وكأنّه يريد أن يُفهّم القارئ إلى أنّ تأويله وإن كان ليس حملاً على حقيقته، لكنّه أكثر مقبولية؛ فإنّه - كما على حدّ تعبيره - كثير في كتاب الله تعالى.
والشريف المرتضى (قدس سرّه) يعتبر الجميع قد وقعوا في الوهم، وليست هذه التأويلات هي حقيقية ولا مجازية تأويلية، وإنّما إذا أردنا الخبر لا بدّ من التمسّك بآيات أُخرى، هي بمثابة تفسيرات لهذا الخبر، ويرى أنّ لتأويله نظائر كثيرة في القرآن الكريم ظاهرة على من له أدنى دربة بمذاهبهم وتصرّف كلامهم.
ولكنّ الحقيقة أنّ ردّ الأنباري والشريف المرتضى (قدس سرّه) على الجواب الأوّل الّذي نقله ابن قتيبة عن الأصمعي فيه نوع من التمحّل؛ فإنّ مقصود الأصمعي هو نفس ما طرحه الأنباري، أي: (من قرأ القرآن وعمل به، فأمّا من حفظ ألفاظه وضيع حدوده؛ فإنّه غير واعٍ له).
حدود القرآن الكريم والسنّة الشريفة:
حدود القرآن الكريم والسنّة الشريفة واحدة، فإنّ ما دل عليه القرآن الكريم تدلّ عليه السنّة الشريفة وكذا العكس. فالحدود بينهما مشتركة والعطاء متبادل، والأحكام واحدة، والمنطلق متّحد؛ ولذلك يقول النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (كتاب الله وأهل بيتي لا يفترقان).
وعلى هذا المبنى يؤكّد الشريف المرتضى (قدس سرّه) على هذه الحقيقة، وهي: إنّه لا تعدّ للقرآن من السنّة الشريفة؛ فإنّ القرآن دال على وجوب اتّباع السنّة وغيرها من أدلّة الشرع، فمن اعتمد على أدلّة الشرع لا يكون متجاوزاً للقرآن ولا متعدّياً.
ولنأتي بمثال تطبيقي على هذه الفكرة، وهو ما روي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن)، فيذكر الشريف المرتضى (قدس سرّه) عدّة وجوه تفسير لهذا الخبر، وكان رابعها هو:
(أن يكون قوله (عليه السلام): (مَن لم يتغنّ) من غنى الرجل بالمكان إذا طال مقامه به،