تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام) الجزء ٢

تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام)0%

تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام) مؤلف:
المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 103

تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام)

مؤلف: السيد صالِح بن إبراهيم بن صالح الشهرستاني
المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف:

الصفحات: 103
المشاهدات: 14151
تحميل: 5598


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 103 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 14151 / تحميل: 5598
الحجم الحجم الحجم
تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام)

تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام) الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

الى جانب الأقطار الاسلامية المذكورة ».

وجاء في هامش الصفحة نفسها قوله:

« وتقام مجالس العزاء الحسيني إضافة إلى شهري محرم وصفر في شهر رمضان، وذلك في لياليه وفي سائر أيام السنة على سبيل النية والنذر لحاجة من الحاجات قضاها الله، فيقيم صاحبها مجلس عزاء ليوم واحد، أو لثلاثة أيام في الأسبوع، أو عشرة أيام، أو أكثر حسب ما نوى، وتوزع فيها الخيرات للفقراء والمساكين. وكثيراً ما يرافق مجالس العزاء الحسيني إطعام أو خيرات للحاضرين ».

٢ ـ نقلت « موسوعة العتبات المقدسة » قسم كربلاء صفحة «٣٨٠» عن الكاتبة الانجليزية المس « فرياستارك » في كتابها « صور بغدادية » في فصل النجف، عند ذكر قصة مجزرة كربلاء، قولها:

« وهي من القصص القليلة التي لا استطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء » الخ.

٣ ـ جاء في الصفحة «٣٧١» من « موسوعة العتبات المقدسة » قسم كربلاء في فصل: « كربلاء في المراجع الغربية » ما لفظه:

« وقد كتب عن مأساة كربلاء كذلك، ومحرم الحرام بوجه عام، المستر « توماس لايل » الذي اشتغل في العراق معاوناً للحاكم السياسي في الشامية والنجف، في ١٩١٨ ـ ١٩٢١ م ومعاوناً لمدير الطابو في بغداد، وحاكماً في محاكمها المدنية، في كتابه « دخائل العراق » ما يقرب من عشرين صفحة، وهو يقول بعد أن شهد مواكب العزاء ولطم اللاطمين فيها:

« ولم يكن هنالك أي نوع من الوحشية أو الهمجية ولم ينعدم الضبط بين الناس. فشعرت ـ وما زلت أشعر ـ بأنني توصلت في تلك اللحظة الى جميع ما هو حسن وممتلئ بالحيوية في الاسلام، وأيقنت بأن الورع الكامن في أولئك الناس،

٤١

والحماسة المتدفقة منهم بوسعهما أن يهزا العالم هزاً فيما لو وجها توجيهاً صالحاً، وانتهجا السبل القويمة، ولا غرو، فلهؤلاء الناس عبقرية فطرية في شؤون الدين » الخ.

٤ ـ جاء في الصفحة «١٩٣» من « موسوعة العتبات المقدسة » قسم كربلاء، ما نصه أيضاً:

« فيليب حتى وكربلاء: وقد أورد الاستاذ فيليب حتى أستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة برستن بأمريكا، ذكر كربلاء في مواضع من كتابه المشهور « تاريخ العرب » باللغة الانجليزية. ففي الصفحة «١٨٣» يقول ما ترجمته:

« إن حشود الزوار التي ما تزال تتدفق الى مشهد علي في النجف ومشهد ولده الحسين ـ سيد القديسين والشهداء عند الشيعة ـ في كربلاء القريبة من النجف، والمسرحية الدينية التي تمثل سنوياً في العاشر من محرم في العالم الشيعي بأسره، كل ذلك يشهد على أن الموت قد ينفع القديس أكثر من الحياة ».

وبعد أن يوجز الاستاذ « حتى » قصة استشهاد الامام الشهيد وصحبه وآله يقول:

« وقد أوجد المسلمون الشيعة ـ إحياء لذكرى استشهاد الحسين ـ عادة مراسيم الحزن في العشرة الأولى من محرم الحرام سنوياً، ووضعوا مسرحية عاطفية دينية تؤكد صراعه البطولي وآلامه. وهذه المسرحية الدينية السنوية تمثل في فصلين، يعرف الأول « عاشوراء »: يمثل في الكاظمية على مقربة من بغداد، إحياء لذكرى المعركة، والفصل الثاني بعد العاشر من محرم بأربعين يوماً في كربلاء، وعنوانه: مرد الرأس »(١) الخ.

وبمناسبة ذكر يوم « مرد الرأس » ويوم الاربعين، أقول: إن احياء ذكرى هذا

__________________

(١) إن مراسيم العزاء في يوم عاشوراء تقام في كربلاء وسائر البلدان في العراق، وفي الأقطار الاسلامية، ولم تقتصر على الكاظمية. ومر تفصيل ذلك في الفصول السابقة.

٤٢

اليوم ـ الذي سبق وفصلت الكلام عنه في فصل سابق ـ يقام في أكثر المدن في البلدان الاسلامية، وخاصة التي تسكنها الجاليات الشيعية، ولكن مظاهر إحياء هذه الذكرى تتجلى أكثر فأكثر في مدينة كربلاء التي حدثت فيها المجزرة الفجيعة.

وأنقل تالياً أقوال بعض الكتاب في وصف ما يجري في هذا اليوم بكربلاء:

جاء في الصفحة «١٤٦» من كتاب « تاريخ كربلاء وحائر الحسين » للسيد الجواد الكليدار عن هذا اليوم الحزين قوله:

« زيارة الأربعين: وهي في يوم ٢٠ صفر من كل سنة وهي من أعظم زيارات كربلاء، إذ تحتشد فيها مئات الألوف من الزائرين، الذين يشدون الرحال اليها من مختلف الأقطار الاسلامية القريبة والنائية، فيزورها خلق عظيم، على الأخص من المدن العراقية من الشمال الى الجنوب، فتسير فيها المواكب العظيمة باسم « موكب الأنصار » يتراوح عدد من يسيرون في كل موكب فيما بين خمسمائة وألف نسمة. فيخرج كل موكب من العزاء بكل سكينة ووقار، في مظهر من الحزن العميق البادي على الوجوه، حاسري الرؤوس وحافيي الأقدام، ومرتدين الملابس السود علامة الحداد، يبكون ويلطمون على الصدور والخدود، يعزون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل سبطه الحسينعليه‌السلام محتجين على جفاء الأمة له، وتخفق الرايات السود شعار العزاء والحزن أمام كل موكب، وقد كتب عليها ـ بالكتابة الواضحة ـ اسم الموكب والبلد الذي ينتمون اليه ».

٦ ـ جاء في الصفحة «١٦٥» من كتاب « نهضة الحسين » وصفاً لبعض أنواع المواكب الحسينية في العراق المعروف بالشبيه يوم الأربعين، أدرج خلاصته تالياً:

« وهناك لون آخر من العزاء الحسيني المسمى بالشبيه. وقد ظهر بادئ الأمر في القرن العاشر الهجري على هيئة حصان مغطى بكفن مدمى وفيه بعض النبال، يتقدم مواكب اللطم كأنه حصان الحسينعليه‌السلام بعد المعركة

ثم توسع الى خيول متعددة على نفس الشاكلة ترافق المواكب ثم ظهرت

٤٣

شخصية الحر الرياحي ومعه بعض قادة الجيش الأموي برفقة هذه الخيول أمام المواكب، وظهرت شخصية الامام علي بن الحسين السجاد في حالة رجل عليل مكبل بالأغلال على صهوة جواده، وسط الموكب يوم الأربعين من صفر، يردد ما قاله حين دخل المدينة والناس تلطم من فرط التأثر لمشهده، ثم تطور بالتدريج الى ظهور الهوادج والنساء فيها كأنهن السبايا عائدين من الشام عبر العراق الى المدينة، ويمرون بأرض الطفوف في كربلاء يوم زيارة الأربعين والجماهير الغفيرة تلطم متأثرة من هذا المنظر المفجع يتذكرون الموقف نفسه ثم تطور هذا العزاء بتوالي السنين بظهور أشخاص يتقمصون دور أصحاب الحسين وعدد من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتقدمون مواكب العزاء، ومعهم شبيه قادة الجيش الأموي وفي أواخر القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر الهجري، برزت شخصية الحسين وسط الشبيه، يتقدم موكب العزاء ومن خلفه شخصية أخيه العباس ».

ويستطرد الكاتب كلامه ويقول:

« وتطور موكب الشبيه الذي كان يأخذ مسيره عبر الشوارع والطرقات، ومن وسط الجموع الغفيرة من المشاهدين الى الساحة الرئيسية في المدينة، أو الى وسط الصحن في المراقد المتبركة حيث تجري هناك صورة مصغرة لتلك المعركة التاريخية وبتوالي السنين توسع هذا اللون من العزاء الى إقامة صرح له وسط الصحن أو الميدان، وبجواره خيام تمثل خيام أهل البيت ».

ثم يتوسع الكاتب الى شرح هذا اللون من المواكب العزائية والمآتم الحسينية، مما لا أجد حاجة الى نقلها كلها، لأنها معروفة لدى قراء العربية بأقطارهم المختلفة كما أن مثل هذه المواكب تسير في كثير من البلدان الاسلامية وخاصة إيران والهند، ولكن بصورة أضيق أحياناً، وبشكل أوسع حيناً آخر.

ومن أهم المواكب العزائية التي تؤم كربلاء في اليوم الثاني عشر من المحرم كل عام ـ أي اليوم الثالث على قتل الامام الشهيد وصحبه ـ مواكب عزاء سكان

٤٤

قرية « طويريج » الواقعة على بعد عشرة أميال شرقي مدينة كربلاء، على شاطئ نهر الفرات، والتي تعرف بالهندية. إذ منذ الصباح الباكر في هذا اليوم تحتشد مواكب هذه القرية، مهرولة بجموعها نحو كربلاء وكلما اقتربت من هذه المدينة التحقت بها جموع بقية عشائر وسكان القصبات والدساكر والتجمعات العشائرية التي تمر بها، فيتألف منها حوالي مائة ألف نسمة، من الرجال والنساء، والشيوخ والشباب والأطفال ماشين على الأقدام، يصلون كربلاء عند زوال ذلك اليوم، وهم ما بين معول وصارخ، وباك ومفجوع، ولاطم. ويشترك معهم في ضواحي مدينة كربلاء سكانها ثم يدخلون صحن الامام الحسين، ثم يدورون حول ضريح الامام الشهيد، ثم يتوجهون الى ضريح أخيه العباس، وبعدها يمرون ببعض شوارع المدينة الى أن يصلوا الى محل مخيم الامام الحسينعليه‌السلام وهناك يعيدون ذكرى فاجعة الطف، ثم يتفرقون.

أما منشأ هذا الموكب الذي يرتقي بتاريخه الى أكثر من ثلاثة قرون، فهو أن المشتركين فيه يعتقدون بأنهم يمثلون أفخاذ بني عامر من عشائر بني أسد الذين حضروا ساحة القتال عصر اليوم الثاني عشر من المحرم سنة ٦١ هـ، بعد أن غادرها جيش ابن سعد في اليوم الحادي عشر منه، متوجهاً الى الكوفة ومعه الرؤوس والسبايا، ودفنوا أجداث الشهداء بعد أن بقيت هذه الأجساد ليلتين وثلاثة أيام في العراء، وهذه المواكب التي تفد بجموعها على كربلاء، وتشترك في هذا اليوم في مأتم الامام الشهيد، إنما تحيي ذكرى أجدادها الاشاوس من عشائر بني أسد.

ويذكر المعمرون ان مبدأ هذا العزاء شرع منذ أكثر من ٣٠٠سنة، حيث أخذت العشائر القاطنة في المنطقة الواقعة بين الحلة وكربلاء، بالقرب من قرية « طويريج »، تأتي عند زوال اليوم الثاني عشر من المحرم كل سنة الى كربلاء، وتشترك في العزاء الحسيني على شكل جماعات صغيرة.

٤٥

وكان العلامة السيد محمد المهدي الطباطبائي بحر العلوم، المتوفى سنة ١٢١٢ هـ في النجف، يتقدم في بعض السنوات هذه الجماعات النائحة في وفودها على كربلاء، وعندما سئل عن سبب اشتراكه في هذا العزاء أجاب: إنه رأى في المنام الامام الثاني عشر صاحب الزمان «عج» مشتركاً في هذا العزاء، فآثر أن يكون من المشتركين فيه.

كما ذكر أن بعض كبار الشعراء ـ كالكعبي ـ وعظماء المجتهدين من فقهاء الشيعة، كالشيخ زين العابدين المازندراني وغيرهما كانوا يشتركون فيه من ضواحي مدينة كربلاء.

ولقد تطور هذا العزاء المتحرك من تلك المسافات البعيدة الى أن أصبح كما هو عليه الآن، وأطلق عليه اسم عزاء « بني أسد ».

٧ ـ يقول الدكتور السيد علي الوردي في الصفحة «٣٨٦» من كتابه « مهزلة العقل البشري » حول مجزرة الطف والعزاء الحسيني، ما نصه:

« لم يكد معاوية يموت حتى حدثت حادثة هزة المجتمع الاسلامي هزاً عنيفاً، تلك هي مأساة كربلاء التي قتل فيها الحسين بن علي. وهذه الحادثة أنتجت آثاراً اجتماعية بالغة قلماً تجد لها مثيلاً في التاريخ ».

ويستطرد الكاتب فيقول:

« كانت شهادة الحسين تتمة لشهادة أبيه العظيم. وقد يصح أن نقول: إن مأساة كربلاء أضافت الى مأساة الكوفة لوناً جديداً، ولولاها لما أحس الناس بأهمية تلك المبادئ الاجتماعية التي نادى بها علي في حياته. فقد صبغ الحسين مبادئ أبيه بالدم، وجعلها تتغلغل في أعماق القلوب تغلغلاً عميقاً ».

ويواصل الكاتب كلامه في الصفحة «٣٨٧» ويقول: « يحتفل الشيعة في أيامنا هذه بمقتل الحسين أحتفالاً ضخماً، فهم يذرفون فيه الدمع الغزير ويلدمون الصدور والظهور، ويجرحون الرؤوس. ولنا أن نقول إن احتفال الشيعة هذا قد

٤٦

أمسى طقوسياً » الخ.

٨ ـ بحث الدكتور علي الوردي في بعض فصول كتابه « دراسة في طبيعة المجتمع العراقي » موضوع التوزيع الطائفي في العراق، وتطرق خلاله الى اشتراك الطائفة السنية مع الشيعة في العزاء الحسيني ومواكبه، فقال مثلاً عند إشارته الى التوزيع الطائفي في منطقة ديالى صفحة «٢٣٦» ما نصه:

« وربما جاز القول بأن التعايش السلمي في منطقة ديالى بين الطائفتين غير قليل وليس في النادر أن نرى محلة سنية تشارك محلة شيعية في بعض مواكبها ومجالسها الحسينية، وقد تشاركها أيضاً في تقديس مراقدها وأئمتها ».

وعندما تطرق الكاتب الى هذا التعايش في مدن المنطقة الرسوبية في العراق كمدينة الناصرية في الصفحة نفسها قال:

« فأخذوا ـ أي أفراد الطائفة السنية ـ يشاركون في مواكب الشيعة ويحضرون مجالسهم. وربما أخرج بعضهم مواكب خاصة بهم. وهذا يدل على أنهم سائرون في سبيل التشيع تدريجياً » الخ.

ثم يصف الكاتب في الصفحة «٢٣٧» من كتابه هذه المواكب ويقول:

« فقد اعتاد الشيعة في العشرة الأولى من شهر محرم أن يخرجوا بالمواكب العظيمة إحياء لذكرى مقتل الحسين. وهذه المواكب تسير في الطرقات وفيها الأعلام والطبول والبوقات، وتقرأ فيها القصائد العامية الحزينة وتلطم فيها الصدور، أو تضرب الظهور بالسلاسل، وفي اليوم العاشر تخرج مواكب التطبير » الخ.

ثم يستطرد الكاتب فيقول:

« ومجالس التعزية، فإن كل وجيه أو غني من الشيعة يميل الى إقامة مجلس يقرأ فيه مقتل الحسين لمدة عشرة أيام، خصوصاً في شهري محرم وصفر من كل عام. ومن يشهد هذه المجالس، ويستمع الى القصائد الحزينة التي يلقيها الخطباء

٤٧

فيها، والى وصفهم مقتل الحسين وأولاده واخوته وأقربائه، يحس بالميل الى البكاء » الخ.

٩ ـ جاء في الصفحة «٦٩» من كتاب « السيد محسن الأمين، سيرته ـ بقلمه وأقلام آخرين » وهو المجلد الأربعون من موسوعته « أعيان الشيعة » عند وصفه بعض عادات النجفيين التي شاهدها أثناء إقامته الدراسية في النجف خلال العقد الثاني من القرن الرابع عشر الهجري ووصفه مجالس العزاء وإقامتها فيها من قبل الرجال والنساء قوله:

« والنساء أيضاً يجلسن للعزاء منفردات عن الرجال، ولهن نوائح صناعتهن النياحة على الأموات وعلى الحسينعليه‌السلام في أيام عاشوراء وغيرها، ومنهن من تنشد الشعر الزجلي ارتجالاً ومجالسهن منفردة عن مجالس الرجال، وكانت رئيستهن نائحة تسمى ملا وحيدة ـ بتشديد الياء ـ وكانت تنشد الشعر الزجلي للنياحة ارتجالاً، ولها مجموعة كبيرة من إنشائها في الحسينعليه‌السلام ».

ب ـ في سورية ولبنان

أما في سورية ولبنان وتوابعهما، فإن النياحة على الامام الحسين الشهيد كانت في مد وجزر، منذ أن وطئت أقدام السبايا بالشام سنة ٦١ هـ ومثولها بين يدي يزيد، كما مر تفصيل ذلك في فصل سابق. وقد أخذت الأوساط الشامية وغيرها من المدن السورية واللبنانية منذ ذلك التاريخ تقيم المآتم والمناحات على فاجعة كربلاء في الدور وأماكن العبادة المخصصة لها بصورة علنية أو سرية حسب الظروف التي تفرضها السلطة القائمة والحكومة المسيطرة على الحكم من إطلاق الحرية للجاليات الشيعية أو الضغط عليها.

ومن الملوك الذين تنفس الشيعة الصعداء على عهدهم في هذه البلاد الملوك الحمدانيون الذين كانوا على مذهب الشيعة، والذين لهم مواقف مشهودة في خدمة

٤٨

هذا المذهب، وخاصة على عهد الملك عبد الله بن حمدان، الذي كان له السهم الأوفر في إقامة معالم هذا المذهب في المناطق التي كان يملكها أولئك الملوك الشيعة.

ومما ساعد على انتشار مذهب الشيعة في هذه البلدان، وخاصة في القرون التي أعقبت القرن الثالث الهجري، قيام الحكم البويهي في العراق وإيران، والحكم الفاطمي في مصر، والحكومات التي أعقبت الحكم الحمداني في سورية ولبنان وما جاورهما، كبني مروان وغيرهم من الأمراء، وحتى حلول الحكم العثماني، وكلما اشتد ساعد الشيعة في هذه البلاد كلما انتشرت شعائر إقامة العزاء الحسيني والنياحات عليه، خاصة في بيروت، ودمشق، وحلب، وصور، وصيدا، وطرابلس، وبعلبك، والنبطية، وبنت جبيل وغيرها من القرى والدساكر.

أما على العهد العثماني فقد أخذ ضغط السلطات العثمانية يشتد على الشيعة في مدن سوريه ولبنان الكبرى، مما اضطر أفراد هذه الجالية إلى الانسحاب منها والهجرة الى الأقطار المجاورة أو الى القرى النائية في منطقة جبل عامل التي أصبحت بصورة تدريجية مقراً رئيسياً للشيعة في البلاد السورية واللبنانية، وصاروا يقيمون فيها مراسيم العزاء الحسيني ومواكبه النياحية في شهري محرم وصفر وسائر أيام السنة.

وفيما يلي نبذ مما عثرت عليه في بطون الكتب عن هذه النياحات على عهد عزة الشيعة في تلك الديار:

١ ـ جاء في الصفحة «٦٩» من كتاب « خطط جبل عامل » لعلامة الفقيد السيد محسن الأمين، ما عبارته:

« ويوجد في حلب مشهد ينسب الى الحسينعليه‌السلام وله أوقاف جمة يصرف ريعها على الإطعام يوم عاشوراء، وهي باقية الى الآن، لكن أهل حلب يصرفونه على الإطعام في ذلك اليوم بعنوان أنه يوم عيد لا يوم حزن. والظاهر أن هذه الأوقاف من الشيعة الذين كانوا بحلب، أما المشهد فلا نعلم أصله، وربما كان من

٤٩

زمن سيف الدولة ».

٢ ـ وجاء في الصفحة «١٤٩» من الكتاب نفسه، ما لفظه:

« حسينيات جبل عامل ـ جمع حسينية ـ وهي: بمثابة تكية منسوبة الى الامام الحسين السبط الشهيد، لأنها تبنى لإقامة عزائه فيها. وأصل الحسينيات من الايرانيين والهنود، بنوها في بلادهم، وبنوها في العراق ايضاً، ووقفوا لها الأوقاف، وجعلوا لكل منها ناظراً وقواماً. وهي: عبارة عن دار ذات حجر وصحن فيها منبر يأوي اليها الغريب، وتقام فيها الجماعة، وينزلها الفقراء، ويقام فيها عزاء سيد الشهداء في كل أسبوع في يوم مخصوص وفي عشرة المحرم، وتختلف حالتها في الكبر والصغر، والاتقان وكثرة الريع، باختلاف أحوال منشئيها. وهذه لم تكن معروفة قبل عصرنا في جبل عامل » الخ.

ويستطرد الكتاب فيقول:

وأول حسينية أنشئت في جبل عامل، هي « حسينية النباطية التحتا » ثم أنشئت عدة حسينيات في صور، والنبطاية الفوقا، وكفر رمان، وبنت جبيل، وحاروف، والخيام، والطيبة، وكفر صبر، وغيرها ». الخ.

وتجمع الشيعة في جبل عامل وقراه ساعد كثيراً بمرور الأيام على انتشار مجالس العزاء الحسيني وإقامة النياحات فيها، إحياء هذه الذكرى المؤلمة على طول السنة، وخاصة في شهري محرم وصفر، وبالأخص العشرة الأولى من المحرم.

٣ ـ جاء في الصفحة «٢١٥» من الجزء الأول، من كتاب « هكذا عرفتهم » لمؤلفه جعفر الخليلي، عند تعرفه على العلامة السيد محسن الأمين، ووصف مواقفه الاصلاحية في الشؤون الدينية، وخاصة في موضوع العزاء الحسينيعليه‌السلام ثم زيارته له في مدينة دمشق في إحدى زياراته لسورية قائلاً:

« ودعاني السيد محسن في تلك الزيارة لحضور مجلس من مجالس المآتم الحسينية تقام في تلك الليلة بدمشق فقلت له:

٥٠

إنني أشكوا التخمة، لكثرة ما حضرت هذه المجالس وما سمعت من أحاديثها قال: ولكنك ستسمع في هذا المجلس مالم يكن قد سمعت وسترى خطباء جدداً أعددتهم لمثل هذا، وأنا أسعى لإعداد المزيد منهم. ثم قال: وإنني ألزمك بالحضور في هذه الليلة، فإياك أن تتخلف، ولكني خرجت ولم أعد.

وبعد يومين أو ثلاثة زرته في بيته المذكور فلامني على عدم حضوري المجلس في تلك الليلة » الخ.

٤ ـ ولا زالت شعائر إحياء هذه الذكريات الحزينة تقام في كثير من الأنحاء والمدن في سوريا ولبنان، وخاصة الأخيرة منها، وبالأخص المناطق التي تقيم فيها الجاليات الشيعية، كجبل لبنان، وبيروت، ودمشق، وتقام هذه المآتم عادة في العشرة الأولى من محرم، وتتجلى بأسمى مظاهرها يوم عاشوراء، الذي تقام فيها الاحتفالات الحزينة الشاملة وخاصة الحفلة التي تقيمها الجمعية الخيرية الاسلامية العاملية التي يحضرها كبار الشخصيات الرسمية والأهلية في لبنان، وتلقى فيها الخطب التي يستعرض فيها الخطباء الحادث المؤلم في كربلاء وملابساته، وما جرى فيه من ظلم وعسف على آل بيت المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي سنة ١٣٩٣ هـ ـ ١٩٧٣ م، قررت الحكومة اللبنانية جعل يوم عاشوراء ـ اي العاشر من محرم كل سنة ـ عطله رسمية في جميع أنحاء لبنان، تعطل فيها جميع الدوائر الرسمية، والمؤسسات الأهلية، والأسواق والأعمال. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ لبنان تقدم فيه حكومة لبنان على جعل يوم عاشوراء الحسين يوم عطلة رسمية كما أفادت الأنباء أن سكان مدينة ( النبطية ) في لبنان التي يقيم الشيعة بصورة خاصة في محرم كل سنة فيها ذكرى مهيبة لمصرع الامام الحسينعليه‌السلام قد طبروا روؤسهم هذه السنة يوم عاشوراء، وذلك ضمن شعائر الحزن الذي أقاموه، والمواكب العزائية التي سيروها في ذلك اليوم الحزين، وقدر عدد المطبرين (٤٠٠) رجل.

٥١

٥ ـ جاء في الصفحة «٢٥» في كتاب « السيد محسن الأمين، سيرته » السالف الذكر عند وصفه لدراسته الأولية في بنت جبيل سنة ١٣٠١ هـ ووصول الشيخ موسى شرارة اليها من النجف في تلك السنة قوله:

« وأحيا ـ أي الشيخ موسى ـ إقامة العزاء لسيد الشهداء ورتب لذلك مجالس على طريقة العراق ».

ثم يستطرد السيد الأمين في الصفحة «٢٦» من الكتاب واصفاً المجالس العزائية التي تقام ليلاً في هذه المدينة اللبنانية لإحياء ذكرى استشهاد الحسين وذلك في العشرة الأولى من محرم كل سنة ويقول:

« وفي اليوم العاشر منه تعطل الأعمال الى ما بعد الظهر ويقرأ مقتل أبي مخنف ثم تزار زيارة عاشوراء ثم يؤتى بالطعام الى المساجد، وفي الغالب يكون من الهريسة، فيأتي كل انسان بقدر استطاعته، فيأكل منه الفقراء، ويأكل منه قليلاً الأغنياء للبركة، ويفرق منه على البيوت. كل ذلك تقرباً الى الله ـ تعالى ـ عن روح الشهيد أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام . أما القرى التي ليس فيها نسخة المجالس فيقتصر على قراءة المقتل يوم العاشر ويقرأ منه في ليلتين أو ثلاث قبل ليلة العاشر، كل ليلة شيئاً ـ حتى يكون الباقي الى يوم العاشر خاصة بالمقتل وحده. وكانت المجلس التي أنشأها الشيخ موسى على ما فيها من عيوب أصلح بكثير مما تقدمها. وكانت مبدأ الإصلاح لمجالس العزاء الحسيني » الخ.

وجاء في الصفحة «٧٣» من الكتاب نفسه عند بحث الأمين موضوع عودته من النجف الى دمشق في شعبان سنة ١٣١٩ هـ وإحساسه بلزوم قيامه بالاصلاحات الدينية والاجتماعية فيها قوله:

« ٣ ـ مجالس العزاء ـ أي العزاء الحسيني ـ وما يتلى فيها من أحاديث غير صحيحة وما يصنع في المشهد المنسوب الى زينب الصغرى المكناة بأم كلثوم في قرية راوية من ضرب الرؤوس بالسيوف والقامات وبعض الأفعال المستنكرة،

٥٢

وقد صار ذلك كالعادة التي يعسر استئصالها، لا سيما إنها ملبسة بلباس الدين ».

ويستطرد في كلامه ويقول في الصفحة «٧٥» منه: « أما الأمر الثالث وهو اصلاح إقامة العزاء لسيد الشهداءعليه‌السلام فكان فيه خلل من عدة جهات ».

وبعد أن يفصل الكلام عن أسلوب إصلاح هذا الخلل يقول في الصفحة «٧٧» من الكتاب:

« وكانت هذه الأعمال تعمل في المشهد المنسوب الى السيدة زينب بقرب دمشق » الخ.

لقد نقلت هذه النبذ عن الامام الثقة السيد محسن الأمين لتأكيد الدلالة على أن إقامة المأتم الحسيني ومراسمه والنياحة على الامام الحسينعليه‌السلام كانت مستمرة في دمشق ولم تنقطع منذ سنة «٦٠ هـ» التي أتي بالسبايا اليها بعد قتل الحسينعليه‌السلام في كربلاء كما مر في صدر هذا البحث.

ج ـ سائر بلدان الجزيرة العربية:

أما في سائر بلدان الجزيرة العربية وأقطارها كاليمن، الذي كان أهله أول من تشيع لعلي بن أبي طالب وأهل بيتهعليهم‌السلام والحجاز، وحضر موت، والكويت، والبحرين، ومسقط، وعمان، وقطر، والاحساء، والقطيف، وبقية النواحي، فإنه وإن لم يكن تقام شعائر الحزن على الامام الحسين بصورة موسعة فيها، كما هي الحالة في العراق ولبنان والأقطار الاسلامية الأخرى، إلا أن مجالس التعزية التي تنشد فيها المراثي، وتتلى من على المنابر قصة المجزرة المفجعة في كربلاء، من قبل خطباء المنابر، في الحسينيات ومحلات العبادة والدور، تعقد طوال أيام شهري محرم وصفر، وخاصة في العشرة الأولى من شهر محرم كل سنة، من قبل الشيعة فيها. وغالبية هؤلاء الخطباء يفدون على هذه البلدان من العراق وإيران، وبالأخص على الكويت، والبحرين، ومسقط، وقطر، وقطيف، التي تسكنها

٥٣

جاليات شيعية كبيرة قبل حلول شهر محرم بعدة أيام، استعدداً للاشتراك في تلك المجالس الحزينة، وسرد قصة مقتل الامام الشهيد وصحبه وآله. وأما مشاهد السبايا والهوادج، واللطم، والضرب على الرؤوس والوجوه والصدور، فقليلاً ما تبدو للشخص في هذه البلدان، لو استثنيا يوم عاشورا فقط.

وقد وصف بعض الكتاب وخاصة الافرنج منهم ما شاهده من هذه المشاهد المؤلمة والمظاهر الحزينة، في كتاباتهم ومذكراتهم، أنقل منها نبذة على سبيل المثال:

١ ـ جاء في الصفحة «٣٨٠» من « موسوعة العتبات المقدسة » الجزء الأول ـ قسم كربلاء ـ نقلاً عن الكاتبة الانجليزية « فرايا ستارك » في كتابها « صور بغدادية » عما شاهدته في الكويت من مجالس التعزية التي تقيمها النساء فيها، بعد أن تصف هذه المجالس، قولها:

« ويؤخذ الأطفال الايرانيون الموجودون في الكويت الى الملاّ في يوم العاشر من محرم ليمرر تحت ذقونهم امراراً رمزياً سكينته الكبيرة، دلالة على فروض التضحية والفداء ».

ثم تعقب الكاتبة على ذلك قائلة:

« وهكذا تمر الحقيقة الناصعة من الميثولوجيا الى الديانة الحقة، ومن الديانة الى التصوف. ومن المفيد أن تجدهم يتمسكون اليوم بهذه الطقوس البسيطة التي تدل على أول يوم فتحنا فيه أعيننا للوجود في هذا العالم، لئلا ننسى الأخوة الانسانية ».

أما في الأردن وفلسطين وإن لم تسكنها جاليات شيعية تقوم بأداء شعارات الحزن والنياحة على الامام الحسينعليه‌السلام فيها حسب العرف المتبع عند الشيعة لكن العادة جرت عند الأسر العريقة من مختلف الطوائف الاسلامية منذ عهد بعيد وحتى الآن بالإنفاق على الفقراء والمعوزين يوم العاشر من المحرم « العاشوراء الحسيني » بما يتوفر لديها من الطعام، كما تطبخ في هذا اليوم طبخة حساء تتألف

٥٤

من بعض البقولات والحبوب والبصل ثم تعرض على كل عابر للتناول منها ولو قليلاً جداً، ويفرق منها على البيوت، والجميع يتناولون ولو ملعقة منها للبركة والثواب، وكثير من العائلات تعطل أعمالها اليومية في هذا اليوم الحزين، وتمتنع خاصة عن عملية الغسيل، منتهجين في ذلك نهج السيدة الجليلة أم سلمة زوجة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما نعي اليها الامام الحسينعليه‌السلام .

* * *

٥٥

٥٦

الفصل الخامس والعشرون

النياحة على الحسينعليه‌السلام في سائر أقطار القارة الاسيوية

الف ـ في ايران:

أما في ايران فمنذ أن وصلها نبأ الحادث المحزن باستشهاد الامام الحسينعليه‌السلام وآله وصحبه، فقد عمت الأحزان الأوساط الايرانية من شعبية ورسمية، نظراً لأواصر المصاهرة التي ربطت الايرانيين الفرس بأسرة الامام الحسينعليه‌السلام بتزوجه الأميرة شهربانو « شاهزنان » بنت الملك يزدجرد، التي ولدت له الامام علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام ، مضافاً الى ولاء كبار رجال إيران للامام علي بن أبي طالب وآله وبيته، كسلمان الفارسي وغيره. ثم تحولت هذه الأحزان بصورة تدريجية الى مناحات ومآتم محدودة في داخل الدور وفي المجتمعات الخاصة، وتطورت بعد ذلك، حيث اتسعت دائرتها وأخذت تقام بصورة علنية على شكل إنشاد المراثي، وذكر واقعة الاستشهاد، بالاستناد الى المرويات على ألسنة الثقات، ويحدثنا التاريخ بأن كثيراً من رؤساء قبيلة الأشاعرة وأفخاذها اضطروا الى الهجرة من الكوفة الى اصفهان ثم الى « قم » الحالية وضفاف نهرها للانتجاع، بعد أن قتل الحجاج بن يوسف الثقفي زعيمهم الأكبر محمد بن سائب الأشعري، وبعد أن أخذت النكبات تترى عليهم من قبل الحجاج وعمال الأمويين.

ومنذ استقرار هؤلاء المهاجرين التابعين للامام عليعليه‌السلام وآله في هذه الناحية خلال مدة عشر سنوات ـ أي من سنة «٧٣ هـ» الى سنة «٨٣ هـ» ـ شرعوا

٥٧

بإقامة أسس بناء مدينة « قم » ونشر العمران فيها، كما بدأوا فور سكناهم هنا بإقامة المآتم والمناحات في مجتمعاتهم الخاصة ومجالسهم السرية على شهيد الطفعليه‌السلام خاصة أنهم كانوا قريبي عهد بالفاجعة وتفاصيلها وملابساتها، مرددين فيها ما جرى على الامام الحسينعليه‌السلام وآله في مذبحة عاشوراء.

ولقد استمر هؤلاء الأشاعرة الشيعة على إحياء ذكرى الطف الحزينة في يوم عاشوراء من محرم كل سنة وإقامة العزاء فيه، ثم تناقل الخلف عن السلف هذا التقليد الحزين، الى أن حلت الآنسة فاطمة بنت الامام موسى بن جعفرعليهما‌السلام وأخت الامام علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام هذه المدينة سنة «٢٠١ هـ» آتية من مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقاصدة أخاها الامام الرضاعليه‌السلام في مرو بخراسان، ولكن الأجل لم يمهلها فكانت مدة إقامتها في هذه المدينة «١٧» يوماً مريضة طريحة الفراش في دار موسى بن الخزرج بن سعد الأشعري، وبعد وفاتها دفنت في أرض كانت لهذا المضيف الجليل، وأصبح قبرها روضة فيما بعد وللآن يقصده الميع للزيارة والتبرك وإقامة المأتم الحسيني حوله.

وبعد دفن هذه العلوية العذراء التي اشتهرت بـ « معصومة قم » تعاظمت سلطة الشيعة الأشعريين في هذه الناحية واتسع نطاق إقامة مآتم ذكرى شهيد الطف الحزينة بين مختلف طبقات سكان هذه المدينة وما جاورها من القرى والقصبات.

وهكذا كان الاشاعرة المهاجرون من الكوفة الى هذه الناحية في إيران من الأوائل الذين بذروا بذور التشيع لآل عليعليه‌السلام فيها، مستغلين موضوع استشهاد الامامعليه‌السلام بكربلاء ومقيمين مآتمه وعزاءه ومجالس النياحة عليه.

أما في مرو بخراسان فعلى عهد الامام الثامن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام الذي بدأ منذ أخريات القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجري، فقد تعززت نهضة إقامة المآتم والمناحات واحياء ذكرى استشهاد الحسينعليه‌السلام ، بالأخص وأن

٥٨

سياسة المأمون العباسي كانت تميل الى مسايرة العلويين وإطلاق الحرية لهم في إقامة شعائر الحزن والعزاء على الامام الشهيد. وقد مر ذكر تفصيل ذلك في الفصل الخاص بالمناحة على عهد الامام الرضا وابنه الامام محمد التقيعليهما‌السلام .

وبعد استشهاد الامام علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام في طوس تبلورت حركة إقامة المناحات وحفلات العزاء على الامام الشهيد في إيران، وتطورت بتطور سياسة الحكومات التي كانت تتولى السلطة في أنحاء إيران ومناطقها المختلفة بين القوة والضعف. فكانت هذه الحركة تسير سيرها المدي في بعض الاصقاع التي كانت تحكمها السلطة الموالية لآل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كالامراء البويهيين، وتسير سيرها الجزري في الأقاليم الأخرى التي تتولى السلطة فيها حكومة تعادي العلويين وتناهضهم، وقد استمرت هذه الحالة الى أن استولى على الحكم في إيران الملوك الصفويون، الذين استطاعوا أن ينشئوا في إيران حكومة مركزية تسيطر على جميع الأقاليم الايرانية، وأن يوجدوا في هذه البلاد وحدة متماسكة تحكمها حكومة مركزية قوية واحدة، هي الدولة الصفوية.

وقد اهتم ملوك هذه الدولة الشيعية اهتماماً عظيماً بالعزاء الحسيني ومأتمه في داخل البيوت وخارجها، وفي المساجد، والتكايا، والمعابد، والأسواق، والشوارع، والساحات العامة، وحتى في البلاط ودوائر الدولة، كما تنوعت وتشعبت اساليب هذه المناحات وعمت جميع طبقات الشعب، وأصبحت تقاليد متأصلة في النفوس، كما أن الحكومات التي خلفت الدولة الصفوية في إيران كالأفشارية والزندية سارت على نفس نهج تلك الدولة، في إحياء هذه الذكرى الحزينة، وإقامة شعائرها ومتابعة تقاليدها. وخاصة على عهد الملوك القاجاريين وحتى الوقت الحاضر.

وأدرج فيما يلي بعض ما عثرت عليه في بطون الكتب والأسفار عما تقدم ذكره في هذا الأمر:

٥٩

١ ـ جاء في كتاب « الشيعة والتشيع » للسيد أحمد الكسروي ما نصه:

« فمن الواضح أن الشيعة قد رجوا من ذكر مصاب الحسين والنوح عليه فوائد لهم، والظاهر من أقوال المؤرخين أن إقامة شعائر المأتم، وإحياء ذكرى مصائب آل عليعليهم‌السلام وإنشاد المراثي وإقامة العزاء على الحسين، قد راجت في ايران لأول مرة على أيدي البويهيين، وأن أحمد معز الدولة رحل من إيران الى بغداد سنة ٣٣٤ وأعلن المذهب الشيعي فيها رسمياً ».

٢ ـ وجاء في الصفحة «٨٧» من الكتاب نفسه ما نصه:

« ثم لما قام الصفويون في إيران أشاعوا المناحة بين الايرانيين؛ فأقبل العامة عليها إقبالاً عاماً، وكبرت وظهرت فيها أعمال ضرب الجسد بالسلاسل، وجرح الرأس، وإقفال البدن، وغير ذلك مما لا حاجة الى عدها » الخ.

٣ ـ وجاء في الصفحة «٨٨» منه ما عبارته:

ففي أيام القاجاريين في إيران كانت إقامة المأتم والاحتفال بمصاب الحسين شغلاً شاغلاً للشيعة، يقضون نصفاً من ساعاتهم فيها، وكان الناس يزيدهم إقبال عليها ما كانوا يسمعون من الاحاديث في فضل البكاء، فقد روي عن أئمة الشيعة أنه: « من بكى أو أبكى أو تباكى وجبت له الجنة » فمن المسلّم عند الشيعة أن البكاء على الحسين من أفضل العبادات، وأن من بكى عليه غفر الله ذنوبه ولو كانت عدد الرمال » الخ.

٤ ـ ولقد سمعت من بعض المعمرين الذين أدركوا عهد قيام الملك ناصر الدين شاه، كبير ملوك السلسلة القاجارية، في زيارته. للعتبات المقدسة في العراق، سنة ١٢٨٧ هـ، أنه حينما كان يزور مشهد الامام الحسينعليه‌السلام وهو عند ضريحه المطهر، إذ خطب أمامه أحد خطباء المنبر الحسيني خطبة مؤثرة جداً عن الفجيعة الحسينية، وتطرق أثناء كلامه الى كلمة يقال انها بدرت يوم عاشوراء من الامام الحسينعليه‌السلام في أحرج ساعاته، وهي: « هل من ناصر ينصرني؟ » فقال الخطيب

٦٠