موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)8%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

الجزء ١ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212398 / تحميل: 11104
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

موسوعة الإمام المهدي (عليه السلام)

تاريخ ما بعد الظهور

تأليف:

الشهيد السعيد السيّد محمّد محمّد صادق الصدر (قُدّس سرّه)

١

٢

تاريخ ما بعد الظهور

٣

٤

تمهيد

قد يكون من الطريف أن يتصدَّى الباحث للنظر إلى ما وراء الغيب، ليخطّ تاريخ المستقبل بسطور، وقد لا يعدو هذا التاريخ في نظر الكثيرين، عن كونه سرداً لمجموعة من التنبُّؤات التي قد لا يقع شيء منها في مستقبل الدهر، وأيّ فشل لتنبُّؤات الفرد، أكثر رَكاكة من أن يثبت كَذِب هذه التنبُّؤات وسقوط هذه الإخبارات.

إذن؛ فقد يبدو أنّه من الأفضل أن يعرض الفرد صفحاً مثل هذا التاريخ ويُهمله إهمالاً، ويدع تسلسل الحوادث على مقاديرها، بدون أن يزعم لنفسه القدرة على اسْتِكْنَاه المـُستقبل أو النظر إلى ما وراء الغيوب.

إلا أنّ هذه الفكرة يمكن أن تزول عن الذهن تماماً، وتوجد الهِمَّة في النفس نحو هذه البحوث … حين نعرف أنّ هذه المـُحاولة، وإن كانت في حقيقتها سرداً لحوادث لم تقع في الزمان، وإنّما المـُستقبَل وحده هو الكفيل بمُعاصرتها وعرضها للعيان، إلا أنّها لن تكون مُحاولة لادّعاء معرفة ما وراء الغيب، كما أنّها ليست تنبُّؤاً محضاً غير منطلق من قاعدة أو قائم على أساس، ويتمّ إيضاح ذلك فيما سنذكره من جهات الكلام، كما يلي:

الجهة الأُولى: في أهمّيّة الموضوع في نفسه:

الجهة الثانية: في طُرق الاستدلال التي سوف تكون مُتّبعة خلال هذا البحث.

الجهة الثالثة: في الصعوبات التي تواجه البحث.

الجهة الرابعة: في أُسلوب الخروج عن هذه الصعوبات ومُحاولة تذليلها جهد الإمكان.

الجهة الخامسة: في ترتيب أبواب وفصول هذا الكتاب.

٥

الجهة الأُولى: أهمِّيَّة هذا الموضوع:

يكتسب هذا الموضوع أهمّيّته، من أهمّيّة البحث حول المهدي (ع) ككل، من حيث كون هذا التاريخ حقلاً من حقوله وشعبة من شعبه.

ومن المعلوم أنّ الفكرة المهدويّة عند كل قائل بها ومؤمن بصدقها، تقوم على أساس كون المهدي هو مصلحة العالم في المـُستقبل، وهو الذي يقلب الظلم إلى العدل، ويُحوِّل الظلام إلى نور ويُحقِّق الرفاه والسعادة لكل فرد على وجه الأرض.

فمن الحق أن يطمع الفرد إلى التعرُّف على تصرُّفات هذا المـُصلِح العظيم في يومه الموعود، وعلى أسلوبه وسياسته وطريقته في التدبير والقيادة.

وأنّ هناك العشرات من الأسئلة تنبثق حول ذلك، وخاصة بعد أن يُعاصر الفرد الحياة الحاضرة بما فيها من تعقيد اجتماعي، وتنظيم دولي وسياسي، فهل سيكون للمهدي المـُصلِح نفس هذا التنظيم بحقوله العديدة، أو أنّه سيتّخذ للعالم وجهاً آخر، ويُبيِّنه بيده على شكل جديد؟

فإذا استطاع هذا البحث أن يُزيل الغموض - ولو عن بعض هذه الأسئلة - ويُقرِّب جوابها إلى الذهن إلى حدٍّ كبير، فهو غاية المطلوب.

إذن؛ فالحديث عن ( تاريخ ما بعد الظهور ) يعني التعرُّف على يوم الإصلاح العام على يد القائد المـُنتظر، وهو يعني – بكلِّ صراحة – التعرُّض إلى النتائج النهائية التي تتبنَّاها الفكرة المهدوية ككل، ووصف البشرية المـُثلى في مُستقبله السعيد.

والتعرُّض إلى هذا التاريخ، لا يتوقَف على الإيمان بأطروحة مهدوية مُعينة، هي الأطروحة الإمامية – مثلاًً – التي تؤمن بالغيبية الطويلة للمهدي الموعود، إذ يكون في الإمكان أن يقوم بمثل هذه الأعمال التي سنذكرها له بعد ظهوره، وسواء كان غائباً في الفترة السابقة على ظهوره أم لم يكن(١) ؛ ومن هنا يكون لهذا البحث فائدة شاملة لكل المسلمين بصفتهم مؤمنين بفكرة المهدي، بل يكون لها أثر قريب بالنسبة إلى غير المسلمين ممَّن يؤمن بالمـُصلح المـُنتظر.

وتنبثق أهمّية هذا البحث مرّة أُخرى، في مُحاولة تصفية ما قيل أو يُقال، في تحديد ما

____________________

(١) هذا بحسب التصوُّر، بغضِّ النظر عمَّا قلناه في تأريخ الغيبة الكبرى (ص٥٠١) وما بعدها من البرهان على تأثير الغيبة الطويلة على جانب تكامل القيادة لديه , وتعميق تطبيقاته العدالة في اليوم الموعود.

٦

سوف يحدث يوم الظهور وبعده، ممّا قد يكون مُشوَّهاً بالأساطير، ومُحاولة الاقتصار على إثبات ما قام عليه الدليل، ورفض أيِّ أمر آخر.

وتنبثق فائدة هذا البحث من زاوية ثالثة، من البرهنة على الارتباط العضوي الوثيق بين يوم العدل الموعود، وبين الأساس العام الذي يقوم عليه الكون وأهدافه الكبرى التي خُلِق من أجلها، تلك الأهداف التي كانت تطبيقات من مفهوم العدل العام، والتي سار عليها التكوين والتشريع، واضطلع بالسير على طبقه موكب الأنبياء والشهداء، والأولياء والمـُصلحين على مدى التاريخ.

وسيظهر بجلاء، أنّ يوم الظهور ليس تاريخاً طارئاً أو قدراً مُرتجلاً، وإنّما هو في واقعه النتيجة الطبيعيّة الكبرى التي أرادها الخالق الحكيم في تخطيطه العام … والتي شارك في إعدادها الأنبياء، وبُذِلت في سبيلها التضحيات على مدى التاريخ.

والفائدة الرابعة - وليست الأخيرة - هي أنَّ الفرد بعد اطِّلاعه على هذا التاريخ، يستطيع أن يحمل فكرة كافية عن أوصاف المهدي وأعماله عند ظهوره، وممَّا يوفِّر الدليل الكافي بأن يعرف: أنّ مُدّعي المهدوية هل هو المهدي الموعود قائد العالم، أو أنّه رجل مُبطِل كذَّاب؟

فإنَّ الفرد قد يواجه في غضون حياته أو يقرأ في التاريخ دعوات مهدوية مُتعدِّدة، فلا يَحْار في مبدأ الأمر في تصديقها وتكذيبها، إن كان ممَّن يؤمن بالفكرة المهدوية أساساً، فلا يعلم أنَّ هذا هو المهدي المـُنتظر أو غيره.

وهذه المـُشكلة وإن استطاع الفكر الإسلامي أن يُذلِّلها عن طريق البرهان العقائدي، إلا أنَّه - بغضِّ النظر عن ذلك - نستطيع أن نُذلِّلها عن طريق الدليل التاريخي … وذلك بمُحاولة تطبيق الصفات الثابتة تاريخيَّاً للمهدي الموعود على مُدَّعي المهدوية، فإن كانت ثابتة له؛ إذن فهو على الحقِّ، وهو المهدي الموعود.

وهذه جهة - بطبيعتها - مُهمَّة لكل مُعتقد بالفكرة المهدوية؛ فإنّه من المؤسِف حقَّاً ومن المـُحرَّم دينيّاً، أن يكون المهدي حقيقياً ثمّ لا يستطيع الفرد التعرُّف عليه، أو أن يكون المـُدّعي كاذباً ثمّ لا يستطيع الفرد معرفة كذبه، وإنّما ينحرف باتِّجاهه وينجرف بتيَّاره، فلا بدّ أن يكون للفرد محكٌّ عقائدي، وميزان تاريخي في التعرُّف على رفض مَن يرفض وقبول مَن يقبل، وقد وفَّر الإسلام كِلا الجانبين، وما هو محلُّ كلامنا الآن هو الميزان التاريخي.

٧

فهذه بعض فوائد هذا البحث، التي تجعله من الأهمِّيَّة والرسوخ ما يؤهِّله أن يكون شعبة من المعرفة الإسلامية، وحقلاً من المعرفة الإنسانية.

الجهة الثانية: في طرق الاستدلال التي سنتَّبعها من خلال البحث للتعرُّف على ما هو ثابت وما هو مرفوض.

والاستدلال يختلف – بطبيعة الحال – باختلاف النتائج التي نريد التوصُّل إليها، وهي ممَّا يمكن تقسيمها بانقسامات ثلاثة، لابدّ من التعرُّف عليها، وما هو محلُّ الحاجة ومنطلق البحث منها … لكي نختار ما يُناسبها من الاستدلالات.

الانقسام الأول: التقسيم من حيث اتِّجاه الفكرة المهدوية، أعني تحديد المـُصلح المـُنتظر في نظر الفرد، فإنّ الاتِّجاهات هنا ذات ثلاثة مسارات رئيسية:

المسار الأول: المـُصلِح المـُنتظر الذي يؤمِن به غير المسلمين، على اختلاف بينهم في تشخيصه وصفاته، كالمسيحيِّين واليهود والبراهمة وغيرهم.

المسار الثاني: المـُصلِح المـُنتظَر الذي يؤمِن به المسلمون غير الإماميين عادةً، وهو رجل يُلقَّب بالمهدي، يولَد في زمانه، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً.

المسار الثالث: المـُصلِح المـُنتظَر للمسلمين الإمامين خاصة، وهو المهدي الغائب محمد بن الحسن بن علي عليهم السلام الذي يظهر، فيملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً.

وهذه المسارات في جوهرها واحدة، تُشير إلى مفهوم واحد مُندرج في التخطيط الإلهي العام، بشَّرت به الأديان وأكّد عليه الإسلام، وإنّما حصل الاختلاف فيه نتيجةً لظروف مُعيّنة، تمُتُّ إلى التربية الفكرية للبشرية بصلة، كما سبق أن حملنا عنه فكرة في التاريخ السابق(١) ، وسنعرف تفاصيله في الكتاب القادم

إلاَّ أنَّنا على أيِّ حال، ينبغي أن ننطلق في البرهان على حوادث المـُستقبل من أُسُس مُسلَّمة، لهذه المسارات الثلاث ليكون الكلام مقبولاً مُسلَّم الصحَّة لديها جُهد الإمكان.

ومعه؛ فمَن المـُتعذَّر - إلى حدٍّ كبير - التعرُّف على أُسُس مُشتركة بالنسبة إلى المسار الأول - بتعبير آخر - مشتركة بين المسارات الثلاثة كلها … ممَّا يعود إلى مفهوم المهدوية العام، الذي تتسالم عليه الأديان؛ وذلك لعدم تسالمها - في حدود المقدار المعروف لدى أهلها من

____________________

(١) انظر ص٢٥١ وما بعدها إلى آخر الفصل.

٨

القواعد والأُسُس - على أُمور مشتركة يمكن الانطلاق منها على حقيقة مُعيَّنة بهذا الصدد، ومعه يكون البحث عن تفاصيل اليوم الموعود، والأعمال التي سيقوم بها القائد المـُنتظر مُتعذِّراً، وإنَّما غاية ما يمكن التعرُّف عليه والتسالم على صحَّته، هو تطبيق للعدل على وجه الأرض على الإجمال.

نعم، لو اقتصرنا في فكرة المـُصلِح المـُنتظَر على اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام أمكن الانطلاق من بعض الأُسُس المشتركة إلى بعض تفاصيل اليوم الموعود كما سنرى، وخاصة بعد أن يثبت في الإسلام - على ما ستسمع - نزول المسيح في ذلك اليوم، وسيكون لما ذكر في التوراة والإنجيل من تفاصيل جزء خاص آتٍ من الموسوعة.

وأمَّا الاستدلال على التفاصيل، من خلال المسارين الثاني والثالث، ففي الإمكان الحصول على الكثير من الأُسُس المشتركة النافعة بهذا الصدد، وسيكون المنطلق الأساسي المـُشترك، هو ما نطق به القرآن الكريم من الوعد بيوم التطبيق الإسلامي العادل، ومن الخصائص الكبرى التي يتَّصف بها ذلك اليوم - على ما ستسمع - كما سينطلق الاستدلال ممَّا تسالمت عليه أخبار الفريقين من الحقائق، أمّا ما استقلَّ به كل فريق من الأخبار، فسيكون لنا منه موقف خاص، سنذكره.

وينبغي الإلماع إلى أنَّ الأخبار الإمامية، قد تكفَّلت بنقل الحوادث للفترة الزمنية التي نؤرِّخ لها، أكثر بكثير ممَّا نقلته أخبار العامة، وخاصة فيما يعود إلى المهدي وأصحابه وأعماله، وإن أكثرت الأخبار العامة الحديث عن المسيح والدجَّال وأشراط الساعة.

وعلى أيِّ حال، فما يعود إلى مقدار الأخذ بالخبر أو رفضه سنذكره في الانقسام الثالث إن شاء الله تعالى.

الانقسام الثاني: التقسيم من حيث مقدار الحوادث التي يُراد الحصول عليها وإثباتها تاريخياً.

وذلك أنَّنا كنَّا نتوخَّى الاطِّلاع على التاريخ التفصيلي لما بعد الظهور، وذكر حودثه وأقوال مُعاصريه - جملة وتفصيلاً - كما لو كان مشاهداً محسوساً فعلاً، فهذا ممَّا لا يُمكن أساساً وينبغي الاعتراف سلفاً بتعذُّره وانقطاع السبيل إليه، بسبب ما سنسمعه فيما يلي من البحث، من وجود الفجوات الواسعة في الروايات الناقلة للتاريخ المطلوب.

إلاَّ أنَّ مثل هذا التفصيل، ممَّا لا يُهمُّ التعرُّض له، وليس هناك مصلحة في معرفته، وإنَّما المـُستقبل وحده هو الكفيل بمُعاصرته، والله عزَّ وجلّ هو القدير على إيجاده

٩

والعليم به... وإن عشت أراك الدهر عَجَباً، فإنَّ أيَّاً من المصالح الأربعة السابقة لا يتوقَّف تحقُّقها على مثل هذا التفصيل، بل يكفي فيها التعرُّف على الأفكار العامة والحوادث الرئيسية في ذلك العهد، وواردة في الأخبار بشكل يمكن إثباته تاريخياً، دون ما هو أوسع من ذلك.

ومن ثمَّ؛ لا ينبغي أن نتوقَّع من الباحث في تاريخ ما بعد الظهور، زيادة من التفاصيل، وإنَّما يقتصر بمُقتضى مادَّة عمله وأُسُس مصادره على الأفكار العامّة، والحوادث الرئيسية بطبيعة الحال.

الانقسام الثالث: التقسيم من حيث ما نتطلَّبه من الإثبات التاريخي، باعتبار أنَّنا تارةً نتوخَّى حصول الاطمئنان والوثوق بوجود الحادثة المـُعيَّنة، وأُخرى نكتفي بالإخبار الاعتيادي في إثباته.

ومن هنا يكون لنا – بلحاظ ذلك – موقفان:

الموقف الأوَّل: إذا أردنا حصول الاطمئنان بوجود حادثة مُعيَّنة ممَّا يُنقَل حدوثها بعد الظهور... أمكننا الاعتماد على المصادر التالية:

المصدر الأوّل: القرآن الكريم بما فيه من ظواهر واضحة دالَّة على وصف العدل الإسلامي، والخيرات التي تعود على البشرية عند تطبيق أحكام الإسلام.

المصدر الثاني: الروايات المـُتعدِّدة الناقلة لحادثة مُعيَّنة، بحيث تكون إحداها قرينة على الأُخرى، ومصداقية لها، بحيث تكون بمجموعها موجبة للثبوت التاريخي في أيِّ حقل اعتيادي من حقول التاريخ.

المصدر الثالث: أخبار الفريقين إذا تسالمت على نقل حادثة مُعيَّنة، ولو كانت بعدد قليل عند كل فريق، فإنَّه يكفي لإثباتها؛ وذلك لأنّ ظروف الرواية وأشخاص الرواة، مُختلفَين عند كل مذهب إسلامي، ممَّا يوجب الاختلاف الكبير في النقل، فإذا تسالموا على نقل مضمون بعينه، كان هذا بعيداً عن الخطأ إلى حدٍّ كبير.

المصدر الرابع: الخبر الذي تعضده القواعد الإسلامية العامة، وتؤكِّد مضمونه، فإنَّه يكفي إثباتاً تاريخيّاً، ومثاله: الأخبار القائلة: بأنَّ المهدي ( عليه السلام ) يُطبِّق الإسلام كما جاء به النبي (ص) فإنَّها مُطابقة لنظرة الإسلام إلى استمرار تعاليم الدين الإسلامي إلى نهاية البشرية.

المصدر الخامس: القواعد الإسلامية العامّة المـُبرهَن عليها في علوم مُختلفة من حقول

١٠

الإسلام، كالعقائد و الفقه وغيره، فإنَّها إذا كانت ثابتة في محلِّها أمكن التوصُّل بها إلى بعض النتائج، ومثاله: القاعدة التي تقتضي عدم جواز الحُكم القضائي إلا بسماع البيِّنة مع توفُّرها، فإنَّها تنفي الأخبار الدالَّة على أنَّ المهدي (ع) يقضي بدون سماع البيِّنة، كما سيأتي إيضاحه.

فإذا اجتمعت هذه المصادر الخمسة بنتائجها، كان تخطيطنا العام لهذا التاريخ قد كمل؛ إذ بها نستطيع أن نُثبت كل ما هو مُهمُّ ورئيسي في عهد الظهور، وتبقى جملة من التفاصيل يوكَل إثباتها بشيء من هذه المصادر الخمسة.

الموقف الثاني: إذا اكتفينا في الإثبات التاريخي الاعتيادي أو النقل المـُنفرد، وهو ما سنحتاج إليه بطبيعة الحال(١) في سرد عدد من التفاصيل التي لا يمكن التوصُّل إلى معرفتها بدون ذلك، بالرغم من أنّ قيمة الإثبات لا تزيد على قيمة هذا الخبر المـُنفرد.

ونحن بهذا الصدد، نستطيع أن نقبل بعض المصادر، وأن نرفض بعضاً:

أمّا المصادر التي نقبلها، فهي كما يلي:

المصدر الأول: النقل المـُنفرد الذي تقوم القرائن القليلة على تأييده... كالقرائن الحالية، أو وجود روايتين فقط بمضمون واحد، أو سندين لرواية واحدة، فإنَّ أحدهما يكون قرينة على صحَّة الآخر.

المصدر الثاني: النقل المـُنفرِد الذي يُقبل عادةً في الفقه كمُثبت للحُكم الشرعي الإسلامي، وهو الخبر الذي يتَّصل بالمـُتحدِّث الأول عن طريق الثقات، فإنَّه يمكن اعتباره إثباتاً كافياً بلحاظ الموقف الثاني، وإن تجرَّد عن القرينة على صدقه.

وأمَّا المصادر التي نرفضها، فهي كما يلي:

المصدر الأول: الخبر الذي تنفيه القواعد الإسلامية العامَّة المـُبرهَن عليها كما سبق

____________________

(١) وهذا هو فرق الإثبات الذي نحتاجه في هذا التاريخ، عن الإثبات الذي أسَّسناه في التاريخ السابق (٢٠٨) فإنَّه كان قائماً على رفض الخبر المـُنفرِد بكل أشكاله وسمَّيناه بالتشدُّد السندي؛ وذلك لعدم الاحتياج إلى مثل هذا الخبر، أمَّا هنا فسنحتاج إليه بالضرورة؛ لأنَّ عدداً من الحوادث منقولة بالخبر المـُنفرد فقط، وهي ممَّا نحتاج إليها في ضبط التسلسل العام للحوادث، وسيكون لهذا الفرق نتائج ملموسة كما سيأتي.

١١

مثاله: لا يختلف ذلك بين ما إذا كان خبراً مُنفرِداً أو عدَّة أخبار، ولا يختلف في القاعدة بين أن يكون مُستفادة من الكتاب أو السنَّة أو غيرهما.

المصدر الثاني: الخبر الذي يوجَد له معارض ينقل خلافه، وذلك فيما إذا وجِد لدينا خبران ينقلان حادثة مُعيَّنة بشكلين مُتغايرين، أو ينقلان حادثتين مُتنافيتين، ونحو ذلك.

وفي مثل ذلك، إذا كان أحد طرفي المعارضة - أعني أحد الخبرين - راجحاً على صاحبه، كما لو كان مُستفيضَ النقل، أو موافقاً مع القواعد العامة أو الشواهد الأُخرى، أخذنا به وطرحنا الآخر، وإن لم يكن هناك رجحان في أحد الطرفين سقط كلاهما عن إمكان الإثبات التاريخي، وقد فصَّلنا القول في ذلك التمهيد الذي عقدناه لـ ( تاريخ الغيبة الصغرى )(١) فلا حاجة إلى الإطالة فيه.

المصدر الثالث: المصدر الذي لا يوجد له مؤيِّد ولا مُفنِّد، ممَّا لم يروِه الثقات، ولا ارتباط له بالقواعد العامة بشكل مُباشر، لتدلّ على صحّته أو نفيه، فإنَّه بطيعة الحال لا يصلح للإثبات التاريخي بهذا الصدد، ويُرفَض هذا المصدر إلى جنب المصدرين السابقين، يمكن ملاحظة أنَّ الروايات الناقلة لحوادث اليوم الموعود، قد تخلصَّت ممَّا يحتمل أن يتطرَّق إليها من دسٍّ، أو يحزم حولها من وهمٌ أو يكتنف حقلها من أساطير، وبذلك تكون مصادرنا المـُعتمدة واضحة لا غبار عليها، وصالحة لعرض الفكرة المهدوية تجاه العالم.

الجهة الثالثة: في الصعوبات التي يواجهها هذا البحث.

وهي صعوبات عديدة، اقتضتها ظروفها ومصالحها الخاصة والعامة، على ما سنرى.

ولا بدّ في المقام من أن نستثني ما ذكرناه من الصعوبات في تاريخ ( الغيبة الصغرى )، ممَّا يعود إلى التاريخ بشكل عام(٢) وإلى الروايات الواردة في المهدي بشكل خاص(٣) ، فإنَّها صعوبات شاملة لهذا التاريخ، وقد ذلَّلناها هناك.

ونقتصر هنا على الصعوبات التي يختص بها هذا التاريخ، وهي قد تتَّحد مع تلك الصعوبات أحياناً في العنوان، إلاَّ أنَّها من حيث الفكرة والأهمِّيَّة تختلف عن سابقاتها، كما

____________________

(١) انظر ص٢٨ وما بعدها وص٤٦ وما بعدها.

(٢) ص٢٤ وما بعدها إلى عدَّة صفحات.

(٣) ص٤٢ وما بعدها إلى عدَّة صفحات.

١٢

لا يخفى على المقارن.

ويمكن أن نعرض الصعوبات فيما يلي:

الصعوبة الأُولى: قيام الأخبار الناقلة لحوادث المـُستقبل، على الرمزية في كثير من أساليبها ونقاط عرضها، وخاصة فيما يعود إلى شخص المهدي (ع)، كقوله في بعض الروايات الآتية( إذا هزَّ رأسه أضاء له ما بين المشرق والمغرب ) وأنَّه( يضع يده على رؤوس الأنام فيجمع أحلامها ) وإن( رايته ليست من قطن و لا كتَّان، وإنَّما هي ورقة من أوراق الجنّة ) وغير ذلك من التعبيرات.

ويراد بها حقائق إسلامية واعية، لكنَّها لم تستعمل المداليل الاعتيادية للألفاظ، وإنّما استعملت الرمزية التي عرفناها في تاريخ الغيبة الكبرى(١) .

الصعوبة الثانية: تعمُّد الإجمال في الروايات، والسكوت عن بعض ما سيحدث من الأعمال والأقوال … بشكل يبدو بوضوح إرادة المـُتكلِّم حذف بعض الحقائق التي لا يجد مصلحة في التصريح بها، كسكوت بعض الروايات عن ذكر مضمون خُطبة المهدي في المسجد الحرام أول ظهوره، وسكوت الروايات عن مضمون خُطبته في مسجد الكوفة عند وروده العراق، وسكوتها عن كثير من نصائحه وأساليب امتحانه لأصحابه، بل يقتصر على القول:( وأنا أعلم بما يقوله لهم ) . وإمَّا ماذا يقول لهم، فهذا ممَّا لا سبيل إليه.

ومثله ما ورد في عدد من الروايات عن أصحاب المهدي (ع):( وأنا أعرف أسمائهم وأسماء أبائهم... ) ، ولكنَّه لا يُسمِّي واحداً بالمرة.

الصعوبة الثالثة: وجود الفجوات الضخمة فيما يُنقل من الروايات، وعدم انحفاظ تسلسل الحوادث بأيِّ حال، وهذا ما كان يبدو مثله في ما سمعناه من التواريخ السابقة، إلاَّ أنَّه في هذا التاريخ أشدُّ تركيزاً ووضوحاً، فانحفاظ التسلسل الزمني للعديد من الحوادث، يكاد يكون مُتعذِّراً، كما أنَّ كثيراً من مُهمَّات الأعمال التي سيُقام بها بعد الظهور محذوفة بالمرَّة، ومن المـُلاحَظ أنَّه كلمَّا تقدَّم الزمن مُبتعداً قلّت الحوادث المنقولة، وازدادت الفجوات، مضافاً إلى ازدياد الرمزية والإجمال أيضاً.

فبالنسبة إلى الصعوبة التي نتحدَّث عنها، نُلاحظ أنَّ الحوادث الواقعة قبل الظهور بقليل أو بعده بقليل، منقولة ومتوفِّرة إلى حدٍّ كبير، وأما في الفترة اللاحقة لذلك، فليس

____________________

(١) ص٢١٢ وما بعدها.

١٣

هناك إلاَّ حوادث مُتفرِّقة ولمام من الأقوال من دون ترتيب أو تعيين، وإذا ازداد البُعْد وتوجَّه النظر - مثلاً - إلى حادثة موته أو قتله وإلى مَن يخلفه بعده، كانت الروايات نادرة إلى حدٍّ كبير.

وهذه الصعوبات الثلاثة أمور راهنة تعمَّدها النبي (ص) والأئمة (ع) في حديثهم عن المهدي (ع) لعدَّة أسباب، أهمُّها: وجود الفجوات الثقافية والفكرية الواسعة بين عصر صدور الروايات والعصر الذي تتحدَّث عنه الروايات، من حيث إنَّ تطوُّر الفكر الإسلامي وتعمُّقه خلال القرون المـُتطاولة التي يعيشها ما بين هذين العصرين، وتطوُّره المتزايد على يد القائد المهدي (ع)... جعل من المـُتعذِّر على سامعي هذه الأحاديث في عصر المعصومين ( عليهم السلام ) فَهْمُ واستيعاب ما قد يقع من أعمال وأقوال في العصر المؤرَّخ له؛ ومن هنا كان من المصلحة سكوت المعصومين عن التصريح بها أساساً؛ وفقاً لقانون:كلِّم الناس على قدر عقولهم.

الصعوبة الرابعة: اتِّخاذ الروايات مساراً مُعيَّناً من التفكير، بحسب المذهب الإسلامي الذي تتبنَّاه.

والحديث عن ذلك، يتشعب إلى شعبتين، باعتبار ما ورد من الأخبار في مصادر العامة تارةً، وما ورد من الأخبار في المصادر الخاصة أُخرى.

الشعبة الأُولى: في الأخبار الواردة من مصادر العامة من إخواننا أهل السنَّة والجماعة، كالصحاح الستَّة وغيرها، فإن هذه الأخبار التي تتضمَّن التنبُّؤ بحوادث المـُستقبل - من هذه المصادر - تنقسم إلى أربعة أقسام، وما يُفيدنا - كما سنعرف – هو أشدُّها اختصاراً وغموضاً.

القسم الأوَّل: وهو الذي يُمثِّل المسار العريض والاتِّجاه الفكري الأهمّ لهذه الأخبار، وهو الحديث عن الفتن والملاحم، أي الحروب التي تقع خلال التاريخ، وما ينبغي أن يكون موقف الفرد المسلم منها، ثمَّ الحديث عن الدجَّال وأوصافه وأفعاله، والحديث عن عيسى بن مريم (ع) ونزوله إلى الأرض وحروبه مع الدجَّال، ومع يأجوج ومأجوج بعد انفتاح السَّدِّ الذي حُبسوا خلفه، ونحو ذلك من المضامين.

وهذا هو الذي يُمثِّل الأعمال أغلب من الأخبار الناقلة لحوادث المستقبل، وقد سبق أنَّا ذكرنا وناقشنا في ( تاريخ الغيبة الكبرى ) ما يعود منها إلى تلك الفترة.

وهي لا تمتُّ إلى ( اليوم الموعود ) بصلة، وسنذكر في هذا التاريخ ما يعود منها إلى

١٤

نزول المسيح وبعض الأمور الأُخرى.

القسم الثاني: وهو يُمثِّل طائفة مُهمَّة من الأخبار، وهي الأخبار المـُثبتة لوجود المهدي (ع) أساساً، وأنَّه من وُلْد فاطمة مع التعرُّض إلى اسمه وأوصاف جسمه، وأنَّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وهي بمجموعها تزيد على التواتر بكثير، وتُثبت وجود المهدي بالضرورة... ولكنَّها لا تنفعنا في تاريخ ما بعد الظهور إلاَّ قليلاً.

القسم الثالث: ما يعود إلى شرح نتائج التطبيق الإسلامي الكامل، والمصالح الواسعة التي تترتَّب على العدل الحقيقي... كالأخبار الدالَّة على كثرة المال، وأنَّه يبحث الرجل عمَّن يقبل زكاته فلا يجد، وبأنَّ الفرات يحسر عن جبل من ذهب، لو فسَّرناه بسعة الزراعة وكثرة الخيرات، وهذا القسم لا يذكر في المصادر العامة مقترناً باسم المهدي (ع) وظهوره.

نعم، قام البرهان على أنَّ مضمونها لا يمكن أن يتحقَّق إلاَّ في ذلك العصر، لعدم توفُّر التطبيق العالمي الكامل قبله.

القسم الرابع: الأخبار المـُتكفِّلة لبيان المصالح وبعض النتائج الكبرى، التي تترتَّب على ظهور المهدي (ع) بنفسه وعنوانه.

وهذا القسم وإن لم يرد في الصحاح الستَّة، إلاَّ أنَّه ورد في المصادر الحديثيّة الأُخرى، كمسند أحمد بن حنبل، ومستدرك الحاكم - وأربعين الحافظ الأصفهاني وغيرها.

وأوضح مثال على ذلك، ما ورد في هذه المصادر عن النبي (ص)، بمضمون:( تتنعَّم الأُمَّة في عهده نعمةً لم تتنعَّم مثلها قطُّ، يرضى عنه ساكن الأرض وساكن السماء ) .

وما يمتُّ إلى هذا القسم بصلة مُتوفِّر في الأخبار، إلاَّ أنّه يقتصر على العموميات، ولا يكاد يكون يُشكِّل تاريخاً واضحاً.

على أنَّه - مهما تعدَّد - فإنَّه يُشكِّل الجزء الأقلَّ من الأقسام الأربعة، بالنسبة إلى مجموع المصادر... كما أنَّ القسم الثالث، هو الجزء الأقلّ بالنسبة إلى الصحاح الستّة، وسنرى موقفنا من هذه القلَّة فيما يلي من البحث.

الشعبة الثانية: في الأخبار الواردة في مصادر الخاصة، فيما يمتُّ إلى تاريخ ما بعد الظهور بصِلَة.

والاتِّجاه الفكري الذي تتَّخذه هذه الأخبار - عادةً - هو الاتِّجاه الطائفي، فالمهدي (ع) يُناقِش طِبْقاً له، ويُحارب لأجله، ويُقيم الامتحانات المـُعقَّدة للآخرين على أساسه،

١٥

وكأنَّه ليس في العالم من البشر إلاَّ المسلمين بمذاهبهم المختلفة.

نعم، من المنطقي الصحيح، أن يجمع المهدي (ع) المسلمين على الحق الذي يعتقد به، وأن يختبر الناس على أساسه، إلاَّ أنَّ هذا لا يعني بأيِّ حال اقتصار جهوده على المسلمين، بعد الذي سنُبرهن عليه من عالميَّة دعوته من ناحية والعلم الوجداني، بأنَّ غير المسلمين أضعاف المسلمين إلى حين أو الظهور، كيف وإنَّ الأرض كانت وستبقى إلى يومئذ مملوءة ظلماً وجوراً؟!

إذاً، فالجهود المبذولة من قِبَل المهدي (ع)، وأصحابه الخاصة المـُخلصين على سائر العالم، أضعاف الجُهد المبذول على المسلمين، أو قل: تعادلهما على أقلِّ تقدير. أمَّا أن تكون الجهود المبذولة على المسلمين أضعاف جهوده على غيرهم، كما تدلُّ عليه المصادر الخاصة، فهو ممَّا لا يكاد يُفهم.

ولعلَّ فبالإمكان إعطاء المـُبرِّرات الكافية لمثل هذا الاتِّجاه في الأخبار، إلاَّ أنَّها - بأيِّ حال - تبقى مُقتضبة بالنسبة لموقف المهدي (ع) من غير المسلمين.

وأهمُّ تبرير لذلك، هو كون هذه الأخبار - في واقعها - انعكاساً للظروف المـُعاشة في زمن صدورها، ولا نعني بذلك كونها كاذبةً أو مفتعلةً على نسق مُعيَّن؛ فإنَّ لكل خبر حسابه الخاص طِبقاً للمنهج الذي أسلفناه، بل تعني أنَّ ظروف الظلم والمصاعب التي كان يعيشها أصحاب الأئمة (ع) في المجتمع الإسلامي، من الدولتين الأُموية والعبّاسية، كانت تعكس في نفوس القواعد الشعبية الإمامية الاعتقاد بأنَّ الجبهة المـُضطهِدة - بالكسر - لها، تُمثِّل المذاهب الإسلامية الأُخرى، ومن ثَمَّ تكتسب القضية المذهبية في أذهانهم عُمقاً وأصالةً، أكثر من نسبتها العالمية، لو صحَّ التعبير، ويكون هو بحاجة إلى رفع معنويَّاتهم من قِبَل قادتهم الأئمة المعصومين (ع)، من هذه الناحية أكثر من أيِّ ناحية أُخرى، وذلك باستخدام عدَّة طُرق، من أهمِّها: الكشف عن هذا الجانب بعينه من أعمال الإمام المهدي (ع)، والسكوت عن أعماله الأُخرى التي لا تمتُّ إلى حاجة المجتمع بصلة وثيقة، وإن كانت تُمثِّل الجانب الأكبر في دولته.

ومن المـُستطاع القول أيضاً: إنَّ الفجوات التي تُرِكت، لم يكن المجتمع عموماً ليهضمها بوضوح، باعتبارها مُمثِّلة لتصرُّفات المهدي (ع) على المستوى العالمي، وفي عُمق الوعي الذي يُريده، ممَّا لم يكن المجتمع في عصر صدور هذه الأخبار على مستوى استيعابه؛ ومن ثَمَّ كان قانون ( كَلِّم الناس على قدر عقولهم ). مانعاً للمعصومين (ع) عن الإعراب والكشف عن هذا الجانب من دولة المهدي (ع) مهما كان واسعاً.

وعلى أيِّ حال، فهذه الصعوبة التي نحن بصددها، تُعتبر واقعاً لا محيص عنه، وإنَّ

١٦

علاقات المهدي بغير المسلمين، لم تذكرها الأخبار إلاَّ بأقلِّ القليل.

الصعوبة الخامسة: ما يعود إلى نقص الباحث بصفته مُمثِّلاً لمرحلة مُعيَّنة من تطوُّر الفكر الإسلامي.

ويتمُّ إيضاح ذلك بتقديم عدَّة نقاط:

النقطة الأُولى: يُمثِّل مفهوم الفكر الإسلامي مستويين مُستقلَّين:

المستوى الأوّل: الفكر الإسلامي بصفته مجموعة من الحقائق والتشريعات، كما يُعرِّفها الله ورسوله وأولياؤه (عليه وعليهم السلام )... وهو الفكر الإسلامي الأعلى، والأطروحة العادلة الكاملة للحياة.

المستوى الثاني: الفكر الإسلامي الموجود عند علماء المسلمين والمـُفكِّرين الإسلاميين على مَرِّ العصور، وهو في واقعه ناقل للمستوى الأول وحاكٍ عنه ومُنبثق عنه إلى حدٍّ كبير، نتيجة للتبليغات والبيانات التي قيلت من قِبَل المشرِّع الإسلامي المـُقدَّس في الكتاب الكريم والسنَّة الشريفة.

والمقصود الأساسي هو تربية الأُمَّة على فَهْم وامتثال المستوى الأول، عن طريق مُمارستها وتدقيقها للمـُستوى الثاني، بصفته مُمثِّلاً لمستوى الأول، وهي بأجيالها المـُتعقِّبة كفيلة بأن تقوم بذلك تدريجيَّاً، وكما سبق أن عرفنا في التاريخ السابق.

ولا زال الفكر الإسلامي بمستواه الثاني في طريق التطوُّر والتعمُّق والتوسُّع؛ ومن هنا صح أن يُقال: إنَّ كل جيل أو عدَّة أجيال من الأُمَّة الإسلامية يُمثِّل مرحلة للفكر الإسلامي، ولا زال الفكر الإسلامي في طريق الرُّقي، وينبغي الاعتراف بعدم وصوله إلى الكمال، ووجود عدد من البحوث غير المطروقة فيه، كما هو غير خفيٍّ على المـُحقِّقين في هذا الصدد.

النقطة الثانية: إنَّه ينتج من ذلك: أنَّ كل باحث ومُفكِّر، هو بطبيعة تكوينه ابن الفترة التي يُعاصرها والزمن الذي يمرُّ فيه، ويتعذَّر عليه بالمرَّة - مهما أوتي من عبقرية وطول باع - أن يسبق الزمن، فيدَّعي الوصول إلى المـُستوى الأول للفكر الإسلامي، أو أنَّه محتوٍ على وعي وثقافة الأجيال الإسلامية القادمة من المستوى الثاني... تلك الثقافة القائمة على انكشاف ما في سوابقها من الأخطاء، وملء ما فيها من فجوات.

إذاً؛ فكل باحث يحتوي على قصور طبيعي وذاتي في تفكيره الإسلامي، بصفته مُمثِّلاً

١٧

لمرحلة مُعيَّنة من تطوُّر الفكر الإسلامي لا يمكن أن يتعدَّاها، في حين يُمثِّل الإمام المهدي (ع) بما ينشر في عصر ظهوره من ثقافات وأفكار وتشريعات، يُمثِّل المستوى الأول من الفكر الإسلامي، ويصل بالمستوى الثاني إلى صفِّ المستوى الأول تماماً، كما نصَّت على ذلك الأخبار، واعترف به سائر مذاهب الإسلام من أن يُطبِّق الإسلام كما جاء به رسول الله (ص).

ومن هنا تنشأ الصعوبة، من أن يتصدَّى باحث قاصر للتفكير فيما يتعدَّى عصره، وللتوصُّل إلى حقيقة شخص كامل ومجتمع عادل.

النقطة الثالثة: أنَّه بعد الذي عرفناه من فجوات ومصاعب فيما وردنا من الأخبار من تاريخ ما بعد الظهور، سوف نضطرُّ - على ما سنعرضه عن قريب - إلى تذليل هذه المصاعب، عن طريق انتهاج القواعد الإسلامية المعروفة، في عدَّة مجالات: في فَهْمِ النصوص عامة، وفيما هو المقصود من الاستعمالات الرمزية خاصة، في مُحاولة التعرُّف على الاتجاهات العامة التي سيسير عليها الإمام القائد على الصعيدين، الاجتماعي والتشريعي، وفي ترجيح بعض النصوص على بعض، إلى غير ذلك من المسؤوليات في البحث والاستنتاج.

ويبدو من الواضح، بعد هذه النقاط: أنَّ كل باحث إنَّما يملأ هذه الفجوات بمقدار ما لديه من الثقافة الإسلامية، وما وصل إليه تطوُّر الفكر الإسلامي في عصره، ويستحيل في حقِّه أن يصل إلى الواقع الراهن القائم بعد عصر الظهور على عُمقه وشموله، وبخاصة بعد ورود ما سنسمعه في العديد من الأخبار من أنَّ المهدي (ع) يأتي بأمر جديد وكتاب جديد وسلطان جديد.

ولعلَّ من أوضح أمثلة ذلك، كما ذكره ابن عربي ( في الفتوحات المكِّيَّة )(١) عن تاريخ ما بعد الظهور، ممَّا يظنُّ أنَّ المهدي (ع) يقوم به من تصرُّفات، وما يُعيِّنه من وزراء وما يسنُّه من تشريعات، فإنَّه إنَّما كتبه بمستواه من التفكير الإسلامي، ونحن نجده الآن - بعد تعمُّق الفكر الإسلامي - في غاية الغرابة والتعقيد.

وهذه الصعوبة، بما ينفرد بها هذا البحث عن سائر أبحاث التاريخ، وبما فيها ما كتبناه من تاريخ الإمام المهدي (ع) في غيبته الصغرى وغيبته الكبرى، فإنّ تلك الأبحاث

____________________

(١) انظر ج ٣ ص٣٢٧ وما بعدها.

١٨

كانت عرضاً لحوادث مُعاشة سابقة أو مُعاصَرة، مفهومة الأبعاد والجوانب، يمكن للمـُفكِّر الإسلامي الأخذ بزمامها، بخلاف العرض التاريخي لما بعد الظهور، لما عرفناه من قصور الباحث من إدراك العُمق الحقيقي لذلك العصر.

الصعوبة السادسة: أنَّه قد يخطر على الذهن في نقد الأخبار الشارحة لحوادث الفترة التي نؤرِّخها: أنَّها قائمة على المعجزات وخوارق العادات، وهي بطبيعتها بعيدة الحدوث صعبة التصديق؛ ومن ثمََّ يُشكِّل ذلك ضعفاً في هذه الأخبار وصعوبة في فهمها واستيعابها.

إلاَّ أنَّ هذه الصعوبة ممَّا لا يمكن إدراجها في قائمة المصاعب الحقيقية للبحث، تلك المصاعب التي تضطرُّ الباحث إلى التسليم بالأمر الواقع، وإدخال النقص الحقيقي على بحثه، فإنّ هذه الصعوبة ليست كذلك، وإنّما تُعتبر نقطة ضعف في البحث عند اتِّجاه المـُفكِّرين الذين اسقطوا المعجزات عن نظر الاعتبار.

فإنَّ عدداً مُهمَّاً من تلك الأخبار لا تحتوي على الإشارة إلى أيِّ معجزة على الإطلاق، وإنَّما تروي أعمال المهدي (ع)، ومُنجزاته، وعدد أصحابه وغير ذلك؛ ومعه فلا تكون مشمولة هذه الفكرة أساساً.

وأمَّا الأخبار الدالَّة على المعجزات منها، فينبغي فحصها ومُحاسبة كل خبر وكلّ حادثة على حِدة، فما كان منها مُطابقاً لقانون المعجزات الذي برهنَّا عليه في ( تاريخ الغيبة الكبرى )(١) ... أخذنا به، بمعنى أنَّه لم يواجه صعوبة من هذه الناحية، وما كان خارجاً عن حدود هذا القانون، كان مرفوضاً من هذه الناحية، وساقطاً عن الإثبات التاريخي، وقد سبق أن طبَّقنا ذلك بدقَّة في الكتاب المـُشار إليه، ويكون ذلك من القواعد العامة الدالَّة على تكذيبه.

إذاً؛ فهذه الصعوبة، لا تكاد تشكل عَقَبة حقيقية تجاه هذا البحث، وإنَّما المـُهمُّ هو الصعوبات الخمس الأُولى. ولابدَّ من البحث عن إمكان تذليلها والكفكفة من عمق تأثيرها جَهد الإمكان.

الجهة الرابعة: في أُسلوب الخروج عن الصعوبات السابقة، وتذليلها، بمقدار ما هو المـُمكن والمـُتوفَّر.

____________________

(١) ص٣٧.

١٩

وقد أشرنا فيما سبق، إلى أنّ الجواب الحاسم على هذه المشكلات، والقاضي على هذه العقبات - جُملة وتفصيلاً - ممَّا لا يتوفَّر، ولا يمكن توفُّره لأيِّ باحث، ما لم يكن مُعاصراً لعصر الظهور، أو مُتأخِّراً.

ومن ثَمَّ؛ ينبغي الاعتراف بقصور هذا البحث عن الإحاطة بالعُمق الحقيقي لليوم الموعود، والحوادث التفصيلية الواقعة فيه، وإنَّما غاية ما نُحاول أن نُصوِّر الأفكار العامة والأعمال الرئيسيّة المـُتوفّرة فيه، من خلال ما بلغنا من أخبار وما نعرفه من قواعد، وأنَّ خير ما يخرج من تلك المصاعب السابقة هو اتِّخاذ أُسلوبين مُترتِّبين:

الأُسلوب الأول: تذليل المصاعب عن طريق القواعد العامة المؤسَّسة في الكتاب والسنَّة، وذلك بعرض جميع ما وردَنا في مصادر هذا التاريخ، عرضه على ما هو المعروف من فَهْمِ الإسلام لأُمور ووجهة نظره إلى القضايا العامة والخاصة... ذلك الفَهم المـُستنتَج من الكتاب والسنَّة، والمـُستشهَد عليه بآية أو رواية، أو المعروف عن طريق الاستدلال العقلي القطعي.

ونستطيع بهذه القواعد، أن نصل إلى عدَّة نتائج أساسية حاسمة في تذليل تلك المصاعب:

أوَّلاً: مُحاولة فَهْم العبارات الرمزية، بنحو ينسجم مع الفَهم الإسلامي الصحيح؛ باعتبار أنَّ فَهم ظواهرها المباشرة غير مُحتمل أساساً، وإلاَّ كان أساساً لتصورات خاطئة إسلامياً، كما هو المـُبرهَن عليه في البحوث الإسلامية.

وإذ يدور الأمر بين إهمالها وتأويلها، يكون تأويلها إلى المعنى الصحيح أفضل، كيف، ونحن نعلم أنَّ استعمال الرمز على لسان النبي (ص) والأئمة (ع) أمر غير غريب، وخاصة فيما يكون فوق فَهم السامعين المباشرين لهم، كما هو الحال في التعبير عن حوادث تاريخ ما بعد الظهور.

ثانياً: مُحاولة ملء بعض الفجوات الموجودة في هذا التاريخ المنقول، بما نعلم عادة قيام المهدي (ع) به بعد ظهوره، بحسب القواعد العامة... وإن لم يُصرَّح به في الأخبار نتيجةً لظروفها الخاصة.

ولكن تبقى – مع ذلك – فجوات واسعة قد نستطيع ملأها، أو جملة منها، عن طريق الأُسلوب الثاني الآتي. وبدونه ينبغي الاعتراف بالعجز عن الملء، لكنَّنا سنرى أنَّنا نستطيع بالأخبار مع تحكيم هذين الأُسلوبين تغطية المـُهمّ منها.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

شاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ » ».

ورواه البرقيُّ، عن أبيه، عن النَّضر بن سُوَيد، عن القاسم بن سليمان، عن جرَّاح المدائنيّ قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام - وذكر مثله -.

١٢ - وجدت في بعض الكُتُبِ: محمّد بن سِنان، عن المفضّل(١) « قال: قال: مَن قرء « إنّا أنْزَلْناه » عند قبر مؤمن سبع مرّات بعث الله إليه مَلَكاً يعبدالله عند قبره، ويكتب [له و] لِلميّت ثواب ما يعمل ذلك المَلَكَ، فإذا بعثه الله من قبره لم يمرَّ على هَول إلاّ صرفه الله عنه بذلك المَلَك [الموَكّل] حتّى يدخله الله به الجنّة، وتقرء بعد «الحمد » «إنّا أنْزَلْناه » سَبعاً، و «المعَوَّذَتَين »، و «قُلْ هُوَ الله أحَد » و «آية الكُرْسيّ » ثلاثاً ثلاثاً »(٢) .

١٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن اُورَمَةَ، عن النَّضر بن سُويد، عن عاصِم بن حَميد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: سمعته يقول: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا مرَّ بقبور قوم من المؤمنين قال: «السَّلام عَلَيْكُمْ مِنْ دِيارِ قَومٍ مُؤمِنينَ، وَإنّا إنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ » ».

١٤ - و [أبي]، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن أورَمَة، عن عليِّ بن الحكم، عن ابن عجلان « قال: قام أبو جعفرعليه‌السلام على قبر رجلٍ فقال: «اللّهُمَّ صِلْ وَحْدَتَهُ، وَآنِس وَحْشَتَهُ، وَأسْكِنْ إلَيْهِ مِنْ رَحْمَتِكَ ما يسْتَغْني بِهِ عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِواكَ » ».

١٥ - وحدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريُّ، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد أبي عبدالله البرقيِّ، عن الحسن بن عليٍّ الوَشّاء، عن عليِّ بن أبي حمزة « قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام كيف نسلّم على أهل القبور؟ قال: نَعَم؛ تقول: «السَّلامُ

__________________

١ - في بعض النّسخ: « الفضيل » مكان « المفضّل ».

٢ - في بعض النّسخ: « ويقرء مع « إنّا أنزلناه » سورة الحمد والمعوّذتين و « قل هو الله أحد » و « آية الكرسيّ » ثلاث مرّات كلّ سورة، و « إنّا أنزلناه » سبع مرّات ».

٣٤١

عَلى أهْل الدِّيارِ مِنَ المؤمِنينَ وَالمؤمِناتِ، وَالمْسلِمينَ وَالمسْلِماتِ، أنْتُمْ لَنا فَرَطٌ وَإنّا بِكُمْ إنْ شاءَ اللهُ لاحِقُونَ » ».

١٦ - حدّثني أبيرحمه‌الله وعليُّ بن الحسين؛ وغيرهما، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن هارونَ بن الجَهْم، عن المفضّل بن صالِح، عن سعد بن طَريف، عن الأصْبَغ بن نُباتة « قال: مرَّ عليُّ أمير المؤمنينعليه‌السلام على القبور فأخذ في الجادّة، ثمَّ قال عن يمينه:

«السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أهْلَ القُبُورِ مِنْ أهْلِ الْقُصُورِ، أنْتُمْ لَنا فَرَطٌ وَنحنُ لَكُمْ تَبَعٌ، وَإنّا إنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ »؛ ثمَّ التفت عن يساره فقال: «السَّلامُ عَلَيْكَ يا أهْلُ الْقُبُورِ » - إلى آخره - ».

١٧ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن الوليد - عمّن ذكره - عن أحمدَ بن أبي عبدالله البرقيِّ، عن أبيه، عن سَعدانَ بنِ مسلم، عن عليِّ بن أبي حمزةَ، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: يخرج أحدكم إلى القبور فيسلّم ويقول:

«السَّلامُ عَلى أهْل الْقُبُورِ، السَّلامُ عَلى مَنْ كانَ فيها مِنَ المؤمِنينَ وَالمسْلِمينَ، أنْتُم لَنا فَرَطٌ ونحنُ لَكُم تَبَعٌ وَإنّا بِكُمْ لاحِقُونَ، وَإنّا للهِ وَإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ، يا أهْلَ الْقُبُورِ بَعْدَ سُكنى الْقُصُورِ، يا أهْلَ الْقُبُورِ بَعْدَ النِّعْمَةِ والسُّرُورِ، صِرْتُمْ إلى الْقُبُورِ، يا أهْلَ الْقُبُورِ كَيْفَ وَجَدْتُمْ طَعْمَ المَوْتِ؟! ». ثمَّ يقول: «وَيْلٌ لِمَنْ صارَ إلىَ النّارِ »، ثمَّ يُهْرَق دَمعتُه وينصرف ».

١٨ - وعنه بإسناده، عن البرقيِّ قال: حدَّثنا بعض أصحابنا، عن عبّاس بن عامر القَصبانيِّ، عن يقطين قال: أخبرنا رَبيع بن محمّد المسليُّ(١) « قال: كان أبو عبداللهعليه‌السلام إذا دَخل الجَبّانة(٢) تقول: «السَّلامُ عَلى أهْلِ الجنَّةِ ».

__________________

١ - مُسْلِيّة قبيلة من مَذْحج، ومحلّة لهم بالكوفة. ( اللّباب )

٢ - الجَبَانة - بالفتح ثمَّ التّشديد -؛ والجبّان في الأصل الصّحراء، وأهل الكوفة يسمّون المقابر جبّانة كما يسمّيها أهل البصرة المقبرة، وبالكوفة محالّ تسمّى بهذا الاسم وتضاف إلى القبائل. ( المعجم )

٣٤٢

الباب السّادس والمائة

( فضل زيارة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهما السلام بقمّ)

١ - حدَّثني عليُّ بن الحسين بن موسى بن بابويه، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن سعد بن سعد، عن أبي الحسن الرّضاعليه‌السلام « قال: سألته عن زيارة فاطمة بنت موسىعليه‌السلام ، قال: مَن زارها فلَه الجنَّة ».

٢ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وأخي والجماعة، عن أحمدَ بن إدريسَ؛ وغيره، عن العَمْركي بن عليٍّ البُوفكيّ - عمّن ذكره - عن ابن الرِّضاعليهما‌السلام « قال: مَن زار قبر عَمَّتي بقمّ فله الجنَّة ».

الباب السّابع والمائة

( فضل زيارة قبر عبدالعظيم بن عبدالله الحسنيِّ بالرَّيِّ)

١ - حدَّثني عليُّ بن الحسين بن موسى بن بابويه، عن محمّد بن يحيى العطّار - عن بعض أهل الرَّيّ - « قال: دخلت على أبي الحسن العَسكريّعليه‌السلام فقال: أين كنت؟ فقلت: زُرتُ الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام ، فقال: أما إنّك لو زُرْت قبر عبدالعظيم عندكم لكُنتَ كمن زار الحسينعليه‌السلام »(١)

* * * * *

__________________

١ - ورواه الصّاحب ابن عبّاد في ترجمة عبدالعظيم في رسالته المعمولة فيها الموجودة عندنا، وفيه إيعاز إلى خصوصيّة الرّجل ( الرّاويّ ) واختصاصه به، فكأنّه كان ممّن لا يزور عبدالعظيم مع قربه منه، وكان يزهد ويرغب عنه، ولا يعرف مكانته وفضله. ( الأمينيّ رحمه الله ) أقول: ذلك على فرض صحّة قول الرَّاويّ المجهول. وإلاّ لا يقاس بالحسين عليه السلام وزيارته أحدٌ حتّى الأئمّة المعصومين عليهم السلام، ولاُستاذنا الغفّاريّ - أيّده الله - في هذا الخبر بيانٌ راجع ثواب الأعمال المترجم ص ١١٤ طبع مكتبة الصَّدوق.

٣٤٣

الباب الثّامن والمائة

( نَوادر الزِّيارات)

١ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريُّ، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سليمان، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حمّاد البصريّ(١) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال لي: إنَّ عندكم - أو قال: في قُرْبكم - لفضيلة ما اُوتي أحدٌ مثلها، وما أحسبكم تعرفونها كنه معرفتها، ولا تحافظون عليها ولا على القيام بها، وإنَّ لها لأهلاً خاصّة قد سمّوا لها، واُعطوها بلا حول منهم ولا قوّة إلاّ ما كان من صنع اللهِ لهم وسعادة حَباهم [الله] بها ورحمة ورأفة وتقدّم.

قلت: جُعِلت فِداك وما هذا الّذي وصفتَ لنا ولم تُسمّه؟ قال: زيارة جدَّي الحسين [بن عليٍّ]عليهما‌السلام فإنّه غريب بأرض غُرْبَة، يبكيه من زارَه، ويحزنُ له من لم يَزُرْه، ويحرق له مَن لم يشهده ويرحمه مَن نظر إلى قبر ابنه عندَ رِجله في أرض فَلاة، لا حميم قربه ولا قريب، ثمَّ منع الحقّ وتوازَرَ عليه أهل الرِّدَّة حتّى قتلوه وضَيّعوه وعرضوه للسّباع، ومَنعوه شُربَ ماءِ الفُرات الَّذي يشربه الكِلاب، وضيّعوا حَقَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيّته به وبأهل بيته، فأمسى مَجفُوّاً في حفرته، صَريعاً بين قرابته، وشيعته بين أطباق التّراب، قد أوحش قربه في الوحدة والبُعد عن جدِّه، والمنزل الَّذي لا يأتيه إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان وعرَّفه حقّنا.

فقلت له: جُعِلتُ فِداك قد كنتُ آتيه حتّى بليتُ بالسّلطان وفي حفظ أموالهم وأنا عندهم مشهورٌ فتركت للتّقية إتيانه وأنا أعرف ما في إتيانه من الخير،

____________

١ - كذا في النّسخ، ولا يخفى ما في السّند، وهو إمّا أن يكون « البصريّ » مصحّف « الأنصاري »، أو الواسطة سقطت من النّسخ، والثّاني أظهر بالمقام، لأنّه أقلّ ما يكون بينه وبين الصّادق عليه السلام واسطة. وعليّ بن محمّد بن سليمان يروي عن أبي جعفر الثّاني والعسكريّ عليهما السلام.

٣٤٤

فقال: هل تدري ما فضل من أتاه وماله عندنا من جَزيل الخير؟ فقلت: لا، فقال: أمّا الفضل فيباهيه ملائكةُ السّماء، وأمّا ما له عندنا فالتّرحم عليه كلِّ صباح ومساء.

ولقد حدَّثني أبي أنّه لم يَخلُ مكانه منذ قُتِل مِن مُصلٍّ يصلّي عليه من الملائكة، أو مِن الجِنّ، أو مِن الإنس، أو مِن الوَحش، وما مِن شيءٍ إلاّ وهو يغبط زائره ويتمسّح به ويرجو في النَّظر إليه الخير لنظره إلى قبره [عليه‌السلام ]، ثمّ قال: بلغني أنَّ قوماً يأتونه مِن نواحي الكوفة و[اُ] ناساً من غيرهم ونِساء يَنْدُبْنَه، وذلك في النّصف من شعبان، فمن بين قارىء يقرء، وقاصٍّ يقصّ، ونادبٍ يندب، وقائل يقول المراثي.

فقلت: نَعَم جُعِلتُ فِداك قد شَهدتُ بعض ما تصف، فقال: الحمدُ للهِ الّذي جعل في النّاس مَن يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا، وجعل عَدؤنا من يطعن عليهم مِن قرابتنا وغيرهم يَهْذؤنهم(١) ويقبّحون ما يصنعون ».

٢ - وبهذا الإسناد، عن عبدالله الأصمّ، عن عبدالله بن بُكَير الأرجاني(٢) « قال: صَحبت أبا عبداللهعليه‌السلام في طريق مكّة من المدينة فنزلنا منزلاً يقال له: عُسْفان(٣) ثمّ مررنا بجبل أسود عن يسار الطّريق موحشٍ، فقلت له: يا ابن رَسول الله ما أوحش هذا الجبل! ما رأيت في الطّريق مثل هذا، فقال لي: يا ابن بُكَير أتدري أيّ جبل هذا؟ قلت: لا، قال: هذا جبل يقال له: « الكمد » وهو على

__________________

١ - هذأه يَهْذَأه، هذأ العدوّ: أهلكهم، وفلاناً بلسانه، آذاه واسمعهم ما يكره. وفي بعض النّسخ: « يهدرونهم » على بناء يضرب ويكرم، أي يبطلون دمهم.

٢ - في بعض النّسخ: « عبدالله بن بكر »، وفي كتب الرّجال: عبدالله بن بكر الأرّجاني مرتفع القول، ضعيف ( قاله العلاّمة )، وكذا عبدالله بن بكير الأرجانيّ، وبكلى العنوانين موجودٌ، وأمّا المراد بـ « بكير » ولو قلنا بصحّته هو غير بكير بن أعين الشِّيْبانيّ.

٣ - عسفان - بالضّمّ ثمّ السّكون -: قرية على مرحلتين من مكّة على طريق المدينة، وقرية جامعة على ستّة وثلاثين ميلاً من مكّة. ( معجم البلدان )

٣٤٥

وادٍ من أودية جهنّم، وفيه قَتَلَة أبي؛ الحسينعليه‌السلام ، استودعهم، فيه تجري من تحتهم مياه جَهنّم من الغِسلين والصَّديد والحَميم وما يخرج من جبّ الجوّي (١) وما يخرج من الفَلق من آثام (٢) وما يخرج من الخَبال (٣) وما يخرج من جَهنّم ومايخرج من لَظى (٤) ومن الحُطَمَة، وما يخرج من سَقَر وما يخرج من الحميم، وما يخرج من الهاوية، وما يخرج من السّعير، وما مَرَرت بهذا الجبل في سفري فوقفت به إلاّ رأيتهما يستغيثان إلي وإني لأنظر إلى قَتَلَة أبي، وأقول لهما (٥) : إنّما هؤلاء فعلوا ما أسّستما لم ترحمونا إذ ولّيتم وقتلتمونا وحرمتمونا ووثبتم على قتلنا (٦) واستبددتم بالأمر دوننا، فلا رَحِمَ الله مَن يرحمكما، ذوقا وبال ما قدّمتما، وما الله بظلاّم للعبيد، وأشدّهما تضرُّعاً واستكانة الثّاني، فربّما وقفت عليهما ليتسلّى عنّي بعض ما في قلبي، وربّما طويت الجبل الّذي هما فيه وهو جبل الكمد، قال: قلت له: جُعِلتُ فِداك فإذا طويت الجبل فما تسمع؟ قال: أسمع أصواتهما يناديان: عرّج علينا نكلّمك فإنّا نتوب، وأسمع من الجبل صارخاً يصرخ بي: أجبهما وقل لهما: اخسؤوا فيها ولا تكلّمون! قال: قلت له: جُعِلتُ فِداك ومن معهم؟ قال: كلّ فرعون عَتا على الله وحكى الله عنه فِعاله، وكلُّ من علّم العباد الكفر، فقلت: مَن هُم؟ قال: نحو « بولس » الّذي علّم اليهود أنَّ يد الله مغلولَة، ونحو

__________________

١ - أي المتغيّر المنتن. وفي بعض النّسخ: « جبّ الحوى »،

وقال العلاّمة المجلسيّ رحمه الله: لعلّه تصحيف « جبّ الحزن » لما روي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: « تعوّذوا بالله من جبّ الحزن » وهو اسم جبّ في جهنّم.

٢ - وفي رواية شيخنا المفيد رحمه الله: « وما يخرج من آثام » وهو جزاء الإثم وعقوبته، كما في قوله تعالى: «ومن يفعل ذلك يلق أثماً ». والمراد ما يخرج من المجرمين في عقوبتهم من القيح والدَّم. ( العلاّمة الأمينيّ - ره - )

٣ - هي سديد أهل النّار. وفي البحار: « وما يخرج من طينة الخبال ».

٤ - لَظى اسمٌ من أسماء النّار، ولاينصرف للعلمية والتأنيث. ( النهاية ).

٥ - قيل: المراد بهما قابيل وعاقر ناقة صالح.

٦ - في بعض النّسخ: « على حقّنا ».

٣٤٦

« نسطور » الَّذي علّم النّصارى أنَّ عيسى المسيح ابن الله، وقال لهم: هم ثلاثة، ونحو فرعون موسى الَّذي قال: أنا رَبُّكم الأعلى، ونحو نمرود الَّذي قال: قهرتُ أهل الأرض وقتلتُ مَن في السَّماء، وقاتل أمير المؤمنين، وقاتل فاطمة ومحسن، وقاتل الحسن والحسين، فأمّا معاوية وعَمرو (١) فما يطمعان في الخلاص، ومعهم كلُّ من نصب لنا العّداوة، وأعان علينا بلسانه ويده وماله، قلت له: جعلت فداك فأنت تسمع ذا كلّه لا تفزع؟ قال: يا ابن بُكير إنَّ قلوبنا غير قلوب النّاس، إنّا مطيعون مصفّون مصطفون، نرى ما لا يرى النّاس، ونسمع ما لا يسمع النّاس، وأنّ الملائكة تنزل علينا في رِحالنا، وتتقلّب في فُرُشنا، وتشهد طعامنا، وتحضر موتانا، وتأتينا بأخبار ما يحدث قبل أن يكون، وتصلّي معنا، وتدعو لنا وتلقى علينا أجنحتها، وتتقلّب على أجنحتها صبياننا، وتمنع الدَّوابِّ أن تصل إلينا، وتأتينا ممّا في الأرضين مِن كلِّ نباتٍ في زَمانه، وتسقينا مِن ماء كلِّ أرض نجد ذلك في آنيتِنا، وما مِن يوم ولا ساعةٍ ولا وقت صَلاةٍ إلاّ وهي تتهيّأ لها (٢) ، وما مِن لَيلة تأتي علينا إلاّ وأخبار كلّ أرض عِندنا، وما يحدث فيها وأخبار الجنّ وأخبار أهل الهَوى من الملائكة، وما من ملك يموت في الأرض ويقوم غيره إلاّ أتانا خبره، وكيف سيرته في الَّذين قبله، وما مِن أرضٍ مِن سِتَّة أرضين إلى السّابِعة إلاّ ونحن نؤتى بخبرهم، فقلت: جُعلتُ فداك فأين منتهى هذا الجبل؟ قال: إلى الأرض السّابعة(٣) ، وفيها جهنّم على وادٍ من أوديته، عليه حفظة أكثر من نجوم السّماء وقطر المطر وعدد ما في البحار وعدد الثّرى، قد وُكِّل كل ملك منهم بشيء وهو مقيم عليه لا يفارقه، قلت: جُعِلْتُ فِداك إليكم جميعاً يلقون الأخبار؟ قال: لا إنّما يلقى ذلك إلى صاحب الأمر، إنّا لنحمل ما لا يقدر العباد على الحكومة فيه فنحكم فيه فمن

__________________

١ - هو ابن العاص كما في رواية المفيد أو غيره في كتابه « الاختصاص ».

٢ - في رواية غير المؤلّف: « وهي تمنّيها لها ».

٣ - في بعض النّسخ: « السّادسة ».

٣٤٧

لم يقبل حكومتنا جَبَرتْه الملائكة على قولنا وأمرتِ الَّذين يحفظون ناحيته أن يَقْسِروه (١) على قَولنا، وإن كان من الجنّ من أهل الخلاف والكفر أوثَقْتَه وعذّبته حتّى يصير إلى ما حكمنا به، قلت: جُعلتُ فِداك فهل يرى الإمام ما بين المشرق والمغرب؟ فقال: يا ابن بُكَير فكيف يكون حُجّة الله على ما بين قطريها وهو لا يَراهم ولا يحكم فيهم؟! وكيف يكون حجّةً على قوم غيّب لا يقدر عليهم ولا يقدرون عليه؟ وكيف يكون مؤدّياً عن الله وشاهداً على الخلق وهو لا يراهم؟ وكيف يكون حجّةً عليهم وهو محجوب عنهم؟ وقد جعل (٢) بينهم وبينه أن يقوم بأمر رَبّه فيهم، والله يقول: «وَما أرْسَلْناكَ إلاّ كافَّةً لِلنّاسِ (٣) » يعني به مَن على الأرض والحجَّة مِن بعد النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقوم مقام النَّبيِّ مِن بعده وهو الدَّليل على ما تشاجَرَتْ فيه الاُمّة، والأخذ بحقوق النّاس، والقيام بأمر الله، والمنصف لبعضهم مِن بعضٍ، فإذا لم يكن معهم مَن ينفذ قوله وهو يقول: «سَنُريِهمْ آياتِنَا في الآفاق وَفي أنْفُسِهِمْ (٤) »، فأيُّ آية في الآفاق غيرنا أراها الله أهل الآفاق وقال: «ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إلاّ هي أكْبر مِنْ اُخْتِها (٥) »، فأيُّ آية أكبر منّا، والله إنَّ بني هاشم وقريشاً لتعرف ما أعطانا الله ولكنَّ الحسد أهلكهم كما أهلك إبليس، وإنّهم ليأتوننا إذا اضطرّوا وخافوا على أنفسهم فيسألونا فنوضح لهم فيقولون: نشهد أنّكم أهل العلم، ثمَّ يخرجون فيقولون: ما رأينا أضلَّ ممَّنِ اتَّبع هؤلاء ويقبل مقالتهم!

قلت: جُعِلتُ فِداك أخبرني عن الحسينعليه‌السلام لو نُبشَ(٦) كانو يجدون في

__________________

١ - قَسَره على الأمر: قهره وأكرهه عليه.

٢ - في لفظ غير المؤلّف: « قد حيل ».

٣ - سبأ: ٢٨.

٤ - فصّلت: ٥٣، وقال الاُستاذ الغفّاريّ - أيّده الله -: المراد بـ « الآيات » على ما يظهر مِن سياق الكلام الآيات التخويفيّة، يعني القحط والغلاء والنّكبات والأمراض، وضمير « هم » يرجع إلى الكفّار والمشركين، والله يعلم.

٥ - الزّخرف: ٤٨.

٦ - تقدّم هذه الفقرة من قوله: « قلت: جعلت فداك » إلى آخر الخبر في ص ١١٠ تحت رقم ٧.

٣٤٨

قبره شيئاً؟ قال: يا ابن بكير ما أعظم مسائلك! الحسينعليه‌السلام مع أبيه واُمّه وأخيه الحسن في منزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يحبون كما يحبى، ويرزقون كما يرزق، فلو نبش في أيّامه (١) لَوُجِد؛ وأمّا اليوم فهو حَيٌّ عند ربّه يرزق وينظر إلى مُعَسْكره وَينظر إلى العرش متى يؤمر أن يحمله وأنّه لعلى يمين العرش متعلّق ( كذا ) يقول: يا رَبّ أنجزْ لي ما وَعدتَني، وإنّه لينظر إلى زُوَّاره وهو أعرف بهم وبأسماء آبائهم وبدرجاتهم وبمنزلتهم عند الله من أحدكم بولده وما في رَحله وأنّه ليرى مَن يبكيه فيستغفر له رحمةً له، ويسأل أباه الاستغفار له ويقول: لو تعلم أيّها الباكي ما أعدَّ لك لفرحتَ أكثر ممّا جزعتَ، فليستغفر له كلُّ مَن سمع بُكاءَه مِن الملائكة في السَّماء وفي الحائر، وينقلب وما عليه مِن ذنبٍ ».

٣ - حدَّثني محمّد بن يعقوبَ، عن عدَّة من أصحابه، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن زياد بن أبي الحلال(٢) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: ما مِن نَبيٍّ ولا وصيّ نبيِّ يبقى في الأرض بأكثر مِن ثلاثة أيّام ثمَّ ترفع روحُه وعَظْمُه ولَحمُه إلى السّماء، وإنّما تؤتى مواضع آثارهم ويبلّغونهم مِن بعيدٍ السَّلامَ ويسمعونهم في مواضع آثارهم من قريب »(٣) .

__________________

١ - بيّنها الحديث الآتي بعد هذا الحديث.

٢ - في بعض النّسخ: « زياد بن جلاّل » وفي بعضها: « أبي الجلال »، وكلاهما تصحيف. وما في المتن - بالحاء المهملة - معنون في رجال الشّيخ تارةً من أصحاب الباقر واُخرى من أصحاب الصّادق عليه السلام، وهو ثقة.

٣ - قال استاذنا الغفّاريّ - أيّده الله -: هنا شبهة مشهورة، وهي أنّ نوح عليه السلام نقل عظام آدم عليه السلام من الماء، أو سرنديب إلى الغري، وكذا موسى عليه السلام نقل عِظام يوسف عليه السلام من مصر إلى بيت المقدِس، ورأس الحسين عليه السلام نقل من كربلاء إلى الشّام ومن الشّام إلى النّجف أو كربلاء، وأنّ بعض أهل الكتاب كان يأخذ عظم نبيٍّ من الأنبياء: بيده ويستسقى وكان بإذن الله ينزل المطر حتّى أخذ منه ذلك العظم فما نزل بعد ذلك باستسقائه، وقد نطقت الأحاديث بتلك الوقايع. ووجّه بإمكان العود بعد تلك الأيّام، ولا يخفى ما فيه ومنافاته لتتمّة الخبر.

واحتمل الفيض قدس سره في الوافي بأن يكون المراد باللّحم والعظم المرفوعين المثاليّين

٣٤٩

وحدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن يعقوبَ، عن محمّد بن يحيى؛ وغيره، عن أحمدَ بنِ محمّد، عن عليِّ بن الحكم، عن زياد، عن أبي عبداللهعليه‌السلام - مثله(١) .

٤ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله عن محمّد بن يحيى، عن أحمدَ بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيلَ بن بزيع - عن بعض أصحابه - رَفعه إلى أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قلت: نكون بمكّة أو بالمدينة أو بالحائر أو المواضع الّتي يُرجى فيها الفضل فربّما يخرج الرَّجل يتوضّأ فيجيء الآخر فيصير مكانه، قال: مَن سبق إلى موضع فهو أحقّ به يومه وليلته ».

٥ - حدَّثني أبو العبّاس محمّد بن جعفر، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن مَنيع، عن صَفوانَ بن يحيى، عن صَفوانَ بن مِهرانَ الجمّال، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: أهون ما يكسب زائر الحسينعليه‌السلام في كلِّ حسنة ألف ألف حسنةٍ، والسّيّئة واحدة، وأين الواحدة من ألف ألف؟! ثمَّ قال: يا صَفوانُ أبشر فإنَّ ‏لله ملائكةٌ معها قضبان من نور فإذا أراد الحفظة أن تكتب على زائر الحسينعليه‌السلام سيّئة، قالت الملائكة للحفظة: كفّي، فتكفّ، فإذا عمل حسنة قالت لها: اكتبي اُولئك الَّذين يبدُّل الله سيّئاتهم حسنات ».

٦ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن

__________________

منها أعني البرزختين، وذلك لعدم تعلّقهم بهذه الأجساد العنصرية فكأنّهم وَهم بعدُ في جلابيب من أبدانهم قد نفضوها وتجرّدوا عنها فضلاً عمّا بعد وفاتهم، والدّليل على ذلك من الحديث قولهم عليهم السلام: « إنّ الله خلق أرواح شيعتنا ممّا خلق منه أبداننا »، فأبدانهم عليهم السلام ليست إلاّ تلك الأجساد اللّطيفة المثالية، وأمّا العنصريّة فكأنّها أبدان الأبدان - ثمّ أيّد قوله بما تقدّم من إخراج نوح عظام آدم عليهما السلام، وكذا خبر موسى وإخراجه عظام يوسف عليهما السلام، وقال: - فلو لا أنّ الأجسام العنصرية منهم تبقى في الأرض لما كان لاستخراج العظام ونقلها من موضع إلى آخر بعد سنين مديدة معنى، وإنّما يبلّغونهم من بعيد السّلام لأنّهم في الأرض وهم عليهم السلام في السّماء - إلخ. وقيل: لعلّ صدور أمثال هذا الخبر لنوع مصلحة توريةً لقطع أطماع الخوارج وبني أميّة وأضرابهم بالنّبش، والله يعلم.

١ - الخبر مذكور في الكافي والتّهذيب والفقيه وبصائر الدّرجات بتفاوت يسير في اللّفظ.

٣٥٠

عيسى، عن أبي يحيى الواسطيّ، عن أبي الحسن الحَذّاء « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : إنّ إلى جانبكم مقبرة يقال لها: « براثا »(١) يحشر منها عشرون ومائة ألف شهيدٍ كشهداء بدر ».

٧ - وروى عن محمّد بن مَروان قال: حدَّثنا محمّد بن الفضل(٢) « قال: سمعت جعفر بن محمّدعليهما‌السلام يقول: مَن زارَ قبر الحسينعليه‌السلام في شهر رَمضان ومات في الطّريق لم يعرض ولم يحاسب، ويقال له: ادخل الجنّة آمناً ».

٨ - حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن الحسن - رحمهما الله - جميعاً، عن الحسين بن سعيد قال: حدّثنا عليُّ بن السّحت الخّزّاز قال: حدَّثنا حفص المزنيُّ، عن عُمَر بن بياض، عن أبان بن تَغلب « قال: قال لي جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : يا أبان متى عهدك بقبر الحسينعليه‌السلام ؟ قلت: لا والله يا ابن رسول الله؛ ما لي به عهد منذ حين، فقال: سبحان اللهِ العظيم وأنت مِن رُؤساء الشِّيعة تترك زيارة الحسينعليه‌السلام ، لا تزوره؟!! مَن زارَ الحسينعليه‌السلام كتب الله له بكلِّ خُطْوةٍ حسنةً، ومحى عنه بكلِّ خطوة سيّئة، وغفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخّر، يا أبان لقد قُتل الحسينعليه‌السلام فهبط على قبره سبعون ألف ملكٍ شُعْث غُبر يبكون عليه وينوحون عليه إلى يوم القيامة ».

٩ - حدَّثني الحسين بن محمّد بن عامِر، عن المعلّى بن محمّد البَصريّ، عن عليِّ بن أسباط، عن الحسن بن الجَهْم « قال: قلت لأبي الحسن الرِّضاعليه‌السلام : أيّهما أفضل: رَجلٌ يأتي مكّة ولا يأتي المدينة، أو رجل يأتي النَّبيِّ ولا يأتي مكّة(٣) ؟ قال: فقال لي: أيُّ شيء تقولون أنتم؟ فقلت: نحن نقول في الحسينعليه‌السلام ، فكيف في النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! قال: أما لئن قلت ذلك لقد شهد أبو عبداللهعليه‌السلام عيداً بالمدينة فانصرف فدخل على النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله فسلّم عليه، ثمَّ قال لمن حضره: أما لقد فضّلنا

__________________

١ - كذا، و « براثا » من أشرف المساجد في جبّانة تقع بين بغداد والكاظمين.

٢ - كذا في بعض النّسخ، وفي بعضها: « عبيد بن عقيل »، وفي البحار: « محمّد بن الفضيل »، وفي المنقول عن الشّيخ: « عبيد بن الفضل ».

٣ - في البحار: « ولا يبلغ مكّة ».

٣٥١

أهل البلدان كلّهم مكّة فمن دونها لسلامنا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

١٠ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع - عن بعض أصحابه - يرفعه إلى أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قلت: نكون بمكّة أو بالمدينة أو بالحائر أو المواضع الّتي يرجى فيها الفضل، فربّما يخرج الرَّجل ليتوضّأ فيجيء آخر فيصير مكانه، قال: مَن سبق إلى موضع فهو أحقُّ به يومه وليلته ».

١١ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريُّ، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سليمان، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حمّاد البصريّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ(١) ، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: لمّا اُسرِي بالنَّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السّماء قيل له: إنّ الله تبارك وتعالى يختبرك في ثلاث لينظر كيف صَبرُك، قال: أسلم لأمرك يا رَبِّ ولا قوَّة لي على الصَّبر إلاّ بك فما هُنَّ؟ قيل له: أوَّلهنَّ الجوع والأثرة على نفسك وعلى أهلك لأهل الحاجة، قال: قبلت يا رَبِّ ورضيت وسلَّمت ومنك التَّوفيق والصَّبر، وأمّا الثّانية فالتّكذيب والخوف الشَّديد وبذلُكَ مُهْجَتك في محاربة أهل الكفر بمالك ونفسك، والصَّبر على ما يصيبك منهم مِن الأذى ومِن أهل النِّفاق، والألم في الحرب والجراح، قال: قبلتُ يا رَبِّ ورضيت ومنك التَّوفيق والصَّبر، وأما الثالثة فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل، أما أخوك عليٌّ فيلقى مِن أمَّتك الشَّتم والتَّعنيف والتَّوبيخ والحِرمان والجحد والظُّلم وآخر ذلك القتل، فقال: يا ربِّ قبلتُ ورَضيتُ ومنك التَّوفيق والصَّبر، وأمّا ابنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقُّها غَصباً الَّذي تجعله لها وتُضرَب وهي حامل ويدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن ثمَّ يمسّها هوان وذلٌّ، ثمَّ لا تجد مانعاً وتطرح ما في بطنها من الضَّرب وتموت من ذلك الضَّرب، قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، قَبلتُ يا ربِّ وسلّمت ومنك التَّوفيق والصَّبر، ويكون لها مِن أخيك ابنان

__________________

١ - هو بصريّ، قال النّجاشيّ والعلاّمة: هو ضعيف، غال، ليس بشيء.

٣٥٢

يقتل أحدهما غَدْراً ويُسلب ويطعن، تفعل به ذلك اُمَّتك، قلت: يا رَبِّ قبلتُ وسلّمتُ إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ومنك التّوفيق للصّبر.

وأمّا ابنها الآخر فتدعوه اُمَّتك للجِهاد ثمَّ يقتلونه صَبراً، ويقتلون وُلده ومَن معه مِن أهل بيته، ثمَّ يسلُبون حَرمه، فيستعين بي وقد مضى القضاء منّي فيه بالشَّهادة له ولمن معه، ويكون قتله حُجّةً على من بين قطريها، فيبكيه أهل السّماوات وأهل الأرضين جَزَعاً عليه، وتبكيه ملائكة لم يدركوا نصرته، ثمَّ أخرج مِن صلبه ذكراً به أنصرك وأنَّ شبحه عندي تحت العرش(١) يملأ الأرض بالعدل ويطبقها بالقسط، يسير معه الرُّعب، يقتل حتّى يشكّ فيه، قلت: إنّا لله!

فقيل: ارفع رأسك، فنظرت إلى رَجلٍ أحسن النّاس صورةً وأطيبهم ريحاً، والنّور يسطع مِن بين عَينيه ومِن فوقه ومِن تحته، فدعوته فأقبل إليَّ وعليه ثياب النُّور وسيما كلِّ خير حتى قَبَّل بين عَيني، ونظرت إلى الملائكة قد حفّوا به، لا يحصيهم إلاّ الله عزَّوجَلَّ، فقلت: يارَبِّ لمن يغضب هذا ولمن أعددت هؤلاء؟ وقد وعدتَني النَّصر فيهم فأنا انتظره منك؟ وهؤلاء أهلي وأهل بيتي وقد أخبرتَني ممّا يلقون مِن بعدي ولئن شئتَ لأعطيتني النًّصر فيهم على مَن بغى عليهم، وقد سلَّمتُ وقبلتُ ورضيت ومنك التّوفيق والرِّضا والعون على الصَّبر، فقيل لي: أمّا أخوك فجزاؤه عندي جنّة المأوى نُزُلاً بصبره، أفلح حجّته على الخلائق يوم البعث، واُولّيه حَوضَك يسقي منه أولياءَكم ويمنع منه أعداءَكم، وأجعل جهنَّم عليه بَرداً وسلاماً، يدخلها فيُخرج مَن كان في قلبه مثقال ذرَّة مِن المودَّة، وأجعل منزلتكم في درجةٍ واحدةٍ في الجنّة، وأمّا ابنك المخذول المقتول، وابنك المعذور المقتول صبراً، فإنّهما ممّا اُزيّن بهما عرشي، ولهما من الكَرامة سِوى ذلك ممّا لا يخطر على قلب بشر لما أصابهما من البلاء فعليّ فتوكّل، ولكلِّ مَن أتى قبرَه مِن الخلق من الكرامة لأنَّ زوَّاره زوَّارك و

__________________

١ - وفي بعض النّسخ: « ثمّ أخرج من صلبه ذكراً انتصر له به وأنَّ شبحه عندي تحت العرش ».

٣٥٣

زوَّارك زوَّاري، وعليَّ كَرامة زوَّاري (١) وأنا اُعطيه ما سأل وأُجزيه جزاءً يغبطه مَن نظر إلى عظمتي إيّاه، وما أعددت له مِن كرامتي.

وأمّا ابنتك فإنّي أوقفها عند عرشي فيقال لها: إنَّ الله قد حكمكِ في خلقه فمن ظلمكِ وظلم وُلدكِ فاحكمي فيه بما أحببتِ فإنّي اُجيز حكومتِك فيهم، فتشهد العرصة فإذا وقف مَن ظَلَمها أمرتُ به إلى النّار، فيقول الظّالم: واحسرتا! على ما فرَّطْتُ في جنب الله، ويتمنّى الكَرَّة(٢) ، ويعضّ الظّالم على يديه ويقول: يا ليتني اتّخذت مع الرَّسول سَبِيلاً، يا ويلتي ليتني لَم أتّخِذ فلاناً خليلاً، وقال: حتّى إذا جاءَنا قال: يا ليت بَيني وبَيْنَك بُعْدَ المَشرِقين فَبِئس القَرين، ولَنْ يَنفَعَكم اليَومَ إذ ظلَمْتُم أنّكم في العذاب مُشتَرِكون، فيقول الظّالم: أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يَختلِفون، أو الحكم لغيرك، فيقال لهم: ألا لعنة الله على الظّالمين الّذين يَصُدُّون عن سبيل الله ويَبغُونها عِوَجاً وهم بالآخرة كافِرون، وأوَّل من يحكم فيه - حسن بن عليٍّعليه‌السلام في قاتله، ثمَّ في فتفذ فيؤتيان هو وصاحبه فيضربان بسياط مِن نار، لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مَغربها، ولو وضعت على جبال الدُّنيا لذابت حتّى تصير رماداً فيضربان بها، ثمَّ يجثو أمير المؤمنينعليه‌السلام بين يدي الله للخصومة مع فلان في جبّ فيطبق عليهم، لا يراهم أحد ولا يرون أحداً فيقول الّذين كانوا في ولايتهم: ربّنا أرنا اللَّذين أضلاّنا من الجنّ والإنس، نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين، قال الله عزّوجَلَّ: «وَلَن يَنْفَعَكُمُ اليْومَ إذْ ظَلَمْتُمْ أنَّكم في الْعَذابِ مُشْتركُون (٣) » فعند ذلك ينادون بالوَيل والثُّبُور(٤) ، ويأتيان الحوض فيسألان عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ومعهم حفظة فيقولان: اعف عنّا واسقنا وتخلّصنا، فيقال لهم: فلمّا راؤه زلفة سيئت وجوه الّذين كفروا، وقيل: هذا الَّذي كنتم به تدّعون بإمرة المؤمنين، ارجعوا ظماء مظمئين إلى النّار فما شرابكم إلاّ الحميم

__________________

١ - في بعض النّسخ: « زائري ».

٢ - أي الرّجوع.

٣ - الزّخرف: ٣٩.

٤ - الثُّبُور: الهلاك والفساد.

٣٥٤

والغسلين وما تنفعكم شفاعة الشّافعين ».

١٢ - وحدَّثني محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن العبّاس بن معروف، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ، عن جدِّه « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : جُعِلتُ فِداك أيّما أفضل: الحجّ أو الصّدقة؟ قال: هذه مسألة فيها مسألتان، قال: كم المال؟ يكون ما يحمل صاحبَه إلى الحجّ؟ قال: قلت: لا، قال: إذا كان مالاً يحمل إلى الحجّ فالصَّدقة لا تعدل الحجّ، الحجّ أفضل، وإن كانت لا يكون إلاّ القليل فالصَّدقة، قلت: فالجهاد؟ قال: الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض في وقت الجِهاد، وقال: ولا جِهاد إلاّ مع الإمام، قلت: فالزِّيارة؟ قال: زيارة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وزيارة الأوصياء وزيارة حمزة، وبالعِراق زيارة الحسينعليه‌السلام ، قلت: فما لمن زار الحسينعليه‌السلام ؟ قال: يخوض في الرَّحمة، ويستوجب الرِّضا، ويصرف عنه السّوء، ويدرّ عليه الرّزق، وتشيّعه الملائكة، ويلبس نوراً تعرفه به الحفظة، فلا يمرُّ بأحدٍ من الحفظة إلاّ دعا له ».

١٣ - وروى أحمد بن جعفر البلديُّ، عن محمّد بن يزيدَ البكريّ، عن منصور بن نصر المدائني، عن عبدالرَّحمن بن مسلم « قال: دخلت على الكاظمعليه‌السلام فقلت له: أيّما أفضل: زيارة الحسين بن عليٍّ أو أمير المؤمنينعليهما‌السلام ؟ أو الفلان وفلان، وسمّيت الأئمّة واحداً واحداً؟ فقال لي: يا عبدالرَّحمن مَن زار أوَّلنا فقد زارَ آخرنا ومَن زارَ آخرنا فقد زارَ أوَّلنا، ومَن تولّى أوَّلنا فقد تولّى آخرنا، ومَن تولّى آخرنا فقد تولّنا أوَّلنا، ومن قضى حاجةً لأحدٍ من أوليائنا فكأنما قضاها لأجمعنا، يا عبدالرَّحمن أحبّنا وأحبَّ مَن يُحبّنا وأحبَّ فينا، واحبب لنا وتولّنا وتولَّ مَن يتولاّنا، وأبغض مَن يبغضنا، ألا وإنَّ الرَّادّ علينا كالرَّادّ على رسول الله جدِّنا، ومَن رَدَّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد رَدّ على اللهِ، ألا يا عبدالرَّحمن ومَن أبغضنا فقد أبغض محمّداً ومَن أبغض محمّداً فقد أبغض الله، ومن أبغض الله عزَّوجلَّ كان حقّاً على الله أن يصليه النار وماله مِن نصير ».

١٤ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن أحمدَ بنِ الوليد، عن محمّد بن الحسن

٣٥٥

الصَّفّار، عن العبّاس بن معروف، عن عبدالله بن عبدالرّحمن الأصمّ، عن الحسين (١) ، عن الحلبيّ « قال: قال لي أبو عبداللهعليه‌السلام لما قتل الحسينعليه‌السلام سمع أهلنا قائلاً بالمدينة يقول: اليوم نزل البلاء على هذه الاُمّه فلا ترون فرحاً حتّى يقوم قائمكم فيشفي صدوركم ويقتل عدوَّكم، وينال بالوتر أوتاراً، ففزعوا منه وقالوا: إنَّ لهذا القول لحادثاً قد حدث ما لا نعرفه(٢) ، فأتاهم خبر قتل الحسينعليه‌السلام بعد ذلك فحسبوا ذلك، فإذا هي تلك اللَّيلة الَّتي تكلّم فيها المتكلّم، فقلت له: جعلت فداك إلى متى أنتم ونحن في هذا القتل والخوف والشِّدَّة؟ فقال: حتّى مات سبعون فرخاً أخوأب (٣) ويدخل وقت السَّبعين، فإذا دخل وقت السّبعين أقبلت الآيات (٤) تترى كأنّها نظام، فمن أدرك ذلك الوقت قرَّت عينه.

إنّ الحسينعليه‌السلام لمّا قتل أتاهم آتٍ وهم في المُعَسْكر فصرخ فزَبَر، فقال لهم: وكيف لا أصرخ ورَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائم ينظر إلى الأرض مرَّة، وإلى حزبكم مرَّة، وأنا أخاف أن يدعو الله على أهل الأرض فأهلك فيهم، فقال بعضهم لبعض: هذا إنسان مجنون.

فقال التّوَّابون: تاللهِ ما صَنَعنا لأنفسِنا، قتلنا لابن سُمّيّة سيّدَ شبابِ أهل الجنّة، فخرجوا على عبيدالله بن زياد، فكان مِن أمرهم ما كان.

قال: فقلت له: جعلت فداك مَن هذا الصّارخ؟ قال: ما نراه إلاّ جبرئيل، أما إنّه لو أذن له فيهم لصاحَ بهم صَيحةً يخطف به أرواحهم مِن أبدانهم إلى النّار، ولكن أمهل ليزدادوا إثماً ولهم عذابٌ أليمٌ، قلت: جُعلتُ فِداك ما تقول فيمن يترك زِيارته وهو يقدر على ذلك؟ قال: إنّه قد عقّ رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعقّنا واستخفّ بأمرٍ هو له، ومَن زارَه كان الله له مِن وراءِ حوائجه، وكَفاه ما أهمّه

__________________

١ - الظّاهر كونه ابن سعيد الأهوازيّ.

٢ - في البحار: « قد حدث ما لا نعرفه ».

٣ - في بعض النّسخ: « حتى يأتي سبعون فرجاً أجواب » وفي بعضها: « حتى مات سبعين فرحاً أخوأب ».

٤ - في بعض النّسخ: « أقبلت الرّايات ».

٣٥٦

مِن أمر دنياه، وإنّه ليجلب الرِّزق على العبد ويخلف عليه ما أنفق ويغفر له ذنوب خمسين سنة، ويرجع إلى أهله وما عليه ذنبٌ ولا خطيئة إلاّ وقد محيتْ مِن صحيفته، فإن هلك في سفره نزلتِ الملائكة فغسّلنه، وفتح له بابٌ إلى الجنَّة حتّى يدخل عليه روحها حتى ينشر، إن سلّم فتح الباب الّذي ينزل منه رِزقه فيجعل له بكلّ درهم أنفقه عشرة آلاف درهم، وذخر له ذلك، فإذا حشر قيل له: بكلِّ درهم عشرة آلاف درهمٍ، وإنَّ الله تبارك وتعالى قد ذخرها لك عنده ».

الحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

____________

* - الحمد لله تعالى على ما منّ به عليَّ ووفَّقني لتحقيق هذا الكتاب وتصحيحه وتذييله، حمد معترفٍ بلطفه وإحسانه وإنعامه - جلَّ جلاله -، حيث يستر لي اُهبته وأتاح لي فرصته، ووفّقني لإتمامه وإبرازه على هذا النّمط الرّائق والشّكل الفائق، مضبوطة الألفاظ، مفسّرة الغرائب، مترجمة الرّواة، مبلجة الأنوار، دانية القطوف، وكلّ ذلك بمعاضدة الاُستاذ علي أكبر الغفّاري - أبقاه الله تعالى -، وعملت كلَّ ذلك بإرشاده ومشاورته وتأييده، ونسأل الله عزّوجلّ أن يوفّقنا لتحقيق أمثال هذا الأثر، وهو وليّ التّوفيق، والصَّلاة على محمَّدٍ وأهل بيته الطّاهرين، آمين ربّ العالمين.

بهراد الجعفريّ

١٣٧٥ هـ ش

٣٥٧

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679