موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)8%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

الجزء ١ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212427 / تحميل: 11106
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

[ المقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى]

الأسماء الحسنى

وسنوردها هنا بثلاث عبارات :

الاُولى : ما ذكرها الشيخ جمال الدين أحمد بن فهد(1) رحمه‌الله في عدّته ، أنّ الرضاعليه‌السلام روى عن أبيه عن آبائه عن علي(2) عليه‌السلام : أنّ لله تسعة وتسعين اسماً من دعا بها استجيب له ومن أحصاها(3) دخل الجنّة ، وهي هذه :

الله ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، الأول ، الآخر ، السميع ، البصير ، القدير ، القاهر ، العليّ ، الأعلى ، الباقي ، البديع ، الباري ، الأكرم ، الظاهر ، الباطن ، الحيّ ، الحكيم ، العليم ، الحليم ، الحفيظ ، الحقّ ، الحسيب ، الحميد ، الحفيّ ، الربّ ، الرحمن ، الرحيم ، الذاري ، الرازق ، الرقيب ، الرؤوف ، الرائي ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، السيّد ، السبّوح ، الشهيد ، الصادق ، الصانع ، الطاهر ،

__________________

(1) أبو العباس أحمد بن فهد الحلي ، يروي عن الشيخ أبي الحسن علي بن الخازن تلميذ الشهيد وغيره ، له عدة مصنفات ، منها : عدّة الداعي ونجاح الساعي ، في آداب الدعاء ، مشهور نافع مفيد في تهذيب النفس ، مرتّب على مقدّمة في تعريف الدعاء وستّة أبواب ، توفي سنة ( 841 ه‍ ).

الكنى والألقاب 1: 368 ، أعيان الشيعة 3: 147 ، الذريعة 15 : 228 ، معجم رجال الحديث 2 : 189.

(2) في العدة : « عن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام عن آبائه عن عليعليهم‌السلام ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ لله عزّ وجلّ تسعة وتسعين اسماً من دعا الله بها استجاب له ومن أحصاها دخل الجنة ».

(3) في هامش (ر) : « قال الصدوقرحمه‌الله : معنى إحصائها هو الإحاطة بها والوقوف على معانيها ، وليس معنى الإحصاء عدّها ، قاله الشيخ جمال الدين في عدته.

ووجدتُ بخط الشيخ الزاهدرحمه‌الله : أن هذه الأسماء حجاب من كل سوء ، وهي للطاعة والمحبة وعقد الألسن ولإبطال السحر ولجلب الرزق نافع إن شاء الله تعالى. منهرحمه‌الله ».

اُنظر : التوحيد : 195 ، عدّة الداعي : 298.

٢١

العدل ، العفوّ ، الغفور ، الغنيّ ، الغياث ، الفاطر ، الفرد ، الفتّاح ، الفالق ، القديم ، الملك ، القدّوس ، القويّ ، القريب ، القيّوم ، القابض ، الباسط ، القاضي(4) ، المجيد ، الولي ، المنّان ، المحيط ، المبين ، المقيت ، المصوّر ، الكريم ، الكبير ، الكافي ، كاشف الضرّ ، الوتر ، النور ، والوّهاب ، الناصر ، الواسع ، الودود ، الهادي ، الوفيّ ، الوكيل ، الوارث ، البرّ ، الباعث ، التوّاب ، الجليل ، الجواد ، الخبير ، الخالق ، خير الناصرين ، الديّان ، الشكور ، العظيم ، اللطيف ، الشافي(5) .

الثانية : ما ذكرها الشهيد(6) رحمه‌الله في قواعده ، وهي : الله ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدّوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، الباري ، الخالق ، المصوّر ، الغفّار ، الوّهاب ، الرزّاق ، الخافض ، الرافع ، المعزّ ، المذلّ ، السميع ، البصير ، الحليم ، العظيم ، العليّ ، الكبير ، الحفيظ ، الجليل ، الرقيب ، المجيب ، الحكيم ، المجيد ، الباعث ، الحميد ، المبدي ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحيّ ، القيّوم ، الماجد ، التوّاب ، المنتقم ، الشديد العقاب ، العفّو ، الرؤوف ، الوالي ، الغني ، المغني ، الفتّاح ، القابض ، الباسط ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الغفور ، الشكور ، المقيت ، الحسيب ، الواسع ، الودود ، الشهيد ، الحقّ ، الوكيل ، القويّ ، المتين ، الوليّ ، المحصي ، الواجد ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدّم ، المؤخّر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، البرّ ، ذو الجلال والإكرام ، المُقِسط ، الجامع ، المانع ، الضارّ ، النافع ، النور ، البديع ، الوارث ، الرشيد ، الصبور ، الهادي ، الباقي(7) .

__________________

(4) في هامش (ر) : « قاضي الحاجات / خ ل ».

(5) عدّة الداعي : 298 ـ 299.

(6) أبو عبدالله محمد بن مكي العاملي الجزيني ، الشهيد الأول ، روى عن الشيخ فخر الدين محمد بن العلاّمة وغيره ، يروي عنه جماعة كثيرة منهم أولاده وبنته وزوجته ، له عدّة مصنّفات ، منها : القواعد والفوائد ، كتاب مختصر مشتمل على ضوابط كلية اُصولية وفرعية يستنبط منها الأحكام الشرعية ، استشهد مظلوماً سنة ( 786 ه‍ ).

رياض العلماء 5 : 185 ، الكنى والألقاب 2 : 342 ، تنقيح المقال 3 : 191 ، الذريعة 17 : 193.

(7) القواعد والفوائد 2: 166 ـ 174.

٢٢

قالرحمه‌الله : ورد في الكتاب العزيز من(8) الأسماء الحسنى : الربّ ، والمولى ، والنصير ، والمحيط ، والفاطر ، والعلاّم ، والكافي ، وذو الطّول ، وذو المعارج(9) .

الثالثة : ما ذكرها فخر الدين محمد بن محاسن(10) رحمه‌الله في جواهره ، وهي :

الله ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدّوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، الخالق ، الباري ، المصوّر ، الغفّار ، القهّار ، الوهّاب ، الرزّاق ، الفتّاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعزّ ، المذلّ ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العليّ ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الماجد ، الباعث ، الشهيد ، الحقّ ، الوكيل ، القويّ ، المتين ، الوليّ ، الحميد ، المحصي ، المبدي ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحيّ ، القيوم ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدّم ، المؤخّر ، الأوّل ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالي ، المتعالي ، البرّ ، التوّاب ، المنتقم ، العفوّ ، الرؤوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المُقسِط ، الجامع ، الغنيّ ، المُغني ، المانع ، الضارّ ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور. فهذه تسعة وتسعون اسماً رواها محمد بن إسحاق(11) في المأثور.

__________________

(8) في ( القواعد ) و (ر) و (م) : « في » وما أثبتناه من (ب) وهو الأنسب.

(9) القواعد والفوائد 2 : 174 ـ 175.

(10) لم أجد من تعرّض لترجمته ، حتّى أن الشيخ العلاّمة الطهراني في الذريعة 5 : 257 حينما ذكر الجواهر ، قال : للشيخ فخر الدين محمد بن محاسن ينقل عنه الكفعمي في آخر البلد الأمين ، فالظاهر أنّه لم يجد له ترجمة أيضاً ، بل إنّما عرف كتابه واسمه من نقل الكفعمي عنه ، ومحمد بن محاسن نفسه الذي يأتي بعنوان البادرائي.

(11) يحتمل أن يكون هو : محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف بن علي القونوي الرومي ، من كبار تلاميذ الشيخ محيي الدين ابن العربي ، بينه وبين نصير الدين الطوسي مكاتبات في بعض المسائل الحكمية ، له عدّة مصنّفات ، منها : شرح الأسماء الحسنى ، مات سنة ( 673 ه‍ ).

كشف الظنون 2: 1956 ، أعلام الزركلي 6 : 30.

٢٣

ولمّا كانت كلّ واحدة من هذه العبارات الثلاث تزيد على صاحبتيها بأسماء وتنقص عنهما بأسماء ، أحببت أن أضع عبارة رابعة مشتملة على أسماء العبارات الثلاث ، مع الإشارة إلى شرح كلّ اسم منها ، من غير إيجاز مخلّ ولا إسهاب مملّ.

وسمّيت ذلك بالمقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى.

فنقول وبالله التوفيق :

الله :

اسم ، علم ، مفرد ، موضوع على ذات واجب الوجود.

وقال الغزّالي(12) : الله اسم للموجود الحق ، الجامع لصفات الإلهية ، المنعوت بنعوت الربوبية ، المتفرّد بالوجود الحقيقي ، فإن كلّ موجود سواه غير مستحقّ للوجود بذاته ، وإنّما استفاد الوجود منه(13) .

وقيل : الله اسم لمن هو الخالق لهذا العالم والمدبر له.

وقال الشهيد في قواعده : الله اسم للذات لجريان النعوت عليه ، وقيل : هو اسم للذات مع جملة الصفات الإلهية ، فإذا قلنا : الله ، فمعناه الذات الموصوفة بالصفات الخاصة ، وهي صفات الكمال ونعوت الجلال.

قالرحمه‌الله : وهذا المفهوم هو الذي يعبد ويوحد وينزه عن الشريك والنظير والمثل والند والضد(14) .

وقد اختلف في اشتقاق هذا الاسم المقدّس على وجوه عشرة ، ذكرناها

__________________

(12) أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزّالي ، الملقّب بحجّة الإسلام الطوسي ، تفقّه على أبي المعالي الجويني ، له عدّة مصنّفات ، منها : إحياء علوم الدين ، والمقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وغيرهما ، مات سنة ( 502 ه‍ ).

المنتظم 9 : 168 ، وفيات الأعيان 4 : 216 ، الكنى والألقاب 2 : 450.

(13) المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى : 14.

(14) القواعد والفوائد 2: 166.

٢٤

على حاشية الصحيفة في دعاء زين العابدينعليه‌السلام إذا أحزنه أمر(15) .

واعلم أنّ هذا الاسم الشريف قد امتاز عن غيره من أسمائه ـ تعالى ـ الحسنى بوجوه عشرة :

أ : أنّه أشهر أسماء الله تعالى.

ب : أنّه أعلاها محلاًّ في القرآن.

ج : أنّه أعلاها محلاًّ في الدعاء.

د : أنّه جعل أمام سائر الأسماء.

ه‍ : أنّه خصّت به كلمة الإخلاص.

و : أنّه وقعت به الشهادة.

ز : أنّه علم على الذات المقدّسة ، وهو مختصّ بالمعبود الحقّ تعالى ، فلا

__________________

(15) وهي كما في حاشية المصباح : 315 نقلاً عن الفوائد الشريفة في شرح الصحيفة :

« الأول : أنّه مشتقّ من لاه الشيء إذا خفي ، قال شعر :

لاهت فما عرفت يوماً بخارجةٍ

يا ليتها خرجت حتى عرفناها

الثاني : أنّه مشتقّ من التحيّر ، لتحيّر العقول في كنه عظمته ، قال :

ببيداء تيه تأله العير وسطها

مخفقـة بالآل جرد وأملق

الثالث : أنّه مشتقّ من الغيبوبة ، لأنّه سبحانه لا تدركه الأبصار ، قال الشاعر :

لاه ربّي عن الخلائق طراً

خالق الخلق لا يُرى ويرانا

الرابع : أنّه مشتقّ من التعبّد ، قال الشاعر :

لله درّ الغانيــات المُـدَّهِ

آلهن واسترجعن من تألّهي

الخامس : أنّه مشتق من أله بالمكان إذا أقام به ، قال شعر :

ألهنا بدارٍ لا يدوم رسومها

كأن بقاها وشامٌ على اليدِ

السادس : أنّه مشتقّ من لاه يلوه بمعنى ارتفع.

السابع : أنّه مشتقّ من وَلَهَ الفصيلُ باُمّه إذا ولع بها ، كما أنّ العباد مولهون ، أي : مولعون بالتضرّع إليه تعالى.

الثامن : أنّه مشتقّ من الرجوع ، يقال : ألهت إلى فلان ، أي : فزعت إليه ورجعت ، والخلق يفزعون إليه تعالى في حوائجهم ويرجعون إليه ، وقيل للمألوه [ إليه ] إله ، كما قيل للمؤتمّ به إمام.

التاسع : أنّه مشتقّ من السكون ، وألهت إلى فلان أي : سكنت ، والمعنى أنّ الخلق يسكنون إلى ذكره.

العاشر : أنّه مشتقّ من الإلهيّة. وهي القدرة على الاختراع ».

٢٥

يطلق على غيره حقيقةً ولا مجازاً ، قال تعالى :( هل تَعلَمُ لهُ سَميّاً ) (16) أي : هل تعلم أحداً يسمّى الله ؟ وقيل : سميّاً أي : مثلاً وشبيهاً.

ح : أنّ هذا الاسم الشريف دالّ على الذات المقدّسة الموصوفة بجميع الكمالات ، حتى لا يشذّ به شيء ، وباقي أسمائه تعالى لا تدلّ آحادها إلاّ على آحاد المعاني ، كالقادر على القدرة والعالم على العلم. أو فعل منسوب إلى الذات ، مثل قولنا : الرحمن ، فإنّه اسم للذات مع اعتبار الرحمة ، وكذا الرحيم والعليم. والخالق : اسم للذات مع اعتبار وصف وجودي خارجي. والقدّوس : اسم للذات مع وصف سلبي ، أعني التقديس الذي هو التطهير عن النقائص. والباقي : اسم اللذات مع نسبة وإضافة ، أعني البقاء ، وهو نسبة بين الوجود والأزمنة ، إذ هو استمرار الوجود في الأزمنة. والأبديّ : هو المستمرّ في جميع الأزمنة ، فالباقي أعمّ منه. والأزلي : هو الذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية المحقّقة والمقدّرة. فهذه الاعتبارات تكاد تأتي على الأسماء الحسنى بحسب الضبط(17) .

ط : أنّه اسم غير صفة ، بخلاف سائر أسمائه تعالى ، فإنها تقع صفات ، أمّا أنّه اسم غير صفة ، فلأنّك تصف ولا تصف به ، فتقول : إله واحد ، ولا تقول : شيء إله ، وأمّا وقوع ما عداه من أسمائه الحسنى صفات ، فلأنّه يقال : شيء قادر وعالم وحيّ إلى غير ذلك.

ي : أن جميع أسمائه الحسنى يتسمّى بهذا الاسم ولا يتسمّى هو بشيء منها ، فلا يقال : الله اسم من أسماء الصبور أو الرحيم أو الشكور ، ولكن يقال : الصبور اسم من أسماء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه قد قيل : إنّ هذا الاسم المقدّس هو الاسم الأعظم. قال ابن فهد في عدّته : وهذا القول قريب جداً ، لأنّ الوارد في هذا المعنى

__________________

(16) مريم 19 : 65.

(17) القواعد والفوائد 2: 166.

٢٦

كثيراً(18) .

ورأيت في كتاب الدرّ المنتظم في السرّ الأعظم ، للشيخ محمد بن طلحة بن محمد ابن الحسين(19) : أنّ هذا الاسم المقدّس يدلّ على الأسماء الحسنى كلّها التي هي تسعة وتسعون اسماً ، لأنك إذا قسمت الاسم المقدّس في علم الحروف على قسمين كان كلّ قسم ثلاثة وثلاثين ، فتضرب الثلاثة والثلاثين في حروف الاسم المقدّس بعد إسقاط المكرر وهي ثلاثة تكون عدد الأسماء الحسنى ، وذكر أمثلة اُخر في هذا المعنى تركناها اختصاراً(20) .

ورأيت في كتاب مشارق الأنوار وحقائق الأسرار ، للشيخ رجب بن محمد بن رجب الحافظ(21) : أن هذا الاسم المقدس أربعة أحرف ـ الله ـ فإذا وقفت على الأشياء عرفت أنها منه وبه وإليه وعنه ، فإذ أُخذ منه الألف بقي لله ، ولله كلّ شيء ، فإن اُخذ اللام وترك الألف بقي إله ، وهو إله كلّ شيء ، وإن اُخذ

__________________

(18) عدّة الداعي : 50.

(19) أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي الشافعي ، له عدّة مصنفات ، منها : الدرّ المنظم في السرّ الأعظم أو الدرّ المنظم في اسم الله الأعظم ، مات سنة ( 652 ه‍ ).

شذرات الذهب 5 : 259 ، أعلام الزركلي 6 : 175.

علماً بأنّ في (ر) و (ب) و (م) ذكر : الدرّ المنتظم وفي مصادر الترجمة : الدر المنظم ، وكذا ذكر في (ر) و (ب) : محمد بن طلحة بن محمد بن الحسين ، وفي المصادر : ابن الحسن ، فتأمّل.

(20) في حاشية (ر) : « منها : أنك إذا جمعت من الاسم المقدّس طرفيه ، وقسّمت عددهما على حروفه الأربعة ، وضربت ما يخرج القسمة فيما له من العدد في علم الحروف ، يكون عدد الأسماء الحسنى. وبيانه : أن تأخذ الألف والهاء وهما بستة ، وتقسِّمها على حروف الأربعة ، يقوم لكل حرف واحد ونصف ، فتضربة به فيما للإسم المقدّس من العدد وهو ستة وستين ، تبلغ تسعة وتسعين عدد الأسماء الحسنى. منهرحمه‌الله ».

(21) رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي المعروف بالحافظ ، من متأخّري علماء الإمامية ، كان ماهراً في أكثر العلوم ، له يد طولى في علم أسرار الحروف والأعداد ونحوها ، وقد أبدع في كتبه حيث استخرج أسامي النبي والأئمةعليهم‌السلام من الآيات ونحو ذلك من غرائب الفوائد وأسرار الحروف ، له أشعار لم يرعين الزمان مثلها في مدح أهل البيتعليهم‌السلام ، من مصنافته : مشارق أنوار اليقين في كشف حقائق أسرار أمير المؤمنين ، توفي في حدود سنة ( 813 ه‍ ).

رياض العلماء 2 : 304 ، الكُنى والألقاب 2 : 148 ، أعيان الشيعة 6 : 46.

٢٧

الألف من إله بقي له ، وله كلّ شيء ، فإن اُخذ من له اللام بقي هو ، وهو هو وحده لا شريك له ، وهو لفظ يوصل إلى ينبوع العزة ، ولفظ هو مركب من حرفين ، والهاء أصل الواو ، فهو حرف واحد يدل على الواحد الحق ، والهاء أول المخارج والواو أخرها ، فهو الأول والآخر والظاهر والباطن(22) .

ولمّا كان الاسم المقدّس الأقدس أرفع أسماء الله تعالى شأناً وأعلاها مكاناً ، وكان لكمالها جمالاً ولجمالها كمالاً ، خرجنا فيه بالإسهاب عن مناسبة الكتاب ، والله الموفّق للصواب.

الرحمن الرحيم :

قال الشهيدرحمه‌الله : هما اسمان للمبالغة من رحم ، كغضبان من غضب وعليم من علم ، والرحمة لغة : رقّة القلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان ، ومنه : الرحم ، لانعطافها على ما فيها ، وأسماء الله تعالى إنّما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي انفعال(23) (24) .

وقال صاحب العدّة : الرحمن الرحيم مشتقّان من الرحمة وهي النعمة ،

__________________

(22) مشارق الأنوار : 32 ـ 33 ، وفيه : « والقرآن له ظاهر وباطن ، ومعانيه منحصرة في أربع أقسام ، وهي أربع أحرف وعنها ظهر باقي الكلام ، وهي ( أل‍ ل‍ ه ) ، والألف واللام منه آلة التعريف ، فإذا وضعت على الأشياء عرفتها أنّها منه وله ، وإذا اُخذ منه الألف بقي لله ، ولله كل شيء ، وإذا اُخذ منه ( ل‍ ) بقي إله ، وهو إله كلّ شيء ، وإذا اُخذ منه الألف واللام بقي له ، وله كلّ شيء ، وإذا اُخذ الألف واللامان بقي هو ، وهو هو وحده لا شريك له. والعارفون يشهدون من الألف ويهيمنون من اللام ويصلون من الهاء. والألف من هذا الاسم إشارة إلى الهويّة التي لا شيء قبلها ولا بعدها وله الروح ، واللام وسطاً وهو إشارة إلى أنّ الخلق منه وبه وإليه وعنه ، وله العقل وهو الأول والآخر ، وذلك لأنّ الألف صورة واحدة في الخطّ وفي الهجاء ».

(23) القواعد والفوائد 2 : 166 ـ 167.

(24) في هامش (ر) : « وقال السيد المرتضى : ليست الرحمة عبارة عن رقّة القلب والشفقة ، وإنّما هي عبارة عن الفضل والإنعام وضروب الإحسان ، فعلى هذا يكون إطلاق لفظ الرحمة عليه تعالى حقيقة وعلى الأول مجاز. منهرحمه‌الله تعالى ».

٢٨

ومنه :( وما أرسلناك إلاّ رحمّة للعالمينّ ) (25) أي : نعمة ، ويقال للقرآن رحمة وللغيث رحمة ، أي : نعمة ، وقد يتسمّى بالرحيم غيره تعالى ولا يتسمّى بالرحمن سواه ، لأن الرحمن هو الذي يقدر على كشف الضر والبلوى ، ويقال لرقيق القلب من الخلق : رحيم ، لكثرة وجود الرحمة منه بسبب الرقة ، وأقلها الدعاء للمرحوم والتوجع له ، وليست في حقّه تعالى كذلك ، بل معناها إيجاد النعمة للمرحوم وكشف البلوى عنه ، فالحدّ الشامل أن تقول : هي التخلص من أقسام الآفات ، وإيصال الخيرات إلى أرباب الحاجات(26) .

وفي كتاب الرسالة الواضحة(27) : أنّ الرحمن الرحيم من أبنية المبالغة ، إلاّ أنّ فعلان أبلغ من فعيل ، ثم هذه المبالغة قد توجد تارة باعتبار الكمّية ، واُخرى باعتبار الكيفية :

فعلى الأول قيل : يا رحمن الدنيا ـ لأنّه يعمّ المؤمن والكافر ـ ورحيم الآخرة لأنه يخص الرحمة بالمؤمنين ، لقوله تعالى :( وكان بالمؤمنين رحيماً ) (28) .

وعلى الثاني قيل : يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا ، لأنّ النعم الاُخروية كلّها جسام ، وأمّا النعم الدنيوية فجليلة وحقيرة.

وعن الصادقعليه‌السلام : الرحمن اسم خاصّ بصفة عامة ، والرحيم اسم عامّ بصفة خاصة(29) .

وعن أبي عبيدة(30) : الرحمن ذو الرحمة ، والرحيم الراحم ، وكرر لضرب

__________________

(25) الأنبياء 21 : 107.

(26) عدّة الداعي : 303 ـ 304 ، باختلاف.

(27) الرسالة الواضحة في تفسير سورة الفاتحة ، للمصنف الشيخ علي بن إبراهيم الكفعمي : مخطوطة.

(28) الأحزاب 33 : 43.

(29) مجمع البيان 1 : 21.

(30) أبو عبيدة معمّر بن المثنى البصري النحوي اللغوي ، أول من صنّف غريب الحديث ، وكان أبو نؤاس الشاعر يتعلّم منه ويصفه ويذمّ الأصمعي ، له عدّة مصنفات ، منها : مجاز القرآن الكريم وغريب القرآن ومعاني القرآن ، مات سنة ( 209 ه‍ ) وقيل غير ذلك.

وفيات الأعيان 5 : 235 ، الكنى والألقاب 1 : 116.

٢٩

من التأكيد(31) .

وعن السيد المرتضى(32) رحمه‌الله : أن الرحمن مشترك فيه اللغة العربية والعبرانية والسريانية ، والرحيم مختصّ بالعربية.

قال الطبرسي(33) : وإنّما قدّم الرحمن على الرحيم ، لأن الرحمن بمنزلة الاسم العلم ، من حيث أنه لا يوصف به إلاّ الله تعالى ، ولهذا جمع بينهما تعالى في قوله :( قلِ ادعوا اللهَ أو ادعوا الرحمنَ ) (34) فوجب لذلك تقديمه على الرحيم ، لأنه يطلق عليه وعلى غيره(35) .

الملك :

التامّ الملك ، الجامع لأصناف المملوكات ، قاله البادرائي في جواهره.

__________________

(31) اُنظر : مجمع البيان 1 : 20.

(32) أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، المشهور بالسيد المرتضى ، جمع من العلوم ما لم يجمعه أحد وحاز من الفضائل ما تفرّد به وتوحّد وأجمع على فضله المخالف والمؤالف ، كيف لا وقد أخذ من المجد طرفيه واكتسى بثوبيه وتردّى ببرديه ، روى عن جماعة عديدة من العامة والخاصة منهم الشيخ المفيد والحسين بن علي بن بابويه أخي الصدوق والتلعكبري ، روى عنه جماعة كثيرة من العامة والخاصة منهم : أبو يعلى سلار وأبو الصلاح الحلبي وأبو يعلى الكراجكي ومن العامة : الخطيب البغدادي والقاضي بن قدامة ، له عدّة مصنفات مشهورة ، منها الشافي في الإمامة لم يصنّف مثله والذخيرة ، توفي سنة ( 433 ه‍ ) وقيل ( 436 ه‍ ).

وفيات الأعيان 3 : 313 ، رياض العلماء 4 : 14، الكنى والألقاب 2 : 439.

(33) أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي المشهدي ، من أكابر مجتهدي علمائنا ، يروي عن الشيخ أبي علي بن الشيخ الطوسي وغيره ، يروي عنه ولده الحسن وابن شهرآشوب والشيخ منتجب الدين وغيرهم ، له عدة مصنفات ، منها : مجمع البيان لعلوم القرآن ، وهو تفسير لم يعمل مثله عيّن كل سورة أنّها مكّية أو مدنية ثم يذكر مواضع الاختلاف في القراءة ثم يذكر اللغة والعربية ثم يذكر الإعراب ثم الأسباب والنزول ثم المعنى والتأويل والأحكام والقصص ثم يذكر انتظام الآيات ، توفي سنة ( 548 ه‍ ) في سبزوار وحمل نعشه إلى المشهد الرضوي ودفن في مغتسل الرضاعليه‌السلام وقبره مزار.

رياض العلماء 4 : 340 ، الكنى والألقاب 2 : 403 ، الذريعة 20 : 24.

(34) الإسراء 17 : 110.

(35) مجمع البيان 1 : 21 ، باختلاف.

٣٠

وقال الشهيد : الملك المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين ، أو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود ، ويحتاج إليه كلّ موجود في ذاته وصفاته(36) .

والملكوت : ملك الله ، زيدت فيه التاء كما زيدت في رهبوت ورحموت ، من الرهبة والرحمة.

القدوس :

فعول من القدس وهو الطهارة ، فالقدّوس : الطاهر من العيوب المنزّه عن الأضداد والأنداد ، والتقديس : التطهير ، وقوله تعالى حكاية عن الملائكة :( ونحنُ نسبّحُ بحمدكَ ونقدّسُ لكَ ) (37) أي : ننسبك إلى الطهارة.

وسمّي بيت المقدس بذلك ، لأنه المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب. وقيل للجنة : حظيرة القدس ، لأنها موضع الطهارة من الأدناس والآفات التي تكون في الدنيا.

السلام :

معناه ذو السلامة ، أي : سلم في ذاته عن كل عيب ، وفي صفاته عن كل نقص وآفة تلحق المخلوقين ، والسلام مصدر وصف به تعالى للمبالغة. وقيل : معناه المسلم ، لأن السلامة تنال من قبله.

وقوله :( لهم دارُ السلام ) (38) يجوز أن تكون مضافة إليه تعالى ، ويجوز أن يكون تعالى قد سمّى الجنة سلاماً ، لأن الصائر إليها يسلم من كلّ آفة.

* * *

__________________

(36) القواعد والفوائد 2 : 167.

(37) البقرة 2 : 30.

(38) الأنعام 6 : 127.

٣١

المؤمن :

المصدّق ، لأن الإيمان في اللغة التصديق ، ويحتمل ذلك وجهان :

أ : أنّه يصدق عبادّه وعده ، ويفي لهم بما ضمنه لهم.

ب : أنّه يصدق ظنون عباده المؤمنين ولا يخيّب آمالهم ، قاله البادرائي.

وعن الصادقعليه‌السلام : سمّي تعالى مؤمناً ، لأنه يؤمن عذابه من أطاعه(39) .

وفي الصحاح(40) : الله تعالى مؤمن ، وهو : الذي آمن عباده ظلمه(41) .

المهيمن :

قال العزيزي(42) في غريبه والشهيد في قواعده : هو القائم على خلقه بأعمالهم وآجالهم وأرزاقهم(43) .

وقال صاحب العدّة : المهيمن : الشاهد ، ومنه قوله تعالى :( ومهيمناً عليه ) (44) أي : شاهداً ، فهو تعالى الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قول أو فعل ، وقيل : هو الرقيب على الشيء والحافظ له ، وقيل : هو الأمين(45) .

__________________

(39) التوحيد : 205.

(40) كتاب الصحاح لأبي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري الفارابي ، ابن اُخت أبي إسحاق الفارابي صاحب ديوان الأدب ، له عدّة مصنّفات ، منها : هذا الكتاب ـ الصحاح ـ وهو أحسن من الجمهرة وأوقع من التهذيب وأقرب متناولاً من مجمل اللغة ، مات سنة ( 393 ه‍ ).

يتيمة الدهر 4 : 468 ، معجم الاُدباء 5 : 151، النجوم الزاهرة 4 : 207.

(41) الصحاح 5 : 2071 ، أمن.

(42) أبو بكر محمد بن عزيز السجستاني العزيزي. اشتهر بكتابه غريب القرآن ، وهو على حروف المعجم صنّفه في (15) سنة ، مات سنة ( 330 ه‍ ).

أعلام الزركلي 6 : 268.

(43) غريب القرآن ـ نزهة القلوب ـ : 209 ، القواعد والفوائد 2 : 167.

(44) المائدة 5 : 48.

(45) عدّة الداعي : 304 ـ 305 ، باختلاف.

٣٢

وإلى القول الأوسط ذهب الجوهري ، فقال : المهيمن الشاهد ، وهو من آمن غيره من الخوف(46) .

قلت : إنّما كان المهيمن من آمن ، لأن أصل مهيمن مؤيمن ، فقلبت الهمزة هاء لقرب مخرجهما ، كما في هرقت الماء وأرقته ، وإيهاب وهيهات ، وإبرية وهبرية للخزاز الذي في الرأس ، وقرأ أبو السرائر الغنوي(47) : هياك نعبد وهياك نستعين(48) .

قال الشاعر :

وهياك والأمر الذي إن توسعت

موارده ضاقت عليك مصادره

العزيز :

الغالب القاهر ، أو ما يمتنع الوصول إليه ، قاله الشهيد في قواعده(49) .

وقال الشيخ علي بن يوسف بن عبد الجليل(50) في كتابه منتهى السّؤول في شرح الفصول : العزيز هو الحظير الذي يقلّ وجود مثله ، وتشتدّ الحاجة إليه ، ويصعب الوصول إليه ، فليس العزيز المطلق إلاّ هو تعالى.

وقال صاحب العدّة : العزيز المنيع الذي لا يُغلب ، ويقال : من عزّ بزّ ،

__________________

(46) الصحاح 6 : 2217 ، همن.

(47) كذا ، ولم أجد هذا الاسم في كتب التراجم.

(48) قال الزمخشري في الكشّاف 1 : 62 : « وقرئ إياك بتخفيف الياء واياك بفتح الهمزة والتشديد وهياك بقلب الهمزة هاء ».

قال طفيل الغنوي :

فهياك والأمر الذي ان تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره.

(49) القواعد والفوائد 2 : 167.

(50) ظهير الدين علي بن يوسف بن عبد الجليل النيلي ، عالم فاضل كامل ، من أجلة متكلمي الإمامية وفقهائهم ، يروي عن الشيخ فخر الدين ولد العلاّمة ، يروى عنه ابن فهد الحلي ، له عدة مصنفات ، منها : منتهى السّؤول في شرح الفصول ، وهو شرح على فصول خواجه نصير الدين الطوسي في اُصول الدين ، وهو شرحُ بالقول يعني قوله قوله.

رياض العلماء 4 : 293 ، الذريعة 23 : 10.

٣٣

أي : من غلب سلب ، ومنه قوله تعالى :( وعزّني في الخطابِ ) (51) أي : غلبني في محاورة الكلام ، وقد يقال العزيز للملك ، ومنه قوله تعالى :( يا أيها العزيزُ ) (52) أي : يا أيها الملك(53) .

والعزيز أيضاً : الذي لا يعادله شيء ، والذي لا مثل له ولا نظير.

الجبار :

القهار ، أو المتكبر ، أو المتسلّط ، أو الذي جبر مفاقر الخلق وكفاهم أسباب المعاش والرزق ، أو الذي تنفذ مشيته على سبيل الإجبار في كل أحد ولا تنفذ فيه مشية أحد. ويقال : الجبّار العالي فوق خلقه ، ويقال للنخل الذي طال وفات اليد : جبّار.

المتكبّر :

ذو الكبرياء ، وهو : الملك ، أو ما يرى الملك حقيراً بالنسبة إلى عظمته ، قاله الشهيد(54) .

وقال صاحب العدّة : المتكبّر المتعالي عن صفات الخلق ، ويقال : المتكبّر على عتاة خلقه ، وهو مأخوذ من الكبرياء ، وهم اسم التكبّر والتعظّم(55) .

الخالق :

هو المبدئ للخلق والمخترع لهم على غير مثال سبق ، قاله البادرائي في جواهره.

__________________

(51) ص 38 : 23.

(52) يوسف 12 : 78 ، 88.

(53) عدّة الداعي : 305.

(54) القواعد والفوائد 2 : 167.

(55) عدّة الداعي : 305 ، باختلاف.

٣٤

وقال الشهيد : الخالق ، المقدّر(56) .

قلت : وهو حسن ، إذ قد يراد بالخلق التقدير ، ومنه قوله تعالى :( إنّي أخلقُ لكم منَ الطينِ كهيئةِ الطيرِ ) (57) أي : اُقدّر.

البارئ :

الخالق ، والبرية : الخلق ، وبارئ البرايا أي : خالق الخلائق.

المصوّر :

الذي أنشأ خلقه على صور مختلفه ليتعارفوا بها ، قال تعالى :( وصوّركم فأحسنَ صوَركُم ) (58) .

وقال الغزّالي في تفسير أسماء الله تعالى الحسنى : قد يظنّ أنّ الخالق والبارئ والمصور ألفاظ مترادفة ، وأن الكلّ يرجع إلى الخلق والاختراع ، وليست كذلك ، بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود مفتقر إلى تقديره أولاً ، وإلى إيجاده على وفق التقدير ثانياً ، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثاً ، والله تعالى خالق من حيث أنّه مقدر ، وبارئ من حيث أنه مخترع موجد ، ومصوّر من حيث أنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب. وهذا كالبناء مثلاً ، فإنه يحتاج إلى مقدّر يقدّر ما لابدّ منه : من الخشب ، واللبن ، ومساحة الأرض ، وعدد الأبنية وطولها وعرضها ، وهذا يتولاّه المهندس فيرسمه ويصوّره ، ثم يحتاج إلى بنّاء يتولّى الأعمال التي عندها تحدث اُصول الأبنية ، ثم يحتاج إلى مزيّن ينقش ظاهره ويزيّن صورته ، فيتولاه غير البناء. هذه هي العادة في التقدير في البناء والتصوير ، وليس كذلك في أفعاله تعالى ، بل هو المقدّر والموجد والصانع ، فهو الخالق والبارئ والمصور(59) .

__________________

(56) القواعد والفوائد 2 : 167.

(57) آل عمران 3 : 49.

(58) غافر 40 : 64 ، التغابن 64 : 3.

(59) المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى : 18.

٣٥

الغفّار :

هو الذي أظهر الجميل وستر القبيح ، قاله الشهيد(60) .

وقال البادرائي : هو الذي يغفر ذنوب عباده ، وكلّما تكررت التوبة من المذنب تكررت منه تعالى المغفرة ، لقوله :( وإني لغفّارٌ لِمن تابَ ) (61) الآية. والغفر في اللغة : الستر والتغطية ، فالغفّار : الستّار لذنوب عباده.

القهّار القاهر :

بمعنى ، وهو : الذي قهر الجبابرة وقهر العباد بالموت ، غير أنّ قهّار وغفّار وجبّار ووهّاب ورزّاق وفتاح ونحو ذلك من أبنية المبالغة ، لأنّ العرب قد بنت مثال من كرر الفعل على فعّال ، ولهذا يقولون لكثير السؤال : سأّال وسأّالة.

قال :

سَأّالةٌ للفتى ما ليس في يده

ذهّابة بعقول القوم والمالي

وكذا ما بني على فعلان وفعيل كرحمن ورحيم ، إلاّ أن فعلان أبلغ من فعيل. وبنت مثال من بالغ في الأمر وكان قوياً عليه على فعول ، كصبور وشكور. وبنت مثال من فعل الشيء مرّة على فاعل ، نحو سائل وقاتل. وبنت مثال من اعتاد الفعل على مِفعال ، مثل امرأة مذكار إذا كان من عادتها أن تلد الذكور ، ومئناث إذا كان من عادتها أن تلد الإناث ، ومعقاب إذا كان من عادتها أن تلد نوبة ذكراً ونوبة اُنثى ، ورجل منعال ومفضال إذا كان ذلك من عادته.

الوهّاب :

هو من أبنية المبالغة كما مرّ آنفاً ، وهو الذي يجود بالعطايا التي لا تفنى ، وكّل من وهب شيئاً من أعراض الدنيا فهو واهب ولا يسمّى وهّاباً ، بل الوهّاب

__________________

(60) القواعد والفوائد 2 : 168.

(61) طه 20 : 82.

٣٦

من تصرّفت مواهبه في أنواع العطايا ودامت ، والمخلوقون إنّما يملكون أن يهبوا مالاً أو نوالاً في حال دون حال ، ولا يملكون أن يهبوا شفاء لسقيم ولا ولداً لعقيم ، قاله البادرائي.

وقال صاحب العدّة : الوّهاب الكثير الهبة ، والمفضال في العطية(62) .

وقال الشهيد : الوهّاب المعطي كل ما يحتاج إليه لكلّ من يحتاج إليه(63) .

الرزّاق الرازق :

بمعنى ، وهو : خالق الأرزقة والمرتزقة والمتكفّل بإيصالها لكلّ نفس ، من مؤمن وكافر ، غير أنّ في الرزّاق المبالغة.

الفتاح :

الحاكم بين عباده ، وفتح الحاكم بين الخصمين : إذا قضى بينهما ، ومنه :( ربّنا افتح بيننا وبينَ قومنا بالحقِ ) (64) أي : احكم.

وهو أيضاً الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده ، وهو الذي بعنايته ينفتح كل مغلق.

العليم :

العالم بالسرائر والخفيات وتفاصيل المعلومات قبل حدوثها وبعد وجودها(65) .

__________________

(62) عدّة الداعي : 311.

(63) القواعد والفوائد 2 : 68.

(64) الأعراف 7 : 89.

(65) في هامش (ر) : « والعليم مبالغة في العالم ، لأنّ قولنا : عالم ، يفيد أنّ له معلوماً ، كما أنّ قولنا : سامع ، يفيد أنّ له مسموعاً ، وإذا وصفناه بأنّه عليم أفاد أنّه متى صحّ معلوم فهو عالم به ، كما أنّ سميعاً يفيد

٣٧

القابض الباسط :

هوالذي يوسع الرزق ويقدره بحسب الحكمة.

ويحسن القران بين هذين الاسمين ونظائرهما ـ كالخافض والرافع ، والمعزّ والمذلّ ، والضارّ والنافع ، والمبدئ والمعيد ، والمحيي والمميت ، والمقدّم والمؤخّر ، والأول ، والآخر ، والظاهر والباطن ـ لأنّه أنبأ عن القدرة ، وأدلّ على الحكمة ، قال الله تعالى :( واللهُ يقبضُ ويبسطُ ) (66) فإذا ذكرت القابض مفرداً عن الباسط كنت كأنك قد قصرت الصفة على المنع والحرمان ، وإذا وصلت أحدهما بالآخر فقد جمعت بين الصفتين. فالأولى لمن وقف بحسن الأدب بين يدي الله تعالى أن لا يفرد كلّ اسم عن مقابله ، لما فيه من الإعراب عن وجه الحكمة.

الخافض الرافع :

هو الذي يخفض الكفار بالإشقاء ويرفع المؤمنين بالاسعاد. وقوله :( خافضةُ رافعةٌ ) (67) أي : تخفض أقواماً إلى النار وترفع أقواماً إلى الجنة ، يعني : القيامة.

المعزّ المذلّ :

الذي يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممّن يشاء ، أو الذي أعزّ بالطاعة أولياءه ، فأظهرهم على أعدائه في الدنيا وأحلّهم دار الكرامة في العقبى ، وأذل أهل

__________________

أنّه متى وجد مسموع فلابدّ أن يكون سامعاً له ، والعلوم كلّها من جهته تعالى ، لأنّها لا تخلو من أن تكون ضرورية فهو الذي فعلها ، أو استدلالية فهو الذي أقام الأدلة عليها ، فلا علم لأحد إلاّ الله تعالى. منهرحمه‌الله ».

(66) البقرة 2 : 245.

(67) الواقعة 56 : 3.

٣٨

الكفر في الدنيا ، بأن ضربهم بالرق والجزية والصغار ، وفي الآخرة بالخلود في النار(68) .

السميع :

بمعنى السامع ، يسمع السّر والنجوى ، سواء عنده الجهر والخفوت والنطق والسكوت. وقد يكون السميع بمعنى القبول والإجابة ، ومنه قول المصلّي : سمع الله لمن حمده ، معناه : قبل الله حمد من حمده واستجاب له. وقيل : السميع العليم بالمسوعات ، وهي : الأصوات والحروف.

البصير :

العالم بالخفيّات ، وقيل : العالم بالمبصرات.

وفي عبارة الشهيد ،السميع : الذي لا يعزب عن إداركه مسموع خفيّ أو ظاهر ، والبصير : الذي لا يعزب عنه ما تحت الثرى ، ومرجعهما إلى العلم ، لتعاليه سبحانه عن الحاسّة والمعاني القديمة(69) .

الحَكَم :

هو الحاكم الذي سلّم له الحكم ، وسمّي الحاكم حاكماً لمنعه الناس من التظالم(70) .

__________________

(68) في هامش (ر) : « وقيل يعزّ المؤمن بتعظيمه والثناء عليه ، ويذلّ الكافر بالجزية والسبي ، وهو سبحانه وإن أفقر أولياءه وابتلاهم في الدنيا ، فإنّ ذلك ليس على سبيل الإذلال ، بل ليكرمهم بذلك في الآخرة ، ويحلّهم غاية الإغزاز والإجلال ، ذكر ذلك الكفعمي في كتابه جُنّة الأمان الواقية. منهرحمه‌الله ».

انظر : جُنّة الأمان الواقية ـ المصباح ـ : 322.

(69) القواعد والفوائد 2 : 168.

(70) في هامش (ر) : « قلت : ومن ذلك اُخذ معنى الحكمة ، لأنّها تمنع من الجهل. وحكمة الدابة ما أحاط بالحنك ، سمّيت بذلك لمنعها من الجماح ، وحكمت السفيه وأحكمته إذا أخذت على يده

٣٩

العدل :

أي : ذو العدل ، وهو مصدر اُقيم مقام الأصل ، وحفّ به تعالى للمبالغة لكثرة عدله. والعدل : هو الذي يجوز في الحكم ، ورجل عدل وقوم عدل وامرأة عدل ، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.

اللطيف :

العالم بغوامض الأشياء ، ثم يوصلها إلى المستصلح برفق دون العنف ، أو البرّ بعباده الذي يوصل إليهم ما ينتفعون به في الدارين ويهيّئ لهم أسباب مصالحهم من حيث لا يحتسبون ، قاله الشهيد في قواعده(71) .

وقيل : اللطيف فاعل اللطف ، وهو ما يقرب معه العبد من الطاعة ويبعد من المعصية ، واللطف من الله التوفيق.

وفي كتاب التوحيد(72) عن الصادقعليه‌السلام : أنّ معنى اللطيف هو :

__________________

ومنعته مما أراد ، وحكمته أيضاً إذا فوّضت إليه الحكم ، وفي حديث النخعي : حكّم اليتيم كما تحكّم ولدك ، أي : امنعه من الفساد ، وقيل : أي حكّمه في ماله إذا صلح لذلك ، وفي الحديث : إنّ في الشعر لحكمة ، أي : من الشعر كلاماً نافعاً يمنع عن الجهل والسفه وينهى عنهما ، والحكم : الحكمة ، ومنه :( وآتيناه الحكم صبيّاً [ 19 : 12 ]) أي : الحكمة ، وقوله تعالى :( فوهب لي ربيّ حكماً [ 26 : 21 ]) أي : حكمة ، والصمت : حكم وقوله تعالى عن داودعليه‌السلام :( وآتيناه الحكمة [ 38 : 20 ]) قيل : هي الزبور ، وقيل : هي كلّ كلام وافق الحق ، والمحاكمة : المخاصمة إلى الحاكم ، من مغرب المطرزي ، وغريبي الهروي وصحاح الجوهري. منهرحمه‌الله ».

اُنظر : المغرب 1 : 133 حكم ، الصحاح 5 : 1901 حكم.

(71) القواعد والفوائد 2 : 170.

(72) كتاب التوحيد لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، شيخ الحفظة ووجه الطائفة المستحفظة ، ولد بدعاء مولانا صاحب الأمر روحي له الفداء ، وصفه الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في التوقيع الخارج من الناحية المقدّسة بأنّه : فقيه خيِّر مبارك ينفع الله به ، فعّمت بركته ببركة الإمام وانتفع به الخاصّ والعامّ ، له عدّة مصنفات ، منها : هذا الكتاب ـ التوحيد ـ توفي سنة ( 381 ه‍ ) بالري ، وقبره قرب قبر عبد العظيم الحسني معروف.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

وحينما يقضي على الدجّال تكون مهمّته الثانية تأييد المؤمنين في العالم والقضاء على الكافرين والمنحرفين. أمّا المؤمنين فيواجههم ويحدّثهم عن درجاتهم في الجنّة، وأمّا الكافرين فيقاتلهم على الإسلام ويدق الصليب بمعنى أنّه يقضي على المسيحية المعروفة المتخذة للصليب، ويقتل الخنزير، بمعنى أنّه يحرّم أكله، ويأمر بالقضاء على الموجود للتدجين منه ( ويضع الجِزية على مَن بقي على دين اليهودية والنصرانية ) كما فعل رسول الله (ص) معهم، فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفّى فيصلّي عليه المسلمون.

وأمّا المهدي (ع) فهو الشخص الرئيسي من هؤلاء المؤمنين الذين يواجههم المسيح. وحين تحين الصلاة بعد وصولهم إليه أو وصوله إليهم، يدعوه الإمام المهدي (ع) احتراماً له، أن يكون هو الإمام في صلاة الجماعة، فيأبى ذلك قائلاً: لا، إنّ بعضكم على بعض أُمراء، تكرمة الله لهذه الأُمّة يعني: أنّ الأُمّة الإسلامية لابد - في الحكم الإلهي - أن يحكمها شخص منها، وحيث أنّ المسيح عيسى بن مريم ليس منها، باعتباره نبيّاً لدينٍ سابق، إذاً فلا ينبغي أن يحكم المسلمين أو أن يأمّهم في الصلاة. وبعد هذا الاعتذار، يتقدّم المهدي إماماً للصلاة ويصلّي المسيح خلفه مأموماً.

وسيحين خلال هذه المدّة، الوقت المناسب لمنازلة الكافرين والمنحرفين، متمثّلين بيأجوج ومأجوج، وبالرغم من أنّ هذه القيادة العالمية إنّما هي بيد الإمام المهدي (ع) غير أنّ قيادة الحرب ستكون بيد المسيح (ع)، ومن هنا نُسب القضاء على يأجوج ومأجوج إليه، كما نُسب قتل الدجّال إليه أيضاً، مع أنّ هناك من الأخبار ما يدل على أنّ المهدي (ع) هو الذي يقتل الدجّال(١) وكلا النسبتين صادقة، باعتبار وحدة العمل والهدف.

وهذا التسلسل الفكري، يمكننا دمجه بفهمنا العام السابق للحوادث، وربطه بالتخطيط العام اللاحق له، فينتج لدينا النتيجة التالية: أنّ الدجّال ليس شخصاً معيّناً - كما قلنا - وإنّما هو كناية عن الحضارة المادية في قمّتها وأوج عِزّها وإغرائها. ومن الواضح أنّ مثل هذه الحضارة لا يمكن القضاء عليها بقتل شخص معيّن، وإنّما تحتاج إلى عمل فكري وعسكري عالمي للقضاء عليها، وتحويل الوضع إلى الحكم العادل الصحيح.

وهذا العمل موكول أساساً إلى المهدي (ع) بصفته القائد الأعلى ليوم العدل

____________________

(١) انظر منتخب الأثر ص٤٨٠ عن إكمال الدين وغيره.

٦٠١

الموعود. ومن هنا ذكرت الأخبار بأنّه يقتل الدجّال. هذا لا ينافي أنّ شخصاً من أصحابه وتحت إمرته يشارك في هذه المهمّة مشاركةً رئيسية، بحيث تصحّ نسبة القتل إليه أيضاً، كما تصحح كونه مسيحيّاً مصلحاً للعالم.

والمستفاد عموماً من الأخبار: أنّ نزول عيسى (ع)، يكون بعد ظهور المهدي ولكن قبل استتباب دولته، يعني خلال محاربته للكافرين والمنحرفين وممارسته للفتح العالمي. وهناك(١) من الأخبار ما يدل على أنّه يبايعه في المسجد الحرام مع أصحابه الخاصّة الأوائل، غير أنّه غير قابل للإثبات التاريخي.

وهذا هو المراد من كون المهدي في وسط الأُمّة، وعيسى في آخرها، لو صحّ الخبر؛ لأنّه ينزل بعد ظهور المهدي، ويبقى بعد وفاته، فأصبح كأنّه بعد المهدي في الزمان، فيصدق عليه مجازاً، أنّه في آخر الأُمّة.

والمسيح يواجه بعد نزوله يأجوج ومأجوج، قد خرجوا من الردم، وقد عرفنا أنّهما يمثّلان الحضارة المادية ذات الفرعين الأساسيين في البشرية، ويكون مسؤولاً - خلال الفتح العالمي - عن محاربتهما والقضاء عليهما، وقد سبق أن تحدثنا عن ذلك مفصّلاً.

وهنا قد يبدو أنّ الخبر الدال على ذلك، دال أيضاً على تأخّر خروج يأجوج ومأجوج من الردم، على نزول عيسى، ثم على ظهور المهدي، وهذا مخالف لفهمنا السابق؛ لأنّ الحضارة المادية بكلا فرعيها إنّما تكون قبل الظهور.

إلاّ أنّ دلالة الخبر على ذلك غير صحيحة؛ لأنّه دال على أنّ عيسى بعد أن يجتمع بالمؤمنين الصالحين، يخبره الله تعالى بإخراج يأجوج ومأجوج ( فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إنّي قد أخرجت عباداً لي، لا يُدان أحد بقتالهم ). إنّ هذا التوقيت توقيت للإخبار لا للخروج من الردم، وليس في الخبر الذي يتلقّاه هذا النبي أنّهم قد خرجوا لفورهم.

وهذا الإخبار لا يتضمّن معناه المطابقي اللفظي بطبيعة الحال، وإنّما يتضمّن الأمر بالمبادرة إلى قتالهم بعد أن التأم جمع المؤمنين مكوّناً من: المهدي والمسيح (ع) وأصحابهما، وقد أزفت ساعة الصفر للفتح العالمي، واقتضى التخطيط الإلهي ذلك.

ثم يكشف المهدي عن مواريث الأنبياء بشكلها الواقعي، كما خلفها الأنبياء

____________________

(١) انظر إلزام الناصب ص٣٠٧.

٦٠٢

أنفسهم في الأرض، كلٌّ في منطقته، وهي: تابوت آدم (ع) أي الصندوق الذي كان يحفظ فيه كتاباته الدينية وتشريعاته، وعصر موسى (ع) والتوراة، والزبور، والإنجيل، وسائر كتب الله، فيبدأ هو والمسيح (ع) بمناقشة أهل الأديان السماوية بهذه الكتب والمواريث.

فيدخلون في الإسلام، وأمّا المتبقّي منهم، فيقول الخبر إنّهم يدخلون في ذمّة الإسلام ويدفعون الجِزْية، كما كان الحال في زمن رسول الله (ص)، ريثما يتمّ بالتدريج دخولهم في الإسلام.

وعندئذٍ ( تذهب الشحناء والتباغض والتحاسد ) ويعمّ الغنى أُمّة محمد (ص) وهم كل البشر ( وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد ) عند استتباب الدولة العالمية.

فهذا هو المضمون العام لهذه الأخبار، وأمّا التفاصيل فسنعرفها في الجهات الآتية.

الجهة الرابعة: في الحديث عن بعض خصائص المسيح عيسى بن مريم (ع).

ونتكلّم عن ذلك في عدّة نواحي:

الناحية الأُولى: حين عبّرت الأخبار السابقة بنزول عيسى (ع)، فإنّما تريد نزوله من السماء بعد أن رفعه الله تعالى إليه؛ حين أراد اليهود قتله، فشُبّه لهم وقتلوا غيره مكانه... وهذا انطلاق من الفهم التقليدي للمسلمين عن ذلك، وقد ورد في أخبار الفريقين ما يؤيّده ويدل عليه.

ونحن لا نريد الدخول في إثبات ذلك الآن، وحسبنا أنّ القرآن الكريم بعد ضمّ بعض آياته إلى بعض غير صريح في ذلك... وإنّما غاية ما ينفعنا في المقام هو: أن نلتفت إلى أنّ مجيء المسيح مع المهدي لا يعني صحّة هذا الفهم بالتعيين، بل يمكن رجوعه بقدرة الله تعالى مهما كانت خاتمة حياته السابقة، وكما هو واضح.

الناحية الثانية: في الحكمة من بقاء المسيح (ع) خلال هذه المدّة الطويلة طبقاً للفهم التقليدي المشار إليه:

إنّ الحكمة من ذلك، حسب ما تدركه عقولنا الآن، تتمثّل في عدّة أُمور:

الأمر الأوّل: اختصاص هذا النبي (ع) بمميّزات شخصية أساسية من دون سائر الأنبياء: كولادته الإعجازية بدون الأب، وإحيائه للموتى، ورفعه إلى السماء. كما اختص موسى بالكلام مع الله عزّ وجلّ، ومحادثته مدّة عشرة أيام كاملة. واختص محمد، نبي الإسلام (ص) بالقرآن الكريم معجزة الإسلام الخالدة. ولابد لكل نبي رئيسي من خصائص تميّزه على أيّ حال.

٦٠٣

الأمر الثاني: البرهان على صحّة الغيبة بالنسبة إلى المهدي (ع)، حيث يكون المسيح أكبر عمراً منه مهما طالت الغيبة بعدّة مئات من السنين، هي الفرق بين عصر ولادة المسيح وعصر ولادة المهدي (ع) وهي حوالي التسعمئة عام.

وحيث اعترف الفكر التقليدي الإسلامي ببقاء المسيح حيّاً لم يمت، إذاً، ففي الإمكان تماماً بقاء مَن هو أصغر منه عمراً، وإن لم يكن هو أولى بالبقاء منه.

وهذه تماماً هي الحكمة من بقاء الخضر (ع) حيّاً، كما اعترف به الفكر التقليدي الإسلامي أيضاً، ووردت به الأخبار من الفريقين. وورد في الأخبار الإشارة إلى هذه الحكمة بالذات لبقائه(١) . فإنّ عمره يزيد على عمر المسيح والمهدي معاً باعتبار أسبق ولادة منهما. فإذا كان بالإمكان بقاء الإنسان خلال هذا الدهر الطويل، فبالأولى أن يبقى شخص آخر بمقدار أقل منه. ولئن كان المسيح يعيش في السماء، فإنّ الخضر يعيش على الأرض تماماً كالمهدي (ع) وهو يزيد على عمره بأكثر من ألفي عام.

الأمر الثالث: تكامل المسيح (ع) خلال هذا العصر الطويل، من التكامل الذي سمّيناه بتكامل ما بعد العصمة. وقد برهنّا التاريخ السابق(٢) على ثبوته للمهدي (ع) من خلال عمره الطويل على الأرض، ومعاشرته للأجيال الطويلة للبشرية.

فكذلك يمكن القول بالنسبة للمسيح في عمره الطويل في السماء، في الملكوت الأعلى، وما يشاهده من عظمة الله وحكمته وعدله في ذلك العالم، الأمر الذي يوجب له أكبر الكمال.

وسوف يستفيد المسيح من هذا التكامل العالي، في تدبير المجتمع العالمي العادل، تماماً كما يستفيد المهدي (ع) من تكامله العالي أيضاً. فانظر إلى هذه القيادة العالمية الرشيدة المكوَّنة من هذين التكاملَين العاليين.

____________________

(١) أخرج الصدوق في إكمال الدين ( نسخة مخطوطة ) بسنده عن سدير الصيرفي، عن أبي عبد الله الصادق (ع) في حديثٍ طويل يقول فيه: وأمّا العبد الصالح أعني الخضر، فإنّ الله تبارك وتعالى ما طوّل عمره لنبوّةٍ قدّرها له، ولا لكتابٍ ينزل عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة مَن كان قبله من الأنبياء، ولا لإمامةٍ يلزم عباده الإقتداء بها، ولا لطاعةٍ يفرضها له، بلى إنّ الله تبارك وتعالى لما كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم في أيام غيبته ما قدّر، وعلم من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طول عمر العبد الصالح من غير سببٍ أوجب ذلك إلاّ لعلّة الاستدلال به على عمر القائم؛ ليقطع بذلك حجّة المعاندين، ولئلاّ يكون على الناس حجّة... الحديث.

(٢) تاريخ الغيبة الكبرى: ص ٥٠٤ وما بعدها إلى عدّة صفحات.

٦٠٤

الناحية الثالثة: في الحكمة من مشاركة المسيح في الدولة العالمية العادلة.

يؤثّر وجود المسيح (ع) في الدولة العالمية، وبالتالي في التخطيط اللاحق للظهور، في حدود ما نفهم الآن، في عدّة أُمور:

الأمر الأوّل: إيمان اليهود والنصارى به، وهم يمثّلون ردحاً كبيراً من البشرية، وذلك حين يثبت لهم بالحجّة الواضحة أنّه هو المسيح يسوع الناصري نفسه، وأنّ الإنجيل والتوراة إنّما هي هكذا وليست على شكلها الذي كان معهوداً، وأنّ ملكوت الله الذي بشّر به هو في حياته الأُولى على الأرض قد تحقّق فعلاً، متمثّلاً بدولة العدل العالمية.

ولن يبقى منهم شخص من ذلك الجيل المعاصر للظهور إلاّ ويؤمن به، كما هو المستفاد من قوله تعالى:

( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) (١) .

فإنّ الاستثناء بعد النفي يفيد العموم.

الأمر الثاني: أنّه نتيجة للأمر الأوّل سوف يتيسّر الفتح العالمي بدون قتال، بل نتيجة للإيمان بالحق والإذعان له، وقد سبق أن تكلّمنا عن ذلك مفصّلاً، وعرفنا أنّ الجانب الفكري في الفتح العالمي سيكون أوسع بكثير من الجانب العسكري.

الأمر الثالث: تكفّل المسيح عيسى بن مريم (ع) للقيادة في جانب أو عدّة جوانب من الدولة العالمية، وتحمّله مسؤوليّتها، كما لو أصبح في مركز مشابه لرئيس الوزراء في الدولة الحديثة، أو تكفّل الحكم في رقعة كبيرة من الأرض، أو الدولة العالمية.

الناحية الرابعة: إنّ المسيح ابن مريم (ع) وإن كان نبيّاً مرسَلاً، وليس الإمام المهدي (ع) كذلك، غير أنّ القيادة العليا تبقى موكولةً إلى المهدي (ع)؛ وذلك لعدّة وجوه نذكر بعضها:

الوجه الأوّل: إنّ الإمام المهدي (ع) هو الوريث الشرعي للأُطروحة العادلة الكاملة عن نبي الإسلام (ص)، يروي عنه وعن قادة الإسلام الأوائل تفاصيلها وحل معضلاتها، وفهم ظواهرها وخفاياها؛ وبالتالي فقد مرّ الإمام المهدي (ع) بجوٍّ كافٍ للتعرّف على هذه الأُمور على يد آبائه (ع)، وهو ممّا لم يحدث أن وُفّق له المسيح عيسى بن مريم (ع).

____________________

(١) ٤ / ١٥٩.

٦٠٥

الوجه الثاني: القاعدة العامّة التي نصّت عليها الأخبار التي سمعناها، وهي يقولها المسيح نفسه حين يعتذر عن تقدّمه إمامة الجماعة بالمسلمين: إنّ بعضكم على بعض أُمراء، تكرمة الله هذه الأُمّة.

فإنّه بصفته نبيّاً لملّةٍ أُخرى غير دين الإسلام، يكون من الوهن في الحكمة الإلهية أن يكون حاكماً للمجتمع المسلم بما فيه من أولياء وصالحين، وكأنّه يظهر عندئذٍ عجز الأُمّة الإسلامية عن إيجاد قائد كبير منها. بل إنّ الحكمة والتفضّل الإلهيين اقتضى أن يكون الحاكم الأعلى للدولة الإسلامية مسلماً بالأصل، لا يمت إلى أيّ دينٍ آخر بصلة، مضافاً إلى صفاته الأُخرى.

الناحية الخامسة: دلّت الروايات على أنّ بقاء المسيح في الأرض بعد نزوله أربعين سنة، ولعلّ المراد به مجرّد فكرة الكثرة، بشكل يناسب أن تكون أكثر أو أقل بمقدارٍ ما. وحيث يكون من الراجح، كما سوف نشير أنّ الإمام المهدي (ع) لن يبقى في الحياة بعد ظهوره، إلاّ حوالي العشر سنوات، إذاً فسوف يبقى المسيح بعد المهدي (ع) حوالي ثلاثين عاماً، وهي فترة ليست بالقصيرة بالنسبة إلى النظام المهدوي الجديد. ويؤيّد ذلك قوله في رواية أُخرى، وعيسى في آخرها. فإنّه لا يكون في آخرها إلاّ إذا كان متأخّراً في البقاء في الحياة بعد الإمام المهدي (ع).

ومهما يكن من شكل الرئاسة العليا لدولة العدل العالمية بعد الإمام المهدي (ع) - وهذا ما سنذكره في الباب الآتي - فإنّ المسيح (ع) لن يتولّ الرئاسة على أيّ حال، بل سيكون له قسط من العمل والتوجيه، أو يستمر بنفس صفته التي كان عليها بين يدي شخص الإمام المهدي (ع).

نعرف ذلك من القاعدة التي سمعناها: إنّ بعضكم على بعض أُمراء. ومن الواضح أنّ الأولياء الموجودين بعد المهدي (ع) كلهم مسلمون بالأصل غير المسيح؛ لأنّه نبي لدين سابق، فيكون هؤلاء الأولياء أولى منه بتولّي الرئاسة.

وإذ تنتهي حياته ويحين أجله، تسكت الروايات عن كيفية موته وسببه. والمفروض أنّه يموت كما يموت غيره من البشر، فهو الآن يصعد بروحه وحدها إلى السماء، بعد أن كان قد صُعد فيما سبق بروحه وجسمه معاً.

إنّ قانون:( كلّ نفسٍ ذائقة الموت ) يعيّن عليه الموت مهما طال عمره؛ فإنّه قانون عام

٦٠٦

لا يُستثنى منه نبي ولا ولي. وحيث لم يكن ارتفاعه الأوّل موتاً حقيقياً أو كاملاً، كان اللازم بمقتضى هذا القانون: أن يموت الموت الحقيقي الموعود، ولو بعد مئات أو آلاف من عمره الطويل.

فهذا هو الحديث عن بعض النواحي المهمّة من خصائص المسيح (ع).

الجهة الخامسة: في بعض خصائص أهل الكتاب وعقيدتهم يومئذ.

ونتكلّم عن ذلك في عدّة نواحي:

الناحية الأُولى: دلّت بعض الروايات، بما فيها بعض ما سبق: على أنّ المهدي (ع) يستخرج التوراة والإنجيل، وكل الكتب والصحف المـُنزَلة على الأنبياء من غار في أنطاكية، فيحتج بها على اليهود والنصارى، فيدخلون في الإسلام.

إلاّ أن هذا التعيين للمكان لا يخلو من بعض نقاط الضغف:

النقطة الأُولى: عدم كفاية هذه الروايات لإثبات هذا الأمر تاريخياً؛ فإنّها روايات قليلة نسبيّاً وضعيفة السند.

النقطة الثانية: إنّنا أشرنا خلال فهمنا لهذه الأخبار: أنّ المهدي (ع) يستخرج كل كتاب من المكان المذخور فيه... وذلك بعد ضمّ أمرين إعجازيين:

الأمر الأوّل: انحفاظ هذه الكتب من التلف خلال آلاف الأعوام.

الأمر الثاني: إطلاع الإمام المهدي على مكانها، وهي موزّعة في بقاع العالم.

وإنّما حدثت هذه المعجزة باعتبار هداية الناس بهذه الكتب بعد الظهور، فأصبحت مطابقة لقانون المعجزات، على أنّه يمكن حمل الأمرين على الشكل الطبيعي أيضاً.

وأمّا اجتماع هذه الكتب كلها من غار أنطاكية، فهو ممّا لا مبرّر له لا إعجازي ولا طبيعي، كما هو واضح، فيكون باطلاً.

الناحية الثانية: كيف يثبت للناس أنّ هذه هي الكتب الحقيقية؟ وكيف يثبت أنّ هذا هو عيسى بن مريم (ع) نفسه، وأن هذه هي الكتب الواقعية؟ مع أنّ الناس غير مشاهدين وغير معاصرين له ولا لها، وخاصّة أنّ هناك في اليد نُسَخ من التوراة والإنجيل ستكون مختلفة عن تلك النسخ الأصلية.

وجواب ذلك: أنّ هذا الإثبات يتم بعد إقامة الحجّة الكاملة من قِبَل المهدي (ع) على مهدويّته وصدقه، بحيث يكون كل ما يخبر به مسلّم الصحّة عند الناس؛ فيعرّفهم على

٦٠٧

المسيح وعلى التوراة والإنجيل، مضافاً إلى ما قد يضيفه المسيح نفسه من حجج وبيّنات، فيثبت بها نفسه وصدقه، إلى جنب عدالة القضية ككل.

وبهذا نعرف أنّ قضية نزول المسيح أو استخراج الكتب لا يكون بمجرّد حجّة كافية؛ لوضوح أنّ نزول عيسى من السماء لن يشاهده إلاّ القليل، وربّما لا يشاهده أحد.

فيحتاج هو على الأرض إلى إثبات لشخصيّته، وكذلك الكتب فإنّ مجرّد وجودها هناك لا يعني صدقها ومطابقتها للواقع، ما لم يقترن كل ذلك بالحجّة الكافية لإثباته.

نعم، بعد أن يثبت كل ذلك بالحجّة، وقد سبق أيضاً للناس التبشير بحصول ذلك في عصر المهدي (ع) في الأخبار التي سمعناها، يكون ذلك بطبيعة الحال، دعماً لصدقه وعدالة قضيّته.

الناحية الثالثة: أنّه دلّت بعض الأخبار على أنّ الإمام المهدي (ع) أنّه قال:

( لو ثُنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم )(١) .

كما يؤيّد أيضاً بقوله تعالى:

( إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ * وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ

____________________

(١) انظر إرشاد الديلمي ج ٢ ص٦ ط بيروت.

٦٠٨

فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (١) .

( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ) .

وقال تعالى:

( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ... ) الآية(٢) .

حيث دلّت هذه النصوص على أنّه عند الحكم العادل، ينبغي أن تنزل كل الكتب السماوية إلى حيّز التطبيق، وكل منها على مَن يؤمن بها. وقد وصف من يعصي حكم التوراة بالكافرين تارةً وبالظالمين أُخرى، ووصف مَن يعصي حكم الإنجيل بالفاسقين. كل ما في الأمر أنّ الزمام الأعلى للحكم الإسلامي الذي أنزله الله تعالى في القرآن، مهيمناً على الملل السابقة.

وإنّما تمنّى أمير المؤمنين (ع) إنجاز ذلك، وإنّما يقوم المهدي (ع) به، تطبيقاً لهذا التأكيد القرآني الذي سمعناه.

ويمكن فهم هذا التأكيد على أساس عدّة أُطروحات محتملة:

الأُطروحة الأُولى: أن يُراد من تطبيق هذه الكتب: تطبيق ما أمرت به من الدخول في الإسلام، وبشّرت به من وجود نبي الإسلام. وسيكون هذا واضحاً في النسخ التي سوف يجيء بها المهدي (ع) من هذه الكتب.

وهذا هو الفهم التقليدي لهذه الآيات القرآنية، وهو فهم محترم لولا أنّه يخالف ظاهر بعض الآيات، فإنّ قوله تعالى:( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ إلى أن يقول:وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ظاهر بأنّ المطلوب هو تطبيق هذه الأحكام نفسها التي عدّدتها الآية الكريمة. وقوله:( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ... لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ) ظاهر بأنّ الرفاه الاجتماعي ناتج عن إقامة الأحكام التفصيلية للكتب نفسها، وقَصْرها على مجرّد تبشيرها بالإسلام، خلاف

____________________

(١) ٥ / ٤٤ - ٤٨.

(٢) ٥ / ٦٦.

٦٠٩

الظاهر لا يُصار إليه إلاّ بدليل.

الأُطروحة الثانية: أن يراد من تطبيق هذه الكتب، تطبيق أحكامها جملةً وتفصيلاً، وخاصةً تلك الكتب التي يخرجها المهدي (ع) ويثبت أنّها هي التوراة والإنجيل الواقعية.

إلاّ أنّ هذه الأُطروحة غير محتملة؛ لأنّ في هذه الكتب ناسخ ومنسوخ، وكلها منسوخة بشريعة الإسلام؛ فالتوراة ناسخة للشرائع السابقة عليها، والإنجيل ناسخ لأحكام التوراة، والقرآن ناسخ لأحكام الإنجيل. ومعنى كونه منسوخاً أنّه يجب العمل عليه في حكم الله عزّ وجلّ، بل يجب العمل فقط على الشريعة الأخيرة الناسخة لكل الشرائع السابقة، والتي ليس بعدها ناسخ لها، وهي الإسلام؛ ومعه، لا معنى للعمل بالأحكام التفصيلية للشرائع السابقة.

وهذا النسخ لا يختلف فيه الحال بين المسلمين وبين اليهود والنصارى، فليس من الصحيح أنّ أحكام التوراة - مثلاً - منسوخة بالنسبة إلى المسلمين، ولكنّها سارية المفعول على اليهود؛ لأنّ الشرائع المتأخّرة عن التوراة إن لم تكن صحيحة، كانت تلك الأحكام منسحبة عن كل البشر، ولا معنى للتفريق.

على أنّ بعض هذه الكتب لا يحتوي على أحكام بالمرّة، أو يحتوي على شيءٍ قليل لا يكفي لتطبيق العدل: كالزبور والإنجيل نفسه.

الأُطروحة الثالثة: تطبيق هذه الكتب من زاوية عدد من الأحكام المهمّة التي أعربت عنها، وليس المراد تطبيقها جملةً وتفصيلاً.

فإنّ هناك من الأحكام ما كان ناشئاً من فهم معيّن للعدل والقانون بشكلٍ عام، حتى أصبح عدد من واضحاتها ضروري التطبيق في المجتمعات البشرية كلها على خط وجودها الطويل، منذ أن استطاعت تطبيق الشرائع.

وحيث يكون فهم العدل والقانون في الشرائع السماوية عموماً واحداً، أعني الشرائع بشكلها الواقعي، فإنّها صادرة من مصدر واحد حكيم لا نهائي في علمه وقدرته؛ كانت الأحكام الأساسية مشتركة ما بين الشرائع، لا تختلف إلاّ في حدود اختلاف الحاجات التربوية التي تمرّ بها المجتمعات.

وإذ يكون هذا الفهم العام موجوداً أيضاً في دولة العدل العالمية، لكن بشكل معمّق

٦١٠

وموسّع، يكون من المنطقي جدّاً: أن يكون تطبيق الأحكام الأساسية المشتركة الناشئة من ذلك الفهم مطلوباً أيضا ًفي هذه الدولة، مضافاً إلى الأحكام الأُخرى المطبّقة فيها.

وهذا التطبيق يكون عامّاً على كل البشر وغير خاص بأهل الملل السابقة، بل تدخل هذه الأحكام في ضمن قوانين الدولة العالمية، ويكون هو المراد من تطبيق هذه الكتب والحكم بمؤديات أحكامها، فإنّ تطبيق أحكامها الأساسية والفهم العام الذي تقوم عليه، يعتبر تطبيقاً لها، مضافاً إلى تطبيق تبشيراتها بالإسلام، واليوم الموعود، يوم العدل العالمي.

وهذه الأُطروحة صحيحة، بمعنى أنّها منسجمة مع سائر النصوص، ولا دليل على بطلانها، في تعيّن القول بصحّتها، مع بطلان الأُطروحتين السابقتين.

ولا ينافي صحّة هذه الأُطروحة، أن نلتزم بصحّة الأُطروحة الآتية لو رأينا الدليل عليها تامّاً، فإنّهما أطروحتان غير متنافيتين.

الأُطروحة الرابعة: أن يكون المراد من تطبيق التوراة والإنجيل، تطبيقهما على أهل الملل المؤمنين بهما دون غيرهم.

لكن لا بمعنى التفريق بينهم وبين غيرهم بشكلٍ كامل، الأمر الذي نفيناه فيما سبق، بحيث يكون الشامل لهؤلاء خصوص أحكام هذه الكتب دون سائر قوانين وأنظمة الدولة العالمية، بل إنّ هذه القوانين شاملة للجميع، ويختص هؤلاء بأحكام كتبهم، ريثما يدخلون في الإسلام تدريجيّاً.

وفي كل مادة قانونية اختلف فيه قانون الدولة عن حكم الكتب، كان الحاكم العادل مخيّراً بين تطبيق قانونه أو قانونهم عليهم، كما أفتى به الفقهاء المسلمون أيضاً، واستفادوا ذلك من قوله تعالى:

( فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ) (١) .

يعني أحكم بينهم بحكم الإسلام، أو أعرض عنهم ودعهم ليطبّقوا أحكامهم الخاصّة.

وهذا هو الأنسب مع نصوص الأخبار التي سمعنا بهذا الصدد، حيث قالت: إنّ أحكام التوراة تُطبّق على أهل التوراة، وأحكام الإنجيل تُطبّق على أهل الإنجيل.

____________________

(١) ٥ / ٤٢.

٦١١

وعلى أيّ حال، فقد تكون كلا الأُطروحتين الثالثة والرابعة صادقتين، ومعه لا تكون الأُطروحة الثالثة منافية مع هذا الظهور الذي أشرنا إليه في الأخبار، كما هو غير خفي.

هذا وسيأتي في الكتاب القادم، ما يلقي ضوءاً إضافيّاً على فهم النصوص.

الناحية الرابعة: في وضع الجِزْية على أهل الكتاب.

صرّحت عدد من الأخبار السابقة، بأنّ السياسة العامّة للدولة العادلة مع أهل الكتاب، ما داموا لم يسلموا، هي إقرارهم على دينهم وأخذ الجزية منهم، كما كان عليه الحكم الإسلامي قبل الظهور، وكما طبّقه رسول الله (ص)، وبقي عليه الحكم المسلم ردحاً طويلاً من الزمن.

كل ما في الأمر أنّ بعض الأخبار نسبت هذه السياسة إلى المسيح عيسى بن مريم (ع)، وبعضها نسبته إلى المهدي (ع)؛ وقد عرفنا أنّ هذا اختلاف شكلي يعود إلى عمل واحد وأهداف مشتركة، يقوم بها هذان القائدان على السواء.

وهذا هو الظاهر من قوله: يضع الجِزْية. يعني يشرّعها ويطبّقها، بعد أن كانت مرتفعة بعد انحسار الحكم الإسلامي قبل الظهور، وهذا هو المشهور في الأخبار كما سمعنا، والموافق للقاعدة الإسلامية المعروفة الواضحة قبل الظهور.

غير أنّنا سمعنا في خبر منها: تخيير المهدي (ع) لليهود والنصارى بين الإسلام والقتل، كما يفعل بسائر المشركين والملحدين في العالم. وهو الرأي الذي مال إليه المجلسي في البحار(١) حيث نسمعه يقول:

وقوله: ( ويضع الجِزْية معناه: أنّه يضعها من أهل الكتاب ويحملهم على الإسلام ).

وهذا أمر محتمل في التصوّر على أيّ حال، حيث يكون ذلك من التشريعات المهدوية الجديدة التي تختلف عن الأحكام السابقة. غير أنّه ممّا لا يمكن الالتزام به بعد ظهور الأخبار بتشريع الجِزْية، وهي الأكثر عدداً بشكلٍ زائد.

وعلى أيّ حال، فالقضيّة منحصرة بمن يبقى على دين اليهودية والنصرانية، وهم عدد قليل يومئذٍ على كل حال، بعدما عرفنا من الفُرَص المتزايدة، والتركيز الكبير على نشر الدين الإسلامي في البشر أجمعين.

____________________

(١) ج١٣ ص١٩٨.

٦١٢

الباب السادس

في انتهاء حياة الإمام المهدي (ع)

وهو باب متكوّن من فصلٍ واحدٍ،

نتكلّم خلاله في عدّة جهات:

٦١٣

٦١٤

الجهة الأُولى: إنّ النتائج التي عرفناها فيما يخص المقام، تتلخّص في عدّة أُمور:

الأمر الأوّل: إنّ مدّة بقاء المهدي (ع) بعد ظهوره، ستكون محدودة، قد لا تزيد على العشر سنوات، كما سبق أن رجّحناه.

الأمر الثاني: إنّ المهدي (ع) سيمارس الحكم من حين سيطرته على العالم إلى وفاته، ومن ثم يكون تحديد عمره حين الظهور، تحديد لمدّة حكمه.

الأمر الثالث: إنّ المهمّة التي يتكفّلها المهدي (ع) في دولته، بعد التجاوز عن الأُمور الإدارية، هي وضع الأُسس العامّة لتربية البشرية، من خلال الأُطروحة العادلة الكاملة باتجاه المجتمع المعصوم.

الأمر الرابع: إنّ نظام المهدي (ع) سيبقى بعد وفاته، وستستمر دولته إلى نهاية البشرية أو قريباً من النهاية، وسنوضّح هذه الجهة في القسم الآتي من الكتاب.

ومن هنا لن تكون الآن هذه الأُمور مورداً للبحث، وإنّما نتكلّم عن أُسلوب وكيفيّة موت الإمام المهدي (ع) إذا شاء الله عزّ وجلّ أن يلحقه بالرفيق الأعلى.

الجهة الثانية: في الأخبار التي تنفع بهذا الصدد:

أخرج أبو داود(١) بسنده عن أُمّ سلمة في حديث يقول فيه (ص)عن المهدي (ع):

فيلبث سبع سنين، ثم يتوفّى ويصلّي عليه المسلمون.

____________________

(١) سنن أبي داود ج٢ ص ٤٢٣.

٦١٥

وأخرج ابن طاووس في الملاحم والفتن(١) عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (ص):

( أُبشّركم بالمهدي... إلى أن قال: فيكون ذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين. ثم لا خير في العيش بعده، أو قال: لا خير في الحياة بعده ).

وأخرج الأربلي(٢) عن أربعين الأصفهاني بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله (ص):

( لو لم يبق من الدنيا إلاّ ليلة؛ لطوّل الله تلك الليلة حتى يملك رجل من أهل بيتي... إلى أن قال: فيملك سبعاً أو تسعاً، لا خير في عيش الحياة بعد المهدي.

وقال في البحار(٣) : على ما ورد عنهم (صلوات الله عليهم) فيما تقدّم من: أنّ الحسين بن علي (ع) هو الذي يغسّل المهدي (ع) ويحكم في الدنيا ما شاء الله.

وقال في إلزام الناصب(٤) ملخّص الاعتقاد في الغيبة والظهور، ورجعة الأئمّة لبعض العلماء، ويقول فيما يقول:

فإذا تمّت السبعون سنة أتى الحجّة الموت فتقتله امرأة من بني تميم اسمها سعيدة. ولها لحية كلحية الرجل بجاون صخر من فوق سطح، وهو متجاوز في الطريق. فإذا مات تولّى تجهيزه الحسين (ع)... الخ.

الجهة الثالثة: إنّ التبادر الأوّلي في الذهن الاعتيادي، هو أن يموت المهدي (ع) حتف أنفه كما يموت سائر الناس، غير أنّه في الإمكان الالتفات إلى عدّة وجوه مقرِّبة لإثبات قتله:

الوجه الأوّل: الخبر المـُرسَل عن الإمام الصادق (ع):

____________________

(١) ص ١٣٥.

(٢) ج٣ص٢٦٤.

(٣) ج١٣ ص٢٢٩.

(٤) ص١٩٠.

٦١٦

( ما منّا إلاّ مقتول أو شهيد ) (١) .

والمراد به أنّ الأئمّة المعصومين (ع) لابد أن يخرجوا من الدنيا بحادث تخريبي خارجي، ولن يموت واحد منهم حتف أنفه، بمَن فيهم الإمام المهدي نفسه، بحسب الفهم الإمامي.

إلاّ أنّ هذا الخبر قاصر عن الإثبات التاريخي، باعتباره خبراً مرسلاً لم تذكر له المصادر سنداً.

الوجه الثاني: ما أشرنا إليه في تاريخ الغيبة الصغرى(٢) من الفكرة التقليدية القائلة بأنّ النبي (ص) والأئمّة (ع) قد خلقت بنيتهم الجسدية قويّة كاملة، لا تكون قابلة للموت والتلف إلاّ بعارضٍ خارجي، فلو لم يحدث شيء على المعصوم، لكان قابلاً للبقاء إلى الأبد. ولكن طبقاً للقانون العام للموت الذي أعربت عنه الآية:

( كلُّ نفسٍ ذائقة الموت ) (٣) .

لابد أن يطرأ عارض خارجي كالقتل ونحوه على كل معصوم؛ لكي يكون هو السبب في انتهاء حياته. وهذه الفكرة تشمل الإمام المهدي (ع) بطبيعة الحال.

وقد ذكرنا في تاريخ الغيبة الصغرى(٤) ما يصلح أن يكون مثبّتاً لهذه الفكرة، وعرفنا هناك أنّها غير صالحة للإثبات؛ فلا يكون هذا الوجه صحيحاً.

الوجه الثالث: النص الأخير الذي نقلناه مع الروايات عن إلزام الناصب، فإنّه يصرّح بأنّ المهدي يموت مقتولاً، ويذكر طريقة موته، وسنعرض مضمونها ونناقشه في الجهات الآتية. والمهم الآن: أنّها هل تصلح دليلاً على إثبات هذه الفكرة بمجرّدها، وهي: أنّ المهدي (ع) يموت مقتولاً؟

والصحيح أنّ هذا النص غير قابل للإثبات أساساً؛ لأنّه ليس رواية عن أحد المعصومين بل عن بعض العلماء، وهذا العالِم لم نعرف اسمه. ولو كان هذا النص إشارة إلى مضامين الروايات - كما هو المضمون - فإنّه يصبح رواية مرسَلة ليس لها أي سند، ولا يعرف الإمام المروي عنه. على أنّ تلك الروايات المشار إليها لا تكون - عادةً - ضعيفة السند وغريبة

____________________

(١) انظر أعلام الورى ص٣٤٩، وتاريخ الغيبة الصغرى ص٢٣٠.

(٢) ص٢٣٠.

(٣) آل عمران: ١٨٥.

(٤) ص٢٣٢.

٦١٧

المضامين، بشكل تسقط معه عن الإثبات التاريخي.

هذا، وستأتي بقيّة مناقشات هذا النص عند التعرّض لتفاصيله.

الوجه الرابع: استبعاد أنّ المهدي (ع) يموت حتف أنفه، وذكر قرائن معيّنة توجب الظن أو الاطمئنان بكونه غير قابل لمثل هذا الموت خلال سبع أو عشر سنين، بل حتى خلال سبعين عاماً.

فمن ذلك قوّته البدنية الموصوفة في الأخبار، التي سمعناها فيما سبق، والتي في بعضها أنّه لو مدّ يده إلى شجرة عظيمة لقلعها، ولو صاح بالجبال لتدكدكت، وقد وُصف بدنه بالضخامة وعظامه بالخشونة ووجهه بالحمرة، ممّا يدل على قوّة بنيته إلى حدٍّ بعيد.

ومن ذلك غيبته المترامية في الطول، بحسب الفهم الإمامي فإنّ مَن عاش هذه القرون، قابل لأن يعيش ردحاً طويلاً من الزمن.

مضافاً إلى ما سبق أن قلناه من أنّ فترات عمر الإنسان، كالشباب والكهولة، تنقسم من عمره بنسب معيّنة، فإن كان العمر طبيعياً كالمعهود، كانت كل فترة خمسة عشر عاماً أو عشرين مثلاً، وإن كان أطول كانت الفترات مقسّمة بنفس النسبة لكن بسنوات أكثر، على مقدار العمر المفترَض، فقد تكون فترة الشباب خمسمئة عام وهكذا.

فإذا علمنا أنّ الإمام المهدي يظهر بعد أكثر من ألف عام وهو في آخر الشباب، في عمر الأربعين، كما سمعنا من الأخبار، إذاً فقد بقيت فترات أُخرى من عمره لم يمر بها بعد وهي في الكهولة والشيخوخة، ويحتاج من خلال عمره الطويل أن يمر بنفس المقدار السابق من السنين تقريباً؛ لكي يستوفي هاتين الفترتين.

ومن ذلك، ما عرفناه مفصّلاً من الخبرة العميقة التي تكون لدى الإمام المهدي، بما فيها من خبرات طبيّة تعود إلى أُسلوب العناية بالجسم وإبقائه صحيحاً معافى إلى أكبر حدّ ممكن.

إلى قرائن أُخرى تدعم الظن، بأنّ الإمام المهدي لن يموت بهذه السرعة بدون حادث تخريبي خارجي.

وهذه القرائن قائمة، ولا نافي لها، إلاّ أنّها تعدو الظن، ولا تصل إلى درجة الإثبات التاريخي بطبيعة الحال.

وإذا لم يتم شيء من هذه الوجوه، كان احتمال موته حتف الأنف قابلاً للإثبات التاريخي؛ لأنّه القاعدة العامّة في البشر، حيث لا يوجد حادث خارجي.

٦١٨

الجهة الرابعة: إنّ الخبر الأخير الدال على كيفية مقتله (ع)، يحتوي على عدّة نقاط ضعف، غير ما سبق:

النقطة الأُولى: إنّ الأمام المهدي يُقتل بحادث عمدي تخريبي، أو بمؤامرة مدبّرة ضدّه، وهذا بعيد جدّاً، بعد أن استطاع المهدي تربية البشرية بشكلٍ عام، وإحراز الرأي العام لعدالة نظامه وعظمة شخصه، وما له من المميّزات والقدرات، الأمر الذي يخلّف أفضل الأثر في نفوس الناس وأعظم الاحترام، ممّا يستبعد معه تفكير أيّ منهم في التآمر ضدّه.

وسيدرك الناس تدريجيّاً وبسرعة: المبرّرات الواقعية التي قام المهدي بموجبها بحملات القتل الكثير في أوّل ظهوره، وسيعرفون أنّهم قد استفادوا من ذلك فائدةً كبيرة، إذ مع وجود أولئك المنحرفين لا يمكن إقامة العدل، ولا شمول السعادة والرفاه، ومعه لن يكون لتلك الحوادث انعكاس سيّئ في النفوس ليوجب تآمر البعض للإجهاز عليه.

ومعه، يكون ما دلّ عليه الخبر من وجود التآمر بعيد جدّاً.

النقطة الثانية: يدل الخبر على أنّ المهدي (ع) يُقتل بجاون صخر يقع عليه، من أعلى وهو ماشٍ في الطريق، والجاون آلة قديمة لسحق الأشياء ودقّها: كالحبوب، وهو عبارة عن جسم مجوّف ثقيل الوزن له فتحة من أعلاه توضع فيه الحبوب، ويلحق به جسم اسطواني ضخم للدق فيه، وهو قد يُعمل من الصخر وقد يُعمل من الخشب.

واستعمال مثل هذه الآلة في العصر المهدوي القائم على العمق الحضاري والعمق المدني معاً، كما سبق أن برهنّا، أمر غير محتمل، كما أنّ وجوده على السطح في مثل هذه البيوت القديمة التي كان يوجد فيها، أمر غير محتمل لثقله وقوّة الضرب فيه، ممّا يوجب انهدام السطح، وإنّما كان يستعمل عادةً على الأرض.

وقد يخطر في الذهن: أنّه في الإمكان حمل ( الجاون ) على بعض الآلات المتطوّرة كما حملنا السيف على كل آلة للقتال.

وهذا أمر محتمل، إلاّ أنّ جوّ الخبر ينافيه، ويدل على نفيه كما هو واضح، بخلاف مثل قولنا: إنّ المهدي يظهر بالسيف، فإنّ معناه: أنّه يظهر حاملاً للسلاح، وليس في تلك الأخبار ما يدل على نفي هذا المعنى.

النقطة الثالثة: يدل الخبر على أنّ المرأة التي تقتله ذات لحية كلحية الرجل.

وهذا المعنى له عدّة محتملات كلها فاسدة، فيكون أصل المعنى فاسداً.

٦١٩

الاحتمال الأوّل: أن يكون لهذه المرأة شعر غير قليل في مكان اللحية حرصت على تنميته وإظهاره. وهذا ما قد يحدث لبعض النساء وإن كان نادراً. غير أنّ اللحية عندئذٍ لا تكون كلحية الرجل، بل لا تكون لحية إلاّ مجازاً؛ لأنّ المناطق الخالية من الشعر كثيرة جدّاً، فهي أشبه بلحية الرجل الأحص أو الأكوس، لا بلحية الرجل الطبيعي، مع أنّ ظاهر الخبر: أنّها كلحية الرجل الطبيعي.

الاحتمال الثاني: أن يكون لهذه المرأة لحية كلحية الرجل تماماً، وهذا مقطوع العدم؛ لأنّه لم يحدث في التاريخ لأيّ امرأة، ممّا يدل على أنّ الجنس الناعم مناف مع وجود مثل هذه اللحية خَلْقيّاً.

ويجيب الفكر التقليدي على ذلك:أنّه ما من عام إلاّ وقد خُصّ، وقدرة الله تعالى شاملة لمثل ذلك، ومن ثم توجد هذه المرأة بلحيتها لتكون هي القاتلة للإمام المهدي بعد ظهوره.

والجواب على ذلك: أنّه بعد التجاوز عمّا قلناه من عدم قابليّة الخبر للإثبات، بالرغم من أنّ الفكر التقليدي قائم على قبوله وقبول أمثاله تعبّداً.

إنّ هذه المرأة لو وُجدت في عصر الظهور، وعاشت بين الناس وأظهرت لحيتها، والتفت الناس إلى هذه الظاهرة النادرة، وكان مفكروهم وعلماؤهم قد قرأوا في الكتب أنّ مثل هذه المرأة تقتل المهدي.. إذاً فسوف تتعيّن هذه المرأة لقتل المهدي قبل أن تقوم به بسنين، وسوف يقع على ذلك كلام كثير ومناقشات، وسوف يسأل المهدي (ع) نفسه عنها، وسوف يكون للدولة تجاهها موقف معيّن لا نستطيع الآن أن نعرف كنهه، ليس هو غضّ النظر عنها وإهمالها بالمرّة على أيّ حال، فقد لا تكون النتيجة تماماً كما يتوقّع الفكر التقليدي أن يكون.

الاحتمال الثالث: أن تكون هذه المرأة طبيعية الخَلْق كباقي النساء، ولكنّها تضع لحية على نحو الاستعارة، على شكل باروكة تضعها على وجهها تشبّهاً بالرجل، وهذا الاحتمال له صورتان:

الصورة الأُولى: أن يفترض أنّه يوجد للنساء اتجاه عام لوضع اللحى المستعارة على الذقون، وتكون المرأة القاتلة واحدة من هؤلاء النساء.

إلاّ أنّ وجود مثل هذا الاتجاه في دولة العدل العالمية من غير المحتمل أن يوجد، بعد أن انتهت قصّة ( تشبّه النساء بالرجال ) بالظهور نفسه، وتمّ القضاء على جذورها

٦٢٠

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679