مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)0%

مقتل الامام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-8163-70-7
الصفحات: 437

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: ISBN: 964-8163-70-7
الصفحات: 437
المشاهدات: 235754
تحميل: 9483

توضيحات:

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235754 / تحميل: 9483
الحجم الحجم الحجم
مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
ISBN: 964-8163-70-7
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بسببهم وحرمتهم؛ حيث إن الواحدة من العلل التي كانت تصيبه كفيلة بأن تقضي عليه.

وهكذا سار على هذه الشاكلة حتّى وافته المنية في ١٧ محرم الحرام لسنة ١٣٩١ هـ الموافق ١٥ / ٣ / ١٩٧١، فله من الله الرضوان وجزيل المثوبة.

وأطرف ما رُثِيَ بهرحمه‌الله ، قول الاستاذ الشيخ أحمد الوائلي مؤرخاً عام الوفاة:

إيـه عبد الرزّاق يا ألق الفكر

وروح الإيـمـان والأخـلاقِ

إنَّ قـبـراً حللت فيه لَروضٌ

سـوف تـبقى به ليوم التلاقي

فـاذا ما بُعثت حفَّت بك الأعـ

ـمـالُ بـيضاء حلوة الإشراقِ

فحسان الأصول والفقه والتاريـ

ـخ قـلّـدن منك بـالأعـناقِ

ومـدى الطَّف يوم سجَّلت فيه

لـحـسـيـن وآلـه والرفاقِ

صـفحات من التَّبحُّر والتمحيـ

ـص تـزري بأنفس الأَعـلاقِ

في حسين وسوف تلقى حسيناً

وترى الحوض مترعاً والساقي

هـذه عـنـدك الـشفيع وما

عـند إلهي خير وأبقى البواقي

مـسـتـميحاً عطاء ربِّك أرخ

(رحت عبد الرزّاق للرزّاق)

١٣٩١ هـ

٢١

٢٢

٢٣

٢٤

بسم الله الرحمن الرحيم

( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) العنكبوت / ٦٩ .

( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) آل عمران / ١٦٩ و ١٧٠.

( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة / ١١١.

القرآن الكريم

٢٥

٢٦

نهضة الحسينعليه‌السلام

كان المغزى الوحيد لشهيد الدين، وحامية الإسلام الحسين بن أمير المؤمنينعليه‌السلام إبطال اُحدوثة الاُمويين، ودحض المعرات عن قدس الشريعة، ولفت الأنظار إلى براءتها وبراءة الصادع بها عمّا ألصقوه بدينه؛ من شية العار، والبدع المخزية، والفجور الظاهرة، والسياسة القاسية(١) . فنال سيد الشهداءعليه‌السلام مبتغاه بنهضته الكريمة، وأوحى إلى الملأ الديني ما هنالك من مجون فاضح، وعرّف الناس (بيزيد المخازي) ومَن لاث به من قادة الشر وجراثيم الفتن، فمجّتهم الأسماع، ولم يبقَ في المسلمين إلا من يرميهم بنظرة شزراء حتّى توقدت عليهم العزائم، واحتدمت الحمية الدينية من اُناس ونزعات من آخرين، فاستحال الجدال جلاداً، وأعقبت بلهنية عيشهم حروباً دامية أجهزت على حياتهم، ودمرت ملكهم المؤَسَّس على أنقاض الخلافة الإسلامية من دون أية حنكة أو جدارة، فأصاب هذا الفاتح الحسينعليه‌السلام شاكلة الغرض بذكره السائر، وصيته الطائر، ومجده المؤثل، وشرفه المعلّى( وَلا تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللّهِ أَموَاتاً بَل أَحيَاء عندَ رَبِّهِمْ يُرزَقُونَ ) (٢) .

لا أجدك أيها القارىء وأنت تسبر التاريخ، وتتحرّى الحقائق بنظر التحليل، إلا وقد تجلّت لك نفسيّة (أبيِّ الضيم) الشريفة، ومغزاه المقدّس ونواياه الصالحة، وغاياته الكريمة في حلِّه ومرتحله، وفي إقدامه وإحجامه في دعواه ودعوته، ولا أحسبك في حاجة إلى التعريف بتفاصيل تلكم الجمل بعد أن

____________________________

(١) يتحدث الاستاذ أحمد أمين في ضحى الإسلام ١ / ٢٧، عن الحكم الاموي فيقول: الحق إنّ الحكم الاموي لم يكن حكماً إسلامياً يساوى فيه بين الناس، ويُكافئُ المحسن، عربياً كان أو مولى، ويعاقب المجرم، عربياً كان أو مولى، وإنّما الحكم فيه عربي، والحكّام خَدمة للعرب، وكانت تسود العرب فيه النزعة الجاهلية لا النزعة الإسلامية.

(٢) سورة آل عمران / ١٦٩.

٢٧

عرفت أن شهيد العظمة مَن هو؟ وما هي أعماله؟ وبطبع الحال تعرّف قبل كلّ شيء موقف مناوئه، وما شيبت به نفسيته من المخازي.

نحن لو تجردنا عما نرتئيه (لحسين الصلاح) من الإمامة والحق الواضح - الذي يقصر عنه في وقته أي ابن اُنثى - لم تدع لنا النصفة مساغاً لاحتمال مباراته في سيرة طاغية عصره، أو أنه ينافسه على شيء من المفاخر. فإن سيّد شباب أهل الجنّة متى كان يرى له شيئاً من الكفاءة حتّى يتنازل إلى مجاراته؟ ولقد كانعليه‌السلام يربأ بنفسه الكريمة حتّى عن مقابلة أسلافه.

أترى أن الحسينعليه‌السلام يقابل أبا سفيان بالنبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو معاوية بأمير المؤمنينعليه‌السلام ، أو آكلة الأكباد بأم المؤمنين خديجة رضوان الله تعالى عليها، أو ميسون بسيّدة العالمينعليها‌السلام ، أو خلاعة الجاهلية بوحي الإسلام، أو الجهل المطبق بعلمه المتدفق، أو الشَّرَه المخزي بنزاهة نفسه المقدسة؟! إلى غيرها مما يكلُّ عنه القلم، ويضيق به الفم.

لقد كانت بين الله سبحانه وتعالى، وبين اوليائه المخلصين أسرار غامضة تنبو عنها بصائر غيرهم، وتنحسر أفكار القاصرين حتّى أعمتهم العصبية؛ فتجرؤا على قدس المنقذ الأكبر، وأبوا إلا الركون إلى التعصب الشائن، فقالوا: إن الحسين قُتل بسيف جدّه؛ لأنه خرج على إمام زمانه (يزيد) بعد أن تمت البيعة له، وكملت شروط الخلافة باجماع أهل الحلِّ والعقد، ولم يظهر منه ما يشينه ويزري به!!(١) .

____________________________

(١) عبارة أبي بكر ابن العربي الاندلسي في كتابه العواصم ص ٢٣٢، تحقيق محب الدين الخطيب، ط سنة ١٣٧١. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ستكون هنات، فمَن أراد أن يفرّق أمر هذه الاُمّة، وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً مَن كان». فما خرج عليه أحد إلا بتأويل، ولا قاتلوه إلا بما سمعوا من جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله انتهى. وقال محب الدين في التعليق على هذا الحديث: ذكره مسلم في الصحيح، في كتاب الأمارة. قلت: هو في الجزء الثاني ص١٢١، كتاب الأمارة بعد الغزوات، أخرجه عن زياد بن علاقة عن عرفجة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله . (وابن علاقة) سيِّىء المذهب، منحرف عن أهل البيتعليهم‌السلام كما في تهذيب التهذيب ٢ / ٣٨١. وذكر عرفجة في ج٧ ص١٧٦، ولم ينقل له مدح أو ذم، فهو من المجهولين لا يؤبه بحديثه.

والعجب من التزامه بصحة خلافة يزيد، وهو يقرأ حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا يزال أمر اُمّتي قائماً بالقسط حتّى يكون أول من يثلمه رجل من بني اُميّة، يقال له يزيد»!!رواه ابن حجر في مجمع الزوائد ٥ / ٢٤١ عن مسند أبي يعلى والبزاز. وفي الصواعق المحرقة ص ١٣٢ عن مسند الروياني عن أبي الدرداء عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أول من يبدل سنتي رجل من بني اُميّة، يقال له يزيد».وفي كتاب الفتن من صحيح البخاري - باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «هلاك اُمّتي على يدي اُغيلمة من اُمّتي».عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «هلكة اُمّتي على يدي غلمة من قريش».قال ابن حجر في شرح الحديث من فتح الباري ١٣ / ٧: كان أبو هريرة يمشي في السوق ويقول: اللهم، لا تدركني سنة ستين، ولا أمارة الصبيان. قال ابن حجر: أشار بذلك إلى خلافة يزيد، فإنها في سنة ستين، ولم يتعقبه.

٢٨

و قد غفل هذا القائل عن أنّ ابن ميسون لم يكن له يوم صلاح حتّى يشينه ما يبدو منه! وليس لطاماته ومخازيه قبل وبعد وقد ارتضع در ثدي (الكلبية) المزيج بالشهوات، وتربّى في حجر مَن لُعن على لسان الرسول الأقدس(١) ، وأمر الاُمّة بقتله متى شاهدته متسنماً صهوة منبره!(٢) . ولو امتثلث الاُمّة الأمر الواجب؛ لأمنت العذاب الواصب، المطلّ عليها من نافذة بدع الطاغية، ومن جرّاء قسوته المبيدة لها، لكنها كفرت بأنعم الله، فطفقت تستمرء ذلك المورد الوبيء ذعافاً ممقراً؛ فألبسها الله لباس الخوف، وتركها ترزح تحت نير الاضطهاد، وترسف في قيود الذل والاستعباد، ونصب عينها استهتار الماجنين وتهتّك المنهمكين بالشهوات! وكلما تنضح به الآنية الاموية الممقوتة شب (يزيد الاهواء) بين هاتيك النواجم من مظاهر الخلاعة.

ولقد أعرب عن كل ما أضمره من النوايا السيئة على الإسلام، والصادع به جَذِلاً بِخلاء الجوِّ له، فيقول العلامة الآلوسي:

مَن يقول إن يزيد لم يعصِ بذلك ولا يجوز لعنه، فينبغي أن ينتظم في سلسلة أنصار يزيد، وأنا أقول: إنّ الخبيث لم يكن مصدقاً برسالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّ مجموع ما فعله مع أهل حرم الله وأهل حرم نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته الطيبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات، وما صدر منه من المخازي، ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر!, ولا أظن أن أمره كان خافياً على أجلّة المسلمين إذ ذاك، ولكن كانوا مغلوبين مقهورين، ولم يسعهم إلا الصبر. ولو سلّم أن الخبيث كان مسلماً، فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يحيط

____________________________

(١) في تاريخ الطبري ١١ / ٣٥٧ (حوادث سنة ٢٨٤)، تاريخ أبي الفداء ٢ / ٥٧ (حوادث سنة ٢٣٨)، كتاب صفين / ٢٤٧، تذكرة الخواص / ١١٥، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى أبا سفيان على جمل وابنه يزيد يقوده ومعاوية يسوقه فقال: «لعن الله الراكب والقائد والسائق».

(٢) في تاريخ بغداد ١٢ / ١٨١، تهذيب التهذيب ٢ / ٤٢٨ وكذلك ٥ / ١١٠، تاريخ الطبري ١١ / ٣٥٧، كتاب صفين / ٢٤٣، ٢٤٨، شرح نهج البلاغة ١ / ٣٤٨، كنوز الدقائق (في هامش الجامع الصغير) ١ / ١٨، اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٢٠، ميزان الاعتدال ١ / ٢٦٨ ترجمة الحكم بن ظهير، وكذلك ٢ / ١٢٩ ترجمة عبد الرزاق بن همام، سير أعلام النبلاء ٣ / ٩٩ ترجمة معاوية، مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ١٨٥، تاريخ أبي الفداء ٢ / ٥٧ (حوادث سنة ٢٨٣) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اذا رأيتم معاوية على منبري، فاقتلوه.

٢٩

به نطاق البيان. وانا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين، ولو لم يتصور أن يكون له مَثل من الفاسقين. والظاهر أنه لم يتب، واحتمال توبته أضعف من إيمانه. ويلحق به ابن زياد، وابن سعد وجماعة، فلعنة الله عليهم وعلى أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم ومَن مال إليهم إلى يوم الدين، ما دمعت عين على أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام .

ويعجبني قول شاعر العصر، ذي الفضل الجلي، عبد الباقي افندي العمري الموصلي، وقد سئل عن لعن يزيد، فقال:

يزيد على لعني عريض جنابه

فاغدو به طول المدى العن اللعنا

ومَن يخشى القيل والقال من التصريح بلعن ذلك الضليل، فليقل: لعن الله عز وجلّ من رضي بقتل الحسينعليه‌السلام ، ومن آذى عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بغير حقٍّ، ومن غصبهم حقهم، فإنه يكون لاعناً له؛ لدخوله تحت العموم دخولاً اولياً في نفس الأمر. ولا يخالف أحداً في جواز اللعن بهذه الألفاظ ونحوها، سوى ابن العربي المار ذكره وموافقيه، فإنهم على ظاهر ما نقل عنهم، لا يجوّزون لعن مَن رضي بقتل الحسينعليه‌السلام ! وذلك لعمري هو الضلال البعيد الذي يكاد يزيد على ضلال يزيد!.

ثم قال: نقل البرزنجي في (الاشاعة)، والهيثمي في (الصواعق المحرقة)، أن الإمام أحمد لما سأله ابنه عبد الله عن لعن يزيد قال: كيف لا يلعن مَن لعنه الله في كتابه! فقال عبد الله: قرأت كتاب الله عز وجل فلم أجد فيه لعن يزيد! فقال الإمام: إن الله يقول: ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ) (١) ، وأي فساد وقطيعة أشد مما فعله يزيد!.

وقد جزم بكفره وصرّح بلعنه جماعة من العلماء، منهم: القاضي أبو يعلى، والحافظ ابن الجوزي، وقال التفتازاني: لا نتوقف في شأنه، بل في إيمانه، لعنة الله عليه وعلى أعوانه وأنصاره، وصرح بلعنه جلال الدين السيوطي.

وفي تاريخ ابن الوردي، والوافي بالوفيات: لما وردت على يزيد نساء الحسين وأطفاله، والرؤوس على الرماح، وقد أشرف على ثنية جيرون ونعب الغراب، قال:

لما بدت تلك الحمول وأشرقـت

تلك الشموس على رُبى جيرونِ

نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل

فلقد قـضيت من النبـي ديوني

____________________________

(١) سورة محمّد / ٢٢ - ٢٣.

٣٠

يعني: أنه قتل بمن قتله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر؛ كجده عتبة وخاله ولد عتبة وغيرهما، وهذا كفر صريح، فاذا صح عنه، فقد كفر به. ومثله تمثله بقول عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه بـ (ليت أشياخي ببدر...) الأبيات انتهى(١) .

إلى كثير من موبقاته وإلحاده، فاستحق بذلك اللعن من الله وملائكته وأنبيائه، ومَن دان بهم من المؤمنين إلى يوم الدين. ولم يتوقف في ذلك إلا من حُرم ريح الإيمان، وأعمته العصبية عن السلوك في جادّة الحقِّ؛ فأخذ يتردد في سيره، حيران لا يهتدي إلى طريق، ولا يخرج من مضيق.

ولم يتوقف المحققون من العلماء في كفره وزندقته، فيقول ابن خلدون: غلط القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي، إذ قال في كتابه (العواصم والقواصم): إن الحسين قُتل بسيفِ شرعه، غفلة عن اشتراط الإمام العادل في الخلافة الإسلامية! ومَن أعدل من الحسين في زمانه وإمامته وعدالته في قتال أهل الآراء!؟. وفي الصفحة نفسها ذكر الاجماع على فسق يزيد، ومعه لا يكون صالحاً للإمامة، ومن أجله كان الحسينعليه‌السلام يرى من المتعين الخروج عليه، وقعود الصحابة والتابعين عن نصرة الحسين لا لعدم تصويب فعله، بل لأنهم يرون عدم جواز اراقة الدماء، فلا يجوز نصرة يزيد بقتال الحسين، بل قتله من فعلات يزيد المؤكدة لفسقه والحسين فيها شهيد(٢) .

ويقول ابن مفلح الحنبلي: جوّز ابن عقيل وابن الجوزي الخروج على الإمام غير العادل، بدليل خروج الحسين على يزيد؛ لاقامة الحق. وذكره ابن الجوزي في كتابه (السر المصون) من الاعتقادات العامية التي غلبت على جماعة من المنتسبين إلى السنة، إنهم قالوا: كان يزيد على الصواب، والحسين مخطئ في الخروج عليه. ولو نظروا في السِّير لعلموا كيف عُقدت البيعة له والزم الناس بها، ولقد فعل مع الناس في ذلك كلَّ قبيح، ثم لو قدرنا صحة خلافته، فقد بدرت منه بوادر وظهرت منه أمور، كلٌّ منها يوجب فسخ ذلك العقد؛ من نهب المدينة، ورمي الكعبة بالمنجنيق، وقتل الحسين وأهل بيتهعليهم‌السلام وضربه على ثناياه بالقضيب، وحمل

____________________________

(١) تفسير روح المعاني ٢٦ / ٧٣، آية: (فهل عسيتم أن توليتم).

(٢) مقدمة ابن خلدون / ٢٥٤- ٢٥٥ عند ذكر ولاية العهد.

٣١

رأسه على خشبة، وإنما يميل إلى هذا جاهل بالسيرة، عامّي المذهب، يظن أنه يغيظ بذلك الرافضة(١) .

وقال التفتازاني: الحقُّ إن رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره به، واهانته أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مما تواتر معناه وان كان تفاصيله آحاد. فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في إيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه(٢) .

وقال ابن حزم: قيام يزيد بن معاوية؛ لغرض دنيا فقط، فلا تاويل له. وهو بغي مجرد(٣) . ويقول الشوكاني: لقد أفرط بعض أهل العلم فحكموا: بأن الحسين السبطرضي‌الله‌عنه وأرضاه، باغ على الخِمّير السكّير، الهاتك لحرمة الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية! لعنهم الله. فيا للعجب من مقالات تقشعر منها الجلود، ويتصدع من سماعها كل جلمود!!(٤) .

وقال الجاحظ: المنكرات التي اقترفها يزيد؛ من قتل الحسين، وحمله بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبايا، وقرعه ثنايا الحسين بالعود، واخافته أهل المدينة، وهدم الكعبة، تدل على القسوة والغلظة والنصب، وسوء الرأي والحقد والبغضاء، والنفاق والخروج عن الايمان. فالفاسق ملعون، ومن نهى عن شتم الملعون فملعون(٥) .

ويحدث البرهان الحلبي، إن الاستاذ الشيخ محمّد البكري تبعاً لوالده كان يلعن يزيد ويقول: زاده الله خزياً وضِعه وفي أسفل سجين وضَعه(٦) كما لعنه أبو الحسن علي بن محمّد الكياهراسي، وقال: لو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي الرجل(٧) . وحكى ابن العماد عنه، أنه سئل عن يزيد بن معاوية، فقال: لم يكن من الصحابة؛ لأنه ولد أيام عمر بن الخطاب. ولأحمد فيه قولان؛ تلويح وتصريح. ولمالك قولان؛ تلويح وتصريح. ولأبي حنيفة قولان؛ تلويح وتصريح. ولنا قول واحد

____________________________

(١) الفروع ٣ / ٥٤٨ باب قتال أهل البغي- مطبعة المنار- سنة ١٣٤٥ ﻫـ.

(٢) شرح العقائد النسفية ص ١٨١ طبع الاستانة سنة ١٣١٣ هـ.

(٣) المحلّى ١١ / ٩٨.

(٤) نيل الاوطار ٧ / ١٤٧.

(٥) رسائل الجاحظ ص ٢٩٨ الرسالة الحادية عشرة في بني أمية.

(٦) السيرة الحلبية.

(٧) وفيات الاعيانلابن خلكان ترجمة علي بن محمّد بن علي الكياهراسي، ومرآة الجنان لليافعي ٣ / ١٧٩.

٣٢

تصريح دون تلويح، وكيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد، ومدمن الخمر، وشعره في الخمر معلوم(١) . ويقول الدكتور علي ابراهيم حسن: كان يزيد من المتّصفين بشرب الخمر واللهو والصيد(٢) .

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: كان يزيد بن معاوية ناصبياً فظاً، غليظاً جلفاً، يتناول المسكر ويفعل المنكر، افتتح دولته بقتل الشهيد الحسين، وختمها بوقعة الحَرّة؛ فمقته الناس ولم يُبارك في عمره(٣) .

وقال الشيخ محمّد عبده: اذا وجدت في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع، وحكومة جائرة تعطله، وجب على كلّ مسلم نصر الاُولى. ثم قال: ومن هذا الباب خروج الإمام الحسين سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على إمام الجور والبغي، الذي ولي أمر المسلمين بالقوّة والمكر، يزيد بن معاوية، خذله الله وخذل مَن انتصر له من الكرامية والنواصب(٤) . وقال ابن تغربردي الحنفي: كان يزيد فاسقاً، مدمن الخمر(٥) ، وقال: أخذت فتاوى العلماء بتعزير عمر بن عبد العزيز القزويني؛ إذ قال أمير المؤمنين يزيد، ثم اُخرج من بغداد إلى قزوين(٦) . وقال أبو شامة: دخل بغداد أحمد بن اسماعيل بن يوسف القزويني فوعظ بالنظامية، وفي يوم عاشوراء قيل له: إلعن يزيد بن معاوية. قال: ذلك إمام مجتهد. ففاجأه أحدهم فكاد يُقتل، وسقط عن المنبر. ثم أخرجوه إلى قزوين، ومات بها سنة (٥٩٠) هـ(٧) .

وقال سبط ابن الجوزي: سئل ابن الجوزي عن لعن يزيد فقال: أجاز أحمد لعنه، ونحن نقول لا نحبه؛ لما فعل بابن بنت نبينا، وحمله آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبايا إلى الشام على أقتاب الجمال، وتجرِّيه على آل رسول الله، فإنْ رضيتم بهذه المصالحة بقولنا لا نحبه، وإلا رجعنا إلى أصل الدعوى جواز لعنته(٨) .

____________________________

(١) شذرات الذهب لابن العماد ٣ / ١٧٩ سنة ٥٠٤هـ.

(٢) تاريخ الإسلام العام / ٢٧٠، الطبعة الثالثة.

(٣) نقله عنه في الروض الباسم للوزير اليماني ٢ / ٣٦.

(٤) تفسير المنار١ / ٣٦٧ في سورة المائدة: آية ٣٧ و ج ١٢ ص ١٨٣و ١٨٥.

(٥) النجوم الزاهرة ١/ ١٦٣.

(٦) النجوم الزاهرة ٦ / ١٣٤ سنة ٥٩٠ هـ.

(٧) رجال القرنين لأبي شامة / ٦، ومضمار الحقائق لتقي الدين عمر ابن شاهنشاه الايوبي، المتوفى سنة ٦١٧ ﻫـ- تحقيق الدكتور حسن حبشي ص١٢٠- حوادث سنة ٥٧٩ﻫـ.

(٨) مرآة الزمان ٨ / ٤٩٦ طـ حيدراباد.

٣٣

وذكر أبو القاسم الزجاجي باسناده عن عمر بن الضحّاك، قال: كان يزيد بن معاوية ينادم (قرداً)، فأخذه يوماً وحمله على إتان وحشي وشد عليها رباطاً، وأرسل الخيل في أثرها حتّى حسرتها الخيل فماتت الأتان، فقال يزيد بن معاوية:

تمسك أبا قيس بفضل عنانـه

فليس علينا أن هلكت ضمان

كما فعل الشيخ الذي سبقت به

زياداً أمير المؤمنين إتان(١)

وما ذكره ابن الأثير عن أبي يعلى حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، أنه قال: أنا لا اكفّر يزيد؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :«سألت الله تعالى أن لا يسلط على بنيَّ من غيرهم، فأعطاني ذلك» (٢) . لا يتابع عليه؛ لأن شرف أبي يعلى وجلالته وثقته، تبعد صدور هذه الكلمة الجافّة عنه، وإن سبقه إليها الرافعي في التدوين في علماء قزوين(٣) . وعلى فرض صدورها منه، فمن المقطوع به صدورها منه تقية. وقد بالغ الميرزا عبد الله افندي تلميذ المجلسي في إنكارها(٤) ؛ لأن كل من ترجم له من علماء الرجال مدحه واطراه بالجميل، ولم يذكر ذلك عنه، ولو كان لصدورها عنه عين أو أثر لمقتوه من أجلها. وقد ترحّم عليه الشيخ الصدوق في كتبه وترضّى عنه؛ لأنه من مشائخه.

وفي عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ص ٤٩٣ باب ٣٩ حدّثه بقم سنة (٣٣٩) هـ عمّا كتبه إليه علي بن إبراهيم بن هاشم سنة (٣٠٩) هـ، عن ياسر الخادم عن الرضاعليه‌السلام الخ حتّى أن الخطيب البغدادي مع تعصبه ترجم له، ولم يذكر عنه هذه الكلمة النابية(٥) ، فهذه الكلمة من زيادات الرافعي وابن الأثير، الغير المقرونة بأصل وثيق.

وبعد مقت أعلام الاُمّة ليزيد، نحاسب عبد المغيث بن زهير بن علوي الحربي عن الاُصول الصحيحة التي استقى منها كتابه، الذي صنّفه في فضائل يزيد(٦) ! وأي مأثرة صحيحة وجدها له حتّى سجّلها في كتابه؟! وهل حياته كلّها إلا مخازٍ وتهجمات على قدس الشريعة؟؛ لذلك لم يعبأ العلماء بهذا الكتاب. فيقول:

____________________________

(١) أمالي الزجاجي ص ٤٥ طـ المكتبة المحمودية - مصر.

(٢) كامل ابن الاثير ٤ / ٥١ (حوادث سنة ٦٤ ﻫـ) عليه مروج الذهب.

(٣) التدوين في علماء قزوين ٢ / ١٨٤ تصوير في مكتبة السيد الحكيم.

(٤) رياض العلماء (بترجمته)، مخطوط في مكتبة السيد الحكيم.

(٥) تاريخ بغداد ٨ / ١٨٤ طبع أول.

(٦) طبقات الحنابلة ١ / ٣٥٦.

٣٤

ابن العماد في شذرات الذهب ج٤ ص ٢٧٥ حوادث السنة ٥٨٣ هـ أتى فيه بالموضوعات وفي البداية لابن كثير ج١٢ ص ٣٢٨ ردّ عليه ابن الجوزي فأجاد وأصاب وفي كامل ابن الأثير ج ١١ ص ٢١٣ عليه مروج الذهب أتى فيه بالعجائب وفي طبقات الحنابلة لابن رجب ج ١ ص ٣٥٦ صنّف ابن الجوزي في الردّ عليه سماه الردّ على المتعصب العنيد، المانع من لعن يزيد.

ومن الغريب ما أفتى به عبد الغني المقدسي، حين سئل عن يزيد فقال: خلافته صحيحة؛ لأن ستّين صحابياً بايعه، منهم: ابن عمر. ومن لم يحبه لا ينكر عليه؛ لأنه ليس من الصحابة، وإنما يمنع من لعنه؛ خوفاً من التسلق إلى أبيه، وسداً لباب الفتنة(١) !!. وأغرب من هذا، إنكار ابن حجر الهيثمي رضا يزيد بقتل الحسينعليه‌السلام ، أو أنه أمر به(٢) مع تواتر الخبر برضاه، ولم ينكره إلا من أنكر ضوء الشمس!!.

قال ابن جرير والسيوطي: لما قُتل الحسين سُرَّ يزيد بمقتله، وحسنت حال ابن زياد عنده، ثم بعد ذلك ندم(٣) . وقال الخوارزمي: قال يزيد للنعمان بن بشير: الحمد لله الذي قتل الحسين(٤) . وقد احتفظوا بمنكراته كاحتفاظهم ببغي أبيه معاوية، ومعاندته لقوانين صاحب الدعوة الإلهية، أليس هو القائل لأبيه صخر لما أظهر الإسلام فرقاً من بوارق المسلمين؟

يـا صـخر لا تسلمن طوعاً فتفضحنا

بـعـد الـذيـن ببدر أصبحوا مزقا

لا تـركـنن إلــى أمـر تـقلِّدنا

والـراقـصاتِ بنعمان به الحرقا(٥)

فـالـمـوت أهون من قيل الصباة لنا

خـيـل ابن هند عن العزّى كذا فرقا

فـان أبـيـت أبـيـنـا ما تريد ولا

تدع عن اللات والعزّى اذا اعتنقا (٦)

ويقول ابن أبي الحديد: طعن كثير من أصحابنا في دين معاوية، وقالوا: إنه كان ملحداً لا يعتقد بالنبوة. ونقلوا عنه في فلتات كلامه ما يدل عليه(٧) .

____________________________

(١) طبقات الحنابلة لابن رجب ٢ / ٣٤.

(٢) الفتاوى الحديثية ص ١٩٣.

(٣) تاريخ الطبري٧ / ١٩ طبعة أولى و تاريخ الخلفاء ١ / ١٣٩ (عند أحوال يزيد).

(٤) مقتل الحسين للخوارزمي٢ / ٥٩.

(٥) تذكرة الخواص / ١١٥ طـ ابران.

(٦) التعجب للكراجكي ص ٣٩، ملحق بكنز الفوائد.

(٧) شرح نهج البلاغة ١ / ٤٦٣ طـ اول -  مصر.

٣٥

وجدّه صخر، هو القائل للعبّاس يوم الفتح: إن هذه ملوكية. فقال العبّاس: ويلك إنها نبوة(١) . وفي معاوية، يقول أحمد بن الحسين البيهقي: خرج معاوية من الكفر إلى النفاق في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعده رجع إلى كفره الأصلي(٢) .

فابن ميسون عصارة تلكم المنكرات، فمتى كان يصلح لشيء من الملك فضلاً عن الخلافة الإلهية، وفي الاُمّة ريحانة الرسول وسيد شباب أهل الجنة؟!. أبوه من قام الدين بجهاده، واُمّه سيدة نساء العالمين، وهو الخامس لأصحاب الكساء، وعدل الكتاب المجيد في (حديث الثقلين)، يتفجر العلم من جوانبه، ويزدهي الخُلق العظيم معه أينما يتوجه، وعبق النبوة بين أعطافه، وألق الإمامة في أسارير وجهه. والى هذا يشيرعليه‌السلام لمّا عرض الوليد البيعة، فقال:«أيها الأمير، إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا يختم. ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، وقاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق. ومثلي لا يبايع مثله» (٣) .

وبعد هذا، فلنسأل هذا المتحذلق عن قوله: (خرج الحسين بعد انعقاد البيعة ليزيد)، متى انعقدت هاتيك البيعة الغاشمة؟ ومتى اجتمع عليها أهل الحل والعقد؟ أيوم كان يأخذها أبوه تحت بوارق الإرهاب؟! أم يوم إسعاف الصِلات لرواد الشره رضيخة يتلمظون بها؟!(٤) أم يوم عرضها عمال يزيد على الناس، فتسلل عنها ابن الرسول ومعه الهاشميون، وفر ابن الزبير إلى مكّة وتخفى ابن عمر في بيته؟(٥) . وكان عبد الرحمن ابن أبي بكر يجاهر بأنها هرقلية؛ كلما مات هرقل قام هرقل مكانه(٦) ، وكان يقول: إنّها بيعة قوقية، وقوق هو اسم قيصر(٧) فأرسل له معاوية مئة ألف درهم يستعطفه بها، فردها وقال: لا أبيع ديني بدنياي(٨) ، وقال

____________________________

(١) كامل بن الاثير ٢ / ٩٣ عليه مروج الذهب و تاريخ الطبري ٣ / ١١٧ طبعة أولى.

(٢) هدية الأحباب / ١١١ بترجمة البيهقي.

(٣) الملهوف على قتلى الطفوف ص ٩٨.

(٤) تاريخ الطبري ٦ / ١٣٥، وابن خلكان بترجمة الأحنف.

(٥) تاريخ الطبري ٦ / ١٧٠.

(٦) الكامل في التاريخ ٣ / ١٩٩، مجالس ثعلب / ٥١٩، الفائق للزمخشري٢ / ٢٠٣ طبع مصر.

(٧) سلس الغانيات- نعمان خيري الآلوسي / ٤١.

(٨) تهذيب الأسماء ١ / ٢٩٤.

٣٦

عبد الله بن عمرو بن العاص لعابس بن سعيد، الذي حثّه على البيعة ليزيد: أنا أعرف به منك، وقد بعتَ دينك بدنياك(١) . وقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي للشامي الذي أرسله مروان بن الحكم ليبايع ليزيد: يأمرني مروان أن أبايع لقوم ضربتهم بسيفي حتّى أسلموا! والله ما أسلموا ولكن استسلموا(٢) .

وقال زياد بن أبيه لعبيد بن كعب النميري: كتب إليّ معاوية في البيعة ليزيد، وضمان أمر الإسلام عظيم؛ إنَّ يزيد صاحب رسلة وتهاون مع ما اولع به من الصيد، فأخبر معاوية عني، وأخبره عن تهاون يزيد بأمر الدين وفعلاته المنكرة(٣) .

وقد أنكر على معاوية سعيد بن عثمان بن عفان، وفيما كتب إليه: إن أبي خير من أب يزيد، وأمي خير من امّه، وأنا خير منه(٤) . وكان الأحنف بن قيس منكراً لها، وكتب إليه يعرفه الخطأ فيما قصده من البيعة لابنه يزيد، وتقديمه على الحسن والحسين مع ما هما عليه من الفضل والى من ينتميان، وذكّره بالشروط التي أعطاها الحسن، وكان فيها أن لا يقدم عليه أحداً، وإن أهل العراق لم يبغضوا الحسنين منذ أحبوهما، والقلوب التي أبغضوه بها بين جوانحهم(٥) .

وحرص أبيُّ الضيم سيد الشهداء على نصح معاوية وارشاده إلى لاحب الطريق، وتعريفه منكرات يزيد، وإن له الفضل عليه بكل جهاته، وفيما قال له:«إنّ اُمّي خير من اُمّه، وأبي خير من أبيه» . فقال معاوية: أمّا امّك، فهي ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهي خير من امرأة من كلب. وأمّا حبي يزيد، فلو اُعطيت به ملء الغوطة لما رضيت. وأمّا أبوك وأبوه، فقد تحاكما إلى الله تعالى فحكم لأبيه على أبيك(٦) .

إلى هنا سكت أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام ؛ لأنه عرف ألا مقنع لابن آكلة الأكباد بالحقيقة، وإنما لم يقل معاوية (إنّ أباه أفضل من أبيك)؛ لعلمه بعدم سماع أحد منه ذلك، ولشهرة سبق عليعليه‌السلام إلى الإسلام واجتماع المحامد

____________________________

(١) القضاة للكندي / ٣١٠ اوفست.

(٢) تهذيب تاريخ ابن عساكر ٦ / ١٢٨.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ١٦٩ (حوادث سنة ٥٦).

(٤) نوادر المخطوطات- الرسالة السادسة / ١٦٥ في المغتالين لمحمد بن حبيب.

(٥) الإمامة والسياسة ١ / ١٤١، مطبعة الاُمّة- مصر / ١٣٢٨ ﻫـ.

(٦) المثل السائر لابن الاثير ١ / ٧١ باب الاستدراج- طبع مصر / ١٣٥٨ ﻫـ.

٣٧

فيه، وتقدّمه على غيره في الفضائل جمعاء؛ لذلك عدل معاوية إلى الإيهام بايجاد شبهة المنافرة والمحاكمة، وهذا ما يسمّيه علماء البلاغة بالاستدراج.

ومرّة اُخرى، قال له سيد الشهداء أبو عبد اللهعليه‌السلام :«لقد فهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله سياسته لاُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، تريد أن توهم على الناس كأنك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تخبر عمّا احتويته بعلم خاص، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد من استقرائه الكلاب المهارسة (١) ، والحمام السبق، والقَينات ذوات المعازف وضرب الملاهي تجده ناصراً، ودع ما تحاول فما أغناك أن تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر مما أنت فيه، فوالله ما برحت تقدم باطلاً في جور، وحنقاً في ظلم حتّى ملأت الأسقية، وما بينك وبين الموت إلا غمضة، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص» (٢) .

وكتبعليه‌السلام إليه مرّة ثالثة:«إعلم إن لله عز وجل كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها، وليس الله تعالى بناسٍ أخذك بالظنة، وقتلك اولياءه على التُّهم، ونفيك لهم عن دورهم إلى دار الغربة. أولست قاتل حجر أخي كندة والمصلين العابدين؛ الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ولا يخافون في الله تعالى لومة لائم؟ أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، العبد الصالح الذي أبلته العبادة؛ فنحل جسمه، واصفرّ لونه بعدما آمنته وأعطيته من عهود الله عز وجل، ولو أعطيته طائراً لنزل إليك من رأس جبل؛ جرأة منك على ربك، واستخفافاً بذلك العهد؟ أولست المدّعي (ابن سمية) المولود على فراش عبيد ثقيف، فزعمت أنه من أبيك وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الولد للفراش وللعاهر الحجر، فتركت سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تعمداً، واتبعت هواك بغير هدى من الله تعالى، ثم سلطته على العراقين يقطع أيدي المسلمين، ويُسمل أعينهم، ويصلبهم على جذوع النخل. كأنك لست من هذه الاُمّة وليسوا منك!؟ أولست الكاتب لزياد أن يقتل كلَّ مَن كان على دين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ فقتلهم ومثّل بهم بأمرك. ودين علي عليه‌السلام هو دين الله عز وجل الذي به ضرب أباك وضربك، وبه جلست مجلسك الذي جلست؟

____________________________

(١) في الآداب السلطانية لابن الطقطقي / الفصل الأول صفحة ٣٨: كان يزيد بن معاوية يلبس كلاب الصيد اساور الذهب، والجلاجل المنسوجة منه، ويهب لكل كلب عبداً يخدمه.

(٢) الإمامة والسياسة ١ / ١٥٤.

٣٨

وإنّ أخذك الناس ببيعة ابنك يزيد، وهو غلام حدث يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب؛ فقد خسرت نفسك، وبترت دينك وأخرجت أمانتك» (١) .

وكتب إليه مرة رابعة يعدد عليه بوائقه؛ وذلك لما قتل زياد ابن أبيه مسلم بن زيمر، وعبد الله بن نجي الحضرميَّين، وصلبهما على أبواب دورهما بالكوفة أياماً، وكانا من شيعة علي أمير المؤمنينعليه‌السلام . وفيما كتب إليه:«ألست صاحب حِجر والحضرميَّين اللذين كتب إليك ابن سمية أنهما على دين علي عليه‌السلام ورأيه. فكتبت إليه: مَن كان على دين علي ورأيه فاقتله وامثل به، فقتلهما ومثل بامرك بهما؟ ودينُ علي وابن عم علي الذي كان يضرب عليه أباك، ويضربه عليه أبوك، جلست مجلسك الذي أنت فيه. ولولا ذلك، كان أفضل شرفك وشرف أبيك تجشم الرحلتين اللتين بنا منَّ الله عليك بوضعها عنكم.....» في كلام طويل يوبّخه فيه بادّعائه زياداً، وتوليته على العراقين(٢) .

ولم تُجدِ هذه النصائح من ابن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في دحض باطل معاوية، بعد أن سدّت بوارق الإرهاب، وبواعثُ الطمع طريق الحقّ. لكن معاوية بدهائه المعلوم لم يرقه أن يمس الحسينَعليه‌السلام سوءٌ؛ خشية سوء الفتنة وانتكاث الأمر، لما يعلمه أن (أبيَّ الضيم) لا يتنازل إلى الدنية إلى نفس يلفظه، وأن شيعته يومئذ غيرهم بالأمس على عهد أخيه الإمام المجتبى، فإنهم ما زالوا يتذمرون من عمّال معاوية؛ للتنكيل الذريع بهم حتّى بلغ الحال، أن الرجل منهم يستهين أن يقال له: زنديق، ولا يقال له (ترابي)!.

وكم من مرة واجهوا الإمام المجتبىعليه‌السلام بكلام أمرّ من الحنظل مع اعترافهم له بالإمامة، وإذعانهم بأن ما صدر منه عن صلاح إلهي، وأمر ربوبي. وحتى أنهم استنهضوا الحسينعليه‌السلام غير مرّة فلم ينهض معهم؛ رعاية للميثاق، وإرجاء الأمر إلى وقته المعلوم لديه من جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبيه الوصيعليه‌السلام .

فمعاوية يعلم أنه لو اُصيب الحسينعليه‌السلام بسوء - والحالة هذه - تلتف الشيعة حوله؛ فيستفحل الخطب بينه وبين معاوية.

____________________________

(١) رجال الكشي / ٣٢ طـ الهند، ترجمة عمرو بن الحمق، الدرجات الرفيعة /٤٣٤ طـ النجف.

(٢) المحبر لابن حبيب / ٤٧٩ طـ حيدر آباد.

٣٩

وللعلة هذه بعينها؛ أوصى ولده يزيد بالمسالمة مع الحسين إن استبد بالأمر، ومهما يجد من أبيِّ الضيم مخاشنة وشدة. فقال له: إنّ أهل العراق لن يدعوا الحسين حتّى يخرجوه، فإن خرج عليك وظفرت به، فاصفح عنه، فإنّ له رحماً ماسة، وحقاً عظيماً(١) . لكن (يزيد الجهل)؛ لغروره المُردي لم يكترث بتلك الوصيّة، فتعاورت عليه بوادره، وانتكث فتله. ولئن سرَّ (يزيد الخزاية) الفتحُ العاجل، فقد أعقب فشلاً قريباً، وكاشفه الناس بالسباب المقذع، وأكثروا باللائمة عليه حتّى ممّن لم ينتحل دين الإسلام.

وحديث رسول ملك الروم مع يزيد في المجلس، حين شاهد الرأس الأزهر بين يديه يقرعه بالعود! أحدث هزّة في المجلس، وعرف يزيد أنه لم تُجدِ فيهم التمويهات. وكيف تجدي وقد سمع من حضر المجلس صوتاً عالياً من الرأس المقدس، لمّا أمر يزيد بقتل ذلك الرسول«لا حول ولا قوة إلا بالله» (٢) ؟ وأي أحد رأى أو سمع قبل يوم الحسينعليه‌السلام رأساً مفصولاً عن الجسد ينطق بالكلام الفصيح؟ وهل يقدر ابن ميسون أن يقاوم أسرار الله، أو يطفئ نوره الأقدس؟... كلا.

ولقد فشا الإنكار عليه من حريمه وحامته حتّى أن زوجته هند(٣) لما أبصرت

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ١٧٩.

(٢) عوالم الامام الحسين / ١٥٠ للمحدث عبد الله البحراني، ترجمته في روضات الجنات / ٣٧٠ آخر ترجمة الشيخ عبد الله ابن الحاج صالح السماهيجي جامع الصحيفة العلوية.

(٣) قصة تزويج هند زوجة عبد الله بن عامر بن كريز من يزيد، واجبار زوجها على الطلاق، من الأساطير التي أراد واضعها الحطَّ من كرامة سيدي شباب أهل الجنة؛ الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فرويت بصور مختلفة.

(الصورة الاولى) في مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ١٥١ طـ النجف، بالاسناد إلى يحيى بن عبد الله بن بشير الباهلي، قال: كانت هند بنت سهيل بن عمرو عند عبد الله بن عامر بن كريز، وكان عامل معاوية على البصرة. فاقطعه خراج البصرة على أن يتنازل عن زوجته هند؛ لرغبة يزيد فيها. وبعد انتهاء العدّة أرسل معاوية أبا هريرة ومعه ألف دينار مهراً لها، وفي المدينة ذكر أبو هريرة القصة للحسين بن عليعليه‌السلام ، فقال:«اذكرني لهند» . ففعل أبو هريرة، واختارت الحسين فتزوجها، ولمّا بلغه رغبة عبد الله بن عامر فيها، طلّقها وقال له:«نِعم المُحلل كنت لكما» . وفي اسناده يحيى بن عبد الله بن بشير الباهلي عن ابن المبارك وهو مجهول عند علماء الرجال.

(الصورة الثانية) في المصدر نفسه / ١٥٠ مسنداً عن الهذلي عن ابن سيرين: إن عبد الرحمن بن عناب بن اُسيد كان أبا عذرتها، طلقها وتزوجها عبد الله بن عامر بن كريز. وذكر كما في الصورة الاولى، إلا أنه أبدل الحسين بالحسنعليه‌السلام ، وأنه قال لعبد الله بن عامر بعد أن طلقها: «لا تجد مُحلّلاً خيراً لكما مني». وكانت هند تقول: سيدهم حسن. واسخاهم عبد الله. وأحبهم إليَّ عبد الرحمن. وفي تهذيب التهذيب ٢ / ٤٥: إن الهذلي هو أبو بكر، كذّاب عند ابن معين، ضعيف عند أبي زرعة، متروك الحديث عند النسائي. =

٤٠