المناهج الروائية عند الشريف المرتضى

المناهج الروائية عند الشريف المرتضى0%

المناهج الروائية عند الشريف المرتضى مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 353

المناهج الروائية عند الشريف المرتضى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: وسام الخطاوي
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 353
المشاهدات: 47069
تحميل: 7444

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 353 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 47069 / تحميل: 7444
الحجم الحجم الحجم
المناهج الروائية عند الشريف المرتضى

المناهج الروائية عند الشريف المرتضى

مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مؤسّسة دار الحديث العلميّة الثقافية

مركز الطباعة والنّشر

١

٢

المناهج الرّوائية

عند الشّريف المرتضى

(355 - 436 هـ)

وِسامُ الخَطاوي

٣

٤

الفهرس الإجمالي

المقدّمة 9

الباب الأوّل: الشريف المرتضى (قدس سرّه) حياته، ثقافته، عصره 11

الباب الثاني: مناهج الشريف المرتضى 55

الفصل الأوّل: منهجه في المباحث القرآنية 65

الفصل الثاني: منهجه في المباحث الفقهية 93

الفصل الثالث: منهجه في المباحث الأصولية 127

الفصل الرابع: منهجه في المباحث العقائدية والكلامية 165

الخاتمة 311

الفهارس 330

٥

٦

تصدير:

من المعروف أنّ الحديث الشريف قد مرّ منذ نشأته إلى يومنا هذا بمنعطفات وتقلّبات، والذي يتكفّل بتسليط الضوء على هذا المسار وبيان خصائصه هو تاريخ الحديث، ومن المباحث المهمّة الأخرى التي يتناولها تاريخ الحديث أيضاً كيفية ظهور الحديث، وطريقة تعاطي أصحاب رسول الله والأئمّة الأطهار - صلوات الله عليهم - معه، وكذا الأسلوب الذي تلقّى به العلماء الكبار هذا المصدر المهمّ والأساسي للشريعة.

إنّ دراسة التاريخ الحديث شرط لازم للنهوض بعملية التحقيق الصحيح في الحقول المختلفة لعلوم الحديث؛ وذلك لأنّ موضوع الحديث ظاهرة تاريخية ولا يمكن إجراء بحث دقيق دون أخذ مساره التاريخي بنظر الاعتبار، ومن المؤكّد أنّ دراسة سند الحديث أو متنه - وكلّ ما يتعلّق به - دراسةٌ جزئية لا تأخذ بنظر كلّ تاريخ الحديث أو جوانب منه، وتعدّ في الواقع دراسة افتراضية وانتزاعية، وفي الكثير من الحالات تكون هناك خشية أن تأتي نتيجة هذه الدراسات بعيدة عن الواقع.

وعلى صعيد آخر تعرّض الحديث - باعتباره ظاهرة تاريخية - لهجوم الشبهات التاريخية أيضاً، ولا يمكن تفنيد هذه الشبهات دون إجراء دراسة في تاريخ الحديث.

ومن الطبيعي أنّ اتصال الحديث بعصر المعصوم وبقائه مصوناً من تحريف الأعداء الصريحين والمبطّنين، ممّا يجب إثباته بالدراسة التاريخية من أجل أن

٧

يكون للحديث دعامة علمية رصينة.

وانطلاقاً من هذه الضرورة فقد عقد قسم تاريخ الحديث في مركز بحوث دار الحديث، العزم على النهوض بدراسة شاملة في هذا المجال، ولكن بما أنّ الأساليب القديمة في تدوين تاريخ الحديث لم تكن ذات شمولية كافية، ولهذا قرّرنا إجراء دراسة لآثار كبار محدّثي الشيعة الذين طرحوا على مدى القرون المختلفة للثقافة الإسلامية آراءً أساسية في موضوع الحديث للتعرّف على المنعطفات في تاريخ الحديث، ونطرح في أعقابها أسلوباً جدياً في تدوين تاريخ الحديث.

وبما أنّ الشريف المرتضى المعروف بعلم الهدى (ت 436هـ) كان من المحقّقين الكبار وصاحب مدرسة في العلوم الإسلامية، واضطلع بدور لا يستهان به في عهد ازدهار المدرسة الحديثية في بغداد، فقد اقترحنا على فضيلة الباحث وسام الخطاوي إجراء تحقيق في المنهج الحديثي عند السيّد الشريف المرتضى (قدس سرّه) فتقبّل المقترح وتكفّل بإنجاز هذه الدراسة.

وهذا الكتاب الذي بين أيديكم هو حصيلة لما قام به من جهد وتحقيق في هذا المضمار، واستكمل هذا العمل في قسم تاريخ الحديث إلى أن أعطى هذه الثمرة.

ونودّ أن نعرب ضمن شكرنا للباحث المحترم والزملاء في القسم المذكور، عن أمانينا لهم بمزيد من الموفّقية، كما نرجو من القرّاء الكرام وأصحاب النظر الأعزاء أن يجودوا علينا بما لديهم من إرشادات وآراء.

محمّد كاظم رحمان ستايش

معاونية البحوث والتعليم في

مركز بحوث دار الحديث

٨

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

الكلام خصب عن المناهج الروائية عند المحدثين؛ لأجل سعة بحر الأحاديث والأخبار، إذ هما أحد العِدلين (الكتاب والعترة)، وما من شكّ أنّ الرؤى تختلف ما بين محدّث وآخر نتيجة مقدار وعيه المعرفي من المنظومة الثقافية المتنوعة، وبالأحرى هي ثقافة نسبية تتعمّق وتتسطح نتيجة الجذور والأسس العلمية عند الفرد.

وإن أمكن وضع الركائز والأسس العلمية على الفقه والكلام والأدب وفروعها من حقول المعارف الإلهية، وبمقدار التعمّق فيها يتأصّل ويتجذّر الشخص في نظرته، ومنه تأتي قراءات النصّ المختلفة حتّى تنتهي إلى طرق دقيقة في الوعي الدّيني.

ومن بين العلماء الّذين يمكن البحث عن مناهجهم الحديثية هو السيّد المرتضى علم الهدى (قدس سرّه) (355 - 436 هـ. ق) والّذي تصدّر في المنظومة المعرفية عند علماء الإسلام، وعرفه جهابذة الطرفين، واعتنى به كلّ من الفريقين حتّى نسبه الفقهاء إلى أنفسهم، والمتكلّمون والأدباء والشعراء إلى طرائقهم، والحقّ مع الكلّ في دعواهم كما يتّضح ذلك من سبر كتبه.

واحتوى البحث على بابين وخاتمة:

الباب الأوّل: احتوى هذا الباب على نبذة مختصرة عن حياة الشريف المرتضى (قدس سرّه) وعصره وآرائه وكتبه ومنزلته العلمية والاجتماعية والسياسية، مأخوذة على نحو

٩

الاختصار من ترجمة المحامي رشيد رضا مع تعديل وإضافة منّا، وهي المطبوعة في أوّل ديوان المرتضى (قدس سرّه).

الباب الثاني: ينقسم هذا الباب إلى أربعة فصول:

الفصل الأوّل: تحدّثنا عن البحوث القرآنية في المنهج الروائي، واشترك هذا الفصل مع الفصل الرابع المخصّص لآرائه الأصولية، حيث طرح الشريف المرتضى (قدس سرّه) بحوثاً تتعلّق بالقرآن الكريم من قبيل التخصيص والتعميم والمطلق والمقيّد، فيمكن للقرّاء أن يكمل معلوماته في منهجية القرآن الكريم من المباحث الأصولية.

الفصل الثاني: تكلّمنا فيه حول المنهجية الحديثية في المنظومة الفقهية، مُحيلين بعض مباحثها مباحثها على البحوث الأصولية في الفصل الثالث.

الفصل الثالث: تحدّثنا عن المنهجية الأصولية ومقدار معطياتها الثرية.

الفصل الرابع: تناولنا فيه المنازلات والأسس العقلية الكلامية في البحوث العقائدية.

الخاتمة: تحتوي على النتائج التي توصّلنا إليها في المناهج الروائية عند الشريف المرتضى (قدس سرّه).

نرجو من المولى أن يسدد جميع الأفاضل الّذين ساعدونا في هذا العمل وبالخصوص حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد كاظم رحمان ستايش والأستاذ المدقّق قاسم الجوادي - دام ظلّهما - فإنّهما واكبا العمل معي إلى آخر لحظاته، وأخصّ بالشكر زوجتي وابناي محمّد حسين وزهراء، الّذين صبروا معي على هذا الوقت، جزاهم الله خير الجزاء.

والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّد وعلى آله الأطهار الميامين.

وسام الخَطاوي      

قم المقدّسة / 1426 هـ. ق

١٠

الباب الأوّل

الشريف المرتضى (قدس سرّه)

حياته، ثقافته، عصره

١١

١٢

تمهيد:

بعد وفاة زعيم الطائفة الحقّة الشيخ المفيد (قدس سرّه) انتهت الزعامة الفكرية للشيعة الإمامية إلى عميد الطائفة الإمامية الشريف المرتضى (قدس سرّه) (335 - 436 هـ. ق)، والّذي كان في وقتها يتولّى نقابة الطالبين (1) وإمارة الحجّ، وديوان المظالم (2) ، ومنصب قاضي القضاة (3) ، كما وأنّه يتّصل من حيث النسب بالإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ومع هذا كلّه فهو يمتلك من الثقافة والمعارف والعلوم ما تجعله مؤهّلاً لأن يحظى بمكانة خاصة على الصعيدين الشعبي والرسمي، إذ إنّه كان قد حاز على العلوم ما لم يدانه فيه أحد في زمانه، وكان أكثر أهل زمانه أدباً وفضلاً.

كما أنّه أخذ يجري على تلامذته رزقاً كلّ بنسبته (4) ، فقد كان يجري على شيخ الطائفة (قدس سرّه) اثني عشر ديناراً شهرياً، بينما كان راتب القاضي ابن البرّاج عبد العزيز (قدس سرّه) ثمانية دنانير شهرياً. (5)

وكان للمرتضى مجلس يناظر فيه كلّ المذاهب (6) ، ممّا وفّر له الأجواء الفكريّة

____________________

(1) المنتظم: ج8، ص120، تاريخ بغداد: ج11، ص402.

(2) مستدرك الوسائل: ج3 ص516، عمدة الطالب: ص194.

(3) مستدرك الوسائل: ج3، ص16.

(4) لؤلؤة البحرين: ص 259.

(5) روضات الجنّات (رحلي): ص383، لؤلؤة البحرين: ص 317.

(6) البداية والنهاية: ج12، ص 53.

١٣

المشبّعة بالإبداع والمهارة في فنّ الخطابة والحوار، وطرح الرأي والدفاع عنه.

فالشريف المرتضى (رحمه الله) كان يعيش أجواء الانفتاح الفكري بين مختلف المذاهب الإسلاميّة، يناظر العلماء، ويردّ الشبهات، ويدافع عن مذهبه بكلّ ما أتي من علمٍ ومعرفةٍ، وقد كانت للشريف المرتضى (قدس سرّه) مكتبة عامرة، يقول عنها أبو قاسم التنوخي: (حصرنا كتبه فوجدنا ثمانين ألف مجلّد من مصنّفاته ومحفوظاته ومقروءاته) (1) ، حتّى قيل: إنّها قد قوّمت بثلاثين ألف دينار، بعد أن أخذ منها الوزراء والرؤساء شطراً عظيماً. (2)

ومعلوم أنّ الشريف المرتضى (قدس سرّه) كان شاعراً مجيداً، له ديوان شعر سطّر فيه أروع القصائد.

وإنّ كلّ تلك المؤهّلات الّتي اتّصف بها الشريف المرتضى (قدس سرّه) والجو الفكري السائد في ذلك العصر، وتوفّر النادر من الكتب والمخطوطات أثرت تأثيراً مباشراً وكبيراً على شخصية مترجمنا، ومنحته القدرة في أن يبلغ مرحلة النضوج العلمي، وأهلته لأن يكون فيما بعد علماً من أعلام التشيع.

وكان لحلقات الدروس والأمالي الّتي كان يمليها السيّد المرتضى (قدس سرّه) على جهابذة مفكّري الإسلام للمذاهب الإسلاميّة المختلفة أثراً كبيراً في تكوين شخصيته العلمية، والإحاطة بالآراء العلمية عن قرب، ومعرفتها من ألسنة أئمّتها وأعلامها المشهورين.

والمتتبع لحياة السيّد المرتضى (قدس سرّه) في أيّام دراسة ببغداد وفيما بعد ذلك، يستطيع القول بأنّ عوامل عديدة استطاعت أن تصقل ثقافته، وتمنحه هذه المكانة العلمية الكبيرة والمتميزة الّتي يمكننا إجمالها فيما يلي:

____________________

(1) مقدّمة أمالي الطوسي للسيّد بحر العلوم: ج1، ص9.

(2) دمية القصر: ص75.

١٤

1 - المؤهّلات الذاتية الّتي يمتلكها السيّد المرتضى (قدس سرّه) من ذكاء وفطنة وسرعة حافظة، ولعلّ نظرة واحدة في كتابه الأمالي توضح للقارئ ما حظي به من موهبة وعقلية عالية، فهو يروي خطباً، أو رسائل كاملة، أو أحاديث مطوّلة على ظهر قلبه، وأشعاراً كثيرة ولغات واشتقاقات، الأمر الذي يؤكّد قوّة الحافظة لديه، وتمكّنه من الاستيعاب، وقدرته على الإلقاء والتلقّي.

2 - توفّر للسيّد المرتضى (قدس سرّه) من الأساتذة ما لم يتوفّر لغيره من الأعلام، فاغترف من علومهم الكثير من المعارف الإسلامية.

3 - توفّرت للسيّد المرتضى (قدس سرّه) مكتبات ودور علم زاخرة بجميع المصنّفات النفيسة، وفي مختلف الفنون والعلوم والآداب، ما أهله لأن يغترف من محتوياتها وكتبها، وهذا ما اكتسبه ثقافة واسعة.

ومن أهمّ تلك المكتبات مكتبة الوزير البويهي شابور بن أردشير، والّتي كانت تضمّ أكثر من عشرة آلاف مجلّد (1) ، والمكتبة الأخرى هي المكتبة الّتي أسّسها هو (قدس سرّه)، والّتي كانت تمنح الطلاب ما يحتاجون إليه من رسائل مادية، والّتي كان فيها ثمانون ألف مجلّد. (2)

4 - التقارب بين علماء المذاهب الإسلاميّة المختلفة، وما سبب ذلك من انفتاح فكري بين مختلف الطوائف الإسلاميّة، يظهر جلياً من خلال المناظرات والمناقشات وشيوع الجدل والحوار في المسائل المختلف عليها، وهذا ما يشجّع على العمّق والاستقصاء لإثراء الموضوعات وإشباعها بحثاً وتفصيلاً، وكان للشريف المرتضى أيضاً مجلس يناظر عنده في كلّ المذاهب. (3)

____________________

(1) خطط الشام لمحمّد كرد علي: ج6، ص185.

(2) عمدة الطالب: ص195.

(3) المصدر السابق: ص53.

١٥

5 - نشوءه في بغداد، هو الّذي هيئ له أن يكون موفقاً في دراسته، حيث كانت هذه المدينة في وقتها ملتقى الرجال الفكر والعلم والأدب، وعاصمة للدولة، ومقرّاً للخلافة، ومركزاً للحضارة الإسلاميّة العظيمة (1) ، وكان التنافس فيها بين الدارسين على أشدّه: لذلك نبغ فيها الكثيرون من الفقهاء، بالإضافة إلى ذلك فقد كانت التسهيلات للطلبة الوافدين إلى بغداد مبذولة، حيث يجد الطلاب المقام والمأوى.

وعلى كلّ حال فالإضافة في ترجمة السيّد الشريف المرتضى (قدس سرّه) أمر تقتضيه بديهة التعريف به، وتمليه طبيعة البحث؛ للوقوف على جوانب هامّة من عناصر شخصيته الفذّة، تلك الشخصية الملمّة، الجامعة لخصال الخير، ومزايا العلم والأدب والفضل والفقه والأصول والكلام. فالشريف المرتضى (قدس سرّه) عالم واسع المعرفة دقيق النظر، واسع المعرفة بطرق الاستدلال ومداخلات الكلام، غزير الاطّلاع، ملمٌّ بفنون جمّة من الثقافة الإسلاميّة والشيعية بالخصوص. والمعرفة الإنسانية في عصره بلغت فيه الحضارة الإسلاميّة بشتّى فروعها وأفانينها مبلغاً عظيماً من الرقي والازدهار في العلوم والفنون والآداب والكلام والفقه والأصول والفلسفة والشعر، حتّى تميّز القرن الرابع الهجري بطابع خاص، صنّفت في خصائصه الكتب الكثيرة، وأفردت فيه المؤلّفات الضخمة، فهو فقيه مسلم بين فقهاء الإمامية، وأحد أعمدتها في الفتيا والاستدلال، ومتكلّم محافظ على أصول المذهب الاثني عشري، وأديب وشاعر مفلق.

والشريف المرتضى (قدس سرّه) عاش في تلك الحقبة من ذلك الزمن الزاهر، والزاخر بالعلوم والمعارف والآداب.

كان (رحمه الله) فقيه الإمامية ومتكلّمها وأديبها ومرجعها في ذلك العصر بعد وفاة أستاذه الجليل الفقيه المتكلّم محمّد بن محمّد بن النعمان، المعروف بابن المعلّم، والمشهور

____________________

(1) محاضرات في الشعر الفارسي لعلي أكبر الفيّاض: ص97.

١٦

بالشيخ المفيد (قدس سرّه)، وهو المبرّز بين تلامذته حتّى على الشيخ الطوسي (قدس سرّه) وأشباهه. ولنا من كتابه الشافي في الإمامة أبلغ حجّة على تعمّقه في علم الكلام، وأوضح دلالة على براعته في فنّ الحجاج والمناظرة في كلّ المذاهب، كما قال ذلك ابن الجوزي في المنتظم. (1)

أمّا في الفقه والأصول، ففي كتبه الانتصار ومسائل الخلاف والناصريات، ورسائله الوافرة، ومسائله الجمّة وكتبه النادرة، خير مثال على فقهه الواسع وتعمّقه الدقيق وتتبعه الشامل.

وأمّا في الأدب واللغة والتفسير والتاريخ والتراجم، فكتابه الأمالي المسمّى: غرر الفوائد ودرر القلائد، أسطع برهان على سعة معرفته في هاتيك الفنون.

وليست بنا حاجة إلى التدليل على شدّة عارضته في الشعر، وتفننه في أغراضه، وتفهمه لمعانيه ومقاصده؛ بعد سبر ديوانه الّذي يضم بين دفتيه قرابة أربعة عشر ألف بيت من الشعر، فضلاً عمّا جمعه ونظمه في أبواب خاصّة، وأغراض مفردة، مثل مجموعته في الشيب والشباب المسمّاة (الشهاب)، وما جمعه ونظمه في (طيف الخيال) و(صفة البرق)، إلى غير ذلك.

فالإسهاب في ترجمته محلّها غير هذه المقدّمة، ولا تتّسم به ظروف هذا العصر من ميسم السرعة وطابع الاختصار، فالّذي سنتعرّض لذكره يكون مفتاحاً لمصاريع واسعة، أو رمزاً إلى مباحث مترامية الأطراف تطلّ على آفاق رحبة من مزايا هذا العالم المتكلّم، والفقيه الأوحد، والفيلسوف الإسلامي البارع، والأديب الألمعي، والشاعر المفلّق، وأخيراً المفسّر الإلهي والمحدّث العقلي، وللمتتبّع مجال آخر، وكم ترك الأوّل للآخر!

____________________

(1) المنتظم: ج8، ص120.

١٧

نبذة عن حياة الشريف المرتضى (قدس سرّه)

مولده:

ولد الشريف المرتضى (قدس سرّه) في دار أبيه بمحلّة باب المحوّل في الجانب الغربي من بغداد ( الكرخ ) الواقعة بين نهر الصراة غرباً ونهر كرخايا شرقاً، ومحلّة الكرخ جنوباً (1) ، في رجب سنة خمس وخمسين وثلاثمئة في خلافة المطيع لله العباسي.

نسبه وأسرته من أبيه وأمّه:

هو السيّد الشريف علي بن الشريف أبي أحمد الحسين نقيب الطالبيين بن موسى الأبرش (الأعرج) بن موسى (أبي سبحة) بن إبراهيم (المرتضى) بن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام).

والده:

هو الشريف أبو أحمد الحسين الملقّب بالطاهر الأوحد ذي المناقب، لقبه بذلك الملك بهاء الدولة البويهي؛ لجمعه مناقب شتّى، ومزايا رفيعة جمّة، وفضلاً عن كونه علوي النسب، هاشمي الأرومة، انحدر من تلك السلسلة الطاهرة؛ فإنّه كان نقيب الطالبيين وعالمهم وزعيمهم، جمع إلى رئاسة الدّين زعامة الدنيا لعلو همّته، وسماحة نفسه، وعظيم هيبته، وجليل بركته، وإلى ذلك أشار ابن مهنّا بنقله عن الشيخ أبي الحسن العمري النسّابة: (كان بصرّياً، وهو أجلّ من وضع على رأسه الطيلسان، وجرّ خلفه رمحاً، (أراد: أجلّ من جمع بينهما)، وكان قوي المنّة، شديد العصبة، يتلاعب بالدول، ويتجرّا على الأمور) (2) .

____________________

(1) انظر الخارطة رقم (7) مقابل ص 197 من تاريخ بغداد في العهد العباسي.

(2) عمدة الطالب: ص 192.

١٨

ويستفاد من هذا القول: أنّ الشريف أبا أحمد كان بطل حرب وسياسة، فضلاً عن كونه رجل علمٍ وزعيم قوم، إلاّ إنّنا لم نقف له في التاريخ على أنّه خاض حرباً أو دخل معركة.

فلهذه الملكات الحميدة، والصفات المجيدة، والهيبة الشديدة، خشيه عضد الدولة البويهي، ولأنّه كان منحازاً لابن عمّه بختيار بن معزّ الدولة، فحين قدم العراق قبض عليه في صفر سنة (369هـ) (1) ، وحمله إلى قلعة بشيراز اعتقله فيها، فلم يزل بها إلى أن مات عضد الدولة سنة (373هـ)، فأطلقه أبو الفوارس شرف الدولة بن عضد الدولة، واستقدمه معه إلى بغداد فأكرمه، وأعظمه، وأعاد إليه نقابة الطالبيين - الّتي عزل عنها ووليها مِراراً - وقلّده قضاء القضاة سنة (394هـ) زيادة إلى ولاية الحجّ والمظالم ونقابة الطالبيين، وكان التقليد له بشيراز، وكتب له عهده على جميع ذلك، ولقّب بالطاهر الأوحد ذي المناقب، فلم ينظر في قضاء القضاة؛ لامتناع القادر بالله من الإذن له بذلك. (2)

وكان الشريف أبو أحمد كثير السعي في الإصلاح، ميمون الوساطة؛ لذا كثرت سفاراته لبركة وساطته بين خلفاء بني العباس وملوك بني بويه والأمراء من بني حمدان وغيرهم.

وتوفّي الشريف المذكور بعد أن حالفته الأمراض وذهب بصره ببغداد سنة أربعمئة، ليلة السبت لخمس بقين من جمادى الأولى، ودفن في داره، ثمّ نقل منها إلى مشهد أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) في كربلاء المقدّسة، ودفن في تلك الروضة المقدّسة عند جدّه إبراهيم بن الإمام موسى (عليهما السلام)، بعد إن عمّر سبعاً وتسعين سنة، وقد رثته الشعراء مرّات كثيرة، وممّن رثاه ابنه بالقصيدة الّتي مطلعها:

____________________

(1) المنتظم: ج7، ص198.

(2) المصدر السابق: ص226 - 227.

١٩

وللأيّام ترغب عن جراحي

ألا يا قوم للقدر المتاح

والدته:

هي فاطمة بنت أبي محمّد الحسن (أو الحسين) الملقّب بالناصر الصغير ابن أحمد بن أبي محمّد الحسن الملقّب بالناصر الكبير أو الأطروش، أو الأصم، صاحب الدّيلم بن علي بن عمر الأشرف بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وهي والدة شقيقه الرضي، ويلّقب الناصر الأصم بالناصر للحقّ، وكان شيخ الطالبيين، وعالمهم، وزاهدهم، وشاعرهم، ملك بلاد الدّيلم والجبل، وجرت له حروب عظيمة مع السامانية، وتوفّي بطبرستان سنة (304هـ). (1)

وقد توفّيت فاطمة بنت الناصر المذكورة (رحمها الله) في ذي الحجّة سنة (385هـ)، ورثاها الشريف الرضي بالقصيدة الّتي مطلعها:

وأقول لو ذهب المقال بدائي

أبكيك لو نقع الغليل بكائي

ألقابه وكنيته:

اشتهر الشريف المرتضى (قدس سرّه) بلقب السيّد، والشريف، والمرتضى، وذي المجدين، وعلم الهدى، وأوّل من وسمه بهذا اللقب الأخير، هو الوزير أبو سعد محمّد بن الحسين بن عبد الصمد سنة عشرين وأربعمئة، وسبب التسمية مذكورة في كتب التاريخ والتراجم. (2) ويكنّى بأبي القاسم.

سماته الخلقية وصفاته الخلقية:

كان الشريف (رحمه الله) ربع القامة، نحيف الجسم، أبيض اللّون، حسن الصورة، اشتهر

____________________

(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1، ص13، وهامش ص 76 من مقدّمة حقائق التأويل.

(2) انظر روضات الجنّات: ص383.

٢٠