موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)8%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

الجزء ١ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212454 / تحميل: 11106
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

وفي تفسير فرات (٣٠٦) بسنده عن ابن عبّاس، قال: قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فينا خطيبا، فقال: الحمد لله على آلائه وبلائه عندنا أهل البيت أيّها، الناس إنّ الله تبارك وتعالى خلقني وأهل بيتي من طينة لم يخلق أحدا غيرنا ومن موالينا ثمّ قال: هؤلاء خيار خلقي، وحملة عرشي، وخزّان علمي، وسادة أهل السماء والأرض، هؤلاء البررة المهتدون المهتدى بهم، من جاءني بطاعتهم وولايتهم أولجته جنّتي وأبحته كرامتي، ومن جاءني بعداوتهم والبراءة منهم أولجته ناري وضاعفت عليه عذابي، وذلك جزاء الظالمين.

ويدلّ على المطلب ما مرّ من روايات التولّي والتبري، وجميع الأدلّة الدالّة على وجوب حبّهم ومتابعتهم وأنها تدخل الجنّة، وحرمة بغضهم وعصيانهم وأنها توجب النار.

وقد روى الثعلبي في تفسير قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) بإسناده إلى جرير بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله يقول: من مات على حبّ آل محمّد مات شهيدا، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفورا له، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائبا، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمنا مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد زفّ إلى الجنّة زفّا كما تزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله زوّار قبره الملائكة بالرحمة، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السّنّة، ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه « آيس من رحمة الله »، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة. انظره في كشف الاشتباه (١٦٤) وتفسير الكشاف ( ج ٤؛ ٢٢٠ - ٢٢١ ) وتفسير الفخر الرازيّ ( ج ٧؛ ٤٠٥ ) والعمدة (٥٤) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٢٦ ) وجواهر العقدين للسمهوديّ / العقد الثاني - الذكر العاشر (٢٥٣) من المخطوطة، وفرائد السمطين ( ج ٢؛ ٢٥٥ - ٢٥٦ ).

وفي مناقب الخوارزمي (٣٢) بسنده عن ابن عمر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا ومن

__________________

(١) الشورى؛ ٢٣.

٤٠١

مات على حبّ آل محمّد فأنا كفيله بالجنّة مع الأنبياء، ألا ومن أبغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه « آيس من رحمة الله ».

والروايات في هذا المعنى في أهل البيت من طرق الفريقين كثيرة، يتعذر إحصاؤها وتعداد المصادر الّتي أوردتها، وفيما ذكرناه وألمحنا إليه كفاية وغنى في المقام.

٤٠٢

الطّرفة العشرون

روى هذه الطّرفة بسنده عن عيسى، الشريف الرضي في خصائص الأئمّة ( ٧٣ - ٧٥ ) بعد الطّرفة السادسة عشر مباشرة، ورواها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٨٥ - ٤٨٧ ) عن كتاب الطّرف.

إنّ إرجاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر عن الصلاة الّتي كانت بأمر عائشة ممّا روي في كتب السنّة فضلا عن الشيعة، ورووا خروجهصلى‌الله‌عليه‌وآله معتمدا على عليّعليه‌السلام والفضل بن العبّاس، فأخّر أبا بكر عن الصلاة، وكانت آخر صلاة صلاّهاصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمسلمين، ثمّ صعد المنبر فخطب، وكانت آخر خطبة لهصلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر.

ففي إرشاد القلوب ( ٣٣٨ - ٣٤١ ) عن حذيفة في خبر طويل، قال: واشتدت علّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدفعت عائشة صهيبا، فقالت: امض إلى أبي بكر وأعلمه أن محمّدا في حال لا ترجى، فهلموا إلينا أنت وعمر وأبو عبيدة ومن رأيتهم أن يدخل معكم، وليكن دخولكم المدينة باللّيل سرّا فدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ليلا المدينة، ورسول الله قد ثقل ...

قال: وكان بلال مؤذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يؤذن بالصلاة في كلّ وقت صلاة، فإن قدر على الخروج تحامل وخرج وصلّى بالناس، وإن هو لم يقدر على الخروج أمر عليّ بن أبي طالب فصلّى بالناس، وكان عليّ والفضل بن العبّاس لا يزايلانه في مرضه ذلك، فلمّا أصبح رسول الله من ليلته تلك الّتي قدم فيها القوم الّذين كانوا تحت يدي أسامة أذّن بلال، ثمّ

٤٠٣

أتاه يخبره كعادته، فوجده قد ثقل، فمنع من الدخول إليه، فأمرت عائشة صهيبا أن يمضي إلى أبيها فيعلمه أنّ رسول الله قد ثقل وليس يطيق النهوض إلى المسجد، وعليّ بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس، فاخرج أنت إلى المسجد وصلّ بالناس، فإنّها حالة تهيّئك وحجّة لك بعد اليوم.

قال: ولم يشعر الناس - وهم في المسجد ينتظرون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو عليّاعليه‌السلام يصلّي بهم كعادته الّتي عرفوها في مرضه - إذ دخل أبو بكر المسجد، وقال: إنّ رسول الله قد ثقل، وقد أمرني أن أصلّي بالناس ثمّ نادى الناس بلالا، فقال: على رسلكم رحمكم الله لأستأذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك، ثمّ أسرع حتّى أتى الباب فقال: إنّ أبا بكر دخل المسجد وتقدّم حتّى وقف في مقام رسول الله، وزعم أنّ رسول الله أمره بذلك وأخبر رسول الله الخبر، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أقيموني، أخرجوني إلى المسجد، والّذي نفسي بيده قد نزلت بالإسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن، ثمّ خرج معصوب الرأس يتهادى بين عليّ والفضل بن العبّاس ورجلاه تجرّان في الأرض، حتّى دخل المسجد، وأبو بكر قائم في مقام رسول الله وقد طاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الّذين دخلوا وتقدّم رسول الله فجذب أبا بكر من ردائه فنحّاه عن المحراب، وأقبل أبو بكر والنفر الّذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله، وأقبل الناس فصلّوا خلف رسول الله وهو جالس، وبلال يسمع الناس التكبير، حتّى قضى صلاته، ثمّ التفتصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم ير أبا بكر، فقال: أيها الناس، ألا تعجبون من ابن أبي قحافة وأصحابه الذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يدي أسامة، وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الّذي وجّهوا إليه، فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة، ألا وإنّ الله قد أركسهم فيها، اعرجوا بي إلى المنبر.

فقامصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مسنّد حتّى قعد على أدنى مرقاة، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّه قد جاءني من أمر ربّي ما الناس صائرون إليه، وإني قد تركتكم على الحجّة الواضحة، ليلها كنهارها، فلا تختلفوا من بعدي كما اختلف من كان قبلكم من بني إسرائيل، أيّها الناس إنّي لا أحلّ لكم إلاّ ما أحلّه القرآن، ولا أحرّم عليكم إلاّ ما حرّمه القرآن، وإنّي مخلّف

٤٠٤

فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، هما الخليفتان فيكم، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فأسالكم بما ذا خلّفتموني فيهما، وليذادنّ يومئذ رجال عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل، فيقول رجال: أنا فلان وأنا فلان، فأقول: أمّا الأسماء فقد عرفت، ولكنّكم ارتددتم من بعدي، فسحقا لكم سحقا. ثمّ نزل عن المنبر وعاد إلى حجرته، ولم يظهر أبو بكر ولا أصحابه حتّى قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وانظر حرص عائشة وحفصة، كلّ منهما على تقديم أبيها للصلاة، وقول النبي لهما: « اكففن فإنّكنّ كصويحبات يوسف » وخروجه للصلاة وتأخيره أبا بكر في الإرشاد ( ٩٧ - ٩٨ ) وإعلام الورى ( ٨٢ - ٨٤ ) والمسترشد في الإمامة ( ١٢٤ - ١٢٦، ١٣٢، ١٤٢ - ١٤٣ ) والشافي في الإمامة ( ج ٢؛ ١٥٨ - ١٥٩ ).

وقال الكوفي في الاستغاثة (١١٧) بعد ذكره لروايات أبناء العامة في صلاة أبي بكر وإرجاع النبي إيّاه، قال: وأمّا رواية أهل البيتعليهم‌السلام في تقديمه للصلاة، فإنّهم رووا أنّ بلالا صار إلى باب رسول الله فنادى: الصلاة، وكان قد أغمي على رسول الله ورأسه في حجر عليّعليه‌السلام ، فقالت عائشة لبلال: مر الناس أن يقدّموا أبا بكر ليصلّي بهم، فإنّ رسول الله مشغول بنفسه، فظنّ بلال أنّ ذلك عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال للناس: قدّموا أبا بكر فيصلّي بكم، فتقدّم أبو بكر، فلمّا كبّر أفاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من غشوته، فسمع صوته، فقال عليّعليه‌السلام : ما هذا؟ قالت عائشة: أمرت بلالا يأمر الناس بتقديم أبي بكر يصلّي بهم، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أسندوني، أما إنّكنّ كصويحبات يوسف فجاءصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المحراب بين الفضل وعليّ وأقام أبا بكر خلفه ...

وأمّا ما روته كتب العامّة، فإنّه مرتبك من حيث التفاصيل، ففي بعضها أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبا بكر بالصلاة، وفي بعضها أنّ عائشة أمرته بذلك، وفي بعضها أنّ النبي أمر أن يصلّي أحدهم ولم يعيّن، فتنازعت عائشة وحفصة كلّ تريد تقديم والدها، إلى أن تقدّم أبو بكر، ثمّ نقلوا أنّ النبي خرج يهادي بين رجلين - لم يذكرهما البخاريّ، وذكرتهما المسانيد الأخرى، وهما عليّ والفضل - حتّى وقف يصلّي، قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١٤؛ ٢٣ ): فمنهم

٤٠٥

من قال: نحّاه وصلّى هو بالناس، ومنهم من قال: بل ائتم بأبي بكر كسائر الناس، ومنهم من قال: كان الناس يصلّون بصلاة أبي بكر، وأبو بكر يصلّي بصلاة رسول الله.

ولا يخفى عليك أنّه لا يجوز أن يتقدّم أحد على النبي في الصلاة وفي غيرها، خصوصا وأنّه لا بدّ من تقديم الأعلم والأفقه والهاشمي وغيرها من شروط تقدّم الإمام، وكلّها لا تصحّح تقدّم أحد على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خصوصا وأنّ في كثير من الروايات قولهم « لم يكن أبو بكر كبّر، فلمّا سمع حسّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تأخّر، فأخذ النبي بيده وأقامه إلى جنبه، فكبّر وكبّر أبو بكر بتكبيره، وكبّر الناس بتكبير أبي بكر »، فما كان أبو بكر سوى مسمع لصلاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما هو دأب المنادي في الصلاة.

ونقل ابن أبي الحديد في شرحه للنهج ( ج ٩؛ ١٩٧ ) كلام الشيخ أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني؛ حيث قال في جملة كلامه: فكان - من عود أبي بكر من جيش أسامة بإرسالها [ أي عائشة ] إليه، وإعلامه بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يموت - ما كان، ومن حديث الصلاة بالناس ما عرف، فنسب عليّعليه‌السلام عائشة أنّها أمرت بلالا مولى أبيها أن يأمره فليصلّ بالناس؛ لأنّ رسول الله - كما روي - قال: « ليصلّ بهم أحدهم » ولم يعيّن، وكانت صلاة الصبح، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في آخر رمق يتهادى بين عليّ والفضل بن العبّاس، حتّى قام في المحراب كما ورد في الخبر وكان عليّعليه‌السلام يذكر هذا لأصحابه في خلواته كثيرا، ويقول: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقل « إنّكنّ لصويحبات يوسف » إلاّ إنكارا لهذه الحال، وغضبا منها؛ لأنّها وحفصة تبادرتا إلى تعيين أبويهما، وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله استدركها بخروجه وصرفه عن المحراب ....

وقد حقّق ابن الجوزيّ المسألة في كتابه « آفة أصحاب الحديث: ٥٥ » ثمّ قال: في هذه الأحاديث الصحاح المشروحة أظهر دليل على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان الإمام لأبي بكر؛ لأنّه جلس عن يساره، وقولهم: يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله، دليل على أنّ رسول الله كان الإمام.

والمحقّق من الروايات أنّ أبا بكر استغلّ مرض النبي، فتقدّم بأمر من ابنته عائشة، وإسناد من معه، إلى الصلاة، فلمّا أحسّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج يتهادى بين عليّعليه‌السلام والفضل، فأرجع أبا بكر ولم يكن ابتدأ بالصلاة، فكبّرصلى‌الله‌عليه‌وآله هو وصلّى قاعدا وصلّى خلفه المسلمون.

٤٠٦

قال المظفر في دلائل الصدق ( ج ٢؛ ٦٣٣ ): والحقّ أنّه لم يصلّ بالناس إلاّ في صلاة واحدة وهي صلاة الصبح؛ تلبّس بها بأمر ابنته، فعلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج يتهادى بين عليّعليه‌السلام والعبّاس أو ابنه الفضل، ورجلاه تخطّان في الأرض من المرض، وممّا لحقه من تقدّم أبي بكر ومخالفة أمره بالخروج في جيش أسامة، فنحّاه النبي وصلّى ثمّ خطب، وحذّر الفتنة، ثمّ توفي من يومه وهو يوم الإثنين، وقد صرّحت بذلك أخبارنا، ودلّت عليه أخبارهم؛ لإفادتها أنّ الصلاة الّتي تقدّم فيها هي الّتي عزله النبي عنها، وإنّها صبح الاثنين وهو الّذي توفي فيه.

وقد وردت هذه الروايات في أمّهات المصادر والصحاح، كصحيح البخاريّ ( ج ١؛ ٥٩ ) وفتح الباري ( ج ١؛ ٢٤٢ ) وشرح الكرمانيّ ( ج ٣؛ ٤٥ ) والموطّأ ( ج ١؛ ١٥٦ ) وصحيح مسلم بشرح النووي ( ج ٣؛ ٦١ ) ومسند أحمد بن حنبل ( ج ٥؛ ٣٢٢ ) والمصنّف لعبد الرزاق ( ج ٥؛ ٤٢٩ ) ودلائل النبوّة للبيهقي ( ج ٧؛ ١٩١ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٣؛ ١٩٥ - ١٩٦ / أحداث سنة ١١ ).

وانظر تحقيق الحال في الاستغاثة ( ١١١ - ١١٧ ) وبحار الأنوار ( ج ٢٨؛ ١٣٠ - ١٧٤ ) ففيه بحث قيّم للمجلسيرحمه‌الله ، ودلائل الصدق ( ج ٢؛ ٦٣٣ - ٦٤٢ ) وكتاب الإمامة للسيّد عليّ الميلاني ( ٢٨٥ - ٣٥٦ ) « رسالة في صلاة أبي بكر »، وهذه الكتب بحثت المسألة من خلال كتب العامّة فقط، فلاحظها ولاحظ مصادرها.

وفي كثير من المصادر - الإماميّة والعاميّة الذاكرة لهذا الحادث - خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الّتي أوصاهم فيها بالكتاب والعترة، وحذّرهم فيها من الفتن والفرقة، ففي أمالي المفيد (١٣٥) عن معروف بن خربوذ، قال: سمعت أبا عبد الله مولى العبّاس يحدّث أبا جعفر محمّد بن عليعليهما‌السلام ، قال: سمعت أبا سعيد الخدريّ يقول: إنّ آخر خطبة خطبنا بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لخطبة خطبنا في مرضه الّذي توفّي فيه، خرج متوكئا على عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وميمونة مولاته، فجلس على المنبر، ثمّ قال: يا أيّها الناس ...

وفي جواهر العقدين المخطوط (١٦٨) قال: ثمّ إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قام معتمدا على عليّعليه‌السلام والفضل

٤٠٧

حتّى جلس على المنبر وعليه عصابة، فحمد الله وأثنى عليه، وأوصاهم بالكتاب وعترته أهل بيته، ونهاهم عن التنافس والتباغض وودّعهم. وانظر الخطبة وخروجه إليها في الاحتجاج ( ٤٣ - ٤٧ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٤٢ ) عن أبي سعيد الخدريّ، وصحيح البخاريّ / باب مناقب الأنصار رقم ١١، وصحيح مسلم ( ج ٧؛ ٧٤ / فضائل الصحابة ) ومسند أحمد بن حنبل ( ج ٣؛ ١٥٦، ١٧٦، ١٨٨، ٢٠١ ).

ألا قد خلّفت فيكم كتاب الله وخلّفت فيكم العلم الأكبر وصيّي عليّ بن أبي طالب

تقدّم الكلام عن حديث الثقلين في الطّرفة العاشرة، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كتاب الله وأهل بيتي فإنّ اللّطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »، وذكرنا هناك أنّ علياعليه‌السلام هو رأس أهل البيت الثقل الثاني، ووردت روايات صريحة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: « كتاب الله وعليّ بن أبي طالب » كما تقدّم نقله عن كتاب مائة منقبة لابن شاذان ( ١٤٠ المنقبة ٨٦ ). ونزيد هنا أنّ الخوارزمي أخرجه أيضا في كتاب مقتل الحسينعليه‌السلام ( ج ١؛ ٣٢ ) والديلمي في إرشاد القلوب (٣٧٨) عن زيد بن ثابت أيضا.

كما تقدّم الكلام عن حديث « أنّ عليّا هو العلم » في الطّرفة الحادية عشر، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ عليّ بن أبي طالب هو العلم، فمن قصر دون العلم فقد ضلّ، ومن تقدّمه تقدّم إلى النار، ومن تأخّر عن العلم يمينا هلك، ومن أخذ يسارا غوى » فراجع.

ألا وهو حبل الله فاعتصموا به جميعا ولا تفرّقوا عنه

لقد روت المصادر الإماميّة والعاميّة هذا المضمون بأسانيد مختلفة، ويمكن تقسيم الروايات الواردة في هذا المعنى إلى ثلاثة أقسام: أوّلها: ما ورد فيه أنّ عليّا هو حبل الله، وثانيها: ما ورد فيه أنّ آل محمّد حبل الله، وثالثها: ما ورد فيه أنّ عليّا والأئمّة من ولده حبل الله.

٤٠٨

فأمّا القسم الأول: ففي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٧٦ ) قال: محمّد بن عليّ العنبريّ، بإسناده، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سأل أعرابي عن هذه الآية، فأخذ رسول الله يده فوضعها على كتف عليّ، فقال: يا أعرابي، هذا حبل الله فاعتصم به، فدار الأعرابي من خلف عليّ والتزمه، ثمّ قال: اللهمّ إنّي أشهدك أنّي اعتصمت بحبلك، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا. وروى نحوا من ذلك الباقر والصادقعليهما‌السلام ، وهو في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ١١٨ ) عن المناقب، وانظر تفسير فرات ( ٩٠ / الحديث ٧٠ ) بسنده عن الباقر، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، وفيه أيضا ( ٩٠ / الحديث ٧١ ) بسنده عن ابن عبّاس، وفيه أيضا ( ٩١ / الحديث ٧٤ ) بسنده عن الصادقعليه‌السلام ، والفضائل لابن شاذان (١٢٥) عن السجادعليه‌السلام .

وفي تفسير فرات ( ٩٠، ٩١ / الحديث ٧٢ ) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: ولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام الحبل الّذي قال الله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) ، فمن تمسّك به كان مؤمنا، ومن تركه خرج من الإيمان.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢١٧ ) عن ابن يزيد، قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن قوله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) قال: عليّ بن أبي طالب حبل الله المتين. وهو في تفسير الصافي ( ج ١؛ ٢٨٥ ) والبرهان ( ج ١؛ ٣٠٥ ).

وفي أمالي الصدوق (١٦٥) بسنده عن حذيفة بن أسيد الغفاريّ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا حذيفة إنّه أخو رسول الله، ووصيّه وإمام أمّته، ومولاهم، وهو حبل الله المتين ...

وأمّا القسم الثاني: ففي تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢١٧ ) عن الباقرعليه‌السلام ، قال: آل محمّد هم حبل الله الّذي أمرنا بالاعتصام به، فقال:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٣) .

__________________

(١) آل عمران؛ ١٠٣.

(٢) آل عمران؛ ١٠٣.

(٣) آل عمران؛ ١٠٣.

٤٠٩

وفي شواهد التنزيل ( ج ١؛ ١٦٩ / الحديث ١٨٠ ) بسنده عن الصادقعليه‌السلام - في قوله:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) - قال: نحن حبل الله.

وانظر رواية هذا الخبر عن الصادقعليه‌السلام في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ١١٨ ) ومجمع البيان ( ج ١؛ ٤٨٢ ) وأمالي الطوسي (٢٧٢) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٧٥ ) وخصائص الوحي المبين (١٨٣) ونقله أيضا في خصائصه (١٨٤) من طريق أبي نعيم إلى الصادقعليه‌السلام ، وانظر الصواعق المحرقة (٩٠) ونور الأبصار (١٠١).

وأمّا القسم الثالث: ففي أمالي الصدوق (٢٦) بسنده عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحبّ أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوال عليّا بعدي، وليعاد عدوّه، وليأتمّ بالأئمّة الهداة من ولده، فإنّهم خلفائي، وأوصيائي، وحجج الله على الخلق بعدي، وسادة أمّتي، وقادة الأتقياء إلى الجنّة، حزبهم حزبي، وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان. وهو في شواهد التنزيل ( ج ١؛ ١٦٨ / الحديث ١٧٧ ) بسنده عن الرضاعليه‌السلام ، ورواه البحراني في غاية المرام ( ٢٤٢ / الباب ٣٦ ) بأربعه طرق، وهو في روضة الواعظين (١٥٧).

وفي تفسير فرات ( ٩١ / الحديث ٧٣ ) بسنده عن الصادق ٧، قال: نحن حبل الله الّذي قال:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) ، وولاية عليّ البرّ، فمن استمسك به كان مؤمنا، ومن تركه خرج من الإيمان. وهو في شواهد التنزيل ( ج ١؛ ١٦٩ / الحديثان ١٧٨، ١٧٩ ).

ويدلّ على هذا المطلب ما مرّ في حديث الثقلين، بلفظ « حبل ممدود ما بين السماء والأرض » أو « سبب طرفه بيد الله »، ولذلك أورد الثعلبي والسيوطي حديث الثقلين بهذه الألفاظ في تفسير قول تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٣) ، وفي أمالي الطوسي (١٥٧) بسنده عن الصادقعليه‌السلام ، قال: نحن السبب بينكم وبين الله. كما يدلّ

__________________

(١) آل عمران؛ ١٠٣.

(٢) آل عمران؛ ١٠٣.

(٣) آل عمران؛ ١٠٣.

٤١٠

عليه ما جاء في تفسير قوله تعالى:( إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ) (١) وأنّ الحبل من الله هو الكتاب العزيز، والحبل من الناس هو عليّ بن أبي طالب. انظر في ذلك تفسير فرات ( ٩٢ الحديث ٧٦ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢١٩ ) وتفسير الصافي ( ج ١؛ ٢٨٩ ) وتفسير البرهان ( ج ١؛ ٣٠٩ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٧٥ ).

لا تأتوني غدا بالدنيا تزفّونها زفّا، ويأتي أهل بيتي شعثا غبرا، مقهورين مظلومين، تسيل دماؤهم

إنّ المظلوميّة الّتي حلّت بأهل البيت والأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام ، وأتباعهم وشيعتهم، ممّا لا يحتاج إلى بيان، فقد أطبق التاريخ والمؤرخون على هذه الحقيقة، وأن الشيعة عموما، والفرقة الإماميّة خصوصا، لا قوا من الويلات والاضطهاد والتنكيل ما لم يلقه أيّ مذهب آخر، وكان بدء الظلم قد حلّ بهم بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ نزل الظلم بعليّ وفاطمة والحسن والحسين ومن بعدهم التسعة من ولد الحسينعليهم‌السلام ، هذا الظلم كلّه أنزل بهم مع كثرة وصايا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم بمثل قوله: « الله الله في أهل بيتي » وغيره من توصياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بهم، وتحذيره الأمّة من ظلمهم وأذاهم، وقد مرّ عليك في تخريجات كثير من المطالب الماضية ما فيه غنى وكفاية، ومن أوضحها وأصرحها ما جاء في حديث الثقلين من الأمر باتّباعهم وأنّه سبيل النجاة، والنهي عن التخلّف عنهم وإيذائهم وظلمهم، وأنّه يؤدي إلى الهلاك والنار.

ففي مناقب ابن المغازلي ( ١٦ - ١٨ ) بسنده عن امرأة زيد بن أرقم، قالت: أقبل نبي الله من مكّة في حجّة الوداع، حتّى نزل بغدير الجحفة بين مكّة والمدينة، فأمر بالدوحات فقمّ ما تحتهنّ من شوك، ثمّ نادى: الصلاة جامعة فصلّى بنا الظهر، ثمّ انصرف إلينا فقال: الحمد لله ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله لا شريك له؟ وأنّ محمّدا عبده ورسوله؟ وأنّ الجنّة حقّ وأنّ النار حقّ؟ وتؤمنون بالكتاب كلّه؟ قالوا: بلى، قال: فإني أشهد أن قد صدقتكم

__________________

(١) آل عمران؛ ١١٢.

٤١١

وصدّقتموني، ألا وإنّي فرطكم، وإنّكم تبعي، توشكون أن تردوا عليّ الحوض، فأسألكم حين تلقونني عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما الأكبر منهما كتاب الله تعالى؛ سبب طرف بيد الله وطرف بأيديكم، فتمسّكوا به ولا تضلّوا، والأصغر منهما عترتي فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصّروا عنهم؛ فإنّي قد سألت لهم اللّطيف الخبير فأعطاني، ناصرهما لي ناصر، وخاذلهما لي خاذل، ووليّهما لي ولي، وعدوّهما لي عدوّ، ألا وإنّها لم تهلك أمّة قبلكم حتّى تتديّن بأهوائها، وتظاهر على نبوّتها، وتقتل من قام بالقسط، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فرفعها، ثمّ قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، ومن كنت وليّه فهذا وليّه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، قالها ثلاثا. وهو في العمدة ( ١٠٤ - ١٠٦ ) عن ابن المغازلي، وفيه « عن ابن امرأة زيد بن أرقم ».

وفي نظم درر السمطين ( ٢٣٣ - ٢٣٤ ) قال: وروى زيد بن أرقم، قال: أقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم حجّة الوداع، فقال: إنّي فرطكم على الحوض، وإنّكم تبعي، وإنّكم توشكون أن تردوا عليّ الحوض فأسألكم عن ثقلي؛ كيف خلفتموني فيهما الأكبر منهما كتاب الله والأصغر عترتي، فمن استقبل قبلتي، وأجاب دعوتي، فليستوص لهم خيرا - أو كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم وهو في ذخائر العقبى (١٦) حيث قال: أخرجه أبو سعيد في شرف النبوّة، ونقله عن نظم درر السمطين القندوزيّ في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ٣٥ ) والسمهوديّ في جواهر العقدين المخطوط، في الذكر الرابع، ورواه عن زيد بن أرقم العلاّمة حميد المحلي في محاسن الأزهار كما في نفحات الأزهار ( ج ١؛ ٤٢٠ ). ولزيادة التوضيح ننقل هنا بعض ما يرتبط بهذا المطلب.

ففي المختار من مسند فاطمة (١٦٠) نقل عن البخاريّ في تاريخه، وابن عساكر في تاريخ دمشق، عن شريح، قال: أخبرني أبو أمامة والحارث بن الحارث، وعمرو بن الأسود في نفر من الفقهاء: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نادى في قريش فجمعهم، ثمّ قام فيهم ثمّ قال: يا معشر قريش، لا ألفين أناسا يأتوني يجرّون الجنّة، وتأتوني تجرون الدنيا، اللهمّ لا أجعل لقريش أن يفسدوا ما أصلحت أمّتي ...

٤١٢

ومن ذلك حديث المصحف والمسجد والعترة؛ ففي الخصال ( ١٧٤ - ١٧٥ ) بسنده عن جابر، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عزّ وجلّ: المصحف والمسجد والعترة، يقول المصحف: يا ربّ حرقوني ومزّقوني، ويقول المسجد: يا ربّ عطّلوني وضيّعوني، وتقول العترة: يا ربّ قتلونا وطردونا وشرّدونا، فأجثو للركبتين للخصومة، فيقول الله جلّ جلاله لي: أنا أولى بذلك. وانظر هذا الحديث في بحار الأنوار ( ج ٢؛ ٨٦ ) عن كتاب المستدرك المخطوط لابن البطريق، وبصائر الدرجات ( ٤٣٣ - ٤٣٤ ) ومقتل الحسين للخوارزمي ( ج ٢؛ ٨٥ ) عن جابر، ونقله الإمام المظفر في دلائل الصدق ( ج ٣؛ ٤٠٥ ) عن كنز العمال ( ج ٦؛ ٤٦ ) عن الديلمي، عن جابر، ونقله عن أحمد والطبراني وسعيد بن منصور، عن أبي أمامة الباهلي، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومن ذلك حديث مظلوميّة أهل البيت الّذي قاله النبي لأصحابه؛ ففي أمالي الصدوق ( ٩٩ - ١٠١ ) بسنده عن ابن عبّاس، قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان جالسا ذات يوم، إذ أقبل الحسنعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إلى أين يا بني؟ فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليمنى، ثمّ أقبل الحسينعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إلى أين يا بني؟ فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليسرى، ثمّ أقبلت فاطمةعليها‌السلام ، فلمّا رآها بكى، ثمّ قال: إليّ إليّ يا بنيّة، فأجلسها بين يديه، ثمّ أقبل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إليّ يا أخي، فما زال يدنيه حتّى أجلسه إلى جنبه الأيمن.

فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما ترى واحدا من هؤلاء إلاّ بكيت؟ أو ما فيهم من تسرّ برؤيته؟!

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : والّذي بعثني بالنبوّة واصطفاني على جميع البريّة، إنّي وإيّاهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجلّ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم:

أمّا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أخي وشقيقي وصاحب الأمر بعدي وإنّي بكيت حين أقبل لأنّي ذكرت غدر الأمّة به بعدي، حتّى أنّه ليزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي، ثمّ لا يزال الأمر به حتّى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور( شَهْرُ

٤١٣

رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ ) (١) .

وأمّا ابنتي فاطمة، فإنّها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وإنّي لمّا رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي؛ كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقّها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي « يا محمّداه » فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم عليّ محزونة، مكروبة، مغمومة، مغصوبة، مقتولة، فأقول عند ذلك: اللهمّ العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذلّل من أذلّها، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتّى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين.

وأمّا الحسن، فإنّه ابني وولدي وبضعة منّي، وقرّة عيني وإنّي لمّا نظرت إليه تذكّرت ما يجري عليه من الذلّ بعدي، فلا يزال الأمر به حتّى يقتل بالسمّ ظلما وعدوانا، فعند ذلك تبكي ملائكة السبع الشداد لموته، ويبكيه كلّ شيء، حتّى الطير في جوّ السماء، والحيتان في جوف الماء، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب، ومن زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام.

وأمّا الحسين، فإنّه منّي، وهو ابني وولدي، وخير الخلق بعد أخيه وإنّي لمّا رأيته تذكّرت ما يصنع به بعدي، كأنّي به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار، فأضمّه في منامه إلى صدري، وآمره بالرحلة عن دار هجرتي، وأبشّره بالشهادة، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله، وموضع مصرعه، أرض كرب وبلاء، وقتل وفناء، تنصره عصابة من المسلمين، أولئك من سادة شهداء أمّتي يوم القيامة، كأنّي أنظر إليه وقد رمي بسهم، فخرّ عن فرسه صريعا، ثمّ يذبح كما يذبح الكبش، مظلوما.

ثمّ بكى رسول الله وبكى من حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، ثمّ قام وهو يقول: اللهمّ إنّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي، ثمّ دخل منزله.

__________________

(١) البقرة؛ ١٨٥.

٤١٤

وقد مرّ طرفا من هذا الحديث، وانظره في إرشاد القلوب (٢٩٥) وبشارة المصطفى ( ١٩٨ - ١٩٩ ) وفرائد السمطين ( ج ٢؛ ٣٤ - ٣٥ ) وبيت الأحزان ( ٧٣ - ٧٤ ).

وفي دلائل الصدق ( ٢٣٣ - ٢٣٤ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: كنّا جلوسا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم، فأقبل فتية من بني عبد المطّلب، فلمّا نظر إليهم رسول الله اغرورقت عيناه بالدموع، فقلنا: يا رسول الله أرأيت شيئا تكرهه؟ قال: إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتطريدا وتشريدا، حتّى يجيء قوم من هاهنا - وأشار بيده إلى المشرق - أصحاب رايات سود وروى مثله في (٢٣٥) روايتين أخريين عن ابن مسعود أيضا، وروى مثله عن ابن مسعود أيضا في (٢٣٦) بلفظ « حتّى مرّت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسينعليهما‌السلام ».

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٠٩ ) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: بينا أنا وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ التفت إليّ فبكى، فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدّها، وطعن الحسن في فخذه، والسمّ الّذي يسقاه، وقتل الحسينعليه‌السلام .

وفي بصائر الدرجات (٦٨) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي، ويدخل جنّة ربّي جنّة عدن - قضيب من قضبانه غرسه ربّي بيده، فقال له: كن، فكان - فليتولّ عليّا والأوصياء من بعده، وليسلّم لفضلهم؛ فإنّهم الهداة المرضيّون، أعطاهم فهمي وعلمي، وهم عترتي من دمي ولحمي، أشكو إلى الله عدوّهم من أمّتي، المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي، والله ليقتلن ابني، لا أنالهم شفاعتي.

وانظر بصائر الدرجات ( ٦٨ - ٧٢ / الباب ٢٢ من الجزء الأوّل )، فإنّ فيه ثمانية عشر حديثا، تسعة منها في المعنى المراد، والإمامة والتبصرة ( ٤١ - ٤٥ ) ففيه أربعة أحاديث. وهذا الحديث مذكور في المصادر الّتي ذكرت الأحاديث المبشّرة بظهور المهدي من آل محمّد عجّل الله فرجه.

وفي تفسير فرات (٤٢٥) بسنده عن أنس بن مالك: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتى ذات يوم

٤١٥

ويده في يد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، ولقيه رجل، إذ قال له: يا فلان، لا تسبّوا عليّا، فانّه من سبّه فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ الله، والله - يا فلان - إنّه لا يؤمن بما يكون من عليّ وولد عليّ في آخر الزمان إلاّ ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد قد امتحن الله قلبه للإيمان، يا فلان، إنّه سيصيب ولد عبد المطّلب بلاء شديد، وأثرة، وقتل، وتشريد، فالله الله يا فلان في أصحابي وذرّيتي وذمّتي، فإنّ لله يوما ينتصف فيه للمظلوم من الظالم.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٩١ ) عن عطيّة العوفي، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اشتدّ غضب الله على اليهود حين قالوا: « عزير ابن الله »، واشتدّ غضب الله على النصارى حين قالوا: « المسيح ابن الله »، واشتدّ غضب الله ممّن أراق دمي وآذاني في عترتي.

وفي الاحتجاج ( ج ١؛ ١٩٦ - ١٩٧ ) عن أحمد بن همام، قال: أتيت عبادة بن الصامت في ولاية أبي بكر، فقلت: يا عبادة أكان الناس على تفضيل أبي بكر قبل أن يستخلف؟ فقال: يا أبا ثعلبة، إذا سكتنا عنكم فاسكتوا ولا تبحثوا، فو الله لعليّ بن أبي طالب كان أحقّ بالخلافة من أبي بكر، كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحقّ بالنبوة من أبي جهل، قال: وأزيدكم إنّا كنا ذات يوم عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاء عليّعليه‌السلام وأبو بكر وعمر إلى باب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدخل أبو بكر، ثمّ دخل عمر، ثمّ دخل عليّعليه‌السلام على أثرهما، فكأنّما سفي على وجه رسول اللهعليه‌السلام الرماد، ثمّ قال: يا عليّ أيتقدّمانك، وقد أمّرك الله عليهما؟!

فقال أبو بكر: نسيت يا رسول الله.

وقال عمر: سهوت يا رسول الله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما نسيتما ولا سهوتما، وكأنّي بكما قد سلبتماه ملكه، وتحاربتما عليه، وأعانكما على ذلك أعداء الله وأعداء رسوله، وكأنّي بكما قد تركتما المهاجرين والأنصار يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف على الدنيا، ولكأنّي بأهل بيتي وهم المقهورون المشتّتون في أقطارها، وذلك لأمر قد قضي.

ثمّ بكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى سالت دموعه، ثمّ قال: يا عليّ الصبر الصبر، حتّى ينزل الأمر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم، فإنّ لك من الأجر في كلّ يوم ما لا

٤١٦

يحصيه كاتباك، فإذا أمكنك الأمر فالسيف السيف، القتل القتل، حتى يفيئوا إلى أمر الله وأمر رسوله، فإنّك على الحقّ، ومن ناواك على الباطل، وكذلك ذرّيّتك من بعدك إلى يوم القيامة.

وقد صرّح أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في كلماتهم وخطبهم بما حلّ بهم من الظلم، وأنّ القوم لم يرعوا فيهم حقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يطيعوه، ولم يسمعوا وصاياه

ففي كتاب سليم بن قيس ( ١٠٨ - ١١١ ) قال أبان: قال لي أبو جعفر الباقرعليه‌السلام : ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيّانا، وما لقيت شيعتنا ومحبّونا من الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبض وقد قام بحقّنا، وأمر بطاعتنا، وفرض ولايتنا ومودّتنا، وأخبرهم بأنّا أولى الناس بهم من أنفسهم، وأمر أن يبلّغ الشاهد الغائب، فتظاهروا على عليّعليه‌السلام ثمّ بايعوا الحسن بن عليّعليهما‌السلام بعد أبيه وعاهدوه، ثمّ غدروا به وأسلموه، ووثبوا به حتّى طعنوه بخنجر في فخذه، وانتهبوا عسكره ثمّ بايع الحسينعليه‌السلام من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا، ثمّ غدروا به، ثمّ خرجوا إليه فقاتلوه حتّى قتل، ثمّ لم نزل أهل البيت منذ قبض رسول الله نذلّ ونقصى ونحرم ونقتل ونطرد، ونخاف على دمائنا وكلّ من يحبنا فقتلت الشيعة في كلّ بلدة، وقطعت أيديهم وأرجلهم، وصلبوا على التهمة والظنّة، وكان من ذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره، ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان ابن زياد بعد قتل الحسينعليه‌السلام ، ثمّ جاء الحجّاج فقتلهم بكلّ قتلة وبكلّ ظنّة وبكلّ تهمة، حتّى أنّ الرجل ليقال له: زنديق أو مجوسي، كان ذلك أحبّ إليه من أن يشار إليه أنّه من شيعة الحسينعليه‌السلام ونقل هذه الرواية مبتورة ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١١؛ ٤٣ - ٤٤ ).

وفي بشارة المصطفى (٢٠٠) عن عمر بن عبد السلام، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: ما بعث الله نبيّا قطّ من أولي الأمر ممّن أمر بالقتال إلاّ أعزّه الله، حتّى يدخل الناس في دينه طوعا وكرها، فإذا مات النبي وثب الّذين دخلوا في دينه كرها، على الّذين دخلوا طوعا، فقتلوهم واستذلّوهم، حتّى أن كان النبي يبعث بعد النبي فلا يجد أحدا يصدّقه أو يؤمن له، وكذلك فعلت هذه الأمّة، غير أنّه لا نبي بعد محمّد ...

٤١٧

وفي تفسير فرات (١٤٩) بسنده عن منهال بن عمرو، قال: دخلنا على عليّ ابن الحسينعليهما‌السلام بعد مقتل الحسينعليه‌السلام ، فقلت له: كيف أمسيت؟ قالعليه‌السلام : ويحك يا منهال، أمسينا كهيئة آل موسى في آل فرعون؛ يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّدا منها، وأمست قريش تفتخر على العرب بأنّ محمّدا منها، وأمسى آل محمّد مخذولين مقهورين مقبورين، فإلى الله نشكو غيبة نبيّنا، وتظاهر الأعداء علينا.

وفي تفسير فرات (٣٨٢) بسنده عن زيد بن عليّ - وهو من خيار علماء الطالبيّين - أنّه قال في بعض رسائله: ألستم تعلمون أنّا أهل بيت نبيّكم المظلومون المقهورون من ولايتهم، فلا سهم وفينا، ولا ميراث أعطينا، ما زال قائلنا يقهر، ويولد مولودنا في الخوف، وينشأ ناشئنا بالقهر، ويموت ميّتنا بالذلّ ...

وكان أتباع أئمّة أهل البيت أيضا يصرّحون بمظلمة أئمتهمعليهم‌السلام من قبل الجبابرة والطواغيت؛ ففي كفاية الأثر (٢٥٢) بسنده عن أبي مريم عبد الغفّار بن القاسم، قال: دخلت على مولاي الباقرعليه‌السلام وقلت: بأبي أنت وأمّي يا بن رسول الله، فما نجد العلم الصحيح إلاّ عندكم، وإنّي قد كبرت سنّي ودقّ عظمي ولا أرى فيكم ما أسرّ به، أراكم مقتّلين مشرّدين خائفين ....

وفيه أيضا ( ٢٦٠ - ٢٦١ ) بسنده عن مسعدة، قال: كنت عند الصادقعليه‌السلام إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى، متّكئا على عصاه، فسلّم، فردّ أبو عبد اللهعليه‌السلام الجواب، ثمّ قال: يا بن رسول ناولني يدك أقبّلها، فأعطاه يده فقبّلها، ثمّ بكى، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما يبكيك يا شيخ؟ قال: جعلت فداك، أقمت على قائمكم منذ مائة سنة، أقول: هذا الشهر وهذه السنة، وقد كبرت سنّي ودقّ عظمي واقترب أجلي، ولا أرى ما أحبّ، أراكم مقتّلين مشرّدين، وأرى عدوّكم يطيرون بالأجنحة، فيكف لا أبكي؟! فدمعت عينا أبي عبد اللهعليه‌السلام ، ثمّ قال: يا شيخ إن أبقاك الله حتّى ترى قائمنا كنت معنا في السنام الأعلى، وإن حلّت بك المنيّة جئت يوم القيامة مع ثقل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن ثقله، فقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي مخلّف فيكم الثقلين، فتمسكوا بهما لن تضلوا؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي ....

٤١٨

وسيأتي ما يتعلّق بالمطلب عند ما سنذكره من حديث الرايات الخمس - أو الأربع - في الطّرفة الثانية والثلاثين، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ابيضّت وجوه واسودّت وجوه، وسعد أقوام وشقي آخرون ».

إيّاكم وبيعات الضلالة، والشورى للجهالة

مرّ ما يتعلّق ببيعات الضلالة في الطّرفة السادسة، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « البيعة بعدي لغيره ضلالة وفلتة وزلة »، وعند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بيعة الأوّل ضلالة ثمّ الثاني ثمّ الثالث »، وبقي هنا أن نبيّن موقف عليّعليه‌السلام وأهل البيتعليهم‌السلام من الشورى، وكيف أنّها كانت مؤامرة ضد عليّ وأهل البيتعليهم‌السلام .

وأجلى نصّ في ذلك هو ما ثبت عن عليّعليه‌السلام في خطبته الشقشقيّة الرائعة الّتي صحّت روايتها في كتب أعاظم الفريقين، وإليك نصّها من نهج البلاغة ( ج ١؛ ٣٠ ) حيث يقولعليه‌السلام : أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهبا، حتّى مضى الأوّل لسبيله، فأدلى بها إلى عمر بعده فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته؛ لشدّ ما تشطّرا ضرعيها فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة، حتّى إذا مضى لسبيله، جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم، فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب في مع الأوّل منهم حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر فصغى رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن، إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ....

ورواها سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص (١٢٤) بلفظ « حتّى إذا مضى لسبيله جعلها شورى بين ستّة زعم أنّي أحدهم، فيا لله والشورى! فيم وبم ولم يعرض عنّي؟! » وللاطلاع على هذه الخطبة والوقوف على ألفاظها يراجع كتاب « نهج البلاغة مصادره وأسانيده » للسيّد المرحوم عبد الزهراء الحسيني الخطيب، وهو مطبوع في أربع مجلدات.

والّذي صغى في الشورى لضغنه وحقده هو سعد بن أبي وقاص؛ لأنّ عليّاعليه‌السلام

٤١٩

قتل الصناديد من أخواله في سبيل الله، وقيل: أنّه طلحة بن عبيد الله؛ لأنّه كان منحرفا عن عليّعليه‌السلام ، وكان ابن عمّ أبي بكر، فأراد صرف الخلافة عن عليّ، وأمّا الّذي مال إلى صهره فهو عبد الرحمن بن عوف؛ لأنّه كان زوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط؛ وهي أخت عثمان لأمّه أروى بنت كريز، وأمّا الهن والهن فهي الأشياء الّتي كرهعليه‌السلام ذكرها، من حسدهم إيّاه، واتّفاق عبد الرحمن مع عثمان أن يسلّمه الخلافة ليردّها عليه من بعده، ولذلك قال عليّعليه‌السلام لابن عوف بعد مبايعة عثمان: « والله ما فعلتها إلاّ لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه، دقّ الله بينكما عطر منشم »، فمات عبد الرحمن وعثمان متباغضين.

وكان شكل المؤامرة أنّ عمر جعلها في ستّة، وجعل الخيار الأخير بيد عبد الرحمن بن عوف؛ لمعرفته بميوله إلى عثمان، والمؤامرة المحاكة ضدّ عليّعليه‌السلام ، ليتسلّمها ابن عوف من بعد، فوهب طلحة حقّه لعثمان، ووهب الزبير حقّه لعليّ، فتعادل الأمر، ثمّ وهب سعد بن أبي وقاص حقّه لعبد الرحمن بن عوف، ثمّ أخرج عبد الرحمن نفسه على أن يختار عليّا أو عثمان، فاختار عثمان، فيكون عمر المخطّط لإبعاد الخلافة عن عليّعليه‌السلام ، والباقون - سوى الزبير - منفّذين لغصب الخلافة من عليّعليه‌السلام . انظر في ذلك شرح النهج لابن أبي الحديد ( ج ١؛ ١٨٧ - ١٩٦ ) وشرح النهج لابن ميثم البحراني ( ج ١؛ ٢٦١ - ٢٦٢ ) وشرح محمّد عبده ( ج ١؛ ٣٥ ) ومنهاج البراعة للقطب الراونديّ ( ج ١؛ ١٢٧ - ١٢٨ ).

وفي كتاب سليم بن قيس ( ١٠٨ - ١٠٩ ) قال أبان بن عيّاش: قال لي أبو جعفرعليه‌السلام : ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش، وتظاهرهم علينا، وقتلهم إيّانا، وما لقيت شيعتنا ومحبّونا من الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبض وقد قام بحقّنا وأمر بطاعتنا، وفرض ولايتنا ومودّتنا، وأخبرهم بأنّا أولى بهم من أنفسهم، وأمر أن يبلّغ الشاهد الغائب، فتظاهروا على عليّعليه‌السلام ، فاحتجّ عليهم بما قال رسول اللهعليه‌السلام فيه، وما سمعت العامّة واحتجّوا على الأنصار بحقّنا، فعقدوها لأبي بكر، ثمّ ردّها أبو بكر إلى عمر يكافئه بها، ثمّ جعلها عمر شورى بين ستّة، ثمّ جعلها ابن عوف لعثمان على أن يردّها عليه، فغدر به عثمان، وأظهر ابن عوف كفره وجهله ونقل هذا الحديث مبتورا ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١١؛ ٤٣ ).

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

بسيف المهدي. وقد كان إحدى الصفات المنحرفة لمجتمع الظلم والفساد السابق على الظهور، فكيف يحتمل وجودها مع وجود النظام العادل؟

الصورة الثانية: إنّ هذه المرأة القاتلة تنفرّد بوضع الباروكة، من دون كل النساء.

ولعلّ هذا أبعد الاحتمالات وأشدّها فساداً، إذ يكفي في نفيه: أنّه بذلك تدل على نفسها، وتجعل نفسها عرضة لاحتمال كونها القاتلة للإمام المهدي، أو أكثر من الاحتمال. وهذه ورطة تكون هذه المرأة في غنى عنها مع إهمال استعمال الباروكة، بل لعلّ فرص القتل عندئذٍ ستكون أكثر لو كانت شرّيرة قاصدة على كل حال.

وإذا بطلت كل المحتملات، كان افتراض وجود اللحية لهذه اللحية افتراض باطل، أو إنّه يفتقر إلى الإثبات على أقل تقدير.

النقطة الرابعة: يدل الخبر على أنّ الإمام الحسين بن علي هو الذي يقوم بتجهيز الإمام المهدي ودفنه بعد موته.

وهذا افتراض يقوم على أُسس تقليدية ثلاثة:

الأساس الأوّل: القول بالرجعة عموماً بمعنى رجوع الأئمّة المعصومين السابقين مرّةً أُخرى إلى الدنيا؛ ليمارسوا الحكم من جديد بعد المهدي.

وهذا ما سوف نناقشه في الباب الآتي، وسنرى أنّه ممّا لا يمكن إثباته إثباتاً كافياً بالرغم من اندفاع البعض في تصحيحه والالتزام به.

الأساس الثاني: هو تطبيق من تطبيقات الرجعة، وهو الالتزام بأنّ الذي يرجع ويمارس الحكم بعد المهدي (ع) هو الإمام الحسين (ع) بالخصوص، وهذا أبعد عن إمكان الإثبات التاريخي من الأساس السابق، ولعلّنا نلم بذلك في الباب الآتي.

الأساس الثالث: أنّ الإمام المعصوم لا يقوم بتجهيزه بعد موته إلاّ الإمام المعصوم.

وهي فكرة تقليدية مرتكزة في بعض الأذهان إلى اليوم، بالرغم من أنّه لم يقم عليها دليلٌ كافٍ.

وحيث إنّ الإمام المهدي(ع) هو آخر الأئمّة المعصومين الاثني عشر، في الفهم الإمامي، إذاً فسوف لن يوجد أمام معصوم آخر يقوم بتجهيزه ما لم نقل بالرجعة، وأنّ إماماً من الأئمّة السابقين يعود إلى الدنيا بهذه المهمّة؛ ومن هنا قد يجعل هذا الأساس الثالث دليلاً على الرجعة نفسها.

٦٢١

إلاّ أنّ الصحيح: أنّ الأساس الأوّل هو الالتزام بالرجعة على وجه الإجمال أقوى الأُسس الثلاثة دليلاً، فمن غير المحتمل أن يصلح الأساسان الآخران كدليل عليه، لكنّنا سنرى في أدلّة الرجعة تشويشاً واضطراباً وغرابةً، تسقطها عن كفاية الإثبات التاريخي.

ولو أنّنا سلّمنا بالأساس الثالث، فلا ضرورة إلى القول بالرجعة؛ لإمكان تطبيق هذه القاعدة على البديل الآخر للرجعة، وهو أن يمارس الحكم بعد المهدي (ع) أولياء صالحون غير الأئمّة المعصومين السابقين، كما سنوضحه في الباب التالي.

فمع شيءٍ من التوسّع في فهم هذا الأساس الثالث، يكون خليفة المهدي (ع) تطبيقاً من تطبيقات هذا الأساس؛ لأنّه معصوم بمعنى من المعاني - على ما سنعرف - ولأنّه خير أهل الأرض بعد المهدي (ع).

فلو فرضنا قيام الدليل الكافي على هذا الأساس الثالث، فهو لا يأبى عن هذه الصورة بكل تأكيد، ولشرح ذلك والتوسّع فيه مجال آخر.

الجهة الخامسة: - من هذا الباب -: في أُمور أُخرى أشارت إليها الأخبار السابقة.

الأمر الأوّل: أنّ المهدي (ع) إذا مات صلّى عليه المسلمون.

وهذا أمر طبيعي بصفته إمام المسلمين ورئيسهم الأعلى، وهم يشكّلون يومئذٍ الأكثرية الساحقة في العالم.

والذي يصلّي عليه - عادةً - هو خليفته، أيّاً كان، أعني: سواء صحّ القول بالرجعة أو لم يصح؛ فإنّه - بعد المهدي - رئيس المسلمين وخير أهل الأرض.

ويبدو أنّ المسيح عيسى بن مريم (ع)، لن يقوم بهذه الصلاة، لنفس السبب الذي رفض في أوّل نزوله تولّي إمامة الجماعة، كما انحسرت عنه خلافة المهدي بالرغم من بقائه بعده، وهو السبب الذي أشار إليه الخبر السابق، تكرمة الله هذه الأُمّة.

الأمر الثاني: قال الخبر الأخير: فإذا تمّت السبعون أتى الحجّة الموت. يُراد بهذه السبعين أنّ الحجّة القائم المهدي (ع) يبقى في الحكم سبعين عاماً، ولابد أنّ هذا منطلق من الخبر الذي سمعناه في فصل سابق من أنّه يبقى سبع سنين، كل سنة كعشر سنين من سنيّكم هذه، إذاً، فهو يبقى سبعين سنة. وقد سبق أن فهمنا هذا الخبر وأمثاله بشكل لا نصل معه إلى هذه النتيجة، فليراجع.

الأمر الثالث: نصّ أكثر من خبر واحد: أنّه لا خير في الحياة بعد المهدي (ع)، أو

٦٢٢

لا خير في العيش بعده.

وهو أمر صحيح كما سنذكر، وقد اختصّت به المصادر العامّة، دون الإمامية، ولكن قد يبدو للذهن منافاته مع إحدى فكرتين:

الفكرة الأُولى: القول بالرجعة، فإنّ وجود الأئمّة المعصومين (ع) بعد المهدي (ع) يعني: انحفاظ التطبيق على مستواه الرفيع من دون أي خلّةٍ أو نقصٍ، فيكون الخير في العيش بعد المهدي موجوداً.

ولعلّه لهذا لم يتبيّن الفكر الإمامي التقليدي مثل هذه العبارة، وخاصّةً وهو يؤمن: أنّ الأئمّة المعصومين من نورٍ واحدٍ، ولهم قابليات متماثلة وآراء مشتركة لا يختلف أوّلهم عن آخرهم؛ فإذا وُجد الحسين (ع) بعد المهدي (ع) أمكن أن يأخذ بزمام القيادة الإسلامية، تماماً كالمهدي.

ولا يحول دون ذلك سوى احتمال واحد من احتمالين ذكرناها في التاريخ السابق(١) وهو أن يكون المهدي أفضل ممّن سبقه من الأئمّة (ع) أو من أكثرهم على الأقل، وقد سمعنا هناك الأخبار الدالّة على ذلك والمبررات الكافية له؛ إذ يكون الفرق بين القيادتين كافياً على صدق هذه العبارة: لا خير في الحياة بعده.

الفكرة الثانية: القول بوجود المجتمع المعصوم، فإنّ وجوده يعني: وجود الخير كله بعد المهدي، لا أنّه خير في الحياة بعده.

والصحيح صدق هذه العبارة حتى مع القول بوجود هذه المجتمع، إذ سيأتي في الباب التالي: أنّ القيادة التي ستخلف المهدي هي قيادة الأولياء الصالحين، وليس الأئمّة المعصومين، كما أنّ المجتمع المعصوم سوف لن يوجد بسرعة وبسهولة، بل سيتأخر كثيراً بعد وفاة الإمام المهدي.

فإذا التفتنا إلى ذلك، استطعنا أن نعرف: أنّ هناك فترة من الزمن هي التي تلي وفاة الإمام المهدي (ع) يشعر فيها المجتمع العالمي بكل وضوح الفرق بين القيادتين، وهو فرق كبير مهما أرادت القيادة الجديدة أن تبذل من الجهود، ومهما استطاعت أن تنتج من النتائج.

فإنّ المجتمع سيرى الفرق الكبير بين القيادة المهدوية التي عاصرها، وسعد تحت لوائها، وشاهد مميّزاتها، وبين القيادة الجديدة، كل ما في الأمر أنّ هذه القيادة ستستطيع بالتدريج البطيء،

____________________

(١) ص ٥١٢.

٦٢٣

وتحت القواعد المهدوية العامّة لتربية البشرية، الوصول بالبشري إلى المجتمع المعصوم.

فهذا الجيل المعاصر لقيادة الإمام المهدي، سيقول عند وفاته بكل تأكيد: إنّه لا خير في حياةٍ بعده.

٦٢٤

القسم الثالث

العالم بعد المهدي (ع)

وهو ينقسم إلى بابين:

٦٢٥

٦٢٦

الباب الأوّل

قيادة ما بعد المهدي (ع)

من حيث خصائص الدولة والمجتمع

ونتكلّم عن ذلك في فصل واحد ذو عدّة عناوين داخلية:

٦٢٧

٦٢٨

قيادة ما بعد المهدي

وأعني به نوعيّة الحاكم الأعلى الذي يتولّى رئاسة الدولة العالمية العادلة بعده.

ونوجه بهذا الصدد أُطروحتين رئيسيّتين:

الأُطروحة الأولى: القول بالرجعة، أي الالتزام برجوع الأئمّة المعصومين إلى الدنيا ليمارسوا الحكم بعد المهدي.

الأطروحة الثانية: حكم الأولياء الصالحين بعد المهدي (ع).

وقد ورد في إثبات كل من الأطروحتين عدد من الأخبار، لابد من سماع المهم منها، وعرضها على القواعد والقرائن العامّة، لنختار في النهاية إحدى الأُطروحتين.

القول بالرجعة:

حين ننظر إلى المفهوم على سعته، يحتمل أن يكون له أحد عدّة معان:

المعنى الأوّل: ظهور المهدي نفسه، فإنّه قد يصطلح عليه بالرجعة، باعتبار رجوعه إلى الناس بعد الغيبة، أو باعتبار رجوع العالم إلى الحق والعدل بعد الانحراف.

وهذا المعنى حق صحيح، إلاّ أنّ اصطلاح الرجعة عليه غير صحيح؛ لأنّه يوهم المعاني الأُخرى الآتية التي هي محل الجدل والنقاش، ونحن في غنى عن هذا الاصطلاح بعد إمكان التعبير عن ظهور المهدي بمختلف التعابير، وقد مشينا في هذا الكتاب على تسميته ( بالظهور ).

المعنى الثاني: رجوع بعض الأموات إلى الدنيا، وإن لم يكونوا من الأئمّة المعصومين، وخاصّة مَن محض الإيمان محضاً، ومَن محض الكفر محضاً.

٦٢٩

المعنى الثالث: رجوع بعض الأئمّة المعصومين (ع) كأمير المؤمنين علي (ع) والحسين، وربّما قيل برجوع النبي أيضاً. وهم يرجعون على شكل يختلف عن حال وجودهم الأوّل في الدنيا، من حيث الترتيب، ومن حيث الفترة الزمنية أيضاً.

المعنى الرابع: رجوع كل الأئمّة (ع) بشكل عكسي، ضد الترتيب الذي كانوا عليه في الدنيا، فبعد المهدي يظهر أبوه الإمام الحسن العسكري، وبعده يظهر أبوه الإمام علي الهادي، وهكذا.

ويمارسون الحكم في الدنيا ما شاء الله تعالى، حتى إذا وصل الحكم إلى أمير المؤمنين كان هو دابة الأرض، وكانت نهاية البشرية بعد موته بأربعين يوماً.

والمعنيان الأخيران قائمان على الفهم الإمامي للإسلام، كما هو واضح، كما أنّ المعاني الثلاثة الأخيرة التي وقعت محل الجدل والنقاش في الفكر الإسلامي.

وينبغي لنا أوّلاً: أن نسرد الأخبار الدالة على ذلك، ونحن نختار نماذج مهمّة ولا نقصد الاستيعاب:

أخرج المجلسي في البحار(١) بالإسناد عن محمد بن مسلم، قال: سمعت حمران بن أعين وأبا الخطاب يحدّثان جميعاً - قبل أن يحدث أبو الخطاب ما أحدث - أنّهما سمعا أبا عبد الله (ع) يقول:

( أوّل مَن تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي. وإنّ الرجعة ليست بعامّة، وهي خاصّة، لا يرجع إلاّ مَن محض الإيمان محضاً، أو محض الكفر محضاً ).

وبهذا الإسناد عن بكر بن أعين، قال: قال لي مَن لا أشك فيه، يعني أبا جعفر (ع): أنّ رسول الله (ص) وعليّاً سيرجعان.

( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) فقال: ليس أحداً من المؤمنين قُتل إلاّ وسيرجع حتى يموت، ولا أحد من المؤمنين مات إلاّ سيرجع حتى يُقتل.

وفي روايةٍ أُخرى عنه (ع) يقول فيها:

____________________

(١) البحار:ج١٣ ص٢١٠ وكذلك الأخبار الثلاثة التي بعده.

٦٣٠

( فلم يبعث الله نبيّاً ولا رسولاً إلاّ ردّهم جميعاً إلى الدنيا، حتى يقاتلوا بين يدي على بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع) ).

وفي رواية أُخرى(١) عن حمران عن أبي جعفر، قال:

( إنّ أوّل مَن يرجع لجاركم الحسين (ع)، فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه من الكبر ).

وعن أبي بصير(٢) عن أبي عبد الله (ع)، قال:

انتهى رسول الله (ص) إلى أمير المؤمنين (ع) وهو نائم في المسجد، وقد جمع رملاً ووضع رأسه عليه. فحرّكه برجله ثم قال: قم يا دابّة الله. فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله، أنُسمي بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟ فقال: لا والله ما هو إلاّ له خاصّة، وهو الدابة التي ذكر الله في كتابه:( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ) (٣) .

ثم قال: يا علي، إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسم به أعدائك... إلى أن قال: فقال الرجل لأبي عبد الله (ع): إنّ العامّة تزعم أن قوله:( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (٤) عنى في القيامة، فقال أبو عبد الله (ع) فيحشر الله يوم القيامة من كل أُمّة فوجاً ويدع الباقين؟ لا، ولكنّه في الرجعة، وأما آية القيامة:( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (٥) .

وعن(٦) الحسن بن الجهم، قال: قال المأمون للرضا (ع): يا أبا الحسن ما تقول في الرجعة؟ فقال:

( إنّها الحق، قد كانت في الأُمم السالفة ونطق بها القرآن ). وقد قال

____________________

(١) المصدر: ص٢١١.

(٢) المصدر: ص٢١٣.

(٣) ٢٧/٨٢.

(٤) ٢٧/٨٣.

(٥) ١٨/٤٧.

(٦) البحار ج ١٣ص٢١٤.

٦٣١

رسول الله (ص): يكون في هذه الأُمّة كل ما كان في الأُمم السالفة حذوا النعل بالنعل والقذّة بالقذّة. وقال (ع): ( إذا خرج المهدي من ولدي، نزل عيسى بن مريم فصلّى خلفه ). وقال (ع): ( إنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء. قيل: يا رسول الله. ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يرجع الحق إلى أهله ).

وعن(١) عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبد الله (ع) قال رسول الله (ص):

( لقد أسرى بي ربّي عزّ وجلّ، فأوحى إليّ من وراء حجاب ما أوحى وكلّمني ما كلّم به، وكان ممّا كلّمني به... يا محمد، عليٌّ آخر مَن أقبض روحه من الأئمّة (ع) وهو الدابة التي تكلّمهم..... ) الخبر.

وفي البحار أيضاً(٢) عن الإرشاد: روى عبد الكريم الخثعمي، عن أبي عبد الله (ع) قال:

( إذا آن قيام القائم مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب، لم تر الخلائق مثله. فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، وكأنّي أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة، ينفضون شعورهم من التراب ).

وقال المجلسي بعد سرده للأخبار:

اعلم يا أخي أنّي لا أظنّك ترتاب بعد ما مهّدت وأوضحت لك في القول بالرجعة التي أجمعت الشيعة عليها في جميع الأعصار، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار.... وكيف يشك مؤمن بحقّية الأئمّة الأطهار فيما تواتر عنهم من مئتي حديث صريح، رواها نيّف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام، في أزيد من خمسين من مؤلّفاتهم، ثم عدّهم المجلسي واحداً واحداً.

وهذا الكلام من المجلسي يواجه عدّة مناقشات:

المناقشة الأُولى: إنّ إجماع الشيعة وضرورة المذهب عندهم، لن تثبت على الإطلاق، بل المسألة عندهم محل الخلاف والكلام على طول الخط. والمتورّعون منهم

____________________

(١) المصدر: ص٢١٧.

(٢) المصدر: ص٢٢٣.

٦٣٢

يقولون: إنّ الرجعة ليست من أُصول الدين ولا من فروعه ولا يجب الاعتقاد بشيء، بل يكفي إيكال علمها إلى أهله. فهل في هذا الكلام - وهو الأكثر شيوعاً - اعتراف بالرجعة.

وإنّما اعتراف مَن اعترف بالرجعة وأخذ بها، نتيجة لهذه الأخبار التي ادعى المجلسي تواترها، إذاً، فالرأي العام المتّخَذ حولها - ولا أقول الإجماع - ناتج من هذه الأخبار، ولا يمكن أن تزيد قيمة الفرع على الأصل.

المناقشة الثانية: إنّه من الواضح: أنّ مجرّد نقل الرواية لا يعني الالتزام بمضمونها والتصديق بصحّتها، من قِبل الناقل أو الراوي؛ إذاً فهؤلاء الأربعون الناقلون لهذه الروايات لا يمكن أن نعدّهم من المعترفين بالرجعة.

المناقشة الثالثة: إنّ هؤلاء الرواة الاثنين والأربعون الذين عدّدهم المجلسي لم يجتمعوا في جيل واحد. فلو رُويت أخبار الرجعة من قِبل أربعين شخصاً في كل جيل حتى يتصل بزمن المعصومين (ع)، لكانت أخبار الرجعة متواترة. ولكن يبدو من كلام المجلسي نفسه، وهو أوسع الناس اطّلاعاً في عصره، أنّ مجموع الناقلين لأخبار الرجعة من المؤلّفين في كل الأجيال الإسلامية إلى حين عصره، لا يعدو النيّف والأربعين راوياً. فلو أخذنا المعدّل، وهو عملية لا مبرّر لها الآن، لرأينا أنّه يعود إلى كل جيل حوالي أحد عشر مؤلّفاً، لأن المجلسي عاش في القرن الحادي عشر الهجري،وهو عدد لا يكفي للتواتر.

المناقشة الرابعة: إنّ عدد المؤلَّفات التي ذكرها المجلسي، لا تثبت عن مؤلِّفيها، أو لم تصلنا عنهم بطريق صحيح مضبوط، أو أنّ روايته عن مؤلّفه ضعيفة أساساً، كتفسير علي بن إبراهيم، وكتب أُخرى لا حاجة إلى تعدادها.

المناقشة الخامسة: إنّ الروايات التي نقلها هؤلاء، ليست كلها صريحة وواضحة، وسنعرف عمّا قليل أنّها مشوّشة قد لا تدل على الرجعة أصلاً، وقد تدل على الرجعة بالمعنى العام المشترك بين الاحتمالات الثلاثة السابقة، وقد تدل على واحد منها بعينه وتنفي الاحتمالات الأُخرى. وهكذا.

إذاً فالتواتر المدّعى ليس له مدلول معيّن، ومعنى ذلك: أنّ الأخبار لم تتواتر على مدلول بعينه. وسنحاول إيضاح هذه النقطة أكثر.

ومعه، فكلام المجلسي يحتوي على شيءٍ من المبالغة في الإثبات على أقل تقدير وأمّا مناقشات مداليل الأخبار، فنشير إلى المهم منها:

المناقشة الأولى: عدم اتحاد الأخبار بالمضمون؛ فإنّ مداليلها مختلفة اختلافاً

٦٣٣

شديداً، حتى لا يكاد يشترك خبران على مدلولٍ واحدٍ تقريباً.

والمداليل التي تُعرب عنها الأخبار عديدة:

المدلول الأوّل: رجوع مَن محض الإيمان محضاً، ورجوع مَن محض الكفر محضاً.

المدلول الثاني: رجوع كل مؤمن على الإطلاق؛ لأنّه إن كان قد مات فهو يرجع ليقتل، وإن كان قد قتل فيرجع ليموت.

المدلول الثالث: رجوع الأنبياء جميعاً.

المدلول الرابع: رجوع رسول الله (ص).

المدلول الخامس: رجوع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

المدلول السادس: رجوع الحسين بن علي (ع).

المدلول السابع: رجوع جماعة من كل أمة.

المدلول الثامن: رجوع عدد من المؤمنين في الجملة.

المدلول التاسع: رجوع بعض الأئمّة المعصومين (ع) إجمالاً.

المدلول العاشر: رجوع الحق إلى أهله، وهو ليس قولاً بالرجعة كما عرفنا.

وليس شيء من هذه المداليل متواتر في الأخبار بكل تأكيد.

نعم، هناك مدلول مشترك إجمالي بين الأخبار الدالة على المداليل التسعة الأُولى.

وهو رجوع بعض الأموات إجمالاً إلى الدنيا قبل يوم القيامة. وهو ما تتسالم عليه كثير من الأخبار. ومن هنا يكون قابلاً للإثبات، إلاّ أنّه لا ينفع القائلين بالرجعة، على ما سنقول.

المناقشة الثانية: إنّ الالتزام بصحّة المداليل التسعة جميعاً، أي القول بصحّة الرجعة على إطلاقها، ممّا لا يمكن، لضعف الأخبار الدالة على كثيرٍ منها. وأمّا الالتزام بها إجمالاً، بالمعنى الذي أشرنا إليه، فهو لا ينفع القائلين بالرجعة؛ لأنّ القول بالرجعة من الناحية الرسميّة يتضمّن أحد المعاني الثلاثة التي ذكرناها في أوّل الفصل. وهذا المعنى الإجمالي لا يعني واحداً منها، بل ينسجم مع افتراضات أُخرى كما هو واضح.

فهي لا تتعيّن في حدوثها بعد وفاة المهدي (ع) مباشرةً، ولا أنّها على نطاقٍ واسع.

ولا تتعيّن في أحد المعصومين (ع) ولا مَن محض الإيمان محضاً، ولا غير ذلك.

٦٣٤

نعم، هناك مداليل تتكرّر في الأخبار، وأوضحها رجوع الإمام أمير المؤمنين (ع) بصفته دابّة الأرض التي نصّ عليها القرآن االكريم. إنّ هذه المداليل لا ترد عليها هذه المناقشة، وهي قابلة للإثبات من زاويتها.

المناقشة الثالثة: إنّ القول بالرجعة يتخذ سمةً عقائدية، فإنّه على تقدير صحّته يعتبر أحد العقائد - وإن لم يكن من أُصولها - وليس هو من الفروع والتشريعات على أيّ حال.

وقد نصّ علماء الإسلام بأنّ العقائد لا تثبت بخبر الواحد، وإن كان صحيحاً ومتعدّداً، ما لم يبلغ حدَّ التواتر، وقد علمنا أنّ الأخبار في المداليل التسعة والمعاني الثلاثة غير متواترة، فلا تكون الأخبار قابلة لإثبات أيٍّ منها، حتى لو كان المضمون متكرّراً في الأخبار، ما لم يصل إلى حدّ التواتر.

وأمّا المضمون الإجمالي المتواتر، فقد عرفنا أنّه لا ينفع القائلين بالرجعة، وسنزيد هذا إيضاحاً.

المناقشة الرابعة: إنّ المعنى الأخير من المعاني الأربعة التي ذكرناها أوّلاً، وهو رجوع الأئمّة المعصومين (ع) بشكل عكسي، لعلّه من أكثر أشكال الرجعة تقليديّةً ورسوخاً في الأذهان المعتقدة بها؛ وقد وجدنا أنّه ليس هناك ما يدل عليها على الإطلاق ولا خبر واحد ضعيف، بل ليس هناك أي خبر يدل على رجوع جميع الأئمّة المعصومين على التعيين، ولو بشكل مشوّش، إلاّ بحسب إطلاقات أعم منها بكثير، ككونهم ممّن محض الإيمان محضاً.

بل إنّ هناك ما يدل على نفي هذا المعنى التقليدي، كقوله في الخبر: أوّل مَن تنشقّ الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي.... فإنّه لو صحّ ذلك لكان أوّل مَن يرجع هو الإمام الحسن العسكري (ع) وليس الحسين (ع).

وأمّا دلالة القرآن الكريم على الرجعة: فإمّا أن نفهمه على ضوء الأخبار المفسِّرة له، وإمّا أن نفهمه مستقلاًّ.

أمّا فهمه على ضوء الأخبار، وهو باستقلاله، غير ظاهر بذلك المعنى، فهذا لا يعدو قيمة الخبر الدال على هذا الفهم، ويواجه نفس الإشكالات التي واجهناها في الأخبار. ومن ثم يكون من اللازم الاستقلال في فهم الآيات.

وإذا نظرنا إلى الآيات المذكورة للرجعة؛ وجدنا لكل منها معنىً مستقلاًّ لا يمتّ إلى الرجعة بصلة، حتى بذلك المعنى الإجمالي العام، أي أنّها لا تدل على إحياء بعض الموتى

٦٣٥

قبل يوم القيامة، ولا أقل من احتمال ذلك المسقط لها عن الاستدلال على الرجعة.

وقد استدل البعض بأكثر من ثلاثين آية في هذا الصدد، وهو تطرّف ومبالغة في الاستدلال بكل تأكيد، وإنّما نودّ أن نشير هنا إلى ثلاث آيات فقط، تعتبر هي الأهم بهذا الصدد، لنرى مقدار دلالتها على الرجعة:

الآية الأُولى: قوله تعالى:( قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ) (١) .

وطريقة فهم الرجعة منها: أنّ الآية تشير إلى حياتين وموتين للناس. ونحن لا نعرف إلاّ حياةً واحدةً وموتاً واحداً، فأين الثاني منهما؟

وجوابه: إنّ ذلك إنّما يكون في الرجعة، فإنّها تتضمّن حياةً ثانيةً وموتاً بعدها، فإذا أضفناها إلى الحياة المعاصرة والموت الذي يليها، كان المجموع اثنين اثنين.

غير أنّ هذا الفهم إنّما يكون صحيحاً بأحد أُسلوبين:

الأُسلوب الأول: أن تصح الأخبار الدالة عليه. وقد عرفنا مناقاشاتها.

الأُسلوب الثاني: أن يكون فهماً منحصراً، بحيث لا يوجد مثله أو أظهر منه في سياق الآية، فإن وُجد ذلك، لم يكن الاعتماد على هذا الفهم.

وهذه الآية تتضمّن معاني محتملة غير الرجعة:

المعنى الأوّل: أن يكون الموت يشير إلى ما قبل الميلاد، حال وجود النطفة مثلاً، وأن تكون الحياة الثانية هي الحياة في يوم القيامة، فإذا أضفناها إلى الحياة والموت المعهودَين كانا كما قالت الآية الكريمة.

المعنى الثاني: أن يكون المشار إليه هو حياة وموت آخر يكون في داخل القبر لأجل الحساب والسؤال، كما ثبت في الإسلام وقوعه.

المعنى الثالث: أن يكون المشار إليه هو حياة وموت آخر يكون في عالم البرزخ، أي أنّ الميّت يحيى بعد موته إلى عهدٍ قريب من يوم القيامة، ثم يموت بنفخة الصور الأُولى حين يُصعق مَن في السموات والأرض، وأمّا الإحياء ليوم القيامة فهو زمن التكلم وكأنّه غير

____________________

(١) ٤٠ / ١١.

٦٣٦

داخل في الحساب.

إلى معاني أُخرى محتملَة، ولعلّ أكثرها ظهوراً هو المعنى الأوّل، دون معنى الرجعة والمعاني الأُخرى؛ فلا تكون الآية دالّة على الرجعة بحال.

ولعلّ أوضح ما يقرّب المعنى الأوّل على معنى الرجعة هو أنّ المعنى الأوّل عامّ لكل الناس، والرجعة خاصّة ببعضهم، وظهور الآية هو العموم.

الآية الثانية: قوله تعالى:( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (١) .

وقد أشار أحد الأخبار التي سمعناها إلى طريقة فهم الرجعة من هذه الآية: أنّ الله تعالى يحشر في يوم القيامة الناس جميعاً، لا أنّه يحشر بعضاً ويدع بعضاً: وهو المشار إليه في قوله تعالى:( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) ، إذاً فهي لا تشير إلى حشر يوم القيامة، وإنّما تشير إلى حشر آخر هو الحشر في الرجعة.

وإنّما سُمّي حشراً باعتبار أنّه يتضمّن الحياة بعد الموت لجماعات كثيرة، مشابهاً من هذه الجهة لحشر يوم القيامة.

ونحن إذا نظرنا إلى الآية الكريمة باستقلالها، لن نجدها دالّةً على الرجعة بحال، ولا اقل من احتمال معنى آخر بديل لمعنى الرجعة، لا تكون الآية دالّة عليه أقل من دلالتها على معنى الرجعة.

وهذا المعنى هو الحشر التدريجي، فإنّ الحشر والحساب في يوم القيامة له أحد أُسلوبين محتمَلَين:

الأُسلوب الأوّل: الحشر الدفعي أو المجموعي، بمعنى: أن يُحشر الناس كلهم من أوّل البشرية إلى آخرها سويّةً، ويحاسبون على أعمالهم.

وهذا هو المركوز في الأذهان عادةً، غير أنّه ليس في القرآن ما يدل عليه، وترد عليه بعض المناقشات لسنا الآن في صددها.

الأُسلوب الثاني: الحشر التدريجي: جيلاً بعد جيل، أو ديناً بعد دين، أو مجموعة بعددٍ معيّنٍ بعد مجموعة، وهكذا. وحتى يتمّ حساب الدفعة الأُولى تُحشر الدفعة الثانية، وهكذا.

____________________

(١) ٢٧ /٨٣.

٦٣٧

فقد تكون الآية التي نحن بصددها دالّة على هذا الأُسلوب من الحشر، حيث يقول:( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) ؛ لأنّ حشر الجيل الواحد يتضمّن أن يعود إلى الحياة جماعة من كل مذهب ودين:( مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ ) كما كان عليه الحال في الدنيا. وهو لا يريد إهمال الآخرين، بل هو يشير إلى دفعة واحدة من الحشر التدريجي، وأما الدفعات الأُخرى فيأتي دورها تباعاً. ولن تكون مهملة بدليل قوله تعالى:( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) أي أنّ الحشر التدريجي سيستوعب في النتيجة كل البشرية من أوّلها إلى آخرها.

إذاً، فكلتا الآيتين تشير إلى يوم القيامة، ولا تمتّ إلى الرجعة بصلة، ولا أقل من احتمال ذلك، بحيث تكون دلالتها على الرجعة غير ظاهرة.

الآية الثالثة:

( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ) (١) .

وطريقة دلالتها على الرجعة بأحد أُسلوبين:

الأُسلوب الأوّل: أنّ حادثة خروج دابّة الأرض تكون عند الرجعة، فهي تخرج مع الراجعين لتقوم بوظيفتها بينهم.

إلاّ أنّ هذا الأُسلوب غير صحيح بكل وضوح؛ لأنّ الآية لا تشير إلاّ إلى خروج دابّة الأرض، وأمّا أنّها تخرج في جيل طبيعي في جيل الرجعة، فهذا ما لا تشير إليه الآية إليه بحال.

الأُسلوب الثاني: أنّها تشير إلى رجعة دابّة الأرض نفسها، أعني حياتها بعد الموت، فهي تشير إلى رجعة شخص واحد لا أكثر. وإذا أمكن ذلك في شخص أمكن في عديدين.

وهذا يتوقّف على أن نفهم من ( دابّة الأرض ) أنّه إنسان سبق له أن عاش في هذه الحياة؛ وفي الآية قرينة على بشريّة هذه الدابّة وهي قوله: ( تكلّمهم ) فإنّ الكلام يكون من البشر دون غيره. ويتوقّف على أن نفهم من قوله ( أخرجنا ) معنى: أرجعنا إلى الحياة بعد الموت، لا أنّ هذا الإنسان يولد في حينه. وقد يجعل قوله تعالى:( أَنَّ النَّاسَ

____________________

(١) ٢٧ / ٨٢.

٦٣٨

كَانُوا بِآَيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ) ، دليلاً على ذلك؛ لأنّ الآية إنّما تكون بالرجوع بعد الموت، وأمّا لو كان يولد في زمانه، لما حدثت الآية، وقد قامت الأخبار التي سمعنا طرفاً منها، بتعيين هذا الإنسان بالإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).

والإنصاف: أنّ فكرة الأُسلوب الثاني هي المستفادة من الآية الكريمة، فدابّة الأرض هو إنسان بعينه، وقوله أخرجنا دالٌّ على الإيجاد غير الطبيعي لا على مجرّد الولادة؛ إذاً، فالآية الكريمة دالة على رجعة هذا الإنسان.

غير أنّها لا تدل على أي معنى آخر للرجعة، لا العام ولا الخاص، ومن المحتمل بل المؤكّد أنّ هناك مصلحة في حكمة الله تعالى لرجوع دابّة الأرض، لا تتوفّر في أي بشريٍّ آخر، ومعه لا يمكن القول بالتعميم منه إلى رجعة أي شخص آخر. ومجرّد الإمكان في قدرة الله عزّ وجلّ، وهو ممّا لا شك فيه، لا يدل على الوقوع الفعلي.

وإذا وصلنا إلى هذه النتيجة، استطعنا أن نستنتج نتيجةً أُخرى مهمّة، هي التوحيد بين مدلول القرآن ومدلول الأخبار. فإنّنا عرفنا أنّ الأخبار لا يمكنها أن تثبت إلاّ المعنى الإجمالي الذي تواترت الأخبار عليه، وهو رجوع بعض الأموات إلى الحياة قبل يوم القيامة، بشكل يناسب أن يكون هذا الراجع واحداً لا أكثر. وهذا صالح للانطباق على ما دلّ عليه القرآن الكريم من رجعة دابّة الأرض. فإنّ هذا المعنى الإجمالي لم يثبت انطباقه بدليلٍ كافٍ إلاّ على دابّة الأرض فيتعيّن فيه، بعد ضمّ الدليلين إلى بعضهما.

ومعه في الإمكان القول: إنّ المقدار الثابت في السنّة الشريفة، ليس أكثر ممّا دلّ عليه القرآن الكريم، كما أنّ ما دلّ عليه القرآن الكريم هو بعينه ما ثبت في السنّة.

ومعه، فلم يثبت أي معنى من معاني الرجعة ولا احتمالاتها السابقة، وإنّما لابد لنا كمسلمين: أن نتعبّد بخروج دابّة الأرض التي نطق بها القرآن الكريم. وفي الإمكان أن نسمّي ذلك بالرجعة، إلاّ أنّه على خلاف اصطلاحهم.

فهذا هو نبذة الكلام حول الرجعة.

حكم الأولياء الصالحين:

أخرج الشيخ في الغيبة(١) بسنده عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (ع) - في حديث

____________________

(١) ص٢٨٥.

٦٣٩

طويل - أنّه قال:

يا أبا حمزة، إنّ منّا بعد القائم أحد عشر مهديّاً.

وأخرج أيضاً(١) بإسناده إلى جابر الجعفي، قال:

سمعت أبا جعفر(ع) يقول: والله ليملكنّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمئة سنة. قلت: متى يكون ذلك؟ قال: بعد القائم. قلت: وكم يبقى القائم في عالمه. قال: تسع عشر سنة. ثم يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين (ع) ودماء أصحابه فيقتل ويسبي، حتى يخرج السفّاح.

وأخرجه النعماني في الغيبة(٢) إلى قوله:

تسع عشر سنة، إلاّ أنّه قال: ثلاثمئة سنة ويزداد تسعاً.

وأخرج في البحار(٣) نقلاً عن غيبة الشيخ، عن أبي عبد الله الصادق (ع)، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (ع)، قال:

قال رسول الله (ص) في الليلة التي كانت فيها وفاته، لعلي: يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة. فأملى رسول الله (ص) وصيته حتى انتهى ( إلى ) هذا الموضع. فقال: يا علي: إّنّه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثني عشر مهديّاً. فأنت يا علي أوّل الاثنا عشر إمام... وساق الحديث، إلى أن قال: وليسلّمها الحسن ( يعني الإمام العسكري (ع) إلى ابنه محمد المستحْفَظ من آل محمد صلّى الله عليه وعليهم. فذلك اثني عشر إماماً. ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديّاً. فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أوّل المهديين ( المقرّبين: نسخة الغيبة ). له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي، وهو: عبد الله، وأحمد. والاسم الثالث: المهدي. وهو أوّل المؤمنين.

وفي عدد من الأدعية الواردة في المصادر الإمامية الدعاء لهؤلاء الأولياء الصالحين

____________________

(١) ص٢٨٦.

(٢) ص١٨١.

(٣) ج١٣ ص٢٣٧. وانظر غيبة الشيخ.

٦٤٠

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679