الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)0%

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع) مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 173

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
تصنيف: الصفحات: 173
المشاهدات: 65176
تحميل: 7297

توضيحات:

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 173 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65176 / تحميل: 7297
الحجم الحجم الحجم
الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)

المؤلّف

سماحة آية اللّه العظمى الشيخ

ناصر مكارم الشيرازي

تعريب: عبد الرحيم الحمراني

١

٢

بسم الله الرحمن الرحیم

٣

٤

المقدمة

قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ): ( كانت مريم سيدة نساء زمانها، أَمّا ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ).

* * *

شهدت المرأة معاناةً قاسيةً جمّة على مدى التاريخ، وكانت رقيقةً في جسدها مقارنةً بالرجل، فقد أثر هذا الأمر سلباً على الظَلَمة والطواغيت، الذين سعوا جاهدين على مر العصور لهضم حقها وتجريدها من إنسانيتها، وما أبشع من جرائم ارتكبوها بهذا الشأن، ولا سيما في شبه الجزيرة العربية وإبّان العصر الجاهلي - رغم أنّ الدنيا برمتها كانت آنذاك تسبح في بحر من الجاهلية - حيث كانوا أشد وطأة على المرأة، وأعظم لثلمها شخصيتها، حتى بلغ بهم الأمر أن جعلوها سلعةً تباع وتشترى، لم يورّثوها الرجال ( فهي لا تحمل السلاح وتحمي البيضة )، كما كانوا يعدون ولادة البنت عاراً؛ ولذلك - كما يشير القرآن - كانوا يعمدون لوأدها - بل الأدهى من ذلك أنّهم ولّوا ظهورهم حتى لأبسط القوانين الطبيعية: فصار شاعرهم يقول:

بنونا بنو أبنائنا و بناتنا

بنوهنّ أبناء الرجالِ الأباعدِ

٥

وهذا ما يمثّل الجو الفكري الذي كان سائداً لديهم آنذاك، وهنا كان للإسلام الذي حمل راية القيم الإلهية والإنسانية موقفه الحازم إزاء هذا التفكير الجاهلي المقيت، لتثور ثائرته من أجل استعادة المرأة لشخصيتها المفقودة، فاعتمد أسلوب الوعظ والتوصية والإرشاد إلى جانب تشريع القوانين التي تكفل للمرأة حقوقها، فسح المجال أمامها لتمارس دورها في كافة الميادين، وبالتالي الوقوف بحزم بوجه كل مَن تسوّل له نفسه التمرد على هذه الحقائق.

فقد ورد في الأخبار: أنّ أسماء بنت عميس زوج جعفر بن أبي طالب عادت معه من الحبشة، وانطلقت لزيارة أزواج النبي( صلّى الله عليه وآله ) فكان ممّا سألت: هل جاء شيء من القرآن بحق النساء؟ فأجبنَ بعدم العلم بهذا الأمر! فقصدت رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) وقالت: يا رسول اللّه، هل خُلقت النساء للعذاب؟

( لعلّها كانت مُصيبةً في طرحها مثل هذا السؤال على النبي ( صلّى الله عليه وآله )، فهي حديثة العهد بالوحي والرسالة، وربّما كانت تظن بأنّ المبادئ التي كانت تحكم المجتمع الجاهلي مازالت عالقةً لحد الآن ).

فأجابها رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ): ومِمَ ذاك؟

قالت: لأنّ القرآن لم يقر لها بالفضل الذي أقره للرجال!

كانت تلك الواقعة في العام الهجري الخامس، وقد مرّت ثمانية عشر عاماً على اِنبثاق الدعوة الإسلامية، كما استفاضت الآيات القرآنية، وتواترت الأحاديث النبوية التي تناولت قضية إحياء شخصية المرأة، مع ذلك وبهدف التأكيد فقد صرّحت الآية الخامسة والثلاثون من سورة الأحزاب بهذا الفضل للنساء، وحقيقة تأصّل قيمها الإنسانية، التي تجعلها تشترك وأخيها الرجل في وحدة هذه الحقيقة، وأنّها تتمتع بمكانته

٦

الاجتماعية المرموقة، وهي القيم التي حصرتها الآية الشريفة في عشرة فصول، فقالت:

( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) وهكذا يكون الإسلام قد وضع النقاط على الحروف، وكشف النقاب عن تكافئ المرأة والرجل في سيرهما إلى اللّه، وبلوغ السمو والكمال الإنساني المشهود.

جدير بالذكر أنّ البعض قد أعرب عن دهشته من كيفية منح الإسلام المرأة حق المطالبة بأجور الرضاعة، التي تقدّمها لولدها! فقد قال عزّ من قائل:( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (1) ، فهل هناك من اِمرأة يسعها المطالبة بالأجر من أجل إرضاع فلذة كبدها، ولاسيما إذا كانت تعيش مع زوجها حياةً زوجيةً مشتركة؟

____________________

1 - سورة الطلاق، آية 6.

٧

لكن لا ينبغي أن ننسى هنا بأنّ هذه التعاليم إنّما تستند إلى منطق الإسلام، الذي لا يرى أنّ المرأة هي إنسان ذات حقوق إنسانية، لها الحق في التصرف في أموالها، وليس للرجل الحق في هضمها حقها دون رضاها وطيب خاطرها فحسب، بل أبعد من ذلك فهي تملك حتى حق المطالبة بالرضاعة، ولك - عزيزي القارئ - أن تقف على مدى تأثير هذا الأمر على تلك البيئة!

وزبدة الكلام أنّ المرأة مدينة بالفضل للإسلام، الذي أعاد لها عزتها وكرامتها وحرّرها من مخالب عتاة التاريخ ومَردته، شريطة أن تُطبّق تعاليم هذا الدين الحنيف بحذافيرها.

٨

فاطمة ( عليها السلام ) منذ الولادة حتى رحيل النبي ( صلّى الله عليه وآله )

٩

١٠

الولادة الميمونة لفاطمة ( عليها السلام )

( فاطمة بضعة مني، وهي نور عيني، وثمرة فؤادي، وروحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الإنسية )(1)

كان رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) يعيش أصعب الظروف وأعقدها، في العام الخامس من بعثته النبوية الشريفة، فالإسلام في عزلة خانقة، والمسلمون الأوائل قلائل وتصاعد حدة الضغوط، ناهيك عن أجواء الظلام التي كانت ألقت بظلالها على مكة؛ إِثر الشرك والوثنية، والجهل والحروب القبلية العربية، وسيادة منطق القوة، واستشراء الفقر والحرمان في صفوف الناس.

كان رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) يتطلع إلى الغد، الغد المشرق الكامن وراء هذه السحب السوداء الداكنة، الغد الذي يبدو صعب المنال، وربّما المحال بالالتفات إلى الأسباب والعلل الظاهرية الاعتيادية.

وهنا وقعت حادثة المعراج الكبرى، التي أَذن اللّه فيها لرسوله الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) بالعروج؛ لمشاهدة ملكوت السماء( لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ) (2) فيرى عِظم آيات ربّه بعينه؛ لتتسامى روحه العظيمة، ويتأهب لتلقّي ثقل

____________________

1 - رياحين الشريعة، ج2 ص 21.

2 - رياحين الشريعة، ج2 ص21.

١١

الرسالة المصحوبة بسعة الأمل، فقد روى الفريقان - السنة والشيعة - أنّ رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) وطأ الجنة ليلة المعراج، فناوله جبرئيل ( عليه السلام ) فاكهةً من شجرة طوبى، فلمّا عاد إلى الأرض اِنعقدت نطفة فاطمة من تلك الفاكهة؛ ولذلك جاء في الحديث أنّ رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) قال: ( إنّ فاطمة حوراء إنسية، فكلما اشتقت إلى الجنة جعلت أقبّلها )(1) .

وبذلك فإنّ هذه المولودة المباركة التي تمثّل عصارة ثمار الجنة، ولحم ودم رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله )، وتلك الأُمّ الحنون السيدة خديجة الكبرى ( عليها السلام )، تكون قد وضعت حداً لطعنهم وغمزهم في النبي ( صلّى الله عليه وآله ) كونه أبتر لا عقب له، وعلى ضوء سورة ( الكوثر ) المباركة فإنّ فاطمة ( عليها السلام )، هي العين الصافية التي تدفقت منها ذرية النبي ( صلّى الله عليه وآله ) والأئمة الهداة الميامين عبر القرون حتى يوم القيامة.

للحوراء الإنسية تسعة أسماء يرمز كل منها لصفات ومناقب هذه السيدة الطاهرة المباركة، وهي:

1 - فاطمة

2 - الصدّيقة

3 - الطاهرة

4 - المباركة

5 - الزكية

____________________

1 - نقل هذا الحديث باختلاف طفيف السيوطي في الدر المنثور، والطبري في ذخائر العقبى، وعلي بن إبراهيم في تفسيره. وإن كان المعروف هو أنّ المعراج وقع في السنوات الأخيرة من مكة، إلاّ أنّ الذي يستفاد من الروايات هو حصول المعراج لأكثر من مرة، وعليه فليس هناك من منافاة في ولادة سيدة النساء في السنة الخامسة من البعثة النبوية المباركة.

١٢

6 - الراضية

7 - المرضية

8 - المحدّثة

9 - الزهراء

وكفى باسمها ( فاطمة ) الذي يعني البشارة الكبرى لمواليها ومحبيها، فلفظ ( فاطمة ) قد أُخذ من مادة ( فطم ) بمعنى الانفصال، ومنه فِطام الولد بمعنى فصله عن الرضاعة، فقد ورد في الحديث أنّ رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) قال لأمير المؤمنين علي ( عليه السلام ): ( أَتعلم يا علي لِمَ سُميت اِبنتي فاطمة؟.

قال ( عليه السلام ): لِمَ يا رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله )؟

فقال ( ص ): إنّ اللّه عزّ وجل فطمها ومحبيها من النار فلذلك سُميت فاطمة )(1) .

ويتألق اسم الزهراء من بين أسمائها، وحين سُئل الصادق ( عليه السلام ): لِمَ سُميت فاطمة ( عليه السلام ) بالزهراء؟ قال ( عليه السلام ): ( لأنّ الزهراء كانت زاهرةً كالنور، فإذا وقفت في محرابها للصلاة كانت تزهر لأهل السموات، كما تزهر النجوم لأهل الأرض، ولهذا سُميت بالزهراء ).

كان زواج تلك السيدة - التي كانت تحظى بشخصية مرموقة في مجتمعها - من النبي الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) سبباً لمقاطعتها من قبل نساء مكة، اللاتي قلنّ: إنّها تزوجت من فتىً فقير ويتيم، فحطّت من قدرها وشأنها، وقد استمرت هذه المقاطعة حتى حملت بالزهراء ( عليه السلام )، فلمّا قاربت وضع حملها بعثت خلف نساء قريش؛ ليرافقنها في لحظات الطلق والمخاض العصيبة ولا يتركنها لوحدها، فجوبهت برد باهت قاسي: ( إنّك لم تسمعي مقالتنا فتزوجت من يتيم أبي

____________________

1 - ورد هذا الحديث في أغلب كتب العامة من قبيل ( تاريخ بغداد ) و( الصواعق المحرقة ) و( كنز العمال ) و( ذخائر العقبى ).

١٣

طالب، فليس لنا أن نساعدك! ).

اغتمت خديجة (عليها السلام ) لهذا الرد الباطل، لكن قلبها كان يطفح بنور الأمل، الذي يشعرها بأنّ ربّها لن يتركها وحيدة، وبدأت لحظات الوضع الصعبة مع غربتها ووحدتها في البيت، ولم تكن هناك خادمتها التي يمكنها الوقوف إلى جوارها، أملاً فتفتح عينها لترى أربعاً من النساء فينتابها القلق، فنادتها إحداهنّ قائلةً: لا تبتئسي! فقد بعثنا ربك لنجدتك، نحن أخواتك، فأنا سارة وهذه آسية زوجة فرعون وهي رفيقتك في الجنة، وتلك مريم بنت عمران، أمّا هذه فهي كلثوم ابنة موسى بن عمران، وقد جئنا لنلبّي أمرك، فمكثنَ عندها حتى وضعت فاطمة سيدة النساء(1) ، ولم يكن ذلك بدعاً فقد قال الحق سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا ) (2) إضافةً إلى الملائكة فقد حضرتها أرواح نساء العالم لنجدتها ومعونتها، فسرّ رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) وحمد اللّه وأثنى عليه، وخرست ألسن خصومه ممّن نعتوه بالأبتر؛ حيث بشّره سبحانه بهذه المولودة المباركة( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ) .

____________________

1 - سورة فصلت، آية 30.

2 - سورة فصلت، آية 30.

١٤

سر حب النبي ( صلّى الله عليه وآله ) لفاطمة ( عليها السلام )

( إذا اشتقت إلى الجنة قبّلْتُ نحرَ فاطمة )(1) .

كتب كل المؤرّخين وأرباب الحديث أنّ للرسول ( صلّى الله عليه وآله ) علاقةً عجيبةً بابنته فاطمة (عليها السلام)، بديهي أنّ علاقة النبي الكريم ( صلّى الله عليه وآله ) بفاطمة ( عليها السلام ) لم تكن علاقة الوالد بولده، رغم أنَّ هذه العاطفة مكوّنة في وجود الرسول ( صلّى الله عليه وآله )، إلاّ أنّ حديثه وعبارته عن تلك العلاقة تشير إلى وجود معايير أخرى، ونكتفي هنا بالإشارة إلى بعض الروايات التي صرّحت بها مصادر الفريقين.

1 - ( ما كان أحد من الرجال أحب إلى رسول اللّه من عليٍّ، ولا من النساء أحب إليه من فاطمة )(2) .

الطريف أنّ جمعاً كبيراً من أرباب الحديث قد روى هذا الحديث نقلاً عن عائشة.

2 - عندما نزلت الآية الشريفة:

( لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ) (3) .

لم يخاطب المسلمون الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) باسمه، بل أخذوا ينادونه يا رسول

____________________

1 - الفضائل الخمسة، ج3 ص127.

2 - نُقل مضمون هذا الحديث في العشرات من الأحاديث التي رواها أهل السنّة ( إحقاق الحق )، ج10، ص 167.

3 - سورة النور، آية 63.

١٥

اللّه أو يا أيّها النّبي - تقول فاطمة ( عليها السلام ): ( لمّا نزلت الآية الشريفة هِبت رسول اللّه أن أقول له يا أبة، فكنت أقول: يا رسول اللّه، فأَعرض عني مرةً واثنين أو ثلاثاً، ثمّ أقبل عليَّ فقال: يا فاطمة إنّها لم تنزل فيك ولا في أهلك ولا في نسلك، أنت مني وأنا منك، إنّما نزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش، أصحاب البذخ والكبر - ثمّ أضاف هذه العبارة الروحية العجيبة - قولي يا أبة فإنّها أحيى للقلب وأرضى للرّب )(1) .

لقد كان لصوت فاطمة ( عليها السلام ) الحنون وهي تردّد ( يا أبتاه )، وقعاً مؤثراً في نفس الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) كوقع أمواج النسيم على البراعم المتفتحة.

3 - جاء في حديث آخر

( كان رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) إذا سافر كانت آخر الناس عهداً به فاطمة، وإذا رجع من سفره كانت ( عليها أفضل الصلاة ) أوّل الناس عهداً به )(2) .

4 - نقل كثير من محدثي الشيعة والسنّة حديثاً للرسول ( صلّى الله عليه وآله ) قال فيه:

( مَن آذاها فقد آذاني، ومَن أغضبها فقد أغضبني، مَن سرّها فقد سرّني، ومَن ساءها فقد ساءني )

لا شك أنّ حرمة الزهراء ( صلّى الله عليه وآله ) ورفعتها إنّما تعود؛ لسمو شخصيتها وسمو مكانتها، وإخلاصها وعلو إيمانها وعبوديتها، ولا غرو فهي أمّ الأئمة وزوج أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ).

لكنّ الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) أراد أن يفهم المسلمون حقيقةً أخرى، ويفصح عن رأي الإسلام بشأن أمر آخر، فيخلق ثورة فكرية وثقافية في ذلك الوسط فيقول:

____________________

1 - مناقب ابن شهر آشوب، ج3، ص 320.

2 - الفضائل الخمسة، ج3، ص 132.

١٦

البنت ليست كائناً يجب أن تُوأد.

أنظروا... أنّي أقبّل يد ابنتي، وأجلسها مكاني، وأكنّ لها عظيم احترامي وتقديري.

البنت إنسان كسائر الناس، نعمة من نعم الخالق، وموهبة إلهية.

وإنّها كأخيها الرجل في سيرها نحو الكمال والقرب الإلهي، وهكذا أعاد رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) للمرأة شخصيتها التي تصدّعت في ذلك الوسط المظلم.

١٧

فاطمة أمّ أبيها

قال رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ): ( إنّ أوّل شخص يدخل عليّ الجنة فاطمة بنت محمد )(1) .

كان المسلمون يعيشون مرحلة الإعداد في مكة، في ظل ظروف قاسية للغاية، كانت بداية اِنبثاق الدعوة الإسلامية الفئة الإسلامية قليلةً، بينما كانت العدة والعدد والسطوة والثروة بيد خصوم الدعوة الجفاة، وكان لهم أن يفعلوا ما شاءوا بالمسلمين. فلم يتورعوا عن أذى المسلمين، كما لم يكفوا عن الإساءة إلى النبي ( صلّى الله عليه وآله )، والطعن في شخصه، وقد شهد ذلك العصر بروز شخصيتين على مستوى التضحية والفداء: فكانت ( خديجة ) من بين النساء، التي كانت سكن رسول اللّه( صلّى الله عليه وآله )، تواسيه بحبها وحنانها، فتزيل عن قلبه الهم والغم، أمّا من بين الرجال فكان ( أبو طالب ) والد أمير المؤمنين علي ( عليه السلام )، والّذي كان يتمتع بمكانة مرموقة في المجتمع المكّي، إلى جانب حكمته وحنكته العالية، فكان يقي رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله )، ولا يتوانى في الدفاع عنه، كان درعه وعونه إزاء خصوم الدعوة، وللأسف فقد توفي هذان العظيمان في السنة العاشرة للهجرة،

____________________

1 - أورده ( الكليني ) في ( الكافي )، وطائفة من علماء العامة في مصادرهم من قبيل ( كنز العمال ) و( ميزان الاعتدال )، كما نقله آخرون.

١٨

فحزن رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) حزناً شديداً، وبقي وحده في الساحة، وقد بانت شدة حزنه بهذين الفردين - واللذَينِ كان لكل منهما دوره في انتشار الإسلام - حين سمّى ذلك العام بـ ( عام الأحزان )، ولكن لا يسلب اللّه المصطفين من عباده نعمة الإفاضة عليهم مثلها، فقد خلّف كل منهما ولداً يواصل نهجهما، فكان علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) كأبيه، يقي رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) بنفسه، كان كذلك من انبثاق الدعوة، وهكذا سدّ الفراغ الذي تركه أباه بعد رحيله، بينما خلّفت خديجة ( فاطمة )، فكانت البنت الحنونة الشجاعة والمضحية، التي وقفت إلى جانب أبيها تشد أزره، وتشاركه همه وغمه.

كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في التاسعة عشرة من عمره، بينما لم تكن فاطمة - على ضوء الروايات الصحيحة - قد جاوزت الخامسة من عمرها، الجدير بالذكر أنّهما عاشا معاً في بيت رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله )، يؤنسانه ويخفّفان عنه ألم الوحدة، فقد كانت السنوات الثلاث الأخيرة التي سبقت الهجرة مملوءة بالأذى والمرارة والمعاناة؛ بسبب الجهود المضنية التي كان يبذلها أعداء الدعوة من أجل القضاء على الإسلام والمسلمين، لقد نالت قريش من رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنشر على رأسه التراب، فدخل رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه فاطمة ( عليها السلام ) فجعلت تمسح التراب عن رأسه وهي تبكي، ورسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) يقول لها: ( لا تبكي يا بنية، فإنّ اللّه مانع أباك )(1) .

وروى ابن عبّاس: أنّ قريشاً اجتمعوا في الحِجر، فتعاقدوا باللاّت والعزى ومناة لو رأينا محمداً لقمنا مقام رجل واحد ولنقتلنّه، فدخلت

____________________

1 - سيرة ابن هشام، ج1، ص 416.

١٩

فاطمة ( عليها السلام ) على النبي ( صلّى الله عليه وآله ) باكيةً وحكت له مقالهم، فقال: ( يا بنية، أدني وضوئي، فتوضأ وخرج إلى المسجد، فلمّا رأوه قالوا: هاهو ذا وخفضت رؤوسهم، وسقطت أذقانهم في صدورهم فلم يصل رجل منهم، فأخذ النبي ( صلّى الله عليه وآله ) قبضةً من التراب فحصبهم بها، وقال: شاهت الوجوه، ) فما أصاب رجلاً منهم إلاّ قُتل يوم بدر(1) .

وهذا يدل على أنَّ فاطمة ( عليها السلام ) لم تكن تخدم والدها في البيت فحسب، بل وتفكّر بكيفية الدفاع عنه ونجاته في خارج البيت.

حيث روي أنّها كانت الوحيدة في الدفاع عنه ( عليها السلام ) عندما رمى عليه أبو جهل روث البقر، وهو ( صلّى الله عليه وآله ) يصلي وأصحابه عند الكعبة، فلم يجرؤ أحد على التدخل، لكنّها خرجت وأسمعت أبا جهل ما روّعه عن الاستمرار في السخرية من النبي ( صلّى الله عليه وآله ).

نعم... حتى عند افتقار الجرأة في الشجعان من الرجال في الدفاع عن رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله )، نرى هذه البنت الشجاعة الصغيرة تسارع في الدفاع عن رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ).

بعد أن انقضت فصول معركة أحد، وغادر جيش العدو ساحة الوغى، كان الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) لا يزال في ميدان أحد وقد كُسرت رباعيته وشُجّ جبينه، وبينما هو كذلك إذا أقبلت فاطمة ( عليها السلام )، وهي صغيرة السِن من المدينة إلى أحد سيراً على الأقدام؛ لتقوم بغسل وجهه المبارك وإزالة الدم عن محيّاه الشريفة، لكن الجبين لم يزل ينزف.

عندها قامت بحرق قطعة من الحصير، ثمّ وضعت رماده، على مكان الجرح فانقطع النزيف، والأعجب من ذلك أنّها كانت تهيّئ لأبيها السلاح

____________________

1 - المناقب، ج1 ص 71.

٢٠