موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)8%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

الجزء ١ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212453 / تحميل: 11106
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الفصل الرابع

الأيديولوجيَّة العامَّة التي يتبنَّاها المهدي (ع)

تجاه الكون والحياة والتشريع

والذي نريد التعرُّف عليه في هذا الصدد، هو الاطِّلاع الكامل على العُمق الحقيقي للوعي الذي ينشره الإمام المهدي في المجتمع، لا تفاصيل الأُسس العامة التي تبتني عليها الأيديولوجية يومذاك، فإنَّ ذلك ممَّا يتعذَّر الاطِّلاع عليه قبل يوم الظهور، كما ذكرنا في التمهيد.

وإنَّما الذي نُثير التساؤل عنه ونُحاول التعرُّف عليه الآن، هو بعض العناوين العامة التي يُتصوَّر اتجاه الأيديولوجية المهدوية نحوها، أو التي قد يخطر في الذهن ذلك منها، ومعه يكون التساؤل مُثاراً عن أمور أربعة:

الأمر الأول: الدين يعتنقه المهدي (ع)، ويُعلنه في العالم.

الأمر الثاني: المذهب الذي يتَّخذه (ع).

الأمر الثالث: التساؤل عمَّا إذا كان يتبنَّى بعض المفاهيم المـُحدَّدة الضيِّقة، كالعنصرية، والقومية، والوطنية ونحوها.

الأمر الرابع: التساؤل عمَّا إذا كان نظامه مُشابهاً في المفهوم أو المدلول مع الأنظمة السابقة على الظهور، كالرأسمالية والاشتراكيَّة، أو لا؟

ونتكلَّم عن كل من هذه التساؤلات الأربعة، في ضمن جهة من الكلام.

الجهة الأُولى: في الدين الذي يتبنَّاه الإمام المهدي (ع) ويحكم العالم على أساسه.

وهو دين الإسلام بصفته الأطروحة الكاملة التي تُحقِّق العبادة الحقيقية المـُستهدفة من خلق البشرية أساساً، كما سبق أن عرفنا.

٦١

ويتمُّ الاستدلال على ذلك بعدَّة أساليب، نذكر منها ما يلي:

الأُسلوب الأول: أن نستعرض بعض الظواهر المـُهمَّة لنتائج العدل السائدة في دولة المهدي... فإذا عطفنا على ذلك انحصار العدل الكامل بالإسلام، إذاً، فهذا الأُسلوب متوقُّف على مُقدَّمتين:

المـُقدِّمة الأُولى: استعراض بعض الظواهر المـُهمَّة والنتائج العظيمة للعدل السائد في دولة المهدي العالمية.

وهذا بتفاصيله موكول إلى الباب الثالث من القسم الثاني من هذا التاريخ، وإنَّما نقتصر في المقام على ذكر بعض الأمثلة.

فمن ذلك ما أخرجه ابن ماجه(١) ، عن أبي سعيد الخدري: أنَّ النبي (ص) قال: ( يكون في أُمَّتي المهدي... فتنعم فيه أُمَّتي نعمةً لم ينعموا مثلها قطُّ، تؤتي أُكلها ولا تدخر منهم شيئاً. والمال يومئذ كدوس، فيقوم الرجل فيقول: يا مهدي، عطني فيقول: خُذْ ).

وما يرويه البخاري(٢) ، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله ( ص) قال، - في حديث -: ( ومتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يَهمُّ ربُّ المال مَن يقبل صدقته، ومتى يعرضه فيقول الذي يُعرَض عليه لا أرِبَ لي به ).

وقد برهنَّا في التاريخ السابق(٣) ، بانحصار حدوث هذه الكثرة من المال في دولة المهدي (ع) دون ما قبلها، مضافاً إلى دلالة هذه الأخبار المرويَّة هنا.

وما أخرجه مسلم في صحيحه(٤) ، عن أبي سعيد وجابر بن عبد الله قالا: قال رسول الله (ص): ( يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعدُّه ).

وما أخرجه الشيخ المفيد في الإرشاد(٥) ، عن المفضَّل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور

____________________

(١) انظر السُّنن ج٢ ص١٣٦٧.

(٢) انظر الصحيح ج٩ ص٧٤.

(٣) انظر تاريخ الغيبة الصغرى ص ٢٣١ و ص٣٣٥.

(٤) ج٨ ص ١٨٥.

(٥) انظر ص٣٤٢.

٦٢

ربِّها - إلى أن قال: - وتُظهر الأرض من كنوزها حتى الناس الأرض على وجهها، ويطلب الرجل منكم مَن يصله بماله ويأخذ منه زكاته، فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك، واستغنى الناس بما رزقهم الله من فضله ).

ومثل ذلك ما ورد في كتاب العهدين في وصف دولة العدل المـُنتظرة، كقوله(١) :وتنفتح أبوابك دائماً (٢) نهاراً وليلاً لا تُغلق، ليؤتى إليك بغنى الأُمم وتُقاد ملكهم؛ لأنَّ الأمة والمملكة التي لا تخدمك تبيد، وخراباً تخرب الأُمم.

وكقوله:بل يقضي بالعدل للمساكين، ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه، ويُميت المـُنافق بنفخة شفتيه... فيسكن الذئب مع الخروف، ويربض النمر مع الجدي... والبقر والدُّبَّة ترعيان، تربض أولادهما معاً، والأسد كالبقر يأكل تبناً، ويلعب الرضيع على سرب الصل، ويمدُّ الفطيم يده على جحر الأفعوان، لا يسوؤن ولا يفسدون، في كل جبل قدسي؛ لأن الأرض تمتلئ من معرفة الربِّ (١) .

إلى غير ذلك من النصوص في كُتب العهدين، ولكلٍّ من هذه النصوص تحليله وتفسيره الذي سيأتي في مستقبل البحث... وإنَّما المراد الإلمام في الجملة بحالة السعادة والرفاه التي يعيشها شعب المهدي (ع) – وهو كل البشرية – في دولته وتحت نظامه.

المـُقدِّمة الثانية: انحصار العدل الكامل في الإسلام.

وهذا يحتاج إلى بحث عقائدي لسنا الآن بصدده، وإنَّما نُشير الآن إلى خلاصة نتائجه: وهي أنَّنا بعد أن علمنا الإسلام هو آخر الشرائع السماوية، وأنَّ العقل البشري قاصر عن إيجاد العدل الكامل في العالم، وأنَّ الله تعالى وعد في كتابه الكريم بتطبيق العدل الكامل والعبادة المحضة على وجه الأرض، بل كان هذا هو الغرض الأساسي للخَلق.

____________________

(١) أشعيا:٦٠/ ١٣.

(٢) مرجع ضمير المؤنث المـُخاطب هو ( أورشليم ) عاصمة بني إسرائيل في نظر اليهود، ولكنَّنا سنُبرهن في الكتاب القادم على انحصار صحَّة هذه النبُّؤات بدولة المهدي (ع)، وإنَّما ذكرت أورشليم باعتبارها العاصمة الدينية المـُهمَّة في نظر اليهود. فإن انتقلت الأهمِّيَّة إلى غيرها انتقلت النبُّؤات أيضاً؛ لأنَّها تتبع الدين الحق حيث يكون.

(٣) أشعيا: ١١/ ٤ - ٨.

٦٣

إذن؛ فينحصر أن يكون هذا العدل المـُشار إليه هو الإسلام؛ لعدم إمكان حصوله من العقل البشري، وعدم إمكان نزول شريعة أُخرى بعد الإسلام.

وإذا تمَّ الأسلوب الأول وبكلا مُقدِّمتيه، عرفنا أنَّ كل ما ذُكِر من أنحاء وأنواع السعادة والرفاه الموجود في دولة المهدي (ع)، دولة الحق والعدل المـُنتَظرة، هو في الحقيقة نتيجة لتطبيق مفاهيم وقوانين الإسلام فيها.

إذاً؛ فقد تبرهن أنَّ الدين الإسلامي الذي يُعتنق، والقانون الذي يُتَّخذ في تلك الدولة هو الإسلام، بقيادة القائد العظيم الإمام المهدي (ع).

الأُسلوب الثاني: أن نستعرض نصوص الأخبار الدالَّة على أنَّ الإمام المهدي (ع) يُطبِّق الإسلام بالخصوص، وهي على عدَّة أقسام:

القسم الأول: الأخبار الدالَّة على أنَّ المهدي من النبي (ص)، ومن عترته، ومن أُمَّته، ومن أهل البيت، وإذا كان المهدي مُتَّصفاً بهذه الصفات، فهو على دين الإسلام بالضرورة.

أخرج أبو داوود(١) ، ونعيم بن حماد، والحاكم، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (ص): ( المهدي منِّي... ) الحديث.

وأخرج أحمد، والباوردي في المعرفة، وأبو نعيم، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (ص): ( أُبشِّركم بالمهدي، رجل من قريش، من عترتي... ) الحديث.

وأخرج أبو داود، وابن ماجة، والطبراني، والحاكم، عن أُمِّ سلمة: سمعت رسول الله (ص) يقول: ( المهدي منَّا أهل البيت، رجل من أُمَّتي... ) الحديث.

وأخرج أحمد، وابن أبي شيبة، وابن ماجة، ونعيم بن حماد في الفتن عن علي قال: ( قال رسول الله (ص): المهدي منَّا أهل البيت... ) الحديث.

وأخرج(٢) ابن أبي شيبة، والطبراني، والدارقطني في الإفراد، وأبو نعيم،

____________________

(١) انظر الحاوي للفتاوي للسيوطي ج٢ ص١٢٤. وكذلك الأخبار الأربعة التي تليه.

(٢) المصدر ص١٢٥ وكذلك الخبر الذي يليه.

٦٤

والحاكم، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله (ص): ( لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله تعالى رجلاً من أهل بيتي... ) الحديث.

وأخرج الطبراني، عن ابن مسعود، عن النبي (ص) قال: ( لو لم يبقَ من الدنيا إلاَّ ليلة لمَلك فيه رجل من أهل بيتي ).

إلى غير ذلك من الأخبار، ودلالتها على المطلوب أوضح من أن تخفى.

القسم الثاني: الأخبار الدالَّة على أنَّ المهدي (ع) يحكم الأُمّة الإسلامية على الأخص، وهو حين يحكمها بصفتها الإسلامية، فسوف لن يكون حُكمه إلاَّ بالإسلام.

أخرج الترمذي(١) وحسَّنه، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (ص) قال: ( إنَّ في أُمّتي المهدي، يخرج... ) الحديث. أقول: يخرج فيها يعني يحكمها.

وأخرج نعيم بن حماد، وابن ماجة، عن أبي سعيد، أنَّ النبي (ص) قال: ( يكون في أُمَّتي المهدي... ) الحديث.

وأخرج(٢) أحمد ومسلم، عن جابر، قال: قال رسول الله (ص): ( يكون في آخر أُمَّتي خليفة... ) الحديث.

القسم الثالث: الأخبار الدالَّة على تطبيق المهدي (ع) للإسلام وسنَّة النبي (ص).

أخرج الطبراني في الأوسط(٣) ، وأبو نعيم، عن أبي سعيد: سمعت رسول الله (ص) يقول: ( يخرج رجل من أهل بيتي يقول بسنَّتي ) الحديث.

وأخرج - يعني نعيم بن حماد -(٤) ، عن علي، عن النبي (ص )، قال: ( المهدي رجل من عترتي، يُقاتل على سنَّتي، كما قاتلت أنا على الوحي ).

وأخرج ابن حجر في الصواعق(٥) قال: وصحَّ أنَّه (ص) قال:

____________________

(١) المصدر ص١٢٦ وكذلك الخبر الذي يليه.

(٢) المصدر ص١٣١.

(٣) المصدر والصفحة

(٤) المصدر ص١٤٨.

(٥) انظر ص٩٨.

٦٥

( يكون اختلاف عند موت خليفة... إلى أن قال: ويعمل في الناس بسنَّة نبيِّهم (ص) ويُلقي الإسلام بجرانه على الأرض ).

وروى الشيخ الطوسي في الغيبة(١) ، عن أبي جعفر الباقر (ع)، قال: ( ويقتل الناس حتى لا يبقى إلاَّ دين محمد (ص)... ) الحديث.

واخرج أبو يعلى(٢) ، عن أبي هريرة قال: حدَّثني خليلي أبو القاسم (ص) قال: ( لا تقوم الساعة حتى يخرج عليهم رجل من أهل بيتي، فيضربهم حتى يرجعوا إلى الحق... ) الحديث.

أقول: الحقُّ في نظر رسول الله هو الإسلام.

وروى الشيخ المفيد في الإرشاد(٣) ، عن المفضَّل بن عمر الجُعفي، قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد (ع) يقول: ( إذا أذِنَ الله تعالى للقائم في الخروج، صعد المنبر فدعا الناس إلى نفسه، وناشدهم بالله ودعاهم إلى حقِّه، وأن يسير فيهم بسنَّة رسول الله (ص) ويعمل فيهم بعمله... ) الحديث.

القسم الرابع: من الأخبار، ما دلَّ على أنَّ المهدي (ع) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد ما مُلئت ظلماً وجوراً.

وهي أخبار متواترة، مروية عن النبي (ص) وقادة الإسلام الأوائل، وهم يرون أنَّ القسط والعدل هو الإسلام ليس إلاَّ؛ فيكون المعنى اعتناق وتطبيق الإمام المهدي (ع) للإسلام عقيدة ونظاماً.

وقد أحصى الصافي في مُنتخب الأثر(٤) لهذه العبارة الكريمة مئة وتسعة وعشرين حديثاً، وقد روتها المصادر العامة بكثرة، بما فيها الصحاح، كأبي داود، وابن ماجة، والترمذي إلى مصادر أُخرى كثيرة ذكرناها في التاريخ السابق(٥) ، مضافاً إلى مصادر علماء الإمامية ومُصنِّفيهم، فإنها أكثر من أن تُحصى.

____________________

(١) انظر ص ٢٨٣.

(٢) الحاوي للفتاوي ص١٣١

(٣) انظر ص ٣٤٢ وما بعدها.

(٤) انظر ص٤٧٨.

(٥) تاريخ الغيبة الكبرى ص٢٨١ وما بعدها.

٦٦

وسيأتي في القسم الثاني من هذا الكتاب ما يزيد هذه الأخبار بأقسامها الأربعة وضوحاً.

وهذان الأسلوبان من الاستدلال على حقيقة الدين الذي يتَّخذه المهدي (ع)، ثابتان بغضِّ النظر عن الدليل القائم على أساس التخطيط الإلهي، والقائل: بأنَّ الأُطروحة العادلة والكاملة المـُطبَّقة في اليوم الموعود في دولة المهدي (ع) هي الإسلام، وتصلح نتيجة هذين الأسلوبين للاستدلال على هذه الحقيقة، بأن نقول:

إنَّ المهدي (ع) يُطبِّق الأطروحة العادلة الكاملة في دولته العالمية، كما ثبت في التخطيط العام، وهو يعتنق ويُطبِّق الإسلام، كما ثبت بهذين الأسلوبين الأخيرين...

إذاً؛ فالإسلام هو الأطروحة العادلة الكاملة.

وكذلك يصحُّ الاستدلال بالعكس، بأن نغضَّ النظر عن هذين الأسلوبين، ونتساءل من جديد عن حقيقة الدين الذي يعتنقه المهدي ( ع)، فنقول: إنَّ المهدي يُطبِّق الأطروحة العادلة الكاملة في دولته، كما ثبت في التخطيط العام، والإسلام هو الأطروحة العادلة الكاملة، كما استدللنا في التاريخ السابق(١) ، وسيأتي الحديث عن ذلك في الكتاب الآتي أيضاً...

إذاً؛ يثبت أنَّ الدين الذي يعتنقه المهدي (ع) ويُطبِّقه هو الإسلام، إذ لا يُحتمل أنَّه يُطبِّق الإسلام وليس بمسلم... فإنَّ التطبيق الإسلامي سوف لن يكون تامَّاً وعادلاً، إلاَّ إذا كان الرئيس الأعلى مسلماً، كما ثبت في الفقه الإسلامي، ويصلح أن يكون هذا أسلوباً ثالثاً إلى جنب الأسلوبين السابقين.

إذاً؛ فهاتان الحقيقتان وهما:

١- إنَّ دين المهدي (ع) هو الإسلام.

٢- إنَّ الإسلام هو الأطروحة العادلة الكاملة، يمكن الاستدلال بإحداهما على الأُخرى، بعد أخذ إحداهما مُسلَّمة والأُخرى محلاَّ ًللاستلال، وكلتاهما مدعمتان بأدلَّة أُخرى غير هذه.

وإذا تبرهن على أنَّ المهدي (ع) يُطبِّق الإسلام في اليوم الموعود، باعتبار النظام الذي يتكفَّل العدل الكامل... فإنَّه يترتَّب على ذلك عدَّة نتائج، فيما إذا قورنت دولته بالدولة الحاضرة، وهذا ما سيأتي في القسم الثاني من الكتاب، ونذكر الآن بعضها على

____________________

(١) انظر ص ٢٦١ منه.

٦٧

سبيل المثال.

منها: توحيد المـُعتقَد الديني في العالم بدين الإسلام، طبقاً لقوله تعالى:

( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ... ) ، على أساس أنَّ هذا الدين هو الذي يُنظِّم العالم ويحلُّ مشاكله، ويُحقِّق له العدل الكامل، ويأتي هذا التوحيد تحت ظروف مُعيَّنة يُهيِّؤها القائد المهدي، نُشير إليها في مُستقبل البحث.

ومنها: أنَّ العالم سوف يحكم بأُطروحة قانونية واحدة، لا يحق فيها التجزئة، ولا يجوز عليها الخروج.

ومنها اتِّحاد السياسة والدين في سير التطبيق والتاريخ، كما كان عليه الحال في زمن النبي (ص) والخلافة الأُولى، وإنهاء فكرة: فصل الدين عن الدولة.

ومنها: إبتناء الحُكم، ابتناء التكامل الفردي والاجتماعي على الأساس الإلهي، ويتمُّ القضاء تماماً على أيِّ اتِّجاه مادي في العالم، مهما كان نوعه.

ومنها: إنهاء فكرة كحق تقرير المصير، فإنَّ مصير البشر قد تقرَّر من الأعلى، من التخطيط الإلهي العام ولن يكون مُنبثقاً من البشر، أو ناتجاً عن آرائهم الناقصة.

إلى غير ذلك من النتائج، التي سيأتي التعرض لأسبابها ونتائجها مُفصَّلاً.

الجهة الثانية: المذهب الذي يتَّخذه المهدي (ع) من مذاهب الإسلام، يمكن أن يراد من المذهب أحد المعنيين:

المعنى الأول: أن يُراد بالمذهب مجموع الأفكار المـُتبنَّاة من العقائد والفقه السائد، بحيث يكون كلام شيوخ المذهب وعلمائه دخيلاً في بلورته وصقل فكرته.

المعنى الثاني: أن يُراد بالمذهب العقائد الرئيسية التي تُشكِّل حجر الزاوية فيه والأساس الرئيس له... كالقول بالعدل والإمامة اللذين كانا محلَّ الخلاف بين الإمامية وغيرهم من المسلمين.

فإن أردنا المعنى الأول من المذهب، فينبغي لنا أن نجزم بأنَّ المهدي (ع) سيُغيِّر في تفاصيل تشريعه كل مذاهب المسلمين الموجودة قبل ظهوره، ولا يُحتمل فيه أن يكون منسوباً إلى أيٍّ من المذاهب السائدة؛ لأنَّ الكثير من أفكار كلِّ مذهب، ناتج عن أفكار

____________________

(١) آل عمران: ٣/ ٨٥.

٦٨

مُفكِّريه واستنتاجات علمائه، وهي - على أيِّ حال - قابلة للخطأ والصواب، ما لم تكن من ضروريَّات الدين أو واضحات العقل.

والمهدي (ع) سيُطبِّق عند ظهوره الإسلام الواقعي، كما جاء به النبي (ص) سواء وافق الأحكام المعروفة للمذاهب أو خالفها، وسيأتي بقوانين إسلامية جديدة لتنظيم العالم؛ ليجعله كله على عتبة الرُّقيِّ والتكامل.

ولذا؛ صرَّح عدد من علماء العامة ومفكريهم في مناسبات مُختلفة، بعد انطباق أحكام المهدي مع شيء من المذاهب الأربعة، ولا غيرها.

قال ابن العربي في الفتوحات المكِّيَّة(١) في كلامه عن المهدي: به يرفع المذاهب من الأرض، فلا يبقى إلاَّ الدين الخالص، أعداؤه مُقلِّدة العلماء أهل الاجتهاد لما يرونه من الحُكم بخلاف ما ذهبت إليه أئمتهم...

وقال السيوطي(٢) - عن الحُكم الذي سيُمارسه عيسى بن مريم (ع) وهو العضد الأيمن للمهدي (ع)، كما سنعرف، في دولة الحق، قال -: وإذا قلتم: إنَّه يحكم بشرع نبيِّنا، فكيف طريق حُكمه به أبمذهب من المذاهب الأربعة المـُقرَّرة، أو باجتهاد منه؟!

هذا السؤال أعجب من سائله!! وأشدُّ عجباً منه قوله فيه: بمذهب من المذاهب الأربعة!! فهل خطر ببال السائل: أنَّ المذاهب في المِلَّة الشريفة مُنحصرة في أربعة، والمجتهدون من الأُمَّة لا يُحصون كثرة...؟! فلأيِّ شيء خَصَّص السائل المذاهب الأربعة؟!

ثمَّ كيف يظنُّ بنبيٍّ أنَّه يُقلِّد مذهباً من المذاهب، والعلماء يقولون: إنَّ المجتهد لا يُقلِّد مُجتهداً؟! فإذا كان المجتهد من آحاد الأمة لا يقلد، فكيف يظن بالنبي أنه يقلد؟!

إلى غير ذلك من الكلمات التي لا حاجة إلى استقصائها.

وأمَّا موقف الإمامية من ذلك فواضح، فإنَّهم يعتبرون المهدي (ع)، مصدراً من مصادر التشريع الإسلامي، بصفته الإمام الثاني عشر من أئمَّتهم (ع)، فمن غير المـُحتمل لديهم رجوعه في التشريع أو غيره إلى أحد علمائهم أو إلى أكثر، بل هو يستقيل ببيان التشريع الإسلامي، ويكون واجب الطاعة في غيبته.

وأمَّا إذا أردنا بالمذهب، ما يعود إلى المقوِّمات الرئيسية، كالاعتقاد بالعدل

____________________

(١) ج٣ ص٣٢٧.

(٢) انظر الحاوي للفتاوي، للسيوطي ج٢ ص٢٨٠.

٦٩

والإمامة، وعدمه...

فالمـُلاحَظ بالنسبة إلى المهدي (ع) سكوت الأخبار الواردة في مصادر العامة والجماعة عن مذهبه، سكوتاً تامَّاً، في حدود اطِّلاعنا، فلو أردنا الجواب على مثل هذا السؤال، وهو: أنَّ المهدي من أهل السنَّة، يؤمِن بأصولهم الاعتقادية، أو بالأهمِّ منها على الأقل... كان ذلك مُتعذِّراً عن طريق الأخبار.

ومن هنا سكتت كلمات مُحقِّقيهم عن التعرُّض لذلك... واكتفوا بالقول: بأنَّه يُطبِّق الدين الحقيقي، من دون أيِّ إشارة إلى أنَّه ممَّن يوافقهم في المذهب أولا.

نعم، مَن يرى منهم بأنَّ المهدي (ع) يعمل بفقه أحد المذاهب الأربعة يرى - بطبيعة الحال - أنَّه مُلتزم عقائدياً بما يعتقدونه، غير أنَّ مُحقِّقيهم اعترضوا على هذا القول واستنكروه، كما سمعنا.

إذاً؛ فلم يتمَّ الإثبات التاريخي الكافي لذلك.

نعم، تبقى هناك فكرتان، إحداهما أشمل من الأُخرى، لابدَّ من عرضهما في هذا الصدد:

الفكرة الأُولى: فيما تقتضيه القواعد العامة، من تعيُّن مذهبه على وجه الإجمال.

من المـُسلَّم به بين المسلمين، كون أحد المذاهب الموجودة بين مذاهبهم حقَّاً، وأنَّ المذاهب الأُخرى باطلة غير مطابقة للعقائد الإسلامية الصحيحة، وسبق أن قلنا: إنَّ أصحاب الإمام المهدي (ع) المـُمحَّصين في عصر الغيبة، إنَّما يكونون من ذلك المذهب - أيَّاً كان - دون غيرهم؛ ليتمَّ تمحيصهم على الحق وإخلاصهم له، لا على غيره، كما هو واضح.

ومعه؛ فلابدَّ من الالتزام بأنَّ مذهب المهدي (ع) هو ذلك المذهب الحقُّ، الذي يختار له الله تعالى عليه أصحابه، ولا يُحتمل أن يكون مُخالفاً لهم في المذهب؛ لأنَّه يلزم منه أن لا يكون أحدهما على الحقِّ. وهو باطل بالضرورة.

وأمّا تعيين هذا المذهب الحق، وتسميته من دون المذاهب الأُخرى... فهذا راجع إلى وجدان كل مسلم، وما قام الدليل عنده من صحَّة أيِّ مذهب من المذاهب.

ستكون الفكرة الأُولى لدى الفرد المسلم أن يقول: إنَّ المذهب الحق هو مذهبي؛ والدليل على صحَّته قائم عندي.

إذاً؛ فالمهدي يكون عليه، هكذا يقول أهل كل مذهب... ويبقى مذهب المهدي - بعد ذلك - مُجملاً.

٧٠

وقد لا يكون هذا ضائراً، فإنَّ التعرُّف الإجمالي على مذهبه، بالشكل الذي قلناه، كافٍ على المستوى الذي يُقنع سائر المسلمين، ويكون البحث فيه إسلامياً عامَّاً غير طائفي، ويكون المهدي (ع) - في ذاته - مختاراً في تطبيق المذهب الذي يُريده على العالم.

الفكرة الثانية: وهي أخصُّ من سابقتها، فإنَّه يمكن القول: بأنَّ المهدي (ع) على المذهب الإمامي الاثني عشري؛ وذلك باعتبار القرائن والمـُرجِّحات التالية:

المـُرجِّح الأول: ما ورد أنَّ المهدي (ع) من أهل البيت ومن العترة، وقد سمعنا عدداً من هذه الأخبار فيما سبق، ومنها ما هو موجود في الصحاح الستَّة، التي سنقتصر على النقل عنها:

أخرج أبو داود(١) ، وابن ماجة(٢) ، عن أُمِّ سلمة، قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: ( إنَّ المهدي من عترتي من وُلْد فاطمة ).

وأخرج أبو داود أيضاً(٣) قوله (ص): ( لو لم يبقَ من الدهر إلاَّ يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي... ) الحديث.

وأخرج ابن ماجة(٤) قوله (ص): ( المهدي منَّا أهل البيت... ) الحديث.

وأخرج الترمذي(٥) قوله (ص): ( لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي ).

إلى غير ذلك من الأخبار.

وإنَّ أخص موارد انطباق مفهومي العترة وأهل البيت هم: بنت النبي (ص) الزهراء وزوجها وولداها، وقد يشمل سلمان الفارسي رضوان الله عليه، الذي ورد في شأنه قول النبي (ص): ( سلمان منَّا أهل البيت )(٦) ، فليكن الإمام المهدي (ع) على مذهبهم، وليس هو غامضاً ولا مُجملاً في التاريخ.

____________________

(١) انظر السُّنن ج ٢ ص ٤٢٢.

(٢) انظر السُّنن ج٢ ص ١٣٦٨.

(٣) انظر السُّنن ج٢ ص ٤٢٢.

(٤) انظر السُّنن ج٢ ص ١٣٦٧.

(٥) انظر الجامع الصحيح ج ٣ ص ٣٤٣.

(٦) انظر أُسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير ٢ ص٣٣١. ذكر له أكثر من رواية.

٧١

المـُرجِّح الثاني: ما ورد من الأخبار في مصادر العامة، من أنَّ الأئمَّة اثنا عشر بعد النبي (ص)... أمَّا بالنص على أنَّ المهدي (ع) هو آخرهم، أو بدون ذلك، فإنَّها تنطبق على الاتِّجاه الإمامي في فَهْمِ الإسلام بالتعيين، دون غيره، ومعه؛ يتعيَّن الالتزام بأنَّ مذهب المهدي (ع) موافق لهذا الاتِّجاه.

أخرج البخاري(١) عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي (ص) يقول: ( يكون اثنا عشر أميراً ). فقال كلمة لم أسمعها. فقال أبي: إنَّه قال: ( كلُّهم من قريش ).

وأخرج مسلم(٢) نحوه، وذكر له أسناد عديدة إلى جابر بن سمرة.

وأخرج الترمذي(٣) ، عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله (ص): ( يكون من بعدي اثنا عشر أميراً ).

قال: ثمَّ تكلَّم بشيء لم أفهمه.

فسألت الذي يليني، فقال: ( كلُّهم من قريش ).

ثمَّ قال الترمذي: هذا حديث حَسن، وقد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة.

وأمَّا ما رواه أحمد وغيره في خارج الصحاح، فكثير.

وإذا تعيَّن صحَّة الاتِّجاه الإمامي، بهذه الأخبار، ثبت كون المهدي هو الثاني عشر من هؤلاء الأُمراء الذين يُشير إليهم النبي (ص)، وهو المطلوب.

كالذي أخرجه القندوزي في ينابيع المودَّة(٤) ، نقلاً عن فرائد السمطين للحمويني، بسنده عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قدم يهودي يُقال له: نعثل. فقال: يا محمد، أسألك عن أشياء تُلَجْلِجُ في صدري منذ حين... إلى أن يقول: فما من نبيٍّ إلاَّ وله وصي، وأنَّ نبينا موسى بن عمران أوصى يوشع بن نون.

فقال: ( إنَّ وصيِّي علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي

____________________

(١) انظر الجامع الصحيح ج ٩ ص ١٠١.

(٢) انظر صحيح مسلم ج ٦ ص ٣-٤.

(٣) انظر الجامع الصحيح ج٣ ص ٢٤٠.

(٤) انظر ص ٥٢٩ ط النجف. وص ٣٦٩ ط الهند عام ١٣١١ هـ.

٧٢

الحسن والحسين، تتلوه تسعة أئمة من صُلب الحسين ).

قال: يا محمد، قَسِّمْهم لي.

قال: ( إذا مضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فابنه الحجة محمد المهدي ).

فهؤلاء اثنا عشر.

وهذه النتيجة، وهي صحَّة الاتِّجاه الإمامي في فهم المهدي (ع)، ومن ثمَّ القول: بأنَّ المهدي إمامي المذهب، وأنَّه أحد الأئمة الاثنا عشر... هذه النتيجة لازمة لكل مَن يقول من علماء العامَّة: بأنَّ المهدي هو محمد بن الحسن العسكري. كابن عربي في الفتوحات المكِّيَّة على ما نُقل عنه في إسعاف الراغبين(١) ، إذ نسمعه يقول: ( وهو عترة رسول لله (ص) من وُلْد فاطمة رضي الله عنها، جدُّه الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده الإمام حسن العسكري بن الإمام علي النقي - بالنون - بن الإمام محمد ( التقي - بالتاء - بن الإمام علي )(٢) الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد ( التقي - بالتاء - بن الإمام علي ) الباقر بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم. يواطئ اسمه اسم رسول الله (ص)... ).

وكذلك الشعراني في اليواقيت والجواهر(٣) ، إذ قال هناك: المهدي من وُلْد الإمام حسن العسكري.

وذكر موافقة الشيخ حسن العراقي، وسيدي علي الخواص على ذلك.

وكذلك كمال الدين بن طلحة، في مطالب السؤول(٤) ، حيث قال: الباب الثاني عشر: في أبي القاسم بن محمد الحسن الخالص بن علي المـُتوكِّل بن القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين بن أبي طالب. المهدي الحجَّة الخَلَف الصالح المـُنتظر (ع) ورحمة الله و بركاته.

____________________

(١) انظر ص ١٤٢

(٢) ما بين القوسين عبارة نُقلت من محلِّه إلى المحلِّ الذي أثبتناه بين القوسين فيما يلي، وهو خطأ مطبعي غريب. وهي في الأول صحيحة وفي الثاني خاطئة.

(٣) انظر ص ٢٨٨ ط ١٣٠٦ وانظر إسعاف الراغبين ص١٤١.

(٤) انظر ص ٧٩.

٧٣

وكذلك الحافظ الكنجي، في كتابه البيان(١) ، حيث قال: وأمَّا بقاء المهدي (ع)، فقد جاء في الكتاب والسنَّة... ثم شرح ذلك إلى أن قال: وأمَّا ألإمام المهدي (ع)، مُذْ غيبته عن الأبصار إلى يومنا هذا لم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما تقدَّمت الأخبار في ذلك، فلابدَّ أن يكون ذلك مشروطاً بآخر الزمان، فقد صارت هذه الأسباب لاستيفاء الأجل المعلوم(٢) .

أقول: وهذا الكلام منه واضح في اختيار الاتِّجاه الإمامي في فَهْم المهدي.

وكذلك ابن الصبَّاغ، في الفصول المهمَّة(٣) ، إذ نجده يتحدَّث عن المهدي مُفصلاً، وقال - فيما قال -: وأمَّا نسبه أُمَّاً وأباً، فهو أبو القاسم، محمد الحجَّة بن الحسن الخالص بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين... وأمَّا لقبه: فالحجَّة، والمهدي، والخَلَف الصالح، والقائم المـُنتظر، وصاحب الزمان... إلخ.

وذكر الحافظ القندوزي، في ينابيع المودَّة، عدداً من العلماء الذاهبين إلى ذلك: منهم: الشيخ صلاح الدين الصفدي في شرح الدائرة(٤) ، وشيخ الإسلام أحمد الجامي النامقي، والشيخ عطَّار النيشابوري، وشمس الدين التبريزي، وجلال الدين الرومي، والسيد نعمة الله الولي، والسيد النسيمي(٥) ، والشيخ عزيز بن محمد النسفي(٦) ، مُضافاً إلى مَن ذكرناهم قبل قليل.

المـُرجِّح الثالث: اعتراف الأئمَّة المعصومين السابقين عليه به عليه وعليهم السلام... بل تنويههم به والحثُّ على إطاعته وانتظاره في عدد من الأخبار تفوق حدَّ التواتر، وقد نَقل عنهم بعض هذه الأخبار عدد من مصادر العامة، كالبيان للكنجي، وينابيع المودَّة للقندوزي، وغيرهما.

أمَّا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع):

____________________

(١) انظر ص ١٠٩.

(٢) انظر ص١١١ من البيان

(٣) انظر ص٣١٠.

(٤) انظر ينابيع المودَّة ص ٥٦٥ ط النجف وص ٢٩٣ ط الهند.

(٥) المصدر ص ٥٦٦ ط النجف وص ٢٩٣ ط الهند.

(٦) المصدر ص ٥٦٩ ط النجف وص ٣٥٩ ط الهند.

٧٤

فأخرج عنه الكنجي(١) ، وابن ماجة(٢) وغيرهما، قال: ( قال رسول الله (ص): المهدي منَّا أهل البيت يُصلحه الله في ليلة ).

وأمَّا فاطمة الزهراء بنت الرسول (ص)، فقد قال لها أبوها - كما أخرجه عنه للكنجي في البيان(٣) ، وابن الصبَّاغ في الفصول المـُهمَّة(٤) وغيرهما، واللفظ للكنجي -: ( أنا خاتم النبيِّين وأكرم النبيِّين على الله وأحبُّ المخلوقين إلى الله، وأنا أبوك، ووصيِّي خير الأوصياء وأحبُّهم إلى الله وهو بعلك... ومنَّا سبطا هذه الأُمَّة وهما ابناك الحسن والحسين، وهما سيِّدا شباب أهل الجنَّة، وأبوهما – والذي بعثني بالحق – خير منهما. يا فاطمة، والذي بعثني بالحق، إنَّ منهما مهدي هذه الأُمَّة، إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن... ) الحديث.

والإمام الحسن الزكي بن علي (ع) نظر إليه النبي (ص) - فيما رواه السيوطي(٥) - فقال: ( إنَّ ابني هذا سيِّد، كما سمَّاه النبي (ص)، سيخرج من صُلبه رجل يُسمَّى اسم نبيِّكم يُشبهه في الخَلق ولا يُشبه في الخُلُق ).

واخرج السيوطي(٦) ، عن ابن عساكر، عن الحسين (ع): ( أنَّ رسول الله (ص ) قال: أبْشِري يا فاطمة، المهدي منك ).

وأخرج أيضاً(٧) ، عن الدار قطني في سُننه، عن محمد بن علي ( وهو الإمام الباقر عليه السلام) قال: ( إن لمهديِّنا آيتين لم يكونا منذ خلق الله السموات والأرض: ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان، وتنكسف الشمس في النصف منه... ) الحديث.

وأخرج عنه (ع) أيضاً بكُنيته: أبي جعفر(٨) بعض الأخبار.

____________________

(١) انظر البيان ص ٦٥.

(٢) انظر السُّنن ج٢ ص ١٣٦٧.

(٣) انظر ص ٥٦.

(٤) انظر ص ٣١٤ وما بعدها.

(٥) انظر الحاوي للفتاوي ص ١٢٥ ج ٢.

(٦) نفس المصدر ص ١٣٧.

(٧) المصدر ص ١٣٦.

(٨)المصدر ص ١٤١.

٧٥

وأمّا الإمام أبو عبد الله الصادق (ع)، فقد كان له في ذكر الإمام المهدي (ع) موقف عاطفي عظيم...

أخرج القندوزي(١) ، عن المناقب، عن سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضَّل بن عمر وأبو بصير وإبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله جعفر الصادق (رضي الله عنه) فرأيناه جالساً على التراب وهو يبكي بكاءً شديداً ويقول: ( سيّدي، غيبتك نفت رقادي! وسلبت منِّي راحة فؤادي! ).

قال سدير: تصدَّعتْ قلوبنا جزعاً. فقلنا: لا أبكى الله - يا بن خير الورى - عينيك!

فزفر زفرةً انتفخ منها جوفه. فقال: ( نظرت في كتاب الجفر الجامع صبيحة هذا اليوم... وتأمَّلت فيه مولِد قائمنا المهدي، وطول غيبته، وطول عمره، وبلوى المؤمنين في زمان غيبته... ) إلخ الحديث وهو مطوَّل.

والإمام الرضا علي بن موسى (ع) بشر بالمهدي (ع) أيضاً:

أخرج القندوزي(٢) ، عن الحمويني الشافعي في فرائد السمطين، بإسناده عن دعبل بن علي الخزاعي قال: أنشدت قصيدة لمولاي الإمام علي الرضا، رضي الله عنه، أولها:

مدارس آياتٍ خَلَتْ من تِلاوةٍ

ومنزل وحيٍ مُقفِرُ العَرصاتِ

إلى أن قال دعبل: ثمَّ قرأت باقي القصيدة عنده، فلمَّا انتهيت إلى قولي:

خروج إمامٍ لا محالة واقع

يقوم على اسم الله والبركاتِ

يُميِّز فينا كلَّ حقٍ وباطلٍ

ويجزي على النعماء والنقماتِ

بكى الرضا بكاء شديداً. ثم قال: ( يا دعبل، نطق روح القُدس بلسانك! أتعرف هذا الإمام؟).

قلت: لا، إلاَّ أنِّي سمعت خروج إمام منكم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

فقال: ( إنَّ الإمام بعدي ابني محمد، وبعد

____________________

(١) انظر ينابيع المودَّة ص ٤٥٤ ط النجف وص ٣٧٩ ط الهند.

(٢) المصدر ص ٥٤٤ ط النجف وص ٣٧٩ ط الهند.

٧٦

محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجَّة القائم، وهو المـُنتظر في غيبته المـُطاع في ظهوره، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً ) الحديث.

وروى القندوزي في الينابيع(١) حادثة ولادة المهدي (ع)، وفيها بشارة أبيه الإمام الحسن العسكري (ع) بولادته... منها قوله عن أُمِّه رضي الله عنها، أنَّه: ( سيخرج منها ولَد كريم على الله عزّ وجلّ، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً ).

فهذا ما روته المصادر العامة، عن الأئمة المعصومين (ع)، وقد أخرجت عن كلٍّ منهم عدداً من الأحاديث، ذكرنا قسماً منها كنموذج.

وأمَّا المصادر الإمامية، فقد روت عن جميع المعصومين عدداً وافراً من الأخبار في التبشير بالمهدي (ع)، لا حاجة إلى نقلها.

والأئمَّة المعصومين عليهم السلام - بغضِّ النظر عن المفهوم الإمامي عنهم - أُناس أتقياء علماء صالحون، لا يوجد لهم في المصادر العامة إلاَّ الذكر الجميل، ومذهبهم الإسلامي أشهر من أن يُذكر، فإنَّهم جميعاً إماميُّون اثنا عشريُّون، يؤمن كلٌّ منهم بإمامة نفسه وإمامة الباقين من آبائه وأولاده.

ومن هنا ينبثق عندنا تقريبان لتعيين مذهب الإمام المهدي على هذا الضوء:

التقريب الأول: إنَّه من غير المـُحتمَل أن يقوم الأئمَّة المعصومون بهذا التأييد للإمام المهدي (ع)، وينوُّهوا به هذا التنويه المـُتواصل الشديد، وهو شخص يختلف عنهم في المذهب، ويُغايرهم في الفَهْم والمـُعتقد الإسلامي.

إذاً؛ فيتعيَّن أن يكون الإمام المهدي على مذهبهم واتِّجاههم واعتقادهم، وهو المطلوب.

التقريب الثاني: إنَّنا لو قلنا: بأنَّ المهدي (ع) يختلف عنهم في المذهب، للزم الالتزام ببطلان مذهبه أو مذهبهم... باعتبار وضوح أنَّ المذهب الحق واحد في الإسلام بالضرورة والإجماع، وهذا ممَّا لا يمكن التفوُّه به تجاه الأئمَّة المعصومين ولا تجاه المهدي.

إذاً؛ فهُمْ جميعاً على مذهب واحد.

المرجح الرابع: ما اعترف به عدد من علماء العامة والجماعة، من أنَّ المهدي

____________________

(١) المصدر ص٤٥٠ ط النجف وص٣٧٦ ط الهند. وانظر ص٤٦٤ ط النجف.

٧٧

(ع) لا يُفضَّل عليه أبو بكر وعمر.

روى السيوطي في العرف الوردي(١) ، بسنده عن محمد بن سيرين أنَّه ذكر فتنة تكون، فقال: إذا كان ذلك فاجلسوا في بيوتكم حتى تسمعوا على الناس بخير من أبي بكر وعمر.

قيل: أفيأتي خيرٌ من أبي بكر وعمر؟!

قال: قد كان يُفضَّل على بعض.

قال السيوطي: قلت: في هذا ما فيه.

وقال ابن أبي شيبة في المـُصنَّف في باب المهدي: حدَّثنا أبو أُسامة عن عوف بن محمد - هو ابن سيرن - قال: يكون على هذه الأُمَّة خليفة لا يُفضَّل عليه أبو بكر ولا عمر.

قال السيوطي: قلت: هذا إسناد صحيح، وهذا اللفظ أخفُّ من الأول... إلى آخر كلامه.

وظاهر اللفظ أنَّه خبر عن ابن سيرين نفسه، لا عن النبي (ص).

إذاً؛ فابن سيرين يرى عدم أفضلية الشيخين على المهدي، ووافقه البرزنجي في الإشاعة، حيث قال - بعد نقل ما ذكره السيوطي(٢) -: وتقدَّم عن الشيخ في الفتوحات أنَّه معصوم في حُكمه مُقْتَفٍ أثر النبي (ص) لا يُخطئ أبداً، ولا شكَّ أنَّ هذا لم يكن في الشيخين، وأنَّ الأمور التسعة التي مرَّت لم تجتمع كلُّها في إمام من أئمَّة الدين قبله؛ فمن هذه الجهات يجوز تفضيله عليهما، وإن كان لهما فضل الصحبة ومُشاهدة الوحي والسابقة، وغير ذلك، والله أعلم.

قال الشيخ علي القاري في المشرب الوردي في مذهب المهدي: وممَّا يدلُّ على أفضليَّته، أنَّ النبي (ص) سمَّاه خليفة الله، وأبو بكر لا قال له إلاَّ خليفة رسول الله، انتهى كلام البرزنجي.

وإذا تمَّ ذلك، فمن البعيد جدَّاً، إن لم يكن من القبيح عقلاً اتِّباع الأفضل للمفضول، ومُسايرته في فَهْمِه واتَّجاهه... مع أنَّ سرَّ فضله كامن في الاطِّلاع على الحقائق، والاتِّساع في النظر، والعمل بشكل غير موجود لدى المفضول.

إذاً؛ فكل واحد من هذه القرائن، يُبرهن على أنَّ مذهب الإمام المهدي (ع) من حيث الأصول الرئيسية، هو المذهب الإمامي الاثنا عشري، بحسب الأدلَّة التي ينبغي أن يعترف بها سائر المسلمين.

____________________

(١) انظر الحاوي للفتاوي ج٢ ص ١٥٣.

(٢) انظر الإشاعة في أشراط الساعة ص ١١٣.

٧٨

وأمَّا عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية، فهذا من الضروريات القطعيَّات، التي لا يمكن أن يرقى إليها الشكُّ، وتدلُّ عليه أعداد غفيرة من أخبارهم في المهدي، ممَّا لا حاجة إلى الإفاضة فيه، يكفي في ذلك أن نعرف أنَّهم يرون أنَّ المهدي إمامهم الثاني عشر، وأنَّهم يرون وجوب طاعته ولزوم انتظاره.

وفي أخبار المصادر العامة ما يدلُّ على ذلك، وقد سمعنا قبل قليل بعضها، وفيها تعبير الأئمة المعصومين عنه (ع) بقائمنا ومهديّنا، ونحو ذلك، فليرجع القارئ إليها.

الجهة الثالثة: موقف الإمام المهدي (ع) من العنصريَّة وأمثالها.

وهي عدَّة مفاهيم ذات مدلول أناني ضيِّق، يتضمَّن تفضيل عنصر على عنصر من البشر، على أساس الدم، أو اللغة، أو اللون، أو الوطن، أو القبيلة، أو نحو ذلك، ولنصطلح عليها جميعاً بالعنصرية، من أجل تخفيف التعبير.

والرأي الذي لا بدَّ من الجزم به - باعتبار الأدلَّة الآتية - هو أنَّ موقف الإمام المهدي (ع) من العنصرية دائماً موقف سلبي ومُعارض... بل دعوته ودولته عالمية، تصل إلى كل البشر على حدٍّ سواء، بدون تفضيل لجماعة على أُخرى.

ويُمكن إقامة الدليل على ذلك على عِدَّة مُستويات:

المـُستوى الأول: أنَّ دعوة المهدي (ع) قائمة على الإسلام، كما برهنَّا، فإنَّه إنَّما يُطبِّق الإسلام على وجه الأرض، ويرفض أيَّ عنصر غريب عنه أو أجنبي.

ونحن نعرف أنَّ الإسلام نصَّ - بكل صراحة - على إلغاء العنصرية، بمثل قوله تعالى:

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (١) .

وقول النبي (ص) المشهور عنه: ( لا فضل لعربيٍّ على أعجميٍّ إلاَّ بالتقوى ).

والإسلام دين الناس أجمعين، وليس خاصاً بأحد، قال الله تعالى:( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا... ) (٢) .

وقال عزوجل:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا

____________________

(١) الحجرات: ٤٩/ ١٣. (٢) الأعراف: ٧/ ١٥٨.

٧٩

وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) (١) .

وقد أعطى الإسلام للتفاضل أُسُساً جديدة، لا تمتُّ إلى أيِّ شكل من أشكال العنصرية بصِلَةٍ، وهي ثلاثة:

الأساس الأول: العلم. قال الله سبحانه:( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ ) (٢) .

الأساس الثاني: التقوى. قال تعالى:( ... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (٣) ، ويدلُّ عليه الحديث النبوي الشريف السابق أيضاً.

الأساس الثالث: الجهاد. قال الله تعالى:( لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاَّ ًوَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) (٤) .

هذا بعد التساوي بالإسلام وحُسن العقيدة والتطبيق بطبيعة الحال، ولا يبقي ذلك في الإسلام أيَّ تفاضل، وإنَّما الناس سواسية كأسنان المشط، تجاه عدله الكامل... يكون العظيم عنده صغيراً حتى يأخذ منه الحق، والحقير عنده عظيماً حتى يؤخَذ له الحق.

فإذا كان هذا هو الرأي الصريح للإسلام، وهو الأمر العادل بحكم العقل أيضاً وفطرة الفكر، كما أشار إليه سبحانه حين قال:( ... إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ ) . إذاً، فالمهدي (ع) سوف يسير على ذلك أيدولوجيته العامة، وتفاصيل تشريعه وقضائه، وكيف لا، وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويُطبِّق الأطروحة العادلة الكاملة.

وقد يخطر في الذهن هذا السؤال: إنَّ الإسلام مهما شجب العنصرية، فإنَّنا نعرف إلى جنب ذلك أنَّ الإمام المهدي (ع) سيأتي بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد، فلعلَّ فيما يأتي به من الأمور إنفاذ العنصرية والاعتراف ببعض حدودها، ومعه لا يكون الدليل تامَّاً.

____________________

(١) سبأ: ٢٤/ ٢٨.

(٢) الزُّمر: ٣٩ /٩.

(٣) الحُجرات:٤٩/١٣.

(٤) النساء:٤/٩٥-٩٦.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

وفي تفسير فرات (٣٠٦) بسنده عن ابن عبّاس، قال: قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فينا خطيبا، فقال: الحمد لله على آلائه وبلائه عندنا أهل البيت أيّها، الناس إنّ الله تبارك وتعالى خلقني وأهل بيتي من طينة لم يخلق أحدا غيرنا ومن موالينا ثمّ قال: هؤلاء خيار خلقي، وحملة عرشي، وخزّان علمي، وسادة أهل السماء والأرض، هؤلاء البررة المهتدون المهتدى بهم، من جاءني بطاعتهم وولايتهم أولجته جنّتي وأبحته كرامتي، ومن جاءني بعداوتهم والبراءة منهم أولجته ناري وضاعفت عليه عذابي، وذلك جزاء الظالمين.

ويدلّ على المطلب ما مرّ من روايات التولّي والتبري، وجميع الأدلّة الدالّة على وجوب حبّهم ومتابعتهم وأنها تدخل الجنّة، وحرمة بغضهم وعصيانهم وأنها توجب النار.

وقد روى الثعلبي في تفسير قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) بإسناده إلى جرير بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله يقول: من مات على حبّ آل محمّد مات شهيدا، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفورا له، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائبا، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمنا مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد زفّ إلى الجنّة زفّا كما تزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله زوّار قبره الملائكة بالرحمة، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السّنّة، ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه « آيس من رحمة الله »، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة. انظره في كشف الاشتباه (١٦٤) وتفسير الكشاف ( ج ٤؛ ٢٢٠ - ٢٢١ ) وتفسير الفخر الرازيّ ( ج ٧؛ ٤٠٥ ) والعمدة (٥٤) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٢٦ ) وجواهر العقدين للسمهوديّ / العقد الثاني - الذكر العاشر (٢٥٣) من المخطوطة، وفرائد السمطين ( ج ٢؛ ٢٥٥ - ٢٥٦ ).

وفي مناقب الخوارزمي (٣٢) بسنده عن ابن عمر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا ومن

__________________

(١) الشورى؛ ٢٣.

٤٠١

مات على حبّ آل محمّد فأنا كفيله بالجنّة مع الأنبياء، ألا ومن أبغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه « آيس من رحمة الله ».

والروايات في هذا المعنى في أهل البيت من طرق الفريقين كثيرة، يتعذر إحصاؤها وتعداد المصادر الّتي أوردتها، وفيما ذكرناه وألمحنا إليه كفاية وغنى في المقام.

٤٠٢

الطّرفة العشرون

روى هذه الطّرفة بسنده عن عيسى، الشريف الرضي في خصائص الأئمّة ( ٧٣ - ٧٥ ) بعد الطّرفة السادسة عشر مباشرة، ورواها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٨٥ - ٤٨٧ ) عن كتاب الطّرف.

إنّ إرجاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر عن الصلاة الّتي كانت بأمر عائشة ممّا روي في كتب السنّة فضلا عن الشيعة، ورووا خروجهصلى‌الله‌عليه‌وآله معتمدا على عليّعليه‌السلام والفضل بن العبّاس، فأخّر أبا بكر عن الصلاة، وكانت آخر صلاة صلاّهاصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمسلمين، ثمّ صعد المنبر فخطب، وكانت آخر خطبة لهصلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر.

ففي إرشاد القلوب ( ٣٣٨ - ٣٤١ ) عن حذيفة في خبر طويل، قال: واشتدت علّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدفعت عائشة صهيبا، فقالت: امض إلى أبي بكر وأعلمه أن محمّدا في حال لا ترجى، فهلموا إلينا أنت وعمر وأبو عبيدة ومن رأيتهم أن يدخل معكم، وليكن دخولكم المدينة باللّيل سرّا فدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ليلا المدينة، ورسول الله قد ثقل ...

قال: وكان بلال مؤذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يؤذن بالصلاة في كلّ وقت صلاة، فإن قدر على الخروج تحامل وخرج وصلّى بالناس، وإن هو لم يقدر على الخروج أمر عليّ بن أبي طالب فصلّى بالناس، وكان عليّ والفضل بن العبّاس لا يزايلانه في مرضه ذلك، فلمّا أصبح رسول الله من ليلته تلك الّتي قدم فيها القوم الّذين كانوا تحت يدي أسامة أذّن بلال، ثمّ

٤٠٣

أتاه يخبره كعادته، فوجده قد ثقل، فمنع من الدخول إليه، فأمرت عائشة صهيبا أن يمضي إلى أبيها فيعلمه أنّ رسول الله قد ثقل وليس يطيق النهوض إلى المسجد، وعليّ بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس، فاخرج أنت إلى المسجد وصلّ بالناس، فإنّها حالة تهيّئك وحجّة لك بعد اليوم.

قال: ولم يشعر الناس - وهم في المسجد ينتظرون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو عليّاعليه‌السلام يصلّي بهم كعادته الّتي عرفوها في مرضه - إذ دخل أبو بكر المسجد، وقال: إنّ رسول الله قد ثقل، وقد أمرني أن أصلّي بالناس ثمّ نادى الناس بلالا، فقال: على رسلكم رحمكم الله لأستأذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك، ثمّ أسرع حتّى أتى الباب فقال: إنّ أبا بكر دخل المسجد وتقدّم حتّى وقف في مقام رسول الله، وزعم أنّ رسول الله أمره بذلك وأخبر رسول الله الخبر، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أقيموني، أخرجوني إلى المسجد، والّذي نفسي بيده قد نزلت بالإسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن، ثمّ خرج معصوب الرأس يتهادى بين عليّ والفضل بن العبّاس ورجلاه تجرّان في الأرض، حتّى دخل المسجد، وأبو بكر قائم في مقام رسول الله وقد طاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الّذين دخلوا وتقدّم رسول الله فجذب أبا بكر من ردائه فنحّاه عن المحراب، وأقبل أبو بكر والنفر الّذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله، وأقبل الناس فصلّوا خلف رسول الله وهو جالس، وبلال يسمع الناس التكبير، حتّى قضى صلاته، ثمّ التفتصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم ير أبا بكر، فقال: أيها الناس، ألا تعجبون من ابن أبي قحافة وأصحابه الذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يدي أسامة، وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الّذي وجّهوا إليه، فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة، ألا وإنّ الله قد أركسهم فيها، اعرجوا بي إلى المنبر.

فقامصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مسنّد حتّى قعد على أدنى مرقاة، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّه قد جاءني من أمر ربّي ما الناس صائرون إليه، وإني قد تركتكم على الحجّة الواضحة، ليلها كنهارها، فلا تختلفوا من بعدي كما اختلف من كان قبلكم من بني إسرائيل، أيّها الناس إنّي لا أحلّ لكم إلاّ ما أحلّه القرآن، ولا أحرّم عليكم إلاّ ما حرّمه القرآن، وإنّي مخلّف

٤٠٤

فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، هما الخليفتان فيكم، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فأسالكم بما ذا خلّفتموني فيهما، وليذادنّ يومئذ رجال عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل، فيقول رجال: أنا فلان وأنا فلان، فأقول: أمّا الأسماء فقد عرفت، ولكنّكم ارتددتم من بعدي، فسحقا لكم سحقا. ثمّ نزل عن المنبر وعاد إلى حجرته، ولم يظهر أبو بكر ولا أصحابه حتّى قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وانظر حرص عائشة وحفصة، كلّ منهما على تقديم أبيها للصلاة، وقول النبي لهما: « اكففن فإنّكنّ كصويحبات يوسف » وخروجه للصلاة وتأخيره أبا بكر في الإرشاد ( ٩٧ - ٩٨ ) وإعلام الورى ( ٨٢ - ٨٤ ) والمسترشد في الإمامة ( ١٢٤ - ١٢٦، ١٣٢، ١٤٢ - ١٤٣ ) والشافي في الإمامة ( ج ٢؛ ١٥٨ - ١٥٩ ).

وقال الكوفي في الاستغاثة (١١٧) بعد ذكره لروايات أبناء العامة في صلاة أبي بكر وإرجاع النبي إيّاه، قال: وأمّا رواية أهل البيتعليهم‌السلام في تقديمه للصلاة، فإنّهم رووا أنّ بلالا صار إلى باب رسول الله فنادى: الصلاة، وكان قد أغمي على رسول الله ورأسه في حجر عليّعليه‌السلام ، فقالت عائشة لبلال: مر الناس أن يقدّموا أبا بكر ليصلّي بهم، فإنّ رسول الله مشغول بنفسه، فظنّ بلال أنّ ذلك عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال للناس: قدّموا أبا بكر فيصلّي بكم، فتقدّم أبو بكر، فلمّا كبّر أفاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من غشوته، فسمع صوته، فقال عليّعليه‌السلام : ما هذا؟ قالت عائشة: أمرت بلالا يأمر الناس بتقديم أبي بكر يصلّي بهم، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أسندوني، أما إنّكنّ كصويحبات يوسف فجاءصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المحراب بين الفضل وعليّ وأقام أبا بكر خلفه ...

وأمّا ما روته كتب العامّة، فإنّه مرتبك من حيث التفاصيل، ففي بعضها أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبا بكر بالصلاة، وفي بعضها أنّ عائشة أمرته بذلك، وفي بعضها أنّ النبي أمر أن يصلّي أحدهم ولم يعيّن، فتنازعت عائشة وحفصة كلّ تريد تقديم والدها، إلى أن تقدّم أبو بكر، ثمّ نقلوا أنّ النبي خرج يهادي بين رجلين - لم يذكرهما البخاريّ، وذكرتهما المسانيد الأخرى، وهما عليّ والفضل - حتّى وقف يصلّي، قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١٤؛ ٢٣ ): فمنهم

٤٠٥

من قال: نحّاه وصلّى هو بالناس، ومنهم من قال: بل ائتم بأبي بكر كسائر الناس، ومنهم من قال: كان الناس يصلّون بصلاة أبي بكر، وأبو بكر يصلّي بصلاة رسول الله.

ولا يخفى عليك أنّه لا يجوز أن يتقدّم أحد على النبي في الصلاة وفي غيرها، خصوصا وأنّه لا بدّ من تقديم الأعلم والأفقه والهاشمي وغيرها من شروط تقدّم الإمام، وكلّها لا تصحّح تقدّم أحد على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خصوصا وأنّ في كثير من الروايات قولهم « لم يكن أبو بكر كبّر، فلمّا سمع حسّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تأخّر، فأخذ النبي بيده وأقامه إلى جنبه، فكبّر وكبّر أبو بكر بتكبيره، وكبّر الناس بتكبير أبي بكر »، فما كان أبو بكر سوى مسمع لصلاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما هو دأب المنادي في الصلاة.

ونقل ابن أبي الحديد في شرحه للنهج ( ج ٩؛ ١٩٧ ) كلام الشيخ أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني؛ حيث قال في جملة كلامه: فكان - من عود أبي بكر من جيش أسامة بإرسالها [ أي عائشة ] إليه، وإعلامه بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يموت - ما كان، ومن حديث الصلاة بالناس ما عرف، فنسب عليّعليه‌السلام عائشة أنّها أمرت بلالا مولى أبيها أن يأمره فليصلّ بالناس؛ لأنّ رسول الله - كما روي - قال: « ليصلّ بهم أحدهم » ولم يعيّن، وكانت صلاة الصبح، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في آخر رمق يتهادى بين عليّ والفضل بن العبّاس، حتّى قام في المحراب كما ورد في الخبر وكان عليّعليه‌السلام يذكر هذا لأصحابه في خلواته كثيرا، ويقول: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقل « إنّكنّ لصويحبات يوسف » إلاّ إنكارا لهذه الحال، وغضبا منها؛ لأنّها وحفصة تبادرتا إلى تعيين أبويهما، وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله استدركها بخروجه وصرفه عن المحراب ....

وقد حقّق ابن الجوزيّ المسألة في كتابه « آفة أصحاب الحديث: ٥٥ » ثمّ قال: في هذه الأحاديث الصحاح المشروحة أظهر دليل على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان الإمام لأبي بكر؛ لأنّه جلس عن يساره، وقولهم: يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله، دليل على أنّ رسول الله كان الإمام.

والمحقّق من الروايات أنّ أبا بكر استغلّ مرض النبي، فتقدّم بأمر من ابنته عائشة، وإسناد من معه، إلى الصلاة، فلمّا أحسّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج يتهادى بين عليّعليه‌السلام والفضل، فأرجع أبا بكر ولم يكن ابتدأ بالصلاة، فكبّرصلى‌الله‌عليه‌وآله هو وصلّى قاعدا وصلّى خلفه المسلمون.

٤٠٦

قال المظفر في دلائل الصدق ( ج ٢؛ ٦٣٣ ): والحقّ أنّه لم يصلّ بالناس إلاّ في صلاة واحدة وهي صلاة الصبح؛ تلبّس بها بأمر ابنته، فعلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج يتهادى بين عليّعليه‌السلام والعبّاس أو ابنه الفضل، ورجلاه تخطّان في الأرض من المرض، وممّا لحقه من تقدّم أبي بكر ومخالفة أمره بالخروج في جيش أسامة، فنحّاه النبي وصلّى ثمّ خطب، وحذّر الفتنة، ثمّ توفي من يومه وهو يوم الإثنين، وقد صرّحت بذلك أخبارنا، ودلّت عليه أخبارهم؛ لإفادتها أنّ الصلاة الّتي تقدّم فيها هي الّتي عزله النبي عنها، وإنّها صبح الاثنين وهو الّذي توفي فيه.

وقد وردت هذه الروايات في أمّهات المصادر والصحاح، كصحيح البخاريّ ( ج ١؛ ٥٩ ) وفتح الباري ( ج ١؛ ٢٤٢ ) وشرح الكرمانيّ ( ج ٣؛ ٤٥ ) والموطّأ ( ج ١؛ ١٥٦ ) وصحيح مسلم بشرح النووي ( ج ٣؛ ٦١ ) ومسند أحمد بن حنبل ( ج ٥؛ ٣٢٢ ) والمصنّف لعبد الرزاق ( ج ٥؛ ٤٢٩ ) ودلائل النبوّة للبيهقي ( ج ٧؛ ١٩١ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٣؛ ١٩٥ - ١٩٦ / أحداث سنة ١١ ).

وانظر تحقيق الحال في الاستغاثة ( ١١١ - ١١٧ ) وبحار الأنوار ( ج ٢٨؛ ١٣٠ - ١٧٤ ) ففيه بحث قيّم للمجلسيرحمه‌الله ، ودلائل الصدق ( ج ٢؛ ٦٣٣ - ٦٤٢ ) وكتاب الإمامة للسيّد عليّ الميلاني ( ٢٨٥ - ٣٥٦ ) « رسالة في صلاة أبي بكر »، وهذه الكتب بحثت المسألة من خلال كتب العامّة فقط، فلاحظها ولاحظ مصادرها.

وفي كثير من المصادر - الإماميّة والعاميّة الذاكرة لهذا الحادث - خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الّتي أوصاهم فيها بالكتاب والعترة، وحذّرهم فيها من الفتن والفرقة، ففي أمالي المفيد (١٣٥) عن معروف بن خربوذ، قال: سمعت أبا عبد الله مولى العبّاس يحدّث أبا جعفر محمّد بن عليعليهما‌السلام ، قال: سمعت أبا سعيد الخدريّ يقول: إنّ آخر خطبة خطبنا بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لخطبة خطبنا في مرضه الّذي توفّي فيه، خرج متوكئا على عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وميمونة مولاته، فجلس على المنبر، ثمّ قال: يا أيّها الناس ...

وفي جواهر العقدين المخطوط (١٦٨) قال: ثمّ إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قام معتمدا على عليّعليه‌السلام والفضل

٤٠٧

حتّى جلس على المنبر وعليه عصابة، فحمد الله وأثنى عليه، وأوصاهم بالكتاب وعترته أهل بيته، ونهاهم عن التنافس والتباغض وودّعهم. وانظر الخطبة وخروجه إليها في الاحتجاج ( ٤٣ - ٤٧ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٤٢ ) عن أبي سعيد الخدريّ، وصحيح البخاريّ / باب مناقب الأنصار رقم ١١، وصحيح مسلم ( ج ٧؛ ٧٤ / فضائل الصحابة ) ومسند أحمد بن حنبل ( ج ٣؛ ١٥٦، ١٧٦، ١٨٨، ٢٠١ ).

ألا قد خلّفت فيكم كتاب الله وخلّفت فيكم العلم الأكبر وصيّي عليّ بن أبي طالب

تقدّم الكلام عن حديث الثقلين في الطّرفة العاشرة، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كتاب الله وأهل بيتي فإنّ اللّطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »، وذكرنا هناك أنّ علياعليه‌السلام هو رأس أهل البيت الثقل الثاني، ووردت روايات صريحة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: « كتاب الله وعليّ بن أبي طالب » كما تقدّم نقله عن كتاب مائة منقبة لابن شاذان ( ١٤٠ المنقبة ٨٦ ). ونزيد هنا أنّ الخوارزمي أخرجه أيضا في كتاب مقتل الحسينعليه‌السلام ( ج ١؛ ٣٢ ) والديلمي في إرشاد القلوب (٣٧٨) عن زيد بن ثابت أيضا.

كما تقدّم الكلام عن حديث « أنّ عليّا هو العلم » في الطّرفة الحادية عشر، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ عليّ بن أبي طالب هو العلم، فمن قصر دون العلم فقد ضلّ، ومن تقدّمه تقدّم إلى النار، ومن تأخّر عن العلم يمينا هلك، ومن أخذ يسارا غوى » فراجع.

ألا وهو حبل الله فاعتصموا به جميعا ولا تفرّقوا عنه

لقد روت المصادر الإماميّة والعاميّة هذا المضمون بأسانيد مختلفة، ويمكن تقسيم الروايات الواردة في هذا المعنى إلى ثلاثة أقسام: أوّلها: ما ورد فيه أنّ عليّا هو حبل الله، وثانيها: ما ورد فيه أنّ آل محمّد حبل الله، وثالثها: ما ورد فيه أنّ عليّا والأئمّة من ولده حبل الله.

٤٠٨

فأمّا القسم الأول: ففي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٧٦ ) قال: محمّد بن عليّ العنبريّ، بإسناده، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سأل أعرابي عن هذه الآية، فأخذ رسول الله يده فوضعها على كتف عليّ، فقال: يا أعرابي، هذا حبل الله فاعتصم به، فدار الأعرابي من خلف عليّ والتزمه، ثمّ قال: اللهمّ إنّي أشهدك أنّي اعتصمت بحبلك، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا. وروى نحوا من ذلك الباقر والصادقعليهما‌السلام ، وهو في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ١١٨ ) عن المناقب، وانظر تفسير فرات ( ٩٠ / الحديث ٧٠ ) بسنده عن الباقر، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، وفيه أيضا ( ٩٠ / الحديث ٧١ ) بسنده عن ابن عبّاس، وفيه أيضا ( ٩١ / الحديث ٧٤ ) بسنده عن الصادقعليه‌السلام ، والفضائل لابن شاذان (١٢٥) عن السجادعليه‌السلام .

وفي تفسير فرات ( ٩٠، ٩١ / الحديث ٧٢ ) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: ولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام الحبل الّذي قال الله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) ، فمن تمسّك به كان مؤمنا، ومن تركه خرج من الإيمان.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢١٧ ) عن ابن يزيد، قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن قوله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) قال: عليّ بن أبي طالب حبل الله المتين. وهو في تفسير الصافي ( ج ١؛ ٢٨٥ ) والبرهان ( ج ١؛ ٣٠٥ ).

وفي أمالي الصدوق (١٦٥) بسنده عن حذيفة بن أسيد الغفاريّ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا حذيفة إنّه أخو رسول الله، ووصيّه وإمام أمّته، ومولاهم، وهو حبل الله المتين ...

وأمّا القسم الثاني: ففي تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢١٧ ) عن الباقرعليه‌السلام ، قال: آل محمّد هم حبل الله الّذي أمرنا بالاعتصام به، فقال:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٣) .

__________________

(١) آل عمران؛ ١٠٣.

(٢) آل عمران؛ ١٠٣.

(٣) آل عمران؛ ١٠٣.

٤٠٩

وفي شواهد التنزيل ( ج ١؛ ١٦٩ / الحديث ١٨٠ ) بسنده عن الصادقعليه‌السلام - في قوله:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) - قال: نحن حبل الله.

وانظر رواية هذا الخبر عن الصادقعليه‌السلام في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ١١٨ ) ومجمع البيان ( ج ١؛ ٤٨٢ ) وأمالي الطوسي (٢٧٢) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٧٥ ) وخصائص الوحي المبين (١٨٣) ونقله أيضا في خصائصه (١٨٤) من طريق أبي نعيم إلى الصادقعليه‌السلام ، وانظر الصواعق المحرقة (٩٠) ونور الأبصار (١٠١).

وأمّا القسم الثالث: ففي أمالي الصدوق (٢٦) بسنده عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحبّ أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوال عليّا بعدي، وليعاد عدوّه، وليأتمّ بالأئمّة الهداة من ولده، فإنّهم خلفائي، وأوصيائي، وحجج الله على الخلق بعدي، وسادة أمّتي، وقادة الأتقياء إلى الجنّة، حزبهم حزبي، وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان. وهو في شواهد التنزيل ( ج ١؛ ١٦٨ / الحديث ١٧٧ ) بسنده عن الرضاعليه‌السلام ، ورواه البحراني في غاية المرام ( ٢٤٢ / الباب ٣٦ ) بأربعه طرق، وهو في روضة الواعظين (١٥٧).

وفي تفسير فرات ( ٩١ / الحديث ٧٣ ) بسنده عن الصادق ٧، قال: نحن حبل الله الّذي قال:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) ، وولاية عليّ البرّ، فمن استمسك به كان مؤمنا، ومن تركه خرج من الإيمان. وهو في شواهد التنزيل ( ج ١؛ ١٦٩ / الحديثان ١٧٨، ١٧٩ ).

ويدلّ على هذا المطلب ما مرّ في حديث الثقلين، بلفظ « حبل ممدود ما بين السماء والأرض » أو « سبب طرفه بيد الله »، ولذلك أورد الثعلبي والسيوطي حديث الثقلين بهذه الألفاظ في تفسير قول تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٣) ، وفي أمالي الطوسي (١٥٧) بسنده عن الصادقعليه‌السلام ، قال: نحن السبب بينكم وبين الله. كما يدلّ

__________________

(١) آل عمران؛ ١٠٣.

(٢) آل عمران؛ ١٠٣.

(٣) آل عمران؛ ١٠٣.

٤١٠

عليه ما جاء في تفسير قوله تعالى:( إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ) (١) وأنّ الحبل من الله هو الكتاب العزيز، والحبل من الناس هو عليّ بن أبي طالب. انظر في ذلك تفسير فرات ( ٩٢ الحديث ٧٦ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢١٩ ) وتفسير الصافي ( ج ١؛ ٢٨٩ ) وتفسير البرهان ( ج ١؛ ٣٠٩ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٧٥ ).

لا تأتوني غدا بالدنيا تزفّونها زفّا، ويأتي أهل بيتي شعثا غبرا، مقهورين مظلومين، تسيل دماؤهم

إنّ المظلوميّة الّتي حلّت بأهل البيت والأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام ، وأتباعهم وشيعتهم، ممّا لا يحتاج إلى بيان، فقد أطبق التاريخ والمؤرخون على هذه الحقيقة، وأن الشيعة عموما، والفرقة الإماميّة خصوصا، لا قوا من الويلات والاضطهاد والتنكيل ما لم يلقه أيّ مذهب آخر، وكان بدء الظلم قد حلّ بهم بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ نزل الظلم بعليّ وفاطمة والحسن والحسين ومن بعدهم التسعة من ولد الحسينعليهم‌السلام ، هذا الظلم كلّه أنزل بهم مع كثرة وصايا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم بمثل قوله: « الله الله في أهل بيتي » وغيره من توصياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بهم، وتحذيره الأمّة من ظلمهم وأذاهم، وقد مرّ عليك في تخريجات كثير من المطالب الماضية ما فيه غنى وكفاية، ومن أوضحها وأصرحها ما جاء في حديث الثقلين من الأمر باتّباعهم وأنّه سبيل النجاة، والنهي عن التخلّف عنهم وإيذائهم وظلمهم، وأنّه يؤدي إلى الهلاك والنار.

ففي مناقب ابن المغازلي ( ١٦ - ١٨ ) بسنده عن امرأة زيد بن أرقم، قالت: أقبل نبي الله من مكّة في حجّة الوداع، حتّى نزل بغدير الجحفة بين مكّة والمدينة، فأمر بالدوحات فقمّ ما تحتهنّ من شوك، ثمّ نادى: الصلاة جامعة فصلّى بنا الظهر، ثمّ انصرف إلينا فقال: الحمد لله ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله لا شريك له؟ وأنّ محمّدا عبده ورسوله؟ وأنّ الجنّة حقّ وأنّ النار حقّ؟ وتؤمنون بالكتاب كلّه؟ قالوا: بلى، قال: فإني أشهد أن قد صدقتكم

__________________

(١) آل عمران؛ ١١٢.

٤١١

وصدّقتموني، ألا وإنّي فرطكم، وإنّكم تبعي، توشكون أن تردوا عليّ الحوض، فأسألكم حين تلقونني عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما الأكبر منهما كتاب الله تعالى؛ سبب طرف بيد الله وطرف بأيديكم، فتمسّكوا به ولا تضلّوا، والأصغر منهما عترتي فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصّروا عنهم؛ فإنّي قد سألت لهم اللّطيف الخبير فأعطاني، ناصرهما لي ناصر، وخاذلهما لي خاذل، ووليّهما لي ولي، وعدوّهما لي عدوّ، ألا وإنّها لم تهلك أمّة قبلكم حتّى تتديّن بأهوائها، وتظاهر على نبوّتها، وتقتل من قام بالقسط، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فرفعها، ثمّ قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، ومن كنت وليّه فهذا وليّه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، قالها ثلاثا. وهو في العمدة ( ١٠٤ - ١٠٦ ) عن ابن المغازلي، وفيه « عن ابن امرأة زيد بن أرقم ».

وفي نظم درر السمطين ( ٢٣٣ - ٢٣٤ ) قال: وروى زيد بن أرقم، قال: أقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم حجّة الوداع، فقال: إنّي فرطكم على الحوض، وإنّكم تبعي، وإنّكم توشكون أن تردوا عليّ الحوض فأسألكم عن ثقلي؛ كيف خلفتموني فيهما الأكبر منهما كتاب الله والأصغر عترتي، فمن استقبل قبلتي، وأجاب دعوتي، فليستوص لهم خيرا - أو كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم وهو في ذخائر العقبى (١٦) حيث قال: أخرجه أبو سعيد في شرف النبوّة، ونقله عن نظم درر السمطين القندوزيّ في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ٣٥ ) والسمهوديّ في جواهر العقدين المخطوط، في الذكر الرابع، ورواه عن زيد بن أرقم العلاّمة حميد المحلي في محاسن الأزهار كما في نفحات الأزهار ( ج ١؛ ٤٢٠ ). ولزيادة التوضيح ننقل هنا بعض ما يرتبط بهذا المطلب.

ففي المختار من مسند فاطمة (١٦٠) نقل عن البخاريّ في تاريخه، وابن عساكر في تاريخ دمشق، عن شريح، قال: أخبرني أبو أمامة والحارث بن الحارث، وعمرو بن الأسود في نفر من الفقهاء: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نادى في قريش فجمعهم، ثمّ قام فيهم ثمّ قال: يا معشر قريش، لا ألفين أناسا يأتوني يجرّون الجنّة، وتأتوني تجرون الدنيا، اللهمّ لا أجعل لقريش أن يفسدوا ما أصلحت أمّتي ...

٤١٢

ومن ذلك حديث المصحف والمسجد والعترة؛ ففي الخصال ( ١٧٤ - ١٧٥ ) بسنده عن جابر، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عزّ وجلّ: المصحف والمسجد والعترة، يقول المصحف: يا ربّ حرقوني ومزّقوني، ويقول المسجد: يا ربّ عطّلوني وضيّعوني، وتقول العترة: يا ربّ قتلونا وطردونا وشرّدونا، فأجثو للركبتين للخصومة، فيقول الله جلّ جلاله لي: أنا أولى بذلك. وانظر هذا الحديث في بحار الأنوار ( ج ٢؛ ٨٦ ) عن كتاب المستدرك المخطوط لابن البطريق، وبصائر الدرجات ( ٤٣٣ - ٤٣٤ ) ومقتل الحسين للخوارزمي ( ج ٢؛ ٨٥ ) عن جابر، ونقله الإمام المظفر في دلائل الصدق ( ج ٣؛ ٤٠٥ ) عن كنز العمال ( ج ٦؛ ٤٦ ) عن الديلمي، عن جابر، ونقله عن أحمد والطبراني وسعيد بن منصور، عن أبي أمامة الباهلي، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومن ذلك حديث مظلوميّة أهل البيت الّذي قاله النبي لأصحابه؛ ففي أمالي الصدوق ( ٩٩ - ١٠١ ) بسنده عن ابن عبّاس، قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان جالسا ذات يوم، إذ أقبل الحسنعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إلى أين يا بني؟ فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليمنى، ثمّ أقبل الحسينعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إلى أين يا بني؟ فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليسرى، ثمّ أقبلت فاطمةعليها‌السلام ، فلمّا رآها بكى، ثمّ قال: إليّ إليّ يا بنيّة، فأجلسها بين يديه، ثمّ أقبل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إليّ يا أخي، فما زال يدنيه حتّى أجلسه إلى جنبه الأيمن.

فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما ترى واحدا من هؤلاء إلاّ بكيت؟ أو ما فيهم من تسرّ برؤيته؟!

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : والّذي بعثني بالنبوّة واصطفاني على جميع البريّة، إنّي وإيّاهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجلّ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم:

أمّا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أخي وشقيقي وصاحب الأمر بعدي وإنّي بكيت حين أقبل لأنّي ذكرت غدر الأمّة به بعدي، حتّى أنّه ليزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي، ثمّ لا يزال الأمر به حتّى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور( شَهْرُ

٤١٣

رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ ) (١) .

وأمّا ابنتي فاطمة، فإنّها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وإنّي لمّا رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي؛ كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقّها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي « يا محمّداه » فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم عليّ محزونة، مكروبة، مغمومة، مغصوبة، مقتولة، فأقول عند ذلك: اللهمّ العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذلّل من أذلّها، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتّى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين.

وأمّا الحسن، فإنّه ابني وولدي وبضعة منّي، وقرّة عيني وإنّي لمّا نظرت إليه تذكّرت ما يجري عليه من الذلّ بعدي، فلا يزال الأمر به حتّى يقتل بالسمّ ظلما وعدوانا، فعند ذلك تبكي ملائكة السبع الشداد لموته، ويبكيه كلّ شيء، حتّى الطير في جوّ السماء، والحيتان في جوف الماء، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب، ومن زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام.

وأمّا الحسين، فإنّه منّي، وهو ابني وولدي، وخير الخلق بعد أخيه وإنّي لمّا رأيته تذكّرت ما يصنع به بعدي، كأنّي به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار، فأضمّه في منامه إلى صدري، وآمره بالرحلة عن دار هجرتي، وأبشّره بالشهادة، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله، وموضع مصرعه، أرض كرب وبلاء، وقتل وفناء، تنصره عصابة من المسلمين، أولئك من سادة شهداء أمّتي يوم القيامة، كأنّي أنظر إليه وقد رمي بسهم، فخرّ عن فرسه صريعا، ثمّ يذبح كما يذبح الكبش، مظلوما.

ثمّ بكى رسول الله وبكى من حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، ثمّ قام وهو يقول: اللهمّ إنّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي، ثمّ دخل منزله.

__________________

(١) البقرة؛ ١٨٥.

٤١٤

وقد مرّ طرفا من هذا الحديث، وانظره في إرشاد القلوب (٢٩٥) وبشارة المصطفى ( ١٩٨ - ١٩٩ ) وفرائد السمطين ( ج ٢؛ ٣٤ - ٣٥ ) وبيت الأحزان ( ٧٣ - ٧٤ ).

وفي دلائل الصدق ( ٢٣٣ - ٢٣٤ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: كنّا جلوسا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم، فأقبل فتية من بني عبد المطّلب، فلمّا نظر إليهم رسول الله اغرورقت عيناه بالدموع، فقلنا: يا رسول الله أرأيت شيئا تكرهه؟ قال: إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتطريدا وتشريدا، حتّى يجيء قوم من هاهنا - وأشار بيده إلى المشرق - أصحاب رايات سود وروى مثله في (٢٣٥) روايتين أخريين عن ابن مسعود أيضا، وروى مثله عن ابن مسعود أيضا في (٢٣٦) بلفظ « حتّى مرّت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسينعليهما‌السلام ».

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٠٩ ) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: بينا أنا وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ التفت إليّ فبكى، فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدّها، وطعن الحسن في فخذه، والسمّ الّذي يسقاه، وقتل الحسينعليه‌السلام .

وفي بصائر الدرجات (٦٨) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي، ويدخل جنّة ربّي جنّة عدن - قضيب من قضبانه غرسه ربّي بيده، فقال له: كن، فكان - فليتولّ عليّا والأوصياء من بعده، وليسلّم لفضلهم؛ فإنّهم الهداة المرضيّون، أعطاهم فهمي وعلمي، وهم عترتي من دمي ولحمي، أشكو إلى الله عدوّهم من أمّتي، المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي، والله ليقتلن ابني، لا أنالهم شفاعتي.

وانظر بصائر الدرجات ( ٦٨ - ٧٢ / الباب ٢٢ من الجزء الأوّل )، فإنّ فيه ثمانية عشر حديثا، تسعة منها في المعنى المراد، والإمامة والتبصرة ( ٤١ - ٤٥ ) ففيه أربعة أحاديث. وهذا الحديث مذكور في المصادر الّتي ذكرت الأحاديث المبشّرة بظهور المهدي من آل محمّد عجّل الله فرجه.

وفي تفسير فرات (٤٢٥) بسنده عن أنس بن مالك: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتى ذات يوم

٤١٥

ويده في يد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، ولقيه رجل، إذ قال له: يا فلان، لا تسبّوا عليّا، فانّه من سبّه فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ الله، والله - يا فلان - إنّه لا يؤمن بما يكون من عليّ وولد عليّ في آخر الزمان إلاّ ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد قد امتحن الله قلبه للإيمان، يا فلان، إنّه سيصيب ولد عبد المطّلب بلاء شديد، وأثرة، وقتل، وتشريد، فالله الله يا فلان في أصحابي وذرّيتي وذمّتي، فإنّ لله يوما ينتصف فيه للمظلوم من الظالم.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٩١ ) عن عطيّة العوفي، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اشتدّ غضب الله على اليهود حين قالوا: « عزير ابن الله »، واشتدّ غضب الله على النصارى حين قالوا: « المسيح ابن الله »، واشتدّ غضب الله ممّن أراق دمي وآذاني في عترتي.

وفي الاحتجاج ( ج ١؛ ١٩٦ - ١٩٧ ) عن أحمد بن همام، قال: أتيت عبادة بن الصامت في ولاية أبي بكر، فقلت: يا عبادة أكان الناس على تفضيل أبي بكر قبل أن يستخلف؟ فقال: يا أبا ثعلبة، إذا سكتنا عنكم فاسكتوا ولا تبحثوا، فو الله لعليّ بن أبي طالب كان أحقّ بالخلافة من أبي بكر، كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحقّ بالنبوة من أبي جهل، قال: وأزيدكم إنّا كنا ذات يوم عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاء عليّعليه‌السلام وأبو بكر وعمر إلى باب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدخل أبو بكر، ثمّ دخل عمر، ثمّ دخل عليّعليه‌السلام على أثرهما، فكأنّما سفي على وجه رسول اللهعليه‌السلام الرماد، ثمّ قال: يا عليّ أيتقدّمانك، وقد أمّرك الله عليهما؟!

فقال أبو بكر: نسيت يا رسول الله.

وقال عمر: سهوت يا رسول الله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما نسيتما ولا سهوتما، وكأنّي بكما قد سلبتماه ملكه، وتحاربتما عليه، وأعانكما على ذلك أعداء الله وأعداء رسوله، وكأنّي بكما قد تركتما المهاجرين والأنصار يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف على الدنيا، ولكأنّي بأهل بيتي وهم المقهورون المشتّتون في أقطارها، وذلك لأمر قد قضي.

ثمّ بكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى سالت دموعه، ثمّ قال: يا عليّ الصبر الصبر، حتّى ينزل الأمر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم، فإنّ لك من الأجر في كلّ يوم ما لا

٤١٦

يحصيه كاتباك، فإذا أمكنك الأمر فالسيف السيف، القتل القتل، حتى يفيئوا إلى أمر الله وأمر رسوله، فإنّك على الحقّ، ومن ناواك على الباطل، وكذلك ذرّيّتك من بعدك إلى يوم القيامة.

وقد صرّح أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في كلماتهم وخطبهم بما حلّ بهم من الظلم، وأنّ القوم لم يرعوا فيهم حقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يطيعوه، ولم يسمعوا وصاياه

ففي كتاب سليم بن قيس ( ١٠٨ - ١١١ ) قال أبان: قال لي أبو جعفر الباقرعليه‌السلام : ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيّانا، وما لقيت شيعتنا ومحبّونا من الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبض وقد قام بحقّنا، وأمر بطاعتنا، وفرض ولايتنا ومودّتنا، وأخبرهم بأنّا أولى الناس بهم من أنفسهم، وأمر أن يبلّغ الشاهد الغائب، فتظاهروا على عليّعليه‌السلام ثمّ بايعوا الحسن بن عليّعليهما‌السلام بعد أبيه وعاهدوه، ثمّ غدروا به وأسلموه، ووثبوا به حتّى طعنوه بخنجر في فخذه، وانتهبوا عسكره ثمّ بايع الحسينعليه‌السلام من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا، ثمّ غدروا به، ثمّ خرجوا إليه فقاتلوه حتّى قتل، ثمّ لم نزل أهل البيت منذ قبض رسول الله نذلّ ونقصى ونحرم ونقتل ونطرد، ونخاف على دمائنا وكلّ من يحبنا فقتلت الشيعة في كلّ بلدة، وقطعت أيديهم وأرجلهم، وصلبوا على التهمة والظنّة، وكان من ذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره، ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان ابن زياد بعد قتل الحسينعليه‌السلام ، ثمّ جاء الحجّاج فقتلهم بكلّ قتلة وبكلّ ظنّة وبكلّ تهمة، حتّى أنّ الرجل ليقال له: زنديق أو مجوسي، كان ذلك أحبّ إليه من أن يشار إليه أنّه من شيعة الحسينعليه‌السلام ونقل هذه الرواية مبتورة ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١١؛ ٤٣ - ٤٤ ).

وفي بشارة المصطفى (٢٠٠) عن عمر بن عبد السلام، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: ما بعث الله نبيّا قطّ من أولي الأمر ممّن أمر بالقتال إلاّ أعزّه الله، حتّى يدخل الناس في دينه طوعا وكرها، فإذا مات النبي وثب الّذين دخلوا في دينه كرها، على الّذين دخلوا طوعا، فقتلوهم واستذلّوهم، حتّى أن كان النبي يبعث بعد النبي فلا يجد أحدا يصدّقه أو يؤمن له، وكذلك فعلت هذه الأمّة، غير أنّه لا نبي بعد محمّد ...

٤١٧

وفي تفسير فرات (١٤٩) بسنده عن منهال بن عمرو، قال: دخلنا على عليّ ابن الحسينعليهما‌السلام بعد مقتل الحسينعليه‌السلام ، فقلت له: كيف أمسيت؟ قالعليه‌السلام : ويحك يا منهال، أمسينا كهيئة آل موسى في آل فرعون؛ يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّدا منها، وأمست قريش تفتخر على العرب بأنّ محمّدا منها، وأمسى آل محمّد مخذولين مقهورين مقبورين، فإلى الله نشكو غيبة نبيّنا، وتظاهر الأعداء علينا.

وفي تفسير فرات (٣٨٢) بسنده عن زيد بن عليّ - وهو من خيار علماء الطالبيّين - أنّه قال في بعض رسائله: ألستم تعلمون أنّا أهل بيت نبيّكم المظلومون المقهورون من ولايتهم، فلا سهم وفينا، ولا ميراث أعطينا، ما زال قائلنا يقهر، ويولد مولودنا في الخوف، وينشأ ناشئنا بالقهر، ويموت ميّتنا بالذلّ ...

وكان أتباع أئمّة أهل البيت أيضا يصرّحون بمظلمة أئمتهمعليهم‌السلام من قبل الجبابرة والطواغيت؛ ففي كفاية الأثر (٢٥٢) بسنده عن أبي مريم عبد الغفّار بن القاسم، قال: دخلت على مولاي الباقرعليه‌السلام وقلت: بأبي أنت وأمّي يا بن رسول الله، فما نجد العلم الصحيح إلاّ عندكم، وإنّي قد كبرت سنّي ودقّ عظمي ولا أرى فيكم ما أسرّ به، أراكم مقتّلين مشرّدين خائفين ....

وفيه أيضا ( ٢٦٠ - ٢٦١ ) بسنده عن مسعدة، قال: كنت عند الصادقعليه‌السلام إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى، متّكئا على عصاه، فسلّم، فردّ أبو عبد اللهعليه‌السلام الجواب، ثمّ قال: يا بن رسول ناولني يدك أقبّلها، فأعطاه يده فقبّلها، ثمّ بكى، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما يبكيك يا شيخ؟ قال: جعلت فداك، أقمت على قائمكم منذ مائة سنة، أقول: هذا الشهر وهذه السنة، وقد كبرت سنّي ودقّ عظمي واقترب أجلي، ولا أرى ما أحبّ، أراكم مقتّلين مشرّدين، وأرى عدوّكم يطيرون بالأجنحة، فيكف لا أبكي؟! فدمعت عينا أبي عبد اللهعليه‌السلام ، ثمّ قال: يا شيخ إن أبقاك الله حتّى ترى قائمنا كنت معنا في السنام الأعلى، وإن حلّت بك المنيّة جئت يوم القيامة مع ثقل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن ثقله، فقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي مخلّف فيكم الثقلين، فتمسكوا بهما لن تضلوا؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي ....

٤١٨

وسيأتي ما يتعلّق بالمطلب عند ما سنذكره من حديث الرايات الخمس - أو الأربع - في الطّرفة الثانية والثلاثين، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ابيضّت وجوه واسودّت وجوه، وسعد أقوام وشقي آخرون ».

إيّاكم وبيعات الضلالة، والشورى للجهالة

مرّ ما يتعلّق ببيعات الضلالة في الطّرفة السادسة، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « البيعة بعدي لغيره ضلالة وفلتة وزلة »، وعند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بيعة الأوّل ضلالة ثمّ الثاني ثمّ الثالث »، وبقي هنا أن نبيّن موقف عليّعليه‌السلام وأهل البيتعليهم‌السلام من الشورى، وكيف أنّها كانت مؤامرة ضد عليّ وأهل البيتعليهم‌السلام .

وأجلى نصّ في ذلك هو ما ثبت عن عليّعليه‌السلام في خطبته الشقشقيّة الرائعة الّتي صحّت روايتها في كتب أعاظم الفريقين، وإليك نصّها من نهج البلاغة ( ج ١؛ ٣٠ ) حيث يقولعليه‌السلام : أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهبا، حتّى مضى الأوّل لسبيله، فأدلى بها إلى عمر بعده فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته؛ لشدّ ما تشطّرا ضرعيها فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة، حتّى إذا مضى لسبيله، جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم، فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب في مع الأوّل منهم حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر فصغى رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن، إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ....

ورواها سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص (١٢٤) بلفظ « حتّى إذا مضى لسبيله جعلها شورى بين ستّة زعم أنّي أحدهم، فيا لله والشورى! فيم وبم ولم يعرض عنّي؟! » وللاطلاع على هذه الخطبة والوقوف على ألفاظها يراجع كتاب « نهج البلاغة مصادره وأسانيده » للسيّد المرحوم عبد الزهراء الحسيني الخطيب، وهو مطبوع في أربع مجلدات.

والّذي صغى في الشورى لضغنه وحقده هو سعد بن أبي وقاص؛ لأنّ عليّاعليه‌السلام

٤١٩

قتل الصناديد من أخواله في سبيل الله، وقيل: أنّه طلحة بن عبيد الله؛ لأنّه كان منحرفا عن عليّعليه‌السلام ، وكان ابن عمّ أبي بكر، فأراد صرف الخلافة عن عليّ، وأمّا الّذي مال إلى صهره فهو عبد الرحمن بن عوف؛ لأنّه كان زوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط؛ وهي أخت عثمان لأمّه أروى بنت كريز، وأمّا الهن والهن فهي الأشياء الّتي كرهعليه‌السلام ذكرها، من حسدهم إيّاه، واتّفاق عبد الرحمن مع عثمان أن يسلّمه الخلافة ليردّها عليه من بعده، ولذلك قال عليّعليه‌السلام لابن عوف بعد مبايعة عثمان: « والله ما فعلتها إلاّ لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه، دقّ الله بينكما عطر منشم »، فمات عبد الرحمن وعثمان متباغضين.

وكان شكل المؤامرة أنّ عمر جعلها في ستّة، وجعل الخيار الأخير بيد عبد الرحمن بن عوف؛ لمعرفته بميوله إلى عثمان، والمؤامرة المحاكة ضدّ عليّعليه‌السلام ، ليتسلّمها ابن عوف من بعد، فوهب طلحة حقّه لعثمان، ووهب الزبير حقّه لعليّ، فتعادل الأمر، ثمّ وهب سعد بن أبي وقاص حقّه لعبد الرحمن بن عوف، ثمّ أخرج عبد الرحمن نفسه على أن يختار عليّا أو عثمان، فاختار عثمان، فيكون عمر المخطّط لإبعاد الخلافة عن عليّعليه‌السلام ، والباقون - سوى الزبير - منفّذين لغصب الخلافة من عليّعليه‌السلام . انظر في ذلك شرح النهج لابن أبي الحديد ( ج ١؛ ١٨٧ - ١٩٦ ) وشرح النهج لابن ميثم البحراني ( ج ١؛ ٢٦١ - ٢٦٢ ) وشرح محمّد عبده ( ج ١؛ ٣٥ ) ومنهاج البراعة للقطب الراونديّ ( ج ١؛ ١٢٧ - ١٢٨ ).

وفي كتاب سليم بن قيس ( ١٠٨ - ١٠٩ ) قال أبان بن عيّاش: قال لي أبو جعفرعليه‌السلام : ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش، وتظاهرهم علينا، وقتلهم إيّانا، وما لقيت شيعتنا ومحبّونا من الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبض وقد قام بحقّنا وأمر بطاعتنا، وفرض ولايتنا ومودّتنا، وأخبرهم بأنّا أولى بهم من أنفسهم، وأمر أن يبلّغ الشاهد الغائب، فتظاهروا على عليّعليه‌السلام ، فاحتجّ عليهم بما قال رسول اللهعليه‌السلام فيه، وما سمعت العامّة واحتجّوا على الأنصار بحقّنا، فعقدوها لأبي بكر، ثمّ ردّها أبو بكر إلى عمر يكافئه بها، ثمّ جعلها عمر شورى بين ستّة، ثمّ جعلها ابن عوف لعثمان على أن يردّها عليه، فغدر به عثمان، وأظهر ابن عوف كفره وجهله ونقل هذا الحديث مبتورا ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١١؛ ٤٣ ).

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679