أبعاد النهضة الحسينية

أبعاد النهضة الحسينية0%

أبعاد النهضة الحسينية مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 181

أبعاد النهضة الحسينية

مؤلف: عباس الذهبي
تصنيف:

الصفحات: 181
المشاهدات: 58946
تحميل: 6621

توضيحات:

أبعاد النهضة الحسينية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 181 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 58946 / تحميل: 6621
الحجم الحجم الحجم

البيتعليهم‌السلام وإذاعة مآثرهم التي حاولت السلطة حجبها عن المسلمين.

ضرورة النهضة

إن انحراف سلطة معاوية عن مسار الإسلام الصحيح، يستدعي النهضة لتصحيح المسار، ولعلّ أبرز مظاهر الانحراف في عهد معاوية يتمثّل بالنقاط التالية:

١ - تحريف مبادئ الاسلام، وايجاد البدع بغية القضاء على الاسلام.

٢ - اشاعة ثقافة الجبر والخنوع والاستسلام.

٣ - نهب بيت المال وانفاقه في الأهواء والمصالح الذاتية.

٤ - افساد الاخلاق واشاعة الشراب والمجون والقمار.

٥ - إحياء العصبية القبلية والقومية، والقيم الجاهلية.

٦ - تعيين العناصر الفاسدة وغير المؤهلة لمجرّد انتمائهم للأمويين.

٧ - التزييف والاعلام الكاذب.

٨ - اعتقال وسجن وقتل الشخصيات الاسلامية البارزة والثورية التي تناصر أهل البيت.

٩ - أخذ البيعة بالإكراه ليزيد من الناس ومن رؤساء القبائل.

ونتيجة لكل ذلك نجد أنّ الحسينعليه‌السلام كان يشعر بضرورة الخروج والثورة على سلطان معاوية والحكم الأموي المنحرف عن خط الإسلام ونواميس الحق والعدل، لولا التزامه وتقيّده بتنفيذ صلح أخيه الحسنعليه‌السلام ، ورعايته للعهد الذي أعطاه أخوه الحسنعليه‌السلام لمعاوية ضمن شروط منها أن لا يخرج عليه لا هو ولا أحد من أهل بيته مادام حيا، وفي نفس الوقت

٨١

كان ينتظر تفاقم النقمة العامة على معاوية وعلى الأمويين بصورة عامة لتكون الثورة أكثر شمولاً وأقرب إلى فرص النجاح، وهكذا كان.

فان نبأ هلاك معاوية كان أعظم بشارة تلقاها العالم الإسلامي بالفرح والسرور، وشعروا بأن كابوسا خانقا قد زال عن صدورهم حتى قال يزيد ابن مسعود مبشرا بموته « إن معاوية مات فأهون به واللّه هالكا ومفقودا، ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم، وتضعضعت أركان الجور »(١) . وقال الحسن البصري: « أربع خصال كنّ في معاوية، لو لم يكن فيه منهنّ إلاّ واحدة لكانت مُوبقة: انتزاؤه على هذه الأمّة بالسفهاء حتى ابتزّها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصّحابة وذو الفضيلة، واستخلافه ابنه بعده سكّيرا خمّيرا، يلبس الحرير ويضرب بالطنابير، وادّعاؤه زيادا، وقد قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الولد للفراش، وللعاهر الحجَرُ، وقتلهُ حُجْرا، ويْلاً له من حُجْر! مرّتين »(٢) .

يتّضح مما تقدم أن الحسينعليه‌السلام قد تريث بالثورة إلى أن هلك معاوية بن أبي سفيان التزاما منه بعهده، واحتراما لموقف أخيه الحسنعليه‌السلام ، ولأسباب ومصالح أخرى أيضا. ولكنه في خلال ذلك كان يصارح الرأي العام بسخطه وامتعاضه واستيائه من الوضع القائم، إتماما للحجة على الناس، وإظهارا للحق، وإيضاحا للواقع، لكي يحيا من حيي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، ولذلك فبمجرّد أن هلك معاوية في أول رجب

__________________

(١) مثير الأحزان: ١٧، لواعج الأشجان: ٤٠، اللهوف: ٢٦.

(٢) تاريخ الطبري ٦: ١٤٠، حوادث سنة احدى وخمسين.

٨٢

سنة ستين للهجرة أعلن الحسينعليه‌السلام ثورته على خلفه يزيد، ودعا العالم الإسلامي لنصرته ومؤازرته على استئصال جرثومة الشر والفساد من جسم الأمة الإسلامية، معلنا للرأي العام الإسلامي دوافع نهضته، قال لهم: «إنّي لم أخرج بطرا ولا أشرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنّما خرجت أطلب الصلاح في أُمة جدي محمد، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، أسير بسيرة جدي وسيرة أبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فاللّه أولى بالحق، وهو أحكم الحاكمين »(١) .

وينبغي الإشارة هنا إلى أنه لما ثار في النهاية على الحكم الأموي متمثلاً في يزيد بن معاوية ونظامه، لم تكن نهضته رعاية لمصلحته وعاطفته، فتاريخه الشخصي وتاريخ أبيه وأخيه يشهد بأن مواقفهم تقوم دائما على رعاية مصالح الإسلام العليا، ومصالح المسلمين من جميع الجهات.

كانعليه‌السلام يرى - مع غيره من قادة الرأي في المسلمين - أن تسنُّم يزيد ابن معاوية ذروة السلطة، إذا نال الشرعية ولو بالسكوت عنه، فإنه يشكل خطرا على الإسلام كدعوة ودين، وكان واضحا منذ البداية أن نظام يزيد لايكتفي من الحسينعليه‌السلام وغيره من قادة الرأي بمجرّد السكوت عنه، لقد كان يريد اعترافا رسميا واضحا بشرعيته، كان يريد منهم البيعة ليزيد.

والحسينعليه‌السلام كما كان يعرف معاوية وأساليبه « كان يعرف أن خليفته الجديد محدود في تفكيره ينساق مع عواطفه وشهواته وتلبية رغباته الى أبعد الحدود بارتكاب المحارم والآثام والتحلل من التقاليد الاسلامية،

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٤: ٨٩.

٨٣

ويندفع مع نزقه فيما يعترضه من الصعاب من غير تقدير لما وراءها من المخاطر، ومن أجل ذلك وقف من بيعته موقف الرافض، واعتبر البيعة ليزيد من أخطر الاحداث على مصير الامة ومقدراتها، ولم يجد بدّا من مقاومتها، وهو يعلم بأن وراء مقاومته الشهادة، وان شهادته ستؤدي دورها الكامل وتصنع الانتفاضة تلو الأخرى حتى النصر، ولم يكن باستطاعة يزيد مواجهتها بالاساليب التي اعتاد أبوه تغطية جرائمه بها، لأنه كما وصفه بعض المؤرّخين من أبعد الناس عن الحذر والحيطة والتروي، صغير العقل متهور، سطحي التفكير، لا يهمّ بشيء إلاّ ركبه. ومن كان بهذه الصفات لابدَّ وأن يواجه الأحداث بالأسلوب الذي يتّفق مع شخصيته، وهو ما حدث في النهاية بالنسبة إليها وإلى غيرها من المشاكل التي واجهته خلال السنين الخمس التي حكم فيها بعد أبيه »(١) .

اشكاليات واهنة

وقد يزعم البعض أن الحسينعليه‌السلام لو استعمل التقية وصافح يزيد لاتقى ببيعته شر أُمية، ونجا من مكرها، وصان حرمته، وحفظ مهجته. لكن ذلك وهم، فان يزيد المتجاهر بالفسوق لا يقاس بمعاوية الداهية المتحفظ، فبيعة مثل الحسينعليه‌السلام لمثل يزيد غير جائزة بظاهر الشريعة، ولذلك تخلّف عن بيعته سعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد اللّه بن عمر، وعبداللّه بن الزبير وغيرهم، فأنكروا على معاوية استخلاف يزيد،

__________________

(١) من وحي الثورة الحسينية / هاشم معروف الحسني: ٢١، دار القلم، بيروت.

٨٤

وامتنعوا عن بيعته حتى فارقوا الحياة، وكان إمامنا الحسينعليه‌السلام أولى بهذا الامتناع والإنكار.

كما أثار البعض اشكالية اُخرى مفادها أن خروجه يمثل شقا لعصا الطاعة، ويُعرّض الوحدة الإسلامية إلى الخطر. وقد بدا واضحا لذوي البصائر أن المحافظة على الوحدة السياسية للمسلمين كانت تعني التفريط بالمحتوى العقيدي والتشريعي للمؤسسة السياسية الإسلامية، لذا قد يغدو التضحية بالوحدة السياسية للمسلمين واجبا في سبيل حفظ الإسلام عقيدة وشريعة ومنهاجا بعد أن غدا الحكم الأموي يشكل خطرا، لا على المسلمين كوحدة سياسية فحسب، بل على الاسلام نفسه(١) .

ويرى إمام الأزهر السابق محمد عبده أنّه: « إذا وجد في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع، وحكومة جائرة تعطّله، وجب على كل مسلم نصر الأولى ومن هذا الباب خروج الإمام الحسين سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على إمام الجور والبغي الذي وليَ أمر المسلمين بالقوَّة والمكر يزيد بن معاوية خذله اللّه وخذل من انتصر له من الكرامية والنواصب »(٢) .

على هذا الصعيد فان البعض أشار على الحسينعليه‌السلام بضرورة الانحناء أمام عاصفة التحول السياسي، فدعا إلى مهادنة وموادعة يزيد، ولكنه آثر الوقوف في خط المواجهة الساخن، لكونه يتبع منهجا في التفكير والسلوك لا يجامل فيه على حساب الحق والقيم. ثم أن يزيد يريد منه الاستسلام

__________________

(١) ثورة الحسين في الوجدان الشعبي: ٣٨.

(٢) حياة الإمام الحسين / القرشي ٢: ٢٧١.

٨٥

الكامل والخضوع الأعمى، وعليه فالفجوة القائمة بينهما واسعة لا يمكن رتقها، لقد « قدر بأن بيعته ليزيد تتناقض تماما مع الشرع ومع الحقيقة ومع معتقداته وخط الكمال الإسلامي الذي يمثله، وأن بيعته ليزيد ستكون بمثابة اعتراف بشرعية خلافة غير شرعية، وفتوى ضمنية بأهلية يزيد للخلافة، وهو الرجل الذي يجاهر بفسقه ومجونه وحتى بكفره »(١) .

ونتيجة لكل ذلك اتخذ الإمام قراره النهائي بالامتناع عن بيعة يزيد، وأعلن هذا القرار بكل وسائل الإعلان المعروفة في زمانه، وهذا القرار لم يكن اعتباطيا، وإنما بني على قناعات دينية يقينية، وحقائق تاريخية وعقلية وفطرية معلومة بالضرورة رأى أن مبايعته ليزيد بن معاوية جريمة كبرى وبكل المعايير الدينية والتاريخية والمنطقية، لذلك امتنع عن البيعة، وأعلن هذا الامتناع بكل وسائل الإعلان. الامتناع عن البيعة في عرف الخلفاء وأركان دولتهم، يعتبر خروجا على طاعة الخليفة الغالب، وعدم القبول بخلافته.

ويدلنا على مدى احتقار الحسينعليه‌السلام ليزيد وسقوط الأخير عن أدنى مستويات الانسانية، قولهعليه‌السلام لمروان بن الحكم لما أشار عليه بالبيعة ليزيد، فقال: « إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام، إذ قد بُليت الأمّة براعٍ مثل يزيد »(٢) .

__________________

(١) كربلاء - الثورة والمأساة / المحامي أحمد حسين يعقوب: ٦٧، مركز الغدير، بيروت، ط ١ - ١٤١٨ه.

(٢) اللهوف: ١٨.

٨٦

الفتح المبين

ولكن هل حقّق الحسينعليه‌السلام هدفه المطلوب بتلك التضحية الفريدة؟

المراد من هدف الإمام الحسينعليه‌السلام هي الغاية التي كان يبتغي بلوغها أو تحقيقها، والتي بادر بثورته تلك من أجلها واستشهد في سبيلها. وتتلخص في ما يلي:

١ - إحياء الإسلام.

٢ - توعية المسلمين وكشف ماهيّة الأمويين.

٣ - إحياء السنّة النبوية والسيرة العلويّة.

٤ - اصلاح المجتمع واستنهاض الأمة. وفي هذا الصدد قال: «إنّما خرجت لطلب الاصلاح في اُمّة جدّي، اُريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب »(١) .

٥ - انهاء استبداد بني اُميّة على المسلمين.

٦ - تحرير إرادة الاُمة من حكم القهر والتسلّط. وفي هذا الصدد يقول السيد الشهرستاني: « ولم تزل ولن تزال في الامم نهضات أئمة هدى تجاه أئمة جور. ونهضة الحسين من بين النهضات قد استحقّت من النفوس إعجابا أكثر، لا لمجرد ما فيها من مظاهر الفضائل وإقدام معارضيه على الرذائل، بل لأن الحسينعليه‌السلام في إنكاره على يزيد كان يمثل شعور شعب حي ويجهر بما تضمره أُمة مكتوفة اليد، مكمومة الفم، مرهقة بتأثير اُمراء

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٤: ٨٩.

٨٧

ظالمين، فقام الحسينعليه‌السلام مقامهم في اثبات مراميهم، وفدى بكل غال ورخيص لديه باذلاً في سبيل تحقيق أُمنيته وأُمته من الجهود ما لا يطيقه غيره، فكانت نهضته المظهر الأتمّ للحق »(١) .

٧ - اقامة الحقّ وتقوية أهله، فقد خطب بأنصاره في كربلاء قائلاً: «ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقّا، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً »(٢) .

٨ - توفير القسط والعدالة الاجتماعية وتطبيق حكم الشريعة.

٩ - إزالة البدع والانحرافات. فقد كتب إلى وجوه أهل البصرة، قائلاً: «أنا أدعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنَّ السنّة قد أُميتت، وإنّ البدعة قد أُحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد »(٣) .

وقد حقق الحسينعليه‌السلام أهدافه على الرغم من استشهاده، فقد بقي الإسلام محفوظا ومصانا من العبث والزوال، وبقيت الأمة الإسلامية محتفظة وملتزمة بالإسلام عقيدة وعملاً، وان كان ذلك على الصعيد الفردي والشخصي. « لقد انتصر الحسينعليه‌السلام باستشهاده انتصاراً لم يسجل التاريخ انتصارا أوسع منه، ولا فتحا كان أرضى للّه منه، كان واثقا من هذا

__________________

(١) نهضة الحسين / هبة الدّين الشهرستاني: ١٠، منشورات الرضي - ١٣٦٣ ه. ش.

(٢) اللهوف: ٤٨.

(٣) تاريخ الطبري ٦: ١٨٦، حوادث سنة إحدى وستين.

٨٨

الانتصار ومن هذا الفتح، كما كان واثقا من هزيمته عسكريا، كما يبدو ذلك من كتابه الذي كتبه إلى الهاشميين وهو في طريقه إلى العراق، فقد قال فيه: «أما بعد فانه من لحق بي منكم استشهد معي، ومن تخلف لم يبلغ الفتح »(١) . فالفتح الذي يعنيه من كتابه إلى الهاشميين، هو ما أحدثته ثورته من النقمة العامة على الأمويين، وما رافقها من الانتفاضات التي أطاحت بدولتهم »(٢) .

والذي يثير العجب ويبعث على الاستغراب أن الخصم المتمثل بيزيد وأزلامه يطلقون مصطلح (الفتح) على جريمتهم الكبرى التي اقترفوها بقتل الحسينعليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه! فعندما تمّت مذبحة كربلاء أقبل زحر بن قيس حتى دخل على يزيد بن معاوية، فقال له يزيد الذي كان يترقّب أنباء مذبحة كربلاء بلهفة: ويلك ما وراءك وما عندك؟ قال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح اللّه ونصره، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا أو ينزلوا على حكم الأمير عُبيداللّه بن زياد أو القتال، فاختاروا القتال على الاستسلام، فغدونا عليهم مع شروق الشمس، فأحطنا بهم من كل ناحية حتى أتينا على آخرهم(٣) . فزحر هذا يُسمّي قتل آل محمد وأهل بيت النبوة وذوي قربى النبي نصر اللّه والفتح!!

__________________

(١) اللهوف: ٤١.

(٢) من وحي الثورة الحسينية / هاشم معروف الحسني: ٤٥، دار القلم، بيروت.

(٣) الارشاد ٢: ١١٨.

٨٩

فمن ردود الفعل الّتي أحدثتها الثورة، ما روي أنّ زيد بن أرقم صاحب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا رأى ابن زياد في قصر الإمارة أخذ يضرب بالقضيب ثنايا أبي عبداللّه الحسينعليه‌السلام قال له: « ارفع قضيبك عن هاتين الشّفتين، فواللّه الّذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليهما ما لا أحصيه كثرة تُقبِّلُهما، ثمّ انتحب باكيا. فقال له ابن زياد: أبكى اللّه عينيك، أتبكي لفتح اللّه؟ واللّه لولا أنّك شيخٌ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك »(١) . وهكذا يرتدي أزلام بني أمية رداء الإسلام ويتبجّحون بمصطلحاته.

ومن الفتوحات السياسية الأخرى التي أفرزتها واقعة الطف، هي عزل الحكام عن المجتمع؛ إذ صار الناس ينظرون إليهم كحكام استبداديين وسلاطين جور، يحكمون بالقهر والقوة، ولا يمت سلوكهم إلى الإسلام بصلة مطلقا، ولا يمثلون من الإسلام قليلاً ولا كثيرا. هذا بالاضافة إلى أن الحسينعليه‌السلام قد بذر بتضحيته المباركة بذور الثورة ضد أولئك الحكام وأمثالهم في نفوس الأمة الإسلامية، ونمت تلك البذرة بسرعة وأثمرت ثورات تحررية وانتفاضات شعبية عديدة في العالم الإسلامي عبر التاريخ وحتى اليوم.

يقول أحمد محمود صبحي: « وإن كان الحسين بن عليعليه‌السلام قد هزم على الصعيد السياسي والعسكري، إلاّ أنّ التاريخ لم يشهد قط هزيمة انتهت لصالح المهزومين مثل دم الحسين. فدم الحسين تبعته ثورة ابن الزبير،

__________________

(١) الإرشاد ٢: ١١٤ - ١١٥.

٩٠

وخروج المختار، وغير ذلك من الثورات الاُخرى إلى أن سقطت الدولة الاُموية، وتحوّل صوت المطالبة بدم الحسين إلى نداء هزّ تلك العروش والحكومات »(١) .

وصار الحسينعليه‌السلام شعار كل ثورة إصلاحية ورمز كل حركة ترفض الخضوع للظلم والاستعباد والاضطهاد. يقول المستشرق الألماني ( ماربين ): « قدّم الحسين للعالم درسا في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال اثبات مظلوميته وأحقيّته، وأدخل الاسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما. لقد أثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر أن الظلم والجور لا دوام له. وانّ صرح الظلم مهما بدا راسخا وهائلاً في الظاهر إلاّ انّه لا يعدو أن يكون أمام الحقّ والحقيقة إلاّ كريشة في مهب الريح »(٢) .

وأثبت الحسينعليه‌السلام بثورته المباركة أن لا حرمة ولا قدسية للحكام والأمراء إلاّ مع التزامهم الدقيق بالإسلام كعقيدة ونظام.

وعليه لم يكن هذا البذل والعطاء من قبل الحسينعليه‌السلام خالياً من الهدف، بل تحقق الهدف، وإن لم يتمكّن الحسينعليه‌السلام من الوصول إلى السلطة، فضلاً عن أنه لم يبقَ على قيد الحياة، فهي ثورة ناجحة ومنتصرة، بل هي فتح إلهي، كما عبّر عنها زعيمها حينما قال: «ومن تخلّف عنّي لم

__________________

(١) موسوعة عاشوراء / جواد محدثي: ٢٩٣.

(٢) موسوعة عاشوراء / جواد محدثي: ٢٩٢.

٩١

يبلغ الفتح »(١) .

وهنا نريد أن نؤكد على « أن الهدف هو إحداث هزّة عنيفة في نفوس الناس، وقد تحقق هذا الهدف؛ لأن الأمة في زمنه كانت قد تخلصت وشفيت من مرض الشك والارتياب بعد انكشاف واقع الامويين وافتضاح حكومة معاوية، وشعور الأُمة بأن تجربة معاوية في الحكم ما هي إلاّ امتداد للجاهلية، رغم ما يرفعه من شعارات الإسلام، وغدت تجربة الإمام عليعليه‌السلام في الحكم أملاً وحلما في نظر الجماهير، وأخذت تدرك وتعي بأن الإمام عليعليه‌السلام كان يحارب في زمن معاوية بن أبي سفيان جاهلية الأصنام والأوثان، ولم يحاربه لأجل صراع قبلي أو لغرض شخصي. فالأمة قد شفيت من مرض الشك، ولكنها منيت بمرض آخر وهو مرض فقدان الارادة، فأصبحت لا تملك إرادتها في الرفض والاحتجاج، بل أصبحت يدها ولسانها ملكا لشهواتها، وقد فقدت إرادة التغيير لأوضاعها الفاسدة، كانت قلوبهم مع الإمام ولكن سيوفهم عليه كما قال، الشاعر الفرزدق »(٢) .

وجد الحسينعليه‌السلام أن الأمة تحتاج إلى صهر قوي لتتخلص من الشوائب، كما أراد لها أن تستيقظ من سباتها، لكي تدرك عظم التحديات التي تنوء تحت ثقلها، وبعد شهادتهعليه‌السلام أسقط القناعات الفارغة التي تنظر

__________________

(١) اللهوف: ٤١.

(٢) دور أئمة أهل البيت في الحياة السياسية / عادل الأديب: ٢٠٠، دار التعارف، بيروت، ١٤٠٨هـ.

٩٢

للحاكم - وإن بغى وظلم - نظرة التقديس.

وعموما أحدثت ثورة الحسينعليه‌السلام هزّةً عميقة في نفوس وقناعات قطاعات واسعة من الناس، فمن جهة موقف شيعة أهل البيت، فقد استقبلوا النهاية الفاجعة بالحزن، والندم، والغضب. قال ابن سعد: أخبرنا علي بن محمد، عن حباب بن موسى، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن حسين، قال: «حُملنا من الكوفة إلى يزيد بن معاوية فغصّت طرق الكوفة بالناس يبكون، فذهب عامة الليل ما يقدرون أن يجوزوا بنا لكثرة الناس، فقلت: هؤلاء الذين قتلونا وهم الآن يبكون »(١) .

حزنوا بسبب فظاعة ما حدث بكربلاء، وندموا لأنهم قصَّروا في النصرة والمساندة، وغضبوا على النظام الأموي لأنه ارتكب الجريمة البشعة. وقد تفاعل الندم مع الحزن فولَّد عندهم مزيدا من الغضب، وولَّد عندهم رغبةً حارةً في التكفير عبَّروا عنها بمواقفهم من النظام ورجاله شعرا، وخُطبا، وثورات استمرت أجيالاً، وجعلت من شعار (يالثارات الحسين) شعارا لكل الثائرين على الأمويين.

ومن الشواهد على تلك الهزة التي أحدثتها هذه النهضة في كيان الأمة، أنه لما لقي عبيد اللّه بن الحر الجعفي الحسينعليه‌السلام فدعاه إلى نصرته والقتال معه فأبى قال الحسينعليه‌السلام : «فإذا أبيت أن تفعل فلا تسمع الصيحة علينا،

__________________

(١) انظر: سلسلة ذخائر (تراثنا) (١)، ترجمة الإمام الحسين ومقتله من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد، تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي: ٨٩، مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام لاحياء التراث.

٩٣

فواللّه لا يسمعها أحد ثم لا ينصرنا فيرى بعدها خيرا أبدا ». قال عبيد اللّه: فواللّه لهبت كلمته تلك، فخرجت هاربا من عبيد اللّه بن زياد مخافة أن يوجّهني إليه، فلم أزل في الخوف حتى انقضى الأمر. فندم عبيد اللّه على تركه نصرة الحسينعليه‌السلام ، فقال(١) :

فيا لك حسرة ما دمت حيا

تردد بين حلقي والتراقي

حسينا حين يطلب بذل نصري

على أهل العداوة والشقاق

ولو أنّي اُواسيه بنفسي

لنلت كرامة يوم التلاقِ

مع ابن المصطفى نفسي فداه

فولى ثم ودع بالفراق

غداة يقول لي بالقصر قولاً

أتتركنا وتزمع بانطلاق

فلو فلق التلهّف قلب حي

لهم اليوم قلبي بانفلاق

فقد فاز الاُولى نصروا حسينا

وخاب الآخرون اُولو النفاق

ولم يكتفِ عبيد اللّه بن الحرّ بالندم وحده، بل سعى هو وغيره ممّن تخلفّ عن الحسينعليه‌السلام إلى بلورة حالة الندم إلى الانتقام، فلما قتل الحسينعليه‌السلام ندم عبيداللّه بن الحرّ والمسيّب بن نجبة الفزاري وجميع من خذل الحسينعليه‌السلام ولم يقاتل معه، فقالوا: ما المخرج والتوبة ممّا صنعنا؟ فخرجوا فأتوا عين الوردة وهي بناحية قرقيسيا، فلقيهم جمع أهل الشام وهم عشرون ألفا عليهم الحصين بن نمير، فقاتلوهم، فترجّل سليمان بن صرد

__________________

(١) انظر: سلسلة ذخائر «تراثنا» (١)، مصدر سابق: ص ٩٣، وتاريخ الطبري ٦: ٢١٧، حوادث سنة إحدى وستّين.

٩٤

وقاتل حتى قُتِل وقُتِل عامة أصحابه ورجع من بقي منهم إلى الكوفة(١) .

وأما موقف عامة المسلمين غير الملتزمين بالخط السياسي للشيعة وأئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، فقد واجه هؤلاء الكارثة بالدهشة والاستنكار، وقد هالهم ما كشفت عنه عملية قمع الثورة من أسلوب معاملة الأمويين لخصومهم السياسيين، هذا الأسلوب الذي لايحترم شريعةً ولا أخلاقا، ولا يقيم وزنا حتى للأعراف الاجتماعية، حتى ان البعض من الناس أخذ يقابل قاتل الحسين بالازدراء والاحتقار، ولم يردعليه‌السلام ، قال ابن سعد: « أخبرنا مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي، قال: حدّثني عبد الرحمن بن حميد الرواسي، قال: مرّ عمر بن سعد - يعني ابن أبي وقاص - بمجلس بني نهد حين قتل الحسين، فسلّم عليهم فلم يردّواعليه‌السلام »(٢) .

وقد وجدوا اللّوم والتقريع والتوبيخ على فعلتهم الشنيعة هذه حتى من أقرب المقربين منهم، قال ابن سعد: « أخبرنا أحمد بن عبد اللّه بن يونس، قال: حدّثنا شريك، عن مغيرة، قال: قالت مرجانة لابنها عبيد اللّه بن زياد: ياخبيث، قتلت ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم؟! لا ترى الجنة أبدا »(٣) .

ولا شك في أن هذا الاكتشاف لهول الجريمة اليزيدية، قد دفع بكثير

__________________

(١) انظر: سلسلة (تراثنا) (١): ٩٢.

(٢) سلسلة (تراثنا) (١): ٨٨.

(٣) سلسلة (تراثنا) (١): ٨٨.

٩٥

من الناس العاديين إلى إعادة النظر في مواقفهم من النظام الأموي وولائهم له.

وحتى أولئك الذين استقبلوا العزم على الثورة بفتور، وقدّموا نصائحهم بالكفِّ عنها، لم يستطيعوا أن يثبتوا على موقفهم الأول السلبي بالنسبة إلى الثورة، فاضطروا إلى مجاراة الرأي العام في الدهشة والاستنكار، فقد كان زيد بن أرقم أحد الحاضرين في مجلس عبيد اللّه بن زياد في الكوفة لما أدخلت عليه السبايا ورؤوس الشهداء، فبكى لما رأى ابن زياد يضرب بقضيب في يده ثنايا الإمام الحسينعليه‌السلام ، ولما زجره ابن زياد لبكائه وهدَّده، قال: « أنتم - يا معشر العرب - العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة، وأمَّرتم ابن مرجانة، فهو يقتل خياركم، ويستعبد أشراركم، فرضيتم بالذلّ، فبعدا لمن رضي بالذُّل »(١) .

تجدر الإشارة الى أن قتل الحسينعليه‌السلام وأهله وأصحابه بهذه الطريقة الوحشية قد أثار استنكار بعض رجالات أهل الأديان الأخرى، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن، قال: « لقيني رأس الجالوت فقال: واللّه إنّ بيني وبين داود لسبعين أبا، وإن اليهود لتلقاني فتعظّمني، وأنتم ليس بينكم وبين نبيكم إلاّ أب واحد فقتلتم ولده!! »(٢) .

ثمّ « إنّ الثورة ولَّدت أخطارا كبرى على النظام الأموي ما كانت في الحسبان، وذلك بعد ان تفجَّر الموقف كلّه، واندفع شيعة أهل البيت إلى

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦: ٢٤٨، حوادث سنة إحدى وستين.

(٢) سلسلة (تراثنا) (١)، المصدر السابق: ٨٧ - ٨٨.

٩٦

التصلُّب في مواقفهم بعد أن كانوا طيلة عهد معاوية أميل إلى المهادنة والتسامح، كما أحدثت تصفية الثورة - بالطريقة الدموية الفضيعة التي حدثت وتسامع بها المسلمون - تغييرا كبيرا في مواقف جماعات كبيرة من المسلمين بالنسبة إلى الأمويين ودولتهم، ونقدِّر أن هذا التغيّر جعل هذه الجماعات مؤهَّلة لاتخاذ مواقف سلبية عملية ضدّ النظام الأموي بعد أن تغير موقفها منه »(١) .

صفوة القول حققت ملحمة عاشوراء جملة من النتائج القيمة، يمكن حصرها بالنقاط التالية:

١ - إنهاء الهيمنة الفكرية لبني اُميّة على أذهان الناس.

٢ - شعور المجتمع بالذنب والتقصير لعدم مناصرة الحقّ وأداء التكليف.

٣ - هدم مشاعر الخوف والهلع من النهوض ومقارعة الظلم.

٤ - إيقاظ روح المقاومة لدى الناس، فقد أوجدت نهجا تحرريا ظل على مدى التاريخ يؤرق عيون الجبابرة والمتكبرين ويقضّ مضاجعهم، وقدم الحسينعليه‌السلام درسا في الحريّة والمروءة حتّى لغير المسلمين.

يقول نيكلسون، المستشرق المعروف: « كان بنو اُميّة طغاة مستبدين، تجاهلوا أحكام الاسلام واستهانوا بالمسلمين، ولو درسنا التاريخ لوجدنا أن الدين قام ضد الطغيان والتسلّط، وأن الدولة الدينية قد واجهت النظم الامبراطورية. وعلى هذا فالتاريخ يقضي بالانصاف في أن دم الحسينعليه‌السلام في

__________________

(١) انظر: ثورة الحسين في الوجدان الشعبي: ٢٤.

٩٧

رقبة بني اُميّة »(١) .

٥ - ظهور مفاهيم جديدة مستمدة من عاشوراء.

٦ - قيام ثورات عديدة وانتفاضات مستلهمة من ملحمة كربلاء.

٧ - ازدهار الطاقات الأدبية وظهور أدب عاشوراء.

٨ - انتشار منابر الوعظ والإرشاد كأداة لتوعية الناس.

٩ - بعثت ثورة الحسين من جديد جميع القيم والمفاهيم الدينية التي طمست وطواها النسيان بفعل المؤامرات والخطط المدروسة التي وضعها بنو اُميّة. واعيد إلى الواجهة رأي الدين في الحكومة والحاكم وبيت المال وحقوق الاُمّة. وسرت في بناء الايمان والعقيدة روح جديدة، وكشف النقاب عن التحريف، وغدت النفوس الذليلة عزيزة وقادرة على الوقوف بوجه الطاغوت.

١٠ - إحياء رسالة الإسلام وإعادة الروح الإسلامية إلى الجسد الإسلامي، وفي هذا الصدد يقول الكاتب المصري عبد الرحمن الشرقاوي: « فلست أعلم حقا أصرح ولا عدلاً أوضح من قومة الإمام الحسينعليه‌السلام ومن ثورته ونهضته. لقد كانت قومته لإحياء رسالة الإسلام، بعد أن كادت تقضي على يد أعدائها ومناوئيها، ولبعث الروح الإسلامية وهي تكاد تقترب من الاحتضار. وكانت ثورته لإعادة الحقّ الضائع إلى أهله المضَيَّعين، وإنصاف المظلوم من الظالم، ورعاية حقوق الضعفاء من جور المستكبرين. وكانت نهضته لإعلاء كلمة الحق ورفع راية الحقيقة، كانت

__________________

(١) موسوعة عاشوراء: ٢٩٤.

٩٨

هذه المعاني كلّها في قيام الإمام الحسين بن علي، بل كان الإسلام كلّه في ثورته، وكان الحقُّ كلّه في نهضته »(١) .

وذهب لياقة علي خان، أول رئيس وزراء باكستاني، أبعد من ذلك، فقد اعتبر شهادة الامام الحسينعليه‌السلام مع ما فيها من الحزن مؤشر ظفر نهائي للروح الاسلامية الحقيقية، لأنها كانت بمثابة التسليم الكامل للارادة الالهية. وأضاف قائلاً: « علينا أن نتعلم منها وجوب عدم الخوف والانحراف عن طريق الحقّ والعدالة مهما كان حجم المشاكل والأخطار »(٢) .

__________________

(١) الحسين، ثائرا. شهيدا / عبد الرحمن الشرقاوي: ١١، الدار العالمية، بيروت، ط ٣ - ١٤١٥ه.

(٢) انظر: موسوعة عاشوراء: ٢٩٢.

٩٩

خامسا: البعد الإعلامي

سخرت قوى الخير الإعلام لنشر المبادئ الحقة، والدعوات الصادقة، وإزالة الكثير من الشبهات العالقة في عقول الناس، وبالمقابل استغلته قوى الشر من أجل نشر مبادئها الهدّامة وتحقيق مآربها الشريرة، فأقامت سياجا هائلاً من التعتيم على مبادئ الحق والعدل، وشنت الحملات التشهيرية على رموزه ووضعتهم - زورا وبهتانا - في قفص الاتهام من أجل أن ينفضّ الناس من حولهم.

والإمام الحسينعليه‌السلام - كما هو معروف - من الذين آمنوا بدور الإعلام الرّسالي الهادف في فضح وتعرية قوى الشر والعدوان ودحض أباطيلهم وكشف دخائل نفوسهم، كما آمن بأنّ كلمة الحق الصادقة لابد وأن تجد لها في أُذن الباطل وقعا، لذلك عمل - بلا كلل أو ملل - على الجهر بدعوته بعد أن رأى أن الحق لا يُعمل به والباطل لا يُتناهى عنه، وبعد عدم اقتناعه بشرعية الحكم وصلاحية القائمين عليه، فأخذ يُلقي حججه المدوّية المجلجلة فيقرع بها آذان أعدائه ويفحم بها ألسنتهم، في وقت كان السكوت فيه من ذهب، لأن الطرف المعادي كان يعتمد منطق القوة والتضليل وقلب الحقائق، مع ذلك سرعان ما ارتدّت سهام اليزيديين إلى نحورهم، وانكشف - للقاصي والداني - كذب إعلامهم، فسخط الرأي

١٠٠