفرق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين.

وفي أسد الغابة ( ج ٥؛ ٢٨٧ ) مسندا عن أبي ليلى الغفاريّ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فإنّه أوّل من يراني، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمّة؛ يفرق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين. وهو في الإصابة ( ج ٤؛ ١٧١ ) بزيادة « والمال يعسوب المنافقين ». وذكره ابن عبد البرّ في الاستيعاب المطبوع بهامش الاصابة ( ج ٤؛ ١٧٠ ). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٠٢ ) فقال: وعن أبي ذرّ وسلمان، قالا: أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّعليه‌السلام فقال: إنّ هذا أوّل من آمن بي، وهذا أوّل من يصافحني يوم القيامة، وساق الحديث كما تقدّم عن أبي ليلى، قال: « ورواه الطبراني والبزّار ».

وفي الإصابة ( ج ٤؛ ٤٠٢ ) قال: وأخرج ابن منده، من رواية عليّ بن هاشم بن البريد، حدّثني أبي، حدّثنا موسى بن القاسم، حدّثتني ليلى الغفاريّة، قالت: كنت أغزو مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأداوي الجرحى وأقوم على المرضى، فلمّا خرج عليّعليه‌السلام إلى البصرة خرجت معه، فلمّا رأيت عائشة أتيتها فقلت: هل سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فضيلة في عليّعليه‌السلام ؟ قالت: نعم، دخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو معي، وعليه جرد قطيفة، فجلس بيننا، فقلت: أما وجدت مكانا هو أوسع لك من هذا؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عائشة! دعي لي أخي، فإنّه أوّل الناس إسلاما، وآخر الناس بي عهدا، وأوّل الناس لي لقيا يوم القيامة.

وأوّليّة عليّعليه‌السلام في ملاقاته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومصافحته، مثبتة في كتب الفريقين، وقد مرّ بعضها، وإليك بعضا من الروايات الذاكرة بأنّهعليه‌السلام أوّل من يصافح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة، وهو معنى آخر لكونه أوّل من يلاقيه.

٤٥٣

ففي أمالي الطوسي ( ١٤٧ - ١٤٨ ) بسنده عن أبي سخيلة، قال: حججت أنا وسلمان الفارسي، فمررنا بالربذة، وجلسنا إلى أبي ذرّ الغفاريّ، فقال لنا: إنّه ستكون بعدي فتنة، ولا بدّ منها، فعليكم بكتاب الله والشيخ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فالزموهما، فأشهد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّي سمعته وهو يقول: عليّ أوّل من آمن بي، وأوّل من صدّقني، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمّة، يفرق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين.

وانظر أوّليّته في المصافحة في أمالي الطوسي أيضا (٢٥٠) ومعاني الأخبار ( ٤٠١ - ٤٠٢ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٦ ) واليقين (٥١٢) عن كتاب فضائل أمير المؤمنين لعثمان بن أحمد المعروف بابن السمّاك و (٥١١) عن كتاب سنة الأربعين لفضل الله الراونديّ، و ٥٠٩ عن كفاية الطالب (١٨٧) بسنده عن ابن عبّاس، والإرشاد ( ٢١ - ٢٢ ) وتاريخ بغداد ( ج ٩؛ ٤٥٣ ) وروضة الواعظين (١١٥) وأمالي الصدوق (١٧٢).

والأحاديث في ذلك كثيرة جدّا في كتب الفريقين يضاف إليها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : أنت أوّل من تنشقّ عنه الأرض معي، كما في بحار الأنوار ( ٣٩: ٢١١ ).

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت أوّل من ينشق عنه القبر معي. بحار الأنوار ( ج ٤٠؛ ٢٥، ٣٧ ) و ( ج ٧٧؛ ٦٠ ).

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا أوّل من يخرج من قبره وعليّ معي. بحار الأنوار ( ج ٣٩؛ ٢٣٠ ).

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة في أنّه أوّل من يلقاه، وأوّل من يصافحه، وأوّل من ينشقّ عنه التراب والقبر مع رسول الله، وانظر فضائل الخمسة ( ج ٣؛ ١١١ - ١١٣ ) تحت عنوان « إنّ عليّا أوّل من تنشقّ عنه الأرض، وأوّل من يرى النبي، وأوّل من يصافحه ».

ألا ومن أمّ قوما إمامة عمياء - وفي الأمّة من هو أعلم منه - فقد كفر

هذا المطلب يحكم به العقل قبل النقل، لأنّ ترك الأعلم، والتصدّي للإمامة وأمورها بلا هدى ولا برهان ولا دليل من الله ورسوله، ما هو إلاّ الكفر والضلال، ومع ذلك، فقد

٤٥٤

وردت روايات صريحة في هذا المطلب.

ففي تفسير العياشي ( ج ٢؛ ٩٠ - ٩١ ) عن عبد الملك بن عتبة الهاشمي، عن أبي عبد الله، عن أبيهعليهما‌السلام قال: قال: من ضرب الناس بسيفه، ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه، فهو ضالّ متكلّف.

وفي الغيبة للنعماني: ١١٥ بسنده عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: من خرج يدعو الناس، وفيهم من هو أعلم منه، فهو ضالّ مبتدع، ومن ادّعى الإمامة من الله، وليس بإمام، فهو كافر.

وفي فقه الرضاعليه‌السلام (٥٢) قال: وأروي « من دعا الناس إلى نفسه، وفيهم من هو أعلم منه، فهو مبتدع ضالّ ».

وفي أمالي الطوسي (٥٦٠) بسنده عن أبي عمر زاذان في حديث ذكر فيه خطبة الإمام الحسنعليه‌السلام بعد صلحه مع معاوية، قال فيها: وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ولّت أمّة أمرها رجلا، وفيهم من هو أعلم منه، إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتّى يرجعوا إلى ما تركوا. ونقله المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٧٢؛ ١٥٥ ) عن كتاب البرهان، بسنده عن عليّ ابن الحسينعليهما‌السلام في خبر طويل، أنّه قال: قال الحسن بن عليّعليهما‌السلام ورواه مثله. ورواه في المسترشد (٦٠٠) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، وهو في المسترشد أيضا (٦٠١) بسند آخر.

ويدلّ عليه ما في التحصين (٥٦٩) عن كتاب « نور الهدى » بسنده عن ابن عبّاس، في حديث قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : فأنت يا عليّ أمير من في السماء، وأمير من في الأرض، ولا يتقدّمك بعدي إلاّ كافر، ولا يتخلّف عنك بعدي إلاّ كافر، وإنّ أهل السماوات يسمّونك أمير المؤمنين. ونقله ابن طاوس في كتاب اليقين ( ٢٤١ - ٢٤٢ ) عن « المائة حديث » بنفس السند عن ابن عبّاس.

وفي كتاب التهاب نيران الأحزان (١٦) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في عليّعليه‌السلام : ملعون ملعون من قدّم أو تقدّم عليه.

وانظر ما تقدّم في الطّرفة السادسة عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اعلموا أنّي لا أقدّم على عليّ أحدا،

٤٥٥

فمن تقدّمه فهو ظالم »، وقوله في الطّرفة الحادية عشر: « إنّ عليّا هو العلم، فمن قصر دون العلم فقد ضلّ، ومن تقدّمه تقدّم إلى النار ».

من كانت له عندي عدة فليأت فيها عليّ بن أبي طالب؛ فإنّه ضامن لذلك كلّه، حتّى لا يبقى لأحد عليّ تباعة

انظر ما تقدّم من تخريجات الطّرفة السابعة، حيث أعطى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تراثه لعليّعليه‌السلام على أن يقضي دين النبي وينجز عداته.

ونزيد هنا بعض ما يتعلق بإنجار عليّعليه‌السلام عدات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ففي كتاب سليم بن قيس ( ١٢١ - ١٢٢ ) قول عليّعليه‌السلام : ألا ترى يا طلحة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي وأنتم تسمعون: يا أخي إنّه لا يقضي ديني ولا يبرئ ذمّتي غيرك، أنت تبرئ ذمّتي وتقاتل على سنّتي.

وفي الخرائج والجرائح (١٦٩) عن أبي حمزة الثمالي، عن السجاد، عن أبيهعليه‌السلام : كان عليّعليه‌السلام ينادي: من كان له عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عدة أو دين فليأتني، فكان كلّ من أتاه يطلب دينا أو عدة يرفع مصلاّه فيجد كذلك تحته، فيدفع إليه.

وفي نظم درر السمطين (٩٨) عن الاعمش، عن المنهال، عن عباية، عن عليّعليه‌السلام قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ يقضي ديني، وينجز موعدي، وخير من أخلف بعدي من أهلي.

وفي مناقب الخوارزمي (٢٧) بإسناده عن أنس، عن سلمان الفارسي، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ بن أبي طالب ينجز عداتي، ويقضي ديني.

هذا، وقد روى ابن سعد في طبقاته ( ج ٢؛ ٣١٩ ) بسنده عن عبد الواحد بن أبي عون: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا توفّي أمر عليّ صائحا يصيح: من كان له عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عدة أو دين فليأتني، فكان يبعث كلّ عام عند العقبة يوم النحر من يصيح بذلك، حتّى توفّي عليّعليه‌السلام ، ثمّ كان الحسن بن عليّعليهما‌السلام يفعل ذلك حتّى توفّي، ثمّ كان الحسينعليه‌السلام يفعل ذلك، وانقطع ذلك بعده، رضوان الله عليهم وسلامه. قال ابن أبي عون: فلا يأتي أحد من خلق الله إلى عليّ بحقّ

٤٥٦

ولا باطل إلاّ أعطاه.

وفي الخصال (٥٥١) في احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام على أبي بكر بثلاث وأربعين خصلة، رواه بسنده عن أبي سعيد الورّاق، عن أبيه، عن الصادق، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، قال: فأنشدك بالله أنا ضمنت دين رسول الله، وناديت في الموسم بإنجاز موعده أم أنت؟! قال: بل أنت.

قال محقق الخصال: وقد أخرجه في كنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٦ ) وقال أخرجه أحمد وابن جرير وصحّحه.

وانظر إثبات الوصيّة (٩٩) وأمالي المفيد ( ٦١، ١٧٤ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ١٣٢ ) و ( ج ٣؛ ٢١٤ ) والمسترشد ( ٢١٥، ٢٦٢، ٣٤٤، ٦٣٤ ) وكشف اليقين ( ٢٥٥ - ٢٥٦ ) ودلائل الإمامة (١٠٦) وأمالي الصدوق (٢٥٢) وأمالي الطوسي ( ٥٤٥، ٥٥٠ ) وكفاية الأثر ( ٢٠، ٧٥ - ٧٦، ١٢١، ١٣٥ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٣٣ ) وشرح الأخبار ( ج ١؛ ١١٣ - ١١٥ ) وتفسير فرات ( ١٥٤، ٥٤٥ ) وتفسير الإمام العسكريّ (١٧٨) والتهاب نيران الاحزان (٤٠) واليقين ( ١٣٧، ٢٢٧ ) وبشارة المصطفى ( ٥٤، ٥٨، ٥٩ ) والخصال ( ٥٥١، ٥٧٢ - ٥٨٠ ) وتفسير القمّي ( ج ٢؛ ١٠٩ ) والتحصين (٦٠٧) ومناقب الخوارزمي (٢١٠) وفرائد السمطين ( ج ١؛ ٥٠ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٣١٩ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ١٥٥ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١١٣، ١٢١ ) وفيض القدير للمناويّ ( ج ٤؛ ٣٥٩ ) وكنز الحقائق (٩٢) ومناقب ابن المغازلي ( ٢٣٨، ٢٦١ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٧٩ ) وتذكرة الخواص (٨٦).

٤٥٧

٤٥٨

الطّرفة الحادية والعشرون

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرفة - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٨٧ - ٤٨٨ ) والعلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٨ - ٨٩ ) بأدنى تفاوت.

مضمون هذه الطّرفة، وما مرّ في الطّرفة السابقة من قوله « لا ترجعنّ بعدي كفّارا » واحد؛ لأنّ نهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الصحابة عن رجوعهم كفّارا فيه معنى الإخبار بوقوع ذلك المنهي عنه هنا، وذلك كثير في لسان العرب وكلامهم، مثل قول الشاعر:

لا ألفينّك بعد الموت تندبني

وفي حياتي ما زوّدتني زادي(١)

فصورته النهي، ومعناه الإخبار، أي إنّني سألفينك بعد الموت تندبني.

ومثل هذا ما ورد في نهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عائشة عن الخروج في قوله: « ليت شعري أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب، تنبحها كلاب الحوأب، إيّاك أن تكونيها يا عائشة » فهذا النهي فيه معنى الإخبار بخروجها على إمام زمانها، ومقاتلتها إيّاه.

ويدلّ على هذا المراد حديث الحوض وارتداد الصحابة كما سيأتي، ويدلّ عليه الخلاف والتخاصم والقتال الّذي حدث بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتذييل الحديث بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لئن فعلتم لتجدنّي في كتيبة أضرب وجوهكم »، وأوضحها دلالة ما في تفسير القمّي ( ج ١؛ ١٧٢ ) بسنده عن الصادقعليه‌السلام ، حيث روى خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في منى في حجّة الوداع، وفيها

__________________

(١) مروج الذهب ٣؛ ٢٥.

٤٥٩

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألا لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف على الدنيا، فإن فعلتم ذلك - ولتفعلنّ - لتجدوني في كتيبة بين جبرئيل وميكائيل أضرب وجوهكم بالسيف، ثمّ التفتصلى‌الله‌عليه‌وآله عن يمينه فسكت ساعة، ثمّ قال: إن شاء الله، أو عليّ بن أبي طالب ». فنهاهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبر بأنّهم سيتركون أمره ويرجعون كفّارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف.

وفي كشف اليقين ( ١٦١ - ١٦٢ ) عن علقمة والأسود، عن أبي أيّوب الأنصاريّ في خبر، قال فيه: ودخل عمّار فسلّم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرحّب به، وقال: إنّه سيكون من بعدي في أمّتي هنات، حتّى يختلف السيف فيما بينهم، وحتّى يقتل بعضهم بعضا، وحتّى يبرأ بعضهم من بعض، فإذا رأيت ذلك، فعليك بهذا الأصلع عن يميني عليّ بن أبي طالب، فإن سلك الناس كلّهم واديا وسلك عليّ واديا، فاسلك وادي عليّ وخلّ عن الناس، إنّ عليّا لا يردّك عن هدى، ولا يدلّك على ردى، يا عمّار طاعة عليّ طاعتي، وطاعتي طاعة الله. وهو في الطرائف ( ج ١؛ ١٠١ - ١٠٢ ) ومناقب الخوارزمي ( ١٢٤ - ١٢٥ ).

وفي الإرشاد (٩٦) قال: ثمّ كان ممّا أكّدصلى‌الله‌عليه‌وآله لهعليه‌السلام من الفضل، وتخصصه منه بجليل رتبته، ما تلا حجّة الوداع من الأمور المتجدّدة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان فيما ذكره من ذلك ما جاءت به الرواة على الاتفاق والاجتماع، من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّها الناس إنّي فرطكم على الحوض، ألا وإنّي سائلكم عن الثقلين أيّها الناس، لا ألفينكم بعدي ترجعون كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض، فتلقوني في كتيبة كمجرّ السيل الجرار، ألا وإنّ عليّ بن أبي طالب أخي، ووصيّي، يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله.

وفي شواهد التنزيل ( ج ١؛ ٥٢٦ - ٥٢٧ ) بسنده عن عبد الله بن عبّاس، وجابر بن عبد الله الأنصاري أنّهما سمعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في حجّة الوداع - وهو بمنى -: لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض، وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفنّي في كتيبة يضاربونكم، فغمز جبرئيل من خلفه منكبه الأيسر، فالتفت فقال: أو عليّ، أو عليّ، فنزلت هذه الآية( قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَإِنَّا عَلى

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

أخرجه البخاري: ( وحتى يعرضه عليه، فيقول الذي يُعرض عليه: لا أرَب لي به )، إلى غير ذلك من الأخبار، وقد سمعناها.

الناحية الثالثة: إنَّ بعض الأخبار السابقة يذكر كثرة المال، ولا يُشير إلى المهدي (ع) بالتعيين، فكيف نستطيع أن نفهم المقصود به ذلك؟

ولهذا السؤال أُسلوبان في الجواب، أحدهما عام لكل الأخبار الواردة حول المهدي (ع) مع أنَّها لم تذكر اسمه، وقد طبَّقنا جانباً من هذا الأُسلوب في التاريخ السابق(١) ، وقلنا: إنَّ كل التنبُّؤات بحوادث المـُستقبل مربوطة بظهور المهدي (ع)، وتصلح أن تكون ( علامات ) له، ما لم يثبت بدليلٍ خاصٍّ تأخُّرها عن الظهور، وكونها من أشراط الساعة بشكل مباشر، وستأتي تفاصيل البرهان على ذلك في الكتاب الخاص بالسنّة والمهدي من هذه الموسوعة بتوفيقه تعالى.

وهناك من القرائن ما هو خاص بمورد كلامنا، تدلُّنا على أنَّ كثرة المال لا تكون إلاَّ في دولة المهدي العالمية العادلة، نذكر منها قرينتين:

القرينة الأُولى: أنَّه بعد أن ثبت بالضرورة والوجدان، عدم توفُّر المال بكثرة على الشكل الموصوف في الروايات، في أيِّ عصر من عصور البشرية إلى العصر الحاضر، إذاً؛ فهو سيتوفَّر في المستقبل، ولا يخلو عصر توفُّره من أحد احتمالات ثلاث:

الأول: توفُّر المال قبل الظهور، أي في الفترة المـُتخلِّلة بين العصر الحاضر والظهور.

الثاني: توفُّر المال في دولة المهدي (ع) نفسها.

الثالث: توفُّر المال بعد دولة المهدي (ع)، أي في الفترة المـُتخلِّلة بين نهاية الدولة، ونهاية البشرية.

وأمَّا الاحتمال الأول، فهو غير وارد على الإطلاق؛ لما عرفناه مُفصَّلاً من بقاء الظلم والفساد إلى لحظة الظهور، ومن غير المـُحتمَل لعصر الفتن والانحراف أن يؤثِّر تأثيراً إيجابياً في كثرة المال بهذا الشكل، وهذه الأنظمة العالمية المـُعاصرة أمامنا لم تُنتج هذه الكثرة وغير قابلة لأن تُنتِجها في المستقبل، وكذلك كل نظام لا يتكفَّل النظام العادل، بل يُمثِّل خطَّ الانحراف العام.

____________________

(١) تاريخ الغيبة الكبرى ص ٥٢٣ وما بعدها.

٥٦١

وأمَّا الاحتمال الثاني، فهو المطلوب؛ لأنَّه على تقدير صحَّته، يتعيَّن أن تكون كثرة المال في دولة المهدي نفسها.

وأمَّا الاحتمال الثالث، فهو - في واقعه - لا يتضمَّن مفهوماً مُغايراً للاحتمال الثاني:

فإنَّنا سنُبرهن في الكتاب الآتي من هذه الموسوعة - مُفصَّلاً - على أنَّ دولة المهدي ونظامه سيبقى مُستمرَّاً إلى نهاية البشرية، فكثرة المال لو لم يتحقَّق في حياة المهدي (ع) بل تحقَّق بعده، طبقاً لهذا الامتحان، فهو قد تحقَّق في نظام المهدي ودولته العادلة نفسه، مهما أبطأ في الوجود، ولكن إذا صحَّ أن يوجد المال بكثرة نتيجةً للنظام العادل، فأحر به أن يوجَد في حياة الإمام المهدي نفسه، بصفته القائد الأعظم والأجدر من قادة هذه الدولة على الإطلاق، والمؤسِّس للنظام التكاملي والتربوي البعيد المدى فيها.

ومعه؛ يتعيَّن الاحتمال الثاني، وهو أن تكون كثرة المال التي أعربت عنها أيُّ رواية من هذه الروايات وغيرها، لا تكون بدايتها إلاَّ في عصر وجود المهدي بشخصه في دولته العالمية، وإن استمرَّت هذه الكثرة بعده قروناً من الزمن.

القرينة الثانية: أن تجعل الروايات التي تربط كثرة المال بظهور المهدي (ع) قرينةً على أنَّ المراد من الروايات الساكتة على ذلك هو ذلك أيضاً، وهذا فَهْم عرفيٌّ ولغويٌّ صحيح، ناشئ من حمل المطلق على المقيد، أو فَهْم المطلق على ضوء المقيَّد.

والروايات التي تربط كثرة المال وحصول الرفاه الاجتماعي بظهور المهدي على قسمين:

أحدهما: روايات المصادر الخاصة كلها، ممَّا سمعناه وممَّا لم نسمعه.

ثانيهما: الأغلب من روايات المصادر العامة، فإنَّنا روينا في هذا الفصل منها اثني عشر نصَّاً:

منها: خمسة نصوص تُسمِّي المهدي على التعيين، وثلاثة منها تصف المهدي بصفة لا تنطبق إلاَّ عليه، كقوله: ( فيبعث الله عزَّ وجلَّ رجلاً من عترتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً )، وقوله: ( يكون في آخر الزمان خليفة يُقسِّم المال ولا يعدُّه )، ونحوها من الروايات التي لا يُراد منها إلاَّ المهدي (ع) بإجماع المسلمين.

ومنها: أربعة نصوص مُهملة من هذه الجهة، هي روايتان عن البخاري، وواحدة عن مسلم، وواحدة عن الترمذي، وهي التي تقول - طبقاً للقاعدة اللغوية العامة -: إنَّ تلك الروايات الأكثر عدداً والأوضح صراحة تكون قرينةً على أنَّ المراد منها هو عصر الظهور للمهدي نفسه ليس غير.

٥٦٢

وبوجود هاتين القرينتين يحصل المقصود:

هذا، ولكثرة المال سبب إيديولوجي نظري، هو ما يُسمَّى بالمذهب الاقتصادي في اللغة الحديثة، هذا ما نُحاول الدخول فيه الآن، فقد اقتصرنا هنا على الآثار والنتائج الاقتصادية الموسِّعة، الناتجة عن المذهب الاقتصادي المهدوي العادل، وأمَّا أنَّ هذا المذهب ما هو وكيف هو، فهذا ما سنفهم المقدار الممكن منه في الكتاب التالي من هذه الموسوعة مُفصَّلاً، إن شاء الله تعالى.

الجهة السابعة: في التأييد الإلهي لدولة المهدي (ع).

وينبغي أولاً أن نُقيم القرائن على صحَّة هذا التأييد عموماً، بالشكل الذي سنوضِّحه، ثمَّ نتحدَّث ثانياً عن مظاهر هذا التأييد في الدولة العالمية، ومن هنا نتكلَّم في ناحيتين:

الناحية الأُولى: في وجود التأييد الإلهي لجانب الحق والعدل عموماً، أينما وجِد، في مختلف الأزمنة والأمكنة.

ويمكن أن نلحظ ذلك في الأدلَّة الإسلامية، على مختلف المستويات:

المستوى الأول: وهو الذي يُعرب عنه مثل قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) (١) ، فإنَّه مادام الفرد والمجتمع مُعطياً نفسه لنصرة الله، ماشياً قدماً في سبيل الله، فالله تعالى يفيض عليه النصر وقوَّة الإرادة، ويُعطيه من النتائج ما لم يكن مُتوقّعاً.

ومثل قوله تعالى:( ... وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ) (٢) .

وإنَّ من أوضح مصاديق هؤلاء المؤمنين الموصوفين في الآية هم المهدي وأصحابه، وإن لم تكن الآية تُشير إليهم بالذات.

____________________

(١) ٤٧ / ٧.

(٢) ٢٢ / ٤٠ - ٤١.

٥٦٣

ومثل قوله تعالى:( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ) (١) .

إلى غير ذلك من الآيات الدالَّة على أنَّ هناك مرتبة من الإخلاص والإيمان، إذا وصلها الفرد في عمله في سبيل الله - أيَّاً كان شكل العمل وأسلوبه - أصبح مُستحقَّاً للتأييد الإلهي والعناية والرحمة من قِبل ربِّ العالمين.

وأثر التأييد الإلهي، هو زيادة النتائج على المـُقدِّمات، بمعنى أنَّ هذا العامل المـُعيَّن لو لم يكن مؤيَّداً لأنتج نتائج مُعيَّنة محدودة، بحسب قوانين المجتمع العامة، كأيِّ عمل آخر.

لكن حين يُصبح العمل مقروناً بالتأييد، فإنَّ نتائجه تكون أوسع ممَّا يتوقَّع عادة من مثل هذا العمل.

ومن أمثلته المحسوسة في العصر الحاضر، انتشار الدين الإسلامي في العالم، فإنَّه بالرغم من قلَّة دعاته المـُبشِّرين إليه، وقلَّة المـُدافعين عنه وضعفهم، نجده محفوظاً مُتنامياً، بارزاً بالعزَّة والفخر أمام الرأي العام العالمي، يعتنقه في كل عام مئات الأفراد الجُدد في إفريقيا خاصة، وفي العالم عامة.

المستوى الثاني: وهو المفهوم من مثل قوله تعالى:( بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ ) (٢) .

فمهما تزايد عنصر الصبر وعنصر التقوى في الأفراد العاملين، كان استحقاق عملهم للتأييد الإلهي أكثر فأكثر، وليست هذه الآية وأمثالها خاصة بالنبي (ص) وأصحابه، وإن نزلت لأول مرَّة فيهم؛ وبرهان عدم الاختصاص ينطلق من عدَّة وجوه، نذكر منها اثنين مُستفادَين من الآية نفسها:

الوجه الأول: إنَّ الآية أناطت الإمداد والتأييد بالصبر والتقوى، ولم تُنطه بكون

____________________

(١) ٤٧/ ١٧.

(٢) ٣/ ١٢٥ - ١٢٦.

٥٦٤

القائد نبيَّاً أو مُرسلاً من الله عزَّ وجلَّ، الأمر الذي يُعطينا أنَّ الصبر والتقوى يستتبعان التأييد أينما وجِد.

الوجه الثاني: إنَّ الهدف من تأييد الجيش النبوي مذكور في الآية، وهو قوله تعالى:( لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ ) ، فمهما وجِد هذا الهدف بإخلاص وجِد التأييد، وكيف إذا عرفنا أنَّ الهدف المهدوي ليس محدوداً، بل واسعاً بسعة الأرض كلها؟! فإنَّ التأييد يكون من هذه الناحية أوْلى بطبيعة الحال.

المستوى الثالث: تعاضد التكوين والتشريع في إنتاج العدل لنتائجه النهائية.

فإنَّ المـُستفاد من عدد النصوص من الكتاب الكريم والسنَّة الشريفة، أنَّ تطبيق العدل الإلهي أينما وجِد، والمجتمع المؤمن أينما تحقَّق، فإنَّ الطبيعة تكون مُساعدة له بمشيئة خالقها الحكيم، لإنتاج النتائج الحسنة والوصول إلى الرفاه الاجتماعي، وهذا أمر صحيح برهانياً، وسيأتي ما يُلقي عليه الضوء الكافي في الكتاب الآتي، من هذه الموسوعة.

كقوله تعالى - نقلاً عن النبي (ع) -:( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ... ) (١)

وقوله - نقلاً عن نوح النبي (ع) -:( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ) (٢) ، فإنَّ إرسال السماء مدراراً، وشقَّ الأنهار، وزيادة البنين ونحوها، أمورٌ تكوينية ليس للإنسان فيها يد، وخاصة في عصر نوح (ع)، ومع ذلك فقد قُرِنت مع الاستغفار والتوبة، ومع إصلاح النفس والإخلاص بشكل عام، وهذا صادق بالنسبة إلى المجتمع المحدود، فكيف إذا أصبح المجتمع كله صالحاً مؤمناً؟!

فهذه مستويات ثلاثة من التأييد الإلهي، لا حاجة الآن إلى الزيادة عليها.

الناحية الثانية: في تطبيق ذلك على الدولة المهدوية، وما عرفناه من أشكال التأييد

____________________

(١) ١١/ ٥٢.

(٢) ٧١/ ١٠ - ١٢.

٥٦٥

التي تُعتبر كنتائج لإحدى هذه المستويات.

ومن الواضح أنَّ الصفات المـُعتبرة لاستحقاق التأييد في المستويات الثلاثة، كلُّها موجودة في أصحاب الإمام المهدي (ع) خاصة، وفي الدولة العالمية العادلة ككل، فمن الطبيعي أن يكونوا مشمولين لكل هذه الأشكال الثلاثة.

وأمَّا من حيث النتائج التي تعرضها علينا الأخبار السابقة، فتتجلَّى في صور مختلفة:

الصورة الأُولى: سهولة استخراج المعادن بشكل خارج عن الحسبان، سواء فهمناها من زاوية إعجازية أم من زاوية طبيعية، وقد تحدَّثنا عن ذلك.

الصورة الثانية: اتِّساع الزراعة والأراضي المزروعة بشكل عظيم، لم يسبق له مثيل.

( لا تدخر الأرض من بذرها شيئاً إلاَّ أخرجته، ولا السماء من قطرها شيئاً إلاَّ صبَّته ).

الصورة الثالثة: ارتفاع الدخل الفردي بشكل لا مثيل له، إلى حدٍّ ينغلق الطمع بالمال الزائد تمام، كما صرَّحت به الروايات.

الصورة الرابعة: أنَّه (ع): ( تُطوى له الأرض ) , وهو تعبير عن سرعة الوصول إلى المكان البعيد، إمَّا بشكل إعجازي أو بشكل طبيعي، كما سنتحدَّث عنه غير بعيد.

الصورة الخامسة: شمول الأُخوّة لكل الناس وعموم الصفاء بينهم جميعاً، الأمر الذي لم يحدث في أيِّ نظام آخر، كما نصَّت عليه أخبار الفريقين.

الصورة السادسة: إنَّ الأمن والصفاء لا يشمل البشر فقط، بل يشمل الحيوانات أيضاً، البهائم والسباع ( واصطلحت السباع والبهائم ) فيما بينها، وهي لا تُضرُّ الإنسان أيضاً ( لا يُهيجها سبع ولا تخافه ).

وهذا الصلح منصوص عليه في كتب العهدين أيضاً، ومقرون هناك بوجود المجتمع الصالح العادل، كما سوف يأتي في جزء آتٍ من هذه الموسوعة، قد أعطى هناك معنى يشمل الأفاعي وسائر الحشرات أيضاً.

وهذا الصلح أحد المظاهر الواضحة للتأييد الإلهي للمجتمع المهدوي، حتى إنَّ الوحوش تُصبح مُلهَمة بقدرة الله عزَّ وجلَّ، على أن تتجنَّب كلَّما يضرب البشر من قتلهم أو قتل مواشيهم، أو إفساد مزروعاتهم وغير ذلك، بل لعلَّها تُشاركهم فيما يشعرون من سعادة ورفاه وأُخوَّة ( يرضى عنه ساكن السماء )، وهو الطير.

وهذا المطلب لا يمكن إثباته من ناحية العلم التجريبي الحديث، ولا يكون قابلاً

٥٦٦

للتصديق من قِبل أيِّ فرد ممَّن وثق بهذا العلم واطمئنَّ إليه، ولكن حسبُنا تجربة المستقبل، وحدوث يوم الظهور نفسه، فبيننا وبين المـُفكِّرين المـُحدِّثين وجود المجتمع العالمي العادل:

( ... فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ) (١) .

فإنَّ تجربة وجود هذا الصلح لا يمكن تحقُّقها بدون تحقُّق ذلك المجتمع، فإنَّه الشرط الأساسي له، ولا يُعقل أن يتحقَّق الشيء قبل توفُّر سببه، فإن حدث ذلك المجتمع، ولم يحدث الصلح بين السباع والبهائم كان كلام المـُنكرين صادقاً، ولكنَّهم لا يمكنهم إثبات ذلك في العصر الحاضر، بأيِّ حال من الأحوال.

فهذا هو مُهمُّ الكلام في هذا الفصل.

بقي علينا الدخول في الخاتمتين اللتين تتعرَّضان إلى أنواع أخرى من المـُنجزات، لا تمتُّ إلى الجانب المالي والاقتصادي بصِلَةٍ.

الخاتمة الأُولى : في المـُنجَزات القضائية والعبادية والفقهية ونحوها في دولة المهدي (ع):

ونتكلَّم عن ذلك في عدَّة جهات:

الجهة الأُولى: في سرد الأخبار الدالة على هذه المـُنجزات:

أخرج في البحار(٢) ، عن أبي عبيدة، عن أبي عبد الله (ع)، قال: ( إذا قام قائم آل محمد حكم بحُكم داود وسليمان، لا يسأل الناس بيِّنة )، وأخرجه، في الوسائل(٣) بلفظ مُقارب.

وأخرج النعماني(٤) ، عن أبان بن تغلب قال: كنت مع جعفر بن محمد (ع) في مسجد مكَّة وهو آخذ بيدي، فقال: ( يا أبان، سيأتي الله بثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً في مسجدكم هذا... - إلى أن قال: - ثمَّ يأمر مُنادٍ فيُنادي: هذا المهدي يقضي بقضاء داود

____________________

(١) ٧/٧١، وانظر: ١٠ - ٢٠.

(٢) ج١٣ ص ١٨٣.

(٣) ج٣ ص٤٣٥.

(٤) ص ١٦٩.

٥٦٧

وسليمان، لا يسأل عن ذلك بيِّنةً )، وأخرجه الصدوق في إكمال الدين أيضاً(١) .

وأخرج النعماني(٢) ، عن أبان أيضاً، عن أبي عبد الله (ع) في حديث، أنَّه قال: ( ويبعث الله الريح من كل وادٍ تقول: هذا المهدي يحكم بحكم داود، ولا يريد البيِّنة ).

وهناك أخبار أخرى حول هذا القضاء، رويناها في الفصل الخاص بالتمحيص، فراجع.

وأخرج في البحار(٣) عن الكافي، بإسناده عن أبي عبد الله (ع)، قال: ( أول ما يُظهر القائم من العدل أن يُنادي مُناديه أن يُسلِّم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر الأسود والطواف ).

وروى أيضاً عن الكافي، بإسناده عن عمرو بن جميع، قالت: سألت أبا جعفر (ع) عن الصلاة في المساجد المـُصوَّرة، فقال: ( أكره ذلك، ولكن لا يضرُّكم اليوم، ولو قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك ).

وقال في البحار: روى في كتاب مزار لبعض أصحابنا، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع) قال: قال لي: ( يا أبا محمد، كأنِّي أرى نزول القائم في مسجد السهلة، بأهله وعياله ).

قلت: يكون منزله، جُعلت فداك؟

قال: ( نعم... ).

قلت: جُعلت فداك، لا يزال القائم فيه أبداً؟

قال: ( نعم ).

قلت: فمَن بعده؟

قال: ( هكذا من بعده إلى انقضاء الخلق ).

قلت: فما يكون من أهل الذمَّة عنده؟

قال: ( يُسالمهم، كما سالمهم رسول الله (ص)، ويؤدُّون الجزية عن يد وهم صاغرون... ) الحديث.

____________________

(١) نسخة مخطوطة.

(٢) نفس الصفحة السابقة.

(٣) ص١٩٦ج١٣، وكذلك الخبرين بعده.

٥٦٨

وروي أيضاً(١) ، عن السيد علي بن عبد الحميد، بإسناده إلى أحمد بن محمد الأيادي، يرفعه إلى إسحاق بن عمار، قال: سألته عن إنظار الله تعالى إبليس وقتاً معلوماً ذكره في كتابه، فقال:( ... فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) (٢) .

قال: ( الوقت المعلوم يوم قيام القائم، فإذا بعثه الله كان في مسجد الكوفة، وجاء إبليس حتى يجثو على ركبتيه، فيقول يا ويلاه من هذا اليوم!

فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه، فذلك يوم الوقت المعلوم مُنتهى أجله ).

وقد سبق أن روينا هذا الخبر، وأجَّلنا الحديث فيه إلى هذا الفصل؛ ومن أجل هذا كرَّرناه.

وروي في البحار أيضاً(٣) ، عن بعض مؤلَّفات أصحابنا، بإسناده عن المفضَّل بن عمر، قال سألت سيدي الصادق (ع): هل للمأمور المنتظر المهدي (ع) من وقت معلوم يعلمه الناس؟ - وهو حديث طويل يقول فيه -:... قال المفضل: قلت: يا سيدي، فأين يكون دار المهدي ويجتمع المؤمنون؟

قال: ( دار مُلكه الكوفة، ومجلس حكمه جامعها، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة، وموضع خلواته، الذكوات البيض بين الغريَّين ).

قال المفضل: يا مولاي، كل المؤمنين يكونون في الكوفة، قال: ( إي والله، لا يبقى مؤمن إلاَّ كان بها أو حواليها، وليبلغنَّ مجالة فرس منها ألفي درهم... وليصيرن الكوفة أربعة وخمسين ميلاً، وليجاورنَّ قصورها كربلا، وليُصيِّرن الله كربلاء معقلاً ومقاماً، تختلف فيه الملائكة والمؤمنون، وليكوننَّ لها شأن من الشأن... ) الحديث.

وروى الحُرُّ في الوسائل(٤) ، بإسناده عن الحسين الشيباني، عن أبي عبد الله (ع) قال:

قلت له: رجل من مواليك يستحلُّ مال بني أُميَّة ودمائهم، وأنَّه وقع عنده وديعة.

فقال: ( أدُّوا الأمانة إلى أهلها وإن كان مجوساً؛ فإنَّ ذلك لا يكون حتى قام

____________________

(١) ص١٩٧، ج ١٣.

(٢) ٣٨ / ٨٠ - ٨١.

(٣) ج١٣ ص٢٠٠.

(٤) ص٦٨١.

٥٦٩

قائمنا فيحلُّ ويُحرِّم ).

وأخرج الصدوق في إكمال الدين(١) ، بسنده عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد الله (ع): ( دمَّان في الإسلام حلال من الله عزَّ وجلَّ، لا يقضي فيهما أحد بحُكم الله عزَّ وجلَّ، حتى يبعث الله القائم من أهل البيت، فيحكم بحُكم الله عزَّ وجلَّ فيهما، لا يريد فيه بيِّنة: الزاني المـُحصن يرجمه، ومانع الزكاة يضرب رقبته (عنقه) ).

إلى غير ذلك من الأخبار التي لا حاجة إلى الإطالة بذكرها.

أقول: إنَّ أكثر الأخبار، بصفتها أخباراً مُفردة، غير قابلة للإثبات التاريخي، وخاصة ما نقلناه عن البحار؛ فإنَّ فيه ما هو مجهول ومُرسَل ومرفوع. فالعمدة في تصحيحها مُطابقتها للقواعد والقرائن، ولكنَّنا سنتحدَّث الآن عنها كما لو كانت كافية للإثبات، لعدم قيام القرائن على بطلانها على أيِّ حال.

الجهة الثانية: في الحديث عن قضاء المهدي (ع)، وقد تحدَّثنا عن ذلك مُفصَّلاً، وإنَّما بقيت هناك نقطتان لم يكن المجال لإيضاحهما مُتوفِّراً، فنتحدَّث عنهما الآن.

النقطة الأُولى: في معنى قضاء سليمان (ع)، فإنَّنا لم نذكره من بين أساليب الأنبياء للقضاء فيما سبق، وقد ورد في هذه الروايات ذكره.

هو ما أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى:( وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا... ) (٢) .

وهذه الآية لم تذكر الحُكم الذي حكم فيه سليمان (ع) طبقاً لتفهيم الله عزَّ وجلَّ، ولكن ذكرته السنَّة الشريفة في عدَّة أخبار.

منها: ما روي(٣) عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له:

____________________

(١) انظر المصدر المحطوط.

(٢) ٢١/٧٧ - ٧٨.

(٣) تفسير البرهان ج ٢ ص ٦٩٣.

٥٧٠

( وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ... ) ، قلت: حين حكما في الحرث كانت قضية واحدة؟

فقال: ( إنَّه كان أوحى الله عزَّ وجلَّ إلى النبيين قبل داود - إلى أن بعث الله داود -: أيُّ غنم نفشت في الزرع، فلصاحب الحرث رقاب الغنم، فلا يكون النفش إلاَّ بالليل، فإنَّ على صاحب الزرع أن يحفظه بالنهار، وعلى صاحب الغنم في الليل، فحكم داود (ع) بما حكمت به الأنبياء (ع) من قبله.

وأوحى الله عزَّ وجلَّ إلى سليمان (ع): أيُّ غنم نفشت في زرع فليس لصاحب الزرع إلاَّ ما خرج من بطونها، وكذلك جرت السنَّة بعد سليمان، وهو قول الله عزَّ وجلَّ:( ... وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا... ) ، فحكم كل واحد منهما بحُكم الله عز وجلَّ ).

والمـُستفاد من هذا الخبر وغيره، أنَّ اعتداء الغنم على الحقل، إن كان بالنهار فلا ضمان على صاحب الغنم؛ لأنَّ صاحب الحقل هو الذي يجب عليه حفظ حقله في النهار، فإذا اعتدت غنم غيره عليه كان هو مُقصِّراً، ولا يضمن له صاحب الغنم شيئاً، وأمَّا اعتداء الغنم في الليل فهو مضمون على صاحب الغنم؛ لأنَّه يجب عليه حفظ غنمه من الاعتداء على الآخرين أثناء الليل، فإذا لم يمنعها كان مُقصِّراً وعليه الضمان، وكان الاعتداء في القضية التي عُرضت على داود وسليمان(ع)، اعتداءً ليليَّاً، فكان صاحب الغنم ضامناً لما أتلفه غنمه، ولكن ماذا يجب أن يدفع صاحب الغنم إلى صاحب الحقل؟ إنَّ في ذلك ثلاث احتمالات:

الاحتمال الأول: أنَّه تُقدَّر قيمة التالف من الزرع، ويأخذ صاحبه من النقود بقدر هذه القيمة.

وهذا صحيح، إلاَّ أنَّ النقود لم تكن موجودة في ذلك العهد، بل كانت المـُبادلة كلها بين الناس باعتبار العروض نفسه، فكان هذا الاحتمال ممَّا لا يمكن العمل به يومئذ.

الاحتمال الثاني: أنَّه تُقدَّر قيمة التالف في الحقل، ويأخذ صاحبه بقدر قيمته من العروض، ممَّا يملكه صاحب الغنم.

وأقرب شيء يأخذه صاحب الحقل هو ما أنتجته الغنم المـُعتدية نفسها من حليب وولد وغيره، وهذا هو الذي حكم به النبي سليمان، طبقاً لتفهيم الله عزَّ وجلَّ... كما يقول الخبر.

الاحتمال الثالث: إنَّ صاحب الغنم يدفع إلى صاحب الحقل الغنمَ المـُعتدِّية

٥٧١

نفسها، أمَّا - كلها - كما هو ظاهر الخبر - وأمَّا بعضها بمقدار قيمة التالف، وهذا هو الذي حكم به داود (ع)، طبقاً لأحكام الأنبياء السابقين، كما يقول الخبر.

وكان الحكم العادل، المـُطابق مع المستوى التربوي للبشرية يومئذ، هو ما قاله النبي سليمان (ع).

الجهة الثانية: في المـُبرِّرات الكافية لاتِّخاذ المهدي (ع) أساليب قضاء سليمان وداود (ع).

والمـُستفاد من مجموع الأخبار، أنَّ اتخاذ المهدي (ع) لقضاء سليمان أمر مؤقَّت، شأنه في ذلك شأن قضاء آدم ونوح وإبراهيم، التي سمعنا أنَّ المهدي (ع) يسير على طبق كل واحد منها مرَّة أو أكثر؛ من أجل تمحيص الأُمَّة، ولكنَّ اتخاذ المهدي لقضاء داود أمر مُستمرٌّ ومُعتاد بالنسبة إليه، فهل هذا صحيح؟ وكيف يكون ذلك؟ هذا ما سنعرفه بعد قليل.

وليس المراد بقضاء داود (ع) حكمه في قضية الحقل التي حكم بها ولَده سليمان (ع)، بل أُسلوبه العام في أنَّه يقضي بدون أن يطلب من المـُدَّعي بيِّنةً على مُدَّعاه.

وينبغي أن يقع الحديث في نقطتين:

النقطة الأُولى: في المـُبرِّرات الكافية لاتِّخاذ المهدي (ع) قضاء سليمان (ع).

يمكن أن نذكر لذلك مُبرِّرين:

المـُبرِّر الأول: إنَّ قضاء سليمان (ع) مطابق للقواعد الإسلامية نفسها، فإنَّه بعد أن يثبت اعتداء الغنم على حقل الغير، يكون صاحب الغنم ضامناً لصاحب الحقل قيمة ما اتلفته الغنم من الزرع، وهذا صحيح واضح في القواعد الإسلامية، وهو ممَّا أخذه سليمان وداود (ع) مُسلَّماً أيضاً، وإنَّما اختلفت الأحكام فيما يُمثِّل هذا الضمان الذي يدفعه صاحب الغنم كما قلنا في الاحتمالات الثلاث السابقة.

فبينما يبدو للفرد المعاصر لعصر النقود والعُملات الورقية، أنَّ الضمان يجب أن يكون مُتمثِّلاً بها، لم يكن هذا واضحاً ولا مفهوماً للمجتمع المعاصر لسليمان وداود (ع)؛ لانعدام العُملة عندهم.

ومن الصحيح إسلامياً، أنَّ الضمان في العصر الحاضر إنَّما يكون بالنقود والعُملة بوجه عام، ولكنَّ الصحيح إلى جانب ذلك أنَّه يمكن دفع العين أو العروض بدلها

٥٧٢

أحياناً، كما لو اتَّفق الدائن والمدين على ذلك، وكما لو أمر بذلك الحاكم الإسلامي الأعلى نفسه.

إذاً؛ فالفرق بين حكم سليمان وحكم الإسلام فيما يُمثِّل الضمان، فإذا حكم المهدي (ع) بحكم سليمان (ع)، فقد أمر ضمناً - بصفته حاكماً إسلامياً أعلى - بتحويل الضمان من النقد إلى العروض، فيكون هذا جائزاً ومُلزماً للمدين.

وأمَّا التفريق بين الاعتداء في الليل والاعتداء في النهار، فلا يكون في هذه المسألة منشأ للفرق بين حُكم سليمان وحُكم الإسلام فيها؛ لأنَّه كان اعتداء ليلياً مضموناً في حُكمه، وهو مضمون في الإسلام أيضاً.

نعم، لو كان الاعتداء في النهار، لكان منشأ للفرق الحقيقي، إلاَّ أنَّ المهدي (ع) سيحكم بالضمان كما حكم سليمان بالضمان.

المـُبرِّر الثاني: إنَّنا لو تنزَّلنا - جدلاً - عن المـُبرِّر الأول، وفرضنا أنَّ حكم سليمان (ع) غير صحيح إسلامياً، فعندئذ يكفي في صحَّته بالنسبة إلى الإمام المهدي (ع) ما كفى بالنسبة إلى اتِّخاذه أساليب قضاء الأنبياء الآخرين، كآدم ونوح، وقد أعطينا لذلك المـُبرِّرات الكافية في الفصل السابق فراجع.

هذا، والمهدي (ع) أولى بالناس من أنفسهم وأموالهم، وله أن يعمل ما هو الأصلح على كل حال، شأنه في ذلك شأن نبي الإسلام (ص) نفسه، كما هو ثابت بضرورة الدين.

النقطة الثانية: في المـُبرِّرات الكافية لاتِّخاذ المهدي (ع) قضاء داود (ع).

يمكن أن نُقدِّم لذلك ثلاثة مُبرِّرات بحسب فَهْمنا المعاصر:

المـُبرِّر الأول: التمحيص والامتحان، الذي هو المـُبرِّر العام لاتِّخاذ المهدي أيَّاً من أساليب قضاء الأنبياء السابقين، على ما عرفنا... إلى جانب مصالح أخرى عامة عرفناها.

وهذا المـُبرِّر يكتسب إثباته التاريخي، بشكل رئيسي، ومن الظنِّ بأنَّ الإمام المهدي (ع) حين يحكم في قضية بحكم النبي داود (ع) سوف لن يُصرِّح بأنَّ هذا من ذاك، ولن يُوضِّح أنَّه حكم بعلمه مطابقاً للواقع، وإن خالف القواعد القضائية العامة؛ ومن هنا يكون مُثاراً للاحتجاج، وهو محكُّ التمحيص.

غير أنَّ هذا صحيح في العدد القليل من القضايا التي يتَّخذ فيها المهدي (ع) هذا الأسلوب القضائي؛ إذ تكون صفته صفة اتخاذه لأساليب القضاء الأخرى، مرَّة مرَّة، وهي التمحيص، غير أنَّ المـُستفاد من الروايات استمرار ديدن المهدي (ع) على ذلك في

٥٧٣

كثير من القضايا. ومعه؛ يكون اتخاذ هذا الأسلوب لأول مرَّة مَحكَّاً للتمحيص، وحين يتكرَّر الأمر ويتَّضح السرُّ فيه، سيتّخذ الموقف مُبرِّراً آخر أعمق من هذا المبرر.

المـُبرِّر الثاني: تعويد المجتمع على الوصول إلى الواقع في المرافعات القضائية، فحين يعلم الإمام المهدي (ع) أنَّ القواعد القضائية ستوصِل القضية إلى الواقع لا يكون لديه مانع من استعمالها، وحين يعلم مُخالفتها للواقع فإنَّه سيُهملها ويتَّجه في حُكمه نحو الواقع مباشرة، وقد قلنا في الفصل السابق: إنَّ الحاكم العادل مُخيَّر بين الأُسلوبين باستمرار.

ومن هنا؛ كان هذا الأسلوب مُعتاداً له، لا بمعنى أنَّه يتَّخذه في كل القضايا على الإطلاق، بل بمعنى أنَّه يُكثر من اتخاذه، وذلك في موارد مخالفة القواعد العامة للواقع؛ ومن هنا يمكن القول: بأنَّ المهدي (ع) يجمع ما بين قضاء داود (ع) وقضاء محمد (ص)، وحيث نعرف أنَّ قضاء محمد (ص) - أعني بالقضاء بالبيِّنة واليمين - غالبي المـُطابقة للواقع، وقليل المخالفة له، نعرف أنَّ المهدي (ع) سيتَّخذ قضاء محمد (ص) في الأغلب، وقضاء داود في الأقل، ولكنَّه (ع) سيصل إلى الواقع على كل تقدير.

ولا حاجة إلى التوسُّع في هذا المـُبرِّر أكثر من ذلك.

المـُبرِّر الثالث: تعويد المجتمع على الوصول إلى الواقع، في كل مصالح العامة، وليس في القضاء فقط؛ فانَّ القضاء بالرغم من أهمِّيَّته ليس هو أهمَّ مرافق الدولة وأعمق مستوياتها، فإذا كان الجانب الأضعف مُحتاجاً إلى الوصول إلى الواقع، فكيف بالجانب أو الجوانب المـُهمَّة والعُلْيا في الدولة والمجتمع؟!

والمنطلق الأساسي لهذا المـُبرِّر، وهو أنَّ الحكم العادل المطلق، الذي يحصل فيه الانسجام المطلق بين البشر أجمعين، لا يمكن أن يتحقَّق إلاَّ بعد التشخيص الحقيقي لكل الوقائع والحوادث، والرؤية الواضحة لكل الظواهر والتحرُّكات، وأيِّ ضعف في التشخيص أو جهل في الرؤية، يؤدِّي إلى تضعضع العدالة في الحكم الوارد في الواقعة، وإذا كثر هذا الضعف كثر هذا التضعضع، ومن ثمَّ قد يودِّي بعدالة النظام كله.

ولا نريد بالتشخيص الحقيقي والرؤية الواضحة، إلاَّ ملاحظة كل واقعة وحادثة على واقعها من دون لبس وغموض. إذاً، فتطبيق العدل الكامل المطلق، مُتوقِّف على الوصول إلى الواقع دائماً - أعني في المصالح العامة – وقد يصل بعد التربية البشرية المـُستمرَّة حتى إلى الوقائع الشخصية الخاصة.

وهذا هو أحد الفروق بين داود (ع) والمهدي (ع)، حيث وقع هذا القضاء من داود

٥٧٤

(ع) مرجوحاً - كما عرفنا - مُستحقَّاً للاستغفار والإنابة، بينما سوف يكون راجحاً من المهدي (ع) ومُطابقاً للمصالح العامة في دولته؛ لأنَّ المجتمع في عصر داود لم يكن في مستوى الوصول إلى الواقع، بل كانت القواعد القضائية العامة تربوية بالنسبة إليه إلى الحدِّ الكافي... على حين سيُصبح المجتمع في عصر الإمام المهدي (ع) مُحتاجاً إلى الوصول إلى الواقع في كل المصالح العامة.

ولا حاجة إلى التوسُّع في هذا المبرِّر الثالث أكثر من هذا أيضاً.

الجهة الثالثة: في مقتل إبليس.

وهو ما دلَّ عليه بعض الروايات، منها ما نقلناه فيما سبق.

ولفَهم مقتل إبليس أُطروحتان، كلٌّ منهما يُحتمل أن يكون مقصود الرواية:

الأُطروحة الأُولى: الأُطروحة الصريحة (غير الرمزية) لهذا الحادث الطريف.

وتبدأ هذه الأُطروحة من زاوية ظهور القرآن الكريم بأنَّ إبليس مخلوق مُعيَّن، ذو شخصيَّة مُحدَّدة، وهو الذي أصبح - منذ عصيانه الأمر الإلهي بالسجود لآدم (ع) - مصدر الشرِّ والخطايا لآدم وذُرِّيته، وقد دعا إبليس ربَّه في ذلك الحين أن يرزقه العمر الطويل ليقوم بمُهمَّته خير قيام... وقد أجابه إلى ذلك؛ ومن هنا كان أيُّ كفر أو انحراف أو عصيان في البشرية منسوباً إلى إبليس أو الشيطان.

غير أنَّ إبليس دعا ربَّه أن يهبه العمر إلى نهاية البشرية( ... إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ، فاستجاب له قسماً من هذا الدعاء ورفض الآخر، بأن أعطاه قسماً من العمر المطلوب...

( قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) (١) .

وهو يوم الظهور وتأسيس الدولة العالمية، حيث يقوم الإمام المهدي بقتله، وتبقى البشرية بدون شيطان، فتكون تربيتها أسهل وتكاملها أسرع، وربَّما تكون هذه السرعة أضعاف ما هي عليه في حياة إبليس.

فبينما كان إبليس، أعني طاعته والانحراف باتجاهه، محكَّاً للتمحيص منذ أول البشرية إلى عهد الظهور؛ لما عرفناه من وجود اختلافات أساسية في الأسلوب والنتائج، بين

____________________

(١) ٣٨/ ٨٠ - ٨١.

٥٧٥

التخطيط السابق والتخطيط اللاحق على الظهور.

وهذه الأُطروحة وكذلك الثانية، تصدق بغضِّ النظر عن بعض المناقشات الجانبية في مضمون الخبر، الذي سمعناه بهذا الخصوص، والذي يطول بنا المقام في سردها.

غير أنَّ أهمَّ مناقشة تواجهها هذه الأُطروحة، بعد التسليم بأنَّ ذاك الخبر وحده غير كافٍ في الإثبات التاريخي... هي جهلنا بمقصود القرآن الكريم من ( الوقت المعلوم )، فإنَّ القرآن ظاهر فعلاً بأنَّ الوقت المعلوم أقصر مدَّة وأقرب زماناً من ( يوم يبعثون )، إلاَّ أنه لم يُحدِّد هذا الوقت المعلوم... فلعلَّ المراد به يوم موت إبليس نفسه، فكأنَّه قال: إنَّك من المـُنظرَين إلى حين موتك. ولعلَّ المراد به يوم ظهور المهدي، كما هو مُبيَّن في هذا الخبر، ولعلَّ المراد به يوم وجود المجتمع المعصوم، كما سنسمع في الأُطروحة التالية، كما لعلَّ المراد الإشارة إلى وجود حادث كوني مُعيَّن يودِّي بحياة الشيطان، أو يجعل حياة الشياطين مُتعذِّرة.

وحيث لا مُعيِّن لأحد هذه الاحتمالات من ظاهر القرآن الكريم، وهذا الخبر وحده غير كافٍ للإثبات؛ إذن فلا يمكن التأكُّد من صحَّة الأُطروحة الأُولى.

الأُطروحة الثانية: الأُطروحة الزمنية، وهي أن نفهم من مقتل إبليس مقتله في نفوس البشر، بحيث إنَّه مهما كان في ذاته – لا يبقى له أيُّ اثر أو وجود عملي على سلوك البشر إطلاقاً، وذلك حين تجتثُّ الدولة الإسلامية العالمية العادلة عناصر السوء والفساد من الأرض، وتُبدِّلها إلى جوِّ الخير والصلاح، في نفوس وعقول الأفراد أجمعين، فحينئذ لا يبقى لوجود إبليس أيَّة قيمة من الناحية العملية، وأمَّا بقاؤه حيَّاً في عالمه أو موته هناك، فهذا غير مُهمٍّ بالنسبة إلينا، وحيث كان وجود الخير والصلاح في البشرية كلها ناتجاً من جهود الإمام المهدي (ع) وتعاليمه وقوانينه، كان نسبة مقتل إبليس إليه أمراً صحيحاً، وإنَّما كان مقتله في مسجد الكوفة - على ما نطق به الخبر - لأنَّ هذا المسجد بصفته أحد المراكز المـُهمَّة في العاصمة العالمية الكوفة، سيكون هو منطلق تعاليم المهدي (ع) ونشر هدايته على العالم، ومن الواضح عندئذ كيف يتأسَّف الشيطان لذلك ويجزع - كما سمعنا من الخبر - ويكون مقتولاً في النفوس بسيف المهدي (ع) وسلاحه المعنوي.

إنَّ هذه الأُطروحة تنطلق من آيات القرآن الكريم أيضاً، فإنَّ مجموعة منها صريحة في

٥٧٦

أنَّ إبليس ليس مُتسلِّطاً على كل البشر، ولا نافذ الأمر فيهم جميعاً، بل هناك جماعة مؤمنة خارجة عن نطاقه، وإنَّ الإنسان إذا وصل في إيمانه درجة مُعيَّنة، فإنَّه يكون في منجاة كاملة من أضاليل إبليس وشبهاته.

قال الله تعالى:( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (١) .

وقال تعالى:( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (٢) .

وهذا النص مُلحق بقوله:( قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) (٣) .

وقال عزَّ وجلَّ:( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ) (٤) .

وقال عزَّ وجلَّ:( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) (٥) .

إلى غير ذلك من الآيات، وهي واضحة في أنَّ مستوى مُعيَّن من الإيمان يكون دافعاً لسلطان إبليس وإغوائه، باعتراف إبليس نفسه، كما دلَّت عليه الآيتان الأوَّليان، ويقول الله عزَّ وجلّ في الآيتين الأخيرتين.

وهذا المستوى من الإيمان يوجِده المهدي (ع) في البشرية خلال حياته، ومن ثَمَّ

____________________

(١) ١٥ / ٣٩ - ٤٠.

(٢) ٣٨ / ٨٢ - ٨٣.

(٣) ١٥ / ٤٢.

(٤) ١٥ / ٤٢.

(٥) ١٦/٩٩ -١٠٠.

٥٧٧

يكون هو القاتل لإبليس مُباشرة بسيفه المعنوي، ولا أقلَّ من أنَّه يضع المنهج العام لتربية البشرية على الخطِّ الطويل، لكي تصل إلى عصر ( المجتمع المعصوم )، وعندئذ يكون مقتل إبليس في نفوس البشر أكيداً وواضحاً؛ لوجود التنافي الأساسي والأكيد بين العصمة والمعصية.

وسيكون هذا المجتمع آخر نهاية محتملة له، نعلم من خلاله بموت إبليس أو انفصاله عن البشرية نهائياً؛ لأنَّه إمَّا أن يموت يومئذ، أو يموت في حياة المهدي (ع)، فيكون عند حصول المجتمع معصوماً ميِّت، أو يموت – كما قلنا – بحادث كوني يجعل حياته مُتعذِّرة، وليس ذلك إلاَّ صفة العصمة، التي يتحلَّى بها المجتمع يومئذ، فإنَّها تقتله أو تجعله مُنفصلاً عن البشرية بشكل نهائي، طبقاً للأطروحة الثانية.

بقيت آية واحدة قد يخطر على البال منافاتها لما قلناه، وهي قوله تعالى:( قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً ) (١) .

فقد يبدو أنَّها دالة على بقاء الشيطان إلى يوم القيامة، كما أنَّها دالة على أنَّ اتِّباع الشيطان هم أغلب البشرية على طول الخطِّ، وإلى نهايتها، وهذا ينافي مع وجود المجتمع المعصوم الباقي إلى نهاية البشرية.

والصحيح أنَّها لا تدلُّ على كلا الأمرين، وإنَّما تدلُّ على أمور أخرى نذكر منها:

الأمر الأول: توقُّع الشيطان البقاء إلى يوم القيامة، وهو توقُّع لم يكن يلقَ قبولاً من قِبل الله عزَّ وجلَّ، كما عرفنا في قوله تعالى:( إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) .

الأمر الثاني: إنَّ الشيطان لو بقي إلى نهاية البشرية، فإنَّ أتباعه سيكونون هم الأغلب من البشر، وهذا صحيح، إلاَّ أنَّ بقاءه سوف لن يحدث، وهذه الآية غير دالة عليه؛ لأنَّه يقول:لئن أخرتني إلى يوم القيامة، لا أنَّك ستؤخرني فعلاً.

الأمر الثالث: إنَّ الشيطان ما دام موجوداً، فإنَّ أغلب البشر من أتباعه، وهذا صحيح، وسيبقى موجوداً إلى( إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) ، وعندئذ تنتهي حياته، فيسود الصلاح والعدل الكامل ربوع البشرية.

وهذا يصلح بُرهاناً على نقطتين، نضمُّهما إلى استنتاجاتنا السابقة:

____________________

(١) ١٧ / ٦٢.

٥٧٨

النقطة الأُولى: إنَّ الشيطان ما دام موجوداً في الواقع، فإنَّه مُتسلِّط على البشرية، ولا يعقل انفكاكه عن ذلك إلاَّ بموته، وهذا يُبرهن على عدم صحَّة الأُطروحة الرمزية، بل إنَّما يمكن الخلاص منه بقتله الحقيقي فقط.

النقطة الثانية: إنَّ تطبيق العدل الكامل متوقِّف على قتل الشيطان؛ لأنَّه يتوقَّف على شيوع الإيمان بين البشر، وهذا لا يكون في حياة إبليس، إذاً؛ فلا بدَّ من قتله من أجل ذلك، فيكون قتله خطوة أُولى لصلاح البشرية وتطبيق العدل الكامل فيها؛ ومن هنا يمكننا أن نفهم من الوقت المعلوم الذي هو نهاية عمر إبليس يوم قتل المهدي (ع) إيَّاه، فإنَّه لا بدَّ له أن يقتله من أجل فسح المجال لتطبيق الأطروحة العادلة الكاملة، وإنجاح تخطيط التكامل في عصر ما بعد الظهور.

ولا ينبغي أن نتحدَّث عن إبليس أكثر من ذلك.

الجهة الرابعة: الحجُّ في عصر المهدي (ع).

إنَّه بعد العلم أنَّه (ع) سوف يُعيده إلى أحكامه الواقعية، التي كان عليها في عصر نبي الإسلام (ص)، كما يفعل في كل مناحي الحياة، وقد يُضيف إليه أحكاماً أخرى، في جملة ما يُضيف من أحكام... بعد هذا لا يبقى ما يمكن ذكره غير نقطتين.

النقطة الأُولى: أنَّه (ع) - كما سمعنا في ما سبق - سيقوم بتقليص حجم المسجد الحرام، وإرجاعه إلى أُسسه التي كان عليها في صدر الإسلام، وهي الأُسس التي بناها إبراهيم النبي (ع)، وبذلك لا تبقى ربع المسافة التي عليها، المسجد في عصرنا الحاضر، وخاصة بعد التوسُّعات الضخمة التي أُدخلت عليه أخيراً.

النقطة الثانية: إنَّ ضيق المسجد لا يعني قلَّة الحُجَّاج، بل إنَّ الحُجَّاج سيتكاثرون بشكل هائل من كل العالم البشري، حين يعم الإيمان وجه الكرة الأرضية، وسيكون حجُّهم مُخلصاً، إطاعة للوجوب أو الاستحباب الشرعيين، لا للتجارة ولا للنزهة، كما كان عليه الناس قبل الظهور.

ومن هنا؛ توجد مشكلة مُهمَّة، هي ضيق المسجد بالطائفين ضيقاً شديداً، وسيواجه المهدي (ع) هذه المشكلة بعدَّة أحكام تقوم بتذليلها... أشارت الأخبار إلى اثنين منها:

الأول: جواز الطواف خلف مقام إبراهيم، الأمر الذي كان مُختلفاً فيه بين علماء المسلمين قبل الظهور، فإنَّنا سمعنا في خبر سابق أنَّه يُعيد مقام إبراهيم إلى موضعه الطبيعي مُلتصقاً بالبيت، أعني الكعبة المـُشرّفة، وقد دلّت القرائن على صحَّة هذا الخبر - على ما

٥٧٩

قلنا - ومعه يتعيَّن أن يكون الطواف خلف المقام، ولا تحديد له بعد ذلك إلاَّ جدار المسجد نفسه.

الثاني: منع الطواف المستحب مع وجود كثرة الطائفين طوافاً واجباً، وهذا ما دلَّ عليه الخبر الذي رويناه في الجهة الأُولى من هذه الخاتمة ( أن يُسلِّم صاحب النافلة )، يعني الطواف المـُستحبّ ( لصاحب الفريضة )، يعني الطواف الواجب ( الحجر الأسود )، يعني استلام الحجر، وهو عمل مُستحب ( والطواف ) فتُعطى القُدْمة لصاحب الفريضة، وبذلك يقلُّ عدد الطائفين بالبيت إلى حدٍّ كبير.

الجهة الخامسة: ذكرت الأخبار بعض الإنجازات الأخرى للمهدي في دولته، نذكر أهمَّها باختصار:

الأمر الأول: أنَّه يمنع المساجد المصوَّرة، أو بتعبير آخر: أنَّه يمنع تصوير المساجد وزخرفتها، كما يمنع - كما سمعنا أيضاً - ارتفاع بنيانها، ويهدم منها ما كان مرتفعاً، ويهدم كل مسجد أُسِّس على غير تقوى.

الأمر الثاني: أنَّه يرجم الزاني المـُحصن ويقتل مانع الزكاة، وهذه أحكام إسلامية نافذة المفعول منذ صدور الإسلام، إلاَّ أنَّها لن تكون مُطبَّقة قبل عصر الظهور، فهو أوَّل مَن يقوم بهما بعد عصر رسول الله (ص).

وهذه المعاصي قد تحدث في أول عصر الدولة العالمية، قبل رسوخ الإيمان في نفوس البشر أجمعين.

الأمر الثالث: أنَّه يجب في العصر الحاضر أداء الأمانة إلى البرِّ والفاجر، من مختلف المذاهب والأديان، ويجب ألاَّ يحدو بالفرد إذا رأى من الآخر انحرافاً أو كفراً أن يأكل عليه أمانته.

وأمَّا إذا ظهر الإمام واستتبَّت دولته، فإنَّه قد يتصرَّف في هذا الحكم المطلق ( فيُحلُّ ويُحرِّم) كما نطق الخبر، فيمنع عن أداء الأمانة لغير المؤمن، فإنَّه بينما كان أداء الأمانة دالاَّ ًعلى عدالة الأمين واستقامته قبل الظهور، فإنَّ عدم أدائها بعد الظهور سيكون من أهمِّ الخطوات لمـُحاربة الكفر والانحراف واجتثاثه، وليس على الأمين من ضير بعد أن أمره التشريع المهدوي بحبس الأمانة.

الأمر الرابع: أنَّ الأخبار العديدة تصف اتِّساع الكوفة وعمرانها بشكل مُنقطع النظير، وسيُصبح المتر من أراضيها غالي الثمن ومهماً جدَّاً، ولا غرو بعد أن تُصبح هي

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679